ترجمات المادة
الوصف المفصل
- تكريم
المرأة في الإسلام
- المقدمة
- المرأة عند العرب في الجاهلية
- وأد البنات في الجاهلية
- تكريم المرأة في الإسلام
- سورة النساء تكريم للمرأة
- قوامة الرجل للتنظيم لا للاستبداد
- الرجال قوامون على النساء
- علاج المرأة العاصية لزوجها
- تكريم الإسلام للأم
- حق الزوجة وحق الزوج
- من فوائد الخطبة العظيمة
- الحكمة في خلق الرجل والمرأة
- سبب اختلاف الرجل عن المرأة
- حجاب المرأة المسلمة
- لباس الرجل والمرأة
- الحجاب تكريم وحفظ للمرأة
- تعدد الزوجات تكريم للمرأة
- المرأة سلاح ذو حدين
- فساد المرأة والرجل
- مسؤولية المرأة المسلمة
- نتائج عمل المرأة خارج البيت
- المرأة سبب البطالة في المجتمعات الغربية
- خطر الاختلاط في المدارس
- شروط عمل المرأة المسلمة
- كيف تختار المرأة زوجها؟ وكيف يختارها؟
- حرية المرأة في اختيار الزوج
- الرسول ﷺ يكرم البنات
- القرآن يكرم الإناث
- كرامة المرأة المسلمة
- تحريم قتل النساء في الحرب
- محافظة الإسلام على سمعة المرأة
- الوحي ينتصر للمرأة
- العمل بمشورة النساء الصالحات
- موقف المرأة المسلمة من الدين
- وصية امرأة لابنتها في زفافها
- شرط الولي لنكاح المرأة
- واجب الولي للمرأة
- الخنساء قبل الإسلام وبعده
- إهانة المرأة في بلاد الكفر
- فتاة أمريكية تعتنق الإسلام
- هاجر تدعو للإسلام
- الخليفة ينقذ المرأة الضعيفة
- أهمية تربية النساء
تكريم المرأة في الإسلام
محمد بن جميل زينو
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
لقد كرم الإسلام المرأة بأن جعلها مربية الأجيال، وربط صلاح المجتمع بصلاحها، وفساده بفسادها، لأنها تقوم بعمل عظيم في بيتها، ألا وهو تربية الأولاد الذين يتكوَّن منهم المجتمع، ومن المجتمع تتكون الدولة المسلمة.
وبلغ من تكريم الإسلام للمرأة أن خصص لها سورة من القرآن سماها «سورة النساء» ولم يخصص للرجال سورة لهم، فدل ذلك على اهتمام الإسلام بالمرأة، ولا سيما الأم، فقد أوصى الله تعالى بها بعد عبادته فقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. وقد حملها الرسول ﷺ أمانة تربية الأولاد فقال مكرمًا لها: «....والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» [متفق عليه].
ومن أراد الزيادة عن تكريم الإسلام للمرأة، فليقرأ الكتاب.
والله أسأل أن ينفع به القراء، ويجعله خالصًا لله تعالى.
محمـد بن جميـل زينـو
المرأة عند العرب في الجاهلية
1- لم يكن للمرأة حق الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: لا يرثنا إلا من يحمل السيف، ويحمي البيضة.
2- لم يكن للمرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدود، وليس لتعدد الزوجات عدد معين، وكانوا إذا مات الرجل، وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثًا كبقية أموال أبيه!.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الرجل إذا مات أبوه، أو حموه، فهو أحق بامرأته إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها، أو تموت فيذهب بمالها» [الصداق: المهر].
3- وقد كانت العدة في الجاهلية حولاً كاملاً، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه، فتلبس شر ملابسها، وتسكن شر الغرف، وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفرًا، ولا تزيل شعرًا، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وانتن رائحة.
4- كان العرب في الجاهلية يُكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم: حتى نزل قول الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: 33].
5- وكان عند العرب في الجاهلية أنواع من الزواج الفاسد الذي كان يوجد عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضه إلى اليوم في البلاد الهمجية:
أ- فمنها اشتراك الرهط من الرجال في الدخول على امرأة واحدة، وإعطائها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم.
ب- ومنها نكاح الاستبضاع: وهو أن يأخذ الرجل لزوجه أن تمكن من نفسها رجلاً معينًا من الرؤساء المتصفين بالشجاعة، ليكون لها ولد مثله!
ج- ومنها نكاح المتعة: وهو المؤقت، وقد استقر أمر الشريعة على تحريمه، ويبيحه فِرَق الشيعة الإمامية.
د- ومنها نكاح الشغار: وهو أن يُزوجْ الرجل امرأة: بنته، أو أخته، أو مَن هي تحت ولايته على أن يُزوجه أخرى بغير مهر، صداقُ كل واحدة بُضعُ الأخرى.
وهذان النوعان مبنيان على قاعدة اعتبار المرأة ملكًا للرجل يتصرف فيها كما يتصرف في أمواله وبهائمه.
ولا يزالان موجودين عند بعض الشعوب الهمجية كالغجر!! وأما المرتقون من العرب كقريش، فكان نكاحهم هو الذي عليه المسلمون اليوم من الخطبة، والمهر، والعقد، وهو الذي أقره الإسلام، مع إبطال بعض العادات الظالمة للنساء فيه من استبداد في تزويجهن كرهًا، أو عَضلهن – أي منعهن من الزواج – أو أكل مهورهن، إلى غير ذلك.
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كنا في الجاهلية لا نعُد النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقًا». "رواه البخاري".
انظر كتاب المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية.
وأد البنات في الجاهلية
كان العرب في الجاهلية يكرهون البنات، ويدفنونهن في التراب أحياء خشية العار، وقد أنكر الإسلام هذه العادة، وصورها القرآن في أبشع صورة، فقال عن العرب في الجاهلية: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 59].
وقد بالغ الله سبحانه وتعالى في الإنكار عليهم في دفن البنات، فقال: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9].
* * * *
تكريم المرأة في الإسلام
1- لم يعتبر الإسلام المرأة مكروهة، أو مهانة، كما كانت في الجاهلية، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها: وهي أن المرأة قسيمة الرجل لها ما له من الحقوق، وعليها أيضًا من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اختص به من الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة اليد، واتساع الحيلة، والصبر على التعب والمكاره، أن يلي رياستها، فهو بذلك وليها يحوطها، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده.
2- ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام أن سواها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع الحقوق كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق التملك، وغيرها.
3- وقد كرم الإسلام المرأة، وذلك حينما أخبر الله تعالى في القرآن بأن الله خلقنا من ذكر وأنثى، وجعل ميزان التفاضل العمل الصالح والتقوى فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
4- ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام الاهتمام بتعليمها: عن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي ﷺ: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن، وأمرهن، فكان مما قال لهن: ما منكن امرأة تُقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين»([1]) [معنى تُقدّم: تحتسب وترضى بموت أولادها].
5- ومن مظاهر تكريم الله للمرأة أن ذكرها بجانب الرجل قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
* * * *
سورة النساء تكريم للمرأة
لم يذكر الله تعالى في كتابه سورة الرجال، بل ذكر سورة النساء، وهذا دليل على تكريم المرأة، وقد تحدثت السورة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والأسرة والدولة والمجتمع، وأن معظم السورة تتحدث عن حقوق النساء، فلذلك سميت سورة النساء، والمتأمل لهذه السورة الكريمة يرى فيها تكريمًا للمرأة.
1- خلق الله المرأة من ضلع الرجل، وبث منهما الرجال والنساء:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]. وهذه الآية جزء من خطبة الحاجة التي كان الرسول ﷺ يبدأ بها خطبه، وهي مهمة جدًا، ولا سيما للمتحدثين، والدعاة والوعاظ.
2- المحافظة على حقوق اليتامى من النساء:
قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3].
عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تُشركه في ماله، ويُعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صَداقها، فيُعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله ﷺ بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى:{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال، فنُهوا أن ينكحوا مَن رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال. "رواه البخاري".
3- الاقتصار على زوجة واحدة إذا خاف عدم العدل: لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]. أي إن خفتم تعدد النساء أن لا تعدلوا، فاقتصروا على واحدة، وهذا تكريم للمرأة.
4- النساء لهن نصيب من الإرث:
قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]. وكان الميراث في الجاهلية للذكور دون الإناث.
5- التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة:
قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. أي يأمركم الله أن تقسطوا للذكر مثل حصة البنتين، وذلك لأن الرجل هو الذي يُنفق على عياله، وهو الذي يدفع المهر للمرأة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السُدس والثلث، وجعل للزوجة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. "رواه البخاري".
6- المهر يدفعه الزوج للزوجة حسب الاتفاق:
قال الله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].
عن ابن عباس: النحلة: المهر، وقيل فريضة مسماه، ولا ينبغي تسمية المهر كذبًا بغير حق، وعلى الرجل أن يدفع المهر عن طيب نفس، فإن طابت نفسها عن شيء منه بعد تسميته، فليأكله حلالاً طيبًا.
7- الأمر للأزواج أن يباشروا زوجاتهم بالمعروف:
قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]. أي طيَّبوا أقوالكم وحسّنوا أفعالكم وهيئاتكم حسب قدرتكم لزوجاتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
وقال الرسول ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». "رواه الترمذي وصححه الألباني".
8- على الزوج أن يحسن إلى زوجته، حتى في حالة كرهها: قال الله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. أي فعسى إن صبرتم على إمساكهن مع الكراهة فيه أن يكون في ذلك خير كثير لكم في الدنيا والآخرة.
قال ابن عباس: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولدًا، ويكون فيه خير كثير.
وقال ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها خُلقًا آخر» "رواه مسلم". "أي لا يبغضها بغضًا يؤدي إلى تركها".
9- لا يجوز استرداد المهر بعد المفارقة:
قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20].
أي إذا أراد أحدكم مفارقة زوجته، والزواج من غيرها، فما له أن يسترد من مهرها شيئًا، ولو كان قنطارًا من المال. وقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]. روي عن ابن عباس: أن المراد بذلك العقد «بين الزوج والزوجة». وعن ابن عباس أيضًا قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقال ﷺ في خطبة حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» "رواه مسلم".
10- ومن مظاهر تكريم المرأة تحريم المحارم من النسب، وما تبعه من الرضاع: قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 33].
فتحريم هؤلاء على الرجال له حكم عظيمة، وأهداف سامية، تقتضيها الفطرة، فتحريم نكاح الأختين مثلاً يورث العداوة بين الأخوات.
* * * *
قوامة الرجل للتنظيم لا للاستبداد
قال ﷺ: «كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد([2]) أهله، والمرأة سيدة بيتها» "صححه الألباني في صحيح الجامع".
1- إن قوامة الرجل على المرأة قاعدة تنظيمية تستلزمها هندسة المجتمع، واستقرار الأوضاع في الحياة الدنيا، فهي تشبه قوامة الرؤساء وأولي الأمر، فإنها ضرورة يستلزمها المجتمع الإسلامي والبشري، ويأثم المسلم بالخروج عليهما مهما يكن من فضله على الخليفة المسلم في العلم، أو في الدين، إلا أن طبيعة الرجل تؤهله لأن يكون هو القيم، فالرجل أقوى من المرأة وأجلد منها في خوض معركة الحياة، وتحمل مسؤولياتها، فالمشاريع الكبيرة يديرها الرجال، والمعارك الحربية يقودها الرجال، ورئاسة الدولة العليا يضلطع بها الرجال، وهكذا ترى الأمور الهامة يوفق فيها الرجال غالبًا، ويندر أن تفلح امرأة إلا أن يكون من ورائها رجل يساعدها.
2- إن النطاق الذي تشمله قوامة الرجال، لا يمس كيان المرأة ولا كرامتها، وهذا هو السر في أن الله تعالى لم يقل: «الرجال سادة على النساء» وإنما اختار هذا اللفظ الدقيق {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ليفيد بأنهم يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وشأن القوامين أنهم يصلحون ويعدلون، لا أنهم يستبدون ويتسلطون.
"انظر المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية ص130."
الرجال قوامون على النساء
1- قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].
قال ابن كثير في تفسير الآية: الرجل رئيس المرأة وكبيرها والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت، لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقول الرسول ﷺ: «لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» "رواه البخاري". وكذا منصب القضاء ([3]) وغير ذلك.
2- وقوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه ﷺ، ولما كان الرجل أفضل من المرأة ناسب أن يكون قيمًا عليها، كما قال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]. وعليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله. فالصالحات من النساء قانتات مطيعات لأزواجهن، تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
علاج المرأة العاصية لزوجها
1- قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34]. أي والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن، والمرأة الناشزة: المترفعة على زوجها، الناكرة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز، فليعظها، وليخوفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله ﷺ: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» "صحيح رواه الترمذي".
وقال ﷺ: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه، لعنتها الملائكة حتى تصبح» "رواه البخاري".
وقال ﷺ: «إذا باتت المرأة هاجرة([4]) فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح» "رواه مسلم".
2- وقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}.
قال ابن عباس: الهجر: هو ألا يجامعها ويضاجعها على فارشها، ويوليها ظهره، ولا يكلمها مع ذلك.
وعن ابن عباس: يعظها، فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها، وذلك عليها شديد.
3- وقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}.
أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضربًا غير مُبرَّح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر.
قال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضوًا، ولا يؤثر فيها شيئًا.
أقول: «والقائل محمد بن جميل زينو»: على الرجل إذا ضرب زوجته أن يجتنب الوجه لقول رسول الله ﷺ:
أ- «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته». "رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة".
ب- «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه». "رواه مسلم".
ج- «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا تقل قبح الله وجهك، ووجه مَن أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته». "حسن رواه أحمد".
4- وقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}:
إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يُريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها.
5- وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا([5]) كَبِيرًا}:
تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وَليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
6- التحكيم في الصلح أو الفراق: قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]. بعد أن ذكر حال نفور الزوجة شرع بذكر حال نفور الزوجين، وطلب حكمًا ثقة من أهل المرأة، وحكمًا ثقة من أهل الرجل، ليجتمعا، فينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق، أو التوفيق.
وتشوف الشارع إلى التوفيق بين الزوجين فقال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}. فينظر الحكمان، فإن كان الرجل هو المسيء، حجبوا عنه امرأته، وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها نفقة. "انظر تفسير ابن كثير".
هذه بعض مظاهر تكريم المرأة في سورة النساء.
* * * *
تكريم الإسلام للأم
1- قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36].
قال ابن عباس: يريد البر، برهما مع اللطف، ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما كالعبد بين يدي السيد تذللاً لهما.
2- وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24].
لقد أمر الله تعالى بعبادته وحده في الآيتين، وقرن بعبادته البرَّ بالوالدين، وهذا يدل على أهمية إكرام الأم والأب، ونهى الأولاد أن يقولوا للوالدين قولاً سيئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ولا يجوز للأولاد أن ينهروهما، ويصدر منهم كلام قبيح، بل على الأولاد أن يخاطبوا الوالدين بالرفق واللين، والقول الحسن، ولا سيما الأم.
جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «أبوك».
فأنت ترى أن الرسول ﷺ أوصى بالأم ثلاث مرات، وهو تكريم للمرأة المسلمة.
حق الزوجة وحق الزوج
1- لقد كرم الإسلام الزوجة، وجعل لها حقوقًا، ولزوجها عليها حقوقًا، فهذا رسول الله ﷺ يعلن ذلك في أكبر اجتماع، وذلك حينما خطب الناس في حجة الوداع، وفي عرفات، فكان مما قاله ﷺ في خطبته:
2- «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربًا غير مُبرَّح (شديد)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما – لن تضلوا بعده – إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدَّيت ونصحت. فقال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها (يميلها) إلى الناس: اللهم اشهد (ثلاث مرات)» "أخرج الخطبة مسلم عن جابر".
* * * *
من فوائد الخطبة العظيمة
1- فيها الحث على مراعاة حق النساء، والوصية بهن، ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين حقوق النساء، وتحذر من التقصير في ذلك.
2- استحلال فروج النساء بالزواج الشرعي، كقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
3- لا يجوز للزوجة إدخال أحد يكرهه الزوج في بيته، سواء كان رجلاً أجنبيًا، أو امرأة، أو أحدًا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك كما ذكره النووي.
4- يجوز للرجل أن يضرب زوجته – إذا خالفته فيما تقدم – ضربًا ليس بشديد، ولا سيما الابتعاد عن ضرب الوجه، أو تقبيحه، فإنه من خلق الله، ولأن فيه السمع والبصر، وقد يتضرر بالضرب.
5- شهادة الصحابة على أن الرسول ﷺ قد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة.
6- فيها الدليل الواضح على عُلو الله على عرشه، حيث رفع الرسول ﷺ أصبعه إلى السماء ليُشهد الله على أنه بلَّغ الرسالة.
وهناك آيات كثيرة، وأحاديث صريحة تثبت أن الله على السماء، وهو قول الأئمة الأربعة وغيرهم، ومن الخطأ قول بعض الناس: إن الله في كل مكان! لأن هناك أماكن نجسة، وقذرة يستحيل أن يكون الله فيها، كالحمامات وغيرها.
وإذا قلنا: إن الله معنا في كل مكان بعلمه يسمعنا ويرانا، فهذا صحيح، لأن الله تعالى يقول لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].
* * * *
الحكمة في خلق الرجل والمرأة
1- خلق الله الخلائق على اختلافها من الإنس والجن لهدف عظيم، وهو العبادة، ولتحقيق العبودية لله تعالى وحده دون غيره من المخلوقات. قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
2- وقد خلق الله الناس من ذكر وأنثى، وميَّز كلاً منهما بخصائص تختلف عن غيره في طبيعته، وطاقته، وقدرة تحمله؛ ومن ثم فالمهام الملقاة على أحدهما تختلف عن الآخر بشكل متناسب، ومتناسق، فلم يكن ذلك اعتباطًا؛ وإنما على علم ودراية، ذلك هو الخالق سبحانه وتعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
3- فكان من مهمة الرجل طلب العيش والرزق، والبحث عنه، والإنفاق على الزوجة والأسرة، وهذا ما لا تستطيعه المرأة على الوجه الأكمل وكان من مهمة المرأة أن تستقبل ذلك الزوج المتعب من طلب الرزق، فتُذهب عنه العناء، وتمسح عنه التعب، وتكون له راحة وتشجيعًا، قال الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 24]. والمرأة وسيلة لإنجاب الأولاد، تربيهم التربية الصحيحة، في حين يكون الرجل خارج البيت.
4- ومن هذه المهام ما لا يستطيع الرجل أن يقوم بها على الوجه الأكمل كالغسيل والطبخ، ومنها ما لا يستطيع القيام بها أبدًا كالحمل والإرضاع؛ فمثل الرجل والمرأة كمثل الليل والنهار، لكل واحد منهما دوره ومهمته، فالنهار للإبصار والتحرك والعمل والنشاط، فيكون فيه طلب الرزق والكسب من أجل الإنفاق، وهذا ينطبق على الرجل.
وأما الليل فهو للسكن، والهدوء، والنوم، والاستقرار، وهذا ينطبق على المرأة، وقد ذكرت قبل قليل الآية التي تشير إلى هذا العمل.
5- إذن فالرجل والمرأة لكل واحد منهما دوره في الحياة، فلا يحاول أحد منهما أن يقوم بمهام الآخر، فإن ذلك لن يكون، وإذا حصل فتكون النتائج عكسية وسلبية، إما عليهما، أو على أولادهما، أو على المجتمع، ذلك لأنها تجري على عكس ما فُطرت وجُبلت عليه المرأة، والرجل كذلك، قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
[انظر كتاب المرأة في الإسلام للشيخ فيصل المولوي]
* * * *
سبب اختلاف الرجل عن المرأة
ومن اختلاف وظيفة الرجل ومهامّه عن وظيفة المرأة ومهامها ترتيب اختلاف في الأحكام الشرعية:
1- الشهادة: اشترط الإسلام لهذه المسألة رجلين، فإن لم يكن فرجل وامرأتان كما قال الله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. ليس امتهانًا، أو احتقارًا للمرأة، وإنما بحكم فطرتها، قليلة الاهتمام بأمور الجرائم، أو البيع والشراء والمداينات وما سواها؛ فقد لا تنتبه، أو تنسى بحكم اشتغالها في تربية الأولاد، وتدبير المنزل، وغير ذلك من الأمور المهمة، أضف إليها ما تقوم به من الرضاع وما ينتابها من الحيض والنفاس، وغيرها.
فإن كانت معها واحدة أُخرى تذكرها فيكون ذلك أثبت للحق، وأدفع للظلم، فذلك قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. فشهادة المرأة قبلها الإسلام، ولم يرفضها، على أن يصحبها شهادة امرأة ثانية تذكرها إن نسيت، أو لم تنتبه إحقاقًا للحق، ودفعًا للظلم.
2- الميراث: فقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. ليس هدرًا لحقوق المرأة، وحاشاه، بل حفاظًا عليه، ذلك أن المرأة أخذت حقها من الميراث، وأخذ الرجل ضعف ما أخذت، لأنه مكلف بالإنفاق عليها، ودفع المهر لها، ودفع النفقة للمعتدة، وهي غير مكلفة بذلك؛ فاختلاف نصيبها في الميراث عن نصيب الرجل إنما هو نتيجة لاختلاف وظيفتها عن وظيفة الرجل، وليس انتقاصًا لقحها، أو كرامتها.
3- الدية: في القتل غير العمد، فإن من الحكمة أن يفرض الإسلام دية الرجل، ضعف دية المرأة، لأن المقتول حينما يكون رجلاً، فقد خسرت عائلته رجلاً كان ينفق عليها، فتأخذ عائلته الدية ضعف ما إذا خسرت امرأة غير مكلفة بالإنفاق، بل هي يُنفَقُ عليها، فكان اختلاف الدية باختلاف الوظيفة بين الرجل والمرأة.
4- رئاسة الدولة والإمارة: إن من خصائص رئيس الدولة، أو الأمير في الإسلام أن يكون إمامًا في الصلاة، وقائدًا عسكريًا في الحرب، والمرأة لا تستطيع، ولا يمكنها أن تقوم بمثل هذه المهام لفطرتها التي تغلب عليها العاطفة، ولضعف جسمها، ومرورها في فترات حمل، وطمث وغير ذلك من الظروف التي تمر بها المرأة دون الرجل، فضلاً عن عدم جواز الإمام في الصلاة لها (لما فيه من الفتنة).
[انظر كتاب المرأة في الإسلام للشيخ فيصل مولوي].
5- الطلاق: فالزوج الرجل هو الذي يُنفق المال في دفع المهر للزوجة، وهو الذي يدفع النفقة في مدة العدة، وهو بمقتضى رجاحة عقله، ومزاجه، يكون أصبر من المرأة على ما يكره، فلا يسارع إلى الطلاق لأدنى غضب يحصل له؛ ولو كان الطلاق من حق الرجل والمرأة سواء لكثر الطلاق إلى أضعاف، كما حصل في بلاد الإفرنج.
لذلك ومن أجل هذه الأسباب المتقدمة جعل الإسلام الطلاق من حق الرجل وحده.
"انظر كتاب فقه السنة للسيد سابق".
يقول محمد بن جميل زينو: الطلاق في الحقيقة إنما هو نعمة وتكريم للمرأة المسلمة، حيث يخلصها من حياة نكدة، أو من زوج ظالم، أو لا يعدل، أو لا يقيم أركان الإسلام، أو لدوام شقاق بين الزوجين، رغم تدخل الأقرباء من الطرفين، أو لعدم وجود الحب بين الزوجين، أو غير ذلك من الأسباب التي يتعذر الحياة معها، ولا يكون إلا بالفراق والطلاق، وقد جعل الإسلام الطلاق على مراحل. قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
ففي الطلقة الأولى يحق للزوج أن يراجع زوجته، وتعود إليه، وفي المرة الثانية أيضًا، أما في الطلقة الثالثة فتحرم عليه، حتى تتزوج، ثم يطلقها زوجها، فيحق للزوج الأول أن يجدد الزواج بعقد جديد.
* * * *
حجاب المرأة المسلمة
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
2- وتحدث القرآن عن غطاء الرأس للمرأة، فقال بصيغة الأمر: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31].
3- وقد نهى عن التبرج بشتى صوره، فقال الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33].
إن نساء الجاهلية كن يلبسن غطاء الرأس ويضربنه على ظهورهن فتظهر أعناقهن، ونحورهن، وآذانهن بالحلي والأقراط، فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر المؤمنات بسترها. وهذه شروط الحجاب:
(1) استيعاب الحجاب لجميع بدن المرأة حتى الوجه.
(2) ألا يكون الحجاب ضيقًا بحيث يصف ما تحته من سِمَن، وظهور ثدي وغيره.
(3) ألا يكون رقيقًا، فيصف، أو يشف ما تحته.
(4) ألا يشبه لباس الكافرات لقول الرسول ﷺ: «من تشبه بقوم فهو منهم» "أخرجه أبو داود وصححه الألباني".
(5) ألا يشبه ملابس الرجال للنهي الوارد عن ذلك في الأحاديث.
(6) ألا يكون زاهيًا، أو ملونًا يجذب الأنظار، وأفضله الأسود.
لباس الرجل والمرأة
قال الرسول ﷺ: «من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يُرخين شبرًا، قالت: إذن تنكشف أقدامُهن، قال: يُرخين ذراعًا، ثم لا يزدن» "رواه الترمذي وقال: حسن صحيح".
يستفاد من الحديث:
1- أن لباس المرأة يجب أن يكون عريضًا طويلاً يغطي القدمين، بعكس الرجال الذين أمرهم الرسول ﷺ أن يقصروا الثياب إلى نصف الساق، ولا يزيدون على الكعبين لقوله ﷺ: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار». "رواه البخاري".
وفي عصرنا انعكس الأمر، فأصبح الرجال يطيلون ثيابهم أسفل الكعبين، ويتعرضون لدخول النار، وأصبح النساء يقصرن فوق الكعبين، ويتعرضن بهذا العمل وغيره لحرمانهن من دخول الجنة كما أخبر بذلك الرسول ﷺ بقول: «ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسمنة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا». "رواه مسلم".
والمعنى أن المرأة التي تكشف ساقها، أو شيئًا من جسمها، أو تلبس الثياب الشفافة، أو تتمايل في مشيتها، وشعرها مرتفع كأنه سَنم جمل لا تدخل الجنة حتى تلقي جزاءها.
2- إذا كان قدّم المرأة لا يجوز كشفه، فوجهها بالأولى، لأنها تعرف به، وفيه الفتنة أكثر، وسفور المرأة تقليد للكفار والأجانب، وتشبه بهم: وفي الحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم». "صحيح رواه أبو داود".
وليت المسلمين قلدوا الكفار في المخترعات النافعة كصنع الدبابات والطائرات وغيرها مما يفيد الأمة ولكن كما قال الشاعر:
قلَّدوا الغربيَّ، لكن بالفجور | ||
وعن اللُّب استعاروا بالقشور | ||
2- وتغطية وجه المرأة مستفاد أيضًا من قول الرسول ﷺ: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين». "رواه البخاري".
النقاب: هو غطاء الوجه الذي تشده المرأة على وجهها.
القفازين: ما تغطي المرأة بهما كفيها ويسمى بالكفوف.
ومفهوم الحديث: أن المرأة غير المحرمة تضع النقاب على وجهها وتلبس القفازين.
* * * *
الحجاب تكريم وحفظ للمرأة
1- لقد كرم الإسلام المرأة، وفرض عليها الحجاب ليحفظها من الأشرار وأعين الناس، ويحفظ المجتمع من سفورها.
2- الحجاب يُبقي المودة بين الزوجين، فالرجل عندما يرى امرأة أجمل من امرأته تسوء العلاقة بينهما، وربما يؤدي ذلك إلى الفراق والطلاق، بسبب هذه المرأة السافرة التي فتنت الزوج، فلم يعد تعجبه زوجته.
3- المرأة المسلمة في نظر الإسلام أشبه بالجوهرة النفيسة التي يسعى صاحبها لإخفائها وسترها على أعين الناس.
4- تقول المستشرقة (فرانسواز ساجان): أيتها المرأة الشرقية، إن الذين ينادون باسمك، ويدعون إلى خلع حجابك ومساواتك بالرجل، إنهم يضحكون عليك، فقد ضحكوا علينا من قبل.
5- ويقول (فون هرمر): الحجاب هو وسيلة الاحتفاظ بما يجب للمرأة من الاحترام والمكانة الشيء الذي تغبط عليه.
* * * *
تعدد الزوجات تكريم للمرأة
1- إن الإسلام الحكيم الذي أباح تعدد الزوجات، هو في مصلحة النساء قبل الرجال، حتى يكفل للبنات والأرامل العيش السعيد في بيوت أزواجهن. بدلاً من أن يكن عالة في بيوت من يعولهن كالأخ والولد، وغيرهما.
2- إن الدعوة إلى عدم تعدد الزوجات يسبب قلة النسل الذي يسعى إليه أعداء الإسلام لتقليل عددهم، والسيطرة عليهم، كما أنه يسبب كثرة العوانس في البيوت مما يعرضهن للفتنة والفساد والزنا، لأن النساء أكثر عددًا من الرجال حسب الإحصاء، ولا سيما حينما يتعرض الرجال للقتل في المعارك والحروب، ولذلك قامت مظاهرة نسائية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى يطالبن بتعدد الزوجات.
3- إن تعدد الزوجات يوافق هذا الزمن، لأن الأمم ينظر إليها بعدد نفوسها، وكلما ازداد عددهم قويت شوكتهم، وبما أن الحروب في فلسطين، والعراق، والبوسنة والهرسك، وكشمير، وأفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية سببت قلة الرجال، وكثرة الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن، فإن الإسلام يريد من المسلمين ألا يتركوا هؤلاء للجوع والفتنة والفساد فسمح بتعدد الزوجات.
4- تقول الزعيمة العالمية (أني بيزانت): متى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي سمح أن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهوته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره.
أقول هذه شهادة امرأة كافرة على حسن تعدد الزوجات، والفضل ما شهدت به الأعداء.
* * * *
المرأة سلاح ذو حدين
1- لقد حاول أعداء الإسلام في كل عصر من العصور إبعاد المسلمين عن دينهم بوسائل متعددة لا تحصى، وكانت إحدى أهم هذه الوسائل المستهدفة هي المرأة المسلمة، لأنها نصف المجتمع، ووليدة النصف الثاني (من الذكور) ومربيته، فبصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد المجتمع وينحل، فلذلك نرى أنهم وضعوا كل جهودهم وأفكارهم الشيطانية مستخدمين وسائل الإعلام كالتلفاز، والفيديو، والدش وغيرها من الوسائل التي وضعوا فيها أفلامًا خليعة تفسد المرأة المسلمة.
2- وقد استطاع شياطين الغرب بمساعدة شياطين الشرق إفساد المرأة المسلمة، فسلخوها من حجابها وعفتها وكرامتها، وأدخلوها جميع ميادين العمل، وجعلوا منها دعايات لتصريف منتجاتهم، فأصبحت المرأة المسلمة بعيدة عن دينها وحجابها، ففسدت الأسرة وفسد المجتمع بفسادها، فانحجب نصر الله عن هذه الأمة، ونزل بها سخطه وغضبه، وأصبحنا أذل أمة بعد أن كنا أعز أُمة، وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قال: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ولو ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله».
3- وكذلك لا ننسى أن انحراف المرأة، والانحراف بالمرأة كان السبب الأول في أن حضارات قديمة انهارت وتمزقت كل ممزق، ونزل بها العقاب الإلهي كالأوجاع والأمراض الفتاكة وغيرها من الممالك([6]).
4- أما في عصرنا الحاضر، فلا زلنا نسمع عن البراكين التي هددت سكان إحدى المدن الإيطالية المشهورة بالفساد والدعارة، ونوادي المرأة، وإذا انتقلنا إلى البلاد الإسلامية لرأينا كيف أن غضب الله عز وجل وسخطه قد نزل في هذه البلاد بسبب الفساد والانحلال، وانتشار الزنا والفاحشة؛ فكثرت بسبب ذلك الزلازل والفتن وغيرها من أنواع العذاب والهلاك والحروب المدمرة، ولن يرفع الله عنا العذاب إلا بالتوبة والرجوع إلى الله.
5- إن المرأة تملك مجموعة من المواهب العظيمة الجديرة بأن تبني أُمة، لو قامت بواجبها في تربية الأولاد الذين يتكون منهم المجتمع، كما أنها تستطيع أن تهدم أُمة إذا فسدت أخلاقها، وتركت الواجبات الملقاة على عاتقها، لذلك قال رسول الله ﷺ: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» "رواه مسلم".
وقال ﷺ: «ما تركت فتنة بعدي في الناس أَضرَّ على الرجال من النساء» "رواه البخاري".
6- إن المرأة هي نصف الأمة، ثم هي تلد لنا النصف الآخر، فهي أُمة بأسرها.
* * * *
فساد المرأة والرجل
لقد تفنن أعداء الإسلام في إفساد المرأة المسلمة بوسائل وأساليب عديدة لا يمكن حصرها، وجميعها مخططة ومدروسة لإفساد المرأة المسلمة وسلخها من دينها وأخلاقها وعفتها، فكانت الأزياء والموديلات المكشوفة إحدى هذه الوسائل الفتاكة، إنهم يعلمون جيدًا ميول المرأة إلى اقتناء الفساتين المكشوفة، والكوفيرات، وأدوات الزينة المتنوعة، لفتنة الرجال في المعامل والمصانع والمتاجر التي دخلتها المرأة باسم العمل والتقدم والرقي والحضارة الزائفة.
فالمرأة حينما تذهب إلى وظيفتها، فلا بد لها – حسب العادة – من أنواع الألبسة الجذابة، والموديلات المتعددة، والتسريحات المختلفة، وغيرها من أنواع الزينة التي تتغير وتتبدل، وهذا ما يدفعها لصرف مرتبها الشهري لتظهر بمظهر أنيق وجذاب، علمًا بأن أكثر الملابس وأنواع الزينة مستوردة من البلاد الأجنبية الموالية للصهيونية لتمدها بالمال للقضاء على المسلمين، فوقع المسلمون في الخسارة المادية، والخسارة الأخلاقية، والتشبه بالكفرة، وصدق فيهم قول الرسول ﷺ: «لتركبن سَنن مَن كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو أن أحدهم دخل جُحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه».
"صححه الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع".
وقوله ﷺ: «ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء» "متفق عليه".
مسؤولية المرأة المسلمة
1- لقد كرم الإسلام المرأة، وألزمها بعمل عظيم
في بيتها، وهو تربية أولادها التربية الصالحة، فمن يدري؟ فلعل هذا الطفل الذي تربيه يكون له مستقبل عظيم، فقد يكون رئيس دولة، أو قائد جيش، أو أي عمل كبير يتوقف عليه صلاح المجتمع بأكمله، ولهذا قال أحد الحكماء: «إن المرأة التي تهز السرير لطفلها بيمينها، تهز العالم بأسره».
وصدق الشاعر حين قال:
الأُم مدرسة إذا أعددتها | ||
أعددت شعبًا طيّب الأعراق | ||
فعمل المرأة في بيتها مهم جدًا إذا قامت بتربية أولادها التربية الصالحة وهو عمل فطري عند المرأة تميل إليه، وتحب القيام به.
2- تدبير المنزل: المرأة هي سيدة بيتها، فهي مسؤولة عنه، تسعى لتحسينه، وتهيئة جميع الوسائل لجعله مأوى يأوي إليه الزوج فينسى أتعابه، وقد قدم لزوجته ما يحتاج إليه البيت من نفقات متعددة، وأراحها من عناء طلب الرزق الذي لا تستطيعه المرأة.
فالرجل عليه مسؤولية، والمرأة عليها مسؤولية، كل حسب اختصاصه وفطرته وميوله، وصدق رسول الله ﷺ حين قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها» "متفق عليه".
نتائج عمل المرأة خارج البيت
لقد كان لعمل المرأة خارج بيتها نتائج سيئة على نفسها وأسرتها والمجتمع ومنها:
1- مزاحمة الرجال يوميًا في الحافلات والعمل، وقد تتعرض للإرهاق والتعب، والخطورة أحيانًا بسبب الازدحام والعمل، فيفقدها بعض أنوثتها وجمالها.
2- إن عمل المرأة خارج البيت يشغلها عن واجباتها المنزلية، وتربية أولادها، وقد يستاء الرجل من إهمالها، وقد يستاء الرجل من إهمالها، فيضطر إلى طلاقها وفراقها، أو إلى الزواج من غيرها.
3- قد يسبب العمل طلاقها، وهدم أسرتها، وتشتيت أولادها بسبب علاقتها مع رجل في العمل، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
4- إن عمل المرأة يسبب فراقها لأولادها مما يفقدهم عاطفتها وتربيتها لهم، وقد يسبب انحرافهم وشذوذهم مما يدفعهم إلى الجرائم، كما أوضحت تلك النتائج في المجتمعات الغربية.
5- ومن النتائج السيئة أن الوظيفة قد تقضي على الطفل: فهذه موظفة حان وقت دوامها، وولدها مريض، وهو ينادي أُمه: إلى من تتركيني وحدي في البيت؟ ولكن الأم كانت مضطرة للالتحاق بعملها فتركته وهو يقول: أمي، أمي، بصوت خافت؟
وحينما عادت الأم إلى البيت وجدت ولدها جثة هامدة قد فارق الحياة، وحزنت وبكت على طفلها، وندمت على فعلها حيث لا ينفع الندم، وقالت في نفسها:
ما هي الفائدة من هذه الوظيفة؟ بل ما الفائدة من المال الذي يكون سببًا في موت طفلي، وهو أعز ما يملكه الإنسان؟
* * * *
المرأة سبب البطالة في المجتمعات الغربية
1- لقد دخلت المرأة جميع ميادين العمل في المجتمعات الغربية، فكثرت البطالة في تلك المجتمعات بشكل متفاقم، مما تعسر على علماء الاقتصاد إيجاد حلول لتخفيف حدة البطالة، أو توقيف زيادتها على الأقل، وكان السبب الرئيسي والمباشر للبطالة في تلك المجتمعات هو دخول المرأة جميع ميادين العمل دون استثناء: مزاحمة الرجال في الدوائر الحكومية والشركات، والمصانع، وغيرها من الوظائف.
2- إن الأزمات الاقتصادية التي أصابت المجتمعات الغربية جعلها تسرح عددًا كبيرًا من الموظفين والعمال، وأول ما وقع عليه التسريح هم الرجال، لأن أصحاب الشركات والمصانع والمحلات التجارية وغيرها يفضلون الاحتفاظ بالمرأة على الرجل لما للمرأة من جاذبية وأنوثة وإغراء لجلب الزبائن والحلفاء.
3- ومن المؤسف أن تحذو البلاد العربية والإسلامية حذو المجتمعات الغربية فتدخل المرأة ميادين العمل في دوائر الحكومة، حتى المحاماة، وكثيرًا ما تدخل في الشركات، والمؤسسات الخاصة والعامة، وحتى المعامل، مما سبب البطالة للرجال الذين عليهم مسؤولية الإنفاق على أسرهم، وتدهورت الأخلاق، وانتشرت الفاحشة في تلك الأماكن التي اختلط فيها الرجال والنساء، وساءت العلاقة بين الزوج وزوجته نتيجة هذا الاختلاط.
خطر الاختلاط في المدارس
إن اختلاط الرجال بالنساء ولا سيما في المدارس له خطر عظيم على الرجل والمرأة، وعلى الطلاب والطالبات.
1- كانت إحدى كليات الزراعة في بلد عربي إسلامي تجري تجارب لطلابها وطالباتها في المزرعة، فكان أحد الطلاب يذهب بطالبة إلى أماكن الحمامات، ليختلي بها في الحمام بعد أن ترك التجارب الزراعية، وقد رآه حارس المزرعة يدخل الحمام مع زميلته، وهذه السمعة السيئة تؤثر على الطالبة أكثر من الطالب.
2- كثيرًا ما يجتمع المدرسون والمدرسات في غرفة واحدة، ويحصل المزاح، وتتبادل الضحكات، فيكون الفساد، وتتغير نفسية الزوج على زوجته، فلم تعد تعجبه، لأنه رأى أجمل منها، وكانت المشاكل بين الزوجين التي تؤدي إلى الطلاق، والسبب في هذا الفراق هذه المدرسة السافرة التي جلست مع المدرس فأفسدته.
3- حتى الأطفال الصغار الذين كانوا يتعلمون عند المعلمة، ثم انتقلوا إلى الصف الذي يعلمهم فيه معلم كانوا يتحدثون لمعلمهم عن مشاكلهم مع المعلمة؛ وأن أحد الطلبة كان ينظر إلى فخذ المعلمة عندما تنحني نحو الأرض.
4- لقد حمى الله البلاد السعودية من هذا الاختلاط الضار في جميع مراحل التعليم، فكانت الطالبة السعودية أكثر التزامًا بالحجاب والأخلاق من غيرها.
شروط عمل المرأة المسلمة
إن الإسلام الذي كرم المرأة أحسن تكريم، وسمح لها بالعمل النبيل ضمن أسرتها ومجتمعها، حتى تكون عنصرًا أساسيًا وفعالاً في بناء الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والدول المسلمة، فالإسلام لا يمنع المرأة المسلمة منعًا باتًا، بل حدد لها نوعية العمل، مع ما يتناسب وطبيعتها التي فطرها الله عليها، ووضع لعملها شروطًا تحفظ لها كرامتها:
1- ألا تختلط المرأة بالرجال في عملها، فهذا الاختلاط يضر المرأة والرجال.
2- أن يكون العمل بموافقة الزوج أو الأب، أو الأخ، أو مَن هو مسؤول عنها.
3- أن يتناسب العمل مع طبيعتها بعيدًا عن الإرهاق والتعب الشديد الشاق.
4- يجب على المرأة أن تعمل في المجالات التي تعود على المجتمع بالنفع والفائدة:
(أ) في مجال التربية والتعليم: لتستطيع أن تعلم البنات بدلاً من تعليم الرجال لهن.
(ب) في مجال الطب، والتمريض النسائي حتى تداوي النساء بدلاً من الأطباء.
(ج) الخياطة النسائية: لكي تخيط لبنات جنسها فلا يذهبن إلى الخياطين من الرجال.
(د) ألا يأخذ عملها جُل وقتها، وأن تعطي شيئًا من وقتها لأداء واجباتها المنزلية، وتلبية رغبات زوجها، والحرص على تربية أولادها.
(هـ) ألا تتزين عند خروجها، ولا تضع المساحيق على وجهها، ولا تتعطر، بل تلبس الجلباب الأسود الطويل العريض، وتغطي الوجه عند ملاقاة الرجال.
* * * *
كيف تختار المرأة زوجها؟ وكيف يختارها؟
1- لا تنظري إلى المال والجاه والجمال، واختاري صاحب الدين لقول الرسول ﷺ: «إذا أتاكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» "حسن رواه الترمذي وغيره".
2- إذا أحبك الزوج صاحب الدين فسيكون لك عونًا على أمور دينك ودنياك.
3- إذا لم يحبك فهو على الأقل لا يكرهك، ولا يظلمك ويحتقرك، فهو يعمل بقوله ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها غيره». "رواه مسلم".
4- الزوج المتدين يكون لك عونًا على تربية أولادك التربية الإسلامية الصحيحة.
5- سيكون الإسلام هو المرجع الأساسي لحياتكما ترضيان الحكم به، فيحقق لكما سعادة الدنيا والآخرة.
6- الزوج المتدين ينصحك إذا أخطأت، ويبين لك الصواب، فاقبلي منه.
7- على الزوج المسلم أن يختار الزوجة الصالحة المتمسكة بالدين، المحجبة التي تحفظ بيتها وأسرتها من الفساد، وتراعي حق الزوج عليها امتثالاً لقول الرسول ﷺ: «تنكح المرأة لأربع: لما لها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك». "متفق عليه".
والهدي النبوي يبين للزوجين أن العبرة للعمل لا للشكل: قال ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». "رواه مسلم".
* * * *
حرية المرأة في اختيار الزوج
لقد كرم الإسلام المرأة، وحفظ لها حقها في اختيار الزوج، واحترم إرادتها وهذا الموقف من أدق المواقف في حياتها، وأمسَّها بمستقبلها ويتجلى هذا التكريم وهذه الحرية للمرأة فيما يلي:
إذن البنت في الزواج: لقد أعطى الإسلام حق المرأة البكر في اختيار الزوج. عن عائشة رضي الله عنها قال: سألت رسول الله ﷺ عن الجارية يُنكحها أهلها، أتُستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله ﷺ: «نعم تُستأمَر» فقالت: فقلت له: إنها تستحي، فقال رسول الله ﷺ: «فذلك إذنها، إذا هي سكتت» "أخرجه البخاري في النكاح".
1- البكر الصغيرة: يجوز للأب أن يزوج بنته الصغيرة بدون إذنها، قال الحافظ ابن حجر إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن؟ ومن يستوي سخطها وسكوتها. "فتح الباري 9/193".
والدليل من القرآن قول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 33].
والأيَّم: الأنثى التي ليس لها زوج صغيرة كانت أو كبيرة.
والدليل من السنة أن أبا بكر زوج عائشة رسول الله ﷺ وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين. "متفق عليه".
2- المرأة البالغة الثيب: وهي التي تزوجت ثم فارقت زوجها فلا يجوز تزويجها بغير إذنها ورضاها، وإذنها: كلامها. قال رسول الله ﷺ: «لا تُنكح الأيَّم: حتى تُستأمر» "رواه البخاري"
قال الحافظ ابن حجر: وظاهر الحديث أن الأيَّم: هي الثَّيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر، وهذا هو الأصل.
والمعنى: لا يعقد عليها حتى يُطلب الأمر منها، وتأمر بذلك. "فتح الباري 9/129".
قال البغوي: فإن زوّجَها وليها بغير إذنها فالنكاح مردود. وعن خنساء بنت خدام الأنصارية رضي الله عنها: «أن أباها زوجها وهي ثيَّب، فَكرهت ذلك، فأتت رسول الله ﷺ، فردَّ نكاحها» "أخرجه البخاري".
3- البكر البالغة: لا يجوز لوليها أن يزوجها حتى يأخذ رأيها قال رسول الله ﷺ: «لا تُنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر، فقيل له: إن البكر تستحي،فقال: إذنها صماتها - وفي رواية - البكر: يستأذنها أبوها». "رواه البخاري".
وهذا الاستئذان يشمل الأب وغيره، ممن هو ولي عليها.
وأيضًا فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت بالغة إلا بإذنها، قال ابن القيم رحمه الله: ومعلوم أن إخراج مالها كله بغير رضاها أسهل عليها من تزوجيها بمن لا تختاره بغير رضاها.
[انظر زاد المعاد ج5/99].
"انظر هذا البحث في كتاب: (المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية) للأخ محمد إسماعيل المقدم".
الرسول ﷺ يكرم البنات
لقد أمر الرسول ﷺ الآباء والمربين بحسن صحبة البنات، والعناية بهن، ورغب في الإحسان إليهن، ورحمتهن:
1- قال رسول الله ﷺ: «من عال([7]) جاريتين حتى تبلُغاذ([8]) جاء يوم القيامة أنا وهو – وضمَّ أصابعه – أي: معًا». "رواه مسلم".
2- وقال ﷺ: «من عال جاريتين حتى يُدركا، دخلتُ أنا وهو الجنة كهاتين». "رواه مسلم".
3- وقال ﷺ: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن وكساهن من جدته – (يعني ماله) – كُن له حجابًا من النار» "صححه الألباني في صحيح الجامع".
4- «من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كُن له سترًا من النار» "متفق عليه".
قوله ﷺ: «بشيء» يصدق على البنت الواحدة.
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءت مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار» "متفق عليه".
6- وقال محمد بن سليمان: البنون نعم، والبنات حسنات، والله عز وجل يحاسب على النِعم، ويجازي على الحسنات.
* * * *
القرآن يكرم الإناث
جاء الإسلام يكرم الإناث، وينهى عن كره البنات والحزن لولادتهن، وأن هذا التشاؤم من عمل الجاهلية.
1- قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 79].
إن هذا العمل من ضعف الإيمان وزعزعة اليقين، لكونهم لم يرضوا بما قسم الله لهم من الإناث، ومن الغريب أن بعض المسلمين والمسلمات يكرهون ولادة البنات، ويحبون ولادة البنين، كأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل:
2- {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
وما سماه الله هبة فهو أولى بالشكر، وبحسن القبول أحرى، قال واثلة بن الأسقع: إن من يُمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، وذلك أن الله تعالى يقول: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [انظر: الجامع لأحكام القرآن].
أقول: والأم تستفيد من بنتها في مساعدتها أكثر من البنين ولا سيما في البيت.
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رجلاً كان عنده، وله بنات، فتمنى موتهن، فغضب ابن عمر، فقال أنت ترزقهن؟» "رواه البخاري في الأدب المفرد".
4- قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله: فقسم سبحانه وتعالى حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد، فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخط ما وهبه (الله تعالى) وبدأ سبحانه وتعالى بذكر الإناث، فقيل: جبرًا لهن لاستثقال الوالدين لمكانهن، وقيل – وهو أحسن- إنما قدمهن للسياق لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاء الأبوان، فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبًا، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر النصف الذي يشاء، ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات، حتى كانوا يئدوهن، أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي على الذكر، وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث، وعرَّف الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف. [انظر: تحفة المودود بأحكام المولود ص 20-21].
5- وقال ابن القيم: وقد قال الله تعالى في حق النساء: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. وهكذا البنات أيضًا قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة، ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله، وأعطاه عبده. [انظر: تحفة المودود ص26].
ولعله من أجل هذا نهى النبي ﷺ عن تهنئة المتزوج بعبارة: «بالرفاء والبنين»، لأن فيها الدعاء له بالبنين دون البنات، فعن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جُشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا فإن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك، قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟
قال: قولوا: بارك الله لكم، وبارك عليكم، إنا كذلك كنا نؤمر. "رواه أحمد وغيره، وهو قوي بمجموع طرقه".
[انظر آداب الزفاف للشيخ الألباني ص176].
* * * *
كرامة المرأة المسلمة
لقد بلغ من كرامة المرأة المسلمة أنها كانت تجير الخائف، وتفك الأسير، وهذا يدل على احترام المرأة المسلمة غاية الاحترام:
1- فقد أجازت أم هانئ بنت أبي طالب رجلين من أحمائها ([9]) كُتب عليهما القتل قالت رضي الله عنها: ذهبت إلى رسول الله ﷺ عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فسلّمتُ عليه، فقال: «من هذه؟» فقلت: «أنا أم هانئ بنت أبي طالب»، فقال: «مرحبًا بأم هانئ» فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: «يا رسول الله، زعم ابن أمي علي: أنه قاتل رجلاً قد أجرتُه ([10]) فلان بن هبيرة ... فقال رسول الله ﷺ: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ» قالت أم هانئ: وذلك ضحى. "رواه البخاري".
2- ولما أسر المسلمون أبا العاص بن الربيع، وغنموا ماله فيما أسروا وغنموا وكان زوج زينب بنت رسول الله ﷺ، إلا أن الإسلام فرَّق بينهما، استجار أبو العاص بزينب رضي الله عنها، فوعدته خيرًا وانتظرت حتى صلى رسول الله ﷺ الفجر بالمسلمين، ثم وقفت على بابها – في المسجد – فنادت بأعلى صوتها: إني قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع فقال رسول الله ﷺ: «أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فو الذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يدٌ على منَ سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت».
فلما انصرف النبي ﷺ إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أُخذ منه، ففعل. وقد عاد أبو العاص بعد ذلك إلى مكة، فأدى الحقوق إلى أهلها، ثم آب إلى المدينة مسلمًا، فرد عليه رسول الله ﷺ زوجه زينب.
[انظر سير أعلام النبلاء 1/332، والإصابة 748].
* * * *
تحريم قتل النساء في الحرب
لقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنه حرم قتلها، وقتل الأطفال والشيوخ في الجهاد إلا أن يقاتلوا، فيدفعوا بالقتل:
1- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيشًا قال: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلُّوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين». "حسنه محقق جامع الأصول بشواهده".
2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله ﷺ، فنهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء والصبيان، وفي رواية: «فأنكر». "متفق عليه".
3- وعن رباح بن الربيع رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله ﷺ في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً فقال: اُنظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً، فقال: «قل لخالد: لا تقتلن امرأة ولا عسيفًا». (العسيف: الأجير). "حسنه الألباني في الإرواء ج5/35".
4- وصدق المستشرق الفرنسي حين قال: «ما عرف التاريخ فاتحًا أرحم من العرب».
محافظة الإسلام على سمعة المرأة
1- لقد بلغ من محافظة الله تعالى على سمعة المرأة المسلمة أنه أنزل في هذا المعنى قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، يحذر فيه من إشاعة السوء عن المرأة المسلمة، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].
فجعل الله سبحانه في هذه الآية عقوبة القاذف المتهم للمرأة المسلمة بالزنا جلد ثمانين جلدة، إذا لم يأت بأربعة شهداء، ثم دعَّم هذه العقوبة بعدم قبول شهادته أبدًا، ثم وصفه بالفسق الذي يستحقه.
2- لم يكتف الله تعالى سبحانه بهذه العقوبات، بل هددهم بما هو أشد، فقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 23].
3- وفي حديث الإفك بالنسبة لعائشة أم المؤمنين أنزل الله تبرأتها في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11].
الوحي ينتصر للمرأة
كان الوحي ينتصر للمرأة إنصافًا لها، وانتصارًا لحقها، بل أنزل سورة خاصة بها سماها سورة المجادلة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفي عليَّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله ﷺ وهي تقول:
«يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرتْ سني، وانقطع ولدي ظاهر مني([11])!! اللهم إني أشكو إليك».
قالت: فما برحتْ حتى جاء جبريل بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]. "رواه البخاري تعليقًا، وغيره".
لقد نزل الوحي مؤيدًا لهذه المرأة الصالحة التي شكت أمرها إلى الله وجادلت النبي ﷺ في زوجها، وما جرى معها، فاستجاب الله شكواها حالاً؛ وهذه عادة المرأة المسلمة إذا أصابها شيء شكت أمرها إلى الله، ودعت الله وحده، ولم تدعُ غيره، ولم تذهب إلى الكهنة والعرافين، كما يفعل بعض النساء في عصرنا الحاضر، إذا أصابها شيء لجأت إلى الأولياء تدعوهم، مع أنهم أموات لا يسمعون، ولا يستطيعون أن يفعوا شيئًا، فهم بحاجة إلى الدعاء. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 20].
ودعاء غير الله من الأموات أو الغائبين من الشرك الذي يحبط العمل: قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: 20].
وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
وبعض النساء يذهبن إلى السحرة والكهنة والعرافين الذين قال الرسول ﷺ فيهم: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد». "رواه أحمد وصححه الألباني".
وقال ﷺ: «من أتى عرافًا، فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة». "رواه مسلم".
* * * *
العمل بمشورة النساء الصالحات
1- جاء الملك جبريل إلى رسول الله ﷺ في غار حراء فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، وأخبرها الخبر:
«لقد خشيت على نفسي»([12]) فقالت خديجة: كلا والله ما يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ([13]) وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل([14]) فقالت له خديجة يا ابن عم: اسمع من ابن أخيك، فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس([15]) الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: «أو مخرجيَّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا موازرًا. "رواه البخاري في كتاب بدء الوحي".
فأنت ترى أن خديجة شجعت الرسول ﷺ على الاستمرار في الدعوة، وأن الله لا يتخلَّى عنه لما تعلم من الصفات الحسنة التي كان يتصف بها الرسول ﷺ مثل مساعدة الضعيف، والفقير وإكرام الضيف، ومعاونة أصحاب النوازل والمصائب.
قال ابن حجر: وفي القصة من الفوائد:
أ- استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه، وتهوينه لديه.
ب- أن مَن نزل به أمر استحب له أن يُطلع عليه من يثق بنصيحته، وصحة رأيه. [فتح الباري 1/25].
أقول: حتى ولو كانت امرأة كخديجة، هذا من تكريم الإسلام للمرأة.
2- الشروط في عمرة القضاء: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أُخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم حتى تنحر بُدْنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد يقتل بعضهم بعضًا غمًا». "رواه البخاري".
أ- والقصة دليل على أن المرأة الصالحة تستثار في شؤون الأمة، ويُعمل برأيها في القضايا المهمة، وتدل على وفور عقل أم المؤمنين أم سلمة وصواب رأيها، حيث نفذ الرسول ﷺ اقتراحها، وانتهت المشكلة.
ب- والقصتان السابقتان: خديجة وأم سلمة، ومشورة الرسول ﷺ لهما في أمور هامة حصلت له يدل على احترام الإسلام للمرأة، ويُبطل القول المنسوب إلى الخليفة عمر: «شاوروهن وخالفوهن» ومعاذ الله أن يخالف عمر عمل الرسول ﷺ، ويخالف القرآن القائل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
* * * *
موقف المرأة المسلمة من الدين
1- إن المسلم رجلاً كان أو امرأة، حينما أعلن كل واحد منهما ولاءه لله عز وجل ورضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولاً كان على كل واحد منهما أن يعطي الثقة التامة والكاملة للتعاليم الإسلامية، لأنها ربانية جاءت لسعادة الرجل والمرأة في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].
2- فلا بد للمرأة المسلمة أن تذعن لتعاليم الإسلام وأحكامه التي جاءت لعزتها وكرامتها، وإنصافها في جميع حقوقها مع الرجل وما يتناسب مع فطرتها، وطبيعتها التي فطرها الله عليها، وهو أعلم بخلقها: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] وقد أشار القرآن إلى موقف المرأة المسلمة من الدين فقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 33].
وقد توعد الله تعالى من خالف أمر رسوله ﷺ فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وصية امرأة لابنتها في زفافها
قالت امرأة تزف ابنتها إلى الملك الحارث بن عمرو الكندي:
أي بُنية، إن الوصية لو كانت تترك لفضل أدب أو مكرمة نسب لتركت ذلك معك، ولكنها تذكرة للعاقل، ومُنبهة للغافل.
أي بُنية، لو استغنت ابنة عن زوج لغني أبويها، لكنت أغنى الناس عنه، لكنا خُلقنا للرجال، كما خُلق الرجال لنا.
أي بُنية، إنك فارقت الوطن الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، أصبح بملكه إياك مَلِكًا عليك، فكوني له أمةً يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال يَكُنَّ لك ذُخرًا.
1- الصحبة بالقناعة: فإن القناعة راحة القلب.
2- المعاشرة بحسن السمع والطاعة: فإن فيهما رضا الرب.
3- التعهد لموضع عينيه والتفقد لموضع أنفه: فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا أطيب ريح.
4- الكحل والماء: وأعلمي أن الكحل أحسن الموجود، وأن الماء أطيب الطيب المفقود.
5- التعهد لوقت طعامه: فإن حرارة الجوع ملهبة.
6- الهدوء عند منامه: فإن تنغيص النوم مغضبة.
7- الاحتفاظ ببيته وماله: فإن حفظ المال من حسن التقدير.
8- الرعاية لحشمه وعياله: فإن الرعاية على الحشم والعيال من حسن التدبير.
9- ألا تفشي له سرًا: فإن أفشيت له سرًا لم تأمني غدره.
10- ألا تعصي له أمرًا: فإن عصيت أمره أوغرت صدره. وأشد ما تكونين له إعظامًا أشد ما يكون لك إكرامًا، وأكثر ما تكونين له موافقة أحسن ما يكون لك مرافقة؛ واعلمي أنك لا تقدرين على ذلك حتى تؤثري هواه على هواك ورضاه على رضاك فيما أحببت أو كرهت.
* * * *
شرط الولي لنكاح المرأة
لقد اشترط الإسلام موافقة ولي أمر المرأة على نكاحها تكريمًا لها وحفاظًا على مستقبلها، وهو أدرى بها من نفسها.
1- قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 33].
2- قال تعالى حكاية عن قول والد المرأتين اللتين وجدهما موسى على البئر: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27].
فالخطاب في الآيتين للرجال، ولو كان للنساء لذكر ذلك، وهذا مستفاد من قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34].
3- وقال الرسول ﷺ: «لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي مَن لا ولي له». "صحيح رواه أحمد".
وقال ﷺ: «لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل». "صححه الألباني في الإرواء".
قال الصنعاني: والحديث دل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي، لأن الأصل في النفي نفي الصحة لا الكمال.
[انظر: سبل السلام 3/117].
4- وقال ﷺ: «أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها». "صححه الحاكم ووافقه الذهبي".
5- وقال ﷺ: «لا تُزوج المرأة المرأة، ولا تُزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها».
[قال الحافظ في بلوغ المرام: رجاله ثقات، وصحح الألباني الجملة الأولى. وصحح وقف الجملة الأخيرة على أبي هريرة].
إن الشارع الحكيم لما اشترط للزواج موافقة الولي، كان له أهداف عظيمة، وفوائد كثيرة، هي في مصلحة المرأة:
1- قال الشيخ ولي الله الدهلوي رحمه الله في حجة الله البالغة:
وفي اشتراط الولي في النكاح تنويه أمرهم، واستبداد النساء بالنكاح وقاحة منهن، منشؤه قلة الحياء. والتعدي على الأولياء، وعدم الاكتراث بهم.
2- يجب أن يُميز النكاح من السفاح بالتشهير، وأحق التشهير أن يحضره أولياؤها. انتهى.
3- أقول: ويشهد لهذا المعنى قول الرسول ﷺ: «فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف، والصوت في النكاح». "صحيح رواه أحمد".
فهذا الحديث يدل على أن الفرق بين الحلال وهو الزواج الشرعي، وبين الزنا وهو الحرام ضرب الدف للبنات لإعلانه، وكذلك الغناء النزيه للبنات أيضًا.
4- كما أن المرأة لقلة تجربتها في المجتمع، وعدم معرفتها شؤون الرجال وخفايا أمورهم غير مأمونة حين تستبد لسرعة انخداعها، وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون تفكير في العواقب وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها، لأنه أبعد نظرًا، وأوسع خبرة، وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى، بل يبنيه على اختيار من يكون أحسن عشرة.
5- وكيف لا يكون لوليها في زواجها إذن، وهو الذي سيكون شاءت أم أبت، بل شاء أو أبى المرجع في حالة الاختلاف، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل.
[انظر: كتاب المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية]
* * * *
واجب الولي للمرأة
قال رسول الله ﷺ: «إذا أتاكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [حسن رواه الترمذي].
1- يجب على الولي أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وأن يراعي خصال الزوج الصالح، فلا يزوجها ممن ساء خلقه، أو ضعف دينه.
قال بعض السلف: من زوج كريمته من فاجر فقد قطع رحمها.
وقال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة، فَمِمَّن أزوجها؟
قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا رضيتْ رجلاً، وكان كفؤًا لها، وجب على وليها كالأب، ثم الأخ، ثم العم أن يزوجها به، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوجها الولي الأبعد منه، أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤًا لها باتفاق العلماء.
وإنما يعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض، لا لمصلحة امرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل ذلك ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤًا لها لعداوة أو غرض، وهو ممن حرمه الله ورسوله، واتفق المسلمون على تحريمه.
وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة لا في أهوائهم، فإن هذا من الأمانة التي قال الله تعالى فيها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
[انظر: مجموع الفتاوى 32/39-52]
3- ويجوز للرجل أن يعرض بنته أو أخته على من يرى فيه الصلاح فقد عرض عمر بن الخطاب حفصة على عثمان ثم على أبي بكر، ثم خطبها رسول الله ﷺ فأنكحه إياها.
4- وأباح الإسلام أن تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ولا سيما وإذا لم يكن لها ولي ينوب عنها، فقد خطبت خديجة بنت خويلد رسول الله ﷺ قبل البعثة، فكانت خير زوجة له ﷺ ناصرته وآوته وأعانته بمالها ونفسها، ولم يعب أحد ذلك، وكان يخطبها كبار قريش وأشرافهم، وكانت تسمى في الجاهلية (الطاهرة) رضي الله عنها.
* * * *
الخنساء قبل الإسلام وبعده
1- لقد أصيبت الخنساء بفقد أخيها واسمه (صخر) فجزعت عليه، وحزنت حزنًا شديدًا وقالت فيه الشعر، وذلك قبل الإسلام.
2- أما بعد الإسلام، فرزقها الله أربعة أولاد خرجوا إلى معركة القادسية فكان مما أوصتهم به قولها: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجَّنت حسبكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية:
اصبروا، وصابروا، واتقوا الله علكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقها، وجلَّلت نارًا على أوراقها، فيمَّموا وطيسها ([16]) وجالدوا رسيسها ([17]) تظفروا بالغنيمة والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها، وتواقعوا عليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم حتى قُتلوا واحدًا بعد واحد.
ولما وافتها النعاة بخبرهم، لم تزد على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة.
[انظر: الإصابة والاستيعاب].
فما أعظم الفرق في سلوك الخنساء قبل الإسلام وبعده، وهذا من فضل الإسلام وتكريمه.
إهانة المرأة في بلاد الكفر
إن وضع المرأة في البلاد التي يزعمون أنها متقدمة في الحضارة وضعٌ حرج، فيه الإذلال والمهانة، والمجون والخلاعة، والقسوة والاستغلال في أقسى صورها، وأبشع مظاهرها، لا يقبلها إلا ممسوخ الفطرة، منتكس السريرة، خبيث الطوية:
1- إن القانون الإنكليزي حتى عام 1805م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته.
2- جاء في مجلة حضارة الإسلام، السنة الثانية (ص1078): حدث في العام الماضي أن باع إيطالي زوجته لآخر على أقساط، فلما امتنع المشتري عن سداد الأقساط قتله الزوج البائع.
3- وقال الأستاذ محمد رشيد رضا رحمه الله: من الغرائب التي نقلت عن بعض صحف إنكلترا في هذه الأيام أنه لا يزال يوجد في بلاد الأرياف الإنكليزية رجال يبيعون نساءهم بثمن بخس جدًا كثلاثين شلنًا، وقد ذكرت – أي الصحف الإنكليزية – أسماء بعضهم.
4- أما في أمريكا التي تتربع على قمة العالم الغربي، فإن المرأة وصلت إلى انحطاط أخلاقي، وانهيار اجتماعي، وتفكك في الأسرة: يقول الدكتور مصطفى السباعي: وأما المرأة فقد دفع بها الوضع الاجتماعي الذي لا يرحم إلى أن أصبحت تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في الكدح لنيل لقمة العيش، وإذا ما أجبرتها الظروف في البقاء في المنزل مع أسرتها بعد هذه السن، فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها، وثمن طعامها، وغسيل ملابسها، بل تدفع رسمًا معينًا مقابل اتصالاتها الهاتفية.
[انظر: المرأة بين الفقه والقانون ص300].
أقول: هذه المعاملة للبنت موجودة حتى الآن في جميع بلاد الكفر، وحدثني ولدي الذي يقيم في فرنسا أن هذا موجود.
5- أما عن قلة الزواج، وشيوع البغاء، وانتشار الزنا واللواط، وكثرة اللقطاء، وارتفاع نسبة الطلاق، وتغلغل الأمراض التناسلية الفتاكة، ولا سيما مرض الإيذر المنتشر، والذي لم يُعرف له دواء فحدث عنه ولا حرج، بل لقد وصلت المرأة الغربية إلى درجة من الانحلال والمهانة ما لا يتصوره عاقل.
يقول الدكتور "نور الدين عنز": حدثني صديق أنهى تخصصه العالي في أمريكا حديثًا: إن في الأمريكيين أقوامًا يتبادلون زوجاتهم لمدة معلومة ثم يسترجع كل واحد زوجته المعارة، تمامًا كما يعير القروي دابته، أو الحضري شيئًا من متاع بيته.
[انظر: كتابه (ماذا عن المرأة) ص15-16].
وكان أحد القادمين من فرنسا يحدث عن إعارة الزوجة هناك أيضًا.
6- فعلى المرأة المسلمة أن تعرف أنها مكرمة، وألا تنخدع في الحضارة الزائفة، حضارة مساواة الرجل بالمرأة، وإنما هي حضارة الإنسان بمساواة الحيوان.
فتاة أمريكية تعتنق الإسلام
الإسلام هو السبيل الوحيد لإنقاذ وخلاص البشرية.
1- "هاجر" الاسم الجديد "لياميلا" فتاة أمريكية في الثامنة والعشرين من عمرها، طالبة في قسم علم الاجتماع في جامعة ميزوري – كولومبيا -.
1- بدأت قبل سنتين بدراسة الإسلام دراسة جادة متعمقة بحثًا عن الحقيقة التي كانت شغلها الشاغل، والتي لم تجدها كما تقول في الثقافة المادية الأمريكية، وبعد سنتين من الدراسة والبحث والتأمل أعلنت "ياميلا" الإسلام، وغيرت اسمها إلى "هاجر" حيث تقول: إن اسم "هاجر" مُحبَّب إلى نفسي لكونه مرتبطًا بالإسلام.
3- تتحدث هاجر عن تجربتها قائلة: منذ مدة طويلة كانت تدور في ذهني تساؤلات عن الكون، والوجود والحياة، وقد أضناني البحث والتفكير عن أجوبة لهذه التساؤلات الفلسفية، ولكن عبثًا لم أجد لها تفسيرًا مقنعًا من خلال دراستي في الثقافة الأمريكية المادية، وكنت أسمع بالإسلام، ولكن صورته غامضة في ذهني بل مُشوهة، فهو دين يفرق بين الرجل والمرأة، وقائم على العنف والقسوة، وبقيت جاهلة بحقيقة الإسلام، حتى بدأت أُدرك نقاء الإسلام وتحديه للقوى المادية، فبدأت من حينها أدرس وأبحث عن الإسلام، وكان البحث في البداية شاقًا جدًا، فليس هناك كتب أمينة عن الإسلام في اللغة الإنجليزية، ولكني منذ البداية شعرت بحب للإسلام، فهو دين عدل وإنصاف، يعطي الفرد حريته، ويحمله مسؤولية أعماله وأفعاله، وهكذا بمرور الوقت ازددت وعيًا وفهمًا بالإسلام، وكان أن هداني الله لاعتناق الإسلام.
* * * *
هاجر تدعو للإسلام
1- ومنذ أن أعلنت "هاجر" إسلامها، وهي تعمل بجد ونشاط لنشر الإسلام، فهي ترى أن رسالتها الآن أن تجاهد في سبيل الإسلام، وإبلاغ دعوته للأمريكيين الذين يجهلون حقيقة الإسلام بفعل الصورة المشوهة التي صُور الإسلام بها من خلال أعدائه الحاقدين عليه.
2- لقد غير الإسلام "هاجر" تغييرًا شاملاً، فبعد أن كانت تعيش كأية فتاة أمريكية حياة لاهية أصبحت الآن ملتزمة بقواعد ومبادئ الإسلام كما تقول: إن هدفي الأسمى أن أجاهد في سبيل الإسلام، وأن أحارب الرأسمالية، والطغيان والشر، فبعد تجربتي وجدت أن الإسلام هو الطريق الوحيد لخلاص الإنسانية من خطر الحروب والمجاعة والفناء.
3- وعندما سئلت "هاجر" ولماذا الإسلام بالذات هو السبيل إلى خلاص البشرية؟ أجابت قائلة: إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يُقدم حلولاً لقضايانا الاجتماعية، والسياسية المعاصرة، إنه نظام حياة شامل يوازن بين مطالب الروح، وحاجات الجسد دونما إخلال. لقد وجدت فيه أجوبة شافية على تساؤلات فلسفية كانت تقلقني وتقض مضجعي.
4- وحين تتحدث هاجر عن الإسلام تشعر بالصدق في كلامها، فهي تعي ما تقول، وأحيانًا تنطق بالعبارات الإسلامية باللغة العربية ولكنها في كل الحالات تفهم جيدًا أن الإسلام نظام شامل للحياة وليس دين عبادات فقط.
الجهاد في نظرها أهم ما في الإسلام، أو أهم ما يحتاج إليه المسلمون في الوقت الحاضر.
5- ومنذ إسلام هاجر، غيَّرت أسلوب حياتها، فارتدت اللباس الشرعي، وبدأت تصلي الصلوات الخمس في مواقيتها، وبذلت جهدًا كبيرًا في حفظ الآيات من القرآن، لتستطيع تأدية الصلوات.
6- وطبيعي أن تواجه صعوبات كبيرة من زميلاتها وعائلتها، ولكن "هاجر" المسلمة كما تقول: أستطيب المصاعب في سبيل عقيدتي، وهذا جدير بالنسبة للمسلمين والمسلمات، ولقد سبق أن عُذب الكثير منهم، لكنهم لم يتحولوا، وأنا لن أبالي إلا بالإسلام.
7- ولا يقتصر نشاط "هاجر" على الجانب الديني، فهي نشطة سياسيًا، ومؤمنة بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني المسلم، لذلك فهي تحاضر وتتحدث عن الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني.
إنها حقًا ظاهرة فريدة: فتاة أمريكية بيضاء تتحول إلى داعية إسلامية تذب وتدافع عن قضايا الشعب الإسلامي في مجتمع لا يُصغي، ولكنها لا تمل ولا تتعب.
ورسالتها إلى الشعوب الإسلامية عامة والعربية خاصة: أنتم الذين أنرتم الدرب للبشرية، فلا تضعفوا أمام غزاة أرضكم المقدسة أمام إسرائيل وحلفائها.
الخليفة ينقذ المرأة الضعيفة
1- لما خرج ملك الروم وفعل في بلاد الإسلام ما فعل فقتل مَن بها من الرجال، وسبى الذرية والنساء، ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم، وبلغ المعتصم أن امرأة هاشمية صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم "وامعتصماه" فأجابها وهو جالس على سريره لبيك، لبيك، ونهض من ساعته، وصاح في قصره النفير النفير، ثم ركب دابته، ومعه حقيبة فيها زاده، وجمع العساكر، وأحضر قاضي بغداد، وهو عبد الرحمن بن إسحق، وشعبة بن سهل ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع: فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه، ثم سار فعسكر في غربي "دجلة" ومعه جماعة من القواد، حتى انتصر على الروم، بعد قتالهم مدة طويلة. [انظر: الكامل لابن الأثير 5/247].
2- أقول: لقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أن سار الخليفة "المعتصم" بجيشه، حينما سمع من امرأة أسيرة في بلاد الروم تنادي لينقذها من الكفار، فلبى نداءها، وسار بنفسه مع جنده حتى يقاتل الكفرة، وينصر المرأة الضعيفة، وهذا يدل على عزة المسلمين، والدفاع عن النساء.
3- لقد أكبر المسلمون هذا العمل من الخليفة "المعتصم" ولا سيما بعد فتحه "عمورية" وقال فيه الشعراء قصائد تشيد بذلك العمل الطيب والانتصار الباهر.
أهمية تربية النساء
1- من لي بتربية النساء فإنها | ||
في الشرق علة ذلك الإخفاق([18]) | ||
2- الأُم مدرسة إذا أعددتها | ||
أعددت شعبًا طيّب الأعراق([19]) | ||
3- الأم روض إن تعهده الحيا([20]) | ||
بالري أورق أيَّما إيراق! | ||
4- الأم أستاذ الأساتذة الأولى | ||
شغلتْ مآثرهم مدى الآفاق | ||
5- أنا لا أقول دعو النساء سوافرًا([21]) | ||
بين الرجال يَجلْن في الأسواق | ||
6- يدرجن([22]) حيث أردن لا من وازع | ||
يحذرن رقبته ولا من واقي | ||
7- يفعلن أفعال الرجال لواهيًا | ||
عن واجبات نواعس الأحداق | ||
8- في دورهن شؤونهن كثيرة | ||
كشؤون رب السيف والمزراق([23]) | ||
9- كلا ولا أدعوكم أن تُسرفوا | ||
في الحجب والتضييق والإرهاق([24]) | ||
10- ليست نساؤكم أثاثًا يُقتني | ||
في الدين بين مخادع وطباق | ||
11- تتشكل الأزمان في أدوارها | ||
دولاً وهن على الجمود بواقي | ||
12- فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا | ||
فالشر في التقييد والإطلاق | ||
13- رَبوا البنات على الفضيلة إنها | ||
في الموقفين لهن خير وَثاق | ||
14- وعليكم أن تستبين بناتكم | ||
نورَ الهدى وعلى الحياء الباقي | ||
"للشاعر حافظ إبراهيم"
([1]) أخرجه البخاري (101) باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم.
([2]) المراد بالسيد هنا الزوج كما في قصة يوسف: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}.
([3]) لأن هذه المناصب تتنافي مع فطرتها وعملها الأساسي: وهو الحمل والإنجاب، ورعاية البيت، وتربية الأولاد، وإعداد الجيل المسلم المدافع عن دينه ووطنه.
([4]) عصيان المرأة لزوجها، ولا سيما إذا طلبها للجماع خطر على المرأة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى وقوع زوجها في الزنا، أو بتركها والزواج من غيرها.
([5]) هذا دليل على علو الله فوق عرشه كما دلت عليه الآيات، والأحاديث الصحيحة.
([6]) انظر كتاب الحجاب للمودودي صفحة8-36.
([7]) عال: قام بمؤونة بنتين، وأنفق عليهما.
([8]) حتى تبلغا: أي تتزوجها، قال القرطبي: أي إلى أن تستقلا بأنفسهما، وذلك أن يُدخل بهن، ولا يعني بلوغ المحيض، إذ قد تتزوج قبل ذلك، وقد تبلغ غير مستقلة بنفسها، ولو تُركت لضاعت، ولذا لا تسقط نققتها عن الأب بالبلوغ، بل بالدخول بها.
([9]) أحمائها: جمع حمو، والمراد أبو الزوج ومن كان قبله.
([10]) أجرته: منعت من يريده بسوء وآمنته شره وأذاه.
([11]) أي قال لها: أنتِ علي كظهر أمي يريد تحريمها عليه.
([12]) خشيت على نفسي من المرض والموت.
([13]) الكَل: الضعيف الذي لا يستقل بأمره.
([14]) ورقة بن نوفل: كان على دين المسيح قبل أن يُبدل.
([15]) الناموس: صاحب السر وهو جبريل عليه السلام.
([16]) الوطيس: المعركة، أو الضرب فيها.
([17]) أصلها.
([18]) الإخفاق: عدم الظفر المطلوب.
([19]) الأعراق: الأصول.
([20]) الحيا: المطر.
([21]) السوافر: المنكشفات الوجوه.
([22]) يدرجن: يمشين، والوازع: الزاجر، والرقبة: المراقب.
([23]) المزراق: الرمح؛ يريد أن شأن المرأة في بيتها لا يقل عن شأن القائد في الحرب.
([24]) الإرهاق: الظلم.