الوصف المفصل
أحكام آخر الأيام
أبو بكر جابر الجزائري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله المحيي المميت بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على محمد نبي الرحمة البشير النذير، والسراج المنير، وآله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين ذوي المكانة العالية ومحط التقدير وبعد...
فقد رغب إليّ أحد أحبتي الصالحين في أن أضع رسالة مختصرة أبين فيها أحكام الوفاة من تلقين الميت، وغسله، وتكفينه، وتشييعه، والصلاة عليه، ودفنه، وتعزية أهله على طريقة السلف الصالح – رحمنا الله وإياهم – أجمعين – فأجبته إلى ذلك مضيفًا إلى الرسالة بيان شيء من مبادئ الصحة. وبعض طرق العلاج من السنة النبوية الصحيحة. والله أسأل أن ينفع بها من يقرأها وأن لا يحرمني مثوبة عملي فيها وأن لا يحرم الأجر من اقترح عليّ تأليفها، وما أنفقه على طبعها ونشرها إن الله جواد كريم بر رحيم.
المؤلف
أبو بكر جابر الجزائري
المدرس بالمسجد النبوي الشريف
أحكام آخر الأيام
مبادئ حفظ الصحة
لما كان المرء مخلوقًا لعبادة الله تعالى لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، والعبادة وهي الطاعة بفعل محاب الله تعالى وترك مكارهه لا تتم إلا بالبدن الصحيح الذي يقدر صاحبه على النهوض بالتكاليف، ومن هنا كان الحفاظ على الصحة البدنية والعقلية من ضروريات الدين، وأظهر من ذلك أن المؤمن قد باع نفسه وماله لله تعالى بثمن هو الجنة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ ومن هنا وجب على المؤمن أن يحافظ على بدنه وماله فلا يعرضهما للنقصان ولا التلف لأنهما أمانة الله ووديعته عنده، فلا يصح التفريط فيها بحال من الأحوال.
وها هي بعض ما يحفظ به الصحة من الأذكار والأدعية، والمسائل الطبية فليأخذ بها كل مؤمن ومؤمنة رجاء حفظ صحته بإذن الله.
أ- الأذكار والأدعية:
1- وهي قول: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم»([1]) (ثلاث مرات) في أول النهار وفي أول الليل، إذ هو تحصُّن بالله، والتجاءٌ إليه، للحفظ والحماية من كل ما يضر بالمسلم.
2- «حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم»([2]) (سبع مرات).
3- «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»([3]) (ثلاث مرات).
إذ قول هذه الكلمات الواردة في هذه الأحاديث الثلاثة، معناها الالتجاء إلى الله تعالى والتحصن به والاحتماء بجنابه. ومن لجأ إلى الله – العلي القدير الحفيظ العليم – وتحصن به واحتمى بحماه قطعًا أجاره وحماه وكفاه.
ب- المسائل الطبية: وهي ما يؤثر به لحفظ الصحة وهو:
1- أن يترك المرء طعامه وشرابه إذا أكل أو شرب ونفسه تشتهيه.
2- أن لا يُدخِل المرء طعامًا على طعام؛ بل لا يأكل إلا عند الإحساس بالجوع.
3- أن يكون الغذاء في الصيف باردًا وفي الشتاء حارًا.
4- أن يتجنب البطنة وهي امتلاء البطن([4]) بالطعام والشراب.
5- أن يجعل كلاً من طعامه وشرابه ونومه قصدًا أي قوامًا بين الكثرة والقلة أو الإسراف والإقتار.
6- أن يمشي بعد أكلة العشاء أو يصلي بعدها صلاة يطمئن في ركوعها وسجودها.
7- أن يلحس الإناء بعد الأكل ويلعق أصابعه.
جـ- ما ينهى عنه لحفظ الصحة:
1- الجمع بين أكل السمك وشرب اللبن.
2- الجمع بين اللبن والخل.
3- الجمع بين الجبن والسمك.
4- الجمع بين الفاكهة واللبن.
5- الجمع بين السمك والبيض.
6- الجمع بين الشبع ودخول الحمام.
7- الجمع بين الجبن واللحم المشوي.
كانت هذه بعض مبادئ حفظ الصحة وهي من أقوال الحكماء وتجاربهم، فليأخذ بها المؤمن ما أمكنه فإنها تساعده على حفظ صحته سليمة إن شاء الله تعالى وبالبدن السليم يعبد المرء ربه ويتقرب إليه بأحب الأعمال عنده.
المرض والتداوي
أولا: المرض:
المرض هو اعتلال الصحة بتغير المزاج لسبب طارئ أفسد اعتداله فمرض صاحبه، والمرض في الجسم ليس مكروهًا دائمًا بل منه ما يكون مُرضيًا لمن أصابه من أهل الإيمان والصبر والرضا يدل على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الحمى فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد»([5]). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرًا يصب منه»([6]). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ويُبتلى الرجل على حسب دينه»([7]). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنبه حتى الشوكة يُشاكها أو النكبة يُنكبها»([8]).
عيادة المريض:
إن عيادة المريض مُرغَّب فيها مَدعُوٌّ المؤمن إليها لما فيها من الأجر العظيم وهي من حق المؤمن على أخيه المؤمن، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «للمسلم على المسلم أربع خلال: يشمِّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويشهده إذا مات، ويعوده إذا مرض»([9]) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أتى أخاه المسلم عائدًا مشى في خرافة([10]) الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي فإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح»([11]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من عاد مريضًا نادى مُناد من السماء طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً»([12]).
مبدأ العيادة:
لا بأس أن تتأخر عيادة المريض حتى يمضي عليه ثلاثة أيام، إذ من الجائز أن يشفى المريض بعد يوم من مرضه أو يومين، فلذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعود المريض بعد مضي ثلاثة أيام من مرضه، فقد روى ابن ماجة عن أنس قوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعود مريضًا إلا بعد الثلاث.
ما يقوله العائد:
إن العائد للمريض إذا انتهى إليه، وضع يده عليه وسأله قائلاً: كيف أصبحت أو أمسيت؟ ثم يقول: لا بأس طهورًا إن شاء الله. وَلِيَدُعُ بما يلي: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عاد مريضًا، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك إلا عافاه».
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى مريضًا أو أُتي به إليه قال: «اذهب البأس رب الناس واشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادره سقمًا»([13]).
ثانيا: التداوي:
إنَّ طلب الدواء والمداواة مأذون فيهما شرعًا بل مأمور بهما في بعض الأحوال وليس أدل على ذلك من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنزل الله داء إلا قد أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله»([14]). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عباد الله تداووا»([15]). وفي الصحيح: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء»، ومن هنا ما زال الناس يطلبون الأدوية ويترقون فيها إلى اليوم نظرًا إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء».
بعض ما يتداوى به:
1- الحبة السوداء:
ويقال لها حبة البركة صح فيها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام»([16]). أي الموت.
2- العسل والحجامة:
العسل: قال تعالى فيه: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾.
الحجامة: لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية بنار، وأنهى أمتي عن الكي». رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وقد احتجم - صلى الله عليه وسلم - وأعطى الحجام أجرة، وقال: «إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة»([17]) وقال: «من أراد الحجامة فليتحر سبعة وتسعة عشر وإحدى وعشرين ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله»([18]).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحجامة على الريق أمثل فيه شفاء وبركة تزيد في العقل وفي الحفظ»([19]).
3- الماء البارد:
إن الحمى وخاصة الناتجة عن ضربة الشمس تعالج بالماء البارد فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء»([20]).
4- الكحل:
إن الاكتحال مشروع للنساء، إذ هو من زينتهن، وهو للرجال دواء العينين فيكتحل المسلم لأجل الحفاظ على قوة بصره ولا سيما بالإثمد فإنه نافع جدا، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر»([21]). أي شعر الأجفان التي هي وقاية للعينين.
5- الحناء:
الحناء كالإثمد معروفان لعامة الناس، والتداوي بالحناء يكون بوضعها بعد تنعيمها حتى تكون كالدقيق، ثم تبل بالماء وتوضع على مكان الألم، فقد رُوي وصح عن سلمى أم رافع مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: «كان لا يصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قرحة ولا شوكة إلا وضع عليه الحناء». والحديث حسن([22]).
6- الحمية للمريض:
إن الحمية وهي الامتناع عن بعض الأطعمة من أقوى أسباب حفظ الحصة فهناك كثير من الأطعمة والأشربة وإن لم تكن خبيثة محرمة فإن تركها أنفع للإنسان في حفظ صحته، إلا أن الحمية للمريض نافعة ومرغب فيها، فقد رُوي وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي t وهو ناقِه من مرض أصابه وقد تناول تمرًا ليأكله قال له: «مه يا علي إنك ناقه». فقد حدثت أم المنذر الأنصارية، فقالت دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي بن أبي طالب وعلي ناقه من مرض، ولنا دوالي معلقة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل منها، فتناول علي ليأكل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مه يا علي إنك ناقه»([23]) قالت: فصنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - سلقًا وشعيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا علي من هذا فأصب فإنه أنفع لك»([24]). من هذا تبين أن المريض يحمى عن بعض الأطعمة الثقيلة ويؤذن له في الطعام الخفيف.
7- عرق النسا:
إن عرق النسا مرض مؤلم قديم عرفته البشرية من قرون عديدة، وهو عبارة عن عرق في الورك يستبطن الفخذ إلى نهاية الرجل، وقد أعجز الأطباء علاجه، وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - طبًا في غاية اليسر والسهولة فقال: «شفاء عرق النسا ألية شاة أعرابية تُذاب ثم تجزِّأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء». [رواه ابن ماجة وهو صحيح].
التداوي المحرم:
لا يحل للمسلم أن يتداوى بمحرم: كالخمر، ولا بالقاتل: كالسم، ولا بالخبيث: كالبول، وسائر النجاسات من دم وعذرة، ونحوها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من شرب سمًا فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم»([25]). وعلى المنع بالتداوي بما ذكرنا أكثر أهل العلم.
من لم يحسن الطب ضامن:
إذا تطبب المرء بدون علم له بالطب فأتلف بذلك عضوًا أو نفسًا فإنه يضمن ذلك، أما إذا كان عالمًا بالطب ولم يفرط وأتلف أو قتل فلا شيء عليه. وذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنن ابن ماجة والحديث صحيح: «من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن».
الرقى:
الرقى جمع رقية وهي العوذة مما يُتعوَّذ به من القرآن والكلم الطيب، وحكمها الإباحة إذا كانت من عين أو حمة أي سم أو حمى أو مس جنون.
رقية العين:
المراد بالعين إصابة المرء بسبب عين حاسدة إذ في عين الحاسد قوة مؤثرة بإذن الله تعالى كسم العقرب، فإذا نظر الحاسد إلى شيء فأعجبه ولم يدع لصاحبه بالبركة أثَّر فيه، فمرض على الفور، ولذا أمر الله تعالى رسوله أن يتعوذ به من شر حاسد إذا حسد في سورة الفلق، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «العين حق»([26]). وقال: «استعيذوا بالله فإن العين حق»([27]) وقال: «عَلَامَ يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة»([28]). وأمر - صلى الله عليه وسلم - عامر بن ربيعة لما عين سهل بن حنيف أن يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره أي طرف إزاره المتدلي الذي يلي حِقوه الأيمن في إناء ثم يكفئ الإناء من خلف المريض على رأسه.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين بقوله: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة([29]) ومن كل عين لامة»([30]). البخاري والترمذي وأبو داود، ويقول: كان إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل عليهما السلام.
رقية الحَمَّة:
إذا لدغ المرء بعقرب يقرأ عليه أخوه سورة الفاتحة سبع مرات كُلّما قرأها مرة نفث بشيء من ريقه ودلك موضع اللدغة لحديث صحيح.
ومن خاف لدغة العقرب إن كان بأرض بها عقرب تلدغ قال حين يمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. فإنه لا تضره لدغة عقرب، وذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: لمّا قيل له إن فلانًا قد لدغته عقرب فلم ينم ليلته: «أما إنه لو قال حين يمسي أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح»([31]). ومفهومه أنه لو قالها حين يصبح لم يضره لدغ عقرب حتى يمسي.
رقية الحُمى:
إن مما يرقى به من الحمى قول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حسد حاسد، ومن كل عين، الله يشفيك. لحديث عبادة بن الصامت في سنن ابن ماجة وفيه أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فقال: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد، ومن كل عين، الله يشفيك».
رقية مس الجنون:
روى مالك في موطئه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسرى به رأى عفريتًا، ورأى بيده شعلة من نار يريد أن يضربه بها، فذكر ذلك لجبريل فعلّمه كلمات يقولها، فقالها، فطفئت شعلته، وفر لفيه والكلمات هي: «أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها، وشر ما يلج في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن».
رقية عامة لكل وجع:
إذا وجد المسلم ألمًا في جسده في أي موضع من جسمه وضع يده على موضع الألم وقال: بسم الله ثلاثًا، وقال سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، لما رَوى مسلم من أن عثمان بن أبي العاص شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا بجسده فقال له: «اجعل يدك اليمنى على الذي تألم ثم قل: بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر». [الحديث صحيح].
أحكام الوفاة من الاحتضار إلى الاستقرار في الجنة أو النار
الاحتضار:
إن الآجال محدودة، وأيام حياة المرء معدودة. فلا يُزاد في العمر ولا يُنقص منه وكل ذلك في كتاب مبين، والعلاج مأمور به، ويُشفى به من لم يحضر أجله بإذن ربه، وإذا حضر أجل المرء قيل فيه احتُضر فلان، وتظهر لذلك علامات، وللمحتضر في هذه الحال أحكام هي الآتية:
1- أن لا يقال عنده إلا خيرًا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون». [رواه ابن ماجة].
2- أن يُلقِّن كلمة الإخلاص (لا إله([32]) إلا الله) وذلك بأن يجلس إلى جنبه من يلقنه، ثم يقول عنده: لا إله إلا الله، ويكررها يُذكِّر بها المُحتضَر، فإذا قالها المحتضر سكت، فإن تكلم المحتضر بكلام غيرها أعاد تذكيره حتى يقولها رجاء أن تكون آخر كلامه، فيدخل الجنة بإذن الله وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة». [رواه ابن ماجة والطبراني].
3- تغميض عين المحتضر إذا خرجت روحه، إذ البصر يتبع الروح فتبقى العينان مفتوحتين فينبغي تغميضها لحديث أم سلمة رضي الله عنها إذ قالت: «دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره (انفتح) فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قُبض تبعه البصر». [رواه ابن ماجة 1/467].
4- يُوجَّه إلى القبلة إن أمكن ذلك كحاله في قبره على وجه الاستحباب.
5- تسديد ديونه لأن روح المؤمن مرهونة بدَيْنِه، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا جيء بجنازة ليصلي عليها يسأل أهلها: هل ترك صاحبكم دينًا؟ فإن قالوا: نعم، قال: صلوا على أخيكم.
وأوصى الإمام الشافعي عند موته أن يُغسله فلان سماه فلما مات أتوه ليغسله، فسألهم هل ترك الإمام دينًا؟ قالوا: نعم. فأعطاهم سداده. وقال لهم: غسِّلوا إمامكم، فَهمًا منه أنه هو مراد الإمام.
6- يجوز تقبيل الميت فقد قبل أبو بكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: طبت حيًا وميتًا.
التغسيل:
إنَّ تغسيل الميت المسلم واجب كفائي: كَكَفَنِه، والصلاة عليه، ودفنه إن قام به أحد المسلمين سقط عن الباقين، وإلا فهم آثمون بترك هذا الواجب الكفائي.
وكيفيته:
أن يلف الغاسل خرقة على يده، ثم يعصر بطن الميت عصرًا خفيفًا ليخرج من بطنه ما عساه أن يخرج، ثم يغسل فرجيه وما حولهما غسلاً كافيًا، ثم يبدل الخرقة التي في يده بخرقة أخرى نظيفة، ثم يوضؤه وضوءه للصلاة، ثم يغسل رأسه ثلاثًا، ثم شقه الأيمن من أعلاه إلى أسفله، ثم يغسل الأيسر كذلك، فهذا الغسل الواجب، ثم يغسل بالماء والصابون مرتين أخريين إذ يستحب أن يغسل ثلاثًا، وإن كان الميت امرأة نقض شعر رأسها عند غسل رأسها ثم يظفر ثلاث ظفائر، ثم يجفف جسمه بمنشفة طاهرة ثم يطيب بالطيب، وذلك لحديث أم عطية الأنصارية إذ قالت دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته أم كلثوم فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا، أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتُنَّ فآذِننَّي»([33]). والسدر يقوم مكانة الصابون اليوم، والكافور لا يقوم مكانه شيء آخر لأنه طيب الرائحة، ويطرد الهوام ويمنع إسراع فساد الجسم.
مسائل الغسل:
1- لا يجوز أن يغسل الرجل المرأة ولا المرأة الرجل إلا أن يكونا زوجين، فلا بأس أن يغسل الرجل امرأته والمرأة زوجها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البقيع فوجدني، وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول وارأساه، فقال: «بل أنا يا عائشة وارأساه، ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك»([34]).
2- لا بأس بتغسيل النساء للصبي من الأولاد إن كان دون السابعة.
3- إذا انعدم الماء ييمم الميت كالحي إذا لم يجد الماء تيمم وصلى.
4- إذا ماتت المرأة في سفر، ولم تكن معها امرأة يممها الرجل وأجزأ ذلك.
5- إذا كان جسم الميت يتهرى بسبب حريق ونحوه صُبَّ عليه الماء فقط.
6- يستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل، لحديث أبي هريرة: «من غسل ميتًا فليغتسل»([35]).
7- يكره تقليم أظافر الميت أو قص شعره أو ختنه إذا لم يكن مختونًا.
تكفين الميت صغيرًا أو كبيرًا واجب وهو ستره بثوب حتى لا ترى عورته وجسمه وهو وقاية له من التراب أيضًا، ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب يُلفُّ فيها، أو تكون قميصًا وثوبين يلف فيها، فقد كُفِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيضاء سحولية([36])، وتكفن المرأة في خمسة أثواب: إزار ودرع وخمار وثوبين تلف فيهما.
مستحبات الكفن:
1- أن يكون أبيض لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم»([37]).
2- أن يزيد على ثوب واحد.
3- أن لا يكون حريرًا.
4- أن لا يغالى في ثمنه.
5- أن يُطيَّب أو يُبخَّر ببخور.
مسائل في الكفن:
1- يجوز التكفين في الثوب القديم إن كان نظيفًا.
2- أن يبدأ في شراء الكفن قبل سداد الديون.
3- إن لم يكن للميت مال فكفنه على من تلزمه نفقته، فإن لم يكن فمن بيت مال المسلمين، فإن لم يكن فعلى جماعة المسلمين، وكذا أجرة الغسل والحمل والدفن إن لزمت.
4- المحرم يكفن في إحرامه بعد أن يُغسَّل ولا يُمس بطيب لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيمن مات محرمًا: «اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تحنِّطوه، ولا تخمر رأسه، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا»([38]).
تشييع الجنازة وحملها:
إن المراد من تشييع الجنازة وحملها: الخروج معها وحملها إلى المصلى ثم إلى المقبرة، وقد ورد في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عودوا المريض، وامشوا مع الجنازة تذكركم الآخرة»([39]).
وفي حمل الجنازة أحكام وهي:
1- جواز المشي أمامها وخلفها والمشي أمامها أفضل لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمامها.
2- يُستحب الإسراع بها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم». [رواه الجماعة].
3- يستحب الحمل من جوانب السرير (النعش) الأربعة، لقول ابن مسعود t: من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة، ثم إن شاء الله فليتطوع – أي مواصلة الحمل – وإن شاء فليدع.
4- جواز الركوب للمشيع إن كان عاجزًا، وليكن وراءها لا أمامها لما ورد في ذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الراكب خلف الجنازة والماشي منها حيث شاء». [رواه ابن ماجة وصححه].
5- استحباب القيام للجنازة إذا مرت لحديث: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع». [في سنن ابن ماجه].
6- لا تتبع الجنازة ببخور ونحوه لوصية أبي موسى الأشعري بذلك، وقيل له: أسمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئًا؟ قال: نعم. [رواه ابن ماجه].
7- لا تشرع قراءة القرآن ولا الهيللة ولا قراءة البردة ولا غيرها إذ هذا كله محدث أي مبتدع لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكذلك قول بعضهم: استغفروا له. بأعلى صوته، وكذا طلب الشهادة له كقول بعضهم: ماذا تشهدون له؟ فليترك هذا كله فإنه بدعة، وكل بدعة ضلالة.
الصلاة على الميت وأحكامها:
إن الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية، وبيان أحكامها كالآتي:
أ- بيان أركانها وهي:
1- القيام فيها فلا تصح من قاعد وهو قادر على القيام.
2- التكبيرات الأربع.
3- قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى.
4- الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التكبيرة الثانية.
5- الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة.
6- التسليم.
7- الترتيب بين أركانها المذكورة على نحو ما ذكرت.
ب- بيان شروطها وهي:
1- النية: وهو قصد الصلاة على الميت.
2- أن يكون المصلّي عليها متطهرًا طهارة كاملة من الحدث الأكبر والأصغر.
3- أن يكون مستور العورة.
4- أن توضع الجنازة مستقبلة القبلة.
5- أن يكون المُصلّى عليه مسلمًا.
جـ- بيان مستحباتها وهي:
1- يستحب أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل وفي وسط المرأة لحديث أنس.
2- إذا تعدد الأموات وُضِعوا صفوفًا أمام الإمام ويجعل الأفضل أمام الإمام، وكذا إذا كانوا رجالاً ونساء فإنه يجعل الرجال مما يلي الإمام لعمل الصحابة رضوان الله عليهم.
3- يستحب أن تكون الصفوف ثلاثة فأكثر لحديث: «ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أُمَّة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له»([40]).
4- يستحب تكثير المصلين لحديث: «من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له»([41]). وحديث: «ما من أربعين مؤمن يشفعون لمؤمن إلا شفعهم الله»([42]).
د- كيفيتها:
كيفية الصلاة على الجنائز: أن يكبر المرء قائلاً: الله أكبر، رافعًا يديه حذو منكبيه ناويًا الصلاة على الميت، ثم يقرأ الفاتحة سرًا، ثم يكبر فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ثم يكبر ويدعو قائلاً: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وقه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم، اللهم أكرم نزله ووسع مدخله، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به إنك أنت الغفور الرحيم.
وإن كان الميت طفلاً قال: اللهم اجعله لوالديه شفيعًا وذخرًا، وفرطًا وأجرًا وأعظم به أجورهما، وألحقه بسلف الصالحين، في كفالة أبيه إبراهيم ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يكبر ويسلم، وإن شاء دعا قائلاً: اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، ويسلم تسليمة واحدة عن اليمين.
هـ- بعض مسائلها وهي:
1- المسبوق إن شاء كبَّر ما فاته ثم سلم وهو أولى، وإن شاء سلم مع الإمام ولا حرج.
2- لا يُصلَّى على شهيد المعركة، بل يدفن في ثيابه، ولا يغسل، ولا يُصلى عليه لعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشهداء أحد.
3- لا يُصلى على السقط ولكن على من استهل صارخًا إذ هو الذي يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، وإن كان السقط قد أتى عليه بعد أربعة أشهر فنفخ فيه الروح، فالصلاة عليه أولى.
4- يُصلى على قاتل نفسه وعلى من قُتِل في حد من حدود الله تعالى وعلى من مات على كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن يصلي عليه عامة الناس لا أهل الفضل والكمال منهم.
5- تتعين الصلاة على الغائب إن علم أنه لم يُصلى عليه، لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي.
6- جواز الصلاة على القبر إذا لم يصلى على صاحبه كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على التي كانت تَقُمُّ المسجد، ودفنت بليل فلم يعلم بها ولما أُخبِر صباحًا بموتها خرج إلى البقيع مع أصحابه وصلى عليها.
7- جواز الصلاة على الميت في المسجد وخارجه أفضل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على الأموات خارج المسجد، وصلى على ابن بيضاء في المسجد كما في الصحيح.
8- مشروعية صلاة الجنازة للمرأة المسلمة سواء كانت مع جماعة أو منفردة وقد صلَّت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما.
و- فضل الصلاة عليها:
الصلاة على الجنازة أجرها عظيم وقد رغب فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترغيبًا كبيرًا فقال: «من خرج في جنازة، وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له مثل أحد». [رواه مسلم].
الدفن:
الدفن هو مواراة الجسم البشري بعد وفاة صاحبه، ويقال له: الإقبار، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾. وهو واجب كفائي، وله أحكام هي:
1- أنه يكره بالليل إلا من ضرورة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا» [رواه الجماعة].
2- أنه يكره في أوقات الكراهة وهي عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعند الزوال، إلا من ضرورة لحديث عقبة بن عامر t إذا قال: «ثلاثة ساعات كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع([43])، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب». [رواه ابن ماجة والترمذي].
3- أن اللحد أولى من الشق إلا أن تكون التربة تتهيل عليه فيشق له، واللحد أن يحفر في جانب القبر، ويوضع الميت، ثم يُنصَب عليه اللبِن. لحديث صحيح: «اللحد لنا والشق لغيرنا». [رواه ابن ماجة وصححه].
4- أن يوسع القبر ويحسن حفره: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «احفروا وأوسعوا وأحسنوا». رواه ابن ماجة وصححه.
5- أنه يستحب لمن حضر الدفن أن يحثو ثلاث حثيات من التراب جهة رأس الميت حال دفنه.
6- أنه يجوز تعليم القبر بحجر ونحوه لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك، إذ قال أنس بن مالك: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة [رواه ابن ماجة 1/498].
7- أن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها كل هذا منهي عنه، فلا يجوز لما رَوَى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نهى عن تجصيص القبور، وأن يكتب على القبر بشيء»([44])، ولِما رَوَى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نهى أن يبنى على القبر»([45]).
أحكام المقابر:
المقابر: موضع إقبار الأموات ولها أحكام شرعية نبينها فيما يلي:
1- أن تصان بإحاطتها ببناء عال يمنع دخول الحيوانات إليها لحماية المسلمين أمواتًا.
2- أن لا تصلى فيها صلاة قط، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في المقابر. [رواه مسلم 2/67].
3- أن لا يجلس على القبور لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرقه خير له من أن يجلس على قبر». [رواه ابن ماجة وصححه].
4- أن لا يمشي أحد على القبر ولا يقضي حاجته بها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إليّ من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أُوَسْطَ القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق». [رواه ابن ماجة وصححه].
5- حرمة كسر عظام الميت لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كسر عظم الميت ككسره حيًا»([46]).
6- يكره المشي بالنعال بين القبور لقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى رجلاً لابسًا نعليه ويمشي بين القبور: «يا صاحب السبتتين ألقهما»([47]).
7- مشروعية زيارة القبور لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة»([48]).
8- حرمة زيارة القبور للنساء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله زوارات القبور»([49]).
9- جواز زيارة قبر الكافر وتبشيره بالنار لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «واستأذنت ربي في أن أزور قبرها –أي أمه آمنة– فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم بالموت»([50]). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار»([51]).
10- يكره للنساء اتباع الجنائز لقول أم عطية رضي الله عنها: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا»([52]).
العزاء
العزاء والتعزية حمل المصاب على الصبر بما يذكر له من وعد الله تعالى للصابرين من عظيم الأجر وحسن العاقبة، كقوله: اصبر واحتسب. فإن الله تعالى قال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾، والتعزية سنة معمول بها ومرغب فيها لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِن مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل حلل الكرامة يوم القيامة». [رواه ابن ماجة وصححه].
ولها أحكام هي:
1- ألفاظها:
من ألفاظها أن تقول للمصاب: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك. وإن عزى مسلمًا في كافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وإن عزى كافرًا في كافر قال: أخلف الله عليك. أو يقول لمن يعزيه ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابنته: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب». [متفق عليه].
2- لمن تكون التعزية:
تكون التعزية لأهل الميت عامة الأقرب فالأقرب.
3- مدة التعزية:
مدة التعزية ثلاثة أيام إلا أن يكون المعزى غائبًا.
4- لا يشرع الجلوس للعزاء، وإنما يعزي المسلم أخاه حيث لقيه وإن أتاه في داره أو محل عمله عزاه وانصرف ولا يجلس للعزاء.
فقد كره الشافعي وأحمد وغيرهما الاجتماع للعزاء وهو كذلك إذ لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان.
مسائل هامة:
هناك مسائل هامة لم تذكر قبل تختم بها هذه الرسالة منها:
1- وجوب الإحداد على من مات عنها زوجها، وهو أن تلزم بيت زوجها فلا تخرج منه إلا لضرورة وأن تترك الزينة ولا تُخطَب ولا تتزوج حتى يمر عليها أربعة أشهر وعشرًا لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾.
2- حرمة النياحة على الميت مطلقًا أوصى بها الميت أو لم يوص لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا لم تتب قطع الله لها ثيابًا من قطران ودرعًا من لهب النار»([53]).
3- جواز البكاء بدون صوت كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»([54]).
4- إذا أوصى الميت بالبكاء عليه وبكى عليه من أوصاهم عُذَّب بذلك؛ لحديث: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه». [وهو صحيح].
5- جواز دفن أكثر من واحد في القبر لضرورة لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشهداء أحد، ويقدم الأفضل فالأفضل([55]) كما يقدم الرجل إذا كان معه نساء.
6- يجوز نبش القبر لضرورة كأن يسقط فيه مال محترم من الدافن فينبش القبر ويستخرج المال.
7- يجوز نقل الميت من بلد إلى بلد لضرورة.
8- المرء يموت في البحر فإن كان في الإمكان الاحتفاظ به سليمًا حتى يصل إلى البر ويدفن فعل به ذلك، وإلا غسل وكفن وصلى عليه وألقى في البحر بعد شده بما يثقل جسمه ليهبط إلى قاع البحر.
9- مشروعية زيارة القبور وعدمها للنساء، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة»([56]).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله زوارات القبور»([57]). فالمكثرة من زيارة القبور ملعونة، فالكثرة إذًا محرمة، وتكره الزيارة التي لم تتكرر، كزيارة عائشة لأخيها عبد الرحمن.
10- ما يقال عند زيارة القبور:
ورد وصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا زار أهل البقيع قال: «السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أنتم فرطنا ونحن لكم تبع، ونسأل الله لنا ولكم العافية». [رواه مسلم].
ومر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور في المدينة فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن على الأثر». [رواه الترمذي 2/258].
وإذا زار المرء قبر من يعرفه من إخوانه استقبله فسلم عليه ثم دعا له بالمغفرة والرحمة.
11- تحرم زيارة القبور للاستغاثة بأهلها، والاستشفاع بهم وسؤالهم، كما يحرم الذبح عندهم، أو وضع باقات الزهور على قبورهم.
12- يجوز التصدق على الميت بالمال أو الطعام وغيرهما كالثياب ونحوها، ويصله ثوابها إن شاء الله تعالى كما يجوز قضاء صوم من مات وعليه صوم. لحديث مسلم أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: «نعم». وقوله: للذي قال له: إنَّ أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال «نعم»، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «سقي الماء»([58]). وقوله للذي قال له: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: «لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى»([59]).
أحوال القبر
إن للقبر حالين لا ثالث لهما، وهما: إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. وهو أي القبر عتبة الدار الآخرة، وفي الحديث الصحيح الآتي صورة صادقة لما ذكرنا.
فقد روى ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة t عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف([60]). ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءنا بالبينات. من عند الله فصدقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله. فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى ويجلس الرجل السوء في قبره فزعًا مشعوفًا، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقال: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته. فيفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى».
ويؤكد هذا ويوضحه رواية ابن عمر، إذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى تبعث يوم القيامة». [رواه ابن ماجة 2/1427].
الأرواح والأجساد
إنَّ الناس ما بين مؤمن وكافر، وبارٌّ وفاجر، هكذا عاشوا على الأرض وماتوا وهم أجساد وأرواح، فأما الأجساد ففي تراب الأرض تبلى وتفنى، إلا أجساد الأنبياء ومن صح الخبر بعدم فناء أجسادهم لإكرام الله لهم وهم قليل.
هذه حال الأجساد، أما الأرواح فهي إما في عليين، وإما في سجين، عليون في السماء السابعة وسجين في تخوم الأرض السابعة، حيث كتاب الأبرار، وكتاب الفجار، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾. وقوله: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾.
إنه بعد انتهاء فترة عذاب القبر ونعيمه، وهي فترة زمنية لا يعلمها إلا الله تعالى.
ترفع أرواح الأبرار إلى عليين، وينزل بأرواح الفجار إلى سجين، وذلك في نهاية الحياة الدنيا. وتتفاوت منازل الأبرار في عليين تفاوتًا كبيرًا بحسب كثرة برهم، كما تتفاوت دركات الفجار تفاوتًا عظيمًا بحسب كفرهم وقوة فجورهم.
هذا والاتصال بالقبر دائم لا ينقطع وسواء في ذلك أرواح الأبرار وأرواح الفجار، ولذا تزار القبور ويسلم على أهلها، إذ البعد ليس بمانع من الاتصال بها لما ظهر اليوم من أن المرء يكون في أقصى الشرق أو أقصى الغرب أو على سطح القمر، ويتصل بآخر بواسطة الآلات فتبارك الله خالق الإنسان وخالق المادة، ومسخرها لما يراد منها، وهو على كل شيء قدير.
وهكذا تظل الأرواح في سعادة أو شقاء في الأرض السفلى أو في السماء العلياء إلى أن تنتهي هذه الحياة حيث يُركَّب الخلق من جديد فإذا اكتملت أرسلت الأرواح فتدخل كل روح في جسدها المعدُّ لها الخاص بها، ويبعثهم الله أحياء ويحشرهم إلى ساحة فصل القضاء ثم يحكم بينهم، فيدخل أهل البر والبرور دار السعادة والحبور والسرور، ويدخل أهل الكفر والفجور دار الشقاء والهوان والبوار.
فيقضي بينهم بالحق، والحمد لله رب العالمين.
([1]) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره.
([2]) رواه أبو داود وفيه كفاه الله ما أهَّمه من أمر الدنيا والآخرة.
([3]) رواه مسلم.
([4]) قالت العلماء: البطنة تذهب الفطنة. وهو كذلك.
([5]) رواه مسلم.
([6]) رواه الترمذي.
([7]) روه البخاري.
([8]) رواه ابن ماجة في سننه وصححه الألباني جزاه الله خيرًا.
([9]) رواه ابن ماجة في سننه وصححه الألباني جزاه الله خيرًا.
([10]) الخرافة: الثمر الذي يجني في الخريف فشبه عليه الصلاة والسلام الماشي في عيادة المريض بالماشي في خرافة الجنة لعظم الأجر الموصل للجنة.
([11]) رواه ابن ماجة في سننه وصححه الألباني جزاه الله خيرًا.
([12]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
([13]) رواه البخاري.
([14]) رواه ابن ماجة وهو صحيح.
([15]) رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود والترمذي.
([16]) رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.
([17]) رواه أحمد وله شواهد بالصحيح.
([18]) رواه ابن ماجة عن أنس، وصححه الألباني.
([19]) رواه ابن ماجة عن ابن عمر وصححه الألباني.
([20]) متفق عليه.
([21]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
([22]) رواه ابن ماجه.
([23]) ناقه من شفى بعد مرض ولم يمض عليه وقت.
([24]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
([25]) رواه الطبراني بإسناد صحيح.
([26]) رواه البخاري ومسلم.
([27]) رواه مسلم.
([28]) رواه ابن ماجه.
([29]) الهامة: ذات السم من الهوام.
([30]) لامة: أي ذات لمم وهو الداء يلم بالإنسان.
([31]) رواه مسلم 8/86.
([32]) هذا إذا كان المُحتضر مسلمًا أما إذا كان كافرًا ولم يُغرغِر فإنه يلقن الشهادتين أي يُطلب منه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
([33]) رواه ابن ماجة في الجنائز 1/468.
([34]) رواه ابن ماجة في الجنائز 1/470 ورجاله ثقات.
([35]) رواه ابن ماجة وصححه.
([36]) في الصحيحين ومعنى سحولية: أنها من قرية باليمن يقال لها سحولة.
([37]) رواه أبو داود والترمذي حديث حسن صحيح.
([38]) رواه الجماعة، ومعنى لا تخمروا رأسه: لا تغطوه.
([39]) رواه أحمد.
([40]) رواه غير واحد وحسنه الترمذي.
([41]) رواه ابن ماجة وصححه.
([42]) رواه ابن ماجة وصححه.
([43]) تضيف الشمس أي مالت، انظر النهاية لابن الأثير 8/108.
([44]) رواه ابن ماجة وصححه.
([45]) رواه ابن ماجة وصححه.
([46]) رواه ابن ماجة وصححه.
([47]) رواه ابن ماجة وصححه.
([48]) رواه ابن ماجة وصححه.
([49]) رواه ابن ماجة وصححه.
([50]) رواه ابن ماجة وصححه.
([51]) رواه ابن ماجة وصححه.
([52]) رواه ابن ماجة وصححه.
([53]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
([54]) البخاري.
([55]) رواه ابن ماجة وصححه.
([56]) رواه ابن ماجة وصححه.
([57]) رواه الترمذي 2/258.
([58]) أحمد والنسائي وهو حسن.
([59]) رواه ابن ماجة وأبو داود وهو صحيح.
([60]) الشعف: أشد الفزع الذي يذهب القلب.