ترجمات المادة
الوصف المفصل
- مقدمة
- « فصل » في ذِكْرِ بَعْضِ مَحَاسِن الدِّينِ الإسْلاَمِي نَصَرهُ اللهُ
- قصيدة تتضمن التضرع لله جل وعلا
- يا من على العرش استوى يا صادق الـ
- عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن
- جلت فضائلك العظام فلم نجد
- الذنب أنت له بمنك غافر
- يعصيك جم ثم تصفح عنهم
- رب يربي العالمين ببره
- يعطيهموا ما أملوا من جوده
- تعصيه وهو يسوق نحوك دائمًا
- ستر الذنوب وزاد في بذل العطا
- متفضل أبدًا وأنت لجوده
- يدنو وتبعد ثم أنت لفضله
- وإذا دجى ليل الخطوب وأظلمت
- وعلمت أن لا منجى ثم تلاحمت
- وأيست من وجه النجاة فمالها
- وقنطت من ضعف اليقين ولم يكن
- يأتيك من ألطافه الفرج الذي
- في لحظة يأتيك لطف فارج
- يا موجد الأشياء من ألقى إلى
- يا طيب الأسماء من يقصد إلى
- ومن استراح بغير ذكرك أو رجا
- ومن استظل بغير ظلك راجيًا
- ومن استعاذ إذا عرته ملمة
- والرأي في عكس الذي حبرته
- عمل أريد به سواك فإنه
- لو صلى ذاك وصام حج فإن ذا
- وإذا رضيت فكل شيء هين
- أنت المنى ورضاك سؤلي في الدجى
- أنا عبد سوء آبق كل على
- ولقد أتى العبد المسيء ميممًا
- قد أثقلت ظهري الذنوب وسودت
- ما لي سواك ولست أرجو غافرًا
- ها قد أتيت وحسن ظني شافعي
- ولبست ثوب الخوف منك مع الرجى
- فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه تو
- وارزقه علمًا نافعًا وارزقه تو
- وافعل به ما أنت أهل جميله
- فإذا فعلت فحسن ظني صائب
- لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلى
- فأشرق نور العلم من حجراته
- ودك حصون الجاهلية بالهدى
- وأنشط بالعلم العزائم وابتنى
- وأطلق أذهان الورى من قيودها
- وفك أسار القوم حتى تحفزوا
- وعما قليل طبق الأرض حكمهم
- أيا علماء الدين مالي أراكم
- أما الأمر بالمعروف والنهي فرضكم
- أما أخذ الميثاق ربي عليكم
- فإن هم عصوكم فاهجروهم وهاجروا
- إذا كان هذا حال قاض وعالم
- ولم تنتهوا عن غيكم فترقبوا
- فما الله عما تعملون بغافل
- وقد أرسل الآيات منه مخوفًا
- أجيبوا عباد الله صوت مناصح
- وقوموا سراعًا نحو نصرة دينكم
- وحسن ختام النظم أزكي صلاتنا
- أنا العبد الذي كسب الذنوبا
- أنا العبد الذي أضحى حزينًا
- أنا العبد الذي سطرت عليه
- أنا العبد المسيء عصيت سرًا
- أنا العبد المفرط ضاع عمري
- أنا العبد الغريق بلج بحر
- أنا العبد السقيم من الخطايا
- أنا العبد المخلف عن أناس
- أنا العبد الشريد ظلمت نفسي
- أنا العبد الفقير مددت كفي
- أنا الغدار كم عاهدت عهدًا
- أنا المقطوع فارحمني وصلني
- أنا المضطر أرجو منك عفوًا
- فيا أسفي على عمر تقضى
- وأحذر أن يعاجلني ممات
- ويا حزناه من حشري ونشري
- تفطرت السماء به ومارت
- إذا ما قمت حيراناً ظميئا
- ويا خجلاه من قبح اكتسابي
- وذلة موقف وحساب عدل
- ويا حذراه من نار تلظى
- تكاد إذا بدت تنشق غيظًا
- فيا من مد في كسب الخطايا
- ألا فاقلع وتب واجهد فإنا
- وأقبل صادقًا في العزم واقصد
- وكن للصالحين أخاً وخلاً
- وكن عن كل فاحشة جبانًا
- ولاحظ زينة الدنيا ببغض
- فمن يخبر رخارفها يجدها
- وغض عن المحارم منك طرفًا
- فخائنة العيون كأسد غاب
- ومن يغضض فضول الطرف عنها
- ولا تطلق لسانك في كلام
- ولا يبرح لسانك كل وقت
- وصل إذا الدجى أرخى سدولا
- تجد أنسا إذا أودعت قبرا
- وصم ما تستطيع تجده ريا
- وكن متصدقًا سرا وجهرًا
- تجد ما قدمته يداك ظلا
- وكن حسن السجايا وذا حياء
- «فصل» ومن محاسن الإسلام مراعاة الحكمة
- «فصل» ومن محاسن الإسلام إبطال الكهانة وتحريمها،
- «فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي بذل النصيحة لله،
- أقول وأولى ما يرى في الدفاتر
- هو الحمد للمعبود والشكر والثناء
- وجل عن الأنداد لا رب غيره
- وصلى على من قام لله داعيًا
- وأوضح دين الله من بعد ما سفت
- وعادى ووالى في رضى الله قومه
- محمد المبعوث للناس رحمة
- وبعد فإن تعجب لخطب تبلبلت
- فلا عجبًا يوم من الدهر مثل ما
- وما ذاك إلا غربة الدين يالها
- ترى أهله مستضعفين أذلة
- ومستهزء منهم فينغض رأسه
- وعاداهم من يدعي العلم والحجى
- فما شئت من شتم وقذف وغيبة
- وأكبر من هذا وأعظم فرية
- وأعينهم في فعل ذاك قريرة
- ومن قام بالإنكار فهو مشدد
- فإن يحكموا بالسوط ضربًا فإن يكن
- وأصبح ذو الإيمان فيهم كقابض
- وإخوانه النزاع في كل قرية
- وما زادهم إلا ثباتًا مع الرضى
- فاكرم بهم من عصبة الحق إنهم
- إذا ما بدا نص الكتاب وسنة
- وعضوا عليها بالنواجذ فاهتدوا
- عليك بهاتيك الصفات منافسًا
- هم القوم لا يثنيهم عن مرادهم
- بنفسي فتى ما زال يدأب دائما
- مكبًا على آي الكتاب ودرسه
- فياليتني ألقاه يومًا لعله
- ونرفع أيدينا إلى الله بالدعا
- وينصر أحزاب الشريعة والهدى
- فآهٍ على تفريق شمل فهل لما
- عسى نصرة للدين تجمع شملنا
- فيرتاح أهل الدين فيها أعزة
- وأختم نظمي بالصلاة مسلمًا
- على أحمد والآل والصحب والذي
- «فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي الترغيب في الدعوة إلى الخير،
- «فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يحرم الاعتداء،
- «فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يقدر البواعث الكريمة،
- هذا ونصر الدين فرض لازم
- بيد وإما باللسان فإن عجز
- ما بعد ذا والله للإيمان حبة
- بحياة وجهك خير مسؤول به
- وبحق نعمتك التي أوليتها
- وبحق رحمتك التي وسعت جميع
- وبحق أسماءٍ لك الحسنى معًا
- وبحق حمدك وهو حمد واسع الـ
- وبأنك الله الإله الحق
- بل كل معبود سواك فباطل
- وبك المعاذ ولا ملاذ سواك
- من ذاك للمضطر يسمعه سوا
- إنا توجهنا إليك لحاجة
- فاجعل قضاها بعض أنعمك التي
- انصر كتابك والرسول ودينك
- واخترته دينا لنفسك واصطفيت
- ورضيته دينًا لمن ترضاه من
- وأقر عين رسولك المبعوث بالـ
- وانصر به النصر العزيز كمثل ما
- يا رب وانصر خير حزبينا على
- يا رب واجعل شر حزبينا فدًا
- يا رب واجعل حزبك المنصور
- يا رب واحمهم من البدع التي
- يا رب جنبهم طرائقها التي
- يا رب واهدهم بنور الوحي كي
- يا رب كن لهم وليًا ناصرًا
- وانصرهم يا رب بالحق الذي
- يا رب إنهم هم الغرباء قد
- يا رب قد عادوا لأجلك كل
- قد فارقوهم فيك أحوج ما هو
- ورضوا ولايتك التي من نالها
- وروضوا بوحيك من سواه وما ارتضوا
- يا رب ثبتهم على الإيمان
- وانصر على حزب النفاة عساكر الـ
- وأقم لأهل السنة النبوية الـ
- واجعلهم للمتقين أئمة
- تهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا
- وأعزهم بالحق وانصرهم به
- واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم
- ولك المحامد كلها حمدًا كما
- ملء السموات العلى والأرض والـ
- مما تشاء وراء ذلك كله
- وعلى رسولك أفضل الصلوات
- وعلى صحابته جميعًا والألى
من محاسن الدين الإسلامي
تأليف الفقير إلى عفو ربه المنان
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والعز والكبرياء والجمال، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: فقد جمعت جملة من محاسن الدين الإسلامي أودعتها في ضمن موارد الظمآن لدروس الزمان رآى بعض المحسنين أن تفرد وحدها وتطبع وتوزع على المسلمين وغيرهم، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها ويجعلها سببا لهداية من أراد الله هدايته وتوفيقه، والله المسؤول أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يأجر من طبعها، ومن ساعد على نشرها، ومن قرأها، ومن سمعها، إنه سميع قريب مجيب، اللهم صلِّ على محمد وآله وسلم.
« فصل » في ذِكْرِ بَعْضِ مَحَاسِن الدِّينِ الإسْلاَمِي نَصَرهُ اللهُ
عباد الله: قال الله تعالى - وهو أصدق القائلين-: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة: 3] أكمل الدين بالنصر، والإظهار على الأديان كلها، فنصر عبده ورسوله، وخذل أهل الشرك خذلانًا عظيمًا، بعد ما كانوا حريصين على صد المؤمنين عن دينهم، طامعين في ذلك، فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره يئسوا كل اليأس من المؤمنين، أن يرجعوا إلى دينهم، وصاروا يخافون منهم ويخشون، وأتم جل وعلا على عباده نعمته بالهداية والتوفيق، والعز والتأييد، ورضي الإسلام لنا دينا، واختاره لنا من بين الأديان، فهو الدين عند الله لا غير، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
عباد الله:
نظر أصحاب الأفكار البريئة السليمة في أحكام الإسلام، فاعتنقوه، وتأملوا في حكمه الجليلة فأحبوه، وملكت قلوبهم مبادئه الحكيمة فعظموه، وكلما كان المرء سليم العقل، نير البصيرة، مستقيم الفكر، اشتد تعلقه به، لما فيه من جميل المحاسن، وجليل الفضائل، جاء الدين الإسلامي بعقائد التوحيد، التي يرتاح لها العقل السليم، ويقرها الطبع المستقيم، يدعو إلى اعتقاد أن للعالم إلهًا واحدًا لا شريك له، أولاً لا ابتداء له، وآخرًا لا انتهاء له، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] له القدرة التامة، والإرادة المطلقة، والعلم المحيط، يلزم الخلق الخضوع له والانقياد، والعمل على مرضاته، بامتثال أمره سبحانه، واجتناب نهيه، نصب الأدلة والبراهين، في الأنفس والآفاق، وحث العقول على النظر والاستدلال، لتصل بالبرهان إلى معرفته وتعظيمه، والقيام بحقوقه، فتراه تارة يلفت نظرك إلى أنه لا يمكن أن توجد نفسك، ولا أن توجد من دون موجد ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35] أما كون الإنسان موجدًا لنفسه فهذا أمر ما ادعاه الخلق، وأما وجود الإنسان هكذا من غير موجد، فأمر ينكره منطق الفطرة ابتداء ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل، وإذا كان هذان الفرضان باطلين، فإنه لا يبقى إلا الحقيقة، التي يقولها القرآن، وهي أن الخلق خلقه الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ، وتارة يلفت النظر إلى السموات والأرض، فهل هم خلقوها، فإنها لم تخلق نفسها، كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم، وتارة يفتح أمام العقل والبصر صحيفة السماء، وما حوت من شمس مشرقة، وقمر منير ونجم مضيء، فيقول: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: 61] وفي الآية الأخرى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، ويقول: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96]، ويقول: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: 6]، ويقول: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 185]، ويقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ [الملك: 3، 4]، ومرة يلفت النظر إلى الأرض، وما فيها من أشجار متنوعة، ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد: 4]، فتشاهد شجر العنب، بجوار شجر الحنظل، في قطعة واحدة، تسقى بماء واحد، وقد جعل لكل شجرة جذورًا، تمتص بها من الأرض ما يناسبها من الغذاء الذي به قوامها وحياتها، وتنفتح كل واحدة عن ثمرة تخالف الأخرى في اللون والطعم والرائحة، وكذلك باقي الأشجار المتجاورة التي أرضها واحدة وماؤها واحد، ألا يدل هذا على وجود صانع حكيم قادر؟ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [هود: 103].
ومرة يلفت النظر إلى ما ينزله من السماء، من الماء الذي به قوام الحياة، ولو شاء لجعله أجاجًا، لا نفع فيه، ومرة يتحدث عن وحدانيته وانفراده بالملك والتدبير ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ﴾ [المؤمنون: 91]، الآية، وفي الآية الأخرى يقول في جزالة لفظ، وفخامة معنى ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22] إلى غير ذلك من الأدلة، وشرع لعباده من العبادات ما يهذب النفوس، ويصفيها، وينظم العلاقات ويقويها، ويجمع القلوب ويزكيها وهذا الذي جاء به الإسلام اتفقت في الدعوة إليه كل الرسل، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13].
اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان، وأعذنا من شر نفوسنا والشيطان، ووفقنا لطاعتك، وجنبنا العصيان، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
« فصل »
فقد اعترف المحققون المنصفون، أن كل علم نافع ديني أو دنيوي أو سياسي قد دل عليه القرآن دلالة لا شك فيها، فليس في شريعة الإسلام ما تحيله العقول، وإنما فيه ما تشهد العقول السليمة الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه، وكذلك أوامره، كلها عدل، لا حيف فيها ولا ظلم، فما أمر بشيء إلا وهو خير خالص، أو راجح، وما نهى عن شيء إلا وهو شر خالص، أو ما تزيد مفسدته على مصلحته، وكلما تدبر العاقل اللبيب أحكام الإسلام قوي إيمانه وإخلاصه، وعندما يتأمل ما يدعو إليه هذا الدين القويم، يجده يدعو إلى مكارم الأخلاق، يدعو إلى الصدق والعفاف والعدل، وحفظ العهود، وأداء الأمانات، والإحسان إلى اليتيم والمسكين، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، والتحلي بمكارم الأخلاق.
يدعو إلى تحصيل التمتع بلذائذ الحياة في قصد واعتدال، يدعو إلى البر والتقوى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، لا يأمر إلا بما يعود على العالم بالسعادة والفلاح، ولا ينهى إلا عما يجلب الشقاء والمضرة للعباد.
وتأمل محاسن شرائع الإسلام الكبار، التي هي: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فعندما تأمل الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه، تجد فيها الإخلاص لله، والإقبال عليه، والأدب والاحترام، والثناء والدعاء، والخضوع له، ومظهر الإجلال من العبد لربه، يؤدي واجب الإكبار والتعظيم والتقديس لسيده ومولاه، شأن العبد بين يدي سيده، يقف المرء بين يدي ربه، فيبتدئ بالاعتراف لله بأنه أكبر من كل شيء، وأنه مستحق لأن يعظم ويجل ويقدر (الله أكبر) ثم يأخذ في الثناء على الله بما هو أهله، ويخصه بالعبادة، وطلب المعونة ضارعًا إليه بأن يهديه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم بالتوفيق والهداية، وأن يجنبه عن طريق المغضوب عليهم، لانحرافهم عن سواء السبيل، بعد أن عرفوه، وأن يبعده عن طريق الضالين المنحرفين الذين عبدوا أهواءهم وشياطينهم.
وعندئذ تمتلئ النفس من عظمة الله وهيبته وجلاله، فيخر المرء ساجدًا لله على أشرف أعضائه، مظهرًا للذلة والمسكنة إلى من بيده مقاليد السموات والأرض، فمزايا الصلاة من ناحية الدين، خضوع لرب العالمين، وخشوع واعتراف بعظمة القاهر القادر، ومتى استشعر القلب ذلك، وامتلأت النفس من هيبة الله، كف عن المحرمات، ولا عجب من ذلك، فإن الله يقول عن الصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وهي أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45].
أما عونها على مصالح دينه، فلأن العبد إذا داوم على الصلاة، وحافظ عليها، قويت رغبته في الخير، وسهلت عليه الطاعات، وبذل الإحسان، بطمأنينة نفس واحتساب، ورجاء للثواب، وأما عونها على مصالح الدنيا، فإنها تهون المشاق، وتسلي عن المصائب، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا، فيجازيه بتيسير أموره، ويبارك في ماله وأعماله.
وفي تأديتها جماعة يحصل التعارف والتواصل، والتواد والتعاطف والتراحم، ويسود الوقار والمحبة بين الصغير والكبير، ويحصل بذلك تعليم فعلي لصفة الصلاة.
وانظر إلى ما أوجبه الله من الزكاة، ترى محاسن جمة، منها إصلاح حال الفقراء، وسد حاجة المسكين، وقضاء دين المدين، ومنها التخلق بأخلاق الكرام، من السخاء والجود، والبعد عن أخلاق اللئام، ومنها أنها تطهر القلب من حب الدنيا ببذل اليسير، ومنها حفظ المال من المكدرات والمنغصات الحسية والمعنوية، ومنها الاستعانة بها على الجهاد في سبيل الله، والمصالح الكلية، التي لا يستغني عنها المسلمون، ومنها دفع صولة الفقراء، ومنها أنها دواء للمجتمع، وطب للنفوس، بها يطهر المرء من رذيلة الشح، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، ومنها أنها لو أخرجها الأغنياء لانقطع دابر الاشتراكية المتطرفة، والشيوعية المسرفة، ومنها أنها لو أديت تمامًا لحصل بذلك راحة الحكام، وصرف مجهوداتهم إلى ما يعود على الأمم بالفلاح ورغد العيش.
قصيدة تتضمن التضرع لله جل وعلا
يا فاطر الخلق البديع وكافلا | ||||
أرزاق من هو صامت أو سائل | ||||
أوسعتهم جودًا فيا من عنده | ||||
رزق الجميع سحاب جودك هاطل | ||||
يا مسبغ البر الجزيل ومسبل العفو | ||||
العظيم عظيم فضلك وابل | ||||
يا صاحب الإحسان يا مرخ لنا الستر | ||||
الجميل عميم طولك طائل | ||||
يا عالم السر الخفي ومنجز الـ | ||||
ـميعاد صدق قد حكاه الفاصل | ||||
يا من على العرش استوى يا صادق الـ | ||||
ـوعد الوفي قضاء حكمك عادل | ||||
عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن | ||||
يأتي المشبه ظالمًا ويشاكل | ||||
جلت فضائلك العظام فلم نجد | ||||
يحصى الثناء عليك فيها قائل | ||||
الذنب أنت له بمنك غافر | ||||
ما لم يكن شركًا ففضلك حاصل | ||||
يعصيك جم ثم تصفح عنهم | ||||
ولتوبة العاصي بحلمك قابل | ||||
رب يربي العالمين ببره | ||||
ويزيدهم من فضله ويواصل | ||||
يعطيهموا ما أملوا من جوده | ||||
ونواله أبدًا إليهم واصل | ||||
تعصيه وهو يسوق نحوك دائمًا | ||||
نعمًا وعن شكر لها أنت غافل | ||||
ستر الذنوب وزاد في بذل العطا | ||||
ما لا تكون لبعضه تستاهل | ||||
متفضل أبدًا وأنت لجوده | ||||
تنسى وتغفل هل تعي يا غافل | ||||
يدنو وتبعد ثم أنت لفضله | ||||
بقبائح العصيان منك تقابل | ||||
وإذا دجى ليل الخطوب وأظلمت | ||||
طرق السلامة بل قلاك النازل | ||||
وعلمت أن لا منجى ثم تلاحمت | ||||
سبل الخلاص وخاب فيها الآمل | ||||
وأيست من وجه النجاة فمالها | ||||
طرق وقد عظم البلا المتنازل | ||||
وقنطت من ضعف اليقين ولم يكن | ||||
سبب ولا يدنو لها متناول | ||||
يأتيك من ألطافه الفرج الذي | ||||
فيه نجاتك ليس يشغل شاغل | ||||
في لحظة يأتيك لطف فارج | ||||
لم تحتسبه وأنت عنه غافل | ||||
يا موجد الأشياء من ألقى إلى | ||||
أحد سواك فإن ذلك باقل | ||||
يا طيب الأسماء من يقصد إلى | ||||
أبواب غيرك فهو غر جاهل | ||||
ومن استراح بغير ذكرك أو رجا | ||||
من غيركم فضلاً فذاك المائل | ||||
ومن استظل بغير ظلك راجيًا | ||||
أحد سواك فذاك ظل زائل | ||||
ومن استعاذ إذا عرته ملمة | ||||
بجلالكم ذا الرأي رأي باسل | ||||
والرأي في عكس الذي حبرته | ||||
بسوى جنابك فهو رأي مائل | ||||
عمل أريد به سواك فإنه | ||||
عمل يرد على الذي هو عامل | ||||
لو صلى ذاك وصام حج فإن ذا | ||||
عمل وإن زعم المرائي باطل | ||||
وإذا رضيت فكل شيء هين | ||||
حسبي رضاك فكل شيء زائل | ||||
أنت المنى ورضاك سؤلي في الدجى | ||||
وإذا حصلت فكل شيء حاصل | ||||
أنا عبد سوء آبق كل على | ||||
معبوده يا بئس ما أنا فاعل | ||||
ولقد أتى العبد المسيء ميممًا | ||||
مولاه أوزار الكبائر حامل | ||||
قد أثقلت ظهري الذنوب وسودت | ||||
وجهي المعاصي ثم ذا أنا سائل | ||||
ما لي سواك ولست أرجو غافرًا | ||||
صفح العيوب وستر عفوك شامل | ||||
ها قد أتيت وحسن ظني شافعي | ||||
إذ لم يكن عمل لدى يقابل | ||||
ولبست ثوب الخوف منك مع الرجى | ||||
ووسائلي ندم ودمع سائل ولع | ||||
فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه تو | ||||
بة مقلع فيها الشروط كوامل | ||||
وارزقه علمًا نافعًا وارزقه تو | ||||
فيقًا لما ترضى ففضلك كامل | ||||
وافعل به ما أنت أهل جميله | ||||
يا من له اسماً حسان فواضل | ||||
فإذا فعلت فحسن ظني صائب | ||||
والظن كل الظن أنك فاعل | ||||
اللهم اجعلنا لك شاكرين، واجعلنا لك من الذاكرين، واجعلنا من عبادك الصابرين المحسنين المتقين، الذين أهلتهم لخدمتك، ووفقتهم لمحبتك وطاعتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
« فصل »
وتأمل الصيام وما فيه من المحاسن التي منها أنه يبعث في الإنسان فضيلة الرحمة بالفقراء، والعطف على البائسين، فإن الإنسان إذا جاع تذكر الفقير الجائع، ومنها أنه بامتناعه عن الأكل يعرف فضل نعمة الله عليه فيشكرها، ومنها أن الصيام يقوي النفس على الصبر والحلم، وهما تجنب كل ما من شأنه إثارة الغضب، لأن الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، ومنها أنه ينقي الجسم من الأخلاط الرديئة، ومنها أنه مهذب للنفوس، ومصفي للأرواح، ومطهر للأجسام، فله الأثر العجيب في حفظ القوى الباطنة، وحمايتها مما يضرها، ثم هو عبادة وامتثال لأمر الله سبحانه، والمشقة الحاصلة من الصوم ليست بشيء في جانب رضي الله، طمعًا في الثواب والزلفى والأجر العظيم، إلى غير ذلك من المحاسن.
وتأمل ما في حج بيت الله من المحاسن، التي منها أنه مجمع لسراة المسلمين، يجتمعون فيه من مشارق الأرض ومغاربها في صعيد واحد، يعبدون إلهًا واحدًا، قلوبهم متحدة، وأرواحهم مؤتلفة في الحج، يتذكر المسلمون الرابطة الدينية، وقوة الوحدة الإسلامية، وفي الحج تذكر لحال الأنبياء والمرسلين ومقامات الأصفياء المخلصين، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، وتذكير بحال سيد المرسلين وإمامهم، ومقاماته في الحج التي هي أجل المقامات، وهذا التذكير أعلى أنواع التذكيرات، فإنه تذكير بأحوال عظماء الرسل، إبراهيم ومحمد ﷺ، ومآثرهم الجليلة، وتعبداتهم الجميلة، والمتذكر بذلك مؤمن بالرسل، معظم لهم، متأثر بمقاماتهم السامية، مقتد بهم، وبآثارهم الحميدة، ذاكر لمناقبهم وفضائلهم، فيزداد به العبد إيمانًا ويقينًا.
ومن محاسن الحج تصفية النفس، وتعويدها البذل والإنفاق، وتحمل المشاق، وترك الزينة، والخيلاء، ومنها شعور المرء بمساواته لغيره، فلا ملك ولا مملوك، ولا غني، ولا فقير، بل الكل هناك سواء، ومن محاسن الحج التنقل في البلاد لمعرفة أحوالها، وعادات سكانها، وزيارة مهبط الوحي والرسل الكرام.
ومن محاسن الحج تذكر المجمع العظيم في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وذلك في المحشر ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6] حفاة عراة غرلا.
ومن محاسنه توطين النفس على فراق الأهل والولد، إذ لا بد من مفارقتهم، فلو فارقهم فجأة حصل صدمة عظيمة عند الفراق، ومن محاسن الحج أنه متى قصده يتزود لسفره بكل ما يحتاج إليه، مدة ذهابه وإيابه، فيتزود للعقبى، وهي السفرة الطويلة التي لا رجوع بعدها، حتى يبعث الله الأولين والآخرين.
وفي سفر الحج قد يجد ما يحتاج إليه في غير بلده، ولا يجد في العقبى ما يحتاج إليه للدار الآخرة، إلا إذا تزوده في الدنيا، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197].
ومن محاسنه أن الإنسان يعتاد التوكل على الله؛ لأنه لا يمكنه أن يحمل كل ما يحتاج إليه في سفره للحج، فلا بد من التوكل على الله تعالى فيما حمله، وفيما لم يحمله مع نفسه، فيعتاد توكله إلى كل ما يحتاج إليه.
ومن محاسنه أنه إذا أحرم نزع المخيط الذي هو لباس الأحياء، ويلبس غيره مما هو أشبه بلباس الأموات، فيجد ويجتهد في الاستعداد لما أمامه إلى غير ذلك من المحاسن التي يصعب حصرها.
ثم تأمل محاسن الجهاد في سبيل الله، إذ فيه قمع أعداء الله، ونصر أوليائه، وإعلاء كلمة الإسلام، وحمل الكافر على ترك الكفر الذي هو أقبح الأشياء، والإقبال على ما هو أحسن الأشياء، وفيه إخراج البشر عن درجة الأنعام، قال تعالى في حق الكفرة: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الفرقان: 44].
ومن محاسنه اكتساب حياة الأبد، فإنه إن قتل فقد أعلى دين الله، وإن قتل فقد أحيا نفسه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
ومنها ما يحصل للمجاهد في سبيل الله من الثواب الجزيل، ومنها تكثير المسلمين، وتقليل الكفرة، ومنها - وهو أعلاها- امتثال أمر الله حيث يقول: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: 193]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ [البقرة: 123].
ومن محاسن الجهاد أنهم في الانتصار يغنمون ويشكرون ويقتوون، وإن أديل عليهم الكفار عرفوا أن ذلك بسبب معصيتهم وذنوبهم، وفشلهم وتنازعهم، فيلجئوا إلى الله متضرعين تائبين.
ومن محاسنه أن ترك الجهاد سبب للذل، لما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» رواه أبو داود.
ومن محاسن الجهاد السلامة من النفاق، لحديث «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق» رواه أبو داود والنسائي، وفي الحديث الآخر: «من لقي الله بغير أثر من جهاد، لقي الله وفيه ثلمة» وفي الحديث الآخر: «ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب».
ومن محاسنه استخراج عبودية أولياء الله، في السراء والضراء، وفيما يحبون ويكرهون، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على محاسن الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله.
ثم تأمل ما جاءت به الشريعة من المعاملات، فمن محاسن البيع والشراء، وصول الإنسان إلى ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، ومن محاسنه قطع مسافة الطلب، فإن من طلب الشيء من معدنه يحتاج إلى الأسفار، وركوب المركوب وتحمل الأخطار، ومتى وجده بالبيع سلم من الأخطار، وسقط عنه مؤنة الأسفار، فانظر إلى العود والمسك، والسيارات والمكائن والأقمشة، والهيل والسكر ونحو ذلك، معادنها بعدية، فمن لطف الله بعباده أن سخر بعض الناس لبعض، وجاءت الشريعة الكاملة بحل أنواع المعاملات، كالإجارات والشركات، إلا ما دل الدليل على تحريمه، مما فيه ضرر أو ظلم أو جهالة أو نحو ذلك، فمن تأمل المعاملات الشرعية، رأى ارتباطها بصلاح الدين والدنيا، وشهد لله بسعة رحمته ولطفه بعباده، وحكمته حيث أباح لعباده جميع الطيبيات، ولم يمنع من ذلك إلا كل خبيث، ضار على الدين أو العقل أو البدن أو المال.
فمن محاسن الإجارة: دفع حاجات العباد، بقليل من الإبدال، ويسير من الأموال، فلا كل أحد يملك دارًا يسكنها، ولا سيارة يركبها، ولا طائرة يركبها، ولا طاحونة يطحن فيها، ولا مخزنًا لأمواله، ونحو ذلك مما يطول تعداده، فجوزت الإجارة، ولا حاجة إلى ذكر محاسن الصلح، فهو كما ذكره الله خير، قال الله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128].
وأما الوكالة والكفالة: ففيهما من الإحسان ما لا يخفى على أحد ممن اعتقد الشرع، ومن لم يعتقد، وعقل الشرائع، أو لم يعقل، احتاج إلى الوكالة والكفالة، فإن الله تعالى خلق الخلائق، وجعلهم مختلفين في القصد والهمم، فليس كل أحد يرغب أن يباشر الأعمال بنفسه، ولا كل يهتدي إلى المعاملات، فمن لطف الله بخلقه إباحتها، فلا يليق بأصحاب المروات، وأولياء الأمور، مباشرة البياعات كلها بأنفسهم، فالنبي ﷺ باشر بعض الأمور بنفسه، تعليمًا لسنة التواضع، وبيانًا لجوازه، وأضاف بعض الأمور إلى غيره، وباشر ذبح الأضحية بنفسه، وفوض إلى علي ذبح قسم من هديه ﷺ.
وأما الحسن في الكفالة: فإن فيها إظهار الشفقة والرحمة ومراعاة الأخوة، يبذل الذمة ليضمها إلى الذمة، فينفسح وجه المطالبة، ويسكن قلب المطالب بسبب السعة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: 44] إلى أن جعل كافلها زكريا، كما قال تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: 37]، وإذا علمت محاسن الوكالة والكفالة، فالحوالة واضحة محاسنها، ففي الحوالة كفالة ووكالة، وزيادة فراغ ذمة الأصيل، عن الحزن الطويل، فإذا قبلت حوالته أدخلت على قلب أخيك - بفراغ ذمته - سرورًا، ولا يخفى ما في إدخال السرور على المسلم من الأجر.
ومن محاسن الشفعة أن الجار ربما يكون في حاجة إلى هذه الحصة المبيعة، كأن يكون بيته ضيقًا، ويريد اتساعه، أو تكون الأرض المشتركة بجوار مزارعه، ويحتاج إليها.
ومن محاسنها التنبيه على عظم حق الجار والشريك، حيث إن له الحق في التقدم على غيره في الشراء، إلا إذا أسقط حقه بامتناعه عن الشراء، ومنها دفع ضرر الجار، وهو مادة الضرر.
وقال ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» في الإسلام، ولا شك عند أحد في حسن دفع ضرر التأذي بسبب المجاورة على الدوام، من إيقاد نيران، وإعلاء جدار، وإثارة غبار ودخان، وأعظم من ذلك سماع التلفزيون والمذياع، وإحداث أشياء تضر بملكه، ونحو ذلك من أنواع الضرر.
وأما الوديعة فمحاسنها ظاهرة، إذ فيها إعانة عباد الله في حفظ أموالهم، ووفاء الأمانة، وهو من أشرف الخصال عقلاً وشرعًا.
ومن محاسنها أنها إحسان إلى عباد الله، والله يحب المحسنين، ومنها أنها سبب للتآلف والتآخي بين المسلمين وسبب لمحبة بعضهم لبعض.
ومن محاسن الإسلام النهي عن سوء معاملة الزوج لزوجته، وأن عليه أن يقارن بين المحاسن والمساوئ، فإذا كان منصفًا غض بصره عن المساوئ، إذا كانت محاسنها تغمرها، لاضمحلالها فيها.
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر» رواه مسلم.
وأما الفرائض وتوزيع المال على الورثة، فقد وضعه الله بنفسه، بحسب ما يعلمه من قرب وبعد ونفع، وما هو أولى ببر العبد، ورتبه ترتيبًا تشهد له العقول الصحيحة بالحسن وأنه لو وكل الأمر إلى آراء الناس وأهوائهم وإراداتهم، لحصل بسبب ذلك من الخلل والاختلال، وزوال الانتظام، وسوء الاختيار فوضى.
ومن جملة المحاسن أن ألحق السبب بالنسب، فالسبب المناكحة والولاء، ولما جعل الله سبحانه عقد النكاح ذريعة المحبة والألفة، والازدواج، والاستئناس بين الناس، فلا يحسن أن يلحقها عند موت أحدهما مضاضة ألم الفراق، من غير أن يرتفق أحدهما بما فضل عنه نوع ارتفاق، ثم جعل للزوج ضعف ما للمرأة من الزوج.
ومن جملة المحاسن أنه لم يورث عند اختلاف الدين، فإذا مات المسلم فالكافر لا يورث منه، لأن الكافر، وإن كان قريبًا نسبًا، فهو بعيد دينًا، لأن الكافر ميت لا يرث الميت، قال الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام: 122] الآية، وقال تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: 31]، وأما الكافر فيرث الكافر، لاستواء حاليهما وماليهما.
وأما الهبة فمستحبة، إذا أريد بها وجه الله، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4]، وقوله: ﴿وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: 177]، والله سبحانه كريم جواد وهاب.
ومن محاسنها أنها سبب للتحاب والتواد، كما في الحديث: «تهادوا تحابوا».
ومن محاسنها أنها تسل السخيمة، وفي الحديث: «تهادوا، فإن الهدية تسل السخيمة»، وقد أهدى ﷺ للنجاشي حلة وأواقي من مسك، وكان ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها.
ومن محاسنها أنها تقوي الصلة، ومتى قويت الصلة سارت الأمة بقدم ثابت، فحسن الصلة بين أفراد الأمة سر نجاحها.
ومن محاسنها وفرة الثقة بين المتهادين إلى غير ذلك من المحاسن.
وأما النكاح فمستحب، ومحاسنه كثيرة، منها تحصين الفرج، ومنها تحصين الزوجة، ومنه حفظها والقيام بها، ومن محاسنه أنه طريقة الرسل.
ومن محاسنه تكثير الأمة، وتكثير النسل، ومنها تحقيق مباهاة النبي ﷺ، ومنها قضاء حوائجه من طبخ ونحوه، ومنها حفظ بيته وأولاده، ومنها سكونه وطمأنينته إليها، واستئناسه بها، ومعاشرتها، وغير ذلك من المصالح التي لا يتسع هذا المقام لعدها.
وأما الطلاق فمن محاسنه أن جعل الله عز وجل ملك الطلاق إلى الزوج.
ومن محاسنه أن حكم بالحرمة الغليظة بعد الطلقات الثلاث؛ لأن الظاهر، أن من طلق ثلاثًا، رأى الصلاح في الفراق، وعلق الشرع حل المطلقة ثلاثًا بالتزويج بزوج آخر، والدخول بها، ليصير هذا الشرط مانعًا له من العود إليها، ويثبت على رأي من الصلاح في مفارقتها، ومن المحاسن أنه لم يحكم بحرمتها على وجه لا رجوع فيه أصلاً، فإنه ربما لا يصبر عنها فيهلك في ذلك، فالشرع جعل للوصول إليه سبيلاً، لكن بعدما يذوق الآخر عسيلتها، وتذوق عسيلته، ولا يجوز عن طريق التحليل، لحديث: «لعن الله المحلل، والمحلل له».
ومن محاسن الطلاق أن يكون في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو السنة، فإنه إذا قضى وطره منها، انتقص ميله إليها طبعًا، فيبادر إلى مفارقتها بقليل داعية، ويسير أذية، فإن المرء إذا شبع من شيء سقط من عينه، وهان عليه، وإذا جاع قوي ذلك في قلبه فلا يحصل الطلاق عن روية، وربما يندم على ذلك، فيحتاج إلى نقض الطلاق، فكان الطلاق الحسن المسنون، أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فإن هذه الحال حالة كمال الرغبة، وتمام الميل، فالظاهر أنه لا يقدم على الطلاق في هذه الحالة، إلا لحاجة داعية، فرخص له في الطلاق.
ومن محاسنه أن جعل هزله جدًا، قال ﷺ: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، الطلاق والعتاق والنكاح» فإذا عرف الإنسان أنه بمجرد تلفظه به، ولو مازحًا يقع، امتنع بإذن الله إذا كان عاقلا.
ومن محاسنه القصاص، وفرض العقوبات، زجر النفوس الباغية، وردع القلوب القاسية، الخالية من الرحمة والشفقة.
ومن محاسنه تأديب الجماعات الطاغية، فحكم بقتل القاتل، وأمر بقطع يد السارق، ليحقن الدماء، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: 179] الآية، والقطع لحفظ الأموال، فيعيش الناس آمنين مطمئنين، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38]، وحرم الزنا ومقدماته كالنظر إلى الأجنبيه، والخلوة بها، والقبلة واللمس، وأمر برجم الزاني، وقتل اللوطي على رءوس الأشهاد، وحكم بجلد الزاني البكر، مائة جلدة والتغريب، كل ذلك محافظة على الأنساب والأعراض، وحماية للأخلاق، وصيانة للأمة من الفناء والفساد، وحرم الخمر، وعدها أم الخبائث، وحكم على متعاطيها بالجلد، لارتكابه النقائص والخسائس، كل ذلك ليبقى العقل سليمًا، ويظل المال مصونًا، ويدوم الشرف والخلق طاهرًا نقيًا.
شعرًا
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلى | ||||
بصائر أقوام عن المجد نوم | ||||
فأشرق نور العلم من حجراته | ||||
على وجه عصر بالجهالة مظلم | ||||
ودك حصون الجاهلية بالهدى | ||||
وقوض أطناب الضلال المخيم | ||||
وأنشط بالعلم العزائم وابتنى | ||||
لأهليه مجدًا ليس بالمتهدم | ||||
وأطلق أذهان الورى من قيودها | ||||
فطارت بأفكار على المجد حوم | ||||
وفك أسار القوم حتى تحفزوا | ||||
نهوضًا إلى العلياء من كل مجثم | ||||
وعما قليل طبق الأرض حكمهم | ||||
بأسرع من رفع اليدين إلى الفم | ||||
اللهم رب قلوبنا على محبتك وطاعتك، وثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألهمنا ذكرك وشكرك، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
« فصل »
ومن محاسن الإسلام الحث على المشورة والأخذ بها، متى كانت صائبة، متفقة مع العقل والمنطق والتجربة، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38].
ومن محاسنه أن أفضل الناس عند الله أكثرهم صلاحًا وتقوى، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
ومن محاسنه الحث على العتق، وتحرير الأرقاء، والإحسان إلى المملوك.
ومن محاسنه الحث على الإحسان إلى الجار والضيف والمسكين واليتيم.
ومن محاسن الإسلام أنه يدعو إلى تبادل الألفة والمحبة، والتصافي والتعاون، قال ﷺ : «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا».
ومن محاسنه أنه يذم النزاع والكراهية والتفرقة، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]. وقال الرسول ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا».
ومن محاسنه النهي عن النميمة والغيبة، والحسد والتنجسس، والكذب والخيانة، والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة جدًا، فتذكر لها تجدها.
ومن محاسنه النهي عن الظلم، والأمر بالعدل، مع القريب والبعيد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾ [المائدة: 8]. وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90].
ومن محاسن الإسلام الحث على العفو عن المعتدي ، قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: 22]، وقال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: 96]، وقال: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: 237].
ومن محاسنه الدعوة إلى الصلح بين الأخوين، والنهي عن الهجران، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 10]، وقال: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128].
ومن محاسنه النهي عن التقاطع والتدابر، والتباغض والتحاسد، قال ﷺ: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا» الحديث.
ومن محاسنه النهي عن الاستهزاء بالناس، وذكر عيوبهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ [الحجرات: 11] الآية.
ومن محاسنه النهي عن بيع الإنسان على بيع أخيه، والخطبة على خطبته، إلا أن يأذن أو يرد، لما ينشأ عن ذلك من العداوة والتقاطع.
ومن محاسنه مشروعية السلام على المسلم، عرفه أو لم يعرفه.
ومن محاسنه الأمر برد التحية بأحسن منها أو ردها قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86] الآية.
ومن محاسنه الأمر بالتثبت فيما نسمعه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، وقال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36] الآية.
ومن محاسنه النهي عن البول في الماء الراكد، وفي ذلك العناية بالناحية الصحية، والوقاية من النجاسة والأمراض بإذن الله.
ومن محاسنه النهي عن إيذاء المؤمنين والإضرار بهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]، وقال ﷺ: «من أكل الثوم والبصل والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
ومن محاسنه النهي عن الأكل بالشمال، والشرب بها، لأنها لإزالة ما يستقذر، ولأن الشيطان يأكل بشماله، كما في الحديث.
ومن محاسنه الأمر باتباع جنازة المسلم، لما في ذلك من الدعاء والترحم عليه، والصلاة عليه، وجبر خواطر أهله المؤمنين.
ومن محاسن الإسلام تشميت العاطس، وإبرار المقسم، لما في ذلك من التآلف والتآخي، والدعاء لأخيك بالرحمة، ولما في إبراز القسم من جبر خاطره، وإجابة طلبه، ما لم يكن فيه شيء من مخالفة الشرع.
ومن محاسنه إجابة دعوة المسلم، ولا سيما إذا كان لعرس، ولم يكن فيها ما يخالف الشريعة، أو يخل بالمروءة والإنسانية كما تراه اليوم عند بعض الناس من الملاهي والمنكرات، لأن في حضوره والحالة هذه تشجيع للفسقة وأهل المجون، وإعانة على نشر المعاصي، وعدم المبالاة فيها فإن كان يقدر على إنكار المنكر كإزالة التليفزيون ونحوه حضر وأزاله وإلا امتنع.
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه حرم على المسلم ترويع أخيه المسلم، إما بإخباره بخبر يفزعه، أو يشير إليه بسلاح، أو نحو ذلك.
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه نهى عن تشبه الرجال بالنساء، وبالعكس، بأن تتشبه النساء بالرجال، لما في ذلك من المفاسد، التي منها التخنث فيمن يتشبه بهن، في ملابسهن وحركاتهن وكلامهن، كما هو موجود عند بعض المنحلين، والمغرورين أصحاب الخنافس والتواليتات محلوقي اللحا.
ومن محاسن الإسلام إتقاء مواضع التهم والريب، كي يصون ألسنة الناس وقلوبهم عن سوء الظن به، وورد أن صفية زوج النبي ﷺ جاءت تزوره وهو معتكف، فقام معها مودعًا، حتى بلغت باب المسجد، فرآه رجلان من الأنصار، فسلما عليه، فقال: «على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما، فقال النبي ﷺ: «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» فهذا أشرف الخلق وأزكاهم، أبعد التهمة والشك عن نفسه.
وقال عمر t: (من أقام نفسه مقام التهم، فلا يلومن من أساء به الظن) ومر عمر برجل يكلم امرأته على ظهر الطريق، فعلاه وضربه بالدرة، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنها امرأتي، فقال عمر: هلا كلمتها حيث لا يراك أحد من الناس.
فالإسلام من محاسنه الابتعاد عن مواضع التهم والشبهات، فكيف لو رأى من تدخل على الخياط، يفصل على بدنها وحده، خاليا بها، أو رأى من تدخل على المصور وحدها، أو رأى من تركب مع من ليس محرمًا لها، أو سافرت مسلمة إلى بلاد الكفر بدون محرم، أو دخلت على الدكتور وحدها باسم الكشف الطبي، أو نحو ذلك، مما حدث في زمننا الذي كثرت فيه الفتن، وقل فيه الأمر والنهي، وردع أهل الشر والفساد الذين قويت شوكتهم، وساند بعضهم بعضًا، عكس ما عليه أهل الخير والصلاح، من التفكك والتخاذل والمصانعات، فالله المستعان.
أيا علماء الدين مالي أراكم | ||||
تغاضيتم عن منكرات الأوامر | ||||
أما الأمر بالمعروف والنهي فرضكم | ||||
فأعرضتم عن ذاك إعراض هاجر | ||||
أما أخذ الميثاق ربي عليكم | ||||
بأن تنصحوا بالحق أهل المناكر | ||||
فإن هم عصوكم فاهجروهم وهاجروا | ||||
تنالو بنصر الدين أجر المهاجر | ||||
إذا كان هذا حال قاض وعالم | ||||
وحال وزير أو أمير مظاهر | ||||
ولم تنتهوا عن غيكم فترقبوا | ||||
صواعق قهار وسطوة قاهر | ||||
فما الله عما تعملون بغافل | ||||
ولكنه يملي لطاغ وفاجر | ||||
وقد أرسل الآيات منه مخوفًا | ||||
ولكن غفلتم عن سماع الزواجر | ||||
أجيبوا عباد الله صوت مناصح | ||||
دعاكم بصوت ماله من مناصر | ||||
وقوموا سراعًا نحو نصرة دينكم | ||||
إذا رمتم في الحشر غفران غافر | ||||
وحسن ختام النظم أزكي صلاتنا | ||||
على المصطفى والآل أهل المفاخر | ||||
اللهم بارك في أسماعنا وأبصارنا ونور قلوبنا، وأصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
«فصل»
ومن محاسن الإسلام أن الإنسان إذا ابتلي بشرير من الأشرار، أو فاجر من الفجار، أو محب للإجرام، ينبغي أن يحذره ويبتعد عن شره، ويداريه ويتجنبه ما أمكن، قال أبو الدرداء: إنا لنبش في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتلعنهم، ومعنى هذا مداراة الأشرار الذين لا تقدر على ردعهم، والإنكار عليهم، لخوفك من شرهم وأذيتهم، وإجرامهم، وتنكر بقلبك.
ومن محاسن الإسلام الأمر بإصلاح ذات البين، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة متظاهرة.
ومن محاسنه الأمر بستر عورات المسلمين، وعيوبهم ونقائصهم، قال ﷺ: «ومن ستر مسلمًا ستره الله» وقال ﷺ: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم» الحديث، وتقدم.
ومن محاسن الإسلام إدخال السرور على قلب المسلم، ومساعدة المحتاج، قال ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وقال: «ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته».
ومن محاسن الإسلام توقير المسلم، ولا سيما ذي الشيبة، ورحمة الصبيان، قال ﷺ: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا» وقال ﷺ: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم» الحديث.
ومن محاسن الإسلام النهي عن الفحش، وبذاءة اللسان، قال ﷺ: «ليس المؤمن بالطعام، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء».
ومن محاسن الإسلام النهي عن التكلم سرًا بين اثنين مع وجود ثالث، من أجل أن ذلك يحزن الثالث، فيظن أنهم يتناجون به، فهذا ينافي الأدب، وكذلك ليس من الأدب أن تتحدث بلغة أجنبية، إذا كان هناك من لا يعرفها، قال ﷺ: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه».
ومن محاسن الدين الإسلامي أن لا يتدخل الإنسان فيما لا يعنيه، وهذه من جوامع كلمه ﷺ، كما في الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» أخذه بعضهم وصاغه بعبارة: (ابحث عن عملك الخاص)، ولو تتبع المسلمون إرشادات نبيهم، ونصائحه ﷺ، لاستراحوا وأراحوا غيرهم، ولو تتبعت أكثر المشاكل، والمنازعات والمخاصمات والمجادلات، لوجدت سببها الوحيد التدخل فيما لا يعني.
ومن محاسن الدين الإسلام النهي والتحذير عن الجلوس في الطرقات، لما في ذلك من التعرض لما لا ينبغي، ولما يلزم الإنسان القيام به، وربما لم يقم به من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم، وردع الظالم، وذلك نصره، وإعانة المسلم، وغض البصر، ورد السلام، وكف الأذى.
ومن محاسن الدين الإسلامي أن من استعاذنا بالله علينا أن نعيذه، وأن من سألنا بالله نعطيه، ونكافئ من صنع إلينا معروفًا إن استطعنا، فإن لم نستطع ندعو له أن يجزيه الله جزاء حسنًا، على ما أسداه إلينا من المعروف، عملاً بالحديث: «من استعاذكم بالله فأعيذوه» الحديث، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
«فصل»
ومن محاسن الدين الإسلامي أن تنصف من نفسك، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتضع نفسك موضع إخوانك المسلمين، وتعاملهم المعاملة التي تحب أن يعاملوك بها، وتؤدي حقوقهم، قال ﷺ: «لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون فيه ثلاثة خصال، الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسه، وبذل السلام»، وقال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]، وقال ﷺ: «طعام الاثنين يكفي الثلاثة» إلى آخر الحديث.
وفي الحديث الآخر: «ومن كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» فذكر من أصناف المال ما ذكر، قال أبو سعيد: حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.
ومن محاسن الإسلام وأخلاقه السامية، أن يصون الإنسان عرض أخيه المسلم، ونفسه وماله من ظلم أصابه بقدر استطاعته، ويرد عنه الظلم والعدوان، ويدافع ويناضل عنه حسب قدرته، فروى أبو الدرداء t أن رجلا نال من رجل عند رسول الله ﷺ، فرد عنه رجل، فقال النبي ﷺ: «من رد عن عرض أخيه، كان له حجابًا من النار» وورد عنه ﷺ أنه قال: «من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» رواه الترمذي.
ومن محاسن الإسلام الأمر بالتوسط بين البخل والإسراف، قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
ومن محاسن الإسلام الحث على الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة.
ومن محاسن الإسلام العطف على الضعفاء، والشفقة على الفقراء، والرأفة باليتامى، والخدم والعبيد والإماء، والإحسان إليهم، ودفع الأذى عنهم، وحسن معاملتهم، والتواضع معهم، وملاطفتهم وخفض الجناح لهم، ولين الجانب معهم. قال تعالى لرسوله ﷺ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]، وقال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وقال: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 9، 10]، وقال: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الماعون: 1- 3]، وقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 12- 16]، وقال: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: 1- 3] الآية.
« فصل »
ومن محاسن الدين الإسلامي الرأفة والرحمة والشفقة، لا القسوة والغلظة والتعذيب، حتى في حق الحيوانات البهيمية، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» متفق عليه.
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعًا: «أن رجلا دنا من بئر فنزل وشرب منها وعلى البئر كلب يلهث من العطش، فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه، فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة».
وروى مسلم وغيره أن رسول الله ﷺ مر على حمار قد وسم في وجهه فقال: «لعن الله الذي وسمه».
شعرًا
أنا العبد الذي كسب الذنوبا | ||||
وصدته الأماني أن يتوبا | ||||
أنا العبد الذي أضحى حزينًا | ||||
على زلاته قلقًا كئيبا | ||||
أنا العبد الذي سطرت عليه | ||||
صحائف لم يخف فيها الرقيبا | ||||
أنا العبد المسيء عصيت سرًا | ||||
فما لي الآن لا أبدي النحيبا | ||||
أنا العبد المفرط ضاع عمري | ||||
فلم أرع الشبيبة والمشيبا | ||||
أنا العبد الغريق بلج بحر | ||||
أصيح لربما ألقى مجيبا | ||||
أنا العبد السقيم من الخطايا | ||||
وقد أقبلت ألتمس الطبيبا | ||||
أنا العبد المخلف عن أناس | ||||
حووا من كل معروف نصيبا | ||||
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي | ||||
وقد وافيت بابكم منيبا | ||||
أنا العبد الفقير مددت كفي | ||||
إليكم فادفعوا عني الخطوبا | ||||
أنا الغدار كم عاهدت عهدًا | ||||
وكنت على الوفاء به كذوبا | ||||
أنا المقطوع فارحمني وصلني | ||||
ويسر منك لي فرجًا قريبا | ||||
أنا المضطر أرجو منك عفوًا | ||||
ومن يرجو رضاك فلن يخيبا | ||||
فيا أسفي على عمر تقضى | ||||
ولم أكسب به إلا الذنوبا | ||||
وأحذر أن يعاجلني ممات | ||||
يحير هول مصرعه البيبا | ||||
ويا حزناه من حشري ونشري | ||||
بيوم يجعل الولدان شيبا | ||||
تفطرت السماء به ومارت | ||||
وأصبحت الجبال به كثيبا | ||||
إذا ما قمت حيراناً ظميئا | ||||
حسير الطرف عريانًا سليبا | ||||
ويا خجلاه من قبح اكتسابي | ||||
إذا ما أبدت الصحف العيوبا | ||||
وذلة موقف وحساب عدل | ||||
أكون به على نفسي حسيبا | ||||
ويا حذراه من نار تلظى | ||||
إذا زفرت وأقلقت القلوبا | ||||
تكاد إذا بدت تنشق غيظًا | ||||
على من كان ظلاما مريبا | ||||
فيا من مد في كسب الخطايا | ||||
خطاه أما يأني لك أن تتوبا | ||||
ألا فاقلع وتب واجهد فإنا | ||||
رأينا كل مجتهد مصيبا | ||||
وأقبل صادقًا في العزم واقصد | ||||
جنابًا للمنيب له رحيبا | ||||
وكن للصالحين أخاً وخلاً | ||||
وكن في هذه الدنيا غريبا | ||||
وكن عن كل فاحشة جبانًا | ||||
وكن في الخير مقداما نجيبا | ||||
ولاحظ زينة الدنيا ببغض | ||||
تكن عبدًا إلى المولى حبيبا | ||||
فمن يخبر رخارفها يجدها | ||||
مخالبة لطالبها خلوبا | ||||
وغض عن المحارم منك طرفًا | ||||
طموحًا يفتن الرجل الأريبا | ||||
فخائنة العيون كأسد غاب | ||||
إذا ما أهملت وثبت وثوبا | ||||
ومن يغضض فضول الطرف عنها | ||||
يجد في قلبه روحًا وطيبا | ||||
ولا تطلق لسانك في كلام | ||||
يجر عليك أحقادًا وحوبا | ||||
ولا يبرح لسانك كل وقت | ||||
بذكر الله ريانًا رطيبا | ||||
وصل إذا الدجى أرخى سدولا | ||||
ولا تضجر به وتكن هيوبا | ||||
تجد أنسا إذا أودعت قبرا | ||||
وفارقت المعاشر والنسيبا | ||||
وصم ما تستطيع تجده ريا | ||||
إذا ما قمت ظمآنًا سغيبا | ||||
وكن متصدقًا سرا وجهرًا | ||||
ولا تبخل وكن سمحًا وهوبا | ||||
تجد ما قدمته يداك ظلا | ||||
إذا ما اشتد بالناس الكروبا | ||||
وكن حسن السجايا وذا حياء | ||||
طليق الوجه لا شكسا غضوبا | ||||
اللهم وفقنا توفيقا يقينا عن معاصيك، وأرشدنا برشدك إلى السعي فيما يرضيك، وأجرنا يا مولانا من خزيك وعذابك، وهب لنا ما وهبته لأوليائك وأحبابك، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
«فصل» ومن محاسن الإسلام مراعاة الحكمة
، وذلك أن نضع كل إنسان من المؤمنين في منزلته، ونراعي كرامته وشعوره، ونجعله في المكان الذي يليق به.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «أنزلوا الناس منازلهم» رواه أبو داود.
وروي أن عائشة رضي الله عنها كانت مسافرة، فنزلت منزلاً تستريح فيه، وتتناول طعامها، فجاء سائل فقير، فقالت: ناولوا هذا المسكين قرصًا، ثم مر رجل يركب فرسًا، فقالت: أدعوه إلى الطعام، فقيل لها: لماذا تعطين المسكين قرصًا، وتدعين هذا الغني إلى الطعام، فأجابت إن الله تعالى أنزل الناس منازل، لا بد لنا أن ننزلهم تلك المنازل، هذا المسكين يرضى بقرص، وقبيح بنا أن نعطي هذا الغني - وهو على هذه الهيئة - قرصًا، فرحمها الله، ما أحسن هذا من جواب رد، دل على الحكمة وحسن الذوق، ونبل الخلق، وكرم المعاملة، والاقتداء التام بإرشادات الله ورسوله ﷺ.
وروي أن رسول الله ﷺ دخل بيتا من بيوته، فدخل عليه أصحابه، حتى امتلأ المجلس، فجاء جرير بن عبد الله البجلي، فلم يجد مكانًا، فقعد على الباب، فلف رسول الله ﷺ رداءه، وقدمه له ليجلس عليه، وقال له: «اجلس على هذا»، فأخذ جرير الرداء، ووضعه على وجهه، وجعل يقبله ويبكي، متأثرًا من إكرام النبي ﷺ له، ثم لفه ورده إلى النبي ﷺ شاكرًا مقدرًا، وقال: ما كنت لأجلس على ثوبك يا رسول الله، أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني، فنظر المصطفى ﷺ يمينًا وشمالا، ثم قال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».
فانظر إلى هذه المعاملة الجميلة، تجد المثل الكامل في معاملة الرسول له، حيث راعى شعور جرير وأكرمه، وكيف تأثر جرير بهذه المعاملة الكريمة النبيلة اللطيفة.
ومن محاسن الإسلام أنه أثبت للزوجات على الأزواج حقوقًا، مثل الحقوق التي للرجال بالمعروف، وحسن العشرة، وترك الإضرار، وجعل (للرجال عليهن درجة) أي في الفضيلة، في الخلق والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، وأداء المهر، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة.
ومن محاسن الإسلام أن المرأة عند بعض العرب في الجاهلية تعد جزءًا من ثروة أبيها أو زوجها، وكان ابن الرجل يرث أرملة أبيه بعد وفاتها، وكان العرب قبل الإسلام يرثون النساء كرهًا، بأن يأتي الوارث ويلقي ثوبه على زوجة أبيه، ثم يقول ورثتها كما ورثت مال أبي، فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر، أو زوجها لأحد عنده وتسلم مهرها ممن يتزوجها، أو حرم عليها أن تتزوج كي يرثها، فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم وهذا الإرث، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: 19] وكان العرب في الجاهلية يمنعون النساء من الزواج، فالابن الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج، كي تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه، والأب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه، والرجل يطلق زوجته ويمنعها من الزواج، حتى يأخذ منها ما يشاء، والزوج المبغض لزوجته يسيء عشرتها، ويمللها، ولا يطلقها حتى ترد إليه مهرها، فالعرب قبل الإسلام كانوا يظلمون المرأة، ويتحكمون فيها، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: 19].
وكانوا لا يعدلون بين النساء، في النفقة والكسوة والمعاشرة، فأمر الإسلام بالعدالة بينهن، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الآية، وقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: 3]، وقال: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: 20]، وقال في ناحية الدين: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]، وفي ناحية الأهلية والملك، قال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: 7]، وقال: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: 32].
وحسب الإسلام ما كفل للمرأة من مساواة دينية، ومن مساواة في التملك والكسب، وما حقق لها من ضمانات في الزواج، بإذنها ورضاها دون إكراه ولا إهمال، قال ﷺ: «لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت»، وفي مهرها قال: ﴿فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: 24].
ومن محاسن الإسلام أن العرب قبل الإسلام كانوا يئدون البنات، ويدفنونهن، وهن على قيد الحياة، خوفًا من العار، يهيل الرجل على ابنته التراب حتى تموت، فجاء الإسلام وحرم وأدهن وقتلهن، تحريمًا قاطعًا، ومنحهن الحق في الحياة، وبهذا أنصف الإسلام المرأة كل الإنصاف، وحافظ على حياتها وحقوقها الإنسانية.
اللهم أعذنا من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال، وشماتة الأعداء، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
«فصل» ومن محاسن الإسلام إبطال الكهانة وتحريمها،
وتحريم زجر الطير، وتحريم الميسر، وهو نوع من القمار، ومنها الأزلام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
ومنها رمي البعرة، كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها دخلت حشفًا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا، حتى تمضي عليها سنة، ثم تؤتي بدابة، حمار أو طير أو شاة فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج بعد ذلك، فتعطي بعرة، فترمي بها، ثم تراجع ما شاءت.
ومنها قتل الأولاد خشية الفقر، فكان الرجل يقتل ولده خشية أن يطعم معه إلى أن نهى الله عن ذلك بقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31].
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه حول الوثنيين والمشركين والكفار إلى مؤمنين صالحين، أتقياء زهادًا ورعين، يخافون الله، ويعبدونه وحده لا شريك له، ويقفون بجانب الحق، لا تأخذهم في الله لومة لائم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
ومن محاسن الإسلام تحريم الغدر، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ويقول تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34].
وورد عنه ﷺ أنه قال: «لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان»، وقال ﷺ: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا»، وعد منها: «وإذا عاهد غدر»، وقال ﷺ: «يقول الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر» الحديث رواه البخاري.
ومن محاسن الدين الإسلامي الحث على العمل، وكسب الرزق، وترك الكسل، وسؤال الناس إلا عند الضرورة، فالإسلام دين سعي وعمل واجتهاد، لا دين كسل وعجز وتوان، دين يحافظ على العزة الإنسانية، والكرامة الشخصية، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: 105]، وقال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ [النجم: 39، 40]، ويحث على الجمع بين العمل للدين والدنيا، فيقول جل وعلا: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77]، ويقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 10].
ومن محاسن الإسلام القصد في الطعام والشراب، قال الله جل وعلا: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]، وعن المقداد بن معدي كرب قال: قال رسول الله ﷺ: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» أخرجه الترمذي وابن ماجه.
ومن محاسن الإسلام النهي عن المماطلة في الحقوق، قال ﷺ: «مطل الغنى ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» رواه البخاري ومسلم.
ومن محاسن الدين الإسلامي الأمر بإنظار المعسر، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280].
وعن أبي هريرة t، عن النبي ﷺ قال: «كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه» رواه البخاري، وقال ﷺ: «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة».
ومن محاسن الإسلام النهي عن الرشوة، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» رواه الترمذي، وورد: «لعن الله الراشي والمرتشي، والرائش الذي يمشي بينهما».
ومن محاسن الدين الإسلامي الحث على إقالة النادم، لما في ذلك من الإحسان، والمعروف وجبر خاطره، ففي الحديث: «من أقال مسلمًا أقال الله عثرته»، وفي رواية: «من أقال نادمًا، أقاله الله يوم القيامة» وصلى الله على محمد وآله وسلم.
«فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي بذل النصيحة لله،
ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فالنصيحة لله الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في أسمائه، وصفاته ووصفه بأوصاف الكمال، وتنزيهه عن النقائص والعيوب، وطاعة أمره واجتناب نهيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وغير ذلك مما يجب له، وأما النصيحة لكتاب الله، فالإيمان به بأنه كلام الله، منزل غير مخلوق، وتحليل ما حلله الله، وتحريم ما حرمه، والاهتداء بهديه والتدبر لمعانيه، والقيام بحقوقه، والاتعاظ بمواعظه، والاعتبار بزواجره، وأما النصيحة لرسول الله ﷺ، فتصديقه فيما جاء به، ومحبته، وتقديمه فيها على النفس والمال والولد، وتوقيره حيًّا وميتًا، ومعرفة سنته ونشرها، والعمل بها، وتقديم قوله على قول كل أحد كائنًا ما كان، وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فهي إعانتهم على الحق وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتذكيرهم بحوائج العباد، ونصحهم برفق ولين وعدل، واعتقاد ولايتهم، والسمع والطاعة لهم في غير معصية الله، وحث الناس على ذلك، وبذل ما تستطيعه من إرشادهم، وتنبيههم إلى ما ينفعهم وينفع الناس، والقيام بواجبهم، وأما النصيحة لعامة المسلمين، فهي إرشادهم إلى مصالحهم في دنياهم وأخراهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوا من أمر دينهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويسعى في ذلك حسب الإمكان.
ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن قطيعة الرحم، قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]، وقال ﷺ: «الرحم متعلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» رواه البخاري.
وروى الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي ﷺ قال: «إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم». ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن التشدد في الدين، وعن الزهد في الطيبات، لأن الإسلام دين اليسرة، والسهولة، والاعتدال، فعن أنس t قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ، يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدًا، فجاء إليهم رسول الله ﷺ، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» رواه الشيخان.
قصيدة في غربة الإسلام
أقول وأولى ما يرى في الدفاتر | ||||
وأحسن فيضًا من عيون المحابر | ||||
هو الحمد للمعبود والشكر والثناء | ||||
تقدس عن قول الغواة الغوادر | ||||
وجل عن الأنداد لا رب غيره | ||||
وعن شافع في الابتدا أو موازر | ||||
وصلى على من قام لله داعيًا | ||||
وشيد أعلام الهدى والشعائر | ||||
وأوضح دين الله من بعد ما سفت | ||||
عليه السوافي في القرى والجزائر | ||||
وعادى ووالى في رضى الله قومه | ||||
ولم يثنه عن ذاك صولة قاهر | ||||
محمد المبعوث للناس رحمة | ||||
نذارته مقرونة بالبشائر | ||||
وبعد فإن تعجب لخطب تبلبلت | ||||
لفادحه أهل النهى والبصائر | ||||
فلا عجبًا يوم من الدهر مثل ما | ||||
أناخ بنا من كل باد وحاضر | ||||
وما ذاك إلا غربة الدين يالها | ||||
مصيبة قوم من عظام الفواقر | ||||
ترى أهله مستضعفين أذلة | ||||
فما بين طعان علهيم ونافر | ||||
ومستهزء منهم فينغض رأسه | ||||
ويرمونهم شزر العيون النواضر | ||||
وعاداهم من يدعي العلم والحجى | ||||
وكل خليل أو قريب مصاهر | ||||
فما شئت من شتم وقذف وغيبة | ||||
وتنقيصهم في كل ناد لفاجر | ||||
وأكبر من هذا وأعظم فرية | ||||
موالاة أهل الشرك من كل كافر | ||||
وأعينهم في فعل ذاك قريرة | ||||
فمن صامت في فعله أو مجاهر | ||||
ومن قام بالإنكار فهو مشدد | ||||
يكادون أن يبدوه فوق المنابر | ||||
فإن يحكموا بالسوط ضربًا فإن يكن | ||||
رجوع وإلا بالضبا والخناجر | ||||
وأصبح ذو الإيمان فيهم كقابض | ||||
على الجمر أو في الجنب صلى المجاهر | ||||
وإخوانه النزاع في كل قرية | ||||
لدى أهلها في ذلهم كالأصاغر | ||||
وما زادهم إلا ثباتًا مع الرضى | ||||
بقلب سليم للمهيمن شاكر | ||||
فاكرم بهم من عصبة الحق إنهم | ||||
لحفظ نصوص الدين أهل تناصر | ||||
إذا ما بدا نص الكتاب وسنة | ||||
تنادوا عباد الله هل من مثابر | ||||
وعضوا عليها بالنواجذ فاهتدوا | ||||
وما رغبوا عناه لخرص الخواطر | ||||
عليك بهاتيك الصفات منافسًا | ||||
فلله ما أسنا سناها لسائر | ||||
هم القوم لا يثنيهم عن مرادهم | ||||
ملامة لوام وخذلان ناصر | ||||
بنفسي فتى ما زال يدأب دائما | ||||
إلى ربه أكرم به من مهاجر | ||||
مكبًا على آي الكتاب ودرسه | ||||
بقلب حزين عند تلك الزواجر | ||||
فياليتني ألقاه يومًا لعله | ||||
يخبرني عما حوى في الضمائر | ||||
ونرفع أيدينا إلى الله بالدعا | ||||
لينصر دين المصطفى ذي المفاخر | ||||
وينصر أحزاب الشريعة والهدى | ||||
ويقمع أهل الزيغ من كل فاجر | ||||
فآهٍ على تفريق شمل فهل لما | ||||
مضى عودة نحو السنين الغوابر | ||||
عسى نصرة للدين تجمع شملنا | ||||
تقر بها مما ترى عين ناظر | ||||
فيرتاح أهل الدين فيها أعزة | ||||
وأعداؤه تحت القنا والحوافر | ||||
وأختم نظمي بالصلاة مسلمًا | ||||
مدى الدهر ما ناضت بروق المواطر | ||||
على أحمد والآل والصحب والذي | ||||
لهم تابع يسعى بفعل الأوامر | ||||
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
«فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي الترغيب في الدعوة إلى الخير،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلال كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
ومن محاسن الدين الإسلامي حث المرء على انتهاز فرصة الحياة، لعمل ما ينفعه في الآخرة، فعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: 18].
ومن محاسن الدين الإسلامي الحث على وجوب الاعتماد على الله، ثم على إيمانه وعمله الصالح، لا على ما له من صلة بالمقربين إلى الله، فعن أبي هريرة t قال: قام رسول الله ﷺ حين أنزل الله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، فقال: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» رواه الشيخان والترمذي.
ومن محاسن الإسلام الأمر بتعهد النفس بالإصلاح، فيلزمها بأداء ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والآيات في الحث على التقوى كثيرة.
ومن محاسن الإسلام أنه يجعل الإنسان على صلة دائمة بربه، حين تفد عليه النعمة، وحين تنزل به الشدة، قال ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له» رواه مسلم.
ومن محاسن الإسلام أنه يحث الخلق ويوجههم إلى إصلاح أنفسهم ومجتمعهم، ويرشدهم، ويبين لهم كيف يحررون عقولهم، ويسمون بها عن معاوي الضلال، إلى أن يخصوا الله جل وعلا بالعبادة، ويوضح لهم كيف يصقلون نفوسهم، ويغذون أرواحهم بالصلاة كل يوم خمس مرات، ويوضح لهم كيف يطهرون أموالهم، بأداء حق الله، وكيف يبنون الأسرة المسلمة، التي هي نواة المجتمع، على أسس سليمة قوية، وذلك بتواصلهم، ومعرفتهم لحق قرابتهم، والآيات والأحاديث تدل على ذلك، فعن أبي أيوب الأنصاري، أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له؟ فقال رسول الله ﷺ: «أرب ما له؟ تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم» الحديث رواه الشيخان.
ومن محاسن الدين الإسلامي تحريم الخصومة بالباطل لمن يعلم، وتحريم الشفاعة التي تعطل إقامة الحدود التي شرعها الله، وتحريم القول عن المؤمن بما ليس فيه، فمن الغايات التي حرص الإسلام على تحقيقها أن يقيم المجمع الإنساني على أسس قوية من العدالة والتراحم، وأن تسود أعضاءه روح المودة، والتعاون المثمر، ويسلم من عوامل الضعف، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله عز وجل، ومن خاصم في الباطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال» أخرجه أحمد وأبو داود.
ومن محاسن الدين الإسلامي تحريم شهادة الزور، وقول الزور، لما في ذلك من الأضرار والمفاسد، التي منها بيعه آخرته بدنيا غيره، ومنها إساءته إلى من شهد له، بإعانته على ظلمه، ومنها إساءته إلى من شهد عليه، بإضاعة حقه، ومنها إساءته إلى القاضي، بإضلاله عن المحجة، ومنها إساءته إلى الأمة، بزلزلة الحقوق فيها، وعدم الاطمئنان عليها.
ومن محاسن الدين الإسلامي إبطال ما عليه أهل الجاهلية وتحريمه، وهما الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، لما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن لطم الخدود، وشق الجيوب في المصيبات، وفي الصحيحين عن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن الاستيلاء على الماء الذي لا يختص بأحد، ومنعه ابن السبيل، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بفلاة، يمنعه ابن السبيل» متفق عليه، وفي رواية، وقال فيه: «ورجل منع فضل ماء، فيقول الله له: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك».
اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وألحقنا بعبادك الصالحين، الذي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
«فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يحرم الاعتداء،
أو النيل من النفس أو المال أو العرض أو العقل، وكل جريمة من جرائم الاعتداء عليها عقوبة، من قصاص أو حد، والأخلاق الإسلامية - من الصدق والأمان والوفاء والعفة وغيرها - ليست أمورًا كمالية في نظر الإسلام، كما يتوهمه بعض الناس، بل هي واجبات، يحرص علهيا، ومعرض كل من يخرج عن دائرتها، بأنه سيقتص منه في الآخرة إن لم يتب ويتدارك.
وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم.
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يرشد معتنقه إلى أن صلاح حياته يتطلب منه أن يكون عفًا في كلامه، فلا يغتاب، ولا ينم، ولا يسب، ولا يقذف مسلمًا، ولا يلعنه، ولا يستهزئ به، ولا يفتري، ولا يكذب.
عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وقال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام».
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يحث المؤمن على أداء واجبه، وأن لا يدخر جهدًا في توجيه أهله وإخوانه، وأقربائه وجيرانه، وكل من تربطهم به صلة وثيقة إلى الخير، ووسيلته إلى هذا التوجيه هي التواصي بالحج، والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن محاسن الدين الإسلامي الأمر بالحياء الذي هو أصل كل فضيلة، وعصمة من كل شر، لمن وفقه الله.
وفي حديث عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال: «استحيوا من الله حق الحياء» قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا» رواه الترمذي وأحمد والحاكم بسند صحيح.
ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن اتخاذ شيء فيه روح غرضا يرمى إليه، لما في الصحيحين أن ابن عمر مر بفتيان من قريش، قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله ﷺ لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضًا.
ومن محاسن الدين الإسلامي النهي عن بيع الحر، قال ﷺ: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه العمل، ولم يوفه أجره».
ومن محاسن الدين الإسلامي الوعيد الشديد على من استأجر أجيرًا، واستوفى منه العمل، ولم يوفه أجره، للحديث المتقدم.
ومن محاسن الدين الإسلامي تحريم السحر، وتصديق الكان، قال ﷺ: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد- ﷺ -».
ومن محاسن الدين الإسلامي تحريم (القِدَادَة) والعياذ بالله، وهي الجمع بين رجل وامرأة أجنبية، سواء كان الجامع رجلا أو امرأة.
ومن محاسن الإسلام تحريم السعاية عند السلطان بمضرة مسلم.
ومن محاسن الإسلام تحريم غصب المل، لأنه نوع من الظلم والفساد، والله لا يحب الظالمين.
ومن محاسن الدين الإسلامي الحث على الاستقامة، التي هي الاعتدال في جميع الأمور، ومن الأقوال والأفعال، والمحافظة على جميع الأحوال، التي تكون بها النفس على أفضل حالة وأكملها، فلا يظهر منها قبيح، ولا يتوجه إلهيا ذم ولا لوم، وذلك إنما يكون بالمحافظة على الشرع الشريف، والتمسك بالدين القيوم، والوقوف عند حدوده، مع التخلق بالأخلاق الفاضلة، والصفات الكاملة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30]، وقال لنبيه ﷺ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: 112]، وقال النبي ﷺ لسفيان بن عبد الله: «قل آمنت بالله ثم استقم».
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه ما حرم شيئا، عليهم إلا عوضهم خيرًا منه، مما يسد مسده ويغني عنه، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى حرم عليهم الاستقسام بالأزلام، وعوضهم منه دعاء الاستخارة، وحرم عليهم الربا، وعوضهم التجارة الرابحة.
وحرم عليهم القمار، وأعاضهم منه أكل المال بالمسابقة بالخيل والإبل والسهام.
وحرم عليهم الحرير، وأعاضهم منه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف، والكتان، والقطن.
وحرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة، النافعة للروح والبدن.
وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات، وهكذا إذا تتبعنا تعاليم الإسلام كلها، وجدنا أنه جل وعلا لم يضيق على عباده في جانب، إلا وسع عليهم في جانب آخر من جنسه والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
«فصل» ومن محاسن الدين الإسلامي أنه يقدر البواعث الكريمة،
والقصد الشريف، والنية الطيبة، في تشريعاته وتوجيهاته كلها، قال ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وبالنية الطيبة تنقلب المباحات والعادات إلى طاعات وقربات إلى الله، فمن تناول غذاءه بنية حفظ حياته وتقوية جسده، ليستطيع القيام بما أوجبه عليه ربه، من حقوق وتكاليف لأهله وأولاده، كان طعامه وشرابه مع النية الصالحة عبادة، ومن أتى شهوته مع ما أحله الله له من زوجة أو مملوكة له، يقصد إعفاف نفسه وأهله، وابتغاء ذرية صالحة، كان ذلك عبادة، تستحق المثوبة والأجر من الله، وفي ذلك يقول النبي ﷺ: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجرٌ؟! قال: «أليس إن وضعها في حرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر».
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه حرم على المسلم شراء ما غصب أو سرق، أو أخذ من صاحبه بغير حق، لأنه إذا فعل ذلك يكون معينًا للغاصب والسارق والآخذ، وهذا إذا علم أنها سرقة، ولو طال زمن غصبه أو سرقته في يد الغاصب أو السارق أو الناهب، فإن طول الزمن في الشريعة الإسلامية، لا يجعل الحرام حلالاً، ولا يسقط حق المالك الأصلي بالتقدم، وهذا أيضًا من محاسنه.
ومن محاسن الدين الإسلامي تحريم الربا، أولاً: لأن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض ؛ لأن من يبيع درهما بدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، كما هو معروف.
ثانيًا: استعمال الربا يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض.
ثالثًا: يمنع من تحمل المشاق تجاه الاكتساب، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، وتكسيلهم عن الجد والاجتهاد في الطلب، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
عباد الله:
إن ما سمعتم من المحاسن نقطة من بحر محاسن الدين الإسلامي، الذي جمع الله به فرقة العرب وشتاتهم، ووحد به قلوبهم وصفوفهم، وهذب طباعهم وأخلاقهم، حتى أوجد منهم أمة شديدة البأس، واسعة السلطان، ملكت ناصية الأرض، ونشرت علم الإسلام في نواحيها، قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]، وقال: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: 36].
دين نشره الله في أرجاء المعمورة، كالشمس الضاحية، لا يحجب شعاعها، وكالقمر الزاهر، لا يخفى ضوءه، ولا يخسف نوره.
دين ترى أعداءه ومبغضيه يقتربون منه كل يوم، من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون، لأنهم بمخترعاتهم وعلومهم لم يزيدوا على أنهم به يشهدون، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].
دين يكيد له أعداؤه وحساده، من يوم أنزل، وهو كما ترى، لم يطفأ له نور، ولم يضعف له برهان، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].
أيها المسلم، حسبك أن تعلم أن الدين الإسلامي يحتوي على خيري الدنيا والآخرة، ونعيم العاجلة والآجلة، فما من فضيلة إلا حث عليها، وما من رذيلة إلا نفر منها، فإذا اعتصمت بحبله المتين، وحرصت على العمل بأحكامه، والتحلي بآدابه، عشت سعيدًا ومت سعيدًا حميدًا.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
هذا ونصر الدين فرض لازم | ||||
لا للكفاية بل على الأعيان | ||||
بيد وإما باللسان فإن عجز | ||||
ت فبالتوجه والدعاء بجنان | ||||
ما بعد ذا والله للإيمان حبة | ||||
خردل يا ناصر الإيمان | ||||
بحياة وجهك خير مسؤول به | ||||
وبنور وجهك يا عظيم الشان | ||||
وبحق نعمتك التي أوليتها | ||||
من غير ما عوض ولا أثمان | ||||
وبحق رحمتك التي وسعت جميع | ||||
الخلق محسنهم كذاك الجاني | ||||
وبحق أسماءٍ لك الحسنى معًا | ||||
فيها نعوت المدح للرحمن | ||||
وبحق حمدك وهو حمد واسع الـ | ||||
أكوان بل أضعاف ذي الأكوان | ||||
وبأنك الله الإله الحق | ||||
معبود الورى متقدس عن ثان | ||||
بل كل معبود سواك فباطل | ||||
من دون عرشك للثرى التحتاني | ||||
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك | ||||
أنت غياث كل ملدد لهفان | ||||
من ذاك للمضطر يسمعه سوا | ||||
ك يجيب دعوته مع العصيان | ||||
إنا توجهنا إليك لحاجة | ||||
ترضيك طالبها أحق معان | ||||
فاجعل قضاها بعض أنعمك التي | ||||
سبغت علينا منك كل زمان | ||||
انصر كتابك والرسول ودينك | ||||
العالي الذي أنزلت بالبرهان | ||||
واخترته دينا لنفسك واصطفيت | ||||
مقيمه من أمة الإنسان | ||||
ورضيته دينًا لمن ترضاه من | ||||
هذا الورى هو قيم الأديان | ||||
وأقر عين رسولك المبعوث بالـ | ||||
ـدين الحنيف بنصره المتدان | ||||
وانصر به النصر العزيز كمثل ما | ||||
قد كنت تنصره بكل زمان | ||||
يا رب وانصر خير حزبينا على | ||||
حزب الضلال وعسكر الشيطان | ||||
يا رب واجعل شر حزبينا فدًا | ||||
لخيارهم ولعسكر القرآن | ||||
يا رب واجعل حزبك المنصور | ||||
أهل تراحم وتواصل وتدان | ||||
يا رب واحمهم من البدع التي | ||||
قد أحدثت في الدين كل زمان | ||||
يا رب جنبهم طرائقها التي | ||||
تفضي بسالكها إلى النيران | ||||
يا رب واهدهم بنور الوحي كي | ||||
يصلوا إليك فيظفروا بجنان | ||||
يا رب كن لهم وليًا ناصرًا | ||||
واحفظهم من فتنة الفتان | ||||
وانصرهم يا رب بالحق الذي | ||||
أنزلته يا منزل القرآن | ||||
يا رب إنهم هم الغرباء قد | ||||
لجاءوا إليك وأنت ذو الإحسان | ||||
يا رب قد عادوا لأجلك كل | ||||
هذا الخلق إلا صادق الإيمان | ||||
قد فارقوهم فيك أحوج ما هو | ||||
دنيًا إليهم في رضى الرحمن | ||||
ورضوا ولايتك التي من نالها | ||||
نال الأمان ونال كل أمان | ||||
وروضوا بوحيك من سواه وما ارتضوا | ||||
بسواه من آراء ذي الهذيان | ||||
يا رب ثبتهم على الإيمان | ||||
واجعلهم هداة التائه الحيران | ||||
وانصر على حزب النفاة عساكر الـ | ||||
إثبات أهل الحق والعرفان | ||||
وأقم لأهل السنة النبوية الـ | ||||
ـأنصار وانصرهم بكل زمان | ||||
واجعلهم للمتقين أئمة | ||||
وارزقهم صبرًا مع الإيقان | ||||
تهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا | ||||
ودعوا إليه الناس بالعدوان | ||||
وأعزهم بالحق وانصرهم به | ||||
نصرًا عزيزًا أنت ذو السلطان | ||||
واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم | ||||
فلأنت أهل العفو والغفران | ||||
ولك المحامد كلها حمدًا كما | ||||
يرضيك لا يفنى على الأزمان | ||||
ملء السموات العلى والأرض والـ | ||||
موجود بعد ومنتهى الإمكان | ||||
مما تشاء وراء ذلك كله | ||||
حمدًا بغير نهاية بزمان | ||||
وعلى رسولك أفضل الصلوات | ||||
والتسليم منك وأكمل الرضوان | ||||
وعلى صحابته جميعًا والألى | ||||
تبعوهم من بعد بالإحسان | ||||
وختامًا فإليك كلمة موجزة قالها أحد العلماء
أرسل طرفك إلى نشأة الأمة، وتبين أسباب نهوضها الأول، فترى أن ما جمع كلمتها، وأنهض همم آحادها، ولحم بين أفرادها، وصعد بها إلى مكانة تشرف منها على رءوس الأمم وتسوسهم، وهي في مقامها بدقيق حكمتها، إنما هو «دين» قويم الأصول، محكم القواعد، شامل لأنواع الحكم، باعث على الألفة، داع إلى المحبة، مزك للنفوس، مطهر للقلوب من أدران الخسائس، منور للعقول بإشراق الحق من مطالع قضاياه، كافل لكل ما يحتاج إليه الإنسان من مباني الاجتماعات البشرية، وحافظ وجودها، وينادي بمعتقديه إلى جميع فروع المدنية الصحيحة، انظر إلى التاريخ قبل بعثة الدين، وما كانت عليه من الهجمية والشتات، وإتيان الدنايا والمنكرات، حتى إذا جاءها الدين وحدها وقواها، وهذبها ونور عقولها، وقوم أخلاقها، وسدد أحكامها، فسادت على العالم، وساست من تولته بالعدل والإنصاف.
اللهم عافنا من مكرك، وزينا بذكرك، واستعملنا بأمرك، ولا تهتك علينا جميل سترك، وامنن علينا بلطفك وبرك، وأعنا على ذكرك وشكرك، اللهم سلمنا من عذابك، وآمنا من عقابك.
اللهم وفقنا للاستقامة والعدل فيما وليتنا عليه، اللهم إنا نعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ونعوذ بك من حياة تمنع خير الممات، ونعوذ بك من أمل يمنع خير العمل، ونسألك أن تنور قلوبنا، وتثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن تغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.