×
سطور في حقوق الإنسان: في هذه المقالة يُبيِّن الكاتب حقوق الإنسان في بلاد الإسلام، وفي ظل العقيدة والشريعة الإسلامية التي تُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ويقوم منهجُها على أساسٍ دينيٍّ يُرضِي جميعَ الناس.


    مقدمـة

    الحمد لله الذي أنزل علينا قرآنًا، وأرسل محمدًا للبشرية مُعلِّمًا، وجعله إمامًا، فصلَّى الله عليك وسلَّم يا نبي الهدى والإيمان الذي أزهر به الزمان والمكان، فارتفعت للعُرب راية، وللبشرية أصحبت هناك غاية .. وسبحان الله القائل }إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي{ [طه : 14].

    أيها القارئ العزيز:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فتحية ملؤها الفخر والإكبار ونحن في زمانٍ لا تنفع فيها حلية اللباس ولا الذهب والألماس، ولكنه العلم فهو اللباس، وهو الحلية في المجالس وعند الناس، ويقوم ببناء الوطن على أساس، وهو للربِّ قربى، وللنفس تقوى، وللوطن زلفى، للبناء والحرب أقوى، وبفرح ورضا نقول: الحمد لله حتى يرضى.

    وبعد..

    فلقد جذب انتباهي ما يحصل في وقتنا الحاضر في منطقة الشرق الأوسط من هتكٍ لحقوق الإنسان، وكذلك ما يحدث للمسلمين بصفةٍ خاصة والإنسانية بصفة عامة، كيف أنَّ هذه الحقوق سُلبت، وما نراه ونشاهده من تشويهٍ لصورة الإسلام في بعض وسائل الإعلام، فأردت من رسالتي هذه أن أُبيِّن حقوق الإنسان في بلدي المتسلِّح بالإسلام، وفي ظلِّ عقيدتي وشريعتي الإسلامية التي تُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ويقوم منهجها على أساسٍ دينيٍّ يُرضي جميع الناس.

    وكذلك أردت أن أُبيِّن بعضًا من صور حقوق الإنسان في بعض المجتمعات، وأنا في هذه الرسالة القصيرة أخاطب كلَّ صديقٍ في هذه العالم سواء كان مسلمًا أم غير ذلك، وذلك لأُبيِّن له كيف تكون مسيرة الحياة في بلدي المسلم - المملكة العربية السعودية - ومسيرة الحياة في أيِّ بلدٍ آخر، وقد استمددت مضمون هذه الرسالة من منطوق الشريعة الإسلامية التي هي الدين الذي نزل على سيدنا محمد ﷺ‬ من ربِّ السماوات والأرض، ربِّ كلِّ مخلوقٍ على هذه الأرض، وضع لكلِّ مخلوق في هذا الكون حقه الصحيح ونظامه السوي .. فسبحان الله عزَّ وجل ما أعظمه!

    أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّقنا جميعًا لِما فيه الخير والصلاح.

    * * *

    سطور في حقوق الإنسان

    تحية ومشاعر طيبة وأمنيات صادقة أبعثها من خلال هذه الرسالة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر بيانه عام 1948م في باريس، وإن كان هذا التاريخ مشئومًا بالنسبة لنا كمسلمين؛ ففي هذه العام الذي صدرت فيه وثيقة حقوق الإنسان صودرت حقوق شعبٍ مسلم عربيٍّ هو «الشعب الفلسطيني» الذي هُجِّر من وطنه وصُودرت ممتلكاته وذُبح أطفاله وبُقرت بطون الحبالى من نسائه وانتُهكت أعراض العذارى من فتياته، ليخرج شعبٌ كامل تاركًا وطنه ليفترش الأرض ويلتحف السماء، يأكل الجوع ويلبس العري!

    ولعلَّ من العجيب أن تكون الدول الموقِّعة على وثيقة «حقوق الإنسان» هي ذاتها التي وقَّعت على وثيقة قيام دولة إسرائيل في عام 1948م -1367هـ.

    عزيزي..

    أنا شاب مسلم سعودي، موطني الجزيرة العربية، وبلدي المملكة العربية السعودية، والتي بالتأكيد قد سمعتَ عنها وعن عاصمتها الرياض ومليكها المفدَّى خادم الحرمين الشريفين، وهي من دول المشرق العربي.

    إنَّ بلدي هذا - أيها الصديق العزيز -هي مهبط الوحي، بلد الرسالة العظيمة، الإسلام، والذي الذي صدر عنه أول بيان في التاريخ ينادي بحقوق الإنسان والكرامة المتأصِّلة في سائر أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة كأساسٍ للحرية والعدل والمساواة.

    وذلك قبل أربعة عشر قرنًا من صدور بيان هيئة الأمم المتحدة في باريس، ففي القرآن الكريم آية تنادي: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ{ [الإسراء : 70].

    والنبي محمد ﷺ‬ حامل لواء أكبر حركة تحرير للإنسان في الدنيا، يقول من وحي ربِّه: «كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسود، ولا لأسودَ على أحمر إلا بالتقوى».

    والدين - أيها الصديق - حركة حياة مستمرة فاعلة في بناء الإنسان والأوطان، وليس شيئا أتى وانتهى وأصبح من تراث الماضي، يوضع في متحف التاريخ والأفكار والنُظم والعقائد كتراث.

    أيها الصديق:

    الإنسانية تقول إنَّ الإنسان هو أخو الإنسان، حيثما وُجد وأينما كان فوق ظهر هذا الكوكب الجميل الذي أصبح قريةً صغيرة، والذي أُمِرنا بعمارته والسعي والعيش فيه.

    وأنا صديقك المسلم العربي السعودي أحبُّ الإنسان وأحترمه وأريد له السعادة والهناء؛ فالله خلق الإنسان على صورته، وبثَّ فيه رُوحا من رُوحه، وجعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف ونتعاون.

    إنَّ في الإسلام آية قرآنية تقول: }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{ [الحجرات : 13].

    والرسول الهاشمي القرشي ﷺ‬ يقول عن سلمان الفارسي: «سلمان منا أهل البيت»، وعمر بن الخطاب t يقول في بلال الحبشي متحدثًّا عن أخيه أبي بكر: «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا»، يعني بلالاً.

    البشر جميعا ينتسبون إلى أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدة.

    إنَّ المجتمع المسلم مجتمع عقيدة، ومقياس التفاضُل فيه التقوى..

    وبينما ينظر البعض إلى الإنسان على أنه حيوان ناطق أو كائنٌ يعمل وعلينا أن نُحقِّق رغباته، نرى الإسلام ينظر إليه على أنه مخلوقٌ مُكرَّمٌ خلقه الله في أحسن تقويم، والإسلام يُوفِّر له الكرامة والعدالة والحرية والمساواة.

    وإذا كانت الفلسفة التي تحكم معظم العالم الآن تنادي أن: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فإننا في عقيدتنا نقول: «لا إله إلا الله، والأمر كله لله».

    ثم اعلم أنَّ حضارة المسلمين تتحرَّك في ظلِّ توجيه القرآن في ظلِّ السلطان.

    عزيزي:

    في هذه الأيام أصبحت تُثار عبارة حقوق الإنسان، وأنَّ هناك من ينتقص مثل هذه الحقوق، علمًا بأنَّ النبي ﷺ‬ أول من نادى بحقوق الإنسان قبل ما يزيد عن ألف وأربعمائة عام على تاريخ انعقاد «مؤتمر باريس»!.. ونادى بها بعده خليفته الراشد عمر بن الخطاب t وذلك حين قال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟».

    نحن متَّفقون على أنَّ الإنسان خُلق حُرَّا، منذ أن كان جنينًا وهو خلقٌ مُكرَّم، فمن سمح لنفسه أن يصادر حرية إنسان مثله؟

    إنَّ من يُصادر حرية الإنسان مجرمٌ بدون أدنى شك؛ فمصادرة الحرية تعني مصادرة الإرادة، ومصادرة الإرادة تعني العبودية، والعبودية في الإسلام لله جلَّ في علاه قولاً وعملاً ونية، والعبودية لغير الله مرفوضة؛ لأنه ليس لكائنٍ من كان أن يستعبد إنسانًا مثله من لحمٍ ودمٍ ومشاعرَ وعواطفَ ورُوحٍ وأحلامٍ وآمال.

    وقد يقال: إنَّ بعض الجهات المنظِّمة للاجتماع البشري حكومات أو أفرادًا أو مؤسَّسات هي التي صادرت حريته وحقوقه وعطلت واجباته ووضعت القيد في معصمه، فدعني أطرح هذا السؤال:

    أليست الحكومة هي عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم من أجل مصلحة الفرد والمجتمع؟!

    فأين مصلحة الفرد حينما تُسلب حريته؟!

    وأين مصلحة الجماعة حينما تتحوَّل إلى قطيعٍ من الأغنام تُساق وهي مسلوبة الإرادة؟!

    كيف تُصادَر حرية الإنسان في الكلام والتعبير مثلاً؟!

    وهو حينما نطق لم ينتظر مرسومًا عاليًا ساميًا مِمَّن يدَّعون أنهم أوصياء على حقوق الإنسان؟

    كيف تصادر حريته في العيش والتنقُّل كما يريد هو؟!

    وكيف تصادر حريته في أن يفكر ويعمل ويبدع؟!

    وكيف تصادر حريته في أن يُحِبَّ أو لا يحب كما يشاء؟!

    وكيف يُصادَر عقله في أن يُفكر ويكتب ويؤلِّف على طريقته؟!

    وكيف تُصادر حريته في أن يكسب وينفق؟

    من الذي أعطى الحقَّ لإنسانٍ ما في أن يصادر حقَّ إنسان آخر مثله وينقله من حياة الحرية إلى حياة الذلِّ والعبودية.

    إنَّ الذي يُصادر حقَّ الإنسان هذا ويحكم عليه بالإعدام النفسي عليه أن يُقيم برهانه.

    ففي الإسلام لا عبودية لغير الله، أمَّا حرية الانطلاق الشهواني والفوضوي، حرية الغريزة الحيوانية والفكر المنفلت والتعبير المدمِّر والسلوك المستهتر بالمسألة الأخلاقية والمعيار الرباني - فلا تقرُّه شريعة ولا عقل سويٌّ.

    عزيزي:

    إنَّ بعض المجتمعات نبذت الآلهة، وآمنت بإله جديد هو «المادة»، ولذلك فالإنسان في هذه المجتمعات قلقٌ وغير مستقر، والله بالنسبة لنا كمسلمين هو الأمن، والعقل بريء مما يزعمون ويزوِّرون على الإنسان؛ حيث إنَّ بعض هذه المجتمعات قرَّرت أنَّ الإنسان حيوان ناطق عليه أن يُشبِع الغريزة، ووضعوا النظم والقوانين التي تحمي الغريزة، والغريزة فقط..!

    وعجبي - أيها الصديق - من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وكم يكون الظالم جبانًا حينما يتَّخذ الظلم شعارًا!

    كما سمعنا منذ القدم بعض الروايات منها أنَّ هناك من يضعون على بعض فنادقهم ونواديهم ومطاعمهم لافتات تقول: «للبيض فقط»، أو تقول: «ممنوع دخول السود والكلاب»!

    والمستعمر الإنجليزي في الهند، وبرُوحه المملوءة تعصُّبًا وتَفْرِقَةً علَّم الهندي تحية الانحناء، وأن ينظر إلى حذاء سيده عند السلام، وذلك حتى لا ينظر إلى وجه سيده الأبيض!

    وألمانيا - يا صديقي - كان شعارها مد اليد مبسوطة إلى الأمام، و«ألمانيا فوق الجميع»، بحجة أنَّ دماء الشعب زرقاء مميِّزة للجنس الآري.

    وهذا ستالين يقتل خمسة ملايين في بلاده لأنهم يخالفونه في الفكر والعقيدة!

    وفي فلسطين وكشمير والبوسنة وبورما وكمبوديا والفلبين حملات التطهير!

    وفي أفريقيا لا يزال التاريخ يذكر جرائم اصطياد الزنوج وشحنهم كالدواب لبيعهم رقيقًا للجنس الأبيض!

    وتجارة الأطفال والرقيق الأبيض، فالمرأة فتاة إعلان وعنصر جَذبٍ للربح الحرام في عجلة الاقتصاد العالمي الربوي!

    ورعاية بعض الدول للشواذ واللوطيين، وبمراسم يُوقِّع عليها الفلاسفة والحكماء، ويريدون أن تُنقل تلك الميكروبات والجراثيم إلى مجتمع الطهر والفضيلة، المجتمع الإسلامي النظيف.

    وقد تعهَّد أحد رؤساء الدول "المتحضرة" في حملته الانتخابية أن يُسِنُّ تشريعًا يحمي اللوطيِّين والشواذ ويُبيح الإجهاض ويزيد من الحرية الشخصية، وكأنَّ ما يُقارب 25000 طالبة في المدارس الثانوية في بريطانيا وفرنسا وأمريكا مِمَّن حملن سفاحًا لم يكفينه!

    وإذا كانت هذه الدول مُوقِّعة على حقوق الإنسان، فهل تريد من بقية المجتمعات الإسلامية أن تسلك طريقهم وأن تنهج سبيلهم، وإلا فلسنا من دعاة حقوق الإنسان وخارج دائرة العالم المتمدن؟!

    إنَّ هذا مجتمعٌ ماديٌّ يعبد المال ويعتقد أنه وحده القادر على كلِّ شيء، ففي عام 1934م مات في أوروبا مليونان وأربعمائة ألف شخصٍ من الجوع، في الوقت الذي أتلفت فيه بعض الدول الرأسمالية أكثر من مليوني عربة من الحبوب والسكر والأرز واللحم والمواد الأخرى، وهذا كلّه حفاظٌ على مستوى الأسعار، وخضوعًا لقانوني العرض والطلب!

    وفي الإسلام: «إنه لا يؤمن أحدكم إذا بات شبعان وجاره جائع»!

    إنَّ الإنسان في الإسلام صاحب حقوقٍ محفوظةٍ ومصانة، ولا يملك كائنًا من كان أن ينتقصها؛ لأنَّ هذه الحقوق أعطاها ومنحها له مالك الدنيا والناس أجمعين «الله جلَّ علاه، ومن تعدَّى عليها يكون قد حارب الله، فالإنسان مخلوقٌ مكرَّم، فضَّله الله على كثيرٍ من خلقه، قال تعالى: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ{ [الإسراء : 70].

    ونهي الإسلام عن الإساءة إلى كرامة الناس والاستهزاء بهم أو غيبتهم، ونهى عن الجهر بالسوء.

    والحياة من أهمِّ حقوق الإنسان، والإسلام حماها، وفرض أقصى العقوبات على المتعدِّي على حقِّ الحياة، كما أنَّ الإسلام يعدُّ الانتحار جريمة، فالإنسان في الإسلام حياته وعرضه وماله وعقله مصانة لا يجرؤ أحد أن يمسَّها بسوء، والدولة مسئولة عن حفظ هذه الحقوق، وكلُّ من يتعدَّى عليها - فردًا أو جماعة - يلقى آثامًا وعقابًا زاجرًا رادعًا.

    كما أنَّ ضمير الإنسان في الإسلام حر، لا يملكه أحدٌ إلاَّ صاحبه، وحرية القول والتعبير مصانة، حتى أنَّ امرأةً راجعت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t وهو فوق المنبر في مسألة المهور، فقال الخليفة: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»!

    وهذا خليفة من خلفاء المسلمين وأمير الناس في زمانه علي بن أبي طالب t يغضب من القاضي؛ لأنَّ القاضي نادى عليه بكنيته ولم يناد خصمه اليهودي بمثل ذلك، واعتبرها محاباةً في القضاء!

    وتعال معي نستمع إلى محمد ﷺ‬ يقول: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

    وقد تُدهش - يا صديقي - لأننا نقطع يد السارق، اليد الأمينة إذا اعتدى عليها أحد بالقطع يدفع الجاني ديَّة تُقدَّر بعشرات الآلاف من الدولارات، ولكن إذا سرقت عن غير حاجة ولو دولارًا واحدا فإنها تُقطع!

    وما ذلك إلا لأنَّ عِزَّ الأمانة أغلاها، وذُلَّ الخيانة أرخصها.

    إنَّ المجتمع الإسلامي تسوده الأمانة، والرذيلة هي الخيانة، وهو يحارب الخيانة أينما وجدت ولا يرضاها.

    فهل يُلام عندما يرفض الخيانة؟

    * * *

    قضية المرأة

    إنَّ المرأة في الإسلام عرضُ مصان، ومخلوقٌ له كرامه وإرادة، وهي نصف المجتمع، والتاريخ الأسود لبعض المجتمعات وموقفها من المرأة معروف؛ فلقد تناقش حكماؤها طويلاً: هل المرأة لها رُوح؟ وإذا كان لها رُوح فهل هي رُوح إنسانية؟.. هل هي بالنسبة للرجل مثل الرقيق أم أقلّ؟

    ولقد خرجت المرأة للعمل ولم ترجع، خرجت فنظر إليها الذئاب على أنها جسدٌ جميلٌ ليس إلاَّ!.. أمَّا في الإسلام فالمرأة محاطةٌ بسياجٍ من الفضيلة والطهر ولها رسالة، نحافظ عليها كزهرة مُتفتحة، لكن لا يشمُّها إلا زوجٌ بالحلال عن طريق الزواج!

    * * *

    قضية حقوق الإنسان

    وماذا أحدِّثك عن حقوق الإنسان في الإسلام؟

    هل أحدِّثك عن عبادة بن الصامت الرجل الأسود الذي رأس وفد المسلمين إلى مصر لمقابلة المقوقس وفي الوفد عدد من أشراف قريش فيقول المقوقس: «أَبعِِدوا هذا الأسود؛ فإني أخافه»، فيقولون: «لا، هذا سيدنا ونصدر عن أمره»!

    إننا أمَّةٌ شعارها العدل والمساواة والحرية..

    انظر إلى العبادات في دِيننا، تجد الكبير والصغير والغني والفقير والأسود والأبيض في صفٍّ واحدٍ في الصلاة وبلباس واحد وهتاف واحد في الحجّ، والإسلام يقول: إنَّ قريةً بكاملها تُقتل مُجتمَعة إذا تواطأت على قتل شخصٍ ظلمًا!

    وهذا أبو بكر الصديق t أول خليفة للرسول ﷺ‬ يُوصِي الجيش بعدم قتل النساء والأطفال والرهبان والعابدين، وعدم قلع شجرة أو تدمير بيت؛ فالحرب مع الجنود المحاربين فقط.

    هذا هو الإسلام أيها الصديق، قمَّة العدل والإنصاف والحرية.

    إنَّ عمر بن الخطاب t ثاني الخلفاء الراشدين حينما تجتاح المجاعة بلاده يُقسم ألاَّ يذوق الطعام حتى يُشبع كلَّ سكان المدينة أولاً، ويسمع امرأة تناجي زوجها الغائب لأكثر من أربعة شهور في الحرب حزينة مُلتاعة فيأمر بردِّه، ويجعل هذا نظامًا، فلا يغيب أحدٌ عن زوجته أكثر من أربعة شهور.

    هذا هو الإنسان في عقيدتي، وهذه بعض حقوقه، ولقد تعمَّدت أن تكون إضاءات موجزة بعيدة عن الإطالة.

    والديمقراطية التي أصحبت اليوم شعار الأقوياء لاستغلال الضعفاء وتُهمة تُرمَى على الدولة التي تحكم بِشرع الله، ونحن أول من جاء بها ولكن بمسمى آخر هو «الشورى»، وفي ديني آية تقول: }وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ{ [آل عمران : 159].

    والنبي ﷺ‬ ذاته الذي يأتيه خبر السماء استشار أصحابه.

    إنَّ الديمقراطية التي نرفضها هي الديمقراطية التي تعني حُكم الشعب بواسطة ما يُشرِّعه الشعب.

    فالديمقراطية في الإسلام تعني حُكم الأمَّة بما يُشرعه الله لمصلحة الأمَّة، فهل نُلام بعد ذلك حينما نقول: إنَّ قانون الله وشرعه أصدق وأحقُّ بالاتباع من القوانين الوضيعة؟

    قل لي بربك: أيهما أعرف بمصلحة الإنسان، البشر أم الله؟

    ولأننا نُحكم كتاب الله الذي فيه خير الدنيا والآخرة يقولون إننا غير ديمقراطيين!

    هكذا نكون غير ديمقراطيين إن لم نحكم بالقوانين الوضعية ونغفل التشريع الإلهي.

    إنَّ حرية التفكر مصانةٌ في الإسلام، والآيات التي نتلوها ونتعبَّد بها تجدها مملوءةً بآيات التفكر والدعوة إلى العلم والتفكير، ولم يحصل - ولو مرَّةً واحدة - أن عارض الدين العلم في تاريخنا الحضاري، وكلُّنا نذكر أنَّ قصة الصراع بين الدين والعلم نشأت في أوروبا..

    أتذكر جاليليو ودي رونس الذي حُكِم عليه بالحرق وألقيت كُتُبه في النار لأنه قال: إنَّ قوس قزح ليست قوسًا حربيةً بيد الله ينتقم بها من أعدائه إذا أراد، بل هي انعكاس ضوء الشمس في نُقط الماء؟

    إننا أمَّةٌ تحب الإنسانية وتسعى لخيرها.

    وهذا الشاعر الإنجليزي كبلنج، وهو من كبار الساسة يقول متعصِّبًا: إنَّ الشرق شرق وإن الغرب غرب ولن يلتقيا.

    إنَّ اختلاف الدِّين لم يجعلنا يومًا دعاة تفريقٍ أو تعصُّب، ففي أسفار الحضارة نجدُ أنَّ معاوية بن أبي سفيان كان له طبيبٌ نصرانيٌّ يسمى «آثال»، وأنَّ الكتبة والمسئولين عند عددٍ من الخلفاء كانوا من اليهود والنصارى!

    إنَّ الإسلام دين التسامح والحب والخير، وتاريخنا يشهد بذلك، ومُفكرو الغرب المنصِفون يقفون باحترام لِحُسن معاملة المسلمين لغيرهم من الديانات الأخرى.

    عزيزي:

    كم يؤلمني ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وكم أتمنَّى لو أنَّ الناس جميعًا اتَّخذوا من هذا الدين دينًا لهم حتى يعيشوا سعداء آمنين.

    إنني - وكما أعلمتك - من بلاد هي المملكة العربية السعودية، يعيش الإنسان فيها آمنًا مطمئنًا، يشعر بكرامته وحريته، والدولة تُوفِّر له كامل الحقوق، وترعاه طفلاً وشابًا وشيخًا، وتمتدُّ هذه الرعاية حتى بعد وفاته لتؤمِّن لأطفاله مستقبلاً رغدًا.

    إنني - أيها الصديق - حرٌ في تصرفاتي، حرٌ في ضميري، آمنٌ في سربي، أجد عملاً تُوفِّره الدولة لي، وأجد سكنًا توفِّره الدولة أيضًا، كما أملك أن أخاطب المليك المفدَّى وأقابله وأناقشه.

    إنني حرٌّ كريم، تتعهَّد الدولة تعليمي ورعايتي منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية وما بعدها مجانًا، وكذلك علاجي، وأيضًا تمدُّني بأسباب القوَّة والنماء والعطاء شابًا، وترعاني كهلاً وشيخًا.

    وفي المستقبل القادم - إن شاء الله - أكتب إليك وعالمنا أكثر حريةً وكرامةً ورضاءً وعدلاً ومساواة.

    وحتى أكتب لك مرة أخرى أرجو أن تتقبل تحياتي.

    الخاتمـة

    ولعمري إنَّ الله ما خلق الكون لنتلهَّى، وإنما خاطب نبيَّنا «أعمروها بالتقوى، اغرسوها بلا إله إلا الله، وقد أفلح من صام وطاف وتصدَّق وصلَّى»..

    والشاب المؤمن في ظلٍّ ظليلٍ من ربِّك، وشرابٍ باردٍ من عسلٍ مُصفَّى، وأنا أقول ولسان الحال المسلم يقول:

    العمل العمل ولا شيء غير العمل، العمل الصالح الذي يُباركه الرحمن، ويطمئنُّ فيه الإنسان، حتى نكون بحقٍّ خير أمَّةٍ أخرجت للناس، فهو الذي يُعلي للوطن راية ويوصل القوم إلى الغاية .. وفي ذلك فلينتافس المتنافسون.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.

    تمَّ الكَلاَمُ وَرَبّنَا محمُود

    وَلَهُ المَكَارِمُ وَالعُلاَ وَالجُود

    وَعَلَى النَّبيِّ مُحمَّدٍ صَلوَاتُهُ

    مَا نَاحَ قَمرِي وَأَورَقَ عُود

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته