ترجمات المادة
الوصف المفصل
مسلك عقلي لإثبات وجود الله تعالى
محمد بن عبد الحي العبد الحي
بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد هناك العديد من الأدلة التي تدل على وجود خالق ومدبر لهذا الكون العظيم وهو الله b؛ وفي هذا المقال نعرض خمسة أدله منطقية وبسيطة على إثبات وجود الله تعالى؛ نرجو أن تعمل تلك الأدلة على إقناع الملحدين بوجود الله تعالى والإيمان به.
دليل الفطرة:
يعتبر الإيمان بوجود الله ووجود خالق للكون شيء فطري في الإنسان، ومغروس في قلبه وعقله؛ لذلك لا غرابة أن نرى جميع المجتمعات الإنسانية على مر العصور مع وجود قليل جدًا من الاستثناءات تؤمن بوجود الله.
علوم النفس البشرية تؤكد هذا المبدأ أيضا، أي أن الإيمان بوجود الله هو من الفطرة يكتسبه الإنسان من خلال فطرته والطبيعة التي جُبل عليها، وهذا ما دفع كبير الباحثين في قسم عِلْم الأجناس البشرية في جامعة أكسفورد إلى القول "لو وضعنا أطفال في جزيرة نائية، وكانوا في معزل عن التدخل البشري، سوف ينشأ هؤلاء الأطفال وهم يؤمنون فطريًا بوجود الله".
كذلك في الأوقات العصيبة وعند نزول المصائب والشدائد واستصعاب الأمور يبحث الناس عن الأمل، يلجؤون إلى من عنده قوة ويستنجدون بمن بيده الحلول والخلاص.
كثير من الناس يلجؤون إلى الله ويتضرعون إليه عند أحلك الظروف ويدعونه لكشف الضر وتخليصهم من المصيبة التي هم واقعون فيها، هذا يجعلنا نستنتج ونقول إن الناس يؤمنون بوجود الله.
القرآن الكريم يصف لنا حال الناس في هذه الحالات؛ يقول الله b: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [31] وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ سورة لقمان الآيات ٣١-٣٢
نأخذ مثالاً آخر يؤكد لنا هذه الغريزة والظاهرة الإنسانية، هذا المثال هو فرعون ملك مصر، ففرعون كان ينكر وجود الله في العلن حتى أنه قال لقومه: أنا ربكم الأعلى؛ ولكن عندما أدركه الغرق في البحر الأحمر وأيقن أنه واقع في مصيبة شديدة وأنه على وشك الموت، قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. سورة يونس الآية ٩٠
خلاصة القول، كل واحد منا نحن بني الإنسان مولود ومفطور على الإيمان بوجود الله، وأن العقل البشري وجوهر الإنسان مصمم للإيمان بوجود الله. على النقيض تماما يعتبر إنكار وجود الله وجحود الخالق شيء غير اعتيادي للجنس البشري وحدث دخيل عليه. بعض الناس ينكر وجود الله في العلن مكابرة واستعلاء، ولكن في قرارة أنفسهم يوقنون بوجود الله ويلجؤون إليه عند حدوث المصائب ونزول الكوارث.
قانون السببية:
قبل الخوض في هذا المجال، دعونا نتعرف قانون السببية.
قانون السببية، هو من القوانين الفيزيائية المهمة الذي يربط العلاقة بين حدث يسمى السبب وحدث آخر يسمى الأثر، بحيث يكون الثاني نتيجة للأول. وبناء عليه يمكننا القول إنه لا يوجد شيء أتى من العدم بدون سبب وأن جميع الأشياء التي نراها هي عبارة عن موجودات أتت بسبب أو بفعل تأثير آخر.
نستنتج أيضا من هذا القانون أنه لا يوجد شيء يحدث نفسه بنفسه، حيث أن أي شيء يحدث نفسه يجب أن يكون موجود أصلاً قبل أن يحدث نفسه.
لنفرض أن هناك رجل وطفل في متحف للوحات الزيتية يتأملان أحد اللوحات المعلقة على الحائط.
لو سأل الطفل السؤال التالي إلى الرجل: لو سمحت يا عم من الذي رسم هذه اللوحة؟ ومن أتى بها إلى هذا المتحف؟
فكان جواب الرجل كالتالي: هذه الصورة يا صغيري جاءت فجأة، وأوجدت نفسها بنفسها، وتعلقت في هذا الحائط بنفسها...!
هل سيصدق الطفل هذا الجواب؟ أم سيعتقد أنه هراء وجدل، وأنه ضرب من ضروب الخيال وشيء مستغرب لا يقبله العقل...!
لنأخذ مثال آخر، إذا رأينا بيت رملي على شاطئ البحر فسوف ندرك يقينا أن أحد الأطفال كان هنا وقام ببنائه، وإذا رأينا سيارة تسير في الطريق سوف ندرك يقينًا أنها مصنوعة في أحد مصانع السيارات، وإذا رأينا هاتف ذكي سوف ندرك يقينًا أنه مصنوع بدقة وتقنية حديثة في أحد مصانع الهاتف الذكي.
لكن الشيء المحير والمستغرب منه، أنه لماذا تختلف الموازيين عند الاستدلال بهذا القانون على وجود الخالق؟
لماذا تختلف الفرضية ويتغير المفهوم عندما نرى هذا الكون الكبير العظيم الواسع، ونستغرب من وجود خالق لهذا الكون ولا نؤمن بوجوده...!؟
هذا الكون مع نجومه وأفلاكه أشد تعقيدًا من البيت الرملي ومن السيارة ومن الهاتف الذكي. لذلك نقول قطعًا يجب أن يكون لهذا الكون مصمم وخالق وموجد وهو الله سبحانه وتعالى.
من المهم جدًا التطرق إلى مفهوم آخر له علاقة بقانون السببية وهو مفهوم نظرية الانفجار الكبير؛ والهدف من عرضها هو التماشي مع الفلاسفة الفيزيائيين والملحدين الماديين في بعض أجزاء النظرية.
فلهذه النظرية - وان صحت بعض أجزائها - ميزة بالنسبة لقضية الإيمان بوجود الخالق، وهي تسليمها بأن للكون بداية وانه ليس كونًا أزليًا.
تقول هذه النظرية أنه قبل حوالي ١٢- ١٥ مليار سنة، كان الكون في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل المتأتي من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فتق الكتلة الغازية، وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرات، ويقرر علماء الفيزياء النظرية والفلكية الكتل الغازية كانت خليطًا من الغازات الحارة المعتمة التي تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة.
ولعل فحوى نظرية الانفجار العظيم هي التي أشار إليها القرآن، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ سورة الأنبياء الآية ٣٠. ومعنى الآية أن الأرض والسماوات بما تحويه من مجرات وكواكب ونجوم؛ كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة، وقوله «رَتْقاً» أي ملتصقتين، ثم حدث لهذه الكتلة الواحدة فتق؛ أي انفصال وانفجار، تكونت بعده المجرات والكواكب والنجوم، وهذا ما كشف عنه علماء الفلك في نهاية القرن العشرين.
تُقدّم نظرية الانفجار الكبير شرحًا عن نشأة الكون وتكتفي فقط بشرح لحظة الانفجار وما بعده. لكنها لا توضح مصدر هذه النقطة ومن أين جاءت؟ ومن الذي جاء بها؟ ولماذا جاءت؟ وما هو المسبب الرئيس لهذا الانفجار؟
إما إن يقال: إن الله هو الذي خلق المادة الأولية، أو أن المادة الأولية أوجدت من العدم، أو أن المادة الأولية هي التي خلقت نفسها. الحقيقة المطلقة أن هذا الكون قد أوجده خالق قوي أزلي لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء ولا يخضع للزمان والمكان. هذا الخالق هو الله سبحانه وتعالى.
لنختم بقصة حقيقة حدثت لرجل من البادية في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي. كان هناك رجل لا يؤمن بوجود الله اسمه جبير بن المطعم. هذا الرجل سمع نبي الله محمد يقرأ آيات من القرآن حول وجود الله وأنه خالق هذا الكون. هذه الآيات هي «أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ [36] أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ[37]». هذه الآيات تعطي ثلاثة احتمالات لوجود الإنسان والكون:
· الاحتمال الأول: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ» وهو خلق الإنسان صدفة من غير شيء أو سبب، يعني بدون خالق أصلاً. ولا شك أن هذا الاحتمال باطل قطعاً، ولا يحتاج إلى إقامة دليل على بطلانه.
· الاحتمال الثاني: «أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ». وهو خلق الإنسان نفسه بنفسه، أو خلق الكون نفسه بنفسه. ولا شك أن هذا الاحتمال باطل قطعًا، ولا يحتاج إلى إقامة دليل على بطلانه.
· الاحتمال الثالث: أن يكون قد خلق الإنسان والكون خالق، فهذا هو الحق الذي لا شك فيه، وهو أن الله b هو خالق الكون والإنسان. ثم نجد بعد هذه الآية قوله b: «أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ»، وذلك حتى لا يغتر الإنسان ويتفاخر بخلقه.
فعندما سمعها هذا الرجل، قال: كاد يطير قلبي، وأدرك باستخدام عقله بأن لابد لهذا الكون أن يكون له خالق. فكانت هذه الآيات سببًا في إيمانه بوجود الله وبوحدانيته.
التصميم الفريد للكون:
يعتمد كثير من الملحدين على العلوم التطبيقية والقوانين الفيزيائية والرياضية لتفسير نشأة هذا الكون وجدلية أنه جاء بالصدفة وأنه لا يوجد خالق لهذا الكون. من هذا المنطلق سوف نستعين بالعلوم التطبيقية لدحض هذه الجدلية. في علم الفيزياء يوجد قانون "الديناميكا الحرارية" أو "قانون العشوائية". هذا القانون من القوانين الأساسية في الفيزياء وهو القانون الأول لكل العلوم بل هو أساس قوانين العلوم الأخرى. ينص قانون العشوائية على التالي: (أي نظام محكم إذا لم يضبط بقوى خارجية فإنه سيصبح غير مستقر وسيفقد تنظيمه مع مرور الزمن). بمعنى آخر أن مقدار الفوضى يزداد مع ازدياد الوقت، والأشياء دائمًا تتجه بطبيعتها من حالة الترتيب إلى الفوضى.
على سبيل المثال إذا تركنا غرفة الأطفال بدون ترتيب ونظافة؛ فإنها سوف تصبح غير مرتبة وغير نظيفة. إذا تركنا المطبخ من غير عناية أو نظافة؛ فإنه سوف يتسخ. ونقيس عليه هذا الكون كذلك إذا ترك هذا الكون بدون تدبير أو عناية خارجية؛ فإنه سوف يضطرب وتختل الموازين فيه.
إذا افترضنا جدلا أن هذا الكون المنظم والمعقد هو وليد الصدفة، كيف لنا تفسير تتابع سلسلة من الصدف العشوائية أدت إلى إيجاد كون منتظم ومحكم..! فأي صدفة (احتمالية وعشوائية) أوجدت هذا الكون بدقة وعناية، واتزان وتوازن وضبط ونظام؛ إذاً هذا القانون يدحض هذا الادعاء جملة وتفصيلا، ويكون بمثابة رد قاطع لكل من يدعي بأن هذا الكون قد وجد بالصدفة وأنه لا إله قد خلقه وأنه لا يوجد قوى وقدرة إلهية تنظم وتسّير هذا النظام الكوني المعقد!
لننظر إلى الأشياء العظيمة حولنا النظام الشمسي، والكواكب السيارة، والقمر والنجوم، جميعًا موجودون في نظام متكامل دقيق محكم من أجل أن تكون الحياة ممكنه على وجه الأرض، كل شيء موجود بميزان وبمقدار من أجل أن تستقيم الحياة على وجه الأرض.
عندما ننظر إلى الكون من حولنا، نجد أن النظام والإحكام والدقة موجود في كل شيء. دورة الماء في الطبيعة والنظام الشمسي. عندما نرى الترتيب والإبداع في هذا الكون نوقن أن لهذا الكون خالق.
لنأخذ عدة امثله على توازن هذا الكون وعلى دقته:
· المسافة بين الأرض والشمس، فالأرض لا يمكن أن تكون مقرًا للحياة إذا كانت أقرب إلى الشمس مثل الزهرة، أو كانت بعيدة مثل بعد المشتري، والأرض هي الكوكب الوحيد الذي له درجة حرارة وسطية بين هذين الحدين.
· مكونات الغلاف الجوي الأرضي 77% نيتروجين و21% غاز الأوكسجين؛ في حال أصبحت نسبة الأوكسجين أكثر من 25% فإن بعضًا من أراضينا الزراعية قد تشهد حرائق عنيفة والتي قد تدمر الغابات الاستوائية. إذن إن مستوى الأوكسجين الحالي عند نقطة يتوازن عندها الخطر والنفع بلطافة.
· مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو، إذا كانت كبيرة فسوف ترتفع درجة حرارة الجو بشكل أكبر، وإذا كانت أصغر فسوف تنخفض درجة الحرارة.
· مستوى الأوزون في الجو، إذا كان أكبر ستكون درجة حرارة السطح منخفضة جداً، وإذا كان أقل فدرجة حرارة السطح ستكون عالية جداً، وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجي عند السطح.
الأشياء التي ذكرناها سابقًا هي بعض التوازنات الدقيقة اللطيفة الضرورية للحياة على الأرض. هذه التفاصيل وغيرها مما لا يحصى يؤكد حقيقة واضحة وبسيطة وهي أن الله وحده هو الذي خلق هذا الكون، والنجوم والكواكب والجبال والبحار، وأنه هو الذي أعطى الحياة للمخلوقات البشرية والكائنات الحية وسخر ما خلقه لسيطرة الإنسان. يقول الله b: «أَلم نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا [6] وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [7] وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [8] وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا [9] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [10] وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [11] وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا [12] وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا [13] وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا [14] لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا [15] وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [16]» النبأ
معجزات الأنبياء والرسل:
المعجزة هي عبارة أمر خارق للعادة لا يستطيع أحد من البشر المجيء بمثلها لأنّها من عند الله سبحانه وتعالى، والمعجزة مخصّصة لأنبياء الله تعالى ورسله، لتكون دليل على صحّة نبوتهم ورسالتهم، وهي أيضًا لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى وإثبات وحدانيته. وهنا نذكر بعض المعجزات على سبيل المثال:
ü نبي الله عيسى عليه السلام: كانت هي إحياء الموتى وإبراء الأبرص والأعمى وعمل تماثيل من الطين ثم ينفخ فيها فتكون طيراً.
ü نبي الله موسى عليه السلام: كانت معجزته تحويل العصا إلى حية كبرى، وإدخال يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء آية لقومه.
ü نبي الله إبراهيم عليه السلام: كانت معجزته هي خروجه من النار سالماً عندما ألقاه فيها قومه ليحرقوه.
ü نبي الله محمد عليه السلام: معجزاته كثيره مثل القرآن الكريم، وانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وتكثير الطعام القليل، ونبع الماء من بين أصابعه، والإخبار بالأمور الغيبية التي وقعت في الماضي، وما يقع في المستقبل.
نستنج من ذلك كله أن حدوث هذه المعجزات الخارقة للعادة هي إثبات حسي على وجود الله وعلى صدق رسالة الأنبياء، وعلى وحدانية الله تعالى.
القيمة الأخلاقية:
على مر العصور وطوال التاريخ الإنساني للحضارات، وضع الإنسان القوانين والأنظمة لضمان استقرار مجتمعه ولإقامة العدل وحفظ الحقوق وردع المجرمين والحد من وقوع الجرائم. ومع ذلك يوجد كثير من الجرائم وحالات الظلم والاضطهاد التي تقع في العالم ويوجد عدد كبير من الحالات التي يستوي فيها الظالم بالمظلوم والمجرم بالشريف.
يوجد عدد كثير من الجرائم لم تأخذ حقها من العقوبة بسبب أو لآخر، كما يوجد كثير من الناس الأخيار والمصلحين لم يكافئوا في هذه الدنيا نظير أعمالهم الحسنة، وربما لم يأخذوا حقهم الوافي بسبب أو لآخر.
هل يمكن منطقيًا أن يموت هؤلاء المجرمين وتنتهي حياتهم بدون أي أدنى محاسبة مستقبلية؟ هل من العدل أن يحصل المجرم والمصلح على نفس الجزاء؟ وهل يصح أن يستوي مصير المجرم والمصلح؟ التاريخ يقول لنا أن أي إنكار لوجود الله واليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء والحساب يترتب عليه الفوضى والفساد الأخلاقي والمجتمعي، وإذا استوت نهاية المجرم ونهاية المصلح لن تكون هناك قيمة للأخلاق العظيمة (الأمانة، الصدق، الوفاء، العدل، الإخلاص) طالما أن النهاية ستكون واحدة ولا توجد محاسبة.
التصور الصحيح والمنطقي بخصوص هذا الجانب هو أنه يوجد إله عليم خبير، حكيم عدل، مطلع على أعمال الناس، وكل شيء صغير أو كبير، خير أو شر، إنما هو محفوظ ومكتوب. وفي الحياة الآخرة، سوف يبعث الله الخلق مرة أخرى وكل إنسان سوف يحاسب بناء على ما قدم في الحياة الدنيا.
باختصار شديد أن الإيمان بوجود الله واليوم الآخر يذكر الإنسان بأن أعمال الخير وأعمال الشر محفوظة، وأنها سوف يقام عليها الحساب والجزاء يوم القيامة، فهو بذلك رادع وزاجر لكل من يقدم على فعل الشر، وهو أيضًا محفز للناس بأن يعملوا الخير.