×
المفهوم الغربي للوهابية: يُخطئُ كثيرٌ من الناس في تسميتهم كل من صلَّى وصام بالوهابية، ويتهمُ الناسُ من وافق قولَ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وإن لم يكن قد قرأ له حرفًا واحدًا، أو حتى كان على شيءٍ من البدع! وفي هذه المقالة إطلالةٌ على هذه المسألة.

 المفهوم الغربي للوهابية

 جعفر شيخ إدريس

إذا كنت تظن أن الوهابية التي يتحدث عنها السياسيون والكتاب الغربيون محصورة فيما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه وأحاديثه ودروسه، أو أن الوهابيين هم فقط أولئك الذين وافقوا الشيخ فيما دعا إليه، فأنت مخطئ.

الوهابية عند هؤلاء هي وصف لكل أخذ لدين الإسلام مأخذ الجد؛ حتى لو كان الآخذ إنسانًا لم يقرأ للشيخ حرفًا واحدًا ولم يتسَمَّ باسمه ولا كان موافقًا له في بعض ما قال؛ بل إنها وصف لكل من يأخذ بجد بعض ما أجمع عليه المسلمون حتى لو كان ممارسًا لبعض البدع، أو مؤمنًا ببعض الخرافات. الوهابية عند هؤلاء مرادفة للأصولية التي هي الإيمان بأن القرآن كله كلام الله تعالى، وأن الالتزام به واجب على كل مسلم. الوهابي هو المسلم الذي يواظب على الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويحج إن استطاع إلى بيت الله الحرام. إنه المسلم الذي لا يشرب خمرًا ولا يتناول ربًا ولا يرى اختلاط الرجال بالنساء، ولا يؤمن بقيم الحضارة الغربية المخالفة للإسلام. المسلم الوهابي هو الذي يرى أن دينه هو الحق وأنه يحثه على دعوة الناس إلى الإسلام. الوهابي باختصار هو كل مسلم يحاول الالتزام بتعاليم دينه حتى لو كان يعيش في البلاد الغربية.

ويبدو أن الذي اقترح على السياسيين هذه التسمية لكل مسلم ملتزم بدينه بعض المختصين في الدراسات الإسلامية. وربما كان اقتراحهم لها لأسباب سياسية.

ربما يكون قد قال لهم إنكم ستستفزون مشاعر المسلمين إذا صرحتم لهم بأنكم لا تريدونهم أن يلتزموا بكتاب ربهم ولا بسنة نبيهم، ولا أن يأخذوا شيئًا من دينهم بقوة؛ فامكروا عليهم بالحديث عن الوهابية بدلاً من الحديث عن الإسلام أو الكتاب والسنة؛ لأن في العالم الإسلامي أناسًا كثرًا لهم مشكلة مع الوهابية، ولأنهم قد أثاروا حولها تهمًا، وألصقوا بها تعاليم نحن نعلم أنه لا علاقة لكثير منها بها. ومع أننا لا نتفق مع هؤلاء في كل الأسباب التي دعتهم إلى معاداة الوهابية؛ فإن موقفهم المعادي لها مما يمكن أن يساعد على تحقيق مآربنا وخدمة مصالحنا.

مَنِ المسلمُ غير الوهابي إذن؟ هو المسلم الذي يفهم القرآن فهمهم لكتبهم، ويطبق دينه تطبيقهم لدينهم، ولا يعترض على شيء من ثقافتهم، ولا يدعو إلى مناهضة شيء من سياستهم حتى لو كان يراها ظالمة وضارة ببلده، ولا ينبس ببنت شفة عن كلمة اسمها الجهاد.

إن كل من يفعل هذا عدو لهم؛ لأنه يعرقل ما يعدونه مصلحة وطنية لهم.

ما معنى أن يفهم دينه فهمهم لدينهم؟ لعل أحسن جواب على هذا السؤال كلمة قالها رجل تابع للكنيسة الأبسكوبيلية (وهي كنيسة أمريكية تابعة للكنيسة الإنجليزية). هذا قس اسمه (روبنسون) يستعلن بشذوذه الجنسي، بل يأتي إلى بعض الاجتماعات الدينية إلى جنب «صاحبه» الذي يفجر به والإعاذة بالله. لم ترَ الكنيسة رغم هذا كله بأسًا من انتخابه لمنصب عال فيها هو منصب الأسقف. انتخبته أعلى هيئة فيها بأغلبية ستين عضوًا إلى أربعين تقريبًا. في مؤتمر صحفي بعد فوزه اعترف هذا الأسقف بأن معارضي انتخابه كانوا على حق في قولهم بأن الشذوذ الجنسي أمر مخالف لتعاليم الكنيسة، ثم مضى يقول: (أن تقول ببساطة إنه مخالف للتقاليد ولتعاليم الكنيسة وللكتاب المقدس لا يعني بالضرورة أنه خطأ. إننا نعبد إلهًا حيًّا، وهذا الإله هو الذي يقودنا إلى الحقيقة).

ذكَّرت إخواننا المصلين في خطبة جمعة خطبتها بعد هذا الخبر، بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

قصدت بهذا أن لا نستغرب إذا جاءنا ممن يدعي الإسلام من يقول كلامًا مثل هذا أو قريبًا منه، كأن يقول مثلاً: إن كون قول أو فعل ما مخالف لما كان عليه المسلمون، ومخالف للأحاديث النبوية، ومخالف لآيات القرآن الكريم لا يعني بالضرورة أنه خطأ. أقول إن مثل هذا هو المسلم الذي يرضى عنه بعض هؤلاء الذين يتحدثون عن التشدد وعن الأصولية وعن الوهابية. ألم يقل الله ـ تعالى ـ لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الإسراء: 73].

ثم ألم يقل الله - تعالى - عن بعض اليهود والنصارى المصرِّين على كفرهم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

ويبدو الآن أن اتباع ملتهم ليس محصورًا في اعتقاد ما يعتقدون، ولكنه يشمل طريقتهم في فهم الدين وتحريفه. فكل من يتبع منهجهم هذا في تحريف دين الإسلام وعدم أخذه بقوة كما أمر الله - سبحانه وتعالى - فهو ممن يرضون عنه.

يظهر عدم رضاهم عمن لا يأخذ بمنهجهم في فهم الدين الإسلامي في كلام كثير منهم. ولعل من أوضح ذلك ما ذكره الرئيس السابق كلينتون في محاضرة ألقاها بجامعة مشهورة في واشنطن العاصمة هي جامعة جورج تاون، وقد كنت أشرت إليها في بعض المحاضرات، ثم ناقشت أجزاء منها بشيء من التفصيل مع بعض الشباب يمقر دار الأرقم بواشنطن.

مما قال كلينتون في تلك المحاضرة أن الخلاف الأساس بيننا وبينهم - يعني: المسلمين أو جماعة منهم - هو تصورنا لطبيعة الحقيقة.

فنحن نعتقد أنه لا أحد يعلم الحقيقة كلها، ولذلك نرى أن كل إنسان له اعتبار. أما هم فيرون أنهم يعرفون الحقيقة كلها، ولهذا يرون أنك إذا لم تكن مسلمًا فإنك كافر، وإذا كنت مسلمًا ولم توافقهم فأنت مبتدع، وأنك في الحالين هدف مشروع حتى لو كنت طفلة في السادسة من عمرها.

كان مما قلته في تلك المحاضرة أنه إذا كان المقصود بالحقيقة كلها معرفة كل شيء فنحن أول من يعترف بأن هذا أمر لا يتصف به بشر؛ وإنما هو من صفات الله تعالى، وحتى إذا كان المقصود به معرفة كل شيء عن بعض الأشياء فنحن نؤمن بأن الله - تعالى - هو وحده المحيط بكل شيء علمًا.

إننا لا نعرف كل شيء حتى عن ربنا الذي نعبده؛ فإن من أسمائه ما استأثر هو وحده بعلمه. لكن ما نعرفه عنه - سبحانه وإن كان قليلاً - فإنه يكفي لإقناعنا بأنه هو وحده الذي يستحق أن يُعبد، وأنه هو الذي أنزل القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وكذلك ما نعرفه عن أمورنا الدنيوية - ولله المثل الأعلى - هو أيضًا كافٍ لاستفادتنا منها. فنحن قبل أن نعرف أن الماء مكون من هيدروجين وأكسجين كنا نعرف أنه يروي الظمأ وأنه ضروري لإنبات الزرع، وأنه ينقي من الوسخ، وهكذا. فمحدودية العلم لا تعني نسبية الحقيقة، بل إن فيما نعرفه - ما دام حقًّا - البرهان القاطع على أن نقيضه باطل. وكان مما قلته أن الكفر معناه إنكار الحقيقة، أو إنكار ما يزعم أنه حقيقة؛ فالذي ينكر أن محمدًا رسول الله مع علمه بذلك منكر لحقيقة فهو كافر، والذي ينكر أن يكون غير الله مستحقًا للعبادة هو في التعبير القرآني كافر بالطاغوت.

وقلت أيضًا: إن أساس علاقتنا مع من لا يؤمن بالإسلام هي دعوته إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلته بالتي هي أحسن، وأننا لا نقتل إنسانًا لمجرد أنه كافر وإلا لما بقي في العالم منهم اليوم عين تطرف. ثم كيف يأمرنا ديننا بقتل كل كافر وهو يُحل لنا الزواج بالمحصنات من أهل الكتاب؟ أفنعقد عليها ثم نسلُّ سيفنا لنضرب عنقها؟ أما الأطفال فهم في حكم ديننا مسلمون؛ فلماذا نقتلهم؟!