ترجمات المادة
- português - برتغالي
- اردو - أردو
- Deutsch - ألماني
- Shqip - ألباني
- español - إسباني
- বাংলা - بنغالي
- Kiswahili - سواحيلي
- Tiếng Việt - فيتنامي
- 한국어 - كوري
- മലയാളം - مليالم
- magyar - هنجاري مجري
- हिन्दी - هندي
- Türkçe - تركي
- 中文 - صيني
- Bahasa Indonesia - إندونيسي
- Wikang Tagalog - فلبيني تجالوج
- Français - فرنسي
- English - إنجليزي
- አማርኛ - أمهري
- Русский - روسي
- 日本語 - ياباني
- नेपाली - نيبالي
- italiano - إيطالي
الوصف المفصل
- الإسلام أصوله ومبادئه
- توطئة
- المقدمة *
- أين الطريق ؟
- وجود الله وربوبيته ووحدانيته وألوهيته سبحانه* :
- خلق الكون
- خلق الإنسان وتكريمه
- مكانة المرأة
- حكمة خلق الإنسان
- حاجة البشر إلى الدين
- ضوابط الدين الحق
- الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي :
- أقسام الديانات
- حال الديانات القائمة
- حقيقة النبوة
- آيات النبوة
- حاجة الناس إلى الرسل
- المعـاد
- أصول دعوة الرسل
- الرسالة الباقية *
- ختم النبوة
- التعريف بالإسلام *[190]:
- حقيقة الإسلام :
- حقيقة الكفر :
- أصول الإسلام ومصادره
- المرتبة الأولى*
- الإسلام: وأركانه خمسة وهي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.
- العبادة في الإسلام*
- المرتبة الثانية *
- الإيمان وأركانه ستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر.
- المرتبة الثالثة : الإحسان وهو ركن واحد وهو :
- من محاسن الإسلام* :
- التوبة
- عاقبة
من لم يلتزم بالإسلام
- 1 - الخوف وعدم الأمن :
- 2 - المعيشة الضنك :
- 3 - أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من حوله :
- 4 - أنه يعيش جاهلاً :
- 5 - أن يعيش ظالماً لنفسه، ظالماً لمن حوله :
- 6 - أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه في الدنيا :
- 7 - أن تكتب له الخيبة والخسران :
- 8 - أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه :
- 9 - أنه يُحرم الحياة الحقيقية :
- 10- أنه يخلد في العذاب :
- الخاتمة
الإسلام أصوله ومبادئه
تأليف
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والحمد لله الذي جعلنا من أتباع محمد e، والحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا من المتمسكين بهديه، الداعين إلى سبيله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، أذعن له البر والفاجر، وشهدت بعدله وفضله الأبصار والبصائر، هدى من شاء -بفضله- إلى صراطه المستقيم، وصرف عن سبيله -بعدله- من استحق العذاب المقيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أفنى عمره جهاداً ومجاهدة وصبراً ومصابرة، ودعا إلى سبيل ربه في كل ساحة وواد، ونادى: حي على الفلاح حي على الجهاد، خصه الله بخصائص عظيمة تجل عن الحصر، وجعل شريعته باقية إلى يوم القيامة، ودعاته من خلفه يحملون راياته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تزال طائفة منهم على الحق منصورة لايضرها من خذلها أو خالف أمرها، إذ هم على بصيرة من أمرهم، يقتفون أثر نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)([1])، يدعون من ضل إلى الهدى، ويحذرون الخلق من الهلاك والردى، رغبة فيما عند الله، ولئلا يتشبهون بأهل الكتاب الذين أخذ عليهم الميثاق فنبذوه وراء ظهورهم قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون(([2]).
أما بعد فإن كل من عمل في ميدان طباعة الكتب الإسلامية ونشرها وترجمتها يدرك عِظم الحاجة إلى كتاب يدعو غير المسلمين إلى الإسلام؛ لأن الكتب التي تناولت الإسلام كثيرة جداً، سواءًا كانت مجملة أم مفصلة، ولكن قد لا تجتمع فيها الشروط المطلوبة في دعوة غير المسلمين؛ لأن بعضها ألف للمسلمين ولم يقصد به غير المسلمين، وبعضها فيه تفصيل في مسائل العبادات لا يناسب بسطه أمام غير المسلمين، وبعضها اشتمل على ملاحظات تمنع الإفادة منه.
وقد عنيت بذا الأمر -منذ مدة- وكالة شؤون المطبوعات بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ولم تجد ذلك الكتاب الذي تطمح إليه، ولم يتيسر لنا في الوكالة الاتفاق مع مؤلف لكتابته، وإن كنا عرضنا ذلك على بعض المختصين، ولكن حال دون ذلك عقبات لعل مردها إلى كثرة الذنوب، والتقصير في حق علام الغيوب.
وبين آونة وأخرى يرد إلينا كتاب من مهتد جديد أو من مركز إسلامي يطلب منا أن نرشح له كتاباً ليترجمه إلى أبناء أمته، مما يناسب أن تخاطب به أمم الكفر، فنلتمس يميناً وشمالاً فلا نجد ذلك الكتاب، ونشعر بالضيق والحرج في عجزنا أن نبلغ شرع الله من خلال كتاب مختصر موجز.
وبعد ذلك رأيت أن التسويف آفة لاتنتهي، وأن رجاء المعدوم وانتظاره سفه، وأنه لاعذر لنا في تقصيرنا، فاستخرت الله وسألته العون والتوفيق على كتابة كتاب يسد تلك الثغرة -ولو مؤقتاً-، ويحقق شيئاً من ذلك الحلم الذي طالما راودنا، ولا أدعي أنني حققت تلك الغاية التي كنا نطمح إليها، ولكنني أحاول أن اختط الطريق ليعمره من بعدي، وأضع البذرة، ليسقيها غيري.
وقد حاولت قدر المستطاع أن أعرض الإسلام في هذا الكتاب عرضاً موجزاً من خلال التعريف بأركان الإسلام ومبادئه العظام، وما يتطلبه البيان من ذكر بعض المسائل والقضايا التي لابد من التعريف بها عند الدعوة إلى الإسلام.
وقد اعتمدت في هذا المنهج على الأحاديث الجامعة مثل خبر بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم..)([3])، وعلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك... إلى أن قال: ياعمر! أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ([4]).
ففي هذين الحديثين بين النبي صلى الله عليه وسلم أصول الإيمان والإسلام والإحسان، ولم يتجاوز ذلك إلى فروع المسائل، بل في الحديث الأول لم يذكر صلى الله عليه وسلم لمعاذ الصيام والحج، وعلل العلماء ذلك بتعليلات ليس هذا أوان بسطها.
كما حاولت - قدر المستطاع - أن استشهد لكل مسألة من مسائل العقيدة بآية أو أكثر من كتاب الله، استئناساً بقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ([5])، فينبغي أن يُسمعوا كلام الله، لأن له طلاوة تسلب العقول، وتأخذ بالألباب، كما أن كثيراً ممن أسلم يذكر أنه قرأ آيات من القرآن الكريم فكانت سبب هدايته، وقد حاولت -جاهداً- أن اتجنب بعض المسائل التي قد تستدعي التساؤلات والاعتراضات إلى ذهن القارئ، كذلك آثرت عدم الرد على بعض الشبهات واكتفيت بذكر الأدلة والأصول التي تنفي هذه الشبهة أو تلك.
واجتهدت أن يكون خفيفاً لطيفاً كالأدلة الإرشادية، بعيداً عن الأبواب والفصول، وثقل الكتب المنهجية.
وهذا العمل جهد بشري مطبوع بطابع البشر فيه من الضعف والنقص والخطأ، فما كان فيه من صواب وسداد فمن الله، وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأن يكتب له القبول، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله سبحانه وتعالى منزه عن الخطأ والتقصير، وأسأل الله أن يبدل خطأ هذا الكتاب صواباً، وضلاله رشاداً.
وأشكر في نهاية هذا التمهيد كل من سعى لإخراج هذا الكتاب وطبعه وترجمته ونشره وأسأل الله أن يضاعف لهم الأجر والمثوبة، وأن يجعله من العمل الصالح والعلم النافع، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المؤلف
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
المقدمة *
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فقد أرسل الله رسله إلى العالمين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأنزل الكتب هدى ورحمة ونوراً وشفاءً، فكان الرسل فيما مضى يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ويستحفظون كتبهم؛ فلذلك اندثرت كتاباتهم، وحُرِّفَتْ وبُدِّلَتْ شرائعهم؛ لأنها أنزلت لأمة محدودة، في فترة معدودة.
ثم اختص الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} ([6])، وأكرمه بخير كتاب أنزل، وهو القرآن العظيم، وتكفَّل سبحانه بحفظه، ولم يترك حفظه لخلقه فقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}([7])، وجعل شريعته باقية إلى قيام الساعة، وبين سبحانه أن من لوازم بقاء شريعته الإيمان بها، والدعوة إليها، والصبر عليها، فكان منهج محمد صلى الله عليه وسلم ومنهج أتباعه من بعده الدعوة إلى الله على بصيرة، قال تعالى موضحاً هذا المنهج: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} ([8])، وأمره بالصبر على الأذى في سبيل الله فقال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}([9])، وقال جل ثناؤه: {ياأيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}([10])، واتباعاً لهذا المنهج الإلهي الكريم، كتبت هذا الكتاب دعوة إلى سبيل الله، مستبصراً بكتاب الله، ومسترشداً بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبينت فيه بياناً موجزاً خبر خلق الكون، وخلق الإنسان وتكريمه، وإرسال الرسل إليه، وحال الديانات السابقة، ثم عرفت بالإسلام معنى وأركاناً، فمن أراد الهدى، فهاهي أدلته بين يديه، ومن أراد النجاة فقد أوضحت له طريقها، فمن رغب في اقتفاء آثار الأنبياء والمرسلين والمصلحين فهاهي سبيلهم. ومن رغب عنهم، فقد سفه نفسه، وسلك سبيل الضلال.
إن كل أصحاب ملة يدعون الناس إليها، ويعتقدون أن الحق فيها دون ما سواها، وكل أصحاب عقيدة يدعون الناس إلى اتباع صاحب عقيدتهم، وتعظيم قائد طريقهم.
أما المسلم فلا يدعو إلى اتباع طريقته؛ لأنه ليس له طريقة تخصه، إنما دينه دين الله الذي ارتضاه لنفسه قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}([11])، ولا يدعو إلى تعظيم بشر، فكل البشر في دين الله سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى، بل يدعو الناس إلى أن يسلكوا سبيل ربهم، ويؤمنوا برسله، ويتبعوا شرعه الذي أنزله على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره أن يبلغه إلى الناس كافة.
ومن أجل ذلك فقد حررت هذا الكتاب دعوة إلى دين الله الذي ارتضاه لنفسه، وأنزل به خاتم رسله، وإرشاداً لمن أراد الهداية، ودليلاً لمن أراد السعادة، فوالله لن يجد مخلوق السعادة الحقيقية إلا في هذا الدين، ولن يعرف الطمأنينة إلا مَنْ آمن بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، فقد شهد الآلاف من المهتدين إلى الإسلام -في قديم الدهر وحديثه- بأنهم لم يعرفوا الحياة الحقيقية إلا بعد إسلامهم، ولم يذوقوا السعادة إلا في ظلال الإسلام... ولأن كل إنسان يتطلع إلى السعادة، ويبحث عن الطمأنينة، ويتحرى الحقيقة، فقد أعددت هذا الكتاب، وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، داعياً إلى سبيله، وأن يكتب له القبول، وأن يجعله من العمل الصالح الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة.
وقد أذنت لمن أراد طبعه بأية لغة، أو ترجمته إلى أية لغة شريطة أن يلتزم الأمانه في نقله إلى اللغة التي سيترجمه إليها.
كما أرجو من كل من له ملاحظة أو استدراك سواء على أصل الكتاب باللغة العربية أو في أية ترجمة لهذا الكتاب أن يوافيني بها على العنوان المذكور هنا.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وله الحمد علانية وسراً، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء ربنا، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه ومن سار على منهجه وسلك سبيله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
المؤلف
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
أين الطريق ؟
حينما يكبر الإنسان ويعقل تتوارد على ذهنه أسئلة كثيرة من مثل من أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وإلى أين المصير؟ ومن خلقني وخلق هذا الكون من حولي؟ ومن يملك هذا الكون ويتصرف فيه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.
ولا يستطيع الإنسان أن يستقل بمعرفة إجابات هذه الأسئلة، ولا يقدر العلم الحديث أن يرتقي إلى الإجابة عنها؛ لأن هذه القضايا مما يدخل ضمن دائرة الدين، ولأجل ذلك تعددت الروايات، وتنوعت الخرافات والأساطير حول هذه المسائل مما يزيد في حيرة الإنسان وقلقه. ولا يمكن أن يقف الإنسان على الإجابة الشافية الكافية لهذه المسائل إلا إذا هداه الله إلى الدين الصحيح الذي يأتي بالقول الفصل في هذه المسائل وغيرها؛ لأن هذه القضايا تُعَدُّ من الأمور الغيبية، والدين الصحيح هو الذي ينفرد بالحق وقول الصدق؛ لأنه وحده من الله أوحاه إلى أنبيائه ورسله؛ ولذا كان لزاماً على الإنسان أن يقصد الدين الحق ويتعلمه ويؤمن به، لتذهب عنه الحيرة، وتزول عنه الشكوك، ويهتدى إلى الصراط المستقيم.
وفي الصفحات التالية أدعوك إلى اتباع صراط الله المستقيم، وأعرض أمام ناظريك بعض أدلته وبراهينه وحججه، لتنظر فيها بتجرد وتمعن وأناة.
وجود الله وربوبيته ووحدانيته وألوهيته سبحانه* :
يعبد الكفار آلهة مخلوقة مصنوعة كالشجر والحجر والبشر؛ ولذا سأل اليهود والمشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة الله ومن أي شيء هو، فأنزل الله: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}([12])، وعرف عباده بنفسه فقال: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}([13])، وقال عز من قائل: {الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون. وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار} إلى أن قال: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}([14])، وقال جل ثناؤه: {قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولاضراً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}([15]).
وأقام سبحانه لهم آياته شواهد وبينات فقال: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}([16])، وقال سبحانه: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين. ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله}([17]).
ووصف نفسه بنعوت الجمال والكمال فقال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}([18])، وقال: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير}([19])، وقال جل ثناؤه: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون}([20]).
هذا الرب الإله الحكيم القادر الذي عرّف عباده بنفسه، وأقام لهم آياته شواهد وبينات، ووصف نفسه بصفات الكمال -دلت على وجوده وربوبيته وألوهيته الشرائع النبوية، والضرورة العقلية، والفطرة الخلقية، وأجمعت الأمم على ذلك، وسأبين لك شيئاً من ذلك فيما يلي، فأما أدلة وجوده وربوبيته فهي:
1 - خلق هذا الكون وما فيه من بديع الصنع :
يحيط بك أيها الإنسان هذا الكون العظيم ويتكون من سموات وكواكب ومجرات، وأرض ممدودة فيها قطع متجاورات يختلف ما ينبت فيها باختلافها، وفيها من كل الثمرات، ومن كل المخلوقات تجد زوجين اثنين.. فهذا الكون لم يخلق نفسه، ولابد له من خالق حتماً؛ لأنه لا يمكن أن يخلق نفسه، فمن الذي خلقه على هذا النظام البديع وأكمله هذا الكمال الحسن، وجعله آية للناظرين إلا الله الواحد القهار الذي لا رب سواه ولا إله غيره قال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون}([21])، فتضمنت هاتان الآيتان ثلاث مقدمات هي:
1 - هل خُلِقَوا من العدم؟
2 - هل خلقوا أنفسهم؟
3 - هل خَلَقُوا السموات والأرض؟
فإذا لم يكونوا خُلِقُوا من عدم، ولم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا السموات والأرض؛ فتعين أنه لابد من الإقرار بوجود خالق خلقهم وخلق السموات والأرض وهو الله الواحد القهار.
2 - الفطرة :
الخلق مفطورون على الإقرار بالخالق، وأنه أجل وأكبر وأعظم وأكمل من كل شيء، وهذا الأمر راسخ في الفطرة أشد رسوخاً من مبادئ العلوم الرياضية ولا يحتاج إلى إقامة الدليل إلا من تغيرت فطرته، وعرض لها من الأحوال ما يصرفها عما تسلِّم به([22])، قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}([23])، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة واقرؤا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)([24])، وقال: -أيضاً- صلى الله عليه وسلم: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)([25]).
3 - إجماع الأمم :
أجمعت الأمم - قديمها وحديثها - بأن لهذا الكون خالقاً وهو الله رب العالمين، وأنه خالق السموات والأرض، ليس له شريك في خلقه، كما أنه ليس له شريك في ملكه سبحانه.
ولم ينقل عن أية أمة من الأمم الماضية أنها كانت تعتقد أن آلهتها شاركت الله في خلق السموات والأرض؛ بل كانوا يعتقدون أن الله خالقهم وخالق آلهتهم فلا خالق غيره ولا رازق غيره، والنفع والضر بيده سبحانه([26])، قال تعالى مخبراً عن إقرار المشركين بربوبية الله: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون. الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم. ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون}([27])، وقال جل ثناؤه: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}([28]).
4 - الضرورة العقلية :
لا تجد العقول بداً من الإقرار بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً؛ لأن العقل يرى الكون مخلوقاً محدثاً، وأنه لم يوجد نفسه، والمحدَث لا بدله من مُحْدِث.
والإنسان يعلم أنه تمر به أزمات ومصائب، وحينما لا يقدر البشر على دفعها فإنه يتجه بقلبه إلى السماء ويستغيث بربه ليفرج همه، ويكشف غمه، وإن كان في سائر أيامه ينكر ربه ويعبد صنمه، فهذه ضرورة لا تدفع، ولابد من الإقرار بها، بل إن الحيوان إذا ألمت به مصيبة رفع رأسه وشخص ببصره إلى السماء. وقد أخبر الله عن الإنسان أنه إذا أصابه ضر أسرع إلى ربه يسأله أن يكشف ضره قال تعالى: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً}([29])، وقال تعالى مخبراً عن حال المشركين: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون}([30])، وقال عز من قائل: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور}([31]).
هذا الإله الذي أوجد الكون من عدم، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وركز في فطرته عبوديته والاستسلام له، وأذعنت العقول لربوبيته وألوهيته، وأجمعت الأمم على الاعتراف بربوبيته... لابد أن يكون واحداً في ربوبيته وألوهيته، فكما أنه لا شريك له في الخلق؛ فكذلك لا شريك له في ألوهيته، والأدلة على ذلك كثيرة منها*:
1 - ليس في هذا الكون إلا إله واحد هو الخالق الرازق، ولا يجلب النفع ويدفع الضر إلا هو، ولو كان في هذا الكون إله آخر؛ لكان له فعل وخلق وأمر، ولا يرضى أحدهما بمشاركة الإله الآخر([32])، ولابد لأحدهما من مغالبة الآخر وقهره، والمغلوب لا يمكن أن يكون إلهاً، والغالب هو الإله الحق، لا يشاركه إله في ألوهيته كما لم يشاركه إله في ربوبيته قال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} ([33]).
2- لا يستحق العبادة إلا الله الذي له ملك السموات والأرض؛ لأن الإنسان يتقرب إلى الإله الذي يجلب له النفع ويدفع عنه الضر، ويصرف عنه الشر والفتن، وهذه الأمور لا يستطيعها إلا من ملك السموات والأرض وما بينهما، ولو كان معه آلهة كما يقول المشركون، لاتخذ العباد السبل الموصلة إلى عبادة الله الملك الحق؛ لأن جميع هؤلاء المعبودين من دون الله إنما كانوا يعبدون الله ويتقربون إليه، فحري بمن أراد أن يتقرب إلى من بيده النفع والضر أن يعبد الإله الحق الذي يعبده من في السموات والأرض بما فيهم هؤلاء الآلهة المعبودون من دون الله قال تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً} ([34])، وليقرأ مريد الحق قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} ([35])، فإن هذه الآيات تقطع تعلق القلب بغير الله بأربعة أمور هي:
الأول : أن هؤلاء الشركاء لا يملكون مثقال ذرة مع الله، والذي لا يملك مثقال ذرة لا ينفع ولا يضر ولا يستحق أن يكون إلهاً أو مشاركاً لله، والله هو الذي يملكهم ويتصرف فيهم وحده.
الثاني : أنهم لا يملكون شيئاً من السموات والأرض، وليس لهم مثقال ذرة من مشاركة فيهما.
الثالث : ليس لله معين من خلقه؛ بل هو الذي يعينهم على ما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم لكمال غناه عنهم، وضرورتهم إلى ربهم.
الرابع : أن هؤلاء الشركاء لا يملكون أن يشفعوا عند الله لأتباعهم، ولا يؤذن لهم فيها، ولا يأذن سبحانه إلا لأوليائه أن يشفعوا، ولا يشفع الأولياء إلا لمن رضي الله قوله وعمله واعتقاده([36]).
3 - انتظام أمر العالم كله وإحكام أمره أدل دليل على أن مدبره إله واحد، وملك واحد، ورب واحد، لا إله للخلق غيره، ولا رب لهم سواه، فكما يمتنع وجود خالقين لهذا الكون، فكذلك يمتنع وجود إلهين قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}([37])، فلو فرض أن في السماء والأرض إلهاً غير الله لفسدتا، ووجه الفساد: أنه إذا كان مع الله إله آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادراً على الاستبداد والتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف، ويحدث بسببه الفساد([38]). وإذا كان البدن يستحيل أن يكون المدبر له روحان متساويان، ولو كان كذلك لفسد وهلك، وهذا محال، فكيف يتصور هذا في الكون وهو أعظم([39])،
4 - إجماع الأنبياء والمرسلين على ذلك:
تجمع الأمم على أن الأنبياء والمرسلين هم أكمل الناس عقولاً، وأزكاهم أنفساً، وأفضلهم أخلاقاً، وأنصحهم لرعاياهم، وأعلمهم بمراد الله، وأرشدهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم؛ لأنهم يتلقون الوحي عن الله، فيبلغونه للناس، وقد اتفق جميع الأنبياء والمرسلين من أولهم آدم عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم على دعوة أقوامهم إلى الإيمان بالله، وترك عبادة ما سواه، وأنه الإله الحق قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}([40])، وقال جل ثناؤه عن نوح عليه السلام إنه قال لقومه: {ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}([41])، وقال سبحانه عن آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم إنه قال لقومه: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}([42]).
هذا الإله الذي أوجد الكون من عدم فأبدعه، وخلق الإنسان في أحسن تقويم وكرمه، وركز في فطرته الإقرار بربوبية الله وألوهيته، وجعل نفسه لا تستقر إلا إذا استسلمت لخالقها وسارت على منهجه، وفرض على روحه ألا تطمئن إلا إذا سكنت إلى بارئها، واتصلت بخالقها، ولا صلة لها إلا من خلال صراطه المستقيم الذي بلغته الرسل الكرام، ومنحه عقلاً لا يستقيم أمره ولا يقوم بوظيفته على أكمل وجه إلا إذا آمن بربه.
فإذا استقامت الفطرة، واطمأنت الروح، واستقرت النفس، وآمن العقل تحققت له السعادة والأمن والاطمئنان في الدنيا والآخرة.. وإن أبى الإنسان غير ذلك عاش مشتتاً متفرقاً يهيم في أودية الدنيا، ويتوزع بين آلهتها، لا يدري من يحقق له النفع، ومن يدفع عنه الضر، ومن أجل أن يستقر الإيمان في النفس، وتتضح شفاعة الكفر، ضرب الله لذلك مثلاً -لأن المثل مما يقرب المعنى إلى الذهن- قارَنَ فيه بين رجل تفرق أمره بين آلهة متعددة ورجل يعبد ربه وحده فقال سبحانه: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}([43]). يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه، وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على منهج، ولايستقر على طريق، ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح. فلا يستويان فهذا يخضع لسيد واحد وينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين، وذاك يخضع لسادة متشاكسين فهو معذب قلق لا يستقر على حال ولا يرضي واحداً منهم فضلاً عن أن يرضي الجميع.
وبعد أن أوضحت الأدلة الدالة على وجود الله وربوبيته وألوهيته، يحسن أن نتعرف على خلقه للكون والإنسان، وأن نتلمس حكمته في ذلك.
خلق الكون
هذا الكون بسمواته وأرضه ونجومه ومجراته وبحاره وأشجاره وسائر حيواناته خلقه الله سبحانه وتعالى من عدم قال تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم}([44]).
وقال جل ثناؤه : {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون. وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون}([45]).
هذا الكون خلقه الله لحكم عظيمة تعجز عن الحصر، ففي كل جزء منه حكم عظيمة، وآيات باهرة، ولو تأملت أية واحدة منها لوجدت فيها عجباً، فانظر إلى عجائب صنع الله في النبات التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفاصيلها، وانظر إلى مجاري الماء في تلك العروق الرقيقة الضئيلة الضعيفة التي لا يكاد البصر يدركها إلا بعد تحديقه، كيف تقوى على اجتذاب الماء من أسفل إلى أعلى، ثم يتنقل في تلك المجاري بحسب قبولها وسعتها، ثم تتفرق وتشعب وتدق إلى غاية لا ينالها البصر، ثم انظر إلى تكوّن حمل الشجرة ونقْلته من حال إلى حال، كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار. بينا تراها حطباً عارياً لا كسوة عليها إذ كساها ربها وخالقها من الورق أحسن كسوة، ثم اطلع فيها حملها ضعيفاً ضئيلاً بعد أن أخرج ورقها صيانة له، وثوباً لتلك الثمرة، الضعيفة لتستجن به من الحر والبرد والآفات، ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذاها في تلك العروق والمجاري فتغذت به، كما يتغذي الطفل بلبن أمه، ثم رباها ونماها حتى استوت وكملت وتناهى إدراكها فأخرج ذلك الجنى اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء.
وأنت إذا نظرت إلى الأرض وكيف خلقت؛ رأيتها من أعظم آيات فاطرها ومبدعها، خلقها سبحانه فراشاً ومهاداً وذللها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتاداً تحفظها لئلا تميد، ووسع أكنافها،ودحاها فمدها وبسطها، وجعلها كفاتاً للأحياء تضمهم على ظهرها، وكفاتاً للأموات تضمهم في بطنها إذا ماتوا؛ فظهرها وطن للأحياء، وبطنها وطن للأموات، ثم انظر إلى هذا الفلك الدوار بشمسه وقمره ونجومه وبروجه، وكيف يدور على هذا العالم هذا الدوران الدائم إلى آخر الأجل على هذا الترتيب والنظام، وما في طي ذلك من اختلاف الليل والنهار والفصول والحر والبرد.. وما في ضمن ذلك من مصالح ما على الأرض من أصناف الحيوان والنبات.
ثم تأمل خلق السماء، وأرجع البصر فيها كرة بعد كرة تراها من أعظم الآيات في علوها وسعتها وقرارها، فلا عمد تحتها، ولا علاقة فوقها، بل هي ممسوكة بقدرة الله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا..
وأنت إذا نظرت إلى هذا الكون وتأليف أجزائه، ونظمها على أحسن نظام يدل على كمال قدرة خالقه، وكمال علمه، وكمال حكمته، وكمال لطفه؛ وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع آلاته ومصالحه، وكل ما يُحتاج إليه، فالسماء سقفه المرفوع عليه، والأرض مهاد وبساط وفراش مستقر للساكن، والشمس والقمر سراجان يزهران فيه، والنجوم مصابيح له وزينته أدلة للمتنقل في طرق هذه الدار، والجواهر والمعادن مخزونة فيه كالذخائر المهيأة، كل شيء منها لشأنه الذي يصلح له، وصنوف النبات مهيأ لمآربه، وصنوف الحيوان مصروفة لمصالحه، فمنها الركوب، ومنها الحلوب، ومنها الغذاء، ومنها اللباس، ومنها الحرس.. وجعل الإنسان كالملك المخول في ذلك المتصرف فيه بفعله وأمره.
وأنت لو تأملت هذا الكون كله أو جزءاً من أجزائه، لوجدت فيه عجباً، ولو تمعنت فيه تمام الإمعان، وأنصفت من نفسك، وتخلصت من ربقة الهوى والتقليد؛ لأيقنت تمام اليقين أن هذا الكون مخلوق، خلقه حكيم قدير عليم، قدره أحسن تقدير، ونظّمه أحسن نظام، وأن الخالق يستحيل أن يكون اثنين؛ بل الإله واحد لا إله إلا هو، وأنه لو كان في السموات والأرض إله غير الله لفسد أمرهما، واختل نظامها، وتعطلت مصالحها.
فإن أبيت إلا أن تنسب الخلق إلى غير خالقه، فما تقول في دولاب دائر على نهر قد أحكمت آلاته، وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته، ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها، ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها، فلا يختل منها شيء ولا يتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، لكل صنف ما يليق به، ويقسم هكذا على الدوام.
أترى هذا وقع اتفاقاً بلا صانع ولا مختار ولا مدبر؟؟ بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة،، وكل ذلك اتفاقاً من غير فاعل ولا مدبر، أفترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟؟ ([46]).
الحكمة من ذلك
بعد هذا التطواف والتأمل في خلق هذا الكون، يحسن بنا أن نذكر بعض الحكم التي من أجلها خلق الله هذه الكائنات العظيمة والآيات الباهرة فمن ذلك:
1 - التسخير للإنسان: لما قضى الله أن يجعل في هذه الأرض خليفة يعبده فيها، ويعمر هذه الأرض؛ خلق لأجله كل ذلك، لتستقيم حياته، ويصلح له أمر معاشه ومعاده قال تعالى: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه}([47]). وقال جل ثناؤه: {الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}([48]).
2 - أن تكون السموات والأرض وسائر ما في الكون شواهد على ربوبيته وآيات على وحدانيته: ذلك أن أعظم أمر في هذا الوجود هو الإقرار بربوبيته والإيمان بوحدانيته، ولأنه أعظم أمر؛ فقد أقام عليه أعظم الشواهد، ونصب له أكبر الآيات، واحتج له بأبلغ الحجج، فأقام سبحانه السموات والأرض وسائر الموجودات لتكون شاهدة على ذلك؛ ولذا يكثر في القرآن ورود: {ومن آياته} كما في قوله تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض} {ومن آياته منامكم بالليل والنهار} {ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً} {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره}([49]).
3 - أن تكون شاهدة على البعث: لما كانت الحياة حياتين، حياة في الدنيا، وحياة في الدار الآخرة، وحياة الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية قال تعال: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}([50])؛ لأنها دار الجزاء والحساب، ولأن فيها الخلود الأبدي في النعيم لأهله، والخلود الأبدي في العذاب لأهله.
ولما كانت هذه الدار لا يصل إليها الإنسان إلا بعد ما يموت ويبعث بعد موته؛ أنكر ذلك كل من انقطعت صلته بربه، وانتكست فطرته، وفسد عقله؛ فلأجل ذلك نصب الله الحجج وأقام البراهين، حتى تؤمن بالبعث النفوس، وتوقن به القلوب؛ لأن إعادة الخلق أهون من إيجاده أول مرة، بل خلق السموات والأرض أعظم من إعادة خلق الإنسان. قال تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}([51])، وقال تعالى: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس}([52])، وقال جل ثناؤه: {الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون}([53]).
وبعد يا أيها الإنسان :
إذا كان كل هذا الكون سخر من أجلك، وإذا انتصبت آياته وأعلامه شواهد أمام ناظريك تشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وإذا علمت أن بعثك وحياتك بعد موتك أهون من خلق السموات والأرض، وأنك ملاق ربك فمحاسبك على عملك، وإذا علمت أن هذا الكون كله عابد لربه فكل مخلوقاته تسبح بحمد ربها قال تعالى: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض}([54])، وتسجد لعظمته قال جل ثناؤه: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب}([55])، بل هذه الكائنات تصلي لربها صلاة تناسبها قال عز اسمه: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه}([56]).
وإذا كان جسمك يسير في نظامه وفق تقدير الله وتدبيره فالقلب والرئتان والكبد وسائر الأعضاء مستسلمة لربها، مسلمة قيادها لربها.. أفيكون قرارك الاختياري الذي خيّرت فيه بين أن تؤمن بربك، وبين أن تكفر به، أفيكون هذا القرار هو النشاز والشذوذ عن هذه المسيرة المباركة في الكون من حولك بل وفي بدنك.
إن الإنسان العاقل الكامل يربأ بنفسه أن يكون هو الشذوذ والنشاز في خضّم هذا الكون العظيم الفسيح.
خلق الإنسان وتكريمه
قضى الله أن يخلق خلقاً جديراً بعمارة هذا الكون؛ فكان هذا المخلوق هو الإنسان، واقتضت حكمته سبحانه أن تكون المادة التي يخلق منها الإنسان هي الأرض، وبدأ خلقه من طين، ثم صوره على هذه الصورة الحسنة التي عليها الإنسان، فلما استوى متكاملاً في شكله، نفخ فيه من روحه؛ فإذا هو إنسان في أحسن تقويم يسمع ويبصر ويتحرك ويتكلم، فأسكنه ربه جنته، وعلمه كل ما يحتاج إلى معرفته، وأباح له كل ما في هذه الجنة، ونهاه عن شجرة واحدة -ابتلاءً وامتحاناً- وأراد الله أن يظهر منزلته ومكانته؛ فأمر ملائكته بالسجود له، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس امتنع عن السجود تكبراً وعناداً، فغضب عليه ربه، لمخالفة أمره، وطرده من رحمته؛ لأنه تكبر عليه، فطلب إبليس من ربه أن يمد في عمره وأن يمهله إلى يوم القيامة؛ فأمهله ربه ومد في عمره إلى يوم القيامة، وحسد الشيطانُ آدم، لما فضل عليه هو وذريته، وأقسم بربه أن يغوي جميع بني آدم وأنه سيأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، إلا عباد الله المخلصين الصادقين المتقين، فإن الله عصمهم من كيد الشيطان ومكره، وحذر الله آدم من كيد الشيطان، فوسوس الشيطان لآدم وزوجه حواء؛ ليخرجهما من الجنة، وليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما، وأقسم لهما إني لكما ناصحاً، وأن الله لم ينهكما عن تلك الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
فأكلا من تلك الشجرة التي نهى الله عنها، فكان أول ما أصابهما من عقوبة على مخالفة أمر الله أن بدت لهما سوءاتهما، فذكرّهما ربهما بتحذيره لهما من كيد الشيطان، فاستغفر آدم ربه، فغفر له وتاب عليه واجتباه وهداه، وأمره أن يهبط من الجنة التي كان يسكنها إلى الأرض؛ إذ هي مستقرة، وفيها متاعه إلى حين، وأخبره أنه منها خلق وعليها يعيش وفيها يموت، ومنها يبعث.
فهبط آدم إلى الأرض هو وزوجه حواء، وتناسلت ذريتهما، وكانوا يعبدون الله وفق ما أمرهم، إذ كان آدم نبياً.
وقد أخبرنا الله هذا الخبر فقال سبحانه: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين. قال أنظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجمعين. ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهم الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين. فدلهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}([57]).
وحينما تتأمل عظيم صنع الله لهذا الإنسان؛ حيث خلقه في أحسن تقويم، وألبسه خِلَع الكرامة كلها من: العقل، والعلم، والبيان، والنطق، والشكل، والصورة الحسنة، والهيئة الشريفة، والجسم المعتدل، واكتساب العلوم بالاستدلال والفكر، واقتناص الأخلاق الشريفة الفاضلة من: البر، والطاعة، والانقياد، فكم بين حاله وهو نطفة داخل الرحم مستودع هناك، وبين حاله والملك يدخل عليه في جنات عدن؟ {فتبارك الله أحسن الخالقين} ([58]).
فالدنيا قرية، والإنسان ساكنها والكل مشغول به، ساع في مصالحه، والكل قد أقيم في خدمته وحوائجه، فالملائكة الموكلون به يحفظونه آناء الليل وأطراف النهار، والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقه ويعملون فيه، والأفلاك سخرت منقادة دائرة بما فيه مصالحه، والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنته وأوقاته وإصلاح رواتب أقواته، والعالم الجوي مسخر له برياحه وهوائه، وسحابه وطيره وما أودع فيه، والعالم السفلي كله مسخرٌ له، مخلوق لمصالحه، أرضه وجباله، وبحاره وأنهاره، وأشجاره وأثماره، ونباته وحيوانه وكل مافيه كما قال تعالى: {الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}([59])، ومن تمام تكريمه أن خلق له جميع ما يحتاج إليه في حياته الدنيا، وما يحتاج إليه من الوسائل التي تبلغه الدرجات العلى في الدار الآخرة؛ فأنزل إليه كتبه، وأرسل إليه رسله، يبينون له شرع الله ويدعونه إليه.
ثم خلق له من نفسه -أي من نفس آدم- زوجاً يسكن إليه، ملبياً لحاجاته الفطرية -نفسية وعقلية وجسدية- بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما الجسدي والنفسي والعصبي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما لإنشاء جيل جديد، وأودعت نفوسهما هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكناً للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء.
واختص الله المؤمنين من بين بني الإنسان، فجعلهم أهل ولايته، استخدمهم في طاعته، يعملون له وفق شريعته؛ ليكونوا أهلاً لمجاورة ربهم في جنته. اصطفى منهم الأولياء والشهداء والأنبياء والمرسلين، ومنحهم في هذه الدنيا أعظم نعمة تنعم بها النفوس ألا وهي: عبادة الله وطاعته ومناجاته، واختصهم بنعم عظيمة -لا يجدها غيرهم- منها الأمن والطمأنينة والسعادة، بل أعظم من ذلك أنهم يعلمون الحق الذي جاء به المرسلون ويؤمنون به، وادّخر لهم -في الدار الآخرة- من النعيم المقيم والفوز العظيم، ما يليق بكرمه سبحانه، ويكافيء إيمانهم به وإخلاصهم له.
مكانة المرأة
بلغت المرأة في الإسلام منزلة عالية، لم تبلغها ملة ماضية، ولم تدركها أمة تالية، إذ إن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة والرجل على حد سواء، فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء، كما أنهم أمام ثوابه وجزائه سواء في الدار الآخرة، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} ([60])، وقال عز من قائل: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} ([61])، وقال جل ثناؤه: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ([62])، وقال سبحانه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ([63])، وقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} ([64])، وقال تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}([65])، وقال جل ثناؤه: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} ([66]). وقال عز من قائل: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً}([67]).
وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أية ديانة أو ملة أو قانون فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل، ولا حقوق لها على الإطلاق، واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة، فقرر أنها كائن لا نفْس له، وأنها لهذا- لن ترث الحياة الأخروية، وأنها رجس.
وكانت المرأة في أثينا تُعَدُّ من سقط المتاع، فكانت تباع وتشترى، وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان.
وقررت شرائع الهند القديمة: أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة، وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها -الذي هو سيدها- فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت عليها اللعنة.
أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي: (درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون؛ فوجدت أمرّ من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود)([68]).
تلك هي المرأة في العصور القديمة، أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية:
شرح الكاتب الدانمركي Wieth Kordsten اتجاه الكنيسة الكاثوليكية نحو المرأة بقوله: (خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدودة جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية) وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً؟ وبعد النقاش: قرر المجتمعون أن المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي: (المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها- لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية).
وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى عام 1882م ليس لهن حقوق شخصية ([69]).
أما المرأة المعاصرة في أوربا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية، إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية، بل وصل بها الحال إلى أن تجرد من ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها وعرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
وهي محل العناية مادامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها، فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته، وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية.
قارن هذا -ولا سواء- بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ([70])، وقوله جل ثناؤه {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ([71])، وقوله عزوجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} ([72]).
وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً، وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل.
حكمة خلق الإنسان
لله سبحانه من الحكم في ذلك ما تعجز العقول عن معرفته، والألسن عن صفته، وسنستعرض في هذه الوقفات شيئاً من هذه الحكم فمنها:
1 - أنه سبحانه له الأسماء الحسنى فمن أسمائه: الغفور، الرحيم، العفو، الحليم،... ولابد من ظهور آثار هذه الأسماء، فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته داراً يظهر عليهم فيها أثر أسمائه الحسنى، فيغفر لمن يشاء، ويرحم من يشاء، ويعفو عمن يشاء ويحلم على من يشاء إلى غير ذلك من ظهور أثر أسمائه وصفاته.
2 - أنه سبحانه الملك الحق المبين؛ والملك هو الذي يأمر وينهي ويثيب ويعاقب، ويهين ويكرم، ويعز ويذل، فاقتضى ملكه سبحانه أن أنزل آدم وذريته داراً تجرى عليهم فيها أحكام الملك، ثم ينقلهم إلى دار يتم فيها جزاؤهم على أعمالهم.
3 - أنه سبحانه أراد أن يتخذ منهم أنبياء ورسلاً وأولياء وشهداء يحبهم ويحبونه، فخلى بينهم وبين أعدائه وامتحنهم بهم، فلما آثروه وبذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته ومحبته؛ نالوا من محبته ورضوانه والقرب منه ما لم يكن لينال بدون ذلك أصلاً، فدرجة الرسالة والنبوة والشهادة من أفضل الدرجات عند الله، ولم يكن ينال الإنسان هذا إلا على هذا الوجه الذي قضاه الله سبحانه من إهباط أدم وذريته إلى الأرض.
4 - أن الله سبحانه خلق آدم وذريته من تركيب قابل للخير والشر ومستلزم لداعي الشهوة والفتنة، وداعي العقل والعلم، فإنه سبحانه خلق فيه العقل والشهوة، ونصبهما داعيين بمقتضياتهما ليتم مراده، ويظهر لعباده عزته في حكمته وجبروته، ورحمته وبره ولطفه في سلطانه وملكه؛ فاقتضت حكمته أن أنزل آدم وذريته إلى الأرض ليتم الامتحان وتظهر آثار استعداد الإنسان لهذه الدواعي واستجابته لها، وتكريمه أو إهانته تبعاً لذلك.
5 - أن الله سبحانه خلق الخلق لعبادته، وهي الغاية من خلقهم قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}([73])، ومعلوم أن كمال العبودية المطلوب من الخلق لا يحصل في دار النعيم والبقاء؛ إنما يحصل في دار المحنة والبلاء، أما دار البقاء فدار لذة ونعيم، لا دار امتحان وتكليف.
6 - أن الإيمان بالغيب هو الإيمان النافع، أما الإيمان بالمشاهدة فكل أحد يؤمن يوم القيامة، فلو خلقوا في دار النعيم لم ينالوا درجة الإيمان بالغيب الذي تعقبه اللذة والكرامة الحاصلة بسبب الإيمان بالغيب؛ فلذلك أنزلهم إلى دار يكون لإيمانهم فيها بالغيب مجال.
7 - أن الله خلق آدم عليه السلام من قبضة من جميع الأرض، والأرض فيها الخبيث والطيب، والحزن والسهل، فعلم سبحانه أن في ذرية آدم من لا يصلح لمساكنته في داره؛ فأنزله إلى دار استخرج فيها الطيب والخبيث، ثم ميّزهم سبحانه بدارين: فجعل الطيبين أهل جواره ومساكنته، وجعل الخبيثين أهل دار الشقاء دار الخبثاء.
8 - أن الله سبحانه أراد من ذلك أن يعرف عباده الذين أنعم عليهم تمام نعمته عليهم وقدرها؛ ليكونوا أعظم محبة وشكراً، وأعظم التذاذاً بما أعطاهم من النعيم، فأراهم سبحانه فعله بأعدائه وما أعد لهم من العذاب، وأشهدهم تخصيصهم بأعلى أنواع النعيم؛ ليزداد سرورهم، وتكمل غبطتهم، ويعظم فرحهم، وكان ذلك من تمام الإنعام عليهم ومحبتهم، ولم يكن بد في ذلك من إنزالهم إلى الأرض وامتحانهم واختيارهم، وتوفيق من شاء منهم رحمة منه وفضلاً، وخذلان من شاء منهم حكمة منه وعدلاً. وهو العليم الحكيم.
9 - أن الله أراد أن يعود إليها آدم وذريته وهم على أحسن أحوالهم، فأذاقهم قبل ذلك من نصب الدنيا وغمومها وهمومها وأوصابها ما يعظم به عندهم مقدار دخولهم إليها في الدار الآخرة؛ فإن الضد يظهر حسنه الضد([74]).
وبعد أن أوضحت بداية الإنسان فيحسن أن نبيّن احتياجه إلى الدين الصحيح.
حاجة البشر إلى الدين
حاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجتهم إلى ماسواه من ضرورات الحياة؛ لأن الإنسان لابد له من معرفة مواقع رضى الله سبحانه ومواقع سخطه، ولابد له من حركة يجلب بها منفعته، وحركة يدفع بها مضرته، والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفع والتي تضر، وهو عدل الله في خلقه، ونوره بين عباده، فلا يمكن للناس أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه وما يتركونه.
وإذا كان للإنسان إرادة فلا بد له من معرفة ما يريده، وهل هو نافع له أو ضار؟ وهل يصلحه أو يفسده؟. وهذا قد يعرفه بعض الناس بفطرهم، وبعضه يعرفونه بالاستدلال إليه بعقولهم، وبعضه لا يعرفونه إلا بتعريف الرسل وبيانهم لهم وهدايتهم إياهم ([75]).
فمهما استعلنت المذاهب المادية الإلحادية وتزخرفت، ومهما تعددت الأفكار والنظريات فلن تغني الأفراد والمجتمعات عن الدين الصحيح، ولن تستطيع أن تلبي متطلبات الروح والجسد، بل كلما توغل الفرد فيها؛ أيقن تمام اليقين أنها لا تمنحه الأمن، ولا تروي له ظمأً، وألا مهرب منها إلا إلى الدين الصحيح، يقول أرنست رينان: (إن من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه، وأن تبطل حرية استعمال العقل والعلم والصناعة، ولكن يستحيل أن ينمحي التدين، بل سيبقى حجة ناطقة على بطلان المذهب المادي الذي يريد أن يحصر الإنسان في المضايق الدنيئة للحياة الأرضية) ([76]).
ويقول محمد فريد وجدي (يستحيل أن تتلاشى فكرة التدين؛ لأنها أرقىميول النفس وأكرم عواطفها، ناهيك بميل يرفع رأس الإنسان، بل إن هذا الميل سيزداد، ففطرة التدين ستلاحق الإنسان مادام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح، وستزداد فيه هذه الفطرة على نسبة علو مداركه ونمو معارفه) ([77]).
فإذا ابتعد الإنسان عن ربه فعلى قدر علو مداركه واتساع آفاق علمه، يدرك عظم جهله بربه وما يجب له، وجهله بنفسه وما يصلحها ويفسدها، ويسعدها ويشقيها، وجهله في جزئيات العلوم ومفرداتها كعلوم الأفلاك والمجرات وعلوم الحاسب والنواة وغيرها... وحينئذ يتراجع العالم من مرحلة الغرور والكبرياء إلى التواضع والاستسلام، ويعتقد أن وراء العلوم عالماً حكيماً، ووراء الطبيعة خالقاً قادراً، وتلزم هذه الحقيقةُ الباحثَ المنصف بالإيمان بالغيب والإذعان للدين القويم، والاستجابة لنداء الفطرة والغريزة الجِبِلِّيَّة... وإذا تخلى الإنسان عن ذلك انتكست فطرته وتردى إلى مستوى الحيوان الأعجم.
ونخلص بهذا إلى أن التدين الحق -الذي يعتمد على إفراد الله بالتوحيد، والتعبد له وفق ما شرع- عنصر ضروري للحياة ليحقق المرء من خلاله عبوديته لله رب العالمين، ولتحصيل سعادته وسلامته من العطب والنصب والشقاء في الدارين، وهو ضروري لتكتمل القوة النظرية في الإنسان؛ فبه وحده يجد العقل ما يشبع نهمته، ومن دونه لا يحقق مطامحه العليا.
وهو عنصر ضروري لتزكية الروح وتهذيب قوة الوجدان، إذ العواطف النبيلة تجد في الدين مجالاً ثراً، ومنهلاً لا ينفد معينه تدرك فيه غايتها.
وهو عنصر ضروري لتكتمل قوة الإرادة بما يمدها بأعظم البواعث والدوافع ويدرّعها بأكبر وسائل المقاومة لعوامل اليأْس والقنوط.
وعلى هذا فإذا كان هناك من يقول: إن الإنسان مدني بطبعه. فينبغي أن نقول: (إن الإنسان متدين بفطرته)([78])، لأن للإنسان قوتين: قوة علمية نظرية، وقوة علمية إرادية، وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والإرادية، ولا يتحقق استكمال القوة العلمية إلا بمعرفة ما يلي:
1 - معرفة الإله الخالق الرازق الذي أوجد الإنسان من عدم وأسبغ عليه النعم.
2 - معرفة أسماء الله وصفاته، ومعرفته وما يجب له سبحانه، وأثر هذه الأسماء على عباده.
3 - معرفة الطريق التي توصل إليه سبحانه.
4 - معرفة المعوقات والآفات التي تحول بين الإنسان وبين معرفة هذا الطريق وما توصل إليه من النعيم العظيم.
5 - معرفة نفسك معرفة حقيقية، ومعرفة ما تحتاج إليه، وما يصلحها أو يفسدها، ومعرفة ما تشتمل عليه من المزايا والعيوب.
فبهذه المعارف الخمس يستكمل الإنسان قوته العلمية، واستكمال القوة العلمية والإرادية لا يحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، والقيام بها إخلاصاً وصدقاً ونصحاً ومتابعةً، وشهوداً لمنته عليه ولا سبيل إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى أولياءه إليه([79]).
بعد أن عرفنا أن الدين الصحيح هو المدد الإلهي لقوى النفس المختلفة، فإن الدين – أيضاً - هو الدرع الواقي للمجتمع؛ ذلك لأن الحياة البشرية لا تقوم إلا بالتعاون بين أعضائها، ولا يتم هذا التعاون إلا بنظام ينظم علاقاتهم، ويحدد واجباتهم، ويكفل حقوقهم، وهذا النظام لا غنى له عن سلطان نازع وازع يردع النفس عن انتهاكه، ويرغبها في المحافظة عليه، ويكفل مهابته في النفوس ويمنع انتهاك حرماته. فما هو هذا السلطان؟ فأقول: ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام النظام، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.
والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمع ولا بصر، وإنما هو عقيدة إيمانية تهذب الروح وتزكي الجوارح، فالإنسان مقود أبداً بعقيدة صحيحة أو فاسدة، فإذا أصلحت عقيدته صلح فيه كل شيء، وإذا فسدت فسد كل شيء.
والعقيدة والإيمان هما الرقيب الذاتي على الإنسان وهما -كما يلاحظ في عموم البشرية- على ضربين:
- إيمان بقيمة الفضيلة وكرامة الإنسانية وما إلى ذلك من المعاني المجردة التي تستحي النفوس العالية من مخالفة دواعيها حتى ولو أعفيت من التبعات الخارجية والأجزية المادية.
- وإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنه رقيب على السرائر، يعلم السر وأخفى، تستمد الشريعة سلطانها من أمره ونهيه، وتلتهب المشاعر بالحياء منه إما محبة له أو خشيه منه أو بهما معاً... ولا ريب أن هذا الضرب من الإيمان هو أقوى الضربين سلطاناً على النفس الإنسانية، وهو أشدهما مقاومة لأعاصير الهوى وتقلبات العواطف، وأسرعهما نفاذاً في قلوب العامة والخاصة.
من أجل ذلك كان الدين خير ضمان لقيام التعامل بين الناس على قواعد العدالة والإنصاف، وكان لذلك ضرورة اجتماعية، فلا غرو إن حَلَّ الدين من الأمة محل القلب من الجسد([80]).
وإذا كان الدين عموماً بهذه المنزلة، فالمشاهد اليوم تعدد الأديان والملل في هذا العالم، وتجد كل قوم بما لديهم من الدين فرحون مستمسكون به، فما الدين الصحيح الذي يحقق للنفس البشرية ما تصبو إليه؟ وما ضوابط الدين الحق؟
ضوابط الدين الحق
كل صاحب ملة يعتقد أن ملته هي الحق، وكل أتباع دين يعتقدون أن دينهم هو الدين الأمثل والمنهج الأقوم. وحينما تسأل أتباع الأديان المحرفة أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم؛ فيحتجون بأنهم وجدوا آباءهم على طريقة، فهم على آثارهم مقتدون، ثم يذكرون حكايات وأخباراً لا يصح سندها، ولا يسلم متنها من العلل والقوادح، ويعتمدون على كتب متوارثة لا يعلم من قالها ولا من كتبها، ولا في أية لغة كتبت أول مرة، ولا في أي بلد وجدت؛ إنما هي أمشاج جمعت فعظّمت فتوارثتها الأجيال دون تحقيق علمي يحرر السند، ويضبط المتن.
وهذه الكتب المجهولة والحكايات والتقليد الأعمى لا تصلح حجة في باب الأديان والعقائد، فهل كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية صحيحة أم باطلة؟
يستحيل أن يكون الجميع على حق؛ لأن الحق واحد لا يتعدد، ويستحيل أن تكون كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية من عند الله وأنها حق، وإذا تعددت -والحق واحد- فأيها الحق؟ إذا فلا بد من ضوابط نعرف بها الدين الحق من الدين الباطل، فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق، وإذا اختلت هذه الضوابط أو واحد منها في دين علمنا أنه باطل.
الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي :
الأول : أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة ملك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده؛ لأن الدين الحق هو دين الله، والله سبحانه هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزله إليهم، قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً}([81])، وقال سبحانه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}([82])، وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة.
الثاني : أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة، وتحريم الشرك، وتحريم الوسائل المفضية إليه؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، وكل نبي قال لقومه {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}([83])، وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء.
الثالث : أن يكون متفقاً مع الأصول التي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده، والدعوة إلى صراطه، وتحريم الشرك، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}([84])، وقال جل ثناؤه: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون}([85])، وقال تعالى: {وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمة آلهة يعبدون}([86]).
الرابع : ألا يكون متناقضاً ولا مختلفاً بعضه مع البعض الآخر، فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر، ولا يحرم شيئاً ثم يبيح ما يماثله من غير علة، ولا يحرم أمراً أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ([87]).
الخامس : أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس.
السادس : أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض، سواءًا كان هذا الظلم بانتهاك الحقوق، أم بالاستبداد بالخيرات، أم بإضلال الأكابر للأصاغر، قال تعالى مخبراً عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}([88])، وقال سبحانه مخبراً عن مبعث عيسى عليه السلام: {ولنجعله آية للناس ورحمة}([89])، وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام: {قال يا قوم أرأيتم أن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة} ([90])، وقال عز من قائل عن القرآن: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}([91]).
السابع : أن يتضمن الهداية إلى شرع الله، ودلالة الإنسان على مراد الله منه، وإخباره من أين أتى وإلى أين المصير؟ قال تعالى مخبراً عن التوراة: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور..} ([92])، وقال عز شأنه عن الإنجيل: {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}([93])، وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} ([94]). والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة، حيث يدفع عنها كل وسوسة، ويجيب عن كل تساؤل، ويُبين عن كل مشكل.
الثامن : أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم، وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور.
التاسع : أن يحقق السعادة لمن آمن به قال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} ([95])، وأن يكون متفقاً مع الفطرة السوية {فطرة الله التي فطر الناس عليها}([96])، متفقاً مع العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله، والعقل الصحيح هو خلق الله، ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه.
العاشر : يدل على الحق ويحذر من الباطل، ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال، وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج، قال تعالى مخبراً عن الجن أنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض: {يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم}([97])، فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم قال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} ([98])، ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} ([99])، ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}([100])، فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله.
وبعد أن استعرضت الضوابط التي تفرق بها بين الدين الحق والدين الباطل -واستشهدت لذلك بما جاء في القرآن الكريم مما يدل على أن هذه الضوابط عامة لكل الرسل الصادقين الذين أرسلوا من عندالله- فمن المناسب أن نستعرض أقسام الديانات.
أقسام الديانات
تنقسم البشرية بحسب أديانها إلى قسمين :
قسم لهم كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى والمسلمين، فاليهود والنصارى بسب عدم عملهم بما ورد في كتبهم، وبسبب اتخاذهم البشر أرباباً من دون الله، وبسبب تطاول العهد.. فُقدت كتبهم التي أنزلها الله على أنبيائهم؛ فكتب لهم الأحبار كتباً زعموا أنها من عند الله، وما هي من عند الله، إنما هي انتحال المبطلين وتحريف الغالين.
أما كتاب المسلمين (القرآن العظيم) فهو آخر الكتب الإلهية عهداً، وأوثقها عقداً، تكفل الله بحفظه؛ ولم يكل ذلك إلى البشر قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}([101])، فهو محفوظ في الصدور والسطور؛ لأنه الكتاب الأخير الذي ضمنه الله الهدى لهذه البشرية، وجعله حجة عليهم إلى قيام الساعة، وكتب له البقاء، وهيأ له في كل زمان من يقيمون حدوده وحروفه، ويعملون بشريعته ويؤمنون به، وسيأتي مزيد تفصيل عن هذا الكتاب العظيم في فقرة قادمة([102]).
وقسم ليس لهم كتاب منزل من عند الله، وإن كان لديهم كتاب متوارث منسوب إلى صاحب ديانتهم كالهندوس والمجوس والبوذيين والكنفوشيسيين وكالعرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
وما من أمة إلا ولها علم وعمل بحسب ما تقوم به مصالح دنياهم، وهذا من الهداية العامة التي جعلها الله لكل إنسان، بل لكل حيوان، كما يهدى الحيوان إلى جلب ما ينفعه من الأكل والشرب، ودفع ما يضره، وقد خلق الله فيه حباً لهذا، وبغضاً لهذا، قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى} ([103])، وقال موسى لفرعون: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} ([104])، وقال الخليل عليه السلام: {الذي خلقني فهو يهدين} ([105])، ومن المعلوم لكل عاقل - له أدنى نظر وتأمل - أن أهل الملل أكمل في العلوم النافعة، والأعمال الصالحة، ممن ليس من أهل الملل، فما من خير يوجد عند غير المسلمين من أهل الملل إلا وعند المسلمين ما هو أكمل منه، وعند أهل الأديان ما لا يوجد عند غيرهم؛ وذلك أن العلوم والأعمال نوعان:
النوع الأول : يحصل بالعقل كعلم الحساب والطب والصناعة، فهذه الأمور عند أهل الملل كما هي عند غيرهم، بل هم فيها أكمل، أما ما لا يعلم بمجرد العقل كالعلوم الإلهية، وعلوم الديانات فهذه مختصة بأهل الأديان، وهذه منها ما يمكن أن يقام عليه أدلة عقلية، والرسل هدوا الخلق وأرشدوهم إلى دلالة العقول عليها فهي عقلية شرعية.
النوع الثاني : ما لا يعلم إلا بخبر الرسل فهذا لا سبيل إلى تحصيله من طريق العقول كالخبر عن الله وأسمائه وصفاته وما في الدار الآخرة من النعيم لمن أطاعه، والعذاب لمن عصاه، وبيان شرعه، وخبر الأنبياء السابقين مع أممهم وغير ذلك ([106]).
حال الديانات القائمة
أصبحت الديانات العظمى، وصحفها العتيقة، وشرائعها القديمة فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، وعرضة الحوادث الدامية والخطوب الجسيمة، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون، وأنبياؤها المرسلون، لأنكروها وتجاهلوها.
أصبحت اليهودية* مجموعة من طقوس وتقاليد لا روح فيها ولا حياة، وهي -بصرف النظر عن ذلك- ديانة سلالية مختصة بقوم وبجنس معين، لا تحمل للعالم رسالة، ولا للأمم دعوة، ولا للإنسانية رحمة.
وقد أصيبت هذه الديانة في عقيدتها الأصلية التي كانت لها شعاراً من بين الديانات والأمم، وكان فيها سر شرفها وهي عقيدة التوحيد التي وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب، فقد اقتبس اليهود كثيراً من عقائد الأمم الفاسدة التي جاوروها أو وقعوا تحت سيطرتها، وكثيراً من عاداتها وتقاليدها الوثنية الجاهلية، وقد اعترف بذلك مؤرخو اليهود المنصفون، فقد جاء في (دائرة المعارف اليهودية) ما معناه:
(إن سخط الأنبياء وغضبهم على عبادة الأوثان تدل على أن عبادة الأوثان والآلهة، كانت قد تسربت إلى نفوس الإسرائيليين، وقد قبلوا معتقدات شركية وخرافية، إن التلمود أيضاً يشهد بأن الوثنية كانت فيها جاذبية خاصـة لليهـود)([107]).
ويدل تلمود ([108]) بابل- الذي يبالغ اليهود في تقديسه، وقد يفضلونه على التوراة، وكان متداولاً بين اليهود في القرن السادس النصراني، وما زخر به من نماذج غريبة من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق، والتلاعب بالدين والعقل- على ما وصل إليه المجتمع اليهودي في هذا القرن من الانحطاط العقلي وفساد الذوق الديني ([109]).
أما النصرانية* فقد امتحنت بتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، ووثنية الرومان المتنصرين ([110])، منذ عصرها الأول، وأصبح كل ذلك ركاماً، دفنت تحته تعاليم المسيح العظيمة واختفى نور التوحيد وإخلاص العبادة لله وراء هذه السحب الكثيفة.
يتحدث كاتب نصراني عن مدى تغلغل عقيدة التثليث في المجتمع المسيحي، منذ أواخر القرن الرابع الميلادي، فيقول:
(تغلغل الاعتقاد بأن الإله الواحد مركب من ثلاثة أقانيم في أحشاء حياة العالم المسيحي وفكره، منذ الربع الأخير للقرن الرابع، ودامت عقيدة رسمية معتمدة في جميع أنحاء العالم المسيحي، ولم يرفع الستار عن تطور عقيدة التثليث وسرها إلا في النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي ([111]).
ويتحدث مؤرخ نصراني معاصر في كتاب (تاريخ المسيحية في ضوء العلم المعاصر) عن ظهور الوثنية في المجتمع النصراني في مظاهر مختلفة وألوان شتى، وتفنن النصارى في اقتباس الشعائر والعادات والأعياد والأبطال الوثنية من أمم وديانات عريقة في الشرك بحكم التقليد أو الإعجاب أو الجهل. فيقول: (لقد انتهت الوثنية، ولكنها لم تلق إبادة كاملة، بل إنها تغلغلت في النفوس واستمر كل شيء فيها باسم المسيحية وفي ستارها، فالذين تجردوا عن آلهتهم وأبطالهم وتخلوا عنهم أخذوا شهيداً من شهدائهم، ولقبوه بأوصاف الآلهة، ثم صنعوا له تمثالاً، وهكذا انتقل هذا الشرك وعبادة الأصنام إلى هؤلاء الشهداء المحليين، ولم ينته هذا القرن حتى عمت فيهم عبادة الشهداء والأولياء، وتكونت عقيدة جديدة، وهي أن الأولياء يحملون صفات الألوهية، وصار هؤلاء الأولياء والقديسون خلقاً وسطاً بين الله والإنسان، وغيرت أسماء الأعياد الوثنية بأسماء جديدة، حتى تحول في عام 400 ميلادي عيد الشمس القديم إلى عيد ميلاد المسيح) ([112]).
أما المجوس فقد عُرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية أعظمها النار، وقد عكفوا على عبادتها أخيراً، يبنون لها هياكل ومعابد، وانتشرت بيوت النار في طول البلاد وعرضها، وانقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار وتقديس الشمس، وأصبحت الديانة عندهم عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أمكنة خاصة([113]).
يصف مؤلف "إيران في عهد الساسانيين" الدنماركي" آرتهر كرستن سين طبقة رؤساء الدين ووظائفهم فيقول:
(كان واجباً على هؤلاء الموظفين أن يعبدوا الشمس أربع مرات في اليوم، ويضاف إلى ذلك عبادة القمر والنار والماء، وكانوا مأمورين بألا يدعو النار تنطفئ وألا تمس النار والماء بعضهما بعضاً، وألا يدعو المعدن يصدأ، لأن المعادن عندهم مقدسة) ([114]).
وقد دانوا بالثنوية في كل عصر وأصبح ذلك شعاراً لهم، وآمنوا بإلهين اثنين أحدهما النور أو إله الخير، ويسمونه، "أهور مزدا" أو "يزدان" والثاني الظلام أو إله الشر، وهو "أهرمن" ولا يزال الصراع بينهما قائماً والحرب دائمة ([115]).
أما البوذية - الديانة المنتشرة في الهند وآسيا الوسطى فهي ديانة وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل، وتنصب تماثيل "بوذا" حيث حلت ونزلت([116]).
أما البرهمية - دين الهند - فقد اشتهرت بكثرة المعبودات والآلهة، وقد بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس الميلادي فبلغ عدد الآلهة في هذا القرن 330 مليون ([117])، وقد أصبح كل شيء رائع، وكل شيء هائل، وكل شيء نافع، إلها يعبد، وارتقت صناعة نحت التماثيل في هذا العهد، وتأنق فيها المتأنقون.
يقول "سي، وي، ويد" الهندكي في كتابه "تاريخ الهند الوسطى" وهو يتحدث عن عهد الملك هرش (606-648م) وهو العهد الذي يلي ظهور الإسلام في الجزيرة العربية:
(كانت الديانة الهندكية والديانة البوذية وثنيتين سواء بسواء، بل ربما كانت الديانة البوذية قد فاقت الديانة الهندية في الإغراق في الوثنية، كان ابتداء هذه الديانة - البوذية - بنفي الإله، ولكنها بالتدريج جعلت "بوذا" الإله الأكبر، ثم أضافت إليه آلهة أخرى مثل (Bodhistavas)، وقد بلغت الوثنية أوجها في الهند، حتى أصبحت كلمة "بوذا" (Buddha) مرادفة لكلمة "الوثن" أو "الصنم" في بعض اللغات الشرقية.
ومما لاشك فيه أن الوثنية كانت منتشرة في العالم المعاصر كله، فلقد كانت الدنيا كلها من البحر الأطلسي إلى المحيط الهادئ غارقة في الوثنية، وكأنما كانت المسيحية والديانات السامية والديانة البوذية تتسابق في تعظيم الأوثان وتقديسها، وكانت كخيل رهان تجري في حلبة واحدة ([118]).
ويقول هندكي آخر في كتابه الذي سماه: "الهندكية السائدة": (إن عملية صنع الآلهة) لم تنته على هذا، فلم تزل تنضم آلهة صغيرة في فترات تاريخية مختلفة إلى هذا "المجمع الإلهي" في عدد كبير، حتى أصبح منهم حشد يفوق الحد والإحصاء([119]).
هذا شأن الديانات، أما البلاد المتمدنة التي قامت فيها حكومات عظيمة، وشاعت فيها علوم كثيرة، وكانت مهد الحضارة والصناعات والآداب، فقد كانت بلاداً مسخت فيها الديانات، وفقدت أصالتها وقوتها، وفُقِدَ المصلحون، وغاب المعلمون، واستعلن فيها الإلحاد، وكثر فيها الفساد، وتبدلت فيه المعايير، وهان الإنسان فيها على نفسه؛ ولذا كثر الانتحار، وتقطعت الروابط الأسرية، وتفككت العلائق الاجتماعية، وغصت فيها عيادات الأطباء النفسيين بالمراجعين، وقام فيها سوق المشعوذين، وجرب الإنسان فيها كل متعة، واتبع كل نحلة مستحدثة..؛ رغبة في إرواء روحه وإسعاد نفسه، وطمأنينة قلبه فلم تفلح هذه المتع والملل والنظريات في تحقيق ذلك، وسيستمر في هذا الشقاء النفسي، والعذاب الروحي حتى يتصل بخالقه، ويعبده وفق منهجه الذي ارتضاه لنفسه وأمر به رسله قال تعالى موضحاً حال من أعرض عن ربه، وابتغى الهدى من غيره: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} ([120]). وقال سبحانه وتعالى مخبراً عن أمن المؤمنين وسعادتهم في هذه الحياة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ([121])، وقال جل ثناؤه: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ} ([122]).
هذه الديانات -غير الإسلام- لو طبقنا عليها معايير الدين التي سبقت؛ لوجدناها قد فقدت أكثر تلك العناصر، كما هو واضح من خلال هذا العرض الموجز عنها.
وأعظم ما أخلت فيه هذه الأديان توحيد الله، وأشرك أتباعها مع الله آلهة أخرى، كما أن هذه الأديان المحرفة لا تقدم للناس شريعة صالحة لكل زمان ومكان وتحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وذرياتهم وأموالهم ودماءهم، ولا تدلهم وترشدهم إلى شرع الله الذي أمر به، ولا تمنح أهلها الطمأنينة والسعادة لما اشتملت عليه من تناقض وتعارض.
أما الإسلام فسيأتيك في الفصول القادمة ما يبين أنه دين الله الحق الباقي الذي ارتضاه الله لنفسه ورضيه للبشرية.
وفي ختام هذه الفقرة يناسب أن نعرّف حقيقة النبوة وآيات النبوة، وحاجة البشر إليها، وأن نبين أصول دعوة الرسل وحقيقة الرسالة الخاتمة الخالدة .
حقيقة النبوة
إن أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه في هذه الحياة؛ معرفة ربه الذي أوجده من عدم، وأسبغ عليه النعم، وإن أعظم غاية خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته وحده سبحانه.
ولكن كيف يعرف الإنسان ربه حق معرفته؟ وما يجب له من الحقوق والواجبات وكيف يعبد ربه؟ إن الإنسان يجد من يعينه على نوائب دهره، ويقضى له مصالحه من علاج مرض، وتقديم دواء، وإعانة على بناء مسكن وما شابه ذلك.. ولكنه لن يجد في سائر الناس من يعرّفه بربه، ويبين له كيف يعبد ربه؛ لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة مراد الله منها؛ إذ العقل البشري أضعف من أن يدرك مراد بشر مثله قبل أن يخبره بمراده، فكيف بمعرفة مراد الله، ولأن هذه المهمة مقصورة على الرسل والأنبياء الذين يصطفيهم الله لإبلاغ الرسالة وعلى من بعدهم من أئمة الهدى، ورثة الأنبياء، الذين يحملون منهاجهم، ويقتفون آثارهم، ويبلغون عنهم رسالتهم؛ لأن البشر لا يمكن أن يتلقوا عن الله مباشرة، وهم لا يستطيعون ذلك، قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم} ([123])، فلابد من واسطة وسفير يبلغ عن الله شرعه إلى عباده، وهؤلاء السفراء والوسطاء هم الرسل والأنبياء، فيحمل الملك رسالة الله إلى النبي، فيبلغها الرسول إلى الناس، ولايحمل الملك الرسالات إلى الناس مباشرة؛ لأن عالم الملائكة يختلف عن عالم الناس في طبيعته، قال تعالى: {الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس} ([124]).
وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم؛ ليفقهوا عنه، ويفهموا منه لتَمَكُنِهم من مخاطبته ومكالمته ، ولو بعث الرسول من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه ([125])، وقال تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون}([126])، وقال سبحانه: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.. إلى أن قال: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً}([127]).
قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم} ([128])، وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} ([129])، ويتصف هؤلاء الرسل والأنبياء بكمال العقل، وسلامة الفطرة، والصدق في القول والعمل، والأمانة في تبليغ ما عُهِد إليهم، والعصمة من كل ما يشوه السيرة البشرية، وسلامة الأبدان مما تنبو عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة ([130])، وقد زكاهم الله في أنفسهم وأخلاقهم، فهم أكمل الناس خلقاً، وأزكاهم أنفساً، وأكرمهم يداً، جمع الله لهم مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، كما جمع لهم الحلم والعلم، والسماحة والكرم والجود، والشجاعة والعدل.. حتى تميزوا في هذه الأخلاق بين أقوامهم، فهؤلاء قوم صالح يقولون له -كما أخبر الله عنهم-: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} ([131])، وقال قوم شعيب لشعيب: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} ([132])، واشتهر محمد صلى الله عليه وسلم في قومه بلقب "الأمين" قبل أن تتنزل عليه الرسالة ووصفه ربه بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} ([133]).
فهم خيرة الله من خلقه، اصطفاهم واختارهم لحمل الرسالة وتبليغ الأمانة قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ([134])، وقال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} ([135]).
وهؤلاء الرسل والأنبياء وعلى الرغم مما وصفهم الله به من صفات سامية، وعلى الرغم مما اشتهروا به من صفات عالية؛ إلا أنهم بشر يعتريهم ما يعتري سائر البشر فهم يجوعون ويمرضون وينامون ويأكلون ويتزوجون ويموتون قال تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}([136])، وقال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاًوذرية} ([137])، بل ربما اضطهدوا أو قتلوا أو أخرجوا من ديارهم قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ([138])، ولكن العاقبة والنصر والتمكين لهم في الدنيا والآخرة: {ولينصرن الله من ينصره} ([139]). وقال سبحانه: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} ([140]).
آيات النبوة
لما كانت النبوة وسيلة إلى معرفة أشرف العلوم، والقيام بأشرف الأعمال وأجلها؛ كان من رحمته سبحانه أن جعل لهؤلاء الأنبياء علامات تدل عليهم، ويستدل بها الناس عليهم، ويعرفونهم من خلالها -وإن كان كل من ادعى دعوة ظهر عليه من القرائن والأحوال ما يبين صدقه إن كان صادقاً، ويفضح كذبه إن كان كاذباً- وهذه العلامات كثيرة من أهمها :
1 - أن يدعو الرسول إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه؛ إذ هذه هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق.
2 - أن يدعو الناس إلى الإيمان به وتصديقه والعمل برسالته، وأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} ([141]).
3 - أن يؤيده الله بدلائل متنوعة من دلائل النبوة، ومن هذه الدلائل الآيات التي يأتي بها النبي ولا يستطيع قومه أن يردوها أو يأتوا بمثلها، ومن ذلك آية موسى عليه السلام حينما انقلبت عصاه ثعباناً، وآية عيسى عليه السلام حينما كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وآية محمد صلى الله عليه وسلم وهي القرآن العظيم على الرغم من كونه أميّاً لا يقرأ ولا يكتب إلى غير ذلك من آيات الأنبياء.
ومن هذه الدلائل: الحق الواضح البين الذي يأتي به الأنبياء والمرسلون، ولا يستطيع خصومهم دفعه أو إنكاره، بل إن هؤلاء الخصوم يعلمون إنما جاء به الأنبياء هو الحق الذي لا يدفع.
ومن هذه الدلائل ما اختص الله به أنبياءه من كمال الأحوال، وجميل الشمائل، وكريم الخصال والأخلاق.
ومن هذه الدلائل نصر الله له على خصومه وإظهار ما يدعو إليه.
4 - أن تتفق دعوته في أصولها مع الأصول التي دعا إليها الرسل والأنبياء ([142]).
5 - ألا يدعو إلى عبادة نفسه أو صرف شيء من العبادة إليه، وألا يدعو إلى تعظيم قبيلته أو طائفته، وأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} ([143]).
6 - ألا يطلب من الناس عَرَضاً من أعراض الدنيا مقابلاً لدعوته، قال تعالى مخبراً عن أنبيائه: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أنهم قالوا لقومهم: {وما اسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}([144])، وقال محمد صلى الله عليه وسلم لقومه: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}([145]).
وهؤلاء الرسل والأنبياء - الذين ذكرت لك شيئاً من صفاتهم ودلائل نبوتهم -كثيرون، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}([146])، وقد سعدت بهم البشرية، وحفل التاريخ بتسجيل أخبارهم، وتواتر نقل شرائع دينهم، وأنها هي الحق والعدل، وتواتر -أيضاً- نقل ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك أعدائهم كطوفان قوم نوح، وغرق فرعون، وعذاب قوم لوط، وانتصار محمد صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وانتشار دينه.. فمن عرف ذلك؛ علم يقيناً أنهم جاءوا بالخير والهدى، ودلالة الخلق على ما ينفعهم ، وتحذيرهم مما يضرهم، وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
حاجة الناس إلى الرسل
الأنبياء هم رسل الله تعالى إلى عباده يبلغونهم أوامره، ويبشرونهم بما أعد الله لهم من النعيم إن هم أطاعوا أوامره، ويحذرونهم من العذاب المقيم إن هم خالفوا نهيه، ويقصون عليهم أخبار الأمم الماضية وما حل بها من العذاب والنكال في الدنيا بسبب مخالفتها أمر بها.
وهذه الأوامر والنواهي الإلهية لا يمكن أن تستقبل العقول بمعرفتها؛ ولذلك شرع الله الشرائع وفرض الأوامر والنواهي؛ تكريماً لبني الإنسان وتشريفاً لهم وحفظاً لمصالحهم؛ لأن الناس قد ينساقون وراء شهواتهم فينتهكون المحرمات ويتطاولون على الناس فيسلبونهم حقوقهم، فكان من الحكمة البالغة أن يبعث الله فيهم بين آونة وأخرى رسلاً يذكِّرونهم أوامر الله، ويحذرونهم من الوقوع في معصيته، ويتلون عليهم المواعظ ويذكرون لهم أخبار السابقين، فإن الأخبار العجيبة إذا طرقت الأسماع، والمعاني الغريبة إذا أيقظت الأذهان، استمدتها العقول فزاد علمها، وصح فهمها، وأكثر الناس سماعاً أكثرهم خواطر، وأكثرهم خواطر أكثرهم تفكراً، وأكثرهم تفكراً أكثرهم علماً، وأكثرهم علماً أكثرهم عملاً. فلم يوجد عن بعثة الرسل معدل ولا منهم في انتظام الحق بدل ([147]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية([148])، -رحمه الله- والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة، فالإنسان مضطر إلى الشرع لأنه بين حركتين حركة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره، والشرع هو النور الذي الذي يبين ما ينفعه وما يضره، فهو نور الله في أرضه، وعدله بين عباده، وحصنه الذي من دخله كان آمناً.
وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس، فإن ذلك يحصل للحيوانات فإن الحمار والجمل يفرق ويميز بين الشعير والتراب، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده، والأفعال التي تنفعه في معاشه ومعاده كنفع الإيمان، والتوحيد، والعدل، والبر، والإحسان، والأمانة، والعفة، والشجاعة، والعلم، والصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجيران، وأداء الحقوق، وإخلاص العمل لله، والتوكل عليه، والاستعانة به، والرضا بمواقع أقداره، والتسليم لحكمه، وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به وغير ذلك مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته، وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته.
ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل المنافع والمضار في المعاش، فمن أعظم نعم الله على عباده، وأشرف مننه عليهم، أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام وأشر حالاً منها، فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهم من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية، وأسوأ حالاً من الكلب والخنزير وأحقر من كل حقير، ولا بقاء لأهل الأرض إلا بآثار الرسالة الموجودة فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض، وانمحت معالم هداهم؛ أخرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة.
وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته، ولا كحاجة العين إلى ضوئها، والجسم إلى الطعام والشراب، بل أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال، فالرسل عليهم الصلاة والسلام وسائط بين الله تعالى وبين خلقه في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده، وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربه محمداً صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فبعثه الله رحمة للعالمين، وحجة للسالكين، وحجة على الخلائق أجمعين، وافترض على العباد طاعته ومحبته وتوقيره وتعزيره والقيام بأداء حقوقه، و أخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتّبَاعِه على جميع الأنبياء والمرسلين، وأمرهم أن يأخذوها على من اتبعهم من المؤمنين، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فختم به الرسالة، وهدى به من الضلالة، وعلّم به من الجهالة، وفتح برسالته أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتآلفت بها القلوب بعد شتاتها، فأقام به الملة العوجاء، وأوضح به المحجة البيضاء، وشرح له صدره ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، أرسله صلى الله عليه وسلم حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، حين حرف الكلم، وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى ظلم آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق وأوضح به الطرائق، وأخرج الناس به من الظلمات إلى النور، وميز به بين أهل الفلاح وأهل الفجور، فمن اهتدى بهديه اهتدى، ومن مال عن سبيله فقد ضل واعتدى، فصلى الله وسلم عليه وعلى سائر الرسل والأنبياء([149]).
ونستطيع أن نلخص احتياج الإنسان إلى الرسالة فيما يلي:
1 - أنه إنسان مخلوق مربوب، ولابد أن يتعرف على خالقه، ويعرف ماذا يريد منه، ولماذا خلقه، ولا يستقل الإنسان بمعرفة ذلك، ولا سبيل إليه إلا من خلال معرفة الأنبياء والمرسلين، ومعرفة ما جاءوا به من الهدى والنور.
2 - أن الإنسان مكون من جسد وروح، وغذاء الجسد ما تيسر من مأكل ومشرب، وغذاء الروح قرره لها الذي خلقها، وهو الدين الصحيح والعمل الصالح، والأنبياء والمرسلون جاءوا بالدين الصحيح، وأرشدوا إلى العمل الصالح.
3 - أن الإنسان متدين بفطرته، ولابد له من دين يدين به، وهذا الدين لابد أن يكون صحيحاً، ولا سبل إلى الدين الصحيح إلا من خلال الإيمان بالأنبياء والمرسلين والإيمان بما جاءوا به.
4 - أنه محتاج إلى معرفة الطريق الذي يوصله إلى رضى الله في الدنيا، وإلى جنته ونعيمه في الدار الآخرة، وهذه طريق لا يرشد إليها، ويدل عليها إلا الأنبياء والمرسلون.
5 - أن الإنسان ضعيف بنفسه، ومتربص به أعداء كثر، من شيطان يريد إغواءه، ورفقة سوء تزين له القبيح، ونفس أمارة بالسوء؛ ولذا فهو محتاج إلى ما يحفظ به نفسه من كيد أعدائه، والأنبياء والمرسلون أرشدوا إلى ذلك وبينوه غاية البيان.
6 - أن الإنسان مدني بطبعه، واجتماعه بالخلق ومعاشرته لهم لابد لها من شرع ليقوم الناس بالقسط والعدل -وإلا كانت حياتهم أشبه بحياة الغابة- وهذا الشرع لابد أن يحفظ لكل ذي حق حقه دون تفريط ولا إفراط، ولا يأتي بالشرع الكامل إلا الأنبياء والمرسلون.
7 - أنه محتاج إلى معرفة ما يحقق له الطمأنينة والأمن النفسي، ويرشده إلى أسباب السعادة الحقيقية وهذا هو ما يرشد إليه الأنبياء والمرسلون.
وبعد بيان حاجة الخلق إلى الأنبياء والمرسلين يجدر بنا أن نذكر المعاد ونوضح البراهين والأدلة الدالة عليه.
المعـاد
كل إنسان يعلم علم اليقين أنه ميت لامحالة، ولكن ما مصيره بعد الموت؟ وهل هو سعيد أم شقي؟
إن كثيراً من الشعوب والأمم يعتقدون أنهم سيبعثون من بعد الموت ويحاسبون على أفعالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ([150])، وهذا الأمر -وهو البعث والحساب- تقر به العقول السليمة، وتؤيده الشرائع الإلهية، ومبناه على ثلاثة أصول:
1 - تقرير كمال علم الرب سبحانه.
2 - تقرير كمال قدرته سبحانه.
3 - تقرير كمال حكمته سبحانه([151]).
وقد تظافرت الأدلة النقلية والعقلية على إثباته ومن هذه الأدلة ما يلي:
1 - الاستدلال بخلق السموات والأرض على إحياء الموتى قال تعالى: {أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}([152])، وقال تعالى: {أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم}([153]).
2 - الاستدال بقدرته على خلق الخلق بغير مثال سابق على قدرته على إعادة الخلق كرة أخرى، فالقادر على الإيجاد يكون أقدر على الإعادة من باب أولى، قال تعالى: {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى}([154])، وقال جل ثناؤه: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم} ([155]).
3 - خلق الإنسان في أحسن تقويم بهذه الصورة المتكاملة بأعضائها وقواها وصفاتها وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والمنافذ والآلات والعلوم والإرادات والصناعات -فيه أعظم دليل على قدرته سبحانه على إحياء الموتى.
4 - الاستدلال بإحياء الموتى في الحياة الدنيا على قدرته سبحانه على أحياء الموتى في الدار الآخرة، وقد ورد الخبر بهذا في الكتب الإلهية التي أنزلها الله على رسله، ومن هذه الأخبار إحياء الموتى بإذن الله على يد إبراهيم والمسيح عليهم السلام، وغير ذلك كثير.
5 - الاستدلال بقدرته على أمور تشبه الحشر والنشر بقدرته على إحياء الموتى ومن ذلك:-
أ - خلق الله الإنسان من نطفة من مني كانت متفرقة في أنحاء البدن -ولذا تشترك جميع الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع- فيجمع الله هذه النطفة من أنحاء البدن ثم تخرج إلى قرار الرحم فيخلق الله منها الإنسان؛ فإذاً كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكوّن منها ذلك الشخص، فإذا افترقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى، قال عز من قائل: {أفرأيتم ماتمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} ([156]).
ب- أن بذور النبات على اختلاف أشكالها إذا وقعت في الأرض الندية واستولى عليها الماء والتراب، فالنظر العقلي يقتضى أن يتعفن ويفسد؛ لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة، ففيهما جميعاً أولى، لكنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً، ثم إذا ازدادت الرطوبة تنفلق الحبة فتخرج منها النبتة، أفلا يدل ذلك على قدرة كاملة، وحكمة شاملة؟. فهذا الإله الحكيم القادر كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء؟ قال تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}([157])، ونظير ذلك قوله تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} ([158]).
6 - أن الخالق القادر العليم الحكيم يتنزه أن يخلق الخلق عبثاً، ويتركهم سدى قال جل ثناؤه: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} ([159])، بل خلق خلقه لحكمة عظيمة ولغاية جليلة، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}([160])، فلا يليق بهذا الإله الحكيم أن يستوي لديه من يطيعه ومن يعصيه قال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}([161])؛ لذا كان من كمال حكمته وعظيم قهره أن يبعث الخلق يوم القيامة ليجزي كل إنسان بعمله، فيثيب المحسن ويعذب المسيء قال تعالى: {إليه مرجعكم جميعاً وعد الله حقاً إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم} ([162]).
وللإيمان باليوم الآخر -يوم البعث والنشور- آثار كثيرة على الفرد والمجتمع، فمن آثاره:
1 - أن يحرص الإنسان على طاعة الله رغبة في ثواب ذلك اليوم، ويبتعد عن معصيته خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
2 - الإيمان باليوم الآخر فيه تسلية للمؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
3 - وبالإيمان باليوم الآخر يعلم الإنسان أين مصيره بعد موته، ويعلم أنه ملاق جزاء عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأنه سيوقف للمحاسبة، وسيقتص له ممن ظلمه، وتؤخذ حقوق العباد منه لمن ظلمهم أو اعتدى عليهم.
4 - الإيمان باليوم الآخر يردع الإنسان عن ظلم الآخرين وانتهاك حقوقهم، فإذا آمن الناس باليوم الآخر سلموا من ظلم بعضهم لبعض وحفظت حقوقهم.
5 - الإيمان باليوم الآخر يجعل الإنسان ينظر إلى الدار الدنيا على أنها مرحلة من مراحل الحياة وليست هي كل الحياة.
وفي ختام هذه الفقرة يحسن أن نستشهد بقول “وين بت" النصراني الأمريكي، الذي كان يعمل في إحدى الكنائس ثم أسلم ووجد ثمرة الإيمان باليوم الآخر، حيث يقول: (إنني الآن أعرف إجابات لأسئلةٍ أربعةٍ شغلت حياتي كثيراً، وهي: من أنا؟ وماذا أريد؟ ولماذا جئت، وإلى أين مصيري؟) ([163]).
أصول دعوة الرسل
اتفق جميع الأنبياء والمرسلين على الدعوة إلى الأصول الجامعة([164])، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وكالأمر بعبادته وحده لاشريك له، واتباع صراطه وعدم اتباع السبل المخالفة، وتحريم الأجناس الأربعة وهي: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم، والبغي بغير الحق، والإشراك بالله وعبادة الأوثان والأصنام. وتنزيهه عن الصاحبة والولد والشريك والنظير والمثيل، وأن يقال عليه غير الحق، وتحريم قتل الأولاد، وتحريم قتل النفس بغير حق، والنهي عن الربا وعن أكل مال اليتيم، والأمر بالوفاء بالعهود وبالكيل والميزان، وبر الوالدين، والعدل بين الناس، والصدق في القول والعمل، والنهى عن التبذير والكبر، وأكل أموال الناس بالباطل.
قال ابن القيم([165]) رحمه الله : (الشرائع كلها في أصولها - وإن تباينت - متفقة، مركوز حسنها في العقول، ولو وقعت على غير ما هي عليه لخرجت عن الحكمة والمصلحة والرحمة، بل من المحال أن تأتي بخلاف ما أتت به {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}([166])، وكيف يجوّز ذو العقل أن ترد شريعة أحكم الحاكمين بضد ما وردت به) ([167]).
ولهذا كان دين الأنبياء واحداً كما قال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم. وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}([168])، وقال عز من قائل: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}([169]).
بل المقصود بالدين وصول العباد إلى ما خلقوا له من عبادة ربهم وحده لاشريك له([170])، فيشرع لهم من الحقوق ما يجب عليهم القيام بها، ويكفل لهم من الواجبات، ويمدهم بالوسائل التي تبلغهم هذه الغاية؛ ليتحقق لهم رضى الله، وسعادة الدارين وفق منهج إلهي لا يمزق العبد كل ممزق، ولا يصيب شخصيته بداء الفصام النكد الذي ينتهي به إلى التصادم بين فطرته وروحه والكون من حوله.
فجميع الرسل يدعون إلى الدين الإلهي الذي يقدم للبشرية الأساس العقدي الذي تؤمن به، والشريعة التي تسير عليها في حياتها، فلذا كانت التوراة عقيدة وشريعة، وكلف أهلها بالتحاكم إليها، قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار}([171])، ثم جاء المسيح عليه السلام ومعه الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدقاً لما بين يديه من التوراة، قال جل ثناؤه: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}([172])، ثم جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالشريعة الخاتمة والملة الكاملة، مهمينة على ما قبلها من الشرائع، ومصدقاً لما بين يديه من الكتب قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق}([173])، وبين سبحانه وتعالى أن محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه آمنوا به كما آمن به من سبقهم من الأنبياء والمرسلين فقال جل ثناؤه: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}([174]).
الرسالة الباقية *
ما سبق من عرض حال الأديان اليهودية والنصرانية والمجوسية والزرادشتية والوثنية المتنوعة يبين حالة البشرية([175]) في القرن السادس الميلادي، وإذا فسد الدين؛ فسدت الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. فعمت الحروب الدامية، وظهر الاستبداد، وعاشت البشرية في ظلام دامس مطبق، أظلمت لأجله القلوب بسبب ظلمة الكفر والجهل، وتدنست الأخلاق، وهتكت الأعراض، وانتهكت الحقوق، وظهر الفساد في البر والبحر، حتى لو تأملها عاقل لأدرك أن البشرية -في ذلك الوقت- في حالة احتضار، وأنها آذنت بزوال، ما لم يتداركها الله بمصلح عظيم يحمل مشعل النبوة، وقبس الهداية؛ لينير للبشرية طريقها، ويهديها إلى سواء السبيل.
وفي ذلك الزمان أذن الله بأن يشرق نور النبوة الخالدة من مكة المكرمة التي فيها البيت العظيم، وقد كانت بيئتها مماثلة لسائر البيئات البشرية من حيث الشرك والجهل والظلم والاستبداد؛ إلا أنها تميزت عن غيرها بميزات كثيرة منها:
1 - أنها بيئة نقية لم تتأثر بشوائب الفلسفات اليونانية أو الرومانية أو الهندية، وتمتع أفرادها بالبيان الرصين، والذهن الوقاد، والقرائح المبدعة.
2 - أنها تقع في قلب العالم فهي في مكان وسط بين أوربا وآسيا وأفريقيا مما يكون سبباً هاماً في سرعة انتشار ووصول الرسالة الخالدة إلى هذه الأقطار في زمن يسير.
3 - أنها بلد آمن، حيث إن الله حماها عندما همّ أبرهة بغزوها، ولم تتسلط عليها الإمبراطوريات المجاورة لها فارس والروم، بل أمنت حتى تجارتها في الشمال والجنوب، وكان ذلك إرهاصاً لبعثة هذا النبي الكريم، وقد ذكّر الله أهلها بهذه النعمة فقال: {أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء}([176]).
4 - أنها بيئة صحراوية حافظت على كثير من الشمائل المحمودة كالكرم، وحفظ الجوار، والغيرة على الأعراض، إلى غير ذلك من المميزات التي أهّلتها لأن تكون المكان الملائم للرسالة الخالدة.
من هذا المكان العظيم، ومن قبيلة قريش التي اشتهرت بالفصاحة والبلاغة، ومكارم الأخلاق، والتي كان لها الشرف والسؤود.. اصطفى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين؛ حيث ولد في القرن السادس الميلادي عام 570م تقريباً، ونشأ يتيماً، إذ مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم ماتت أمه وجده لأبيه وعمره حينئذ ست سنين، فكفله عمه أبو طالب، فنشأ الغلام يتيماً، وظهرت عليه علامات النبوغ، فكانت عاداته وأخلاقه وخصاله مختلفة عن عادات قومه، فكان لا يكذب في حديثه، ولا يؤذي أحداً، واشتهر بالصدق والعفاف والأمانة، حتى كان كثير من أبناء قومه يأمنونه على أموالهم الثمينة ويودعونه إياها، وهو يحافظ عليها كما يحافظ على نفسه وماله، مما جعلهم يلقبونه بالأمين، وكان حيياً لم يظهر لأحد بدنه عرياناً منذ بلغ، وكان نزيهاً تقياً يؤلمه ما يراه في قومه من عبادة الأوثان، وشرب الخمور، وسفك الدماء، فكان يعاشر قومه فيما يرتضيه من أعمالهم، ويعتزلهم حال مجونهم وفسقهم، وكان ينصر الأيتام والأيامى، ويطعم الجياع... حتى إذا قارب الأربعين من العمر ضاق ذرعاً بما حوله من الفساد، وبدأ ينقطع لعبادة ربه، ويسأله أن يهديه إلى سواء الصراط. وبينما هو على هذه الحال إذ نزل عليه ملك من الملائكة بالوحي من ربه، وأمره أن يبلغ هذا الدين للناس، وأن يدعوهم إلى عبادة ربهم، وَتَرْكِ عبادة ما سواه، وتواصل نزول الوحي عليه بالشرائع والأحكام يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، حتى أكمل الله هذا الدين للبشرية، وأتم عليها النعمة بكماله، فلما كملت مهمته صلى الله عليه وسلم؛ توفاه الله، فكان عمره عند موته ثلاثاً وستين سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً .
ومن تأمل أحوال الأنبياء ودرس تاريخهم؛ علم علماً يقينياً أنه ما من طريق ثبتت بها نبوة نبي من الأنبياء إلا وثبتت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الطريق من باب أولى.
فإذا نظرت كيف نقلت نبوة موسى وعيسى عليهما السلام، علمت أنها نقلت بطريق التواتر، والتواتر الذي نقلت به نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأوثق، وأقرب عهداً.
وكذلك التواتر الذي نقلت به معجزاتهم وآياتهم متماثل، بل هو في حق محمد صلى الله عليه وسلم أعظم، لأن آياته كثيرة، بل أعظم آياته هذا القرآن العظيم الذي لا يزال ينقل نقلاً متواتراً صوتاً ورسماً([177]).
ومن قارن بين ما جاء به موسى وعيسى عليهما السلام وبين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من العقيدة الصحيحة، والشرائع المحكمة، والعلوم النافعة علم أنها جميعاً تصدر من مشكاة واحدة، هي مشكاة النبوة.
ومن قارن بين أحوال أتباع الأنبياء وبين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم علم أنهم كانوا خير الناس للناس، بل هم أعظم أتباع الأنبياء أثراً على من بعدهم، فقد نشروا التوحيد، وأشاعوا العدل، وكانوا رحمة للضعفاء والمساكين([178]).
وإن أردت مزيد بيان تستدل به على نبوته صلى الله عليه وسلم؛ فسأنقل لك الدلائل والعلامات التي وجدها على بن رَبَّن الطبري حينما كان نصرانياً فأسلم بسببها وهذه الدلائل هي:
1 - أنه دعا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه موافقاً في ذلك جميع الأنبياء.
2 - أنه أظهر آيات بينات لا يأتي بها إلا أنبياء الله.
3 - أنه تنبأ على حوادث مستقبلية فوقعت كما أخبر عنها.
4 - أنه تنبأ على حوادث جمة من حوادث الدنيا وَدُوَلِهَا فوقعت كما أخبر.
5 - أن الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم -وهو القرآن- آية من آيات النبوة؛ لأنه أبلغ كتاب، وأنزل الله على رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، وتحدى الفصحاء أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة منه؛ ولأن الله تكفل بحفظه، وحفظ به العقيدة الصحيحة، وضمّنه أكمل شريعة، وأقام به أفضل أمة.
6 - أنه خاتم الأنبياء ولو لم يبعث لبطلت نبوات الأنبياء التي بشرت بمبعثه.
7 - أن الأنبياء عليهم السلام قد تنبأوا به قبل ظهوره بدهر طويل، ووصفوا مبعثه وبلده وخضوع الأمم والملوك له ولأمته، وذكروا انتشار دينه.
8 - أن انتصاره على الأمم التي حاربته أية من آيات النبوة؛ إذ يستحيل أن يدعي شخص أنه مرسل من الله -وهو كاذب- ثم يمده الله بالنصر والتمكين، وغلبة الأعداء، وانتشار الدعوة، وكثرة الأتباع، فإن هذا لا يتحقق إلا على يد نبي صادق.
9 - ما كان عليه في نسكه وعفافه وصدقه ومحمـود سيرته وسننه وشرائعه؛ فإن هذا لا يجتمع إلا في حق نبي.
وقال هذا المهتدي بعد أن ساق هذه الشواهد: (فهذه خصال نيرة وشواهد كافية، من أدلى بها وجبت له النبوة، وفاز قدحه، وأفلح حقه، ووجب تصديقه، ومن ردها وجحدها خاب سعيه، وخسر دنياه وآخرته) ([179]).
وفي ختام هذه الفقرة سأسوق لك شهادتين: شهادة ملك الروم في الماضي حيث كان معاصراً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وشهادة منصر إنجليزي معاصر هو (جون سنت).
شهادة هرقل : ذكر البخاري رحمه الله خبر أبي سفيان حينما دعاه ملك الروم فقال: (حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد([180]) فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء([181])، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم، ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا. فقال: ادنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، قال فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسين([182]). ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ([183]).
شهادة المنصر الإنجليزي المعاصر جون سنت : حيث يقول: بعد الاطلاع المتواصل على تفاصيل الإسلام ومبادئه في خدمة الفرد والمجموع، وعدالته في إقامة المجتمع على أسس من المساواة والتوحيد، وجدتني اندفع إلى الإسلام بكل عقلي وروحي، وعاهدت الله سبحانه - من يومها- أن أكون داعية للإسلام مبشراً بهديه في كل البقاع.
وقد توصل إلى هذا اليقين بعد دراسته للنصرانية وتعمقه فيها؛ فوجد أنها لا تجيب على كثير من الأسئلة التي تدور في حياة الناس؛ فبدأ يداخله الشك، ثم درس الشيوعية والبوذية فلم يجد فيهما ضالته، ثم درس الإسلام وتعمق فيه فآمن به ودعا إليه([184]).
ختم النبوة
تبين لك فيما سبق حقيقة النبوة، وأعلامها وآياتها، ودلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل الحديث عن ختم النبوة فلابد أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يرسل رسولاً إلا لأحد الأسباب التالية :
1 - أن تكون رسالة النبي خاصة بقوم ولم يؤمر هذا الرسول أن يبلغ رسالته إلى الأمم المجاورة فيرسل الله رسولاً آخر برسالة خاصة إلى أمة أخرى.
2 - أن تكون رسالة النبي المتقدم قد اندرست، فيبعث الله نبياً يجدد للناس دينهم.
3 - أن تكون شريعة النبي المتقدم صالحة لزمانها، وغير مناسبة للأزمنة اللاحقة فيبعث الله رسولاً يحمل رسالة وشريعة تناسب الزمان والمكان، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة عامة لأهل الأرض، مناسبة لكل زمان ومكان، وحفظها من أيدي التغيير والتبديل؛ لتبقى رسالته حية يحيا بها الناس، نقية من شوائب التحريف والتبديل، ولأجل ذلك جعلها الله خاتمة الرسالات ([185]).
وإن مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده؛ لأن الله أكمل به الرسالات، وختم به الشرائع، وأتم به البناء، وتحقق بنبوته بشارة المسيح به حيث قال: (أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأساً للزاوية)([186])، وقد اعتبر القس إبرهيم خليل - الذي أسلم فيما بعد - هذا النص موافقاً لقول محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)([187]).
ولأجل ذلك جعل سبحانه الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مهيمناً على الكتب السابقة، وناسخاً لها، كما جعل شريعته ناسخة لكل الشرائع المتقدمة، وتكفل الله بحفظ رسالته؛ فَنُقِلَتْ نقلاً متواتراً، حيث نقل القرآن الكريم نقلاً متواتراً صوتاً ورسماً، كما نُقِلَتْ سنته القولية والفعلية نقلاً متواتراً، ونقل التطبيق الفعلي لشرائع هذا الدين وعباداته وسننه وأحكامه نقلاً متواتراً.
ومن اطلع على دواوين السيرة والسنة علم أن صحابته رضوان الله عليهم قد حفظوا للبشرية سائر أحواله صلى الله عليه وسلم وجميع أقواله وأفعاله، فنقلوا عبادته لربه وجهاده وذكره له سبحانه واستغفاره، وكرمه وشجاعته، ومعاشرته لأصحابه وللوافدين عليه، كما نقلوا فرحه وحزنه، وظعنه وإقامته، وصفة مأكله ومشربه وملبسه، ويقظته ومنامه.. فإذا استشعرت ذلك؛ أيقنت أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له، وعلمت -حينئذ- أنه خاتم الأنبياء والمرسلين؛ لأن الله سبحانه أخبرنا أن هذا الرسول هو خاتم الأنبياء فقال سبحانه: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}([188])، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) ([189]).
وهذا آوان التعريف بالإسلام وبيان حقيقته ومصادره وأركانه ومراتبه.
معنى كلمة الإسلام :
إذا راجعت معاجم اللغة، علمت أن معنى كلمة الإسلام هو "الانقياد والخضوع والإذعان والاستسلام والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض"، وقد سمى الله الدين الحق الإسلام لأنه طاعة لله وانقياد لأمره بلا اعتراض، وإخلاص العبادة له سبحانه وتصديق خبره والإيمان به، وأصبح اسم الإسلام عَلَماً على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
التعريف بالإسلام *[190]:
لماذا سمي الدين بالإسلام؟ إن جميع ما في الأرض من مختلف الديانات، قد سميت بأسمائها، إما نسبة إلى اسم رجل خاص، أو أمة معينة، فالنصرانية أخذت اسمها من "النصارى"، وتسمت البوذية على اسم بانيها: "بوذا"، واشتهرت الزرادشتية بهذا الاسم لأن مؤسسها وحامل لوائها كان "زرادشت"، وكذلك ظهرت اليهودية بين ظهراني قبيلة تعرف "بيهوذا"، فسميت باليهودية، وهلم جرا. إلا الإسلام، فإنه لا ينتسب إلى رجل خاص، ولا إلى أمة بعينها، وإنما يدل اسمه على صفة خاصة يتضمنها معنى كلمة الإسلام، ومما يظهر من هذا الاسم أنه ما عني بإيجاد هذا الدين وتأسيسه رجل من البشر، وليس خاصاً بأمة معينة دون سائر الأمم، وإنما غايته أن يحلي أهل الأرض جميعاً بصفة الإسلام، فكل من اتصف بهذه الصفة، من غابر الناس وحاضرهم فهو مسلم، ويكون مسلماً كل من سيتحلى بها في المستقبل.
حقيقة الإسلام :
من المعلوم أن كل شيء في هذا الكون، منقاد لقاعدة معينة، وسنة ثابتة، فالشمس والقمر والنجوم والأرض مسخرات تحت قاعدة مطردة، لا قبل لها بالحراك عنها والخروج عليها ولو قيد شعرة، حتى إن الإنسان نفسه إذا تدبرت شأنه تبين لك أنه مذعن لسنن الله إذعاناً تاماً، فلا يتنفس ولا يحس حاجته إلى الماء والغذاء والنور والحرارة إلا وفقاً للتقدير الإلهي الله المنظم لحياته، وتنقاد لهذا التقدير جميع أعضائه، فالوظائف التي تؤديها هذه الأعضاء لا تقوم بها إلا بحسب ما قرر الله لها.
فهذا التقدير الشامل، الذي يستسلم له ولا ينفك عن طاعته شيء في هذا الكون، من أكبر كوكب في السماء، إلى أصغر ذرة من الرمل في الأرض، هو من تقدير إله ملك جليل مقتدر. فإذا كان كل شيء في السموات وما بينهما منقاداً لهذا التقدير، فإن العالم كله مطيع لذلك الملك المقتدر الذي وضعه، ومتبع لأمره، ويتبين من هذه الوجهة، أن الإسلام دين الكون أجمع. لأن الإسلام معناه الانقياد والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض كما عرفت آنفاً. فالشمس والقمر والأرض مستسلمة، والهواء والماء والنور والظلام والحرارة مستسلمة، والشجر والحجر والأنعام مستسلمة، بل إن الإنسان الذي لا يعرف ربه ويجحد وجوده وينكر آياته، أو يعبد غيره، ويشرك به سواه، هو مستسلم من حيث فطرته التي فطر عليها.
إذا أدركت هذا فتعال ننظر في أمر الإنسان، فستجد أن الإنسان يتنازعه أمران:
الأول : الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان من الاستسلام لله ومحبة التعبد له، والتقرب إليه، ومحبة ما يحبه الله من الحق والخير والصدق، وبغض ما يبغضه الله من الباطل والشر والجور والظلم، وما يتبع ذلك من دواعي الفطرة من محبة المال والأهل والولد، والرغبة في الأكل والشرب والنكاح، وما يتطلبه ذلك من قيام أعضاء الجسم بوظائفها اللازمة لها.
الثاني : مشيئة الإنسان واختياره وقد أرسل الله إليه الرسل وأنزل الكتب ليميز بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر، وأمده بالعقل والفهم ليكون على بصيرة في اختياره؛ فإن شاء سلك طريق الخير فقاده إلى الحق والهدى وإن شاء سلك سبل الشر فقادته إلى الشر والبوار.
فإذا نظرت إلى الإنسان باعتبار الأمر الأول وجدته مجبولاً على الاستسلام، مفطوراً على التزامه ولا محيد له عنه شأنه شأن غيره من المخلوقات.
وإذا نظرت إليه باعتبار الأمر الثاني وجدته مختاراً يختار ما يشاء فإما أن يكون مسلماً وإما يكون كافراً {إما شاكراً وإما كفوراً}([191]).
ولذا تجد الناس على نوعين :
إنسان يعرف خالقه، ويؤمن به رباً ومالكاً وإلها يعبده وحده، ويتبع شريعته في حياته الاختيارية. كما هو مفطور على الاستسلام لربه لا محيد له عنه تابع لتقديره، وهذا هو المسلم الكامل الذي قد استكمل إسلامه، وقد أصبح علمه صحيحاً؛ لأنه عرف الله خالقه وبارئه الذي أرسل إليه الرسل وأولاه قوة العلم والتعلم، وأصبح عقله صحيحاً ورأيه سديداً؛ لأنه أعمل فكره ثم قضى ألا يعبد إلا الله الذي أكرمه بموهبة الفهم والرأي في الأمور، وأصبح لسانه صحيحاً ناطقاً بالحق لأنه لا يقر الآن إلا برب واحد هو الله تعالى الذي أنعم عليه بقوة النطق والكلام.. فكأن حياته ما بقي فيها الآن إلا الصدق؛ لأنه منقاد لشرع الله فيما له الخيرة فيه من أمره، وامتدت بينه وبين سائر المخلوقات في الكون آصرة التعارف والتآنس، لأنه لا يعبد إلا الله الحكيم العليم، الذي تعبده وتذعن لأمره وتنقاد لتقديره المخلوقات كلها وقد سخرها من أجلك أيها الأنسان.
حقيقة الكفر :
وبإزائه إنسان آخر، ولد مستسلماً وعاش مستسلماً طول حياته، من غير أن يشعر باستسلامه أو يفطن له، ولم يعرف ربه، ولم يؤمن بشرعه، ولم يتبع رسله، ولم يستخدم ما منحه الله من العلم والعقل ليعرف من خلقه، وشق سمعه وبصره. فأنكر وجوده، واستكبر عن عبادته، وأبى أن ينقاد لشرع الله فيما أوتي فيه حق التصرف والاختيار من أمور حياته أو أشرك به غيره، وأبى أن يؤمن بآياته الدالة على وحدانيته، وهذا هو الكافر. ذلك بأن معنى الكفر هو الستر والتغطية والمواراة، يقال: كفر درعه بثوبه إذا غطاها به ولبسه فوقها، فيقال لمثل هذا الرجل "كافر" لأنه ستر فطرته وغطاها بغطاء من الجهل والسفاهة. وقد علمت أنه ما ولد إلا على فطرة الإسلام، ولا تعمل أعضاء جسده إلا طبقاً لفطرة الإسلام. ولا تسير الدنيا حوله بأسرها إلا على سنن الاستسلام، ولكنه غطى بحجاب مستور من الجهل والسفاهة، وتوارت عن بصيرته فطرة الدنيا وفطرة نفسه، فتراه لا يستخدم قواه الفكرية والعلمية إلا فيما يخالف فطرته، ولا يرى إلا ما يناقضها، ولا يسعى إلا فيما يبطلها.
ولك أن تقدر الآن بنفسك ما ارتكس فيه الكافر من الضلال البعيد والغي المبين([192]).
وهذا الإسلام الذي يطلب منك أن تمتثله ليس بالأمر العسير، بل هو يسير على من يسره الله عليه، فالإسلام هو ما سار عليه هذا الكون كله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً}([193])، وهو دين الله كما قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}([194])، وهو إسلام الوجه لله كما قال جل ثناؤه: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}([195])، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإسلام فقال: (أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك لله، وتؤتي الزكاة المفروضة)([196])، (وسأل رجل الرسول صلىالله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت)([197]). وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) ([198])، وقوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ([199]).
وهذا الدين وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، قال الله تعالى عن نوح: {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت إلى قوله: وأمرت أن أكون من المسلمين}([200])، وقال جل ثناؤه عن إبراهيم: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}([201])، وقال عز شأنه عن موسى: {وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}([202])، وقال في خبر المسيح: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون}([203]).
وهذا الدين - الإسلام - يستمد تشريعاته وعقائده وأحكامه من الوحي الإلهي -القرآن، والسنة- وسأذكر لك نبذة مختصرة عنهما.
أصول الإسلام ومصادره
اعتاد أتباع الأديان الباطلة والملل الوضعية أن يقدسوا كتباً متوارثة فيهم، كتبت في أزمنة غابرة، وقد لا يعلم حقيقة من كتبها، ولا من ترجمها، ولا في أي زمن كتبت، إنما كتبها أناس يعتريهم ما يعترى البشر من الضعف والنقص والهوى والنسيان.
أما الإسلام فإنه يتميز عن غيره حيث يعتمد على المصدر الحق (الوحي الإلهي) القرآن والسنة وفيما يلي تعريف موجز بهما:
أ - القرآن العظيم :
علمت فيما سبق أن الإسلام هو دين الله، ولأجل ذلك أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هدى للمتقين، ودستوراً للمسلمين، وشفاءً لصدور الذين أراد الله لهم الشفاء، ونبراساً لمن أراد الله لهم الفلاح والضياء، وهو مشتمل على ألاصول التي بعث الله من أجلها الرسل([204])، ولم يكن القرآن بدعاً من الكتب، كما لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً من الرسل؛ فقد أنزل الله على إبراهيم صحفاً، وأكرم موسى بالتوراة، وداود بالزبور، وجاء المسيح بالإنجيل. وهذه الكتب وحي من الله أوحاه إلى أنبيائه ورسله، ولكن هذه الكتب المتقدمة فُقِد كثير منها، واندرس معظمها، ودخلها التحريف والتبديل.
أما القرآن العظيم فقد تكفل الله بحفظه، وجعله مهيمناً وناسخاً لما سبقه من الكتب قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين بديه من الكتاب ومهيمناً عليه}([205])، ووصفه الذي أنزله بأنه تبياناً لكل شيء فقال جل ثناؤه: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}([206])، وأنه هدى ورحمة فقال عز من قائل: {فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة}([207])، وأنه يهدي للتي هي أقوم: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}([208])، فهو يهدي البشرية لأقوم سبيل في كل شأن من شؤون حياتها.
وهذا القرآن آية باقية لمحمد صلى الله عليه وسلم - ضمن آيات باقيات إلى يوم القيامة- فقد كانت آيات الأنبياء السابقين ومعجزاتهم تنتهي بانتهاء حياتهم، أما هذا القرآن فقد جعله الله حجة باقية.
وهو الحجة البالغة، والآية الباهرة تحدى الله البشر أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة من سوره، فعجزوا على الرغم من أنه يتكون من حروف وكلمات، والأمة التي أنزل عليها هي أمة الفصاحة والبلاغة، قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوه بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}([209]).
ومما يشهد لهذا القرآن أنه وحي من عند الله، أنه تضمن أخباراً كثيرة عن الأمم السابقة، وتنبأ عن حوادث مستقبلية وقعت كما أخبر، وذكر من البراهين العلمية الشيء الكثير مما لم يتوصل العلماء إلى بعضه إلا في هذا العصر. ومما يشهد لهذا القرآن -أيضاً- أنه وحي من عندالله أن النبي الذي أنزل عليه هذا القرآن لم يعهد عنه مثله ولم ينقل عنه ما يشابهه قبل تنزل القرآن قال تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون}([210])، بل كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولم يتردد على شيخ، ولم يجلس إلى معلم ومع ذلك يتحدى الفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثله: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون}([211])، وهذا الرجل الأمي الذي وصف في التوراة والإنجيل بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب يأتي إليه أحبار اليهود والنصارى -الذين لديهم بقايا من التوراة والإنجيل- يسألونه عما يختلفون فيه، ويحتكمون إليه فيما يتشاجرون فيه، قال تعالى موضحاً خبره في التوراة والإنجيل: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}([212])، وقال تعالى مبيناً سؤال اليهود والنصارى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء}([213])، وقال جل ثناؤه: {ويسألونك عن الروح}([214])، وقال سبحانه: {ويسألونك عن ذي القرنين}([215])، وقال سبحانه: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذين هم فيه يختلفون}([216]).
ولقد حاول القس إبراهيم فيلبس في إطروحة الدكتوراة النيل من القرآن فعجز عن ذلك وقهره القرآن بحججه وبراهينه ودلائله فأعلن عجزه، واستسلم لخالقه وأعلن اسلامه([217]).
وحينما أهدى أحد المسلمين نسخة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الدكتور الأمريكي جفري لانغ وجد أن هذا القرآن يخاطب نفسه، ويجيب على أسئلته، ويزيل الحوجز التي بينه وبين نفسه، بل قال: (إن الذي أنزل القرآن كأنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي) ([218])، كيف لا؟ والذي أنزل القرآن هو الذي خلق الإنسان، وهو الله سبحانه، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}([219]). ثم كانت قراءته لترجمة معاني القرآن الكريم سبباً في إسلامه وتأليفه لهذا الكتاب الذي نقلت لك منه.
والقرآن العظيم شامل لكل ما يحتاج إليه البشر، فهو شامل لأصول القواعد والعقائد والأحكام والمعاملات والآداب قال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}([220])، ففيه الدعوة إلى توحيد الله، وذكر أسمائه وصفاته وأفعاله، ويدعو إلى صحة ما جاء به الأنبياء والمرسلين، ويقرر المعاد والجزاء والحساب ويقيم الحجج والبراهين على ذلك، ويذكر أخبار الأمم الماضية وما حل بها من المثلات في الدنيا، وما ينتظرهم من العذاب والنكال في الآخرة.
وفيه من الآيات والدلائل والبراهين الشيء الكثير مما يدهش العلماء، ويناسب كل عصر، ويجد فيه العلماء والباحثون ضالتهم، وسأذكر لك ثلاثة أمثلة فقط تكشف لك شيئاً من ذلك وهذه الأمثلة هي:
1 - قوله تعالى: {وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً}([221])، وقال عز شأنه: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}([222]).
ومن المعلوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر، ولم يكن في عصره الوسائل المادية التي تعين على اكتشاف أعماق البحر. فمن الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه المعلومات إلا الله.
2 - قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}([223])، ولم يكتشف العلماء هذه التفاصيل الدقيقة عن مراحل خلق الجنين إلا في هذا العصر.
3 - قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}([224])، فلم تعتد البشرية هذا التفكير الشامل ولا تفكر فيه، فضلاً عن أن تستطعيه، بل إذا رصد فريق من العلماء نبتة أو حشرة وسجلوا ما عرفوا عنها تملكنا الإعجاب لذلك، علماً أن ما خفي عليهم من حالها أكثر مما رصدوه.
وقد قارن العالم الفرنسي موريس بوكاي بين التوراة والإنجيل والقرآن، وبين ما توصلت إليه الاكتشافات الحديثة فيما يتعلق بخلق السموات والأرض وخلق الإنسان؛ فوجد أن الاكتشافات المعاصرة موافقة لما ورد في القرآن، بينما وجد التوراة والإنجيل المتداولة اليوم متضمنة لمعلومات كثيرة خاطئة عن خلق السموات والأرض وخلق الإنسان والحيوان([225]).
ب : السنة النبوية
أنزل الله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، وأوحى إليه مثله وهو السنة النبوية الشارحة والمبنية للقرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)([226])، فقد أذن له أن يبين ما في القرآن من عموم أوخصوص أو إجمال، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}([227]).
والسنة هي المصدر الثاني من مصادر الإسلام، وهي جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -بسند صحيح متصل إلى الرسول - من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
وهي وحي من الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم عن هوى قال تعالى: {إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى}([228])، إنما يبلغ إلى الناس ما أمر به قال تعالى: {إن اتبع إلا ما يوحي إليّ وما أنا إلا نذير مبين}([229]).
والسنة المطهرة هي التطبيق الفعلي للإسلام أحكاماً وعقائد وعبادات ومعاملات وآداباً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل ما أمر به، ويبينه للناس، ويأمرهم أن يفعلوا مثل فعله كقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ([230])، وقد أمر الله المؤمنين أن يقتدوا به في أفعاله وأقواله؛ حتى يتم لهم كمال إيمانهم قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}([231])، ونقل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلى من بعدهم ونقلها هؤلاء إلى من بعدهم، ثم تم تدوينها في دواوين السنة، وقد كان نَقَلَةُ السنة يتشددون فيمن ينقلون عنه، ويطلبون فيمن يأخذون عنه أن يكون معاصراً لمن أخذ عنه، حتى يتصل السند من الراوي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم([232]) وأن يكون جميع رجال السند ثقات عدولاً صادقين أمناء.
والسنة كما أنها التطبيق الفعلي للإسلام، فهي -أيضاً- تبين القرآن الكريم، وتشرح آياته، وتفصل المجمل من أحكامه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين ما نزل إليه، تارة بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما معاً، وقد تستقل السنة عن القرآن الكريم ببيان بعض الأحكام والتشريعات.
ويجب الإيمان بالقرآن والسنة على أنهما المصدران الأساسيات في دين الإسلام الذي يجب اتباعهما والرد إليهما، واتباع أمرهما، واجتناب نهيهما، وتصديق أخبارهما، والإيمان بما فيهما من أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما أعده الله لأوليائه المؤمنين، وما توعد به أعداءه الكافرين، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}([233])، وقال سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}([234]).
وبعد التعريف بمصادر هذا الدين يحسن بنا أن نذكر مراتبه، وهي الإسلام، والإيمان، والإحسان، وسنتناول بشيء من الإيجاز أركان هذه المراتب.
المرتبة الأولى*
الإسلام: وأركانه خمسة وهي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.
الأول: شهادة ألا إله إلالله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى شهادة ألا إله إلا الله: أي لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده، فهو الإله الحق، وكل إله غيره باطل([235])، وتقتضي إخلاص العبادة لله وحده، ونفيها عما سواه، ولا تنفع قائلها حتى يتحقق فيه أمران:
الأول : قول لا إله إلا الله عن اعتقاد وعلم ويقين وتصديق ومحبة.
الثاني : الكفر بما يعبد من دون الله. فمن قال هذه الشهادة ولم يكفر بما يعبد من دون الله لم ينفعه هذا القول([236]).
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، وأن تعلم وتعتقد بأن محمداً رسول الله إلى الناس جميعاً، وأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وأن تعلم وتعتقد بأن تلقي التشريع سواء في العقيدة، أم في شعائر العبادات التي أمر الله بها، أم في نظام الحكم والتشريع أم في مجال الأخلاق، أم في مجال بناء الأسرة، أم في مجال التحليل والتحريم.. لا يكون إلا عن طريق هذا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول الله المبلغ عنه شريعته([237]).
الثاني : الصلاة* :
هي الركن الثاني من أركان الإسلام، بل هي عمود الإسلام، إذ هي صلة بين العبد وربه، يكررها كل يوم خمس مرات، يجدد فيها إيمانه، ويطهر فيها نفسه من أدران الذنوب، وتحول بينه وبين الفواحش والآثام، فإذا استيقظ العبد من نومه في صباحه -مَثُلَ بين يدي ربه طاهراً نظيفاً -قبل أن ينشغل بحطام الدنيا- ثم كبر ربه، وأقر بعبوديته واستعانه واستهداه، وجدد ما بينه وبين ربه من ميثاق الطاعة والعبودية ساجداً وقائماً وراكعاً يكرر ذلك في كل يوم خمس مرات، ويلزم لأداء هذه الصلاة أن يكون متطهراً في قلبه وبدنه وثوبه ومكان صلاته، وأن يؤديها المسلم جماعة مع إخوانه المسلمين إلى ربهم، ومتوجهين بوجههم إلى الكعبة المشرفة بيت الله، فالصلاة قد وضعت على أكمل الوجوه وأحسنها التي تعبّد بها الخالق تبارك وتعالى عباده؛ من تضمّنها للتعظيم له بأنواع الجوارح، من نطق اللسان، وعمل اليدين والرجلين والرأس وحواسه، وسائر أجزاء بدنه، كل يأخذ حظه من هذه العبادة العظيمة.
فالحواس والجوارح تأخذ بحظها منها، والقلب يأخذ حظه منها، فهي مشتملة على الثناء والحمد والتمجيد والتسبيح والتكبير، وشهادة الحق، وقراءة القرآن الكريم والقيام بين يدي الرب مقام العبد الذليل الخاضع للرب المدبر، ثم التذلل له في هذا المقام والتضرع والتقرب إليه، ثم الركوع والسجود والجلوس خضوعاً وخشوعاً واستكانة لعظمته وذلاً لعزته، قد انكسر قلبه، وذل له جسمه، وخشعت له جوارحه، ثم يختم صلاته بالثناء على الله والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة([238]).
الثالث الزكاة* :
هي الركن الثالث من أركان الإسلام، ويجب على المسلم الغني أن يخرج زكاة ماله، وهي جزء يسير جداً، ويدفعها إلى الفقراء والمساكين وغيرهم ممن يجوز دفعها إليهم.
ويجب أن يدفعها المسلم إلى مستحقها بطيب نفسه، ولا يمنّ بها على أهلها ولا يؤذيهم بسببها، ويجب أن يدفعها المسلم ابتغاء رضوان الله، لا يريد بذلك جزاءً ولا شكوراً من الخلق؛ بل يدفعها خالصة لوجه الله لا رياءً ولا سمعة.
وفي إخراج الزكاة استجلاب للبركة، وتطييب لنفوس الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وإغناء لهم عن ذل السؤال، ورحمة بهم من التلف والعوز إذا تركهم الأغنياء، وفي إخراج الزكاة اتصاف بصفات الكرم والجود والإيثار والبذل والرحمة، وتخلٍ عن سمات أهل الشح والبخل والدناءة. وفيها يتكاتف المسلمون، ويرحم غنيُهم فقيرَهم، فلا يبقى في المجتمع -إذا طبقت هذه الشعيرة- فقير معدم، ولا مدين مرهق، ولا مسافر منقطع.
الرابع : الصيام *:
وهو صيام شهر رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يدع فيه الصائم الطعام والشراب والجماع عبادة لله سبحانه وتعالى، ويكف نفسه عن شهواتها، وقد خفف الله الصيام عن المريض والمسافر والحامل والمرضع والحائض والنفساء؛ فلكل منهم حكم يناسبه.
وفي هذا الشهر يكف المسلم نفسه عن شهواتها؛ فتخرج نفسه بهذه العبادة من شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين، حتى إن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله.
والصيام يحي القلب، ويزهد في الدنيا، ويرغب فيما عند الله، ويذكر الأغنياء بالمساكين وأحوالهم؛ فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا شكراً.
والصيام يزكي النفس، ويقيمها على تقوى الله، ويجعل الفرد والمجتمع يستشعر رقابة الله عليه في السراء والضراء في السر والعلانية؛ حيث يعيش المجتمع شهراً كاملاً محافظاً على هذه العبادة، مراقباً لربه يدفعه إلى ذلك خشية الله تعالى والإيمان بالله وباليوم الآخر، واليقين بأن الله يعلم السر وأخفى، وأن المرء لابد له من يوم يقف فيه بين يدي ربه فيسأله عن أعماله كلها صغيرها وكبيرها([239]).
الخامس الحج* :
إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ويجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر، يملك وسيلة النقل أو أجرتها إلى البيت الحرام، ويملك ما يكفيه من النفقة في ذهابه وإيابه، على أن تكون هذه النفقة فاضلة عن قوت من يعولهم، وأن يكون آمناً على نفسه في طريقه، وآمناً على من يعولهم أثناء غيابه عنهم، ويجب الحج مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً.
وينبغي لمن أراد الحج أن يتوب إلى الله؛ لتتطهر نفسه من دنس الذنوب، فإذا بلغ مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أدى شعائر الحج عبودية وتعظيماً لله، ويعلم أن الكعبة وسائر المشاعر لا تعبد من دون الله، وأنها لا تنفع ولا تضر، ولولم يأمر الله بالحج إليها لما صح للمسلم أن يحج إليها.
وفي الحج يلبس الحاج إزاراً ورداءً أبيضين، فيجتمع المسلمون من جميع أقطار الأرض في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً، يعبدون رباً واحداً، لافرق بين رئيس أو مرؤوس، وغني أو فقير، أو أبيض أو أسود، الكل خلق الله وعباده، لا فضل لمسلم على غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح.
فيحصل للمسلمين التعاون والتعارف، ويتذكرون يوم يبعثهم الله جميعاً، ويحشرهم في صعيد واحد للحساب، فيستعدون بطاعة الله تعالى لما بعد الموت([240]).
العبادة في الإسلام*
هي العبودية لله معنى وحقيقة، فالله خالق وأنت مخلوق، وأنت عبد والله معبودك، وإذ كان ذلك كذلك فلا بد أن يسير المرء في هذه الحياة على صراط الله المستقيم متبعاً لشرعه، مقتفياً أثر رسله، وقد شرع الله لعباده شرائع عظيمة كتحقيق التوحيد لله رب العالمين والصلاة والزكاة والصيام والحج.
ولكن ليست هذه هي كل العبادات في الإسلام، فالعبادة في الإسلام أشمل إذ هي: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. فكل عمل أو قول عملته أو قلته مما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة ، بل كل عادة حسنة عملتها بنية التقرب إلى الله فهي عبادة، فمعاشرتك الحسنة لأبيك وأهلك وزوجك وأولادك وجيرانك إذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة، ومعاملتك الحسنة في البيت والسوق المكتب وإذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة، وأداء الأمانة والتزام الصدق والعدل وكف الأذى وإعانة الضعيف واكتساب الحلال والنفقة على الأهل والأولاد ومواساة المسكين وزيارة المريض وإطعام الجائع ونصرة المظلوم كل ذلك عبادة إذا قصد به وجه الله. فكل عمل تعمله لنفسك أو لأهلك أو لمجتمعك أو لبلدك تقصد به وجه الله فهو عبادة. بل حتى تحقيق شهوات نفسك في حدود ما أباح الله لك؛ تكون عبادة إذا قَارَنَتْها نية صالحة قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)([241]).
وقال صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد! قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قال أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة)([242]).
المرتبة الثانية *
الإيمان وأركانه ستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر.
الأول: الإيمان بالله:
أن تؤمن بربوبية الله تعالى، أي أنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وتؤمن بألوهية الله تعالى، أي أنه الإله الحق، وكل معبود سواه باطل، وتؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى الكاملة.
وتؤمن بوحدانية الله في ذلك، بأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {رب السموات والأرض وما ينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً}([243]).
وتؤمن بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه له ملك السموات والأرض، {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}([244]).
وتؤمن بأنه تعالى على عرشه عالٍ على خلقه ، وهو أيضاً مع خلقه يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويدبر أمورهم، يرزق الفقير، ويجبر الكسير، يؤت الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء وهو على كل شيء قدير([245]).
ومن ثمرات الإيمان بالله ما يلي:
1 - يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره، واجتناب نهيه، وإذا قام العبد بذلك نال بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة.
2 - أن الإيمان بالله ينشئ في النفس الأنفة والعزة؛ لأنه يعلم أن الله هو المالك الحقيقي لكل ما في هذا الكون، وأنه لا نافع ولا ضار إلا هو، وهذا العلم يغنيه عن غير الله، وينزع من قلبه خوف سواه، فلا يرجو إلا الله ولا يخاف سواه.
3 - أن الإيمان بالله ينشئ في نفسه التواضع؛ لأنه يعلم أن ما به من نعمة فمن الله، فلا يغره الشيطان، ولا يبطر ولا يتكبر، ولا يزهو بقوته وماله.
4 - أن المؤمن بالله يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى الفلاح والنجاة إلا بالعمل الصالح الذي يرضاه الله، في حين يعتقد غيره اعتقادات باطلة كاعتقاد أن صلب ابن الله كفر عنه سيئاته، أو يؤمن بآلهة ويعتقد أنها تحقق له ما يريد، وهي في حقيقتها لا تنفع ولا تضر، أو يكون ملحداً فلا يؤمن بوجود خالق.. وكل هذه أماني، حتى إذا وردوا على الله يوم القيامة وعاينوا الحقائق أدركوا أنهم كانوا في ضلال مبين.
5 - أن الإيمان بالله يربي في الإنسان قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل حينما يضطلع بمعالي الأمور في الدنيا ابتغاء لمرضاة الله، ويكون على يقين تام أنه متوكل على ملك السموات والأرض، وأنه يؤيده ويأخذ بيده، فيكون راسخاً رسوخ الجبال في صبره وثباته وتوكله([246]).
الثاني : الإيمان بالملائكة :
وأن الله خلقهم لطاعته، ووصفهم بأنهم: {عباد مكرمون. لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}([247])، وأنهم: {لايستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون}([248])، حجبهم الله عنا فلا نراهم، وربما كشف الله بعضهم لبعض أنبيائه ورسله.
وللملائكة أعمال كلفوا بها، فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من عباده المرسلين، ومنهم الموكل بقبض الأرواح، ومنهم الملائكة الموكلون بالأجنة في الأرحام، ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم، ومنهم الموكلون بكتابة أعمالهم فلكل شخص ملكان: {عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}([249]).
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة :
1 - أن تتطهر عقيدة المسلم من شوائب الشرك وأدرانه؛ لأن المسلم إذا آمن بوجود الملائكة الذين كلفهم الله بهذه الأعمال العظيمة؛ تخلص من الاعتقاد بوجود مخلوقات وهمية تسهم في تسيير الكون.
2 - أن يعلم المسلم أن الملائكة لا ينفعون ولا يضرون، وإنما هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فلا يعبدهم ولا يتوجه إليهم، ولا يتعلق بهم.
الثالث : الإيمان بالكتب :
الإيمان بأن الله أنزل كتباً على أنبيائه ورسله؛ لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}([250])، وهذه الكتب كثيرة منها: صحف إبراهيم، والتوراة التي أوتيها موسى، والزبور الذي أرسل به داود، والإنجيل الذي جاء به المسيح عليهم السلام.
وهذه الكتب التي أخبرنا الله عنها اندثرت فلم يبق لصحف إبراهيم وجود في الدنيا، أما التوراة والإنجيل والزبور فإنها وإن كانت توجد بأسمائها عند اليهود والنصارى إلا أنها حرفت وبدلت وفقد الكثير منها، ودخل فيها ما ليس منها، بل نسبت إلى غير أصحابها، فالعهد القديم فيه أكثر من أربعين سفراً، وينسب إلى موسى خمسة فقط، والأناجيل الموجودة اليوم لا ينسب واحد منها إلى المسيح.
فالإيمان بهذه الكتب السابقة أن تؤمن أن الله أنزلها على رسله، وأنها تضمنت الشرع الذي أراد الله إبلاغه إلى الناس في ذلك الزمان.
أما آخر الكتب التي أنزلت من عند الله فهو القرآن العظيم الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزال محفوظاً بحفظ الله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل في حروفه أو كلماته أو حركاته أو معانيه.
والفرق بين القرآن العظيم وبين هذه الكتب الماضية من وجوه كثيرة منها:
1 - أن هذه الكتب الماضية قد ضاعت ودخلها التحريف والتبديل، ونسبت إلى غير أصحابها، وأضيف إليها شروحات وتعليقات وتفاسير، وتضمنت من الأمور المنافية للوحي الإلهي والعقل والفطرة الشيء الكثير.
أما القرآن الكريم فهو لا يزال محفوظاً بحفظ الله، بنفس الأحرف والكلمات التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم، لم يطرأ عليه تحريف ولم يدخله زيادة؛ إذ حرص المسلمون على أن يبقى القرآن الكريم خالصاً من كل شائبة، فلم يخلطوه بغيره من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو سيرة الصحابة رضي الله عنهم أو تفسير القرآن الكريم أو أحكام العبادات والمعاملات.
2 - أن الكتب القديمة لا يعرف لها اليوم سند تاريخي، بل بعضها لا يعرف على من نزلت ولا بأي لغة كتبت، بل قسم منها نسب إلى غير من جاء به.
أما القرآن فنقله المسلمون عن محمد صلى الله عليه وسلم نقلاً متواتراً شفهياً وكتابياً، ولدى المسلمين في كل عصر ومصر آلاف الحفاظ لهذا الكتاب وآلاف النسخ المكتوبة منه، وما لم تتفق النسخ الشفهية منه مع النسخ المكتوبة فلا يعتد بالنسخ المخالفة، فلابد أن يتوافق ما في الصدور بما في السطور.
وفوق ذلك فإن القرآن نقل نقلاً شفهياً لم يحظ به أي كتاب من كتب الدنيا، بل لم توجد صورة هذا النقل إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وطريقة هذا النقل: أن يحفظ الطالب القرآن على شيخه حفظاً عن ظهر قلب، وشيخه قد حفظه على شيخه، ثم يمنح الشيخ تلميذه شهادة تسمى "إجازة" يشهد فيها الشيخ بأنه أقرأ تلميذه ما قرأه هو على مشايخه شيخاً بعد شيخ، كل منهم يسمي شيخه باسمه إلى أن يصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا يتسلسل السند الشفهي من الطالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تضافرت الأدلة القوية والشواهد التاريخية - المتسلسلة بالسند أيضاً- على معرفة كل سورة وكل آية من القرآن الكريم أين نزلت ومتى نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم.
3 - أن اللغات التي أنزلت بها الكتب الماضية قد اندثرت منذ زمن بعيد، فلا يوجد أحد يتكلم بها، وقليل من يفهمها في العصر الحاضر، أما اللغة التي نزل بها القرآن فلغة حية يتكلم بها اليوم عشرات الملايين، وهي تدرس وتعلم في كل قطر من أقطار الأرض، ومن لم يتعلمها يجد في كل مكان من يُفهّمه معاني القرآن الكريم.
4 - أن الكتب القديمة كانت لزمن معين، وكانت موجهة إلى أمة بعينها دون سائر الناس؛ ولذلك تضمنت أحكاماً خاصة بتلك الأمة وذلك الزمن، وما كان كذلك فلا يناسب أن يكون للناس جميعاً.
أما القرآن العظيم فهو كتاب شامل لكل زمان، مناسب لكل مكان، متضمن من الأحكام والمعاملات والأخلاق ما يصلح لكل أمة، ويناسب كل عصر؛ إذ الخطاب فيه موجه إلى الإنسان بعامة.
ومن خلال ذلك يتبين أنه لا يمكن أن تكون حجة الله على البشر في كتب لا توجد نسخها الأصلية، ولا يوجد على ظهر الأرض من يتكلم اللغات التي كتبت بها تلك الكتب بعد تحريفها... إنما تكون حجة الله على خلقه في كتاب محفوظ سالم من الزيادة والنقص والتحريف، نسخه مبثوثة في كل مكان، مكتوب بلغة حية يقرأ بها الملايين من الناس، ويبلغون رسالات الله إلى الناس، وهذا الكتاب هو "القرآن العظيم" الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو المهيمن على هذه الكتب السابقة، والمصدق لها، والشاهد عليها، وهو الذي يجب على جميع البشرية اتباعه؛ ليكون لهم نوراً وشفاءً وهدى ورحمة، قال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}([251])، وقال جل ثناؤه: {قل أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً}([252]).
الرابع : الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم:
أن الله أرسل إلى خلقه رسلاً يبشرونهم بالنعيم إذا آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وينذرونهم العذاب إذا عصوا قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}([253])، وقال جل ثناؤه: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}([254]).
وهؤلاء الرسل كثير أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أخبرنا الله عنهم كإبراهيم وموسى وعيسى وداود ويحيى وزكريا وصالح..، ومنهم من لم يذكر الله خبره قال تعالى: {ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك}([255]).
وهؤلاء الرسل كلهم بشر مخلوقون لله، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية نصيب، فلا يصرف لهم من العبادة أي جزء، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، قال الله عن نوح -وهو أولهم- أنه قال لقومه: {ولا أقولكم عندي خزائن لله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك}([256])، وأمر الله تعالى آخرهم أن يقول: {لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك}([257])، وأن يقول: {لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله}([258]).
فالأنبياء عبيد مكرمون، اصطفاهم الله وأكرمهم بالرسالة، ووصفهم بالعبودية، دينهم الإسلام، ولا يقبل الله ديناً سواه، قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}([259])، اتفقت رسالاتهم في أصولها، وتنوعت شرائعهم قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً}([260])، وخاتمة هذه الشرائع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ناسخة لكل شريعة سابقة، وأن رسالته خاتمة الرسالات، وهو خاتم المرسلين.
فمن آمن بنبي وجب عليه أن يؤمن بهم جميعاً، ومن كذب نبياً فقد كذبهم جميعاً؛ لأن جميع الأنبياء والمرسلين يدعون إلى الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولأن دينهم واحد، فالذي يفرق بينهم أو يؤمن ببعضهم ويكفر ببعض فقد كفر بهم جميعاً؛ لأن كلاً منهم يدعو إلى الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين([261]). قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله}([262]). وقال جل ثناؤه: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً}([263]).
الخامس : الإيمان باليوم الآخر
ذلك أن نهاية كل مخلوق في الدنيا الموت! فما مصير الإنسان بعد الموت؟ فما مآل الظَلَمة الذين سلموا من العذاب في الدنيا هل يسلمون من طائلة ظلمهم؟ والمحسنون الذين فاتهم نصيبهم وجزاء إحسانهم في الدنيا هل تضيع أجورهم؟
إن البشرية تتابع إلى الموت، جيلاً بعد جيل، حتى إذا أذن الله بانقضاء الدنيا، وهلك كل مخلوق على ظهرها، بعث الله جميع الخلائق في يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ثم يحاسب العباد على أعمالهم من خير أو شر كسبوه في الدنيا، فالمؤمنون يساقون إلى الجنة، والكفار يقادون إلى النار.
والجنة هي : النعيم الذي أعده الله لأوليائه المؤمنين، فيها من أصناف النعيم ما لا يقدر أحد على وصفه، فيها مائة درجة، لكل درجة سكان على قدر إيمانهم بالله وطاعتهم له، وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى من النعيم مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا وعشرة أضعافه.
والنار هي العذاب الذي أعده الله لمن كفر به، فيها من ألوان العذاب ما يهول ذكره، ولو أذن الله بالموت لأحد في الآخرة لمات أهل النار بمجرد رؤيتها.
وقد علم الله - بسابق علمه - ما سوف يقوله ويعمله كل إنسان من خير أو شر سراً كان أم علانية، ثم وكل بكل إنسان ملكين أحدهما يكتب الحسنات، والآخر يكتب السيئات، لا يفوتهما شيء قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}([264])، وتدون هذه الأعمال في كتاب يعطى للإنسان يوم القيامة، قال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالهذا هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}([265])، فيقرأ كتابه لا ينكر منه شيئاً ومن أنكر شيئاً من أعماله أنطق الله سمعه وبصره ويديه ورجليه وجلده بجميع عمله قال تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون}([266]).
والإيمان باليوم الآخر -وهو يوم القيامة، يوم البعث والنشور- جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}([267])، وقال سبحانه وتعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى}([268])، وهو ما تقتضيه الحكمة الإلهية؛ فإن الله لم يخلق خلقه عبثاً، ولم يتركهم سدى، إذ أضعف الناس عقلاً لا يمكن أن يعمل عملاً -ذا بال- دون غاية معلومة لديه، ودون قصد منه، فكيف لا يتصور هذا من الإنسان، ثم يظن الإنسان بربه أنه خلق خلقه عبثاً، وسيتركهم سدى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وقال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون}([269])، وقال جل شأنه: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}([270]).
وشهد على الإيمان به جميع العقلاء، وهو الذي يقتضيه العقل، وتسلم له الفطر المستقيمة؛ لأن الإنسان إذا آمن بيوم القيامة؛ أدرك لماذا يترك الإنسان ما يترك، ويعمل ما يعمل رجاء ما عند الله، ثم أدرك -أيضاً- أن من يظلم الناس لابد أن يأخذ نصيبه، وأن يقتص الناس منه في يوم القيامة، وأن الإنسان لابد أن يأخذ جزاءه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لتجزي كل نفس بما تسعى، ويتحقق العدل الإلهي قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}([271]).
ولا يعلم أحد من الخلق متى يأتي يوم القيامة، فهذا يوم لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب بل اختص الله ذلك بعلمه قال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو}([272]). وقال سبحانه: {إن الله عنده علم الساعة}([273]).
السادس : الإيمان بالقضاء والقدر :
أن تؤمن بإن الله علم ما كان وما سيكون، وعلم أحوال العباد وأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم قال تعالى: {إن الله بكل شيء عليم}([274])، وقال جل ثناؤه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولارطب ولايابس إلا في كتاب مبين}([275])، وكتب كل ذلك في كتاب عنده قال تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}([276])، وقال سبحانه: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير}([277])، فإذا شاء الله أمراً قال له: كن فيكون. قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}([278])، والله سبحانه كما أنه قدر كل شيء فهو الخالق لكل شيء قال جل ثناؤه: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}([279])، وقال عز من قال: {الله خالق كل شيء}([280])، فخلق العباد لطاعته، وبينها لهم، وأمرهم بها، ونهاهم عن معصيته، وبينها لهم، وجعل لهم القدرة والمشيئة التي يتمكنون بها من فعل أوامر الله؛ فيحصل لهم الثواب، ومن ارتكاب معاصيه، فيستحقون العذاب.
فإذا آمن الإنسان بالقضاء والقدر تحقق له ما يلي:
1- اعتماده على الله عند فعل الأسباب؛ لأنه يعلم أن السبب والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره.
2- راحة النفس وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله وقدره، وأن المكروه المقدر كائن لا محالة ارتاحت نفسه ورضي بقضاء الله، فلا أحد أطيب عيشاً وأريح نفساً وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.
3 - طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد؛ لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والفلاح؛ فيشكر الله على ذلك.
4 - طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله الذي لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو كائن لامحالة، فيصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}([281]).
5 - التوكل التام على الله سبحانه؛ لأن المسلم يعلم أنه سبحانه بيده -وحده- النفع والضر، فلا يرهب قوياً لقوته، ولا يتوانى عن فعل خير مخافة أحد من البشر، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك}([282]).
المرتبة الثالثة : الإحسان وهو ركن واحد وهو :
أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فيعبد الإنسان ربه على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب النصح في أداء العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها.
فالعبد يراقب ربه في أداء العبادة، ويستحضر قربه منه حتى كأنه يراه، فإن شق عليه ذلك فليستعن على تحقيقه بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته، وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره([283]).
فالعبد الذي بلغ هذه المنزلة يعبد ربه مخلصاً، لا يلتفت إلى أحد سواه، فلا ينتظر ثناء الناس، ولا يخشى ذمهم، إذ حسبه أن يرضى عنه ربه، ويحمده مولاه.
فهو إنسان تساوت علانيته وسره، فهو عابد لربه في الخلوة والجلوة، موقن -تمام اليقين- أن الله مطلع على ما يكنه قلبه وتوسوس به نفسه، هيمن الإيمان على قلبه، واستشعر رقابة ربه عليه؛ فاستسلمت جوارحه لبارئها، فلا يعمل بها من العمل إلا ما يحبه الله ويرضاه، مستلم لربه.
وحيث تعلق قلبه بربه فلا يستعين بمخلوق؛ لاستغنائه بالله، ولا يشتكي لإنسان، لأنه أنزل حاجته بالله سبحانه وكفى به معيناً، ولا يستوحش في مكان، ولا يخاف من أحد؛ لأنه يعلم أن الله معه في كل أحواله، وهو حسبه ونعم النصير، ولا يترك أمراً أمره الله به، ولا يقترف معصية لله؛ لأنه يستحيي من الله، ويكره أن يفقده حيث أمره، أو يجده حيث نهاه، ولا يعتدي أو يظلم مخلوقاً أو يأخذ حقه؛ لأنه يعلم أن الله مطلع عليه، وأنه سبحانه سيحاسبه على أفعاله. ولا يفسد في الأرض؛ لأنه يعلم أن مافيها من خيرات ملك لله تعالى سخرها لخلقه فهو يأخذ منها على قدر حاجته، ويشكر ربه أن يسرها له.
* * *
إن ما ذكرته لك، وعرضته أمامك في هذا الكتيب ما هو إلا الأمور المهمة، والأركان العظيمة في الإسلام، وهذه الأركان هي التي إذا آمن العبد بها، وعمل بها؛ أصبح مسلماً، والإ فإن الإسلام- كما ذكرت لك - دين ودنيا، عبادة ومنهج حياة، إنه نظام إلهي شامل كامل حوى في تشريعاته كل ما يحتاج إليه الفرد والأمة على حد سواء في جميع مجالات الحياة الاعتقادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.. ويجد فيه الإنسان قواعد وأصولاً وأحكاماً تنظم السلم والحرب، والحقوق الواجبة، وتحافظ على كرامة الإنسان والطير والحيوان والبيئة من حوله، وتبين له حقيقة الإنسان والحياة والموت، والبعث بعد الموت، ويجد فيه -أيضاً- المنهج الأمثل لمعاملة الناس من حوله من مثل قوله تعالى: {وقولوا للناس حسناً}([284])، وقوله تعالى: {والعافين عن الناس}([285])، وقوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}([286]).
ويحسن بنا وقد عرضنا مراتب هذا الدين، وأركان كل مرتبة من مراتبه أن نذكر نبذة يسيرة من محاسنه.
من محاسن الإسلام* :
يعجز القلم عن الإحاطة بمحاسن الإسلام، وتضعف العبارة عن الوفاء بذكر فضائل هذا الدين؛ وما ذاك إلا لأن هذا الدين هو دين الله سبحانه وتعالى، فكما لا يحيط البصر بالله إدراكاً، ولا يحيط به البشر علماً، فكذلك شرعه سبحانه لا يحيط القلم به وصفاً. وقد قال ابن القيم رحمه الله: (وإذا تأملت الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم، والملة الحنيفية، والشريعة المحمدية التي لا تنال العبارة كمالها، ولا يدرك الوصف حسنها، ولا تقترح عقول العقلاء - ولو اجتمعت وكانت على أكمل رجل منهم -فوقها، وحسب العقول الكاملة الفاضلة أن أدركت حسنها، وشهدت بفضلها، وأنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها.. ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهاناً وآية وشاهداً على أنها من عند الله، وكلها شاهدة بكمال العلم، وكمال الحكمة، وسعة الرحمة والبر والإحسان، والإحاطة بالغيب والشهادة، والعلم بالمبادئ والعواقب، وأنها من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده، فما أنعم عليهم بنعمة أجل من أنه هداهم لها، وجعلهم من أهلها، وممن ارتضاهم لها؛ فلهذا امتن على عباده بأن هداهم لها قال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}([287])، وقال معرفاً لعباده ومذكراً عظيم نعمته عليهم، مستدعياً منهم شكره على أن جعلهم من أهلها: {اليوم أكملت لكم دينكم}([288]).
ومن شكر الله علينا بهذا الدين أن نذكر طرفاً من محاسنه فنقول:
1 - أنه دين الله :
أن الدين الذي ارتضاه الله لنفسه، وبعث به رسله، وأذن لخلقه بأن يعبدوه من خلاله، فكما لا يشابه الخالق المخلوق، فكذلك لا يشابه دينه -وهو الإسلام- قوانين الخلق وأديانهم، وكما اتصف سبحانه بالكمال المطلق فكذلك دينه له الكمال المطلق في الوفاء بالشرائع التي تصلح معاش الناس ومعادهم، والإحاطة بحقوق الخالق سبحانه وواجبات العباد نحوه، وحقوق بعضهم على بعض، وواجبات بعضهم لبعض.
2 - الشمول :
من أبرز محاسن هذا الدين شموله لكل شيء. قال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ([289])، فشمل هذا الدين كل ما يتعلق بالخالق من أسماء الله وصفاته وحقوقه، وكل ما يتعلق بالمخلوق من شرائع وتكاليف وأخلاق وتعامل، وأحاط هذا الدين بخبر الأولين والآخرين، والملائكة والأنبياء والمرسلين، وتحدث عن السماء والأرض والأفلاك والنجوم والبحار والأشجار والكون، وذكر سبب الخلق وغايته ونهايته، وذكر الجنة ومآل المؤمنين وذكر الـنار ونهـاية الكافـرين.
3 - أنه يصل الخالق بالمخلوق:
اختص كل دين باطل وكل ملة بأنها تصل الإنسان بإنسان مثله عرضة للموت والضعف والعجز والمرض، بل ربما تربطه بإنسان مات منذ مئات السنين وأصبح عظاماً وتراباً... وخص هذا الدين الإسلام بأنه يصل الإنسان بخالقه مباشرة، فلا قسيس ولا قديس، ولا سر مقدس؛ إنما هو الاتصال المباشر بين الخالق والمخلوق، اتصال يربط العقل بربه فيستنير ويسترشد ويسمو ويتعالى ويطلب الكمال، ويترفع عن السفاسف والصغائر، إذ كل قلب لم يرتبط بخالقه فهو أضل من بهيمة الأنعام.
وهو اتصال بين الخالق والمخلوق يتعرف من خلاله على مراد الله منه فيعبده على بصيرة، ويتعرف على مواطن رضاه فيطلبها، ومواطن سخطه فيجتنبها.
وهو اتصال بين الخالق العظيم وبين المخلوق الضعيف الفقير فيطلب منه المدد والعون والتوفيق، ويسأله أن يحفظه من كيد الكائدين وعبث الشياطين.
4 - مراعاة مصالح الدنيا والآخرة:
بنيت شريعة الإسلام على مراعاة مصالح الدنيا والآخرة وإتمام مكارم الأخلاق.
أما بيان مصالح الآخرة: فقد بين هذا الشرع وجوهها، ولم يغفل منها شيئاً، بل فسرها وأوضحها لئلا يُجهل منها شئ، فوعد بنعيمها وتوعد بعذابها.
أما بيان المصالح الدنيوية: فقد شرع الله في هذا الدين ما يحفظ على الإنسان دينه ونفسه وماله ونسبه وعرضه وعقله.
أما بيان مكارم الأخلاق: فقد أمر بها ظاهراً وباطناً، ونهى عن رذائلها وسفاسفها، فمن المكارم الظاهرة النظافة والطهارة والتنزه عن الأقذار والأوساخ، وندب إلى التطيب وتحسين الهيئة، وحرم الخبائث كالزنا، وشرب الخمر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وأمر بأكل الطيبات ونهى عن الإسراف والتبذير.
أما النظافة الباطنية فترجع إلى التخلي عن مذموم الأخلاق، والتحلي بمحامدها ومستحسنها فالأخلاق المذمومة كالكذب والفجور والغضب والحسد والبخل ومهانة النفس وحب الجاه وحب الدنيا والكبر والعجب والرياء، ومن الأخلاق المحمودة: حسن الخلق وحسن الصحبة للخلق والإحسان إليهم والعدل والتواضع والصدق وكرم النفس والبذل والتوكل على الله والإخلاص والخوف من الله والصبر والشكر([290]).
5 - اليسر :
إحدى الصفات التي تميز هذا الدين؛ ففي كل شعيرة من شعائره يسر، وكل عبادة من عبادته يسر: قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}([291])، وأول هذا اليسر: أن من يريد أن يدخل في هذا الدين فلا يحتاج إلى وساطة بشرية، أو اعتراف بماضٍ سابق، بل كل ما عليه أن يتطهر ويتنظف، ويشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن يعتقد معناهما ويعمل بمقتضاهما.
ثم إن كل عبادة يدخلها اليسر والتخفيف إذا سافر الإنسان أو مرض، ويكتب له من العمل مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، بل إن حياة المسلم تصبح ميسرة مطمئنة، بخلاف حياة الكافر فإنها ضنك وعسر، وكذلك موت المؤمن يكون يسيراً فتخرج روحه كما تخرج القطرة من الإناء، قال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون}([292])، أما الكافر فتحضر الملائكة الشداد الغلاظ عند موته ويضربونه بالسياط قال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}([293])، وقال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} ([294]).
6 - العدل :
أن الذي شرع الشرائع الإسلامية هو الله وحده، وهو خالق الخلق كلهم الأبيض والأسود والذكر والأنثى، وهم أمام حكمه وعدله ورحمته سواء، وقد شرع لكل من الذكر والأنثى ما يناسبه، فحينئذ يستحيل أن تحابي الشريعة الرجل على حساب المرأة، أو تفضل المرأة وتظلم الرجل، أو تخص الإنسان الأبيض بخصائص وتحرم منها الإنسان الأسود، فالكل أمام شرع الله سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى.
7 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
تضمن هذا الشرع مزية شريفة، وخصيصة منيفة، ألا وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب على كل مسلم ومسلمة بالغ عاقل مستطيع أن يأمر وينهى وفق استطاعته، حسب مراتب الأمر والنهي، وهي أن يأمر أو ينهى بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وبهذا تصبح الأمة كلها رقيبة على الأمة، فكل فرد يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من قصر في معروف أو ارتكب منكراً، سواء كان حاكماً أو محكوماً حسب استطاعته ووفق الضوابط الشرعية التي تضبط هذا الأمر.
فهذا الأمر -كما ترى- واجب على كل فرد حسب استطاعته، في حين تفخر كثير من النظم السياسية المعاصرة بأنها تتيح لأحزاب المعارضة أن تراقب سير العمل الحكومي وأداء الأجهزة الرسمية.
فهذه بعض محاسنه ولو أردت الإطالة لاستدعى ذلك الوقوف عند كل شعيرة وكل فرض وكل أمر وكل نهي لبيان ما فيه من الحكمة البالغة، والتشريع المحكم، والحسن البالغ، والكمال المنقطع النظير، ومن تأمل شرائع هذا الدين علم -علم اليقين- أنها من عند الله، وأنها الحق الذي لا شك فيه، والهدى الذي لا ضلال فيه.
فإن أردت الإقبال على الله، واتباع شرعه، واقتفاء أثر أنبيائه ورسله فباب التوبة أمامك مفتوح، وربك الغفور الرحيم يدعوك ليغفر لك.
التوبة
قال صلى الله عليه وسلم : (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)([295])، والإنسان ضعيف في نفسه، وضعيف في همته وعزمه، ولا يستطيع أن يحتمل تبعة ذنبه وخطيئته، فخفف الله على الإنسان رحمة به؛ فشرع له التوبة، وحقيقة التوبة: ترك الذنب لقبحه -خوفاً من الله، ورجاءً لما أعده لعباده- والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما بقي بالأعمال الصالحة([296])، فهي كما ترى عمل قلبي صرف بين العبد وبين ربه، لا تعب عليه ولا نصب، ولا معاناة عمل شاق؛ إنما هو عمل القلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة([297]).
فلا تحتاج لأن تتوب على يد بشر يفضح أمرك، ويكشف سترك ويستغل ضعفك؛ إنما هي مناجاة بينك وبين ربك، تستغفره وتستهديه فيتوب عليك.
فليس في الإسلام خطيئة موروثة، ولا مخلّص منتظر من البشر، بل كما وجدها اليهودي النمساوي المهتدي محمد أسد حيث قال: (لم أستطع أن أجد في أيما مكان في القرآن أيما ذكر لحاجة إلى "الخلاص" ليس هناك في الإسلام من خطيئة أولى موروثة تقف بين الفرد ومصيره؛ ذلك أنه {ليس للإنسان إلا ما سعى}([298])، ولا يطلب من الإنسان أن يقدم قرباناً أو يقتل نفسه لتفتح له أبواب التوبة ويتخلص من الخطيئة) ([299])، بل كما قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}([300]).
وللتوبة آثار وثمار عظيمة نذكر منها :
1 - أن يعرف العبد سعة حلم الله وكرمه في ستره، وأنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده، فلم يطب له معهم عيش، بل جلله بستره، وغشاه بحلمه، وأمده بالحول والقوة، والرزق والقوت.
2 - أن يعرف حقيقة نفسه، وأنها نفس أمارة بالسوء، وأنما صدر منها من خطيئة وذنب وتقصير فهو دليل على ضعف النفس وعجزها عن الصبر عن الشهوات المحرمة، وأنه لا غنى بها عن الله -طرفة عين- ليزكيها ويهديها.
3 - شرع سبحانه التوبة ليستجلب بها أعظم أسباب سعادة العبد وهو اللجوء إلى الله والاستعانة به، كما يستجلب بها أنواع الدعاء والتضرع والابتهال والفاقة والمحبة والخوف والرجاء، فتقرب النفس من خالقها قرب خاص لم يكن ليحصل لها بدون التوبة واللجوء إلى الله.
4 - أن يغفر الله له ما سلف من ذنبه، قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}([301]).
5 - أن تبدل سيئات الإنسان حسنات قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً}([302]).
6 - أن يعامل الإنسان بني جنسه - في إساءتهم إليه، وزلاتهم معه- بما يحب أن يعامله الله به في إساءته وزلاته وذنوبه؛ فإن الجزاء من جنس العمل، فإذا عامل الناس بهذه المعاملة الحسنة، تعرّض لمثلها من ربه تعالى، وأنه سبحانه يقابل إساءته وذنوبه بإحسانه، كما كان هو يقابل إساءة الخلق إليه.
7 - أن يعلم أن نفسه كثيرة الزلات والعيوب، فيوجب له ذلك الإمساك عن عيوب الخلق، ويشتغل بإصلاح نفسه عن التفكر في عيوب الآخرين([303]).
وأختم هذه الفقرة بخبر رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما تركت حاجة ولا داجة إلا قد أتيت قال: أليس تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ ثلاث مرات. قال: نعم. قال: ذاك يأتي على ذاك، وفي رواية: فإن هذا يأتي على ذلك كله) ([304]).
وفي رواية أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يشرك بالله تعالى شيئاً، وهو في ذلك لا يترك حاجة أو داجة إلا اقتطعها بيمنه، فهل لذلك من توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم! تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله عزوجل لك خيرات كلهن. قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. فما زال يكبر حتى توارى ([305]).
فالإسلام يجب ما قبله، والتوبة الصادقة تمحو ما قبلها، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عاقبة من لم يلتزم بالإسلام
كما تبين لك في هذا الكتاب أن الإسلام هو دين الله، وهو الدين الحق، وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وتوعد بالعذاب الشديد من كفر به.
وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف في هذا الكون، وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه، خلقك وسخر لك جميع ما في الكون، وشرع لك شرعه، وأَمَرَكَ باتباعه؛ فإن آمنت وأطعت ما أمرك به، وانتهيت عما نهاك عنه؛ فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم، وسعدت في الدنيا بما يمن عليك من أصناف النعم، وكنت متشبهاً بأكمل الخلق عقلاً، وأزكاهم نفوساً، وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون.
وإن كفرت وعصيت ربك؛ خسرت دنياك وآخراك، وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة، وكنت متشبهاً بأخبث الخلق، وانقصهم عقولاً، وأحطهم نفوساً من الشياطين والظلمة والمفسدين الطواغيت، هذا على سبيل الإجمال.
وسأبين لك شيئاً من عواقب الكفر على وجه التفصيل وهي:
1 - الخوف وعدم الأمن :
وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}([306])، والله هو المؤمن والمهيمن، وهو المالك لجميع ما في الكون، فإذا أحب عبداً لإيمانه منحه الأمن والسكينة والطمأنينة، وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه، فلا تراه إلا خائفاً من مصيره في الدار الآخرة وخائفاً على نفسه من الآفات والأمراض، وخائفاً على مستقبله في الدنيا؛ ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات؛ لعدم الأمن، ولعدم التوكل على الله.
2 - المعيشة الضنك :
خلق الله الإنسان، وسخر له جميع ما في الكون، وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر، فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد رزقه فيلتقطه، وينتقل من غصن إلى غصن، ويتغنى بأعذب الألحان، والإنسان مخلوق من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها، فإن آمن بربه، واستقام على شرعه، منحه السعادة والاستقرار، ويسر له أمره، وإن لم تتوفر له إلا أدنى مقومات الحياة.
وإن كفر بربه، واستكبر عن عبادته؛ جعل حياته ضنكاً، وجمع عليه الهموم والغموم، وإن ملك جميع وسائل الراحة، وأصناف المتاع. ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة؟ إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان والشعور بالضيق والضنك، ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة، وصدق الله حيث يقول: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى}([307]).
3 - أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من حوله :
ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها}([308])، وجسده استسلم لخالقه، وسار على نظامه، فأبى الكافر إلا أن يناقض فطرته، ويعيش في أموره الاختيارية معارضاً لأمر ربه، فلأن كان جسده مستسلماً، فإن اختياره معارضاً.
وهو في صراع مع الكون من حوله؛ ذلك لأن هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له ربه، قال تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين}([309])، بل هذا الكون يحب من وافقه في استسلامه لله، ويكره من خالفه، والكافر هو النشاز في هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضاً لربه مظاهراً عليه؛ ولذا حق للسموات والأرض وسائر المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إداً. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً. إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً}([310])، وقال سبحانه عن فرعون وجنده: {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}([311]).
4 - أنه يعيش جاهلاً :
إذ الكفر هو الجهل، بل هو أعظم الجهل؛ لأن الكافر يجهل ربه، يشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه، ويرى من نفسه عظيم الصنعة، وجليل الخلقة، ثم يجهل من خلق هذا الكون، ومن ركب نفسه، أليس هذا أعظم الجهل؟؟
5 - أن يعيش ظالماً لنفسه، ظالماً لمن حوله :
لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له، ولم يعبد ربه، بل عبد غيره، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وأي ظلم أعظم من توجيه العبادة لغير مستحقها، وقد قال لقمان الحكيم مبيناً شناعة الشرك: {يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}([312]).
وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات؛ لأنه لا يعرف لذي حق حقه، فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه.
6 - أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه في الدنيا :
فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب، وتحل به الكوارث؛ عقوبة عاجلة قال جل ثناؤه: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين. أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم}([313])، وقال سبحانه: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد}([314])، وقال عز من قال: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون}([315])، وهذا شأن كل من أعرض عن ذكر الله، قال تعالى مخبراً عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}([316])، وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله.
7 - أن تكتب له الخيبة والخسران :
فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب والأرواح، وهو معرفة الله والأنس بمناجاته، والسكينة إليه، وخسر الدنيا لأنه عاش فيها حياة بائسة حائرة، وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها؛ لأنه لم يسخرها لما خلقت له، ولم يسعد بها في الدنيا؛ لأنها عاشت شقية، وماتت شقية، وستبعث مع الأشقياء قال تعالى: {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم}([317])، وخسر أهله؛ لأنه عاش معهم على الكفر بالله، فهم مثله في الشقاء والضنك سواء، ومصيرهم إلى النار، قال تعالى: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}([318])، ويوم القيامة يحشرون إلى النار، وبئس القرار، قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وماكانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم}([319]).
8 - أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه :
فإن الله أوجده من عدم، وأسبغ عليه جميع النعم، فيعبد غيره، ويوالي سواه، ويشكر من دونه... فأي جحود أعظم من هذا؟ وأي نكران أشنع من هذا؟
9 - أنه يُحرم الحياة الحقيقية :
ذلك إن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقاً، ولا يؤذي مخلوقاً، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}([320])، وفي الآخرة: {مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم}([321]).
أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة البهائم، فلا يعرف ربه، ولا يدري ما غايته، ولا يعلم أين مصيره؟ بل غايته أن يأكل ويشرب وينام.. فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات بل هو أضل منها قال جل ثناؤه: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}([322])، وقال عز من قال: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً}([323]).
10- أنه يخلد في العذاب :
ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب فهو يخرج من الدنيا -وقد تجرع غصصها ومصائبها- إلى الدار الآخرة، وفي أول مرحلة منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب لتذيقه من العذاب ما يستحقه قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم}([324])، ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره لقي من العذاب أشده قال تعالى مخبراً عن آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}([325])، ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق، وعرضت الأعمال، ورأى الكافر أن الله قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ولتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}([326])، هناك يود الكافر لو كان تراباً {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}([327]).
ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم قال تعالى: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به}([328])، وقال تعالى: {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يؤمئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه}([329]).
ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وشر ما يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار، وقد نوّع الله على أهلها أصناف العذاب ليذقوا وبال أمرهم فقال تعالى: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن}([330])، وقال مخبراً عن شرابهم وملابسهم: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد}([331]).
الخاتمة
يا أيها الإنسان
كنت عدماً محضاً قال تعالى: {أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً}([332])، ثم خلقك الله من نطفة، فجعلك سميعاً بصيراً قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً. إنا خلقناه من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً}([333])، ثم تدرجت من ضعف إلى قوة، ومردك إلى ضعف قال تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهوالعليم القدير}([334])، ثم النهاية التي لاشك فيها الموت. وأنت في تلك المراحل تنتقل من ضعف إلى ضعف، لا تستطيع أن تدفع عن نفسك الضر، ولا تجلب لنفسك النفع إلا باستعانتك على ذلك بنعم الله عليك من الحول والقوة والقوت، وأنت فقير محتاج من حيث الفطرة، فكم هناك من شيء تحتاج إليه لا ستبقاء حياتك ليس في متناول يدك، وقد تناله مرة، وتسلبه أخرى، وكم هناك من أشياء تنفعك وتريد الحصول عليها، وقد تفوز بها مرة ولا تظفر بها أخرى، وكم من شيء يضرك ويخيب آمالك، ويضيع جهودك ويجلب لك المحن والآفات وتريد دفعه عن نفسك فتدفعه مرة وتعجز أخرى.. ألم تستشعر فقرك وحاجتك إلى الله، والله يقول: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}([335]).
يعترضك فيروس ضعيف لاتراه العين المجردة؛ فيرديك صريع المرض، فلا تستطيع دفعه، وتذهب إلى إنسان ضعيف مثلك ليعالجك، فمرة يصيب الدواء، وتارة يعجز الطبيب فتعم الحيرة المريض والطبيب.
ألا ما أضعفك يا ابن آدم لو سلبك الذباب شيئاً ما استطعت استعادته منه، وصدق الله حيث يقول: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}([336])، فإذا كنت لا تستطيع استنقاذ ما سلبك الذباب فماذا تملك من أمرك؟ (ناصيتك بيدالله، ونفسك بيده، وقلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، وحياتك وموتك بيده، وسعادتك وشقاوتك بيده، وحركاتك وسكناتك وأقوالك بإذن الله ومشيئته، فلا تتحرك إلا بإذنه ولا تفعل إلا بمشيئته، إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى عجز وضعف وتفريط وذنب وخطيئة، وإن وكلك إلى غيرك، وكلك إلى من لا يملك لك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فلا غنى لك عنه طرفة عين، بل أنت مضطر إليه على مدى الأنفاس ظاهراً وباطناً، يسبغ عليك النعم، وأنت تتبغض إليه بالمعاصي والكفر مع شدة الضرورة إليه من كل وجه، قد اتخذته نسياً ومردك إليه ومرجعك وموقفك بين يديه) ([337]).
يا أيها الإنسان : نظراً لضعفك وعجزك عن تحمل تبعات ذنوبك: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً}([338])، أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، ونصب أمامك الطريق المستقيم، وأقام البينات والحجج والشواهد والبراهين، حتى جعل لك في كل شيء آية دالة على وحدانيته وربوبيته وألوهيته، وأنت تدفع الحق بالباطل، وتتخذ الشيطان ولياً من دون الله، وتجادل بالباطل، {وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً}([339])، أنستك نعمُ الله التي تتقلب فيها بدايَتك ونهايَتك! أوَلا تذكر أنك خلقت من نطفة! ومردك إلى حفرة، ومبعثك إلى جنة أو نار قال تعالى: {أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}([340])، قال تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك}([341]).
يا أيها الإنسان! لماذا تحرم نفسك لذة الوقوف بين يدي الله تناجيه؛ ليغنيك من فقر، ويشفيك من مرض، ويفرج كربتك، ويغفر ذنبك، ويكشف ضرك، وينصرك إن ظُلمت، ويدلك إن تحيرت وضللت، ويعلمك ما جهلت، ويؤمّنك إذا خفت، ويرحمك حال ضعفك، ويرد عنك أعدائك، ويجلب لك رزقك([342]).
يا أيها الإنسان إن أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان -بعد نعمة الدين- هي نعمة العقل، ليميز به بين ما ينفعه وما يضره، وليعقل عن الله أمره ونهيه، وليعرف به أعظم غاية وهي عبودية الله وحده لا شريك له قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون}([343]).
يا أيها الإنسان! إن الإنسان العاقل يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها، ويود أن يقتدي بكل صالح وكريم من الأنبياء والصالحين، وتتطلع نفسه إلى أن يلحق بهم وإن لم يدركهم والسبيل إلى ذلك هو ما أرشد إليه سبحانه بقوله: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}([344])، وإذا امتثل ذلك ألحقه الله بالأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فألئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}([345]).
يا أيها الإنسان! إنما أعِظُك بأن تخلو بنفسك ثم تتأمل ما جاءك من الحق، فتنظر في أدلته، وتتدبر براهينه؛ فإن رأيته حقاً فهلم إلى اتباعه، ولا تكن أسير الإلف والعادة، وأعلم أن نفسك أعز عليك من أقرانك وأترابك وميراث أجدادك، وقد وعظ الله الكفار بهذا وندبهم إليه فقال سبحانه: {أنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد}([346]).
يا أيها الإنسان! إنك حينما تسلم لن تخسر شيئاً قال تعالى: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً}([347])، قال ابن كثير رحمه الله: (وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة، وآمنوا بالله رجاء موعوده في الدار الآخرة لمن يحسن عمله، وانفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها، وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم، فيوفقه ويلهمه رشده، ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة) ([348])، إن إسلامك لن يحول بينك وبين أي شيء تريد عمله أو تناوله مما أحله الله لك، بل إن الله يأجرك على كل عمل تعمله تبتغي به وجه الله، وإن كان مما يصلح دنياك ويزيد في مالك أو جاهك أو شرفك، بل حتى ما تتناوله من المباحات إذا احتسبت أن تكتفي بالحلال عن الحرام؛ فَلَكَ فيه أجر قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) ([349]).
يا أيها الإنسان! إن الرسل جاءوا بالحق، وبلغوا مراد الله، والإنسان محتاج إلى معرفة شرع الله؛ ليسير في هذه الحياة على بصيرة، وليكون في الآخرة من الفائزين، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً}([350])، وقال عز شأنه: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل}([351]).
يا أيها الإنسان! إنك إن أسلمت لن تنفع إلا نفسك، وإن كفرت لن تضر إلا نفسك، إن الله غني عن عباده، فلا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة الطائعين، فلن يُعصى إلا بعلمه، ولن يُطاع إلا بإذنه، وقد قال الله كما أخبر عنه نبيه (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) ([352]).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المحتويات
الموضوع | الصفحة |
توطئة ................................................ | 1 |
المقدمة ............................................... | 6 |
أين الطريق ............................................ | 10 |
وجود الله وربوبيته وألوهيته سبحانه .................... | 11 |
خلق الكون .......................................... | 22 |
حكمة خلق الكون ................................... | 26 |
خلق الإنسان وتكريمه ................................ | 29 |
مكانة المراة ........................................ | 33 |
حكمة خلق الإنسان .................................. | 37 |
حاجة البشر إلى الدين ................................ | 40 |
ضوابط الدين الحق .................................... | 45 |
أقسام الديانات ..................................... | 50 |
حال الديانات القائمة ................................. | 52 |
حقيقة النبوة ......................................... | 54 |
آيات النبوة ........................................... | 63 |
حاجة الناس إلى الرسل ................................ | 66 |
المعاد ............................................... | 71 |
أصول دعوة الرسل.................................. | 76 |
الرسالة الباقية ........................................ | 79 |
ختم النبوة ............................................ | 87 |
التعريف بالإسلام ...................................... | 89 |
أصول الإسلام ومصادره (القرآن الكريم والسنة النبوية) ... | 95 |
مراتب الدين : المرتبة الأولى: الإسلام ................. | 104 |
العبادة في الإسلام .................................... | 109 |
المرتبة الثانية: الإيمان ................................... | 111 |
المرتبة الثالثة: الإحسان ................................ | 125 |
ذكر طرف من محاسن الإسلام ......................... | 127 |
1 - أنه دين الله ..................................... | 128 |
2 - الشمول ........................................ | 128 |
3 - أنه يصل الخالق بالمخلوق ........................ | 129 |
4 - مراعاة مصالح الدنيا والآخرة ..................... | 129 |
5 - اليسر ........................................... | 130 |
6 - العدل .......................................... | 131 |
7 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .................. | 131 |
التوبة .............................................. | 133 |
عاقبة من لم يلتزم بالإسلام ............................ | 137 |
1 - الخوف وعدم الأمن ............................. | 137 |
2 - المعيشة الضنك .................................. | 138 |
3 - أنه يعيش في صراع مع نفسه ...................... | 138 |
4 - أنه يعيش جاهلاً .................................. | 139 |
5 - أنه يعيش ظالماً لنفسه ............................ | 140 |
6 - أنه عرض نفسه لمقت الله ........................ | 140 |
7 - أن تكتب له الخيبة والخسران ...................... | 141 |
8 - أن يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه .................. | 141 |
9 - أن يحرم الحياة الحقيقية ............................ | 142 |
10- أنه يخلد في العذاب .......................... | 142 |
الخاتمة : يا أيها الإنسان ................................ | 145 |
لمزيد من المعلومات عن الإسلام يمكن مراسلة الهيئات التالية في المملكة العربية السعودية
اسم الجهة | صندوق البريد | الفاكس |
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد | الرياض 11232 | 4358349 |
رابطة العالم الإسلامي | ص. ب 537 مكة المكرمة | 5436619 |
الندوة العالمية للشباب الإسلامي | ص. ب 10845 الرياض 11443 | 4641710 |
مؤسسة الحرمين | ص.ب : 69606 الرياض 11465 | 4621659 |
المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد - البطحاء | ص.ب 20824 الرياض 11465 | 4059387 |
المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد - البديعة | ص.ب 24932 الرياض 11456 | 4301122 |
المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد - سلطانة | ص.ب 92675 الرياض 11663 | 4251005 |
مركز توعية الجاليات - القصيم | ص.ب 142 بريدة - القصيم | 3245414 |
دار السلام | ص.ب 22743 الرياض 11416 | 4021659 |
FOR MORE INFORMATION ABOUT ISLAM PLEASE CALL OR WRITE | |
مكتب الوزارة في أمريكا ROYAL EMBASSY OF SAUDI ARABIA - ISLAMIC AFFAIRS 601 NEW HAMPSHIRE AVE. N.W WASHINGTON D.C 20037 ﷻ.S.A | مكتب الوزارة في لندن 46, GOODGE STREET LONDON WIP, IFJ - ﷻ.K |
مكتب الوزارة في كندا ROYAL EMBASSY OF SAUDI ARABIA 901, OTTAWA, ONTARIO KIP 6B9 CANADA | الفلبين ISLAMIC STUDIES AND RESEARCH CENTER OF THE PHILIPPINES P.O. BOX 135 COTABATO CITY 9600 FAX: NO . 214128 PHILIPPINES |
مكتب الوزارة في فرنسا AMBASSADE DU ROYAUME DE LARABIE SAOUDITE 5 , AVENUE HOCHE 75008, PARIS FRANCE | مكتب الوزارة في المانيا BOTSCHATT VON SAUDI ARABIEN, GODESBERGER ALLEE 40-42. 53175, BONN, GERMANY |
([1]) سورة يوسف، الآية 108.
([2]) سورة آل عمران الآية 187.
([3]) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 41، ومسلم في كتاب الإيمان حديث رقم 29، واللفظ له.
([4]) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث 8.
([5]) سورة التوبة، الآية 6.
* تبدأ ترجمة الكتاب من هذه المقدمة، أما ما قبلها فلا يترجم.
([6]) سورة الأحزاب، الآية40. هذا نص من الكتاب العظيم "القرآن الكريم" الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كتابي هذا نصوص كثيرة من "القرآن الكريم" وهي تسبق دائماً بقوله: قال الله تعالى، أو قال تعالى، أو قال جل ثناؤه وتجد تعريفاً موجزاً بالقرآن العظيم في ص 95-100و114-117. من هذا الكتاب.
([7]) سورة الحجر، الآية 9.
([8]) سورة يوسف، الآية 108.
([9]) سورة الأحقاف، الآية 35.
([10]) سورة آل عمران، الآية 200.
([11]) سورة آل عمران، الآية 19.
* لمزيد من التوسع ينظر كتاب: (العقيدة الصحيحة وما يضادها) تأليف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- و(عقيدة أهل السنة والجماعة) تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
([12]) سورة الإخلاص.
([13]) سورة الأعراف، الآية 54.
([14]) سورة الرعد، الآيات 2،3،7،8.
([15]) سورة الرعد، الآية 16.
([16]) سورة فصلت، الآيتان 37،39.
([17]) سورة الروم، الآيتان 22،23.
([18]) سورة البقرة، الآية 255.
([19]) سورة غافر، الآية 3.
([20]) سورة الحشر، الآية 23.
([21]) سورة الطور، الآيتان 35،36.
([22]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جـ1، ص 47-49،73،
([23]) سورة الروم، الآية 30.
([24]) رواه البخاري في كتاب القدر، باب 3. ومسلم في كتاب القدر، حديث 2658، واللفظ له.
([25]) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ4، ص162، ورواه مسلم واللفظ له، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 2865.
([26]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ 14 ص380-383-، وجـ7 ص75.
([27]) سورة العنكبوت، الآيات 61-63.
([28]) سورة الزخرف، الآية 9.
* ينظر لمزيد من التوسع كتاب التوحيد تأليف الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-.
([29]) سورة الزمر، الآية 8.
([30]) سورة يونس، الآية 22،23
([31]) سورة لقمان، الآية 32.
([32]) انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص39.
([33]) سورة المؤمنون، الآية 92
([34]) سورة الإسراء، الآية 42.
([35]) سورة سبأ، الآيتان 23، 24.
([36]) انظر قرة عيون الموحدين، تأليف الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله، ص 100.
([37]) سورة الأنبياء، الآية 22.
([38]) انظر فتح القدير، ج3، ص 403.
([39]) انظر مفتاح دار السعادة، ج 1 ص 260.
([40]) سورة الأنبياء ، الآية 25.
([41]) سورة هود، الآية 2^
([42]) سورة الأنبياء، الآية 108.
([43]) سورة الزمر، الآية 29.
([44]) سورة فصلت، الآيات 9-12.
([45]) سورة الأنبياء ، الآيات 30،32. وانظر أيضاً إلى أول سورة الرعد.
([46]) هذه الفقرة تم استخلاصها من مواطن متفرقة من مفتاح دار السعادة جـ1 ص:251-269.
([47]) سورة الجاثية، الآية 13.
([48]) سورة إبراهيم، الآيات: 32-34.
([49]) سورة الروم، من الآيات 22-25.
([50]) سورة العنكبوت، الآية 64.
([51]) سورة الروم، الآية 27.
([52]) سورة غافر، الآية 57.
([53]) سورة الرعد، الآية 2.
([54]) سورة الجمعة ، الآية 1.
([55]) سورة الحج ، الآية 18.
([56]) سورة النور، الآية 41.
([57]) سورة الأعراف، الآيات 11،25.
([58]) سورة المؤمنون، الآية 14.
([59]) مفتاح دار السعادة، جـ1 ص 327،328، والآيات من سورة إبراهيم 32،34.
([60]) سورة الإسراء، الآية 70.
([61]) سورة النساء، الآية 7.
([62]) سورة البقرة، الآية 228.
([63]) سورة التوبة، الآية 71.
([64]) سورة الإسراء، الآيتان 23،24.
([65]) سورة آل عمران، الآية 195.
([66]) سورة النحل، الآية 97.
([67]) سورة النساء، الآية 124.
([68]) سفر الجامعة ، الإصحاح 7: 25-26 ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى.
([69]) سلسلة مقارنة الأديان، تأليف د. أحمد شلبي جـ3 ص210،213.
([70]) سورة التوبة، الآية 71.
([71]) سورة البقرة، الآية 228.
([72]) سورة الإسراء ، الآيتان 23،024
([73]) سورة الذاريات، الآية 56.
([74]) انظر مفتاح دار السعادة، جـ1، ص6-11.
([75]) انظر التدمرية، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية ص213،214، ومفتاح دار السعادة، جـ2، ص383.
([76]) انظر الدين، تأليف محمد عبدالله دراز، ص87.
([77]) المصدر السابق ص 88.
([78]) انظر المصدر السابق، ص 84،98.
([79]) انظر الفوائد، ص18،19.
([80]) انظر الدين ص 98،102.
([81]) سورة النساء، الآية 163.
([82]) سورة الأنبياء، الآية 25.
([83]) سورة الأعراف، الآية 73.
([84]) سورة الأنبياء، الآية 25.
([85]) سورة الأنعام، الآية 151.
([86]) سورة الزخرف، الآية 45.
([87]) النساء، الآية 82.
([88]) سورة الأعراف، الآية 154.
([89]) سورة مريم، الآية 21.
([90]) سورة هود، الآية 63.
([91]) سورة الإسراء، الآية 82.
([92]) سورة المائدة، الآية 44.
([93]) سورة المائدة، الآية 46.
([94]) سورة التوبة، الآية 33.
([95]) سورة طه، الآيتان 1،2..
([96]) سورة الروم، الآية 30.
([97]) سورة الاحقاف، الآية 30.
([98]) سورة طه، الآيتان 1،2.
([99]) سورة النساء، الآية 29.
([100]) سورة الحجرات، الآية 13.
([101]) سورة الحج، الآية 9.
([102]) انظر ص: 95-100و114-117 من هذا الكتاب.
([103]) سورة الأعلى، الآيات 1-3.
([104]) سورة طه، الآية 50.
([105]) سورة الشعراء، الآية 78. وانظر الجواب الصحيح فيمن بدل دين المسيح، جـ4، ص97.
([106]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ4، ص210-211.
* لمزيد من التوسع ينظر "إفحام اليهود" تأليف السمو أل بن يحيى المغربي، كان يهودياً ثم أسلم.
([107]) Xll. p. 568-69(ص 7 و)jewish Encyclpaedia Vol . Xll
* لمزيد من التوسع ينظر "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، و"إظهار الحق" تأليف رحمت الله بن خليل الهندي، و"تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب" تأليف عبدالله الترجمان كان نصرانياً ثم أسلم.
([108]) كلمة تلمود معناها كتاب تعليم ديانة اليهود وآدابهم؛ وهي مجموع حواش وشروح لكتاب "المشنا" (الشريعة) لعلماء اليهود في عصور مختلفة.
([109]) اقرأ للتفصيل "اليهودي على حسب التلمود" للدكتور روهلنج، وترجمته العربية من الفرنسية.في "الكنز المرصود في قواعد التلمود" للدكتور يوسف حنا نصرالله.
([110]) راجح كتاب "الصراع بين الدين والعلم" للمؤلف الأوروبي الشهير درابر ص: 40-41.
([111]) ملخص ما جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدية. مقال التثليث المقدس، ج 14، ص295.
([112]) Rev. Jamecs Houstoin Baxter in the History of Christionity in the Light of Modern Knowledge. Glasgow , 1929 p 407
([113]) اقرأ كتاب "إيران في عهد الساسانيين" لللبروفيسور "آرتهر كرستن سين" أستاذ الألسنة الشرقية في جامعة "كوبن هاجن" بالدنمارك، والمتخصص في تاريخ إيران. و"تاريخ إيران" تأليف شاهين مكاريوس المجوسي.
([114]) إيران في عهد الساسانيين ص 155.
([115]) المصدر نفسه باب الدين الزرتشتي ديانة الحكومة، ص 183-233.
([116]) راجع كتاب "الهند القديمة" للأستاذ أيشورا توبا، أستاذ تاريخ الحضارة الهندية في جامعة "حيدرآباد" الهند، وكتاب "اكتشاف الهند" (The Discovery of india) لمؤلفه جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند الأسبق ص201-202.
([117]) راجع "الهند القديمة" لمؤلفه آر، دت، ج3، ص276، و"الهندكية السائدة" لمؤلفه (LS.S. O.Malley) ص6-7.
([118]) C.V. Vidya: History of Mediavel Hindu India Vol I (poone 1921)
([119]) انظر السيرة النبوية - لأبي الحسن الندوي ، ص 19-28.
([120]) سورة طه، الآية 124.
([121]) سورة الأنعام ، الآية 82.
([122]) سورة هود، الآية 108.
([123]) سورة الشورى، الآية 51 .
([124]) سورة الحج، الآية 75.
([125]) تفسير القرآن العظيم، تأليف أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي جـ3، ص 64.
([126]) سورة الأنعام، الآيتان 8،9.
([127]) سورة الفرقان، الآيتان 20،21.
([128]) سورة النحل، الآية 43.
([129]) سورة إبرهيم، الآية 4.
([130]) انظر لوامع الأنوار البهية، ج2، ص265-305، والإسلام، تأليف أحمد شلبي، ص 114.
([131]) سورة هود، الآية 62.
([132]) سورة هود، الآية 87.
([133]) سورة القلم ، الأية 4.
([134]) سورة الأنعام، الآية 124.
([135]) سورة آل عمران، الآية 33.
([136]) سورة الزمر، الآية 30.
([137]) سورة الرعد، الآية 38.
([138]) سورة الأنفال، الآية 30.
([139]) سورة الحج، الآية 40.
([140]) سورة المجادلة، الآية 21.
([141]) سورة الأعراف، الآية 158.
([142]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج4، ص212-213.
([143]) سورة الأنعام، الآية 50.
([144]) سورة الشعراء ، الآيات 109،127،145،164، 180.
([145]) سورة ص، الآية 86.
([146]) سورة النحل، الآية 36.
([147]) أعلام النبوة، تأليف علي بن محمد الماوردي، ص 33.
([148]) أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الشهير بابن تيمية، ولد عام واحد وستين وستمائة وتوفي عام ثمان وعشرين وسبع مائة من الهجرة، وهو من كبار علماء الإسلام له مصنفات كثيرة نفيسة.
([149]) قاعدة في وجوب الاعتصام بالرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جـ19، ص99-102 من مجموع الفتاوى، وانظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني، جـ2، ص 261-263.
([150]) انظر الجواب الصحيح، ج4 ص 96.
([151]) انظر الفوائد لابن القيم، ص6-7.
([152]) سورة الأحقاف، الآية 33.
([153]) سورة يس، الآية 81.
([154]) سورة الروم، الآية 27.
([155]) سورة يس، الآيتان، 78،79.
([156]) سورة الواقعة، الآية 58.
([157]) سورة الواقعة، الآيتان 63،64.
([158]) سورة الحج، الآية 5.
([159]) سورة ص، الآية 27.
([160]) سورة الذاريات، الآية 56.
([161]) سورة ص، الآية 28.
([162]) سورة يونس، الآية 4. وانظر لما تقدم الفوائد لابن القيم، ص6-9، والتفسير الكبير، للرازي، جـ2، ص 113-116.
([163]) مجلة الدعوة السعودية، عدد 1722 في 19/9/1420هـ ص 37.
([164]) وردت الإشارة إلى هذه الأصول الجامعة في سورة البقرة، الآيات 285،286، وفي سورة الأنعام، الآيات 151،153،، وفي سورة الأعراف، الآية 33. وفي سورة الإسراء، الآيات 23،37.
([165]) محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، ولد عام واحد وتسعين وستمائة وتوفي عام واحد وخمسين وسبعمائة هجرية، من كبار علماء الإسلام، وله مصنفات عظيمة.
([166]) سورة المؤمنون ، الآية 71.
([167]) مفتاح دار السعادة، جـ2، ص 383، وانظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، جـ4، ص 322، ولوامع الأنوار للسفاريني، جـ2، ص263.
([168]) سورة المؤمنون ، الآيتان 51،52.
([169]) سورة الشورى، الآية 13.
([170]) مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ2، ص6.
([171]) سورة المائدة، الآية 44.
([172]) سورة المائدة، الآية 46.
([173]) سورة المائدة ، الآية 48.
([174]) سورة البقرة ، الآية 285.
* لمزيد من التوسع ينظر: "الرحيق المختوم" تأليف صفي الرحمن المباركفوري.
([175]) انظر فقرة حال الديانات القائمة في هذا البحث ص 52.
([176]) سورة القصص، الآية 57.
([177]) انظر الفقرة الخاصة عن القرآن في هذا الكتاب، ص: 95-100و114-117
([178]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جـ4، ص 201،211، وإفحام اليهود، تأليف السموأل المغربي الذي كان يهودياً فأسلم، ص 58،59.
([179]) الدين والدولة في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تأليف علي بن ربن الطبري ص47، وانظر الإعلام للقرطبي، ص 263 وما بعدها.
([180]) أي في مدة صلح الحديبية، وكانت مدتها عشر سنين، وكانت سنة ست للهجرة، انظر فتح الباري، جـ1، ص34.
([181]) بلدة بالشام.
([182]) وجاء في كتاب الجهاد من صحيح البخاري بلفظ (الأريسيين).
([183]) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب 1.
([184]) الدين الفطري الأبدي ، تأليف ، مبشر الطرازي الحسيني، جـ2، ص319.
([185]) انظر لما سبق العقيدة الطحاوية، ص 156، ولوامع الأنوار البهية، جـ2، ص 269،277، ومبادئ الإسلام، ص 64.
([186]) إنجيل متى 21 : 42.
([187]) انظر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن، تأليف المهتدي إبراهيم خليل أحمد ص 73. والحديث أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب 18 واللفظ له، ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2286 من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وهو في المسند، ج2، ص 256،312.
([188]) سورة الأحزاب ، الآية 40.
([189]) رواه الإمام أحمد في مسنده، ج 2 ، ص 411،412، ورواه مسلم في كتاب المساجد واللفظ له حديث 523.
* لمزيد من التوسع ينظر كتاب "مبادئ الإسلام" تأليف الشيخ حمود بن محمد اللاحم. وكتاب "دليل مختصر لفهم الإسلام" تأليف إبراهيم حرب.
([191]) سورة الإنسان، الآية 3.
([192]) مبادئ الإسلام ص 3،4.
([193]) سورة آل عمران، الآية 83.
([194]) سورة آل عمران، الآية 19.
([195]) سورة آل عمران، الآية 20.
([196]) رواه الإمام أحمد جـ5، ص3، وابن حبان، جـ1، ص377.
([197]) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ4، ص114، وقال الهيثمي في المجمع جـ1، ص59، رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه، ورجاله ثقات. انظر رسالة فضل الإسلام للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ص 8.
([198]) رواه مسلم في كتاب الإيمان، حديث8.
([199]) رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، واللفظ له، ومسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، حديث39.
([200]) سورة يونس، الآيتان 71،72.
([201]) سورة البقرة ، الآية 131.
([202]) سورة يونس، الآيتان 84.
([203]) التدمرية، ص 109-110، والآية 111 من سورة المائدة.
([204]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، تأليف مصطفى السباعي، ص 376.
([205]) سورة المائدة ، الآية 48.
([206]) سورة النحل، الآية 89.
([207]) سورة الأنعام، الآية 157.
([208]) سورة الإسراء، الآية 9.
([209]) سورة يونس، الآية 38.
([210]) سورة يونس، الآية 16.
([211]) سورة العنكبوت الآية 48.
([212]) سورة الأعراف، الآية 157.
([213]) سورة النساء الآية 153.
([214]) سورة الإسراء الآية 85.
([215]) سورة الكهف الآية 83.
([216]) سورة النمل، الآية 76.
([217]) انظر المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي، تأليف إبراهيم خليل أحمد.
([218]) الصراع من أجل الإيمان، تأليف د.جفري لانغ ترجمة د. منذر العبسي نشر دار الفكر، ص 34.
([219]) سورة تبارك، الآية 14.
([220]) سورة الأنعام الآية 38.
([221]) سورة الفرقان، الآية 53.
([222]) سورة النور، الآية 40.
([223]) سورة المؤمنون، الآيات 12-14.
([224]) سورة الأنعام، الآية 59.
([225]) انظر كتاب التوراة والإنجيل والقرآن في ضوء المعارف الحديثة. ص 133-283، تأليف موريس بوكاي، كان طبيباً فرنسياً نصرانياً ثم أسلم.
([226]) رواه الإمام أحمد في مسنده جـ 4،ص 131، وأبو داود في سننه في كتاب السنة، باب لزوم السنة، حديث 4604، جـ4، ص 200.
([227]) سورة النحل، الآية 44.
([228]) سورة النجم، الآيتان 4،5.
([229]) سورة الأحقاف، الآية 9.
([230]) رواه البخاري في كتاب الأذان باب 18، جـ1 ص 155.
([231]) سورة الأحزاب، الآية 21.
([232]) نتيجة لهذا المنهج العلمي الفريد، ولهذا الضبط في نقل السنة النبوية نشأ لدى المسلمين ما عرف بعلم (الجرح والتعديل)، وعلم (مصطلح الحديث) وهذان العلمان من خصائص الأمة الإسلامية لم تسبق إليهما.
([233]) سورة النساء ، الآية 65.
([234]) سورة الحشر، الآية 7.
* لمزيد من التوسع في هذا ينظر كتاب "التوحيد" و"الأصول الثلاثة" وكتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، تأليف الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وكتاب "دين الحق" تأليف الشيخ عبدالرحمن العمر، وكتاب "ما لابد من معرفته عن الإسلام" تأليف الشيخ محمد بن علي العرفج، وكتاب "أركان الإسلام" تأليف الشيخ عبدالله بن جار الله الجارالله رحمه الله، وكتاب شرح أركان الإسلام والإيمان، تأليف جماعة من طلبة العلم، ومراجعة الشيخ عبدالله الجبرين.
([235]) دين الحق، ص38.
([236]) قرة عيون الموحدين، ص60.
* ينظر لمزيد من التوسع كتاب "كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" تأليف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله.
([237]) دين الحق، ص51-52.
* ينظر لمزيد من التوسع كتاب "رسالتان في الزكاة والصيام" تأليف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
([238]) مفتاح دار السعادة ، ج2 ص 384.
* ينظر لمزيد من التوسع كتاب "دليل الحاج والمعتمر" تأليف مجموعة من العلماء، وكتاب "التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة" تأليف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
([239]) انظر مفتاح دار السعادة ج 2، ص 384.
([240]) انظر المصدر السابق، جـ 2، ص 385، ودين الحق، ص 67.
* ينظر لمزيد من التوسع كتاب "العبودية" تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
([241]) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة، حديث 1006.
([242]) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب 29، ومسلم في كتاب الزكاة،حديث 1008، واللفظ له.
* ينظر لمزيد من التوسع "شرح أصول الإيمان" تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكتاب "الإيمان"، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكتاب "عقيدة أهل السنة والجماعة" تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
([243]) سورة مريم الآية 65.
([244]) سورة الأنعام، الآية 59.
([245]) انظر عقيدة أهل السنة والجماعة، ص7 ،11.
([246]) انظر عقيدة أهل السنة والجماعة، ص 44. ومبادئ الإسلام ص 80،84.
([247]) سورة الأنبياء، الآيتان 26،28
([248]) سورة الأنبياء، الآيتان 19،20.
([249]) سورة ق، الآيتان 17،18. وانظر عقيدة أهل السنة والجماعة، ص 19.
([250]) سورة الحديد،الآية 25.
([251]) سورة الأنعام الآية 155.
([252]) سورة الأعراف الآية 158 وانظر لما سبق العقيدة الصحيحة وما يضادها، ص 17، وعقيدة أهل السنة والجماعة ص 22، ومبادئ الإسلام، ص89.
([253]) سورة النحل، الآية 36.
([254]) سورة النساء، الآية 165.
([255]) سورة النساء، الآية 164.
([256]) سورة هود، الآية 31.
([257]) سورة الأنعام، الآية 50.
([258]) سورة الأعراف، الآية 188.
([259]) سورة آل عمران، الآية 19.
([260]) سورة المائدة، الآية 48.
([261]) ينظر العقيدة الصحيحة وما يضادها، ص 17، وعقيدة أهل السنة والجماعة، ص 25.
([262]) سورة البقرة، الآية 285.
([263]) سورة النساء، الآية 150.
([264]) سورة ق، الآية 18.
([265]) سورة الكهف، الآية 49.
([266]) سورة فصلت، الآيتان 20،22.
([267]) سورة فصلت، الآية 39.
([268]) سورة الأحقاف الآية 33.
([269]) سورة المؤمنون والآية 115.
([270]) سورة ص، الآية 27.
([271]) سورة الزلزلة الآيتان 7،8. وانظر دين الحق، ص 19.
([272]) سورة الأعراف، الآية 187.
([273]) سورة لقمان، الآية 34.
([274]) سورة العنكبوت، الآية 62.
([275]) سورة الأنعام، الآية 59. لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية لكانت دليلاً واضحاً وحجة قاطعة على أنه من عند الله؛ ذلك لأن البشرية في كل عصورها -حتى في هذا العصر الذي شاع فيه العلم، واستكبر فيه الإنسان - لا تفكر في هذه الإحاطة الشاملة، فضلاً عن أن تقدر عليها، وقصارى جهدها أن ترصد شجرة أو حشرة في بيئة معينة لتكشف لنا شيئاً من أسرارها، وما خفي عليهم منها أعظم.
أما التفكير الشامل والإحاطة الشاملة فهذا أمرلم تألفه البشرية ولا تقدر عليه.
([276]) سورة يس، الآية 12.
([277]) سورة الحج الآية 70.
([278]) سورة يس، الآية 82.
([279]) سورة القمر، الآية 49.
([280]) سورة الزمر، الآية 62.
([281]) سورة الحديد، الآيتان 22،23. وانظر العقيدة الصحيحة وما يضادها، ص 19، وعقيدة أهل السنة والجماعة، ص 39، ودين الحق، ص 18.
([282]) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ 1، ص 293، والترمذي في سننه في أبواب القيامة، جـ 4، ص 76.
([283]) انظر جامع العلوم والحكم، ص 128.
([284]) سورة البقرة، الآية 83.
([285]) سورة آل عمران، الآية 134.
([286]) سورة المائدة، الآية 8.
* لمزيد من التوسع في هذه الفقرة: انظر الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي، تأليف الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله، ومحاسن الإسلام، تأليف الشيخ عبدالعزيز السلمان.
([287]) سورة آل عمران، الآية 164.
([288]) مفتاح دار السعادة ، جـ 1، ص 374-375، والآية رقم 3 من سورة المائدة.
([289])سورة الأنعام الآية 38.
([290]) انظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، للقرطبي ص 442 -445.
([291]) سورة الحج الآية 78.
([292]) سورة النحل، الآية 32.
([293]) الأنعام، الآية 93.
([294]) سورة الأنفال الآية 50.
([295]) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ3، ص 198، والترمذي في سننه في أبواب صفة القيامة جـ4، ص49، وابن ماجه في كتاب الزهد، جـ4، ص 491.
([296]) المفردات في غريب القران، ص 76، بتصرف يسير.
([297]) الفوائد ، لابن القيم ، ص 116.
([298]) سورة النجم ، الآية 39.
([299]) الطريق إلى الإسلام، محمد أسد، ص 140، بتصرف يسير.
([300]) سورة النجم، الآية 38.
([301]) سورة الأنفال، الآية 38.
([302]) سورة الفرقان، الآية 70.
([303]) انظر مفتاح دار السعادة، جـ 1 ص 358،370.
([304]) رواه أبو يعلى في مسنده، جـ 6، ص 155، والطبراني في المعجم الأوسط جـ 7، ص132، والصغير، جـ 2، ص 201، والضياء في المختارة جـ 5،151،152، وقال: إسناده صحيح، وقال في المجمع جـ 10، ص 83: رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في الصغير والأوسط ورجالهم ثقات.
([305]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، جـ 5، ص 188، والطبراني في الكبير جـ7، ص53، وص314، وقال الهيثمي في المجمع جـ 1، ص 32: رواه الطبراني والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال الصحيح، غير محمد بن هرون أبي نشيط وهو ثقة.
([306]) سورة الأنعام، الآية 82.
([307]) سورة طه، الآية 124.
([308]) سورة الروم، الآية 30.
([309]) سورة فصلت، الآية 11.
([310]) سورة مريم، الآيات 88،93.
([311]) سورة الدخان، الآية 29.
([312]) سورة لقمان الآية 13.
([313]) سورة النحل الآيات 45-47.
([314]) سورة الرعد الآية 31.
([315]) سورة الأعراف الآية 98.
([316]) سورة العنكبوت الآية 40.
([317]) سورة الأعراف الآية 9.
([318]) سورة الزمر، الآية 15، وسورة الشورى الآية 45.
([319]) سورة الصافات الآيتان 22،23.
([320]) سورة النحل، الآية 97.
([321]) سورة الصف، الآية 12
([322]) سورة الأعراف، الآية 179.
([323]) سورة الفرقان، الآية 44.
([324]) سورة الأنفال، الآية 50.
([325]) سورة غافر، الآية 46.
([326]) سورة الكهف، الآية 49.
([327]) سورة النبأ، الآية 40.
([328]) سورة الزمر، الآية 47.
([329]) سورة المعارج، الآيات 11-14.
([330]) سورة الرحمن، الآيتان 43-44
([331]) سورة الحج، الآيات 19-21.
([332]) سورة مريم ، الآية 67.
([333]) سورة الإنسان ، الآيتان 1،2.
([334]) سورة الروم الآية 54.
([335]) سورة فاطر، الآية 15.
([336]) سورة الحج، الآية 73.
([337]) بتصرف من الفوائد، لابن القيم، ص 56.
([338]) سورة النساء، الآية 28.
([339]) سورة الكهف، الآية 54.
([340]) سورة يس، الآيات 77-79.
([341]) سورة الإنفطار ، الآيات 6،8.
([342]) انظر مفتاح دار السعادة، جـ1 ص 251.
([343]) سورة النحل، الآية 53-54.
([344]) سورة آل عمران، الآية 31.
([345]) سورة النساء، الآية 69.
([346]) سورة الفاطر الآية 46.
([347]) سورة النساء الآية 39.
([348]) بتصرف يسير من تفسير القرآن العظيم، ج1، ص 497.
([349]) تقدم تخريجه، ص109.
([350]) سورة النساء، الآية 170.
([351]) سورة هود، الآية 108.
([352]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم ح 2577.