الوصف المفصل
- كيف
تنجو من مكائد الشيطان؟
- من هو الشيطان
- بدايةُ العداوة
- ضعفُ الشَّيطان
- قُوَّةُ الشَّيطان
- حيل الشيطان ومكائده
- ومن
أعظم الأمور التي يدعو الشيطان إليها:
- 1- الدعوةُ إلى الشِّرك والكفر:
- 2- التَّشْكيك في أصول الدين:
- 3- الصَّدُّ عن طاعة الله:
- 4- الحثُّ على ارتكاب المعاصي والمخالفات:
- 5- الحثُّ على ارتكاب الفواحش والدَّعوة إلى التَّعرِّي:
- 6- إفسادُ ذات البَين:
- 7- نسيانُ ذكر الله:
- 8- تركُ الصلاة أو التهاونُ بها:
- 9- الافتراءُ على الله:
- 10- التحاكم إلى الطاغوت:
- 11- تزيينُ الباطل في صورة الحقِّ:
- 12- إيذاءُ الإنسان:
- 13- الغضبُ والعجلة:
- 14- فتنة الإنسان عند الموت:
- 15- تجنيدُ النساء للفساد:
- كيف
تنجو من مكائد الشيطان؟
- 1- الإيمان بالله - عز وجل -:
- 2- الإخلاص لله - عز وجل -:
- 3- المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
- 4- الإحسان في العبادة وبخاصة الصلاة:
- 5- اللجوءُ إلى الله تعالى:
- 6- تقوى الله - عز وجل -:
- 7- الاستعاذة بالله من الشيطان:
- 8- ذكرُ الله - عز وجل -:
- 9- قراءة القرآن:
- 10- الوضوءُ عند الغضب:
- 11- التوبة والاستغفار:
- 12- تطهير البيوت وحفظها:
- 13- تحصين الأهل والأولاد:
- 14- غضُّ البصر:
- 15- تَرْكُ الخلوة بالمرأة الأجنبية:
- 16- الزواج:
- 17- تعمُّدُ مخالفة الشيطان:
- 18- تَجَنُّبُ بعض الألفاظ والعبارات والأسماء التي يحبها الشيطان ومنها:
- 19- تَيَقَّنْ ضعفَ الشَّيْطان:
- 20- الدعاء:
- 21- ترك السفر وحيدًا:
كيف تنجو من مكائد الشيطان؟
القسم العلمي بمدار الوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقائد الغُرِّ المحجَّلين نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإنَّ الشيطان الرجيمَ هو عدوُّ الإنسان العنيد وخصمه العتيد الذي لا يزال يكيد له منذ ولادته وحتى موته، ولا يكفّ عن تزيين الشَّرِّ وطرق الضَّلال له ليسلكها ويبتعد عن طرق الرَّشاد وسُبُل الاستقامة.
والشيطان يريد إهلاكَ الإنسان بشَتَّى السُّبُل؛ كما قال - تعالى: }إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6]؛ فهو يوسوس تارةً، ويُزَيِّن المعاصي والمخالفات تارةً، ويَصُدُّ عن الطَّاعة والعبادة تارة أخرى.
وقد بَيَّنَّا في هذا الكتيِّب حيلَ الشيطان ومكائده وأساليبه في إضلال العبيد، ثم ذكرنا واحدًا وعشرين سببًا شرعيًا يعتصم بها الإنسان من الشيطان، وقد حرصنا على أن يكون كلامنا كله مستمدًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نسأل اللهَ تعالى أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يوفِّقَ الجميعَ لطاعته واتِّباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
الناشر
من هو الشيطان
الشيطان في لغة العرب - كما قال أبو عبيدة: هو اسمٌ لكلِّ عامر (أي شرس شديد عات) من الجنِّ والإنس والحيوانات، وقال الطَّبريُّ: هو كلُّ متمرِّد من الجنِّ والإنس والدَّوابِّ وكلِّ شيء؛ قال تعالى: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ{ [الأنعام: 112].
والشيطان الذي حذَّرنا الله تعالى منه كثيرًا في القرآن هو إبليس وجنوده؛ وإبليس هو جنِّيٌّ خبيثٌ خَلَقَه الله تعالى من نار، ثم عصى وكفر وتَمَرَّدَ على خالقه، فدأب على الكيد للإنسان ليغويه ويضلَّه ويفسدَ عليه حياتَه، ويخرجَه من عزِّ الطاعة إلى ذلِّ المعصية والسَّير في ركاب الهوى والشَّهَوات.
بدايةُ العداوة
لمَّا خلق اللهُ آدمَ - عليه السلام - أَمَرَ الملائكةَ بالسُّجود له فسجدوا جميعًا إلا إبليس أبى أن يسجد لآدم - عليه السلام - وقال: }أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ{ [الأعراف: 12]؛ ففسق بذلك وكفر ولُعن وطُرد من رحمة الله؛ قال تعالى: }وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ{ [الكهف: 50]، وقال – سبحانه: }وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا{ [البقرة: 102]، وقال – سبحانه: }قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{ [الحجر: 34، 35]، فازداد بذلك حَسَدُه وحقده على آدم وذريَّته، فطلب من الله تعالى أن يُنْظره إلى يوم القيامة لا ليتوب وإنما لينتقم من آدم وذُرِّيَّته، ويعمل على غوايتهم وفتنتهم وجعلهم من أتباعه وأعوانه؛ بل ومن عُبَّاده كذلك؛ كما قال تعالى: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [يس: 60]، }قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{ [الحجر: 36-38].
وتَبَجَّحَ الشيطانُ في مخاطبة الرَّبِّ تعالى وأعلن خُطَّتَه القذرةَ دون أي خوف أو نظر في عاقبة؛ }قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [الحجر: 39، 40].
فيا أخي الحبيب:
هذا هو الشيطان.. وهذه عداوته التي لن تزول حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها؛ إنَّه منذ ذلك اليوم يُخَطِّط ويعمل على إفساد ذُرِّيَّة آدم - عليه السلام؛ يعمل على إخراج المسلم من دينه.. وعلى إبعاد غير المسلم عن الإسلام.. يعمل على نشر الفسق و الفواحش والمجون في كل مكان.. وكأنه يريد بذلك أن يقول: لقد كنت محقًّا في ترك السُّجود لآدم.. فهذه ذريتُه يقتل بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا.. ولئن كنتُ قد عصيتُ مرةً واحدة فإنَّهم يعصون كلَّ يوم مئات المرات.
ولكن الخبيثَ نسي أنَّه أَصَرَّ على معصيته ولم يندم عليها، واعترض على أمر الله تعالى، وتَكَبَّرَ على الرَّبِّ سبحانه، وتَعَقَّبَ عليه فلُعن وطُرد من رحمة الله.
أما ذرية آدم عليه السلام فقد فتح الله لهم بابَ التوبة والإنابة، ولم يؤيسهم من رحمته، ولم يقنطهم من عفوه ومغفرته؛ فمن تاب منهم تاب الله عليه، ومن استغفر غفر الله له؛ قال تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 135].
وقال: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{ [الزمر: 53، 54].
بشرى
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الشيطانَ قال: وعزَّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحُهم في أجسادهم. فقال الرَّبُّ: وعزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ([1]).
فلا تستسلم أخي للشيطان؛ فإنَّ طاعتَه تؤدِّي إلى النِّيران، وكن من أهل الإيمان وعباد الرحمن تَفُزْ بجنَّة الرِّضوان مع النَّبيِّ العدنان صلى الله عليه وسلم.
ضعفُ الشَّيطان
يظنُّ كثيرٌ من الناس أنه لا قدرةَ له على مواجَهَة الشَّيطان، وأنَّه إذا حدثت المواجهة بينه وبين الشَّيطان فإنَّ الغلبةَ ستكون للشيطان؛ لقوة سلطانه وقدرته على الإغواء والتزيين.
والحقيقة أنَّ الشيطانَ ليس له سلطانٌ على عباد الرحمن؛ فمتى استمسك العبد بالكتاب والسُّنَّة واهتدى بهدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم واتَّقى اللهَ ما استطاع، فإنَّ الشيطانَ لا يتمكَّن منه ولا يستطيع غوايتَه؛ كما قال تعالى: }إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا{ [الإسراء: 65]، وقال: }إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{ [الحجر: 42] وقال: }كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ{ [سبأ: 21].
والشيطان نفسه يعلم أنه ليس له قدرةٌ على غواية عباد الله المؤمنين؛ ولذلك استثناهم من الذين قَرَّرَ أن يُغْويَهم فقال: }قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [الحجر: 39، 40].
وسوف يصرِّح بذلك يومَ القيامة لأَتْباعه ويقول: }وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ{ [إبراهيم: 22].
ولذلك أخبر اللهُ - عز وجل - عن ضعف الشَّيطان وتهافُت حيله فقال: }فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا{ [النساء: 76].
قُوَّةُ الشَّيطان
ولئن كان الشيطانُ ضعيفًا بالنسبة للمؤمن، فإنه قويٌّ بالنسبة لغير المؤمن؛ لأن غيرَ المؤمن هو الذي جعل للشيطان سبيلاً عليه؛ بموالاته واتِّباع ما يأمره به من المعاصي والمخالفات؛ كما قال - تعالى: }إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ{. [النحل: 100]؛ فهؤلاء ارتضوا أن يكون الشيطانُ قائدًا لهم وإمامَ ضلالة يَتَّبعونه ويصدرون عن أوامره، فَسَلَّطَه اللهُ عليهم عقوبةً لهم؛ فالله تعالى لا يَجْعَلُ للشَّيْطان على العبد سلطانًا، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به؛ قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا{ [مريم: 83]؛ أي تُحَرِّكهم وتهيجهم.
تحذير وتذكير
وقد حذَّر اللهُ الناسَ جميعًا من طاعة الشَّيطان واتِّباعه، وأخبرهم أنَّ عاقبةَ ذلك وخيمةٌ، وبَيَّنَ لهم ما يدعو إليه الشيطان من فساد وضلال؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بيِّنة.
ومن ذلك قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 168، 169]، وقال – سبحانه: }وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [الزخرف: 62]، وأخبر – سبحانه - أنَّ اتِّباعَ الشيطان لن يَجْنُوا باتِّباعهم له إلا الحسرةَ والندامةَ والخسرانَ؛ قال تعالى: }اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ{ [المجادلة: 19]، وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا{ [النساء: 119].
وذَكَّرَ اللهُ – تعالى - عبادَه بما فعله الشيطانُ بأبيهم آدم فقال تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ{ [الأعراف: 27] وأمر الله عباده بإعلان العداوة الظاهرة والباطنة للشيطان فقال تعالى: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6].
فيا عبدَ الله.. ويا أمةَ الله!
إن الاستعانةَ بالله - عز وجل - والاعتصامَ بحبله، والتَّمَسُّكَ بهدي الكتاب والسُّنَّة والتَّقَيُّدَ بالأوامر فعلاً والنواهي تركًا هو الذي ينجي من مكائد الشيطان وحيله؛ لأن الشيطانَ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يجري من ابن آدم مجرى الدم»([2]) ؛ فلا يستطيع الإنسان التخلصَ ممَّن يخالط لحمَه ودمَه إلا بمعونة الله - عز وجل - وصدق العبودية له؛ قال ابن عباس - رضي الله عنه: «الشيطانُ جاثمٌ على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس».
وروي عن قيس بن حجَّاج أنه قال: قال شيطاني: دخلتُ فيك وأنا مثل الجزور، وأنا منك اليومَ مثلُ العصفور. قال: قلت: ولم؟ قال: تذيبني بكتاب الله!!
وقال مطرف: نظرتُ فإذا ابنُ آدم ملقى بين يدي الله - عز وجل - وبين إبليس؛ فإن شاء أن يعصمه عصمه، وإن تركه ذهب به إبليس.
وقال عبد العزيز بن رفيع: إذا عُرج بروح المؤمن إلى السماء قالت الملائكة: سبحان الذي نجى هذا العبد من الشيطان! يا ويحه! كيف نجا؟
حيل الشيطان ومكائده
للشيطان هدف مُحَدَّدٌ يسعى إليه؛ وهو إدخال الناس في جهنم وحرمانهم من الجنة، وفي ذلك يقول الله تعالى: }إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6]، وهو يَسْتخدم في سبيل ذلك أقدرَ الوسائل والحيل التي تحقِّق له هذا الهدف.
وقد بَيَّنَ القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية كثيرًا من الشُّرور التي يريد الشيطانُ أن يوقع البشرَ فيها ليُتمَّ هدفَه المنشودَ وغايتَه القذرةَ؛ وهي إعلان البشرية كفرَها بالله واستحقاقَها العذاب الأليم في جهنم.
ومن أعظم الأمور التي يدعو الشيطان إليها:
1- الدعوةُ إلى الشِّرك والكفر:
قال تعالى: }كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ{ [الحشر: 16]، والشيطان لا يدعو المؤمنَ إلى الكفر مرةً واحدة؛ ولكن يستخدم في سبيل ذلك أسلوبَ التَّدَرُّج من الدعوة إلى ترك الفاضل والاهتمام بالمفضول، ثم العمل على تزيين الصغائر وتهوينها، ومن الصَّغائر يستطيع إيقاعَ العبد في الكبائر، فإذا وقع العبدُ في الكبائر كان قريبًا من الكفر والعياذ بالله.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ تعالى قال: «.. خَلَقْتُ عبادي حنفاء كلَّهم، وإنهم أَتَتْهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللت لهم، وأَمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سلطانًا»([3]).
2- التَّشْكيك في أصول الدين:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا؟ مَنْ خَلَقَ كذا؟ حتى يقول: مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولْيَنْتَه»([4])؛ فعلاجُ تشكيك الشَّيطان في عقيدة الإنسان أن يلجأَ إلى الله - عز وجل - ويستعيذَ به من الشيطان، ولا يسترسل في تلك الوساوس والشُّبُهات.
3- الصَّدُّ عن طاعة الله:
فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الشيطان قَعَدَ لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تُسْلم وتَذَرُ دينَك ودينَ آبائك وآباءَ آبائك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد؟! فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل؟! فتنكح المرأة ويقسم المال؟! فعصاه فجاهد؛ فمن فعل ذلك كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابَّتُه كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة» ([5]).
فهذا الحديث يدل على حرص الشيطان على غواية العبد وصَدِّه عن جميع سُبُل الخير؛ كما حكى – سبحانه - عنه أنَّه قال: }قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{ [الأعراف: 16، 17].
4- الحثُّ على ارتكاب المعاصي والمخالفات:
وقد ظهر ذلك جَليًّا حينما أغرى آدمَ - عليه السلام - بالأكل من الشجرة التي حَرَّمها الله تعالى عليه، ودَفَعَه بذلك إلى ارتكاب المعصية التي كانت سببًا في إخراجه وذرِّيَّتَه من الجنة؛ قال تعالى: }فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{ [طه: 120، 121].
5- الحثُّ على ارتكاب الفواحش والدَّعوة إلى التَّعرِّي:
قال تعالى: }إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 169]، وقال تعالى: }الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ{ [البقرة: 268]، وقال تعالى: }فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا{ [الأعراف: 20].
6- إفسادُ ذات البَين:
قال تعالى: }إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ{ [المائدة: 91].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشيطانَ قد يَئس أن يَعْبدَه المصلُّون في جزيرة العرب؛ ولكن في التَّحريش بينهم»([6]).
7- نسيانُ ذكر الله:
الشيطانُ يعلم أنَّ ذكرَ الله تعالى حياةُ القلوب، وغذاءُ الألباب؛ لذا فإنه يحرص على إدخال العبد في زمرة الغافلين السادرين؛ حتى تموت قلوبهم وتظلم أفئدتهم؛ قال تعالى: }اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ{ [المجادلة: 19]، وقال تعالى: }وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ{ [يوسف: 42]، وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ{ [الزخرف: 36، 37].
8- تركُ الصلاة أو التهاونُ بها:
لمَّا كانت الصلاةُ من أعظم أركان الإسلام العملية، ومن أعظم أنواع الذكر لله - عز وجل -، حرص الشيطان على صدِّ العباد عنها، فأغرى كثيرًا من الناس بتركها بالكلية، وأغرى آخرين بالتَّهاون بمواقيتها وواجباتها وسُنَنها والخشوع فيها؛ قال تعالى: }إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ{ [المائدة: 91].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التَّأذين، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه؛ اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى»([7]).
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّلفُّت في الصَّلاة فقال: «اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ([8]).
9- الافتراءُ على الله:
والافتراء على الله - عز وجل - من أعظم الخطايا؛ بل هو أصلُ الشرك والكفر، ولذلك قال - تعالى: }وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{ [النساء: 48]، وقال - سبحانه: }إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ{ [النحل: 105]، وقال – تعالى - مبيِّنًا دعوة الشيطان إلى الافتراء على الله: }إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 169].
10- التحاكم إلى الطاغوت:
قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا{ [النساء: 60].
11- تزيينُ الباطل في صورة الحقِّ:
وقد صرَّح الشيطان بذلك بعد أن لُعن وطُرد من رحمة الله: }قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{[الحجر: 39].
وفي يوم بدر أخذ يزيِّن للكفار أعمالَهم السَّيِّئة وكفرهم بالله وخروجهم لمحاربة نبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: }وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [الأنفال: 48].
وقال – تعالى - في شأن قسوة القلوب: }فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأنعام: 43].
وقال تعالى في شأن بلقيس وقومها: }وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{ [النمل: 24].
12- إيذاءُ الإنسان:
يتسلَّط الشيطانُ في الغالب بسبب غفلته ومعاصيه، ويبلغ الإيذاء ذروته حينما يصرع الشيطان الإنسانَ ويتلبس به، ويكون الإنسان حينئذ خادمًا للشَّيطان؛ قال تعالى: }الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ{ [البقرة: 275].
ويتسلَّط الشيطانُ على الإنسان فيسبِّب له الأمراض، ولعل قولَه – تعالى - عن أيوب }وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ{ [ص: 41] دليلٌ على ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعون وخز أعدائكم من الجنِّ، وهو لكم شهادة»([9]).
13- الغضبُ والعجلة:
والغضب والعجلة من الشيطان؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الغضبَ من الشيطان»([10]).
وحكى القرآنُ عن موسى - عليه السلام - أنه ندم على قتل عدوِّه؛ لأنه إنما فعل ذلك حال الغضب؛ قال تعالى: }وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ{ [القصص: 15].
وذكر ابن الجوزي أن الشيطانَ لما قيل له: أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم قال: الحدة - أي الشِّدَّة والغضب ؛ إنَّ العبدَ إذا كان حديدًا قَلَّبْناه كما يُقَلِّبُ الصِّبْيانُ الكرةَ.
أما العجلة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأناةُ من الله والعجلةُ من الشيطان»([11]).
14- فتنة الإنسان عند الموت:
لما كانت الأعمال بالخواتيم، حرص الشيطان على ألا يُختم للإنسان بخير؛ ولذلك فإنَّه يزيد من وَسْوَسَته عند الموت حتى يموت على سوء الخاتمة، ولذلك كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدعو قائلاً: «اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت»([12]).
فعلى العبد المسلم أن يُحْسنَ العملَ في هذه الدُّنيا حتى يعصمه الله من إغواء الشيطان؛ فإن الإنسانَ يموت على ما كان عليه؛ فإذا كان من أهل التقوى والاستقامة والطاعة مات على ذلك، وإذا كان من أهل التفريط والإضاعة تَخَبَّطَهُ الشيطان وأغواه عند الموت وصرفه عن الخاتمة الحسنة.
15- تجنيدُ النساء للفساد:
إن المرأةَ المتبرِّجةَ من أعظم جنود إبليس - عليه لعنة الله ؛ فهو يستخدمها لنشر الفساد والرَّذيلة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان» ([13])، ومعنى «استشرفها الشيطان» أي انتبه إليها وطمع فيها وتسلَّط عليها.
وقال سعيد بن المسيَّب - رضي الله عنه: ما بعث الله نبيًّا إلا لم يأمن أن يهلكه بالنساء.
ولعظم فتنة النساء قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله - عز وجل - مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»([14]).
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما: لم يكن كفر من قد مضى إلا من قبل النساء، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء.
وقال حسان بن عطية: ما أُتيت أُمَّةٌ قَطُّ إلا من قبل نسائهم.
16- التفريق بين الزوجين:
فمن أهداف الشيطان هدمُ الأسر وتشريدُ الأبناء وإخرابُ البيوت العامرة، ولذلك فإنَّه لا يألو جهدًا في التفريق بين الرجل وامرأته؛ ليَتمَّ له هدفه المنشود؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة؛ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فَرَّقْتُ بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»([15]).
كيف تنجو من مكائد الشيطان؟
هناك من يقول: كيف أنجو من وساوس الشيطان ومكائده وحيله وفخوخه، وهو لا يتركني طرفة عين؛ بل هو يجري مني مجرى الدَّم كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟! وقال خالد بن معدان: ما من إنسان إلا وشيطان متبطِّن فقار ظهره، لاو عنقَه على عاتقه، فاغر فاه على قلبه.
كيف أنجو والحال هكذا؟!
ثم إني وإن تغلَّبْتُ عليه مرة، فسوف يعاود إغوائي آلاف المرات، فكيف أستطيع المقاومةَ والصمودَ أمام إغراءاته وتزيينه؟!
والإجابة على ذلك مُجْمَلَةٌ ومُفَصَّلةٌ؛ أمَّا المجملة: فإن الإنسانَ يستطيع أن يتغلب على الشيطان بالإيمان بالله - عز وجل - وعبادته وحده لا شريك له، وكثرة ذكره، وتلاوة كتابه، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل المأمورات وترك المحرمات، والتوبة إلى الله - عز وجل -، ومحاسبة النفس على كل صغيرة وكبيرة قبل الممات.
أما الجواب المفصل: فقد ورد في الكتاب والسُّنَّة الأسبابُ التي يَعْتَصم بها العبدُ من الشيطان؛ ومن ذلك.
1- الإيمان بالله - عز وجل -:
إن الإيمانَ الحقيقيَّ بالله - عز وجل - هو الذي يَعْصم من كلِّ سوء، وينجي من كلِّ خوف وبلاء؛ قال تعالى: }فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ [الأنعام: 48]، وقال تعالى: }فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ{ [النساء: 175].
وفي إنجاء المؤمنين من كل مكروه يقول تعالى: }وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا{ [هود: 58]، }فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا{ [هود: 66]، }وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا{ [هود: 94].
فأهلُ الإيمان والتَّقْوى لا يَضُرُّهم كيدُ الشيطان شيئًا؛ لأنَّهم يُطيعون اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتَّخذون الشيطانَ عدوًّا؛ عملاً بقوله تعالى: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6]، وقوله تعالى: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [يوسف: 5].
2- الإخلاص لله - عز وجل -:
فالشيطان قد يأتي إلى الرجل الطَّائع من باب النِّيَّة؛ فيُحَسِّن له رؤيةَ الخلق لأعماله، ويزيِّنَ له العمل لغير الله، فيوقعه في الرِّياء الذي يُبْطل العمل، ويوجب العقوبة، ويؤدِّي إلى تَسَلُّط الشيطان على الإنسان وغَلَبَته.
قصة عجيبة
ذكر ابنُ الجوزيِّ في «تلبيس إبليس» عن الحسن قال: كانت شجرة تُعبد من دون الله، فجاء إليها رجل فقال: لأَقْطَعَنَّ هذه الشجرةَ. فجاء ليقطعها غضبًا لله، فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله. قال: إذا أنت لم تعبدْها فما يضرُّك مَنْ عَبَدَها، قال: لأقطعنها. فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير لك؟ لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك. قال: فمن أين لي ذلك؟ قال: لا عليك.
فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، فلم يذهب لقطعها، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئًا، فقام غضبًا ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته، وقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله تعالى قال: كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله ثم قال: أتدري من أنا؟ أنا الشيطان؛ جئتَ أولَ مرة غضبًا لله فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتُك بالدِّينارين فتركتَها فلما جئتَ غضبًا للدينارين سُلِّطتُ عليك.
3- المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
إنَّ من أعظم ما يُنْجي من مكائد الشيطان اتِّباعُ هدي الكتاب والسُّنَّة؛ لأن الشيطانَ حريصٌ على صرف الناس عنهما؛ ولذلك فإنَّ البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ ولذلك قال سفيان الثوري: البدعةُ أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصيةَ يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها.
وقال أيوب السختيانيّ: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله - عز وجل - بُعدًا.
وقال فضيل بن عياض: مَنْ أَحَبَّ صاحب بدعة أحبطَ اللهُ عملَه، وأخرج نورَ الإسلام من قلبه، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
4- الإحسان في العبادة وبخاصة الصلاة:
لما كانت الصلاة من أعظم أركان الإسلام كان الشيطان حريصًا على صدِّ الناس عنها وتركها أو التهاون بها، ولذلك ورد في الكتاب والسنة ما يدل على الاعتناء بشأن الصلاة؛ قال تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{ [المؤمنون: 1، 2].
ولما سألت عائشة رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة قال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم»([16]).
وجاء عثمان بن أبي العاص إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلَبِّسها عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطانٌ يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله منه، واتْفُلْ على يسارك ثلاثًا». قال: ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عني ([17]).
وعن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مَرَّ بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه، فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان» ([18]).
كثرة السجود
وعلى العبد المسلم أن يُكْثرَ من الصَّلاة والسجود لله - عز وجل -؛ فإن في ذلك إذلالاً للشيطان وإضعافًا وتحسيرًا له؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابنُ آدم السَّجدةَ فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي! أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي في النار»([19]).
سجودُ السَّهو
وفي سجود السَّهْو أيضًا إذلالٌ للشيطان؛ لأنه كان حريصًا على إفساد صلاة المرء؛ فجاء سجودُ السَّهو جابرًا للصلاة مكملاً لها، فيحزن الشيطان لذلك أشد الحزن؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شَكَّ أحدُكم في صلاته فلم يدركه صلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان»([20]).
حلُّ عقد الشيطان
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الشيطانَ يأتي إلى المرء حالَ نومه ويرغبه في الاستمرار في النوم، ويعقد لذلك ثلاث عقد شيطانية، فكلما هم الإنسان بالقيام ثَبَّطَه الشيطانُ عن ذلك حتى يفوت عليه أجر قيام الليل وذكر الله - عز وجل -؛ عن أنس - رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْقد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلَّى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان»([21]).
5- اللجوءُ إلى الله تعالى:
قال تعالى: }وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ{ [الأنفال: 11]؛ فاللهُ - عز وجل - هو الذي ينجي العبادَ من وساوس الشيطان ومكائده؛ فينبغي على العبد أن يهرع إلى جنابه - سبحانه - ويسأله العون والنُّصرة والتأييد؛ حتى يكون قادرًا على التَّصَدِّي لهذا العدوِّ الخبيث.
6- تقوى الله - عز وجل -:
فالتقوى من أعظم الأسباب التي تدفع شرَّ الشياطين وأعوانهم من الإنس والجن، وقد بيَّنَ اللهُ - تبارك وتعالى - أنَّ النجاةَ في استعمال التَّقْوى؛ قال – سبحانه: }وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا{ [آل عمران: 120].
وبيَّن – سبحانه - أنه مع المتقين فقال: }إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *{ [النحل: 128]، ومن كان الله معه لم يستطع أحدٌ من الجن والإنس أن يصيبه بمكروه إلا ما قدَّره اللهُ له.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ اللهَ يحفظْكَ، احفظ اللهَ تجده تجاهَكَ»([22]).
فأهل التقوى هم أهل النجاة من شياطين الإنس والجن، وهم أهل الفوز والفلاح والسَّعادة في الدُّنيا والآخرة؛ قال تعالى: }فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{ [هود: 49].
7- الاستعاذة بالله من الشيطان:
والاستعاذةُ بالله من الشيطان هي الالتجاء إلى الله - عز وجل - والاستجارة بجنابه من الشَّيطان الرجيم، وقد أمر الله - عز وجل - بها في كثير من آيات الكتاب العزيز؛ ومن ذلك قولُه تعالى: }وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ [الأعراف: 200]، وقال - سبحانه: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ{ [سورة الناس]، وقال تعالى: }وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ{ [المؤمنون: 97، 98].
مواضع الاستعاذة
بيَّنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا من المواضع التي يتعوَّذُ فيها من الشيطان، ومن ذلك:
أ- في الصَّلاة:
وقد مرَّ قولُه - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن أبي العاص: «ذاك شيطانٌ يُقالُ له خنزب، فإذا أحسستَه فتعوَّذْ بالله منه، واتْفُلْ عن يسارك ثلاثًا»([23]).
وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أنَّه رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاةً فقال: «اللهُ أكبر كبيرًا – ثلاثًا - والحمدُ لله كثيرًا – ثلاثًا - وسبحان الله بُكْرةً وأصيلاً – ثلاثًا - أعوذ بالله من الشيطان من نَفْخه ونَفْثه وهَمْزه»([24]).
ب- عند قراءة القرآن:
لقوله تعالى: }فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{ [النحل: 98].
ج- عند دخول الخلاء:
لحديث أنس - رضي الله عنه – قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»([25])، وقيل: إنَّ الخبثَ ذُكْران الشَّياطين، والخبائث إناثهم.
د- عند الغضب:
لحديث سليمان بن صرد قال: اسْتَبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يَسُبُّ صاحبه مغضبًا قد احمرَّ وجهُه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأعلم كلمةً لو قالها لَذَهَبَ عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ([26]).
هـ- في الصَّباح والمساء:
فقد علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقول إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم فاطرَ السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء وملكيه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجرَّه إلى مسلم» ([27]).
وعن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، فأدركته فقال: قل. فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل. فلم أقل شيئًا، قال: قل. فقلت: ما أقول؟ قال: «قل هو الله أحد والمعوِّذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كلِّ شيء»([28]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال: "باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم". ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي»([29]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر: يا رسولَ الله، مُرْني بشيء أقولُه إذا أصبحت وإذا أمسيتَ قال: «قل اللَّهمَّ فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ربَّ كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت؛ أعوذ بك من شرِّ نفسي وشرِّ الشيطان وشركه. قال: قُلْها إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضْجَعَكَ»([30]).
و- عند نزول المنزل:
عن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - قالت: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضرُّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك»([31]).
وهذا يشمل النزولَ في الأماكن المهجورة والوديان والاستراحات التي تكون على جوانب الطرق السريعة والبراري وغير ذلك، وينبغي أن يُدَرَّبَ الأطفالُ على حفظ هذا الذِّكْر ويُذَكَّروا به كلَّما نزلوا مثل هذه المنازل.
ز- عند سماع نهيق الحمار ونباح الكلاب:
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنَّه رأى شيطانًا»([32]).
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم نباحَ الكلاب ونهيق الحمير من الليل، فتعوذوا بالله؛ فإنها ترى ما لا ترون»([33]).
ح- عند التشكيك في العقيدة:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله وَلْيَنْتَه»([34]).
ط- عند الجماع:
لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ أحدَكم أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإنَّه إن يُقَدَّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضره شيطان أبدًا»([35]).
ي- عند النوم:
لحديث عائشة - رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجَعه نفث في يديه وقرأ بالمعوِّذات، ومسح بهما جسده ([36]).
ك- عند الرؤيا السيئة:
لحديث أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان؛ فمن رأى رؤيا فكره منها شيئًا فَلْيَنْفُثْ عن يساره وليتعوَّذْ بالله من الشيطان، لا تضره، ولا يخبر بها أحدًا؛ فإن رأى رؤيا حسنة فَلْيُبْشر ولا يخبر إلا من يحب». وفي لفظ: «وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدًا فإنها لا تضره»([37]).
8- ذكرُ الله - عز وجل -:
إن ذكرَ الله - عز وجل - من أعظم الأسلحة التي يعتصم بها العبد من الشيطان؛ فالله - عز وجل - – يقول: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ{ [البقرة: 152]، ويا سعادة من يذكره الربُّ تبارك وتعالى؛ إنه يذكره بالنصرة والتأييد والحفظ والرعاية والمعية والكفاية من كل ما يسوء ويحزن، وفي حديث الحارث الأشعري مرفوعًا: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن" ومنها: «وآمركم بذكر الله كثيرًا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدوُّ سراعًا في أثره، فأتى حصنًا حصينًا فأحرز نفسه فيه، وإن العبدَ أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى»([38]).
وهذا الحديثُ يدل على قوة ذكر الله - عز وجل - وتسبُّبه في حفظ العبد من كيد الشيطان ومكره، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى استعمال الذكر في كل أمر من الأمور حتى عند دخول الخلاء والخروج منه، وعند جماع الزوجة، وعند لبس الثياب، وعند ركوب الدابة، وعند دخول المنزل والخروج منه، وما كثرت الأمراض النفسية والوساوس والصرع والمس والجنون إلا من التفريط في جانب الذكر والغفلة الشديدة عن هذا السلاح القوي.
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دخل الرجل بيتَه فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيتَ لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء»([39]).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعامًا فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يستحلُّ الطعامَ أن لا يُذْكَرَ اسمُ الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذتُ بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها»([40]).
ومن الآداب التي تحفظ على المرء طعامَه ولا يكون للشيطان فيه نصيب ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قالِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سقطت لقمةُ أحدكم فليأخذْها فليُمطْ ما كان بها من أذى، وليأكلْها ولا يدعها للشيطان»([41]).
9- قراءة القرآن:
وقراءة القرآن من أعظم أنواع الذكر، وهي أيضًا من أعظم أسباب حفظ العبد من الشيطان؛ قال تعالى: }وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا{ [الإسراء: 45، 46]؛ ولأن القرآن يدعو إلى الهدى والإيمان فإن الشيطان كان يصرف أتباعه عن سماع آياته والإعراض عنها؛ قال تعالى: }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ{ [فصلت: 26]، ولذلك فإنَّ القرآنَ لا يزيد هؤلاء إلا عنادًا واستكبارًا؛ قال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{[الإسراء: 82].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطانَ يكره قراءةَ القرآن وينفر منها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»([42]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه»([43]) قيل: كفتاه من الشيطان.
فضل آية الكرسي عند النوم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وَكَّلَني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إني محتاج وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة. قال: فخليتُ عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة». قلت: يا رسول الله! شكا إليَّ حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخليتُ سبيله. قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود». فعرفت أنه سيعود؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدتُه، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟» قلت: يا رسول الله! شكا إليَّ حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمتُه، فخَلَّيْتُ سبيله. قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود». فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات؛ إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: }اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟» قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله. قال: «ما هي؟» قلت: قال لي: إذا أَوَيْتَ إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسيِّ من أَوَّلها حتى تختم الآية }اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{. وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب؛ تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة». قال: لا. قال: «ذاك شيطان»([44]).
10- الوضوءُ عند الغضب:
لما كان الشيطان مخلوقًا من نار كان للوضوء تأثير في طرد الشيطان وإطفاء نار كيده، وإذهاب سورة الغضب عن العبد؛ فعن أبي وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السَّاعدي، فكلمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ فقال: حدثني أبي عن جدي عطية - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»([45]).
11- التوبة والاستغفار:
من فضل الله - عز وجل - على عباده أن فتح لهم باب التوبة ولم يقنطهم من رحمته، ولم يتركهم فريسة للشيطان بسبب ذنوبهم ومعاصيهم؛ فهو سبحانه يقبل توبة التائبين ودموع العصاة والمذنبين؛ قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{ [الشورى: 25]، والشيطان يريد إضلال العبد وفتنته بالشهوات؛ كما قال سبحانه: }وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا{ [النساء: 27].
ولما كان الإنسان عرضة للوقوع في الذنوب والمخالفات بسبب كيد الشيطان ووسوسته فتح الله له باب التوبة والإنابة ليتطهر من ذنوبه وليكون ذلك إذلالاً للشيطان وترغيمًا له؛ قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{ [الأعراف: 201].
وقد مر حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قال: وعزَّتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني»([46]).
12- تطهير البيوت وحفظها:
يجب على المسلم أن يطهر بيته من آلات اللهو والصور المحرمة والتماثيل والتصاليب والكلاب وغير ذلك مما ورد فيه النهي، ويدخل في ذلك تطهير البيت من الغناء؛ فقد قال مجاهد في قوله تعالى: }وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ{ [الإسراء: 64] - قال: صوت الشيطان الغناء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر - أي الزنا - والحرير والخمر والمعازف»([47]).
ومن ذلك أيضًا تطهيرُ البيت من الأجراس الموسيقية أو التي تشبه نواقيس النصارى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الجرس مزامير الشيطان» ([48]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس»([49]).
ومن تطهير البيوت وحفظها: ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئًا، أطفئوا مصابيحكم»([50]).
ومن حفظ البيوت أيضًا: صلاة النوافل فيها وكثرة تلاوة القرآن فيها؛ فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه القرآن؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء سنامًا، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت»([51]).
13- تحصين الأهل والأولاد:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه»([52]).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إنَّ أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة»([53]).
ومن تحصين الأولاد من الشيطان استحباب التأذين في أذن المولود يوم ولادته؛ لحديث أبي رافع قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة»([54]).
قال ابن القيم: وسر التأذين - والله أعلم - أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته.. مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصد حتى يولد فيقارنه؛ للمحنة التي قدَّرها الله وشاءها؛ فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر: وهو أن تكون دعوتُه إلى الله وإلى دين الإسلام وإلى عيادته سابقةً على دعوة الشيطان.
ومن تحصين الأبناء ضدَّ الشيطان عدم ترك الصبيان في الطرقات والشوارع إذا دخل الليل؛ فإن الشياطين تنتشر في هذا الوقت؛ فعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استجنح الليل - أو كان جنح الليل - فكُفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم»([55]).
14- غضُّ البصر:
فالشيطان قد يستخدم بصر الإنسان في النظر إلى ما لا يحل له من النساء الفاتنات؛ فيكون ذلك ذريعةً إلى ارتكاب ما هو أعظم؛ فعلى اللَّبيب أن يغلق هذا الباب، وأن يحفظ بصره عن متابعة النساء في الطرقات والأسواق؛ فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضلَ ثم سار حتى رأى الجمرة فرماها، فأتته امرأة شابة من خثعم، فقالت: إن أبي شيخ كبير، وقد أدركته فريضة الله تعالى في الحج، فهل يجوز أن أحج عنه؟ قال: «نعم». قال: ولوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عُنُقَ الفضل، فقال له العباس: يا رسولَ الله! مالك لويت عنقَ ابن عمِّك؟ قال: «رأيت شابًّا وشابَّةً، فخفت الشيطان عليهما»([56]).
وإنَّ من أسباب غَضِّ البصر أن يعتزل الإنسان ما استطاع الأماكن التي يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء؛ كالأسواق مثلاً، وقد قال سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه: «لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته» ([57]).
15- تَرْكُ الخلوة بالمرأة الأجنبية:
إذا كان النظر إلى المرأة الأجنبية يحضر الشيطان فإن الخلوةَ بها أشد في استدعاء الشيطان، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم»([58]).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان»([59]).
وعن عبيد الرحمن بن زياد قال: بينما موسى جالس إذ أقبل إبليس فقال له موسى: ما الذي إذا صنعه الإنسان استحوذتَ عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأحذرك ثلاثًا: لا تخلُ بامرأة لا تحل لك؛ فإنَّه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنتُ صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها.
16- الزواج:
والزواج من الأسباب التي تذهب وساوس الشيطان، وتعصم الإنسان من الوقوع في الشهوات المحرمة، ولذلك حَثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج فقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشباب، من استطاع منكم الباءةَ فليتزوج؛ فإنَّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء»([60]).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأعجبته فأتى زينب فقضى منها حاجته وقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله؛ فإن ذلك يَرُدُّ مما في نفسه»([61]).
قال ابنُ الجوزي: وقد نبه هذا الحديث على أمرين:
أحدهما: التَّسَلِّي عن المطلوب بجنسه.
الثاني: الإعلام بأن سبب الإعجاب قوة الشهوة، فأمر بتنقيصها.
17- تعمُّدُ مخالفة الشيطان:
إن مخالفة الشيطان هي إظهار للعداوة التي أمر الله - عز وجل - بإعلانها في قوله: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ [فاطر: 6].
ولذلك أرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأمور والآداب التي فيها مخالفة للشيطان، ومن ذلك:
أ- الأكل باليمين:
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها؛ فإنَّ الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها»([62]).
ب- استحبابُ القيلولة:
لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قيلوا؛ فإنَّ الشياطين لا تقيل» ([63]).
ج- تركُ التَّبْذير:
فقد نهى الله - عز وجل - عن التَّبْذير، ووصف المبذِّرين بأنَّهم إخوانُ الشياطين؛ قال تعالى: }وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا{ [الإسراء: 26، 27].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم محذِّرًا من الإسراف والتَّبْذير: «فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف والرابع للشيطان»([64]).
د- التَّأَنِّي في الأمور:
لمَّا كانت العجلة من الشيطان رَغَّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في التَّأَنِّي والتَّمَهُّل فقال صلى الله عليه وسلم: «التَّأَنِّي من الرحمن، والعجلة من الشيطان»([65]).
هـ- رَدُّ التَّثاؤب:
إن الشيطان يحب أن يُكْثر الإنسانُ من التَّثاؤب؛ لأنه علامةٌ على الكسل والفتور، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفع التثاؤب وكَظْمه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردَّه ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا قال: ها. ضحك منه الشيطان»([66]).
18- تَجَنُّبُ بعض الألفاظ والعبارات والأسماء التي يحبها الشيطان ومنها:
قول «لو»
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القويُّ خير من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير؛ احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا؛ ولكن قل: قَدَّرَ اللهُ وما شاء فعل. فإن "لو" تفتح عملَ الشيطان»([67]).
قول: «تعس الشيطان»
عن رجل من الصحابة قال: «كنتُ رديفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان. قال: «لا تقل تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلتَ ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي صرعتُه. ولكن قل: بسم الله. فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذُّبابة»([68]).
اسم الأجدع
عن مسروق قال: لقيت عمر - رضي الله عنه - فقال: من أنت؟ قال: مسروق بن أجدع. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأجدع شيطان»([69]).
19- تَيَقَّنْ ضعفَ الشَّيْطان:
ينبغي على العبد أن يوقن بضعف كيد الشيطان؛ لأن الله تعالى يقول: }فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا{ [النساء: 76]، وليتذكَّرْ كيف أنَّ الشيطانَ يخشى من عباد الله المؤمنين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: «إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فَجًّا إلا سَلَكَ فجًّا غيرَ فَجِّك»([70]).
ومن ضعف الشيطان أنه لا يستطيع فتح باب مغلق؛ فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا»([71]).
حرز من الشيطان
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك»([72]).
20- الدعاء:
والدعاء بجانب الاستعاذة من أنفع الأدوية في دحر الشيطان ونحره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو بالنجاة من شر الشياطين؛ فعن أبي الأزهر الأنماري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجَعه من الليل قال: «باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفكَّ رهاني، واجعلني في الندى الأعلى»([73]).
21- ترك السفر وحيدًا:
فالشيطان يطمع في الإنسان إذا كان وحيدًا ويزيِّن له فعل المعاصي والمنكرات؛ وبخاصة إذا كان مسافرًا بعيدًا عن أهله وموطنه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب»([74]).
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسافرين بعدم التَّفرُّق إذا نزلوا منزلاً للاستراحة أو النوم؛ فعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ تفرُّقَكم في هذه الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان». قال: فلم ينزلوا بعد منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض؛ حتى لو بسط عليهم ثوب لَعَمَّهم([75]).
فانظر - رحمني الله وإياك - كيف كانت استجابة الصحابة لتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تأملت ذلك عرفت فضل القوم وعرفت كذلك الفرق بينهم وبين من جاء بعدهم، نسأل الله تعالى أن ينجينا من حيل الشيطان ومكائده، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
([1]) رواه أحمد والحاكم وحسنه الألباني.
([2]) متفق عليه.
([3]) رواه مسلم.
([4]) متفق عليه.
([5]) رواه أحمد وصححه الألباني.
([6]) رواه مسلم.
([7]) رواه مسلم.
([8]) متفق عليه.
([9]) رواه الحاكم وصححه الألباني.
([10]) رواه أبو داود.
([11]) رواه الترمذي.
([12]) رواه الترمذي وصححه الألباني.
([13]) رواه الترمذي وصححه الألباني.
([14]) رواه مسلم.
([15]) رواه مسلم.
([16]) رواه البخاري.
([17]) رواه مسلم.
([18]) متفق عليه.
([19]) رواه مسلم.
([20]) رواه مسلم.
([21]) متفق عليه.
([22]) رواه الترمذي.
([23]) رواه مسلم.
([24]) رواه أبو داود.
([25]) متفق عليه.
([26]) متفق عليه.
([27]) رواه الترمذي وصححه الألباني.
([28]) رواه أصحاب السنن.
([29]) رواه أصحاب السنن.
([30]) رواه أبو داود والترمذي.
([31]) رواه مسلم.
([32]) متفق عليه.
([33]) رواه أحمد وأبو داود.
([34]) متفق عليه.
([35]) متفق عليه.
([36]) رواه البخاري.
([37]) متفق عليه.
([38]) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
([39]) رواه مسلم.
([40]) رواه مسلم.
([41]) رواه مسلم.
([42]) رواه مسلم.
([43]) متفق عليه.
([44]) رواه البخاري.
([45]) رواه أبو داود.
([46]) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
([47]) رواه البخاري
([48]) رواه مسلم.
([49]) رواه مسلم.
([50]) رواه مسلم.
([51]) رواه الحاكم وحسنه الألباني.
([52]) رواه أبو داود وحسنه الألباني.
([53]) رواه البخاري.
([54]) رواه أبو داود والترمذي وصححه.
([55]) متفق عليه.
([56]) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.
([57]) رواه مسلم.
([58]) متفق عليه.
([59]) رواه أحمد وحسنه الألباني.
([60]) متفق عليه.
([61]) رواه مسلم.
([62]) رواه مسلم.
([63]) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
([64]) رواه مسلم.
([65]) رواه البيهقي وحسنه الألباني.
([66]) متفق عليه.
([67]) رواه مسلم.
([68]) رواه أحمد وأبو داود.
([69]) رواه أبو داود
([70]) رواه مسلم.
([71]) رواه مسلم.
([72]) متفق عليه.
([73]) رواه أبو داود وصححه الألباني.
([74]) رواه أحمد وحسنه ابن حجر.
([75]) رواه أبو داود وصححه الحاكم.