الوصف المفصل
- الأعراف
والعادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية
- المقدمة
- المبحث الأول: العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية
- المبحث الثاني: حُجَجُ المُعاندِينَ المُتمسِّكينَ بالعَاداتِ الجاهليَّةِ
- المبحث الثالث: الأدلة الساطعة على تحريم الحكم بالأعراف، والعادات الجاهلية القبلية
- المبحث الرابع: أقوال العلماء الراسخين في العلم في تحريم الحكم بالأعراف والعادات الجاهلية القبلية
- المبحث الخامس: حكم من حكم بالعادات والأعراف الجاهلية القبلية
- المبحث السادس: الفتاوى في تحريم الحكم بالأعراف، والعادات القبلية
- المبحث السابع: التعاميم في منع العادات المخالفة للشريعة الإسلامية
- المبحث الثامن: التوصيات لإبطال العادات القبلية الجاهلية
الأعراف والعادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية
تأليف الفقير إلى اللَّه تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
المقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدّاً عبدُه ورسوله، صلّى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «الأعراف، والعادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية»، بيّنت فيها العادات، والأعراف التي تضادّ الشريعة السمحة، وبيَّنتُ حكمها بالأدلة، وذكرت أقوال العلماء المحققين في ذلك؛ وذلك في تسعة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني: حجج المعاندين المتمسكين بالعادات الجاهلية.
المبحث الثالث: الأدلة على تحريم الحكم بالعادات المخالفة للشرع.
المبحث الرابع: أقوال العلماء الراسخين في العلم في العادات القبلية.
المبحث الخامس: حكم من حكم بالعادات، والأعراف القبلية الجاهلية.
المبحث السادس: الفتاوى المحققة في تحريم الأعراف، والعادات الجاهلية القبلية.
المبحث السابع: التعاميم في منع العادات المخالفة للشريعة الإسلامية.
المبحث الثامن: التوصيات لإبطال العادات القبلية الجاهلية.
المبحث التاسع: وجوب التوبة والحذر من غضب اللَّه وسخطه.
واللَّهَ تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله مباركاً نافعاً، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلاَّ باللَّه العليّ العظيم، وصلَّى اللَّه وسلّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الجمعة 18/ 7/ 1433
المبحث الأول: العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية
تختلف العادات والأعراف الجاهلية القبلية وغيرها المخالفة للشريعة الإسلامية على حسب المجتمعات، والأزمان، والقبائل، والعشائر، ولكن مما عرفت، وثبت عندي من هذه العادات، والأعراف المخالفة للشريعة الإسلامية: الأعراف والعادات الجاهلية الآتية:
أولاً: التحاكم من بعض القبائل إلى من يسمونهم (مقاطع الحق)، أو(العُرَّاف)، أو (مقارع الحق)، أو (القوادي)، أو (جوازع البطحاء)، أو (قول عارف)، أو (معقد الحق)، أو (الحق) على اختلاف تعبيراتهم.
ومقاطع الحق مثل القضاة القانونيين يلزمون الناس بحكمهم، فإذا حضر عند ذلك المقطع الأخصام؛ فإنه يأخذ عليهم قبل الحكم عهوداً وضمانات على أن يقبلوا بحكمه في تلك القضية، فيأخذ على ذلك كفلاء، أو يرهن بنادق الأخصام عنده، ثم يسمع منهم، ويحلفهم الأيمان، ويسمع شهادات الشهود –إن وجدوا -، ثم يحكم بعد ذلك، وإن لم يقبل حكمه أصبح خصماً لمن لم يقبل حكمه الذي حكم به، يحاكمه عند «مقرع حقٍّ» آخر أعلى درجة منه.
وهؤلاء الذين يعرفون (بالحق) – كما تقدم - ورثوا هذا الحكم كابراً عن كابر، وهم يحكمون في القضية بمالٍ، أو دم يهراق من الخصم، أو أيمان .. أو غير ذلك، وعندهم قوانين معينة تعارفوا عليها عن آبائهم، وأجدادهم، أو عن آباء وأجداد قبائل أخرى، وعندهم قوانين معينة لا يخرجون عنها في أكثر القضايا( ).
وهذا الذي قد نصب نفسه لهذا الحكم بالأعراف القبلية قد حكم بغير ما أنزل اللَّه على رسوله، واتصف باسم الطاغوت؛ لأن من رؤوس الطواغيت من حكم بغير ما أنزل اللَّه.
ومن تحاكم إليه فقد تحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر بأن يكفر به، وسيأتي التفصيل في بيان حكم من حكم بذلك، أو احتكم إلى ذلك( ).
ثانياً: التعصب الشديد لمناصرة مقاطع الحق كما يزعمون:
ومما يبين ذلك ألفاظ المتعصبين الآتية:
1 – يقول بعضهم: «إنه متمسك بعادات آبائه، وأجداده، وإن دخل جهنم».
2 – يقول بعضهم: «لا أتخلَّى عن سلوم ربعي حلال كانت أم حرام».
3 – ويقول آخر: «الفرع أحسن من الشرع»، ويقصد بالفرع القبائل وقوانينهم.
4 - وبعضهم يقول «النار ولا العار».
5 – ويقول بعضهم: «الشرع لا ينصفنا».
6 – ويقول بعضهم: «الشرع هندي».
7 – ويقول بعضهم: «الشرع لا يعرف عاداتنا وتقاليدنا».
8- وبعضهم يقول: «حكم أعوج، ولا شريعة سمحة».
9- وبعضهم يقول: (شرع الرفاقة»( ).
وغير ذلك من الكلمات الخبيثة، الكفرية، والعياذ باللَّه تعالى، فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً عبده ورسوله أن يقول هذه الكلمات، أو يرضى بها، أو يقرُّها؛ لأنها من القوادح في العقيدة، نسأل اللَّه العفو والعافية.
ثالثاً: المثارات: جمع مثار، وسمي مثاراً من الأخذ بالثأر:
ولشدة المطالبة به، والاندفاع الشديد في أخذه، والإصرار عليه، فأشبه فعل الثائر ثوران النار، والمتفجرات، والثأر هو: أخذ الرجل، وقرابته بالثأر، لقريبه، أو جاره، أو خويه، أو ضيفه، أو جيرته «وجهه»، أو قبالته، أو غير ذلك، والمثار يكون بسفك الدم، أو أخذ مقابل مال يدفع للمعتدى عليه، ولا يدخل في أرش الجناية، وإنما هذه عقوبة عاجلة، وللمثارات عدة أنواع، منها:
1 - مثار العاني، والمراد بالعاني: القريب من جهة الأم: كالخال وأبنائه، وأبناء الخالات، وصورة مثار العاني هي مثلاً: إذا كنت من قبيلة، وخالي من قبيلة أخرى، واعتدى أحد من قبيلتي على خالي، فلا بد أن أقوم بأخذ المثار لخالي.
والمثار عبارة عن دم يُنثر نصرةً لخالي، أو مبلغ مالي، أقوم بأخذه من الجاني، أو قبيلته، وأعطيه لخالي كرد اعتبار له، فإذا فعلت ذلك قال بيض اللَّه وجهك، علماً بأن هذا المبلغ، أو هذا الدم المسفوك لا علاقة له بأرش الجناية، ولا يعد صلحاً في القضية، بل للمجني عليه بعد هذا المثار أن يصلح مع الجاني، أو يقتص منه، وإذا لم يقم بالمثار، فيعتبر أسود وجه، وتكتب عبارة سوّد اللَّه وجه فلان أوآل فلان في الأماكن العامة والطرقات.
2 - مثار الجار: وصورته مثلاً: لو اعتدى أحدٌ على جاري ولم أتمكن من نصرته بيدي بسفك الدم، فلا بد أن آخذ مبلغ مالي من الجاني أو أقاربه وأعطيه لجاري كرد اعتبار له ثم بعد ذلك له أن يصلح من الجاني أو يرفض.
3 - مثار الخوي: وصورته مثلاً: لو كنت مسافراً أو راكباً مع شخص، واعتدى أحد عليه، ولم أتمكن من نصرته بسفك الدم، فلا بد أن أدخل في الموضوع، وأطالب الجاني، وأقاربه بدفع مبلغ مالي لخويـي، كرد اعتبار له، ثم بعد ذلك له أن يصلح من الجاني، أو يرفض.
4 - مثار الجيرة، أو «مثار الوجه»: وهو مثلاً لو استجارت قبيلة الجاني عند قبيلة أخرى من قبيلة المجني عليه، واعتدى المجني عليه، أو أحد أفراد قبيلته على قبيلة الجاني؛ فإن القبيلة المجيرة تقوم بأخذ المثار من هذه القبيلة التي اعتدت «على القبيلة المستجيرة عندهم»، ومن لم يأخذ بثأره فيعيَّر، ومن لم يأخذ بثأره؛ فإنه عندهم ناقص الرجولة، ويُقصر عنه النجال! والمثار هو سفك دم، أو غرامة مالية مغلظة، ويسمون هذا الاعتداء الذي حصل على القبيلة المستجيرة «بغضب العمد»، ويعتبرونه وصمة عار على القبيلة المجيرة، قال شاعرهم:
غضب العمد لا ترضى بصلحه غضب العمد يدخل في البخوت
5- مثار القبالة: وهو إذا أُنهيت قضية سواء بصلح، أو بأحكام جاهلية اشترطت قبيلة الجاني على قبيلة المجني عليه أن يخرجوا لهم قبيلاً يضمن انتهاء القضية، وليت الأمر يتوقف عند هذا، ولكن هذا القبيل يعطونه قبيلة الجاني مبلغ مالي يسمى «بثوب القبالة»؛ فإذا اعتدى أحد من قبيلته على هذه القبيلة التي أعطته مبلغاً؛ فإنه يصبح أسود وجه حتى يثور: إما بسفك دم، أو غرامة مالية يأخذها من قبيلته، ويعطيها للقبيلة التي ضمن لهم انتهاء القضية( ).
6- مثار الضيف، وهو إذا اعتُديَ على الضيف، فيؤخذ له الثأر بسفك الدم من الجاني، أو أحد قرابته، أو يؤخذ له المثار من المال من قبيلة الجاني، ويدفع لقبيلة المجني عليه.
7- مثار الدم، وهو إذا وقع المثار بإراقة دم الجاني، أو أحد قرابته، فيسمونه بمثار الدم.
8 - المثار الأسود (أو مثار الغضب)، وهو إذا وقع المثار بعد استجارة الجاني، وقرابته بقبيلة مجاورة، أو بعد تحديد القبيل في الحكم القبلي، فيسمونه بالمثار الأسود.
9 - المثار الأبيض، وهو: إذا وقع المثار، وأخذ به بالدم قبل استجارة الجاني وقرابته بقبيلة مجاورة، فيسمونه بالمثار الأبيض، سواء كان بالضرب، أو بإراقة الدم من الجاني نفسه، أو قرابته..
10- المثار الدسم، وهو: إذا تم المثار بقبول مال من قبيلة الجاني، وإعطائه للمجني عليه بواسطة حكم قبلي، يقال عندهم (المثار الدسم)( ).
وهذه العادات عادات محرمة، يجب منعها، والإنكار على من يعملها، أو يعمل بمقتضاها؛ لأن قتل غير القاتل، أو الاعتداء عليه، وإراقة دمه فيما دون النفس، وإن كان من أقرب أقربائه من عادات الجاهلية، ومن أشد أنواع الاعتداء؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾( )؛ ولقول النبي : «إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ»( ).
ومعنى قوله: «أو قتل غير قاتله»: أي: قتل غير قاتل قريبه، ومعنى قوله: «أو قتل بذحول الجاهلية»، أي: قتل بجنايات الجاهلية»( ).
رابعاً: الحكم بأيمان مغلظة: دين الخمسة، أو العشرة، أو الخمسة والعشرين، أو دين الأربعين، أو غير ذلك، فهذه أيمان يحكم بها الطواغيت من مقاطع الحق، كما يقولون وغيرهم، وقد يخطُّون دوائر في الأرض، ويكلفون من حكموا عليه باليمين أن يدخل في هذه الدوائر، ولهم في ذلك صيغ كثيرة تختلف من مجتمع إلى مجتمع.
وإذا حكم مقطع الحق بدين الخمسة على قبيلة، ولم يوجد إلا واحد من هذه القبيلة؛ فإن مقطع الحق يكرر عليه اليمين خمس مرات، وقل مثل ذلك في دين العشرة، والخمسة والعشرين ....
ومن الأيمان كذلك التي يحكمون بها دين «خطّها والمثل»، ويسمى بدين الوسية، وصورته: «أن يحلف المعتدي وأقاربه أنهم لو كانوا مكان المعتدى عليهم أن يصلحوا كما يحبون من المعتدى عليهم أن يصلحوا، ولهم في ذلك صيغ، منها: «واللَّه لو كنت بالمثل مثلك أن أخلص كما أريد منك أن تخلص. وصيغة ثانية: «واللَّه لو كُنَّا بالمثل مثلكم أن نبلع مبلعكم ونجزع مجزعكم»( ).
وبعضهم ترك هذه الألفاظ.
ومنها أنهم يحلفون: أنهم ما أهروا، ولا أغروا، ولا تمالوا، ولا رضوا بهذه الجناية، وهذا الفعل حكم عرفي جاهليُّ( ).
خامساً: الجيرة (رِدِّية الشأن): وهي توفير الأمن والحماية من القبيلة المجوّرة للجاني، وقرابته من خلال تهديد وتوبيخ المجني عليه وقرابته، فتقوم قرابة الجاني بطلب الجيرة، والمنع من قبيلة أخرى تربطها بقبيلة الجاني، وبقبيلة المجني عليه قرابة محددة في هذا القانون، [فتذهب قبيلة الجاني، أو مجموعة منهم إلى قبيلة أخرى، فإذا وصلوا إلى هذه القبيلة، قالوا: «ترانا رادِّين فيكم الشأن من آل فلان]، فتقوم القبيلة المجوّرة بحمل السلاح، ومنع الجاني وقرابته، وتهديد المجني عليه وقرابته بعدم المساس بالجاني، أو بأي أحد من قرابته [وتقول هذه القبيلة المجوِّرة لقبيلة المجني عليه، أو جماعة منهم: «تراكم مقروعين عن آل فلان»]، أي ممنوعين، وتكون لهذه الجيرة مدة محددة حسب الجناية، فتكون الجيرة سنة في جناية القتل، وستة أشهر في جناية الجروح والكسور،
وثلاثة أشهر في جناية الضرب فقط، وإذا اعتدت قرابة المجني عليه على أحد من قرابة الجاني؛ فإن القبيلة المجوّرة تقوم بأخذ المثار من قرابة المجني عليه، ومن أي فرد من أفرادها!!
لاعتدائها على وجهها وجيرتها، ثم تطلب حكماً قبَليّاً يرد اعتبارها ... وهذا ما يُعرف عندهم بمثار الجيرة أو الوجه.
ومن أنواع هذه الجيرة ما يسمونه جيرة الغضب، أو جيرة الأسود.
وإذا لم يتجوّر الجاني وقرابته ... فإن المجني عليه، وقرابته يرون ذلك إهانة لهم، وتقليلاً من شأنهم، فيطلبون التحاكم إلى مقطع حق لإنصافهم وردّ اعتبارهم!! وبعضهم يقول: الجيرة ردع للمطلق، وناموس للفسل، عبارة مشهورة يرددونها، حول الجيرة ومكانتها، فعلى هذا فالجيرة عندهم مظهر افتخار وكبرياء، فيرضى بها القوي الظالم، وينتفخ بها الضعيف العاجز عن الظلم( ).
والجيرة فيها عدوان، وقد يكون فيها بعض الأحيان: إيواء للمحدث، وقد ثبت في الحديث عن النبي قوله: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدَثَاً»( ).( )
قال العلامة بكر أبو زيد /: «إيواء الجاني وحمايته، سواء كان ذلك مطلقاً أم لمدة محدودة، فبعض القبائل تعمد إلى إيواء الجاني، والدفاع عنه إذا دخل في حماها، ولاذ بها، وهذا منكر لا يجوز فعله، فيحرم إيواء الجاني، أو التستر عليه، بل الواجب الإبلاغ عنه، وتسليمه إلى السلطات المسؤولة»( ).
سادساً: الحكم وفض النزاع: هو تحديد الحقوق، وتقدير الشجاج وفض النزاع بين الخصوم وفق العادات، والسلوم، والقوانين القبَليّة، وعلى أيدي قضاتها القبَليِّين الذين عَرفوا، وأتقنوا مواد القانون القبَليّ، وعُرفوا بمسمى: الحق، أو مقطع الحق، أو العُرّاف.
وتبدأ المشاورات، وتحديد مشايخ القبائل العارفين بالسلوم، والقوانين القبَليّة، الذين سيحكمون في القضية، وفي الموعد المحدد، يحضر مشايخ وأعيان القبائل، ومعهم قبيلة الجاني، ويكون الجميع في موقف خضوع وتذلّل، وفي وضع امتهان خاص.
وتبدأ المداولات ... وتدلي قبيلة المجني عليه بتظلمها، ومطالبتها بردِّ اعتبارها، وإملاء مطالبها، وطلبها أيمان قرابة الجاني.
ثم يبدأ بعدها مشايخ القبائل بمداولات الحكم، والمشاورات الخاصة بينهم، ثم يحكمون بأحكام، وأيمان ومبالغ مالية، وفق سلومهم، وما فيها من تقديرات، وأحكام قبَليّة سابقة.
وليس للخصوم إلا القبول بالحكم ... وإذا لم يقبل أحد منهم بالحكم القبَلي، فإن قضاة الحكم القبَلي، يتحاكمون وإياه عند مقطع حق أعلى درجة منهم في هذا القانون( ).
وهذا من أخبث العادات الجاهلية، ومن التحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر الناس أن يكفروا به، والذين يحكمون بهذا الحكم هم من رؤوس الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل اللَّه تعالى.
سابعاً: القبالة: هي اختيار قبيلة الجاني لرجل من قرابة المجني عليه، يضمن التزام قرابته بالحكم، وتنفيذ بنوده، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده، فتختار قبيلة الجاني قبيلاً من قرابة المجني عليه، يضمن التزام قرابته بالحكم القبَليّ، ويعطونه مالاً يسمى ثوب القبالة، وسلاحاً يرمز إلى القوة، وتعلن قرابة المجني عليه قبول قبالة قريبهم عليهم.
ثم تنتقل الجيرة من القبيلة المجوِّرة إلى القبيل، تحت مسمى القبالة، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده.
ويقولون في قانونهم: (القبيل نكَّاس حربة) تعبيراً عن سرعة مبادرته إلى إراقة الدماء، في حالة عدم التزام قرابته بمقتضى قبالته.
وإذا اعتدت قرابة المجني عليه على أحد من قرابة الجاني بعد تعيين القبيل وقبول قبالته، فإن القبيل يأخذ المثار لقبالته من قرابة المجني عليه الذين هم قرابته، ومن أي فرد منهم، والمثار كما تقدم بسفك الدم، أو أخذ مال كثير طائل يُعطى لمن هم تحت قبالته، وتبقى الجناية لا علاقة لها بهذا المثار( ).
وهذا عمل جاهلي قبيح، ومن أعمال الجاهلية المحرمة التي يجب على كل مسلم دفنها، والتوبة إلى اللَّه منها إن سبق وفعلها، وحكم بها، أو تحاكم إليها.
ثامناً: الغُرم: وهو حلف إلزام بين القرابة أو القبيلة، بالالتزام بحمل ما يترتب على القرابة، أو القبيلة من المثارات أو الديات، سواء كان ذلك بسبب الحوادث، أو القتل الخطأ، أو الشجاج، أو قتل العمد، أو معونات القبائل.
فتقوم قبيلة الجاني بحمل مبالغ الأحكام القبَليّة، حيث يُجمع المبلغ من أفراد القبيلة، ثم يُدفع للمجني عليه وقرابته، ولا يستطيع أحد من أفراد قبيلة الجاني عدم الدفع، ومن يفكر في ذلك يتعرض للأذى الحسِّي والمعنوي، والتهديد بالقطع من القبيلة، وعدم الدفع معه في حوادثه بما فيها جنايات الخطأ، ويدخل في دفع هذا المال كل من بلغ وأخذ إثبات هوية، ولو كان طالباً يدرس، أو فقيراً، أو مصاباً.
وتقام المغارم في أماكن عامة للاستعانة بالقبائل الأخرى، في حالة عجز القبيلة عن دفع المبالغ المقررة في الحكم القبَليّ، ويعتبرون ذلك بمثابة الدَّين بين هذه القبائل( )، فإذا حصل لبعض القبائل مثل ما حصل لهم، فيلزم القبيلة التي أخذت هذه الأموال أن تقوم بالدفع، وإجبار أفرادها على المشاركة في ذلك.
وهذا ظلم وعدوان، ومعصية للَّه ورسوله، وأكل لأموال الناس بالباطل، وإلزام لهم بما لم يوجب اللَّه عليهم، ولا رسوله ( ).
تاسعاً: إلزام الناس بدفع الأموال، فكل من حمل الهوية الوطنية يجبر على دفع ما يحدد عليه في المغارم، أو يجبر ولي أمره، وسواء كان حامل الهوية صغيراً يدرس، أو كبيراً، أو فقيراً، فإن امتنع هُدِّد بالمقاطعة، أو ولي أمره، وعدم الدفع معه إذا حصل له كارثة: سواء كانت عمداً، أو خطأ.
وهذا من الجرائم، والذنوب، وإلزام الناس بما لم يشرعه اللَّه تعالى، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد قال النبي : «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»( ).
وهذا يدخل في الحكم بغير ما أنزل اللَّه، وإلزام الناس بما لم يلزمهم اللَّه، وإيجاب هذه الأموال عليهم، ولم يوجبها اللَّه( ).
وقد أفتى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، ورئيس قضاتها في عهده / في بيانه حكم ما تناصرت عليه القبائل، وتكاتفت، وتعاونت في دفع الديات، وأرش جنايات العمد، فأفتى بأن: «... ذلك لا يجوز شرعاً؛ لمخالفته المقتضيات الشرعية؛ ولما فيه من مساعدة المعتدي، وتشجيعه على الاعتداء ما دامت قبيلته تساعده، وتناصره، وتعينه في دفع ما يترتب عليه»( ).
عاشراً: الملافي وإكراه الناس، والضغط عليهم بقوة لطلب العفو في قتل العمد: تقوم القبيلة التي منهم الجاني بطلب الأمراء، والوجهاء بالذهاب إلى قبيلة المجني عليه، ويحدِّدون يوماً يجتمعون فيه؛ ليقابلوهم، ويسألوهم العفو عن قتيلهم، فيأتي هؤلاء الذين منهم قبيلة الجاني، ويقفون في الشمس، وبعضهم ربما زحف على وجهه، يحبو كالبهيمة، وبعضهم ربما يربط رجله بعقال كالجمل، وخاصة إذا كان بينه وبين المجني عليهم نسب أو قرابة، حتى إنه قد بلغني أن بعض الناس يسجد على وجهه، ويُمعِّر وجهه بالتراب، ويتقدم يزحف على وجهه إلى قبيلة المقتول، فقال بعض أهل الفطرة السليمة من الحضور: لا تسجد السجود للَّه، فقال بعض مشايخ القبائل الذين حضروا: هذا سجود للَّه، وبعض القبائل يحسرون عن رؤوسهم العمائم، والغتر، تذللاً، وخضوعاً لغير اللَّه تعالى، وغير ذلك من الأعمال الشركية، نسأل اللَّه العافية، ومقصدهم من ذلك استعطاف أهل المجني عليه حتى يرحموهم، فيعفوا عن قتيلهم.
وهذه الأعمال فيها معصية للَّه بالتذلل لغيره؛ لأن الذل، والحب، والخضوع للَّه وحده، وهو معنى العبادة؛ لأن العبادة: كمال الحب مع كمال الذل، فلا يصرف التذلل والخضوع إلا للَّه وحده، ومن صرفه لغير اللَّه فقد أشرك.
وبعض هذه الأعمال ردة عن دين الإسلام، فمن سجد لغير اللَّه، أو أقرّ السجود لغير اللَّه وهو يعلم، فقد كفر باللَّه .
الحادي عشر: أخذ ثلث الدم، وهو ما يُعرف بقانون «تثليث الدم»، وصورته: أنه إذا ضرب إنسان، وقدّر دمه بعشرة آلاف مثلاً؛ فإن صاحب هذا الدم لا يحصل إلا على ثلاثة آلاف فقط، وفقاً لقانون «تثليث الدم»، حيث يخصم منه ثلث لما يسمى بـ(الفراش عند بعضهم)، وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهدر، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم، وهذا من الظلم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، ومن الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى( ).
الثاني عشر: ضرب الرأس بالجنبية، فيحكمون على الجاني بأن يُضرب رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر في الضرب والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض)( ).
الثالث عشر: الحكم بثمن الجنابي، فيقولون نحكم بثمنها، ولا داعي للاعتراض، ولا للضرب بها، فتقدر الجنبية مثلاً بألف ريال، أو أكثر، أو أقل( ).
الرابع عشر: الحكم بما يسمى بـ(الأَسيَّة)، وهي أن يشرع لكل حادثة حكم، مثل: عليك يا فلان خمس من الغنم، أو ست جنابي، أو ثَمَنُها في حادثة من الحوادث، وغداً تقبل مني مثل هذا الحكم المذكور( ).
الخامس عشر: الحكم بما يسمى بـ(أيمان الوَسِيَّة)، وصورتها:
إذا اعتدى شخص على آخر في نفسه، أو ماله؛ فإن المعتدي، أو وليِّه، يحلف أنه لو كان محل المصاب، أو المعتدى على ماله أنه لا يطالبه بشيء.
وهذا إلزام بحكم لم يوجبه اللَّه، ولا رسوله ، فهو باطل شرعاً( ).
السادس عشر: (اللاذة)، أو (اللياذة) وهي: عند حصول خصومة بين طرفين في طلب حق، فإن الذي عليه الحق يستليذ بشخص آخر، فيقوم المستلاذ به بردع صاحب الحق، ويطلب منه ترك المطالبة بحقه، فإن عاد إلى المطالبة بحقه، فإن الملاذ به يثور باثني عشر رأساً من الغنم، يسلمها للائذ به، ثم يذهب إلى نائب القبيلة، فيلزم صاحب الحق بتسليم اثني عشر رأساً من الغنم، فيضيع حقه، ويغرم الغنم، وهذا ظلم مضاعف، وهو من أقبح الأعراف الفاسدة، وأشدها ظلماً، وتحريماً، نعوذ باللَّه من الجهل( ).
السابع عشر: اتفاق بعض القبائل بينهم على عدم التبليغ عن أحدٍ يعمل منكراً منهم، والسكوت على منكرات بعضهم، ومقاطعة ومجازاة من يفعل ذلك.
ولا يخفى ما في هذا العمل من الشر العظيم، إذ فيه التواصي بالسكوت عن المنكر، وهذا يجر بلاء وبيلاً على الأمة، وفيه إهمال لقاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين، وهي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾( ).
وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾( ).
وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾( ).
وقبل هذه الآية جاء ذكر ضدهم، فقال تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾( ).
وقال النبي : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»( )»( ).
الثامن عشر: (الخاتمة)، أو (الخاتمة العمياء)، أو (الكبارة)، أو (العتامة) ، وصورها:
أن بعض القبائل تقوم بالحكم على المخطئ بمبلغ من المال، يعرف بأحد هذه الأسماء، يتم دفعه للمعتدى عليه، وهذا من التحاكم بغير ما أنزل اللَّه، فلا يجوز التحاكم به( ).
التاسع عشر: (المنصوبة): وهي ذبيحة، أو أكثر، تُفْرَضُ على المخطئ، ويذْهَبُ بها إلى بيت المخطى عليه( ).
العشرون: عادة ما يُسمى بـ(البرهة)، وهي أن يفرض على صاحب الخطأ الأكبر ذبيحتان، أو أكثر، وعلى صاحب الخطأ الأقل ذبيحة واحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء، ويقوم كل واحد بذبح ما وجب عليه، ويحضر أكلها الجماعة، ومن حكم في القضية( ).
الحادي والعشرون: الحكم بما يسمى (عدالة)، وصورتها:
في حال طعن شخص بسكين، أو إطلاق نار عليه، يجلس الطرفان عند نائب القبيلة، فيحكم بفض النزاع، بعد أن يمسح الطرفان على لحاهم بقبول حكمه، فيصدر حكمه على الجاني بما يراه من الغَنَم من عشرة رؤوس إلى خمسمائة رأس، فيكون مقبولاً عندهما، وينفذ حكمه بينهما، وهذا حكم جاهلي، لا يجوز الحكم به، ولا الرضا به( ).
الثاني والعشرون: عادة إيواء الجاني المحدث، وحمايته، سواء كان ذلك مطلقاً، أم لمدة محدودة، فبعض القبائل تعمد إلى إيواء الجاني المحدث، والدفاع عنه إذا دخل في حماها، ولاذ بها.
وهذا منكر لا يجوز فعله، فيحرم إيواء الجاني المحدث، أو التستر عليه، بل الواجب الإبلاغ عنه، وتسليمه إلى السلطات المسؤولة( ).
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره، أن النبي قال: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا»( ).
الثالث والعشرون: أخذ القبيلة ثلث دية المتوفى بالقتل العمد أو الخطأ من أوليائه، بحجة أنه حق للقبيلة عليه، وبعضهم يجعلها في ما يسمى بـ(صندوق الجماعة أو القبيلة).
وهذا العمل من أكل أموال الناس بالباطل، فيحرم أخذ هذا المبلغ من الورثة، وما ذكر من الاحتجاج بحق القبيلة باطل لا أساس له في الشرع المطهر.
وقد تَعْمَدُ القبيلة إلى التفاوض في أمر القتيل مع الجاني، أو قبيلته، وإنهاء الأمر بالمطالبة بالقصاص، أو الدية، أو العفو مطلقاً دون اعتبار لرأي الورثة، وهذا خطأ، وظلم، واعتداء على حقوق الناس؛ فإن الشأن، والأمر لهم وحدهم، اللهمّ إلا أن يكلوا ذلك إلى غيرهم، كشيخ القبيلة، أو غيره، ويرضوا بذلك( ).
الرابع والعشرون: إلغاء الدية على العاقلة، وإلزام الجماعة، أو القبيلة ذات الحلف إذا كان عددها كثيراً بتحمل دية الخطأ عن ذات العدد القليل.
والمشروع أن عاقلة الجاني هي التي تتحمل عنه دية الخطأ، وهم: ذكور عصبته نسباً وولاء: قريبهم، وبعيدهم؛ حاضرهم، وغائبهم حتى عمودي نسبه، فهؤلاء هم الذين يتحملون عنه دية الخطأ، وليس غيرهم، فالزوج – مثلاً – والإخوة لأم، وسائر ذوي الأرحام لا يتحملون من الدية شيئاً شرعاً.
والحكمة في إيجاب دية الخطأ على العاقلة، لا على الجاني، هو أن القتل خطأ يكثر، فإيجاب الدية على القاتل يجحف به؛ ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم، وينصرونه حتى استوى بذلك: قريبهم، وبعيدهم في العقل( ).
الخامس والعشرون: تعزير المعتدي، أو المخطئ بقدر ما ارتكبه من الاعتداء، أو الخطأ؛ تأديباً له، وتطييباً لخاطر المعتدى عليهم، بذبح شاة، أو شاتين للقبيلة، وهذا تأديب ممن لا يملكه شرعاً، ثم هو قدر زائد على العقوبات التعزيرية التي مردها إلى القضاء، لا الأعراف القبلية، فلا يجوز فعل ذلك( ).
السادس والعشرون: عقر الإبل، أو الغنم في عادات بعض القبائل، وصورتها:
إذا حصل منازعات بين قبيلتين أو أكثر، يذهب بعض المصلحين كما يزعمون إلى القبيلة المظلومة، أو إلى الجميع، ويحملون معهم رأساً من الإبل أو أكثر، أو من البقر، أو الغنم؛ فإذا وصلوا إلى الخصوم عقروها عندهم، تطييباً لخواطرهم، وهذا من الإثم والعدوان، ومن عادات الجاهلية، الذين يعقرون هذا العقر، وقد قال النبي : «لاَ عَقْرَ فِي الإِسْلاَمِ»( )، وذلك لإبطال أمر الجاهلية( ).
السابع والعشرون: (الملفى) على المعتدى عليه من عادات بعض القبائل:
وصورته: أنه إذا حصل مضاربة بين اثنين أو أكثر، وفيه دم، فيقوم شيخ القبيلة وأعيان القبيلة بما يسمى (الملفى)، وهو عبارة عن ذبيحة، أو ذبيحتين لتقديمها للمصاب وجماعته، ومعها بعض من النقود، فهذا العمل إذا كان من باب الإيجاب، والإلزام للمعتدي، وإن لم يرض عُدَّ ذلك خرقاً للعادات القبلية، فهذا أمر منكر، وإيجابٌ لشيءٍ لم يوجبه اللَّه على عباده( ).
وهذه الصورة في الملفى تختلف عن الملافي المذكورة في البند العاشر المتقدم ذكره؛ لاختلاف عادات القبائل.
الثامن والعشرون: غضب قبيلة قاتل العمد على قبيلة المقتول:
إذا أقيم على القاتل القصاص، ولم يعفوا عنه، فيحضرون ساحة إقامة القصاص، ويغشاهم التذلل لقبيلة المقتول، وربما بركوا على الرُّكب، وحسروا رؤوسهم، وسألوا أهل المجني عليه، فإذا لم يحصل العفو، ونُفِّذ القصاص، فإنهم يتلقون هذا القصاص بعدم الرضا بالحكم، وتسمع من بعضهم الكلمات التي تدل على سخطهم، فيقول بعضهم: «سوَّد اللَّه وجوهكم يا آل فلان»، ويهجرونهم، ويقاطعونهم، مقاطعة دائمة، ويعتبرون جميع القبيلة من أعدائهم، ولا يزوجونهم، ولا يتزوجون منهم في الغالب.
وهذا فيه اعتراض على حكم اللَّه بالقصاص إذا لم يعفُ ورثة المقتول، أو يقبلوا الدية، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( ).
التاسع والعشرون: العادات والأعراف القبلية برواية فضيلة الشيخ: أحمد بن سعد بن متعب القحطاني:
أخبرني الشيخ أحمد، وهو عندي من الثقات بكثير من العادات القبلية الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية، فقال في سلوم القبائل: «ههه هذه السلوم تطبق في كثير من قبائل المنطقة الجنوبية، ومن حولها، وهذه العادات والأعراف على النحو الآتي:
أولاً: مسمياتها:
1- سلوم القبائل. 2-عوايد القبائل. 3- أعراف القبائل.
4- عادات القبائل. 5- حقوق القبائل. 6- شرع الرفاقة.
7- القوادي (جمع قادي).
ثانياً: لكل قبيلة سلوم قد تشترك في بعضها، وقد يكون بينها اختلاف، وكلما قرب المكان توافقت السلوم.
فيقال مثلاً:
1- سلوم الحباب. 2- سلوم عبيدة. 3- سلوم الجحادر.
4- سلوم قحطان. 5- سلوم يام. 6-سلوم شهران.
وهكذا.
ثالثاً: مسميات من يحكم بها:
حقيقة هذه السلوم قوانين محفوظة ومعروفة، والذي يتحاكمون إليه، ويحكم بها عند النزاع يسمى:
1- حق. 2- مقطع حق. 3- مقرع حق. 4- العارف جمع عُرّاف.
[و]غالبهم من شيوخ، أو نواب القبائل، وهم عامة ليسوا من أهل العلم، ولا من طلبة العلم.
وحقيقة أمرهم: قضاة قانون قبلي؛ لذلك يقولون عند بداية التحاكم:
احكم بيننا يا قاضينا، يا اللي بالحق ترضينا.
ويقال لما يحكم به: «فرض»، أو «حكم».
قال أحد الشعراء [منهم]:
آل فلان أهل المدح جدا
شيخهم ما يجعل الفرض مايل
فسماه الفرض؛ لأن الممدوحين من قبيلة يكثر فيها الذين يحكمون بهذه السلوم، بل هذه السلوم مرجع لهم عند النزاع، ويسمونها شرع وشريعة.
قال أحد الشعراء [منهم]:
سنِّدوا تكفون بوجيه الركايب
للرجال اللي معرفتهم طبيعة
نوِّخُوا عند آل (فلان) الطيابي
للقبايل عندهم سلم وشريعة
مقطع الحق ابن (فلان) (الفلاني)
شيخته ما هي بتقليد وبديعة
فوصفهم بأنهم أهل سلم وشريعة؛ لأنهم مرجع في هذه السلوم لدى قبائلهم. ومصدر الحكم ومستنده هذه السلوم والقوانين، فينزل السلم المناسب على الواقعة المناسبة حسب ذلك القانون.
وعند الاختلاف في الحكم، أو الاعتراض عليه، يتحاكم ذلك العارف هو ومن اعترض عليه عند مقرع حق أعلى منه.
رابعاً: مصادر السلوم والعادات:
حقيقة ذلك: تمييز الحكم استناداً لتلك القوانين ليلزم به وينفذ.
من أين أتت، وكيف شرعت؟ [جاءت من هذه المصادر والطرق الآتية]:
1- الآباء والأجداد لذلك يقولون: «سلم أبوي وجدي».
2- السوالف والسوابق.
3- الاتفاق والتعاقد.
4- الخرافات والأساطير؛ لذلك يقولون: «الجوار في السماء» يزعمون أن نجماً اعتدى على نجم، وأجارته مجموعة منها...
خامساً: نماذج من تلك القوانين:
1- المثارات: جمع مثار، وهو دم، أو مال، ومنه: مثار أبيض، ومثار أسود: «مثار العاني» جمعه: عواني، أو مثار الخال.
* مثار الوجه، أو الغضب، أو الجيرة. * مثار الخوي.
* مثار الضيف. * مثار الجار.
2- الأيمان: ويسمون اليمين الدين، وهي أنواع، منها:
1- دين الخمسة. 2- دين الاثني عشر. 3- دين الاثنين والعشرين.
4- دين الأربعة والأربعين في حالة القتل. 5- دين المثل، أو خطها والمثل.
6-دين أو يمين عامة يحكم بها للتراضي، ولكن لا يقبلها إلا بعد حكم عارف.
صيغة الحلف، وكيفية أدائه:
يخط خطاً أو دائرة، فيدخل فيها من يريد أداء اليمين، ولهم صيغ في أداء القسم، منها:
* واللَّه قاطع المال، والذريَّة، والعصبة القويّة إنا ما أغرينا، ولا أهرينا، ولا دوّرنا، ولا تمالينا.
* واللَّه عالم الغيب والشهادة لو كنَّا بالمثل مثلكم أن نجزع مجزعكم، ونبلع مبلعكم.
والبعض لم يعد يطبق هذه الطريقة، وإنما يحلف مباشرة.
ولكن لا زال مبدأ التحاكم إليها، وطلب تنفيذها موجوداً كشرط يُملى عليهم ليتم الصلح، فيكون الصلح أحياناً مشروطاً بأداء مثل هذه الأيمان حسب نوع القضية.
3- القبالة: ويسمى من يحملها: (القبيل). ما هو دوره؟.
ودوره لو حصل خلاف ذلك ما الحكم المترتب؟ «مثار وجه»؟.
4- الجيرة: أو الجوار، ومن مصطلحاته: ثمان الأسود.
5- الغضب: وهو الاعتداء على المجار أثناء الجيرة، ويترتب عليه مثار الوجه، أو مثار الجيرة، وهو دم أو مال يحكم به عارف.
6- السواد: نوع من الشتم والسب عند التهاون في تطبيق السلوم حسب الواقعة، وقد يوجه لشخص بعينه، أو قبيلة بعينها، وله صيغ يكتب بها في أماكن عامة على الطرق والشوارع والصخور الكبيرة، وقد يرفع راية سوداء علامة على السواد، وقد ينادى به في أماكن عامة، كالأسواق ليسمعه الناس، ويترتب عليه مشكلات، وتشاحن، وتحاكم إلى مقرع حق، ومن صيغه:
* سوّد اللَّه وجه فلان. * سوَّد اللَّه وجيه آل فلان.
* آل فلان سودان وجيه حتى يثورون، يعني: يفعلون المثار.
وهذه قد يقولها العارف أثناء التحاكم، فيقول:
آل فلان في سلومنا سودان وجيه حتى يفعلوا كذا وكذا.
ويقابل السواد البياض، ويكون بعد تطبيق السلم.
فيقول العاني بعد دفع المثار مثلاً: بيّض اللَّه وجه فلان، أو وجيه آل فلان.
7- الغرم: وهو حلف بين القبيلة الواحدة، أو الفخذ الواحد على التعاون بالسوية في دفع الديات.
وهذا الغرم يرأسه شيخ القبيلة، أو نائبها، وكل فخذ عليه نائب من مسؤوليته جمع القطات (أي المبالغ المالية)، وهو النصيب الواجب دفعه، ومن دخل معهم، وهو تعاقد على الالتزام بدفع أي مبلغ يترتب على أحدهم من الديات، أو المثارات، أو الحُمْلة، أو المعونات للقبائل الأخرى، ويعتبر هذا التعاقد ملزماً لأفراده، فيجب عليه الدفع في دية العمد، ودية الخطأ، والصلح، وغيرها في حق أو باطل، ولا يفرقون بين أقارب الجاني وغيرهم، ولا الفقير والغني، ولا الحاضر والغائب، إلا أن المرأة ليس عليها قطة، ولا على الصغير الذي لا يحمل البطاقة، بل أفراد القبيلة يدفعون بالسوية – حامل البطاقة – وهناك بعض القبائل يجعلون القطة على جميع أفراد القبيلة الذكور، حتى الرضيع، ومن لم يدفع، وامتنع، فيعتبر عيباً وعاراً، ويقولون له: تغرم معنا، أو نقاطعك بمعنى لا يقومون معه في الديات لو حصل عليه شيء، حتى لو كان ذلك يجب شرعاً كالعاقلة.
ويسمى الواحد (غرَّام)، ومن أراد الدخول في هذا الحلف من غيرهم، فيكون: «ذبح شاة الغرم».
ولهم اجتماعات يتداولون فيها الرأي، والبعض كوَّن صندوق مسبق [تجمع فيه الأموال].
ولها قوانين مثل: الثلثة: وتجب عند بعض القبائل على من أتاه دية أو أرش جناية، فيدفع ثلثها لصندوق الجماعة، أو مغرمهم حتى لو كان هذا المال لورثة المقتول، فثلثه للصندوق، وهذا عند بعض القبائل، وبعضهم ألغاه، وبعضهم خففه.
8- بعض العبارات، وتفسيرها:
* قطع القادي على ابن عمه: يعنون به من طلب منه التحاكم، أو الترافع إلى سلوم القبائل عند أحد أعرافهم، فرفض التحاكم إليهم.
* صلح أعوج، ولا شريعة سمحة: يعنون بالصلح الأعوج: الصلح حسب سلومهم وأعرافهم، ولو كان يشتمل على عقوبات شديدة، كالمبالغ الهائلة، والأيمان المغلظة، والجلاء من الديار ونحوه، مما قد يحكم به عراف القبائل.
ويظنون أن هذا الصلح الأعوج كما وصفوه خير وأحسن من التحاكم للشريعة الإسلامية السمحة.
9- السعي إلى إبطال الحدود بالشفاعات، والمشورات، وبذل الأموال الكثيرة: يقول العلامة محمد بن إبراهيم /: « ... ثم هناك مسألة تقع كثيراً، وهي أن بعض الناس قد يعتدي، ويقتل عمداً وعدواناً، ثم يلتجئ إلى أناس لا يمكن أنهم باللفظ يمنعون ما يجب عليه من حق القود، لكن يسعون بالشفاعات والمشورات، وبذل أموال كثيرة، وهم بلسان الحال كالممتنعين عن إقامة الحد، وهذا يحصل به فساد كبير، يعترضون اعتراضاً تاماً، فإذا كثر الشور الذي كالقهر، فينبغي أن يقابل بالرد، أما مطلق السعي أو الحاكم يشير بقبول الدية، فهذا خير»( ).
10- العاني: قد يتساءل بعض الناس ما هو العاني، وما هي العنوة، فهي عادات، وسلوم عند القبائل التي ما زالت تتمسك بالعنوة حتى الآن، وأقسام العنوة كثيرة، ومنها:
(1) الخال: وهو أخو الأم، سواء من الأب، والأم، أو من الأب دون الأم، أو من الأم دون الأب، أو من الرضاع، والخال يعتبر عانياً إذا كان من أخته أولاد، فهو عانٍ على قبيلتهم، وتشتمل العنوة أيضاً على:
(2) الجد. (3) الجدة. (4) الخالة.
ويقوم الرجل دون عانيه على شرط أن الخطأ عليه، وليس منه، فإذا كان الخطأ عليه قام دونه، وإذا كان الخطأ من الخال طلبوا المخطى عليهم من عانيه تقديمه للحق حسب السلوم، والعادات المتفق عليها بين القبائل، ومما قال بعض الشعراء( ) في هذا الموضوع في قصيدة طويلة وقديمة:
سلومنا يا ناشدٍ عن سلومنا
بين العرب بالعز تم اشتهارها
منها إلى جا المعتدي ضد خالنا
لو كان من الأدنين نأخذ بثأرها
11- الجيرة: هي تعني الأمن والحماية المتعارف عليها بين أفراد القبيلة والقبائل الأخرى، والجيرة تحمي بها القبيلة أفرادها، ومن لجأ إليها من القبائل، ومدتها تختلف حسب المتعارف عليه ثلاث فترات:
أولاً: (سنة وشهران) أربعة عشر شهراً، وهذا في قضية القتل.
ثانياً: (ستة أشهر) في ما دون القتل مثل الكسور والجروح الكبيرة.
ثالثاً: (ثلاثة أشهر) في قضية الضرب وغيره.
والجيرة من العادات القديمة الموروثة عند القبائل منذ قرون عديدة جداً.
12- رد الشأن: وهو من يقوم بطلب الحماية للمعتدي وقبيلته، ويكون في وقت القضية، وبعد ذلك يصبح جوير للقبيلة التي لجأ إليها يعني رد فيها الشأن.
13- المجوِّر: وهو من يقوم بالحماية باسم قبيلة، ويكون هو المكلف بأخذ المثار إذا حصل اعتداء على من استجار به.
14- القرعي: هو منع وإيقاف الاعتداء على من طلب الحماية، ويقوم به أفراد القبيلة، وإذا حصل من الخصم على خصمه، فإن القبيلة الحامية تقوم بالثأر، ويسمى الاعتداء الغضب.
15- المثار: هو رد اعتبار وانتقام، تقوم به القبيلة الحامية لمن اعتدي عليه، وهو في حمايتها، وهو نوعان:
(1) (مثار دم): وهو الأخذ بالمثل أدناه الضرب، وأعلاه القتل.
(2) (مثار دسم): وهو عبارة عن تعويض مادي يدفعه من اعتدى، وهو يعلم أن المعتدى عليه في حماية القبيلة، وتحدده القبيلة الحامية.
16- المجليات (جيرة الأسود): المجليات هي حماية قصيرة جداً، ومدتها ثمانية أيام بلياليها، وتعطى الخائف الذي ليس له جيرة، أو من اعتدى على آخر، وهو في حماية القبيلة فسموها المجليات، حيث يذهب بها من بلاد الخوف إلى بلاد الأمان.
17- الجوير: هو من طلب الحماية سواء من الأفراد أو من القبائل، ويسمى جوير، حيث إنه في حماية هذه القبيلة التي طلب منها الجيرة.
18- الإغضاب: هو من قام بالاعتداء، وهو يعلم أن المعتدى عليه في حماية قبيلة أخرى [أي في جيرتها].
19- اليمين: دين الخمسة، أو دين اثني عشر، أو دين أربعة وعشرين حالف، وهو يمين يؤخذ على من قام بالاعتداء إذا أنكر أنه يعلم أن المعتدى عليه في حماية القبيلة، ويكون عند الحق المرتضى [الذي يحكم بذلك حكماً ملزماً].
20- الحق: هو رجل معروف بين الناس بقدرته على تطبيق السلوم، والقوانين القبلية، ويلزمهم بها، وإذا لم يقبلوا حكمه (فرفضوه) حاكمهم إلى حق آخر، أعلى منه درجة (وفي الحقيقة هذا قاضي قبلي يحكم بالسلوم القبلية).
21- القبيل: هو أحد الرجال الموثوق فيهم [قبلياً]، وهو قبيل على الصلح بين الأخصام، أو الأطراف المتنازعة، حيث ينتخبونه قبيل لهم [أي ضمين] في ما تم الاتفاق عليه، ويترتب على ذلك عدم النقض أو الاعتداء، ويعطى القبيل ثوب القبالة، وهو مبلغ من المال، أو هدية ثمينة مقابل قبالته [وقد تكون في الأزمان المتأخرة سيارة فخمة قد يزيد ثمنها على ثلاثمائة ألف، وخاصة في قضايا قتل العمد]، ويعطى بندقية ترمز إلى قوة منزلته وتخويله باستعمال القوة، في حالة نقض الصلح، والحكم، أو اعتراضهم عليه.
ومن شعر جماعة يطلبون الجيرة، فأنشدوا:
يا بني عمّنا ندوِّر ذراكم
جوّرونا ترى الدنيا علينا بلاوي
الذراحان وقته ما السلوم تخفاكم
حِمْلكم شايلنه يوم كان غاوي( )
قلت: وهذه العادات كلها مخالفة للشريعة الإسلامية، والحكم بها حكم بغير ما أنزل اللَّه، ومن حكم بها فهو من رؤوس الطواغيت الذين أمر اللَّه بالكفر بهم، ومن تحاكم إليها فقد تحاكم إلى الطواغيت.
سادساً: عادات وأعراف قبلية تطبق في تهامة في الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية:
أخبرني الشيخ أحمد عن عادات قبلية تطبق في تهامة، ذكر منها:
1- ما يعرف بقانون (تثليث الدم)، وصورته: أنه إذا ضُرب إنسان، وقُدّر دمه بمبلغ من المال؛ فإن صاحب هذا الدم لا يحصل له إلا ثلث ذلك المبلغ، حيث يخصم منه ثلث ما يسمى (بالفراش)، وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهدر، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم.
2- ضرب الرأس بالجنبية: وهو أن بعضهم يحكم على الجاني بأن يضرب رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر في الضرب، والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض).
3- الحكم بثمن الجنابي: فيحكم المقرع بثمنها، ولا داعي للاعتراض، فتقدر الجنبية بثمن.
4- الأسيّة: وهي أن يشرع لكل حادثة حكم، مثل: عليك يا فلان كذا، وكذا.
5- أيمان الأسيّة: وهي يمين المثل، أو يقولون يحلف على خطها والمثل( ).
6- اللاذة أو اللياذة: وهي عند حصول خصومة بين طرفين في طلب الحق؛ فإن الذي عليه الحق يستليذ بشخص آخر، فيقوم المستلاذ به بردع صاحب الحق، ويطلب منه ترك المطالبة بحقه، فإن عاد إلى المطالبة بحقه؛ فإن الملاذ به يثور.
7- الخاتمة: أو (الخاتمة العمياء)، أو (الكبارة)، أو (العتامة)، ومن صورها:
أن بعض القبائل تقوم بالحكم على المخطئ بمبلغ من المال يعرف بأحد هذه الأسماء، يتم دفعه للمعتدى عليه.
8- المنصوبة: وهي ذبيحة أو أكثر، تفرض على المخطئ.
9- البرهة: وهي أن يفرض على صاحب الخطأ الأكبر ذبيحتان أو أكثر، وعلى صاحب الخطأ الأقل ذبيحة واحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء، ويقوم كل واحد بذبح ما وجب عليه، ويحضر أكلها الجماعة، ومن يحكم في القضية.
10- أخذ الثأر من قبيلة الجاني بقتل أحد منهم: ثم يحكم في القضية (رجٌل برجل).
11- عدالة وصورتها: في حالة طعن شخص بسكين، أو إطلاق نار عليه يجلس الطرفان عند شيخ القبيلة، فيحكم بفض النزاع، بعد أن يمسح كل واحد منهما على لحيته بقبول الحكم.
12- أخذ القبيلة ثلث دية المتوفى [المقتول] من أوليائه بحجة أنه حق للقبيلة عليه( ).
قلت: وهذه العادات والأعراف الجاهلية مخالفة للشريعة الإسلامية، ومضادة لها، والعمل بها عمل بأحكام الطواغيت، والحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( )، فمن حكم بها فهو من رؤوس الطواغيت، ومن تحاكم إلى من يحكم بها فقد تحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر أن يكفر به؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾( ).
فمن قال: إن الحكم بهذه العادات، أفضل وأحسن من الحكم بالشريعة الإسلامية، أو أنها مثل الشريعة الإسلامية، أو قال يجوز الحكم بها؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تحل المشكلات بين الناس، فهو كافر باللَّه رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلاَّ باللَّه( ).
الثلاثون: حرمان النساء من الميراث عادة قبلية جاهلية:
ثبت أن في عادات بعض الناس: حرمان النساء من الميراث، وهذا من دين الجاهلية، ومن أخلاق الكفرة، واللَّه قد أعطى كل ذي حقٍّ حقه، فقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية( )، وقال : ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، وقال اللَّه سبحانه: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾( ).
وقد ثبت عندي أن بعض النساء في بعض القبائل تتنازل عن إرثها خوفاً من العار؛ لأن هؤلاء القبائل تعارفوا على أن المرأة لا تأخذ من الإرث شيئاً، وخاصة العقارات، وبعضهم يقول: إن إرثها يأخذه زوجها وابنها، وهم لم يعملوا في هذه الأموال شيئاً، فكيف نعطيها، ثم يأخذه زوجها، وأبناؤه بعد ذلك؟ وهذا فيه اعتراض على حكم اللَّه، وقسمته ، وبعضهم يجبر بناته أو أخواته بالتنازل عن العقارات، خوفاً من دخول أزواجهن، وأولادهن على أولاده، وبعضهم يطلب منهن التنازل في حياته بمبلغ من المال، ولو بدون رضاهن، وبعض الورثة يعملون ذلك مع البنات والأخوات، وهذه عادة قبيحة، ولأهمية الموضوع وخطورته على العقيدة، والأخلاق، وقد يكون كفراً أكبر إذا استحله صاحبه؛ فإني أسوق بعض فتاوى شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز / في هذا الأمر الخطير، فقد سُئل عن منع النساء من الميراث وحرمانهن من ذلك، والتحيل على إسقاطهن، أو سؤالهن التنازل عن حقهن، أو تنازلهن خوفاً من الورثة، أو إعطائهن بعض المال حتى تتنازل بغير رضاها، ومن هذه الأسئلة والأجوبة، مايأتي:
س1: يقول هذا السائل: والدي كتب الميراث لنا نحن البنين دون البنات، وترك زوجته وأخواتي البنات، بحجة أن الميراث بسيط، وأن أخواتي البنات تعلمن وعملن وجهّز لهن بيت الزوجية، وهذا يعادل ميراثهن، ما نصيحتكم للآباء حول هذا الموضوع؟
ج 1: لا يجوز للآباء أن يخصوا الأبناء بشيء، بل الواجب أن يدعوا التركة للجميع، للذكر مثل حظ الأنثيين، أما ما أعطاهن وقت الزواج، فهذا شيء آخر، ليس له علاقة بالإرث، أما الإرث فيجب أن يكون بين الجميع على قسمة اللَّه، ولا يجوز للأب أن يخص الذكور بشيء، ولا يخص البنات بشيء، بل يتركهم على قسمة اللَّه: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، ولا يجوز أن يخصَّ أحداً منهم بشيء، لا كبير، ولا صغير، ولا عالم، ولا جاهل، ولا ذكر، ولا أنثى، بل يجب أن يترك الأمر على قسمة اللَّه بين الجميع.
س 2: يقول هذا السائل: سماحة الشيخ، هناك أناس يمنعون النساء الميراث، فهل من توجيه لهم ونصيحة مأجورين؟.
ج 2: هذا من دين الجاهلية، ومن أخلاق الكفرة، كان الكفار لا يورثون النساء، هذا باطل، والواجب توريثهن ما أعطاهن اللَّه، ولا يجوز لأحد الاعتراض على ذلك، وهذا نوع من الجاهلية، ومن استحلّ هذا كفر، نسأل اللَّه العافية، لا بد أن يعطوا ما شرع اللَّه لهن، فالذي يعاند في هذا عمله من سنة الجاهلية، وأخلاق الجاهلية، وإذا جحد ما شرعه اللَّه كفر، نسأل اللَّه العافية.
س 3: المستمعة من الأردن، تسأل وتقول: لقد جرت العادة في قريتنا بأن البنات لا يرثن، وإنما يعطين من بعض المال مقابل أن تتنازل هذه البنات لإخوتهن عن حصتهن في الميراث، ويقولون بأنه بيع وشراء، وأنا أحرص على إرضاء والدي، وقد عرض علينا والدي نحن البنات مبلغًا من المال مقابل التنازل لإخواني عن نصيبنا نحن البنات، علمًا بأن المال من والدي، وليس من إخوتي، وقد قلت لوالدي بأن هذا لا يجوز، وبأن ذلك يعرضه للعذاب، ولكن إخوتي يقولون لأبي بأنهم لن يعملوا بالأرض، ولا بالشجر، إلا إذا سُجّل بأسمائهم، وأبي مُصرٌّ على الموافقة، فنرجو من سماحة الشيخ الإجابة؟
ج 3: لا يجوز للأب أن يخص البنين بالإرث، ولا أن يلزم البنات بأن يأخذن العوض، هذا منكر، هذا من عمل الجاهلية، ولا يجوز، بل يجب أن يساعد على الأمر الشرعي، وأن تكون التركة للجميع، للبنين والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين كما قال اللَّه سبحانه: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، وهكذا الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين، كما قال جل وعلا: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، يعني الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، هذا واجب، ولا يجوز لأب، ولا للأخ أن يحيد عن هذا الأمر، هذا حرام منكر من سنة الجاهلية، كان أهل الجاهلية لا يورِّثون النساء والصبيان، يورثون الذكور الكبار، وهذا غلط كبير، لا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار، بل التركة للصغار والكبار، والذكور والإناث على قسمة اللَّه، وليس للأب أن يلزم البنات أو يعطيهن شيئًا من غير رضاهن لأجل أن يسمحن، لا، بل يجب أن يمكن من التركة.
س 4: تقول السائلة من سوريا أ. م. ن. ن: لدينا عادات وتقاليد تحرم المرأة من الميراث بعد الزواج، علمًا بأنها لا تطالب هي بحقها، فما حكم الشرع في نظركم يا سماحة الشيخ؟
ج 4: الزواج ما يحرم من الميراث، هذه التقاليد باطلة، كونها تزوجت، وهي أخت الميت، أو بنت الميت، أو زوجة الميت، ولها حق تأخذه، فإذا مات إنسان عن خمس بنات، أو عشر بنات، بعضهن متزوج، وبعضهن لم يتزوج، فالجميع شركاء في الإرث، أو مات عن أخوات، أو مات عن أمه، وهي متزوجة، كل يُعطى حقه، الزواج ما يمنع، فالتساهل بهذا منكر، إلا إذا كانت المرأة رشيدة، وسمحت لمن لم يتزوج، قالت: أنا مستغنية بالزواج، والحمد للَّه، وحقي لكم، إذا سمحت وهي رشيدة عاقلة، وقالت: لأخواتها حقي لكم، فلا بأس، أما أنها تحرم من أجل الزواج فلا يجوز.
س 5: السائل ن. ص. من اليمن، يقول: توفي جدي لوالدي قبل ستة عشر سنة، وترك أرضًا زراعية، وخلّف أولاداً وبنات، ولكن عندنا بعض الناس لا يجعلون للبنات نصيباً من تركة الأب، قام الأولاد بزراعة الأرض، وبعد ذلك بخمس سنوات رحلنا عن البلاد، إلى خارجها، وبقي اثنان من العيال، وقام الأولاد بزراعة الأرض، واستغلّوها لمدة خمس سنوات، هذا الأمر تمّ وأنا صغير، وبعد أن كبرت، وقرأت القرآن، وعرفت تقسيم التركة بين الأبناء والبنات، أريد أن أعرف رأي الشرع في هذا، خاصة بعد الفترة التي مرت دون حصول إحدى البنات على شيء، وبالمناسبة البنات كلهن متزوجات، وهن في غنى عن هذا، هل إذا تنازلت البنات عن نصيبهن في هذا من سابق إلى الآن تبرأ الذمة؟ نرجو التوجيه جزاكم اللَّه خيرًا.
ج 5: عدم إعطاء البنات حصتهن من الإرث، هذا أمر جاهلي، من أمر الجاهلية، وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات، ولا الصغار، ويقولون: إنما يأخذ المال من يحمل السلاح، ويقاتل الرجال، وهذا غلط كبير، وقد أنزل اللَّه القرآن العظيم، وبعث رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، بشرائع محكمة، وجعل من ذلك أن المال بين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين من الأولاد والإخوة، للأبوين أو للأب، وجعل للإخوة من الأم فرضًا خاصّاً، فالواجب على المسلمين أن يسيروا على نهج الشريعة، وأن يلتزموا بما حكم اللَّه به، فيعطوا البنات حقهن، والذكور حقهم، وعليهم أن يؤدّوا للبنات ما سبق أن أخذوه من حقهنّ، وإلا إذا سمحن وتنازلن عن حقهن السابق أو اللاحق، وهن مرشدات بالغات، لا بأس بذلك، وعليك أن تراجع المحكمة في كل ما أشكل عليك مما يتعلق بالماضي والحاضر، حتى تسير على أمر بين في جميع أمور التركة، لا في الحاضر ولا في المستقبل ولا في الماضي، ومن سمح من البنات المزوجات أو غير المزوجات، وهن مرشدات مكلفات عن بعض حقهن أو عن حقهن فلا حرج في ذلك»( ).
وستأتي فتاوى له أخرى في الموضوع، وفتاوى العلامة محمد بن إبراهيم، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، في آخر الكتاب إن شاء اللَّه تعالى( ).
المبحث الثاني: حُجَجُ المُعاندِينَ المُتمسِّكينَ بالعَاداتِ الجاهليَّةِ
هيَ حُججُ المُشركينَ، والمُعاندينَ لِلرسلِ عليهِمُ الصّلاةُ والسّلامُ، ولأتباعِهِمْ:
1- قالَ اللَّهُ تَعالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾( ).
قالَ العَلاَّمَةُ السَّعديُّ /: فإذَا دُعوا ﴿إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ﴾ أعْرَضُوا فَلمْ يَقْبَلُوا، و﴿قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ مِنَ الدِّينِ، ولَوْ كانَ غَيرَ سَديدٍ، ولاَ دينًا يُنجي مِنْ عَذابِ اللَّهِ.
ولَوْ كانَ في آبائِهمْ كفايةٌ ومَعرفَةٌ ودِرايةٌ لَهَانَ الأمرُ، ولكنَّ آباءَهمْ لا يعقِلونُ شيئاً، أي: لَيسَ عِندهمْ مِنَ المعقولِ شيْءٌ، ولاَ من العِلمِ والهُدَى شَيءٌ، فتبّاً لِمَنْ قلَّدَ مَن لا عِلْمَ عندَه صحيحاً، ولا عَقلاً رَجيحاً، وتَرَكَ اتِّباعَ مَا أنزلَ اللَّه، واتِّباعَ رُسلِهِ الذي يَملأُ القُلوبَ علماً وإيمَاناً، وهُدىً، وإيقَاناً( ).
2- وقَالَ اللَّهُ : ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾( ).
قالَ العَلاَّمةُ السَّعديُّ /: «قَولُهُ تعالَى مُبيِّناً لِقُبحِ حَالِ المُشْركينَ الّذينَ يفعَلُونَ الذُّنوبَ، ويَنسِبُونَ أنَّ اللَّهَ أمَرَهمْ بهَا: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾، وَهِيَ: كلُّ ما يُستَفْحَشُ ويُسْتَقْبَحُ، ومِنْ ذلِكَ طَوافُهمْ بالبيتِ عُراةً: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾، وَصَدقُوا في هَذا، ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾، وكَذَبُوا في هَذا؛ ولِهذَا رَدَّ اللَّهُ عليهِمْ هذهِ النسبَةَ، فقَالَ: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾أيْ: لاَ يليقُ بكمَالِهِ وحِكْمتِهِ أنْ يَأمُرَ عِبادَهُ بتَعاطي الفَوَاحشَ، لاَ هَذا الذي يفعلُهُ المشرِكُونَ ولا غَيْرُهُ ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾، وأيُّ افتراءٍ أعظمُ مِنْ هَذا؟( ).
3- وقالَ : ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾( ).
قالَ العلاّمةُ السَّعديُّ /: «﴿قَالُوا ﴾ لِمُوسَى رَادِّينَ لقولِهِ بمَا لا يَردُّهُ: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾أيْ: أجئْتَنَا لتَصُدَّنَا عمَّا وَجدْنَا عليهِ آباءَنَا، مِنَ الشِّرْكِ، وعِبادَةِ غَيرِ اللَّهِ، وتأْمُرُنا بأنْ نعْبدَ اللَّه وحدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ؟ فجَعلُوا قَولَ آبائِهِمُ الضَّالِّينَ حُجَّةً، يَرُدُّون بها الحَقَّ الذي جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى ...»( ).
4- وقالَ اللَّهُ جلَّ وعَلا: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾( ).
قال العلاّمةُ السعديُّ /: «لجَأوا إلَى تقليدِ آبائِهمُ الضّالّينَ، فقَالُوا: ﴿بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، فتبِعْناهُمْ عَلى ذَلكَ، وسَلكْنَا سَبيلَهُم، وحَافَظْنَا عَلى عَاداتِهِمْ، فَقَال لَهُمْ إبراهيمُ: أنتُمْ وآباءَكُمْ، كلُّكُمْ خُصومٌ في الأمْرِ، والكَلامُ مَعَ الجَميعِ واحِدٌ»( ).
5- وقَالَ : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾( ).
قال العَلاّمةُ السّعديُّ /: « قَالَ [اللَّهُ]: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ عَلى أيْدِي رُسُلِهِ، فإنَّهُ الحَقُّ، وبُيِّنَتْ لهُمْ أدلَّتُهُ الظّاهرةُ ﴿قَالُوا﴾ مُعارِضينَ ذلكَ: ﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ فَلا نَتْركُ مَا وجدْنَا عَليهِ آباءَنا لِقولِ أحدٍ كَائناً مَنْ كانَ.
قال تَعالَى في الرَّدِّ عَليهِمْ وعَلى آبائِهِمْ: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ فاسْتجَابَ لَهُ آباؤُهُمْ، ومَشَوْا خَلفَهُ، وصَاروا مِنْ تلاميذِ الشَّيطانِ، واسْتَوْلَتْ عَليهِمُ الحَيْرَةُ...»( ).
6- وقال اللَّهُ : ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾( ).
قالَ العَلاّمةُ السَّعديُّ /: «... لَهُمْ شبهَةٌ مِنْ أوْهَى الشُّبَهِ، وهِيَ تَقليدُ آبائِهِمُ الضَّالِّينَ، الّذينَ مَا زالَ الكَفَرةُ يَردُّونَ بتقْلِيدِهمْ دَعْوةَ الرّسُلِ، ولِهذَا قَالَ هُنا: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ أيْ: عَلَى دينٍ ومِلَّةٍ، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ أيْ: فَلاَ نَتّبعُ مَا جَاءَ بِهِ مُحمَّدٌ »( ).
7- وقال سُبحانَهُ: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾( ).
قالَ العَلاّمةُ السَّعْديُّ / في قوله تعالى: ﴿مُتْرَفُوهَا﴾: «أيْ: مُنعَّمُوها، ومَلأُها الّذينَ أطْغَتْهُمُ الدُّنيا، وغَرَّتْهُمُ الأمْوالُ، واسْتكْبَرُوا عَلى الحَقِّ. ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ أيْ: فَهؤُلاءِ لَيسُوا بِبدْعٍ مِنهُم، ولَيْسُوا بأوَّلِ مَنْ قَالَ هَذهِ المَقَالَةَ.
وهَذا الاحْتجَاجُ مِن هَؤُلاءِ المُشْركينَ الضَّالِّينَ، بتَقْلِيدِهِمْ لآبَائِهِمُ الضَّالِّينَ، لَيسَ المَقْصودُ بِهِ اتِّباعَ الحَقِّ والهُدَى، وإنِّمَا هُو تَعصُّبٌ محْضٌ، يُرادُ بِهِ نُصْرةُ مَا معَهُم مِنَ البَاطِلِ( ).
المبحث الثالث: الأدلة الساطعة على تحريم الحكم بالأعراف، والعادات الجاهلية القبلية
الدليل الأول: قول اللَّه : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا﴾( ).
قال الإمام ابن كثير /: «هذا إنكار من اللَّه ، على من يدّعي الإيمان بما أنزل اللَّه على رسوله، وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب اللَّه وسنة رسوله»، ثم ذكر / سبب نزول الآية، ثم قال: «والآية أعم من ذلك كله؛ فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا»( ).
وقال السعدي /: «يُعجِّبُ تعالى عباده من حالة المنافقين. ﴿الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ﴾ مؤمنون بما جاء به الرسول، وبما قبله، ومع هذا ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾، وهو كل من حكم بغير شرع اللَّه فهو طاغوت.
والحال أنهم ﴿قد أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع اللَّه، وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمَنْ زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم اللَّه، فهو كاذب في ذلك، وهذا من إضلال الشيطان إياهم؛ ولهذا قال: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا﴾ عن الحق»( ).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾( ).
قال الإمام ابن كثير /: «قوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، قال مجاهد، وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله.
وهذا أمر من اللَّه بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾( )، فما حكم به كتاب اللَّه وسنة رسوله، وشهدا له بالصحة، فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي: ردّوا الخصومات والجهالات إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، فدلّ على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً باللَّه، ولا باليوم الآخر.
وقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أي: التحاكم إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله، والرجوع في فصل النزاع إليهما خير ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي: وأحسن عاقبة ومآلاً...»( ).
وقال العلامة السعدي /: «...أمر [] بردِّ كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى اللَّه وإلى رسوله ، أي: إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومهما، أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه؛ لأن كتاب اللَّه، وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان؛ فلهذا قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، فدلّ ذلك على أن من لم يردّ إليهما مسائل النزاع؛ فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها ﴿ذَلِكَ﴾ أي: الردّ إلى اللَّه ورسوله ﴿خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾؛ فإن حكم اللَّه ورسوله أحسن الأحكام، وأعدلها، وأصلحها للناس في أمر دينهم، ودنياهم، وعاقبتهم»( ).
الدليل الثالث: قول اللَّه تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا﴾( ).
قال الإمام ابن كثير /: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أي: إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليماً كُليّاً من غير ممانعة، ولا مدافعة، ولا منازعة، كما ورد في الحديث: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَــبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ»( )»( ).
وقال العلامة السعدي /: « ... أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.
فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان، فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها، فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له، فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين»( ).
الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( ).
قال الإمام ابن كثير /: «ينكر اللَّه تعالى على من خرج عن حكم اللَّه المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرٍّ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة اللَّه، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم [جنكيز خان]، الذي وضع لهم السّياق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره، وهواه، فصارت في بنيه شرعًا مُتَّبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب اللَّه، وسنة رسوله ، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله، فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير، قال اللَّه تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾، أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم اللَّه يعدلون. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي: ومن أعدل من اللَّه في حكمه لمن عَقل عن اللَّه شرعه، وآمن به، وأيقن، وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء»( ).
وقال العلامة السعدي /: «﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ أي: أفيطلبون بتوليهم، وإعراضهم عنك حكم الجاهلية، وهو كل حكم خالف ما أنزل اللَّه على رسوله، فلا ثَمَّ إلا حكم اللَّه ورسوله، أو حكم الجاهلية، فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل، والظلم، والغي؛ ولهذا أضافه اللَّه للجاهلية، وأما حكم اللَّه تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى.
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين، ويميّز بإيقانه ما في حكم اللَّه من الحسن والبهاء، وأنه يتعيّن عقلاً وشرعاً اتّباعه، واليقين: هو العلم التام الموجب للعمل»( ).
الدليل الخامس: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾( ).
قال الإمام ابن كثير /: «أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور، وهذا عام في جميع الأشياء، ﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ أي: هو الحاكم فيه بكتابه، وسنة نبيه ، كقوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾( )، ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ أي: الحاكم في كل شيء، ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي: أرجع إليه في جميع الأمور»( ).
وقال العلامة السعدي /: «﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ من أصول دينكم وفروعه، مما لم تتفقوا عليه ﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ يرد إلى كتابه، وإلى سنة رسوله، فما حكما به فهو الحق، وما خالف ذلك فباطل ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ أي: فكما أنه تعالى الرب، الخالق، الرازق، المدبر، فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع أمورهم»( ).
الدليل السادس: قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾( ).
وقد روي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» فقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»( ).
قال الإمام ابن كثير /: «وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبداللَّه بن عباس، وغيرهما في تفسير: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ إنهم اتبعوهم فيما حلَّلوا وحرّموا.
وقال السدي: استنصحوا الرجال، وتركوا كتاب اللَّه وراء ظهورهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ أي: الذي إذا حرّم الشيء فهو الحرام، وما حلله حلَّ، وما شرعه اتّبع، وما حكم به نفذ.
﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تعالى، وتقدس، وتنزه عن الشركاء، والنظراء، والأعوان، والأضداد، والأولاد، لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه»( ).
وقال العلامة السعدي /: «﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ﴾، وهم علماؤهم ﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾ أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة ﴿أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع، والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها، وكانوا أيضاً يُغلون في مشايخهم، وعُبّادهم، ويُعظِّمونهم، ويتخذون قبورهم أوثاناً تعبد من دون اللَّه، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة»( ).
وقد قال الإمام محمد بن عبد الوهاب /: «باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل اللَّه، أو تحليل ما حرم اللَّه، فقد اتخذهم أرباباً من دون اللَّه»( ).
وقال ابن عباس ب: «يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟»( ).
وقال الإمام الشافعي /: «أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول اللَّه لم يكن له أن يدعها لقول أحد»( ).
وقال الإمام مالك /: «ما منا إلَّا مَن رَدَّ أَوْ رُدَّ عليه، إلَّا صاحب هذا القبر»، وأَشار إلى قبر النبي ( ).
وقال الإمام أبو حنيفة /: «مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَا، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ»( ).
وقال الإمام أحمد /: «عجبتُ لقومٍ عرَفوا الإسنادَ وصحَّته، يذهبون إلى رأي سفيان، واللَّه تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( )، أتدري ما الفتنة ؟ الفتنةُ : الشرك ، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله , أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلِك»( ).
الدليل السابع: حديث جابر ، عن النبي ، وفيه: «... أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ...» ( ).
قال الإمام النووي /: «في هَذِهِ الْجُمْلَة إِبْطَال أَفْعَال الْجَاهِلِيَّة، وَبُيُوعهَا الَّتِي لَمْ يَتَّصِل بِهَا قَبْض، وَأَنَّهُ لَا قِصَاص فِي قَتْلهَا، وَأَنَّ الْإِمَام وَغَيْره مِمَّنْ يَأْمُر بِمَعْرُوفٍ، أَوْ يَنْهَى عَنْ مُنْكَر، يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأ بِنَفْسِهِ، وَأَهْله، فَهُوَ أَقْرَب إِلَى قَبُول قَوْله، وَإِلَى طِيب نَفْس مَنْ قَرُبَ عَهْده بِالْإِسْلَامِ( ).
الدليل الثامن: إجماع علماء الإسلام على تحريم الحكم بالأعراف، والعادات القبلية الجاهلية المخالفة المضادة لكتاب اللَّه العزيز، وسنة رسوله ، وأن من فعل ذلك فقد أتى منكراً عظيماً، وجرماً كبيراً، وإثماً مبيناً، وضلالاً بعيداً.
قال الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز /: «... وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير اللَّه أحسن من حكم اللَّه, أو أن هدي غير رسول اللَّه أحسن من هدي الرسول فهو كافر, كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد ، أو تحكيم غيرها فهو كافر ضال»( ).
المبحث الرابع: أقوال العلماء الراسخين في العلم في تحريم الحكم بالأعراف والعادات الجاهلية القبلية
العلماء منذ عصر النبوة يحذرون الناس من الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، ويحذرونهم أيضاً من التحاكم إلى الأعراف والعادات الجاهلية القبلية، فكل عالم بالكتاب والسنة ينهى ويحذر عن ذلك التحاكم إلى غير كتاب اللَّه، وسنة رسوله ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية / (ت 728هـ): «ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل اللَّه على رسوله، فهو كافر، فمن استحلّ أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل اللَّه فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم؛ بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها اللَّه كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر؛ فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل اللَّه، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلّوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل اللَّه، فهم كفار»( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / أيضاً: «... أما من كان ملتزماً لحكم اللَّه ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى، واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة»( ).
2- قال العلامة ابن القيم (ت 751) /: «...لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب، والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء، والقياس، والاستحسان، وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم، حتى رُبِّي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير». إلى أن قال /: «إذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض واللَّه خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحوش أسلم من مخالطة الناس اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة...»( ).
وقال ابن القيم / أيضاً: «والصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل اللَّه يتناول الكفرين: الأصغر، والأكبر، بحسب حال الحاكم؛ فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل اللَّه في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً؛ مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم اللَّه تعالى، فهذا كفر أكبر.
وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطئ له حكم المخطئين»( ).
3- قال الإمام ابن كثير (ت 774هـ) /: « ... فما حكم به كتاب اللَّه، وسنة رسوله ، وشهدا له بالصحة، فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، فدلّ على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً باللَّه، ولا باليوم الآخر»( ).
4- قال الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ) /: «الطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه اللَّه، ومن عُبِدَ وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل اللَّه»( ).
5- العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / (ت 1292هـ) سئل /: «عمَّا يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل يطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف... إلخ؟
فأجاب /: «من تحاكم إلى غير كتاب اللَّه، وسنة رسوله بعد التعريف، فهو كافر....»( ).
6- قال العلامة حمد بن عتيق / (ت 1301هـ) عند هذه الآية: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( ) بعد ذكر قول ابن كثير /، قال: «قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم، من تحكيم عادات آبائهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها (شرع الرفاقة) يقدمونها على كتاب اللَّه، وسنة رسوله ، ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله»( ).
7- قال العلامة سليمان بن سحمان (ت 1349هـ) /: «الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة؛ والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم، فإن كثيراً من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة، كقولهم شرع عجمان، وشرع قحطان، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه، الذي أمر اللَّه باجتنابه.
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه( )، وابن كثير في تفسيره( ): أن من فعل ذلك فهو كافر باللَّه، زاد ابن كثير: يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله»( ).
وقال ابن سحمان أيضاً: «وما ذكرناه من عادات البوادي، التي تسمى (شرع الرفاقة) هو من هذا الجنس، من فعله فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله، فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير»( ).
8- قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في عهده، (ت 1389هـ) /: «... بلغنا بسبب شكوى الربادي أنه موجود من بعض الرؤساء ببلد الرين من يحكم بالسلوم الجاهلية، فساءنا ذلك جداً، وأوجب علينا الغيرة لأحكام اللَّه وشرعه؛ لأن ذلك في الحقيقة حكم بغير ما أنزل اللَّه...»، ثم قال /: «يتحتم على ولاة الأمور التأديب البليغ لكل من ارتكب هذه الجريمة التي قد تفضي إلى ما هو أكبر إثماً من الزنا والسرقة؛ لأن كل من خالف أمر اللَّه، وأمر رسوله، وحكم بين الناس بغير ما أنزل اللَّه متبعاً لهواه، ومعتقداً أن الشرع لا يكفي لحل مشاكل الناس، فهو طاغوت قد خلع ربقة الإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن...»( ).
9- قال الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز (ت 1420هـ) /: «...اللَّه سبحانه له الخلق والأمر, وهو أحكم الحاكمين, ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم اللَّه ورسوله, أو تماثله وتشابهه, أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية, وإن كان معتقداً بأن أحكام اللَّه خير، وأكمل، وأعدل، فالواجب على عامة المسلمين، وأمرائهم وحكامهم, وأهل الحل والعقد فيهم: أن يتقوا الله ويحكموا شريعته في بلدانهم وسائر شؤونهم ...»( ).
وقال /: «... في إحياء العادات القبلية، والأعراف الجاهلية ما يدعو إلى ترك التحاكم إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله ، وفي ذلك المخالفة لشرع اللَّه المطهر». إلى أن قال /: «... وبهذا يُعلم أنه لا يجوز إحياء قوانين القبائل وأعرافهم، وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلاً من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها، وإماتتها، والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع اللَّه ، ففيه صلاح الجميع، وسلامة دينهم، ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل اللَّه بها من سلطان، بل يجب أن يردُّوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية...»( ).
10- الإمام عبد العزيز بن باز / (ت 1420هـ).
11- العلامة عبد الرزاق عفيفي / (ت 1415هـ).
12- العلامة عبد اللَّه بن قعود / (ت 1426).
13- العلامة عبد اللَّه بن عبد الرحمن الغديان (ت 1431هـ).
قالوا رحمهم اللَّه: «... والمراد بالطاغوت في الآية: كل ما عدل عن كتاب اللَّه تعالى، وسنة نبيه إلى التحاكم إليه: من نظم، وقوانين وضعية، أو تقاليد، وعادات متوارثة، أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك، أو بما يراه زعيم الجماعة أو الكاهن...» ( ).
14- قال العلامة صالح بن فوزان بن عبد اللَّه الفوزان حفظه اللَّه: «... من حكم بغير ما أنزل اللَّه: هذا يعم كل حكم بغير ما أنزل اللَّه بين الناس في الخصومات، والمنازعات، حكم بينهم بالقانون، أو بعوائد البدو، والسلوم التي عليها البدو والقبائل، وأعرض عن كتاب اللَّه، هذا هو الطاغوت، يحكمون بغير ما أنزل اللَّه، ويدّعون أن هذا من الإصلاح، والتوفيق بين الناس، هذا كذب، الإصلاح لا يكون إلا بكتاب اللَّه، والتوفيق بين المؤمنين لا يكون إلا بكتاب اللَّه ...»( ).
وقال حفظه اللَّه: «...من أنواع الردة الحكم بغير ما أنزل اللَّه إذا اعتقد أن هذا أمر مباح، وأنه يجوز أن يحكم بالشريعة، ويجوز أن يحكم بالقوانين، ويقول: المقصود حل النزاعات، وهذا يحصل بالقوانين، ويحصل بالشريعة، فالأمر متساوٍ...» إلى أن قال:
«... فالذي يسوي بين حكم اللَّه وحكم الطاغوت – والطاغوت المراد به: كل حكم غير حكم اللَّه، سواء عوائد البادية، أو أنظمة الكفار، أو قوانين الفرنس، أو الإنكليز، أو عادات القبائل كل هذا طاغوت، وكذا تحكيم الكهان – فالذي يقول: إنهما سواء كافر، وأشد منه من يقول: إن الحكم بغير ما أنزل اللَّه أحسن من الحكم بما أنزل اللَّه، هذا أشد، فالذي يقول: الناس ما يصلح لهم اليوم إلا هذه الأنظمة، ما يصلح لهم الشرع، الشرع ما يطابق هذا الزمان، ولا يساير الحضارة، ما يصلح إلا تحكيم القوانين، ومسايرة العالم، تكون محاكمنا مثل محاكم العالم هذا أحسن من حكم اللَّه: هذا أشد كفراً من الذي يقول: إن حكم اللَّه وحكم غيره متساويان.
أما إذا حكم بغير ما أنزل اللَّه لهوىً في نفسه، أو جهل بما أنزل اللَّه، وهو يعتقد أن حكم اللَّه هو الحق، وهو الواجب، فهذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وذلك كفر دون كفر»( ).
المبحث الخامس: حكم من حكم بالعادات والأعراف الجاهلية القبلية
الحكم بالكفر ليس لأحد إلا اللَّه تعالى ورسوله ، فمن كفَّره اللَّه ورسوله كفّرناه، ولأهمية هذا العنوان، وخطورته، فلا بد من التثبت، وعدم العجلة، ويكون ذلك على النحو الآتي:
أولاً: لا يحكم بالكفر على أحد إلا بدليل صريح من الكتاب والسنة، مع تحقق الشروط، وانتفاء الموانع.
قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، وقال : «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾( ).
وقال : ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾( ).
فقد وصف اللَّه من لم يحكم بما أنزل: بالكفر، والظلم، والفسق.
وقد ثبت عن ابن عباس ب أنه كفر دون كفر ما لم يستحله، فعن طاوس قال: قال ابن عباس ب: «إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، إِنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنْ المِلَّةٍ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ»( ).
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ب قوله: «﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، قال: من جحد ما أنزل اللَّهُ فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم، فهو ظالم فاسقٌ»( ).
وقال سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، قال: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ»( ).
وقال العلامة السعدي /: «...فالحكم بغير ما أنزل اللَّه من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفراً ينقل عن الملة، وذلك إذا اعتقد حلَّه وجوازه، وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد»( ).
قال الإمام محمد بن إبراهيم / مفتي الديار السعودية في عهده: «...سجّل اللَّه تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل اللَّهُ الكفرَ، والظلمَ، والفسوقَ، ومن الممتنع أن يُسمِّيَ اللَّهُ الحاكم بغير ما أنزل اللَّه كافراً، ولا يكون كافراً، بل هو كافرٌ مطلقاً: إما كفر عمل، وإما كفر اعتقاد...».
ثم قَسَّم الكفر المخرج من الملة، وهو كفر الاعتقاد إلى ستة أنواع ذكرها، وقال في النوع السادس:
«...السادس: ما يَحْكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يُسمُّونها (سلومهم) يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به، ويحضُّون على التحاكم إليه عند النزاع، بناء على أحكام الجاهلية، و إعراضاً ورغبة عن حكم اللَّه ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا باللَّه».
ثم قال /: «...وأما القسم الثاني من قسمي كُفر الحاكم بغير ما أنزل اللَّه، وهو الذي لا يُخرج من الملّة، فقد تقدّم أن تفسير ابن عباس بلقوله : ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾( ) قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله الآية: «كفر دون كفر»، وقوله أيضاً: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه»، وذلك أن تَحْمِلَه شهوتُه وهواهُ على الحُكم في القضية بغير ما أنزل اللَّه، مع اعتقاده أنّ حُكمَ اللَّه ورسوله هو الحقّ، واعترافه على نفسه بالخطأ، ومجانبة الهدى، وهذا وإنْ لم يُخْرجْه كُفرُه عن الملّة؛ فإنه معصية عُظمى، أكبرُ من الكبائر: كالزنا، وشُرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس، وغيرها؛ فإنّ معصيةً سمَّاها اللَّهُ في كتابه كُفْراً، أعظمُ من معصيةٍ لم يسمها كفراً، نسأل اللَّه أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقياداً، ورضاءً، إنّه وليّ ذلك والقادرُ عليه( ).
وقال شيخنا الإمام ابن باز /: «ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس، وآراءهم، خير من حكم اللَّه، ورسوله, أو تماثله، وتشابهه, أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية, وإن كان معتقداً بأن أحكام اللَّه خير وأكمل وأعدل...»( ).
وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز / يقول: من حكم بغير ما أنزل اللَّه فلا يخرج عن أربعة أنواع:
1 - من قال أنا أحكم بهذا؛ لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية، فهو كافر كفراً أكبر.
2 - ومن قال أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز، وبالشريعة جائز، فهو كافر كفراً أكبر.
3 - ومن قال أنا أحكم بهذا، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، لكن الحكم بغير ما أنزل اللَّه جائز، فهو كافر كفراً أكبر.
4 - ومن قال أنا أحكم بهذا، وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل اللَّه لا يجوز، ويقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، ولا يجوز الحكم بغيرها، ولكنه متساهل، أو يفعل هذا لأمرٍ صادر من حُكَّامه، فهو كافر كفراً أصغر، لا يُخرج من الملة، ويعتبر من أكبر الكبائر( ).
ثانياً: خطورة الكفر والتكفير: يجب أن يُعلم أن الكفر والتكفير له خطرٌ عظيم؛ فإن المرتد له أحكامه على النحو الآتي:
1- لا يحل لزوجته البقاءُ معه، ويجب أن يُفَرَّقَ بينها وبينه؛ لأن المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقَّن.
2- أنَّ أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه؛ لأنَّه لا يُؤتَمَن عليهم، ويُخشى أن يُؤثِّر عليهم بكفره، وبخاصة أن عُودَهم طريّ، وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي كله.
3- أنَّه فقد حق الولاية والنُّصرة من المجتمع الإسلامي بعد أن مرق منه، وخرج عليه بالكفر الصريح، والرِّدَّة البَوَاح.
4- أنَّه يجب أن يُحاكم أمام القضاء الإسلامي، ليُنفَّذَ فيه حكم المرتدِّ، بعد أن يُستتاب وتُزال من ذهنه الشبهات، وتُقام عليه الحجة.
5- أنَّه إذا مات على ردّته لا تُجرى عليه أحكام المسلمين، فلا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يُورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورِّث له قبله( ).
6- أنَّه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في نار جهنم.
وهذه الأحكام الخطيرة توجب على من يتصدَّى للحكم بتكفير أحدٍ من المسلمين أن يتريَّث مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول( ).
7- أنَّه لا يُدعَى له بالرَّحمة، ولا يُستغفر له؛ لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَـهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْـجَحِيمِ﴾( ).
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي /: «الكفر حق اللَّه ورسوله، فلا كافر إلا من كفَّره اللَّه ورسوله»( ).
نسأل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة.
المبحث السادس: الفتاوى في تحريم الحكم بالأعراف، والعادات القبلية
أولاً: فتاوى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في عهده /:
1- الحكم بعادات الأسلاف والأجداد:
قال /: «...إن من أقبح السيئات، وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة اللَّه من القوانين الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها كثير من الناس اليوم، وارتضاها بدلاً من شريعة اللَّه التي بعث بها رسوله محمداً ، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر، والظلم، والفسوق، وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن، وحذّر عنها الرسول »( ).
2- الحكم بالسلوم، والأعراف، والعادات القبلية الجاهلية
قال /: «...السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. وبعد:
فقد بلغنا بسبب شكوى الربادي أنه موجود من بعض الرؤساء ببلد الرين من يحكم بالسلوم الجاهلية، فساءنا ذلك جداً، وأوجب علينا الغيرة لأحكام اللَّه، وشرعه؛ لأن ذلك في الحقيقة حكم بغير ما أنزل اللَّه، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾( )، وقال في الآية التي بعدها: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾( )، وفي آية أخرى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ﴾( )، وقد أنكر اللَّه سبحانه على من ترك التحاكم إلى شرعه المطهّر، وابتغى التحاكم إلى غيره من الآراء، والأهواء بقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( )، فلا حكم أحسن، ولا أعدل من حكم اللَّه؛ لأنه تعالى أحكم الحاكمين، وهو العليم بمصالح عباده، والحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، وأيضاً فإن اللَّه قد أمر عباده أن يكفروا بالطاغوت، وأنكر على من أراد التحاكم إليه، وأخبر أن ذلك من إضلال الشيطان لهم، فقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾( )، وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( )، فالواجب عليكم التنبه لهذا الأمر، والإنكار على من فعله، بل يتحتم على ولاة الأمور التأديب البليغ لكل من ارتكب هذه الجريمة التي قد تفضي إلى ما هو أكبر إثماً من الزنا، والسرقة؛ لأن كل من خالف أمر اللَّه، وأمر الرسول، وحكم بين الناس بغير ما أنزل اللَّه، مُتَّبِعاً لهواه، ومعتقداً أن الشرع لا يكفي لحل مشاكل الناس، فهو طاغوت قد خلع ربقة الإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن، وقد قال : «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَــبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»( ).
وقد يظن بعض الجهال أن التحاكم إلى السلوم فيه مصلحة، وهذا الظن فاسد؛ لأن ذلك مفسدة محضة، بل إفساد في الأرض؛ لأنه من أكبر معاصي اللَّه، وكل من عصى اللَّه في الأرض، فقد أفسد فيها، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾( )، وفقني اللَّه وإياكم لمعرفة الحق، واتباعه، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، آمين. والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
رئيس القضاة
(ص/ق 360 في 5/ 5/1380) ( )
3- حكم مساعدة المعتدي وتشجيعه بدفع الديات عنه، وحكم إجبار
القبائل أفرادهم بدفع الأموال وبالتمسك بعوائدهم في أرش الجنايات والديات:
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ... وفقه اللَّه.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على المعاملتين المبعوثتين إلينا منكم رفق خطاب سموكم، رقم 3299/ 6، وتاريخ 9/ 7/86 تتعلق أولاهما بمطالبة شيخ شمل الحقوا إلزام قبائله بالتمسك بعوائدهم في أرش الجنايات، والديات، وتشتمل على خطاب فضيلة قاضي الحقو رقم 254، في 17/ 6/ 1386 هـ المتضمن اعتراضه على ما اتفقت عليه القبائل من التناصر، والتكاتف، والتعاون في دفع الديات، وأروش جنايات العمد، وإن ذلك لا يجوز شرعاً لمخالفته المقتضيات الشرعية، ولما فيه من مساعدة المعتدي، وتشجيعه على الاعتداء مادامت قبيلته تساعده، وتناصره، وتعينه في دفع ما يترتب عليه.
وتتعلق الأخرى بمطالبة مقبول بن ... وأخيه سعد بالتخلي عن عوائد قبيلتهما من مساعدة المتزوجين وضيافة الضيوف ونحو هذه الأمور، وامتناعهما عن تسليم ما اتجه عليهما لقبيلتهما من هذه الأمور، وقد جاء في خطاب سموكم أن إمارة أبها، وإمارة السراة ارتأتا ضرورة إلزام مقبول بن فهد وأخيه سعد بالدخول مع جماعاتهم في عوائدهم، وعدم إفساح المجال لمثل هذه الطلبات، حيث إن إضاعتها إضاعة لهذه العوائد القبلية، وترون سموكم أن هذه العوائد قديمة، قد بدأ التذمر منها، فالإلزام بها، والحال أنها لم تكن طبق مقتضيات شرعية أمر لا مبرر له، إلى أخر ما ذكرتموه، وترغبون سموكم إبداء مرئياتنا تجاه هذه العوائد.
ونشعركم أنه بدراستنا للمعاملة الأولى بمطالبة شيخ شمل الحقو إلزام قبائله بالتمسك بعوائدهم السابقة، وبتتبعنا أوراقها، بما في ذلك خطاب قاضي الحقو المشار إليه، وإلى مضمونه أعلاه وجدنا أن ما قرره فضيلته صحيح، وأن مثل هذه العوائد من عوائد الجاهلية المبني كثيرٌ منها على الظلم، ومناصرة أهله، فيتعين إبطال هذه الاتفاقيات، والاقتصار على حكم اللَّه ورسوله.
وبدراستنا للمعاملة الثانية، وجدنا أن ما أشار إليه فضيلة قاضي السراة موجب خطابه رقم 174 في 6/ 3 /86 المتضمن عدم إجبار مقبول وأخيه سعد بتسليمهما ما ينوبهما من عوائد القبيلة صحيح، وأن ما أشارت إليه إمارتا السراة، وأبها من ضرورة إلزام مقبول وأخيه بما طولبا به غير صحيح، وأن ما أشرتم إليه سموكم من أن التمسك بهذه العوائد قد يطغى على مر الزمن على تعاليم ديننا الحنيف، وفي الشريعة الإسلامية ما يكفي لحماية الفرد والمجتمع، وأنه ليس في خروج هذين الفردين على عوائد قبيلتهما ما يعتبر خروجاً على جماعة المسلمين ...
وعليه فأي عوائد قبيلة تمس مصالح المسلمين عامة، أو تهون العدوان عليهم، أو على أفرادهم، أو يكون فيها إلزام لأفراد أصحاب هذه العوائد بما لا يلزمهم شرعاً فهي باطلة، والإلزام بها فرع عن بطلانها، ونعيد إلى سموكم كامل الأوراق، واللَّه يحفظكم، والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص/ف 2065/ 1/ 23/ 4/1387 هـ) ( )
ثانياً: فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة في عهده /:
1- وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه
قال /: «...فهذه رسالة موجزة، ونصيحة لازمة في وجوب التحاكم إلى شرع اللَّه, والتحذير من التحاكم إلى غيره, كتبتها لما رأيت وقوع بعض الناس في هذا الزمان في تحكيم غير شرع اللَّه, والتحاكم إلى غير كتاب اللَّه وسنة رسوله, من العرّافين، والكهّان، وكبار عشائر البادية, ورجال القانون الوضعي وأشباههم, جهلاً من بعضهم لحكم عملهم ذلك, ومعاندة ومحادة للَّه ورسوله من آخرين, وأرجو أن تكون نصيحتي هذه معلمة للجاهلين, ومذكرة للغافلين, وسبباً في استقامة عباد اللَّه على صراطه المستقيم» إلى أن قال /: «...ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس، وآراءهم خير من حكم اللَّه ورسوله, أو تماثله، وتشابهه, أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية, وإن كان معتقداً بأن أحكام اللَّه خير، وأكمل، وأعدل.
فالواجب على عامة المسلمين، وأمرائهم، وحكامهم, وأهل الحل والعقد فيهم: أن يتقوا اللَّه ، ويحكموا شريعته في بلدانهم، وسائر شؤونهم, وأن يقوا أنفسهم، ومن تحت ولايتهم عذاب اللَّه في الدنيا والآخرة, وأن يعتبروا بما حل في البلدان التي أعرضت عن حكم اللَّه...»
إلى أن قال /: «...وأرجو ممن بلغته موعظتي هذه أن يتوب إلى اللَّه, وأن يكفّ عن تلك الأفعال المحرّمة, ويستغفر اللَّه، ويندم على ما فات, وأن يتواصى مع إخوانه، ومن حوله على إبطال كل عادة جاهلية, أو عرف مخالف لشرع اللَّه, فإن التوبة تجبُّ ما قبلها, والتائب من الذنب كمن لا ذنب له, وعلى ولاة أمور أولئك الناس وأمثالهم, أن يحرصوا على تذكيرهم، وموعظتهم بالحق, وبيانه لهم, وإيجاد الحكام الصالحين بينهم؛ ليحصل الخير بإذن اللَّه، ويكفّوا عباد اللَّه عن محادته, وارتكاب معاصيه, فما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربهم, التي يغير اللَّه بها حالهم, ويرفعهم من حياة الذل والهوان إلى حياة العز والشرف( ).
2- حول قوانين القبائل والدعوة إلى إحيائها:
الحمد للَّه رب العالمين، وصلّى اللَّه وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وبعد:
فقد اطلعت على مقال منشور في جريدة عكاظ، في العدد (9842) الصادر في يوم الأربعاء، الموافق 24 محرم، 1414 هـ، حول: (قوانين القبائل، والدعوة إلى إحيائها)، فرأيت أن من الواجب الرد على هذا المقال، وبيان ما فيه من الخطر العظيم، والفساد الكبير؛ وذلك لأن في إحياء العادات القبلية، والأعراف الجاهلية ما يدعو إلى ترك التحاكم إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله ، وفي ذلك المخالفة لشرع اللَّه المطهر.
ولوجوب النصيحة للَّه، ولعباده، أقول وباللَّه التوفيق:
يجب على جميع المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب اللَّه ، وسنة رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في كل شيء، لا إلى العادات، والأعراف القبلية، ولا إلى القوانين الوضعية، قال اللَّه : ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾( )، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾( )، وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( ).
وقال : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )، فيجب على كل مسلم أن يخضع لحكم اللَّه ورسوله، وأن لا يقدم حكم غير اللَّه ورسوله - كائناً من كان - على حكم اللَّه ورسوله، فكما أن العبادة للَّه وحده، فكذلك الحكم له وحده، كما قال : ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾( ).
فالتحاكم إلى غير كتاب اللَّه ، وإلى غير سنة رسوله من أعظم المنكرات، وأقبح السيئات، بل قد يكفر المتحاكم إلى غير كتاب اللَّه، وسنة رسوله، إذا اعتقد حل ذلك، أو اعتقد أن حكم غيرهما أحسن، قال : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( ).
فلا إيمان لمن لم يُحكِّم اللِّه ورسوله في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير اللَّه ورسوله، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وبهذا يعلم أنه لا يجوز إحياء قوانين القبائل، وأعرافهم، وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلاً من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها، وإماتتها، والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع اللَّه ، ففيه صلاح الجميع، وسلامة دينهم ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل
اللَّه بها من سلطان، بل يجب أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، وذلك لا يمنع الصلح بين المتنازعين
بما يزيل الشحناء، ويجمع الكلمة، ويرضي الطرفين بدون إلزام على وجه لا يخالف الشرع المطهر؛ لقوله : ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾( )، وقوله : ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾( )، وقوله جل وعلا: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾( )، ولما ثبت عن رسول اللَّه أنه قال: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»( ).
فالواجب الالتزام بكتاب اللَّه تعالى، وسنة رسوله ، والتحاكم إليهما، والحذر مما يخالفهما، والتوبة النصوح مما سلف مما يخالف شرع اللَّه تعالى.
وفق اللَّه الجميع لما يحبه ويرضاه، وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن، ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب .
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه( ).
ثالثاً: تقرير العلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان:
قال حفظه اللَّه تعالى: «...الذي يسوِّي بين حكم اللَّه وحكم الطاغوت، والطاغوت المراد به: كل حكم غير حكم اللَّه، سواءٌ عوايد البادية، أو أنظمة الكفار، أو قوانين الفرنس، أو الانجليز، أو عادات القبائل، كل هذا طاغوت، وكذا تحكيم الكهان، فالذي يقول: إنهما سواء كافر, وأشد منه من يقول: إن الحكم بغير ما أنزل اللَّه أحسن من الحكم بما أنزل اللَّه، هذا أشد، فالذي يقول الناس ما يصلح لهم اليوم إلا هذه الأنظمة، ما يصلح لهم الشرع، الشرع ما يطابق لهذا الزمان، ولا يساير الحضارة، ما يصلح إلا تحكيم القوانين، ومسايرة العالم، تكون محاكمنا مثل محاكم العالم، هذا أحسن من حكم اللَّه، هذا أشد كفراً من الذي يقول: إن حكم اللَّه، وحكم غيره متساويان، أما إذا حكم بغير ما أنزل اللَّه لهوى في نفسه، أو جهل بما أنزل اللَّه، وهو يعتقد أن حكم اللَّه هو الحق، وهو الواجب، فهذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وذلك كفر دون كفر»( ).
رابعاً: فتوى العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد /:
أجاب / عن أمور سأل عنها بعض الناس تتعلق بعادات، وأعراف منكرة لبعض القبائل، والمجتمعات القبلية، وأحدثوها من عند أنفسهم ما أنزل اللَّه بها من سلطان، استحكمت على كثير منهم، فصارت من قوانينهم التي يتحاكمون إليها( )، فقال / في التحاكم إلى الأحكام العرفية، والقبلية، وترك التحاكم إلى الشرع المطهر:
«... وهذا منكر عظيم، بل بلغ الأمر في بعض القبائل، عقد ميثاق للقبيلة يسمونه: (المذهب) يسنون فيه أحكاماً لكل واقعة، مُخالفة لحكم اللَّه تعالى، ويسندون النظر في هذه الوقائع، وإنزال الأحكام، والأعراف عليها إلى شيخ القبيلة، أو حُكَّام ينتخبون من بينهم، ويلومون، ويقاطعون كُلَّ من خرج عن هذا الميثاق الباطل، أو ذَهَب إلى المحاكم الشرعية، ويصفونه بأنه خارج عن (المذهب) أو (قاطع مذهب) زاعمين جهلاً أن هذا من الحفاظ على مجتمع القبيلة، وتسوية خلافاتها في محيطها، وفي هذا حماية للقبيلة وسمعتها، ووصل من الأبناء والأحفاد لموروث الآباء والأجداد.
وهذا من تلبيس إبليس عليهم، وإغوائه لهم، وتلاعبه بعقولهم؛ إذ أوقعهم في هذا المنكر العظيم، وهو ترك حكم اللَّه تعالى، والاعتياض عنه بهذه العادات، والأعراف الجاهلية، فاستبدلوا بذلك الذي هو أدنى بالذي هو خير، والباطل بالحق، والظلم بالعدل»( ).
خامساً: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في العادات القبلية:
1- حكم التحاكم إلى الأحكام العرفية عند مشايخ القبائل:
فتوى رقم (6216):
س: ما الحكم إذا تخاصم اثنان مثلاً، وتحاكما إلى الأحكام العرفية، فمثلاً يضع كل منهما معدالاً كما يسمونه، ويرضون من مشايخ القبائل من يحكم بينهما، ويجلسان بين يديه، ويبث كل منهما دعواه ضد الآخر، فإذا كانت القضية بسيطة حكم فيها بذبيحة على المخطئ يذبحها لخصمه، وإذا كانت القضية كبيرة حكم فيها (بجنبية)، أي كانوا في القدم يضربونه على رأسه بآلة حادة حتى يسيل دمه، ولكن اليوم تقدر (الجنبية بدراهم)، ويسمون هذا: صلحاً، وهذا الشيء منتشر بين القبائل، ويسمونه: مذهباً، بمعنى: إذا لم ترضَ بفعلهم هذا، فيقولون عنك: (قاطع المذهب)، فما الحكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه... وبعد
ج: يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية لا إلى الأحكام العرفية، ولا إلى القوانين الوضعية، وما ذكرته ليس صلحاً في الحقيقة، وإنما هو تحاكم إلى مبادئ وقواعد عرفية؛ ولذا يسمونها: مذهباً، ويقولون لمن لم يرض بالحكم بمقتضاها: إنه قاطع المذهب، وتسميته صلحاً لا يخرجه عن حقيقته من أنه تحاكم إلى الطاغوت، ثم الحكم الذي عينوه من الذبح أو الضرب بآلة حادة على الرأس، حتى يسيل منه الدم ليس حكماً شرعياً.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بهذه الطريقة، ويجب على المسلمين ألا يتحاكموا إليهم إذا لم يعدلوا عنها إلى الحكم بالشرع، واليوم -وللَّه الحمد- قد نصب ولي الأمر قضاة يحكمون بين الناس، ويفصلون في خصوماتهم بكتاب اللَّه، وسنة رسوله ، ويحلون مشكلاتهم بما لا يتنافى مع شرع اللَّه تعالى، فلا عذر لأحد في التحاكم إلى الطاغوت بعد إقامة من يتحاكم إليه من علماء الإسلام، ويحكم بحكم اللَّه سبحانه.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
2- التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية: تثليث الدم، والضرب بالجنبية، والحكم بالمنصوبة:
الفتوى رقم (16894):
س: نرفع لسماحتكم معروضنا هذا، ونفيدكم فيه بأن القبائل التي تستوطن الطائف وضواحيها، وهم قبيلة قريش، وبنو سفيان، وطويرق، والنمور، وقبيلة هذيل التي تستوطن وادي نعمان، تسيطر على هذه القبائل جميعاً الأحكام العرفية، وما يسمونه بالمذهب العربي، وهو عبارة عن قوانين جاهلية، لا تخضع للشريعة، ومن أمثلة ذلك: قانون تثليث الدم، بحيث إذا ضرب إنسان، وقُدِّر دمه بعشرة آلاف مثلاً؛ فإن صاحب هذا الدم، لا يحصل إلا على ثلاثة آلاف فقط، وفقاً لقانون تثليث الدم السائد عندهم، حيث يخصم منه ثلث للفراش، وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهمل، ويهدر حسب القانون، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم.
ومن أمثلة ذلك: أنهم يحكمون بالجنابي، وهي أن يضرب الرجل رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر ضرب رأسه، والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض)، وفي هذه الأيام يتحايلون على قضية الجنابي، ويقولون: نحن نحكم بثمن الجنابي، ولا داعي للاعتراض، كما يقولون بأننا نقدِّر الجنبية بألف ريال، أو بأكثر، أو أقل، وعندهم أيضاً ما يسمونه (بالأسيَّة)، وهو قانون سائد لديهم، وهو أن يشرعوا لكل حادثة أحكاماً، مثل: عليك يا فلان خمس من الغنم، أو ست جنابي، أو ثمنها في حادثة من الحوادث، وغداً تقبل مني مثل هذا الحكم المذكور، ويتذرعون بأن الشرع لا يمنعهم من تطبيق عادات آبائهم، وأجدادهم التي يفخرون بها، ويجلّونها، ويعظمونها ... وقد يلاقي المنكر عليهم نبذاً، وهجراً، ولو استطاعوا أن يفعلوا الأفاعيل لما ترددوا .
نأمل من سماحتكم إفتاءنا في هذه الأمور فتوى مكتوبة، ولا سيما أن بعض العامة ينقلون عن سماحتكم أموراً لا ندري مدى ثبوتها.
وهذه الأمور المذكورة، يا سماحة الشيخ، عبارة عن واقع تعيشه هذه القبائل، والذين يتولّون التحكيم رجال ليسوا مؤهلين شرعاً، بل هم من العامة. فما حكم الإسلام في تثليث الدم، وفي الجنابي، أو في ثمنها، أو في الأسيَّة، وبقية ما ذكرنا؟ وهل يباح الحضور، والأكل من وليمة الفراش المذكورة أعلاه؟ وعندهم أيضاً ما يسمى بالمنصوبة، وهي ذبيحة، أو أكثر تفرض على المخطئ، ويذهب بها إلى بيت المُخطى عليه. فهل يجوز حضورها والأكل منها؟ وما حكم الرضا بما يفرضه القضاة من العامة المعروفين؟
ج: الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية امتثالاً لأمر اللَّه جل وعلا في قوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾( )، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾( )، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾( )، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾( )، وقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( ).
ويحرم على المسلمين التحاكم إلى الأحكام العرفية، والمبادئ القبلية، والقوانين الوضعية؛ لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا اللَّه بالكفر به في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾( )، ولا يحل لمشايخ القبائل الحكم بين الناس بما تمليه الأعراف والمبادئ القبلية، والواجب عليهم إرشاد من جاءهم بأن يذهب إلى القضاة في المحاكم الشرعية، الذين ولاهم إمام المسلمين للحكم بين الناس بالشرع المطهر.
وما ذُكر من الحكم بالجنابي، أو ثمنها، أو تثليث الدم، أو الحكم بالأسيَّة أو المنصوبة، فكل هذه ليست أحكاماً شرعية، وإنما هي من الأحكام القبلية التي لا يجوز الحكم بها بين الناس، ولا يجوز الأكل من الطعام المسمى بـ(طعام الفراش)؛ لأنه مبذول بغير طيب نفس، ولا يجوز حضورها، ولا الرضا بها.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد عبد العزيز آل الشيخ صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
3- أيمان الوسيَّة، وذبح الغنم في الحكم القبلي من باب التعزير:
الفتوى رقم (18545):
س: يوجد لدينا في المنطقة الجنوبية ما يسمى بـ: (أيمان الوسية)، وهذه الأيمان تحلّ وتفصل كثيراّ من المشاكل والخلافات بين الأفراد والقبائل، فمثلاً عندما يحدث نزاع في أراضٍ، أو إصابات وجراحات، أو اعتداء رجل على شجرة لشخص، أو إصابة ابنه بجرح على أثر مضاربة ونحوها، أو وقعت غنمه على مزرعة شخص، فأكلت من مزرعته، فيحلف المعتدي، أو وليه، أنه لو كان في محل المصاب أو المعتدى عليه، أو المعتدى على ملكه، أنه لا يطالب بشيء، فيقول: (واللَّه العظيم، إنه لو كان حصل هذا الخطأ منك يا صاحب الشجر، أو يا صاحب الغنم، أو يا صاحب الولد، أنني أسامحك، ولا أطالبك بشيء)، هذه صفة أيمان الوسية. وهناك يا فضيلة القاضي مسألة أخرى، وهي تعزير من يحصل منه خطأ لا حد فيه من الأخطاء السابقة، وذلك بذبح شاة، أو شاتين، أو أكثر للقبيلة، أو الجماعة في القرية الواحدة، وهذا أيضاً يحل إشكالاً كثيراً بالرضا بين أطراف النزاع. فما حكم هاتين المسألتين؟
ج: أولاً: ما يسمى بأيمان الوسيَّة، وصورتها: أنه إذا اعتدى شخص على آخر في نفسه أو ماله، فيحلف المعتدي، أو وليه، أنه لو كان في محل المصاب، أو المعتدى على ملكه أنه لا يطالبه، هي عمل منكر، وإلزام للناس بحكم لم يوجبه اللَّه، ولا رسوله ، فالواجب على من ابتلوا بهذه الأيمان تركها، وهجرها، والاعتياض عن ذلك، بما هو مشروع من الصلح بين المتنازعين برضاهما، أو التحاكم إلى القضاة في المحاكم الشرعية .
ثانياً: تعزير المعتدي، أو المخطئ بقدر ما ارتكبه من الاعتداء، أو الخطأ؛ تأديباً له، وتطييباً لخاطر المعتدى عليهم، بذبح شاة، أو شاتين للقبيلة، هذا تأديب ممن لا يملكه شرعاً، ثم هو قدر زائد على العقوبات التعزيرية التي مردها إلى القضاء، لا الأعراف القبلية، فلا يجوز فعل ذلك.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
4- حكم اللاذة، والعدالة في أعراف بعض القبائل:
الفتوى رقم (18561)، وتاريخ 3/ 2/ 1417هـ:
س: نحن نواب قبائل آل وائلة بتهامة عسير، نقوم بالنظر في بعض القضايا، وذلك بقصد ردع أفراد القبيلة، وسعياً في تخفيف المشاكل، وهي كالآتي :
1- اللاذة: وهي أنه إذا حصل خصومة بين شخصين: أحدهما يطلب حقه من الآخر، فالذي عليه الحق يستليذ بشخص آخر، ويقوم الأخير بردع صاحب الحق، ويطلب منه عدم مطالبة الشخص الذي لاذ به، وإذا عاد صاحب الحق، وطالب بحقه من خصمه مرة ثانية، فإن المليذ يثور باثني عشر رأساً من الغنم، يسلمها للشخص الذي لاذ به، ثم يعود المليذ، فيذهب مع صاحب الحق الأول إلى النائب، ويلزمه النائب بتسليم اثني عشر رأساً من الغنم للمليذ، فلا أخذ صاحب الحق حقه، وألزم بدفع اثني عشر رأساً من الغنم من جراء مطالبته بحقه.
2- عدالة: إذا حصلت قضية طعن بسكين، أو إطلاق( ) على شخص، فإن المعتدي والمعتدى عليه يجلسون عند نائب القبيلة، ويتولى النظر في قضيتهم، ليفض النزاع على النحو الآتي:
يقوم النائب بقوله: أنا سأحكم بينكما بشرط أن تقبلوا حكمي، ويمسحوا على لحاهم، قابلين بحكمه مهما كان، ثم يحكم على الطاعن، أو الضارب بما يراه من عشر إلى خمسمائة رأس من الغنم، ويقبل هذا الحكم، وينفذه كل منهما.
قضايا الحدود:
السرقة: عند قيام شخص بسرقة رأس من الغنم ، فحين التعرف عليه؛ فإنه يلزم بدفع اثني عشر رأساً من الغنم، نكالاً له، وردعاً لغيره.
فهل يعتبر نظرنا في مثل هذه القضايا من الحكم بغير ما أنزل اللَّه؟ أفتونا ووجهونا، بارك اللَّه فيكم.
ج: ما ذكر في السؤال من عادات وأعراف قبلية، هي أحكام جاهلية، لا يجوز التحاكم إليها، والرضا بها، والواجب على المسلمين أينما كانوا التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، ونبذ الأحكام المخالفة لها؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )، وقوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( ).
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
5- عقر الإبل، والغنم في عادات بعض القبائل:
الفتوى رقم (19915):
س: أتوجه إلى سماحتكم بهذا السؤال، راجياً من اللَّه أن يدلّكم ويلهمكم الإجابة الصائبة عليه، وهو: أن مجموعة من ذوي الرأي في بلد إسلامي، ما لا يوجد لديهم حاكم شرعي، فكونوا لجنة لإصلاح ذات البين لفض الخصومات، والمنازعات التي تنشب بين قبيلتين أو أكثر، ولكن من العادات السائدة والتقاليد، أنهم يذهبون إلى القبيلة المظلومة، أو إلى الجميع، ويحملون معهم رأساً، أو أكثر من الإبل، أو البقر، أو غيرها من بهيمة الأنعام، فإذا وصلوا إلى الخصوم عقروها عندهم؛ تطييباً لخواطرهم، ولو ذهبوا بشيء من المال، وإن كثُر، لا تقف الفتنة إلا بالفعل الذي تقدم آنفاً، وهو العقر. فما حكم الشرع في هذا العقر؟ وإذا كان حراماً؛ فإن أصحاب هذه اللجنة قد اشتروا جملاً بما يقارب خمسة وأربعين ألفاً، وجعلوها غرامة على كل عضو من أعضاء اللجنة، وبعض الأعضاء فقير، وطلبوا منا، أي نحن المغتربين، المساعدة، مع العلم أنهم جاهلون بالحكم الشرعي في ذلك. فهل يجوز لنا مساعدتهم في قيمة هذا الجمل الذي سبق، ونخبرهم أن تكرار هذا الفعل لا يجوز؟ نرجو الإجابة الشافية.
ج: اللَّه تبارك وتعالى أمر أهل الإيمان بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، ومن ذلك قوله : «لاَ عَقْرَ فِي الإِسْلاَمِ»( )، وذلك لإبطال أمر الجاهلية الذين يفعلون كفعلكم، ومن المعلوم أن فض الخصومات، والإصلاح بين المسلمين من أعظم أنواع البر والإحسان، لكن هذا العرف المذكور، وهو الالتزام بذبح شيء من بهيمة الأنعام، وأن ذلك هو طريق الإصلاح، وإرضاء القبيلة المتنازعة، هو عرف فاسد، لا يجوز فعله، ولا الاستمرار عليه؛ لكونه من أمر الجاهلية، ولأنه إيجاب أمر على العباد، لم يوجبه اللَّه ورسوله ، وقد يكون وراءه اعتقاد في الذبح لغير اللَّه، فيكون ذريعة للشرك باللَّه تعالى، كما أن هذه الالتزامات تثير البغضاء، والشحناء، والأحقاد بين الناس، وبناء على ذلك، فيجب ترك هذه التقاليد، والأعراف المخالفة للشرع المطهر.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
6- المعدال، والخاتمة، ومنع العاني، ومعقد الحق، ومسح اللحى، والملفى عادات قبلية:
الفتوى رقم (20510):
س: إننا من قبائل تسكن في مكة المكرمة وأطرافها، ويجاورنا قبائل أخرى، ويوجد لدينا عادات، وأحكام قبلية نتحاكم إليها عند الخلافات، والنزاعات، وإنني ومجموعة من أفراد القبيلة في خوف ووجل من ذلك، نخشى أن نكون بذلك نتحاكم إلى غير ما أنزل اللَّه، وأردنا أن ننكرها ونغيرها، وإن أصرت القبيلة عليها نخرج عن دائرتهم، ونقاطعهم، ولكن أعدنا النظر، فوجدنا في ظاهر الأمر أن في هذه العادات والأحكام مصالح، وحل نزاعات، ودرء لمفاسد، وحقن دماء، وحفظ حقوق، هذا ما نراه في ظاهر الأمر.. واللَّه أعلم، وخشينا أن ننكرها، ونغيرها بغير علم، فيفوت ما فيها من المصالح، ويصعب عودة القبيلة إليها، فقررنا أن نوضح لكم صورة هذه العادات والأحكام، فإن كانت تخالف أحكام الشرع المطهر، فسنبادر إن شاء اللَّه بالانتهاء عنها، وتحذير الناس منها، وإن وجد فيها ما فيه مصلحة، ولا يخالف الشرع، فنرجو توضيحه، وتوضيح ما يخالف الشرع لتغييره. علماً أن القبيلة تفيد بأن عدم إقبالها على التحاكم في المحاكم الشرعية الحكومية ليس اعتراضاً على حكم الشرع، ولكن لأسباب، منها ما يلي:
1- البادية يشق عليهم مراجعة المحاكم، والدوائر الحكومية باستمرار، وإجراءات الروتين قد تستغرق شهوراً، أو سنوات.
2- الخوف من أحكام تعزير قاسية، مثل السجن لمدة طويلة .
3- بعض الخصوم يتفنن في المماطلة، والتلاعب، والتحايل، واستغلال ثغرات الروتين، فتستمر القضية لفترة طويلة، قد تصل إلى سنوات، ولكن البادية، والقبيلة يبتون في الموضوع في وقت قصير.
توضيح صورة العادات والأحكام القبلية: إذا حدث نزاع، أو مشكلة بين طرفين، يطلب المتضرر، أو شيخه (الخاتمة) من المتسبب، أو من شيخه، فيدفع المتسبب، أو شيخه (معدال)، وهو مبلغ من المال، أو شيء ثمين يبقى مع المتضرر حتى يتم (مقعد) الحق، والحكم في القضية، والفصل فيها، ويعطي المتضرر، أو شيخه (عاني)، وهو تعهد، والتزام بعدم اتخاذ أي فعل انتقام، أو شكوى حكومية، حتى يتم مقعد الحق، والفصل في القضية، وقد يكون العاني لدرء الفتنة، وهو في حالة نشوب قتال بين أفراد أو قبائل، وفي لحظة الاشتباك يقوم الذي يريد الخير بأخذ عانٍ من الطرف الأول، وعانٍ من الطرف الثاني، وهذا عبارة عن هدنة، ومنع للحدث، ووقف للقتال، يعني كل صاحب عانٍ مسؤول عن منع قبيلته، ولو بالقوة، من أي تعدٍ بعد العاني، وأي ضرب، أو تعدٍّ بعد العاني يكون بصمة عارٍ في حق صاحب العاني، وبهذا يتم وقف الفتنة، حتى يجتمع كبار القبيلتين للمناقشة، وحل القضية .
مقعد الحق: يقوم المتضرر بتكاليف الفراش، والعشاء للحكم في القضية، ثم يدفع المتسبب التكاليف، إذا ثبت أنه هو المخطئ، يتم ترشيح قاضيين، أو أكثر للحكم في القضية، ليسوا من أهل العلم الشرعي، ولا طلبة علم، ولكن معروفين بالعقل، والخبرة، والحكمة، والأمانة، والفطنة. علماً بأنه لا يوجد من أفراد القبيلة علماء، ولا طلبة علم، عُرفوا بالتدخل، أو المشاركة لحل مثل هذه القضايا، يكفل المدعي والخصم، ويمسحان لحيتيهما، ويقول كل منهما: في وجهي، وذلك على تنفيذ الحكم الصادر، وعدم المعارضة، إلا في حالة واحدة، وهي أن يتيقن بأن الحكم غير عادل، ففي هذه الحالة يرفض الحكم، ويقدم معدال للقضاة، ثم ترفع القضية لقضاة آخرين، قد يكونون من غير القبيلة، فيميزون في الحكم، فإن وافقوه فيلزم بتنفيذ الحكم، ويكلف بحكم آخر للقضاة جزاء الطعن في حكمهم، وإن كان حكم القضاة فعلاً غير عادل، فيحكم بغيره، ولا شيء للقضاة، يقوم المدعي بعرض دعواه، ويجيب الخصم، ثم ينظر القضاة إن كانت الدعوى لا تستوجب شيئاً تسقط الدعوى، وإن كانت تستوجب حكماً، فينظرون إن كان لها قضية سابقة مماثلة، ولها حكم سابق عندهم يحكمون بمثله، وإن لم يكن لها قضية مماثلة، وليس لها حكم سابق عندهم، يحكمون بما يرونه مناسباً (ويتواسون على الحكم، بأن لو حدث مثل هذه القضية مرة أخرى، يقبلون بنفس الحكم)، ويسمى ذلك (أسيَّة). علماً بأن هناك أحكاماً تم التواسي عليها، والتحاكم بها، وعندما ظهر أنها تخالف الشرع، عدل عنها قضاة القبيلة؛ لمخالفتها للشرع.
بعض الأحكام التي يحكم بها:
1- إن كانت القضية تعدياً بضرب، تقدر الإصابات بمبلغ من المال، ويدفع للمتضرر (أرش).
2- تؤخذ البينة من المدعي، وإلا فاليمين على من أنكر.
3- إذا كانت القضية سباً، أو شتماً، أو استخفافاً، أو إهانة، يحكم بمبلغ من المال، أو مبلغ وملفى، والملفى هو: (خروف يعمل عليه وليمة، يجتمع عليها الوجهاء في منزل المعتدى عليه، تشريفاً له، ورد اعتبار)، ولا يخطر ببال أحد الطرفين أن ذلك ذبح لغير اللَّه، وقد يحصل أن يقوم المسيء بأن يلفي المساء إليه تكريماً له، وبدون حكم، بل من طيب نفس حتى تطيب نفس المساء إليه.
4- يضاعف الحكم إذا كان المعتدى عليه جاراً، أو رحيماً، أو صاحباً بالجنب.
نرجو منكم إفادتنا خطياً؛ حتى نتمكن من التوضيح لمشايخ القبيلة، وأعيانها، عسى اللَّه أن ينفع بها. وجزاكم اللَّه خير الجزاء.
ج: يجب التحاكم إلى شرع اللَّه في كل شيء، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( )، ولا يجوز التحاكم إلى عوائد القبائل ونحوها؛ لأن هذا من التحاكم لغير ما أنزل اللَّه، بل يجب عليكم التحاكم عند قضاة المحاكم الشرعية.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
7- الملفى على المعتدى عليه من عادات القبائل:
الفتوى رقم (18543):
س: يحصل فيما بين أفراد القبائل سوء تفاهم، حيث يقوم بعض الأشخاص من أفراد القبيلة في حالة الغضب بالمضاربة فيما بينهم، فيحصل بينهم دم، وأثناء القضية يقوم الشيخ، وأعيان القبيلة بما يسمى: (الملفى) على الشخص المعتدي للمعتدى عليه، والإصلاح فيما بينهما، وأخذ ذبيحة، أو ذبيحتين لتقديمها للمصاب وجماعته، ومعها بعض من النقود. هل هذا أي ما يسمى بالملفى جائز على القبيلة تدفعه بالتساوي، أم على الشخص الذي عمل المضاربة؟
ج: هذا العمل إذا كان من باب الإصلاح بين المتنازعين، وبرضا واختيار المعتدى عليه، فلا بأس به، وفاعله، والساعي فيه مأجور على ذلك إن شاء اللَّه، أما إذا كان هذا العمل من باب الإيجاب والإلزام للمعتدي، وإن لم يرضَ عُدَّ ذلك خرقاً لعادات القبيلة، فهذا أمر منكر، وإيجاب لشيء لم يوجبه اللَّه على عباده، فلا يجوز العمل به، بل الواجب الرجوع في كل المنازعات، والخصومات إلى المحاكم الشرعية؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )، وقوله جل شأنه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( ).
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
8- حكم الإصلاح بين الناس بالعادات القبلية:
السؤال الثالث من الفتوى رقم (20845):
س3: فضيلة الشيخ: ما حكم إصلاح الناس بغير حكم القرآن والحديث، إذا كان يُسكِّن فتنة دم، أو يقطع المخاصمة.
ج 3: إذا كان الإصلاح بين الناس يترتب عليه ارتكاب محرم، أو التحاكم إلى القوانين الوضعية المخالفة لكتاب اللَّه وسنة رسوله، فإن ذلك لا يجوز؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾( )، فيجب على من يصلح بين الناس أن يصلح بينهم بالعدل، ويحملهم على اتباع الحق، وترك الظلم، والعفو عن خصمه بأسلوب حسن، وكلام طيب، وقد يكون الإصلاح بين الناس بدفع المال لأحد المتخاصمين أو كليهما، كدفع الزكاة للغارمين، أو دفع المال لهم، أو لغيرهم من غير الزكاة، إذا رأى أن المال أنفع، وأجدى من الكلام، وله الأجر والثواب على ذلك. وعلى من يصلح بين الناس أن يتقي اللَّه في عمله، ولذلك بدأ اللَّه بالتقوى قبل إصلاح ذات البين، فقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾( )، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾( ) إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾( ).
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ( )
9- أخذ الثأر من غير الجاني من العادات الجاهلية المحرمة:
فتوى رقم (22479) وتاريخ 17/ 8/ 1423هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ ناصر بن عايض آل إدريس، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (7541)، وتاريخ 16/ 7/ 1423هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: إننا سماحة المفتي من قبائل إذا حدث فيها حوادث شجار، أو اعتداءات عمدٍ حدث فيها إراقة دماء (دون القتل)؛ فإنه يحدث عندنا من العادات: إنه إذا اعتدى الجاني على المجني عليه، وأراق دمه، فإن أهل المجني عليه يقومون بأخذ الثأر من أحد أفراد أسرة الجاني الأبرياء، حتى ولو لم يكن لهذا البريء علاقة بهذه الحادثة، علماً أن الجهات الأمنية من الإمارة، والشرطة قد قامت بدورها في هذه الحوادث، فما الحكم في هذه العادة المنتشرة بين الناس عندنا؟ وما توجيه سماحتكم في ذلك، سماحة المفتي: إننا طلبة العلم في قبائلنا نرى هذه الأمور منتشرة بين الناس عندنا؟ ونود معرفة الأحكام الشرعية في هذه المسائل، لتوعية الناس بدينهم، ونشر هذه الأحكام بينهم رغبة في الأجر والثواب، واللَّه يحفظكم ويرعاكم.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن العادة المسؤول عنها عادة محرمة تتعين محاربتها، والإنكار على من يعمل بمقتضاها؛ لأن قتل غير القاتل، أو الاعتداء عليه فيما دون النفس، وإن كان من أقرب أقربائه من عادات الجاهلية، وهو من أشد أنواع الاعتداء؛ ولأن هذا القريب لم يرتكب ما يبيح دمه، أو الاعتداء عليه فيما دون النفس، وجناية قريبة ينحصر أثرها عليه، ولا يتعداه إلى غيره، يقول : ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾( )، وهذه الآية عامة تندرج تحت عمومها المسألة المسؤول عنها، ويقول عليه الصلاة والسلام في شأن قتل غير القاتل من قبل أولياء المقتول: «إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللَّهِ, أَوْ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ, أَوْ قَتَلَ لِذَحْل الْجَاهِلِيَّةِ». أخرجه الإمام أحمد في مسنده، و ابن حبان في صحيحه( )، ويجب القصاص على من قتل غير القاتل متى توفرت شروطه، والمرجع في التمكين من استيفاء القصاص إلى ولي الأمر؛ لأن استيفاء القصاص دونه افتيات عليه.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم،،،،
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو عضو الرئيس
صالح بن فوزان الفوزان عبد اللَّه بن
عبد الرحمن الغديان عبد اللَّه بن محمد المطلق عبد اللَّه بن علي الركبان أحمد بن علي سير المباركي عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ( )
10- التحاكم إلى مقطع حق، وأخذ المثارات، ودين الخمسة فأكثر، والغرم عادات جاهلية:
فتوى رقم (23211)، وتاريخ 19/ 2/ 1426هـ.
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي/ فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن المطلق القاضي بمحافظة يدمه، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 5927،
وتاريخ 24/ 10/ 1425هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: فلا يخفى على شريف علمكم ما ينتشر في المنطقة الجنوبية من بلاد الحرمين من عادات وأعراف قبلية تتضمن الكثير من المخالفات الشرعية، والتحاكم لغير شرع اللَّه، وذلك بسبب النظام القبلي الذي يُخيِّم على تلك المنطقة، لذا ومن هذا المنطلق، وبراءة للذمة، فإنا نكتب لسماحتكم أن يصدر بها فتوى من الهيئة الدائمة للإفتاء، وبعثها إلينا، لنتمكن من طباعتها، ونشرها بين الناس.
وقد جاء بيان عن بعض هذه الأعراف والعادات مرفق بالخطاب المذكور آنفاً، ونصه: التحاكم إلى بعض العارفين بالأحكام القبلية، ويسمى (المقرع)، (الحق)، (عُرَّاف القبائل) فمثلاً: لو حضر عند ذلك المقرع الأخصام أخذ عليهم قبل الحكم ضمانات على أن يقبلوا بحكمه، كأن يأخذ على ذلك كفلاء، أو يرهن بنادق الأخصام عنده، ثم يسمع منهم، ويحلفهم الأيمان، ويسمع شهادات الشهود عند الاقتضاء، ويحكم بعد ذلك، وإن لم يقبلوا بحكمه أصبح خصماً لمن لم يقبل عند (مقرع حق) أعلى درجه منه، ويصبح عدم القبول سبة على صاحبه، علماً بأن الذهاب لهؤلاء المحكمين قد يكون برضاء الطرفين واتفاقهم، وقد يكون بطلب طرف، ويلزم الطرف الآخر اجتماعياً بقبول التحاكم لهذا المقرع.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن هؤلاء الطرفين لا يقرون بأن ما يقومون به حكم، وإنما يرو أنه صلح، وأنه يقطع كثيراً من النزاعات، ويحفظ كثيراً من الشرور.
المثارات:
هي جمع مثار، وله عدة أنواع، منها: مثار العاني، والمراد بالعاني: القريب من جهة الأم، كالخال، وأبنائه، وأبناء الخالات، فإذا كنت مثلاً من قبيلة، وأخوالي من قبيلة أخرى، واعتدى أحد من قبيلة على خالي، أو أحد أبنائه، فلا بد أن أقوم بأخذ الثأر له، والمثار عبارة عن مبلغ مالي أقوم بأخذه من الجاني، أو عصبته يتراوح بين (15000)، أو أكثر، وأعطيه لخالي كرد اعتبار له، فإذا فعلت ذلك قال: «بيض اللَّه وجهك» علماً بأن هذا المبلغ لا علاقة له بأرش الجناية، ولا يعدّ صلحاً في القضية، وإنما رد اعتبار للخال، ثم للمجني عليه أن يصلح مع الجاني، أو يقتص منه، وفي حال رفض الجاني، أو أقاربه دفع المثار لي تحدث مشكلة بيني وبينهم، قد تصل إلى سفك الدماء.
مثار الجار:
وهو فيما لو اعتدى على جاري، ولم أتمكن من نصرته بيدي، فلا بد من أن أخذ مبلغ مالي من الجاني، أو أقاربه، وأعطيه له، كرد اعتبار لكونه جاري، ثم بعد ذلك هو حر في إنهاء المشكلة التي بينه وبينهم.
مثار الخوي:
وهو قريب من السابق، ولكن يكون فيما لو كنت مسافراً، أو راكباً مع شخص أو هو راكب، أو ماشٍ معي، واعتدي عليه، ولم أتمكن أن أقوم بنصرته بيدي لصغر سن أو نحو ذلك، فلا بد أن أدخل في الموضوع، وأطالب الجاني وأقاربه بدفع مبلغ مالي لخويي كرد اعتبار.
دين الخمسة أو العشرة أو يزيد:
وهو نوع من الأيمان يقوم بتحليفه الأشخاص الذين يتحاكمون إليهم الناس لإنهاء نزاعاتهم، وذلك في حال لو كانت هناك قضية سابقة؛ جناية مثلاً من شخص على آخر، وانتهت بصلح معين، فإنه يؤخذ كفلاء على الأطراف بانتهاء القضية، وعدم قيام أحد الأطراف بالاعتداء على الآخر.
فإذا حصل بعد هذا الصلح أن اعتدى طرف على آخر، وتحاكموا لشيخ القبيلة، أو ما يسمونه (الحق) في عرفهم، فإنه يأخذ عدد من أقارب المعتدي، يتوقف على عددهم على نوع القضية، ويبدأ العدد من خمسة ومضاعفاتها إلى أربعة وأربعين في حال حدوث قتل، ويقوم بعمل دائرة في الأرض بحسب عددهم، ويدخل من سيحلف فيها، ثم يحلفهم الأيمان المغلظة بأنهم لم يغروا الجاني على الجناية، ولم يعلموا بها، ولم يرضوا بها، ولهم في التحليف صيغ منها أن يقول الحالف: (حرية بربرية تقطع المال، والذرية، أننا لا أهرينا، ولا أغرينا، ولا رضينا، ولا همينا، ولا تمالينا في هذه الجناية إلى آ خره ... ).
الغرم:
وهو فيما لو حكم على الجاني من قبل من يسمى (الحق)، وهو من نصب نفسه للحكم بين الآخرين بالأحكام القبلية، وحكم على أحد الخصوم بغرم مالي، فيلزم قبيلته أن تعينه في دفع هذا الغرم، ويوزع الغرم على رجال القبيلة بالتساوي، ويضاف إلى الغرم المثار الذي سبق بيانه.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن ما ذكر من الحكم والتحاكم إلى الأحكام العرفية، والمبادئ القبلية، كالثارات، ودين الخمسة، أو العشرة، والغرم وغيرها، كل هذه ليست أحكاماً شرعية، وإنما هي من الأحكام القبلية التي لا يجوز الحكم بها بين الناس، ويحرم على المسلمين التحاكم إليها، لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا اللَّه بالكفر به في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾( ).
ولا يحل لمشايخ القبائل، ولا لغيرهم الحكم بين الناس بما تمليه الأعراف والمبادئ القبلية السابق ذكرها، بل الواجب عليهم أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾( ) ، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾( ) ، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾( ) ، وقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( ).
والواجب على الجميع التحاكم إلى شرع اللَّه المطهر، واللَّه ولي التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم،،،
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو عضو الرئيس
صالح بن فوزان الفوزان عبد اللَّه بن عبد الرحمن الغديان عبد الله بن محمد المطلق عبد الله بن علي الركبان أحمد بن علي سير المباركي عبد العزيز بن عبد اللَّه بن محمد آل الشيخ( )
11- الإلزامات المالية ووضعها في صندوق القبيلة
فتوى رقم 18982، وتاريخ 19/ 7/ 1417هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/عوض بن سعيد المالكي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2571)، وتاريخ 13/ 5/ 1417هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: (برفق هذا الكتاب صورة اتفاق أفراد القبيلة على التعاون على تحمل الدماء، وذلك ما يسمى بالتأمين التعاوني، وقد ذكر في بنود عددها (15) بنداً، أرجو من سماحتكم الاطلاع عليها، مع بيان ما يحل منها، وما لا يحل، وهل هذا العمل سائغ في الجملة).
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
بالنظر في الاتفاقية المذكورة تبين أنها مشتملة على إلزامات مالية لكل فرد يجب الوفا ء بها، وجزاءات غير شرعية يجب الخضوع لها، ولما كانت هذه الإلزامات غير شرعية، وتحدث البغضاء، والشحناء، والأحقاد، والفرقة بين أفراد القبيلة الواحدة، فالواجب الابتعاد عن هذه الاتفاقيات الملزمة، والمشتملة على ما ذكر؛ لأن من مقاصد الشريعة المطهرة سد الذرائع الموصلة إلى إثارة الشحناء، والبغضاء، والفرقة بين المسلمين؛ ولأنه من المقرر شرعاً أنه لا يحل أخذ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، والإجبار على ذلك منافٍ لهذا الأصل. وبالله التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم ...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن عبدالرحمن
الغديان بكر بن عبد اللَّه
أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبدالعزيز بن
عبد اللَّه بن محمد آل الشيخ عبد العزيز بن
عبد اللَّه بن باز( )
12- صندوق القبيلة، وإلزام الناس به، والفرق بينه وبين الدية على العاقلة:
فتوى رقم (22400) وتاريخ 19/ 5/ 1423هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة عسير برقم 47612، وتاريخ
11/ 8/ 1422 هـ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2078)، وتاريخ 15/ 8/ 1428هـ بشأن اتفاقية جماعة بني علي ناهس شهران على إنشاء صندوق تعاوني خاص بهم، وطلب سموه دراسة الاتفاقية المذكورة، وإصدار فتوى حولها، وقد جاء في كتاب سموه ما نصه: (إشارة لخطاب رئيس مركز يعرى المكلف رقم 1144 في 24/ 5/ 1422هـ بشأن الأوراق المتعلقة بدعوى/ راشد بن علي جرمان ضد النائب/ سعد سعيد جرمان ورفقاه في موضوع صندوق لقبيلته، وحيث إنه بإحالة الأوراق لفضيلة قاضي محكمة يعرى أصدر الحكم المحرر في 23/ 11 /1421هـ، والمصدق من محكمة التمييز بالقرار رقم 37/ 3 في 10/ 1/ 1422هـ المتضمن إفهام المدعي أن دعواه غير مسموعة شرعاً لعدم تحريرها لفقد صفة الشرعية في تحريرها، وعند إحالة القضية للجهات المختصة لتـــنفيذ ما
صدر حيالها، فقد حضر/ راشد علي جرمان، وقرر بتاريخ
7/ 5/ 1422هـ بأن دعواه ضد الاتفاقية والصناديق التي تخالف الشريعة، ويطلب بإنفاذ خطاب هذه الإمارة رقم 55567 في
22/ 9/ 1421هـ، وبناء على ذلك أعيدت هذه الأوراق للإمارة بخطاب رئيس مركز يعرى المشار إليه أعلاه المفيد بأنه سبق وأن صدر أمرنا التعميمي رقم 369 س في 29/ 12/ 1420هـ المشار فيه إلى أنه سبق أن رفعت قضية مماثلة لسمو وزير الداخلية في موضوع صندوق جماعة أخرى عليه معارضات، ورأى سموه في خطابه رقم 12792 في 5/ 3/ 1420هـ إحالة ذلك الموضوع وما صدر عليه من فتاوى لسماحة المفتي رقم 82 س في 8/ 6/ 1420هـ المتضمنة بأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية درست الاتفاقية، وتبين لها أن على بعض تلك الاتفاقية ملاحظات شرعية، ومنها الاشتمال على إلزامات مالية، وهذه غير جائزة شرعاً لما تفضي به من الشحناء، والفرقة، والقاعدة الشرعية تنص على سد الذرائع الموصلة إلى أي شحناء، وبدراسة هذه الأوراق من قبل الجهة المختصة بالإمارة، أرتئي أنه من المستحسن عرض أوراق هذه القضية على سماحتكم لدراسة اتفاقية الصندوق التعاوني الخاص بجماعة بني علي ناهس المؤرخة في
11/ 2/ 1420هـ والشروط الملحقة بها، وإصدار فتوى شرعية حول إمكانية الإبقاء على هذا الصندوق من عدمه في ظل الإلحاح المتزايد من المطالبين بإلغائه حتى رصد عدد لفات هذه القضية إلى أكثر من مائتين وخمسين لفة.
لذا نأمل من فضيلتكم دراسة الاتفاقية، والشروط الملحقة بها، وإصدار فتوى تبين ما إذا كانت تلك الاتفاقية وشروطها جائزة شرعاً، وقد تم تزويد الجهة المختصة بهذه الإمارة بصورة من خطابنا هذا للتعميم على جميع المحافظات، ورؤساء المراكز، ومشايخ القبائل، والنواب بعدم وضع أختامهم على اتفاقيات الصناديق التعاونية لئلا تأخذ تلك الاتفاقيات الصيغة الرسمية، ومن ثم يراها البعض موافقة، وهي في الأصل مخالفة لما رآه سمو وزير الداخلية بمنعها درءاً للمشاكل وفق ما أشير إليه في تعميمنا رقم 396 س في 29/ 12/ 1420هـ.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنها اطلعت على اتفاقية صندوق قبيلة بني علي ناهس، وما أرفق بها، وقد ظهر لها أن على هذه الاتفاقية ملحوظات، منها:
1 - ورد في بند (أولاً) من الاتفاقية عبارة: (فيكون دفعها على عموم القبيلة بالتساوي ممن يحمل البطاقة)، وهذه العبارة محل نظر؛ لأنها واردة في تحمل الدية التي تجب على العاقلة، والشأن فيما يجب على العاقلة أن الأقرب إلى الجاني يتحمل أكثر من الأبعد، وأن الفقير لا يتحمل شئياً، وكذلك المرأة، ومن بلغ مكلفاً يشترك في العقل، وإن لم تكن معه بطاقة.
2 - ورد في بند (ثانياً): (أي شخص من القبيلة يتحمل مبلغاً مالياً في دم، نتيجة إهمال، أو إدانة في أي قضية غير مخلة بالشرف، وثبت ذلك شرعاً، فتتحمل القبيلة ما نسبته 70 %)، وهذا النص مخالف لما هو متقرر عند الفقهاء من أن العاقلة تتحمل الدية كاملة في قتل الخطأ، وشبه العمد، والدم عند الإطلاق ينصرف إلى القتل.
3 - ورد في بند (ثالثاً) عبارة: (يستبعد من هذه الاتفاقية من يتحمل مبالغ ... وكذلك من اعتدى على أحد أفراد القبيلة ... )، واستثناء من تعدى على أحد أفراد القبيلة خطأ، لا وجه له، إذ لا فرق في تحمل العاقلة بين ما إذا كان المقتول خطأ، أو شبه عمد من أفراد القبيلة، أو من غيرهم.
4 - ورد في بند (خامساً) عبارة: (والصندوق كعاقلة ملزمة للقبيلة)، يرد على هذه العبارة أمران:
الأول: أن جعل الصندوق كالعاقلة غير صحيح؛ لأن الاشتراك في الصندوق أمر اختياري، بينما وجوب الدية على العاقلة أمر لا اختيار فيه.
الثاني: جعل الصندوق ملزماً لأفراد القبيلة لا وجه له؛ لأنه إلزام لهم بما لم يلزمهم به الشرع.
وبناء على ما ذكر فإن هذه الاتفاقية غير صالحة للعمل بها على وجهها الحالي، ويتعين في أي اتفاقية من هذا النوع أن يكون الدخول فيها اختيارياً، وأن لا يلحق من لم يدخل فيها أذى، أو مقاطعة من القبيلة، وأن لا تفرض غرامات تأخير على من تأخر في الدفع، وأن تكون مواردها، ومصارفها شرعية، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو الرئيس
عبد الله بن علي الركبان أحمد بن علي سير المباركي عبد الله بن محمد المطلق عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ( )
13- عادة البرهة والعتامة:
فتوى رقم ( 200 )، وتاريخ 15/ 8/ 1392 هـ
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسوله وآله، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم من/ عائض بن محمد بن عائض إلى صاحب الفضيلة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والمحال إليها من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (1108/ 2)، وتاريخ
4/ 7/ 1392هـ، ونصه: «في حالة وقوع خصام، أو مشاجرة بين اثنين، أو ثلاثة، أو أكثر على أي شيء يكون؛ فإن كبار القرية، أو شيخ القبيلة يحضر للنظر فيما بين المتخاصمين، وبعد استكمال جوانب القضية، ومعرفة محور النزاع، والمخطئ من خلافه؛ فإنهم يفرضون على صاحب الخطأ الأكبر ذبيحتين، أو ثلاثاً، أو أكثر في بعض الأحيان، وعلى الآخر صاحب الخطأ الأقل ذبيحة واحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء التي قد يحصلون عليها من المتخاصمين، ويقوم كل واحد منهم بذبح الذبائح التي توجبت عليه، ويحضر أكلها الجماعة، والعدول الذين حكموا في القضية، وسواء كان المتخاصمون فقراء، أو أغنياء، فلازم لا مناص لهم من هذه الأحكام، وتسمى هذه العادة: البرهة أو العتامة، كما يقولون، وهم في معظم القضايا لا يتصلون بالدوائر الحكومية هناك لفض نزاعاتهم، والأمر الذي يهمني معرفته هو الحكم في مثل هذه العادات من ناحية الجواز من عدمه، وهل فاعل مثل هذه الأفعال يدخل تحت قوله: «لعن اللَّه من ذبح لغير اللَّه» أم لا، مع العلم أنه يذبح ويسفك الدم في رضا شخص أو أشخاص، وفي رضا رئيس أو رؤساء القبيلة؟ أرجو توجيهي بذلك.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء كتبت الجواب التالي: التحكيم في الخصومات لإظهار خطأ المخطئ، والانتصار للمعتدى عليه، وإصلاح ذات البين، والفصل في المنازعات بالحق الذي جاءت به شريعة الإسلام حق مشروع بالكتاب والسنة، قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾( ).
وقال: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾( ).
أما الذبائح التي يذبحها الطرفان المختصمان، قليلة أو كثيرة، عقب الانتهاء من الخصومة بالصلح؛ فإن كانت تبرعاً ممن ذبحها شكراً للَّه على الخلاص من الخصومة بسلام، وعلى الرجوع إلى ما كان قبل من الصفاء والإخاء، فهو حسن رغب فيه الشرع، وشمله عموم نصوص الحث على فعل الخير، وشكر النعم، وعمل به الصحابة مثل كعب بن مالك، ما لم يتخذ ذلك عادة، ويلتزم به التزام الواجبات المؤقتة بأوقاتها وأسبابها، أو يتجاوز بها الإنسان طاقته المادية، ويشق بها على نفسه، وإلاَّ كانت ممنوعة، وإن ألزم بها من قام بالتحقيق والصلح كلاً من الطرفين إلزاماً لا مناص لهم منه، بحيث إذا تخلف من ألزم بها عن تنفيذها، عُدَّ ذلك عيباً وعاراً، وربما فشل الصلح، وانتقض الحكم، وعادت الخصومة كما كانت، أو أشدّ، فهذا تشريع لم يأذن به اللَّه، اللهم إلا أن يكون ذلك تعزيراً للمعتدي، أو المخطئ فقط، بقدر ما ارتكبه من الاعتداء، أو الخطأ، تأديباً له، وتطييباً لخاطر المعتدى عليهم، فيجوز على قول من يجوز التعزير بالمال من الفقهاء، ويوضع مال التعزير حيث يرى الحكمان شرعاً في بيت المال، أو في وجه من وجوه البر والمعروف دون التزام ذبحها للحكمين، ومن حضر مجلس الصلح، وليس حكم هذه الذبائح حكم القرابين التي تذبح لغير اللَّه من الأصنام، وعند مقابر الصالحين، أو تذبح للجن تقرباً إليهم، أو رجاء قضاء حاجة، أو دفع ضر، أو جلب نفع، وإنما هي في حالة المنع من الابتداع في الدين، والعمل بتشريع لم يأذن به اللَّه، فهي إلى الدخول في معنى قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾( ) أقرب منها إلى الدخول في معنى حديث: «لعن اللَّه مَنْ ذبح لغير اللَّه»( )، وإن كان كل من العملين ضلالاً وزوراً.وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع، عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان، عبد الرزاق عفيفي( )
14- عادة الشدَّة الجماعية «المكسر»:
فتوى رقم (18467)، وتاريخ 5/ 1/ 1417هـ.
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ سعد سراج المالكي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5088)، وتاريخ 14/ 11/ 1414هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: «يقوم بعض أهل القرى، وخاصة مناطق الحجاز، بعمل اتفاق ملزم بينهم، يطلقون عليه اسم: «الشَّدَّة الجماعية»، وهذا الاتفاق يتضمن شروطاً عدة، منها: أنه في حالة تزويج أحدهم لابنته على شخص من خارج القرية؛ فإن عليه دفع مبلغ من المال، يتراوح ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ريال، ويسمونه (مكْسَراً)، هذا المبلغ يوضع في صندوق الجماعة، مع ما يدفع منهم سنوياً؛ ليكون رصيداً لهم فيما لو حصل -لا سمح اللَّه- على أحد منهم حملة مالية من ديةٍ، أو دمٍ، أو غير ذلك.
وهذا المبلغ يدفعه ولي الزوجة، إما من مهرها، أو من حقه الخاص، وأحياناً يكلف بدفعه الزوج، إضافة إلى ما تحمله من مهر، وملبس، وحلي، وغيرها، ولو كان فقيراً، ومن يمتنع منهم عن دفع ذلك المبلغ المتفق عليه في حال تزويجه لابنته خارج القرية لسبب ما، إما لعسر، أو لأسباب جماعية أخرى؛ فإنه يترتب عليه ما يلي:
1 - قطع العلاقات الأخوية بينهم وبينه، وقد تصل إلى قطع السلام أحياناً إذا لم يكن له حق عندهم.
2 - يسقط حقه من الصندوق الجماعي، إذا كان سبق أن دفع فيه شيئاً.
3 - لا يحملون معه في حملته، وهو لا يحمل معهم في حملتهم مهما كانت.
4 - إذا كان السبب في عدم دفعه لذلك المبلغ هو اختلاف بينه وبين أحد الجماعة، فعلى الجماعة النظر في ذلك الاختلاف، والحكم على المخطئ منهم بذبح عدد من الأغنام للمخطئ عليه؛ إرضاءً له، وإذا لم يكن هناك أسباب تمنعه من دفع المبلغ المذكور ما يرتب عليه ما ذكر في البنود السابقة، فهو بين أمرين: إما أن يذعن لدفع المبلغ، وإما أن يبقى لوحده طيلة حياته.
السؤال: أ- ما الحكم في أخذ هذا المبلغ من ولي الزوجة، أو من الزوج؛ لوضعه بصندوق الجماعة؟
ب- نعلم أن الحكم على المخطئ منهم بذبح عدد من الأغنام أنه حكم باطل، مخالف لما أنزل اللَّه، وأن تسميته صلحاً لا تخرجه من أنه تحاكم إلى الطاغوت، ولكن كيف يتم الإصلاح بينهما، إذا كان الأمر مجرد كلام قبيح، أظهره أحدهم على الآخر، ولا يرغبون في التحاكم إلى المحكمة؛ لأنه قد يُحكم على المخطئ بشيء من السجن والفرش، وهذا ما لا يرضونه بينهم؛ لأنه قد يسبب مشاكل أخرى أكبر من الواقع؟ أفيدونا، جزاكم اللَّه خيراً».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بما يلي:
هذا العمل منكر عظيم، وهو اتفاق باطل، يجب تركه، وعدم العمل به وإنكاره؛ لمخالفته أمر رسول اللَّه ، ولما قد يجرُّ إليه من بقاء نساء القبيلة أو القرية، بلا زواج فيما لو لم يتقدم إليهن أحد من أهل القبيلة أو القرية، وقد قال النبي: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ، وَخُلُقَهُ، فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي( )، فهذا الحديث، وما في معناه يبطل هذا الاتفاق؛ لأن النبي أمر بتزويج من أتانا، أياً كان من القبيلة، أو من خارجها، إذا رضينا دينه وخلقه، ثم إن إجبار الولي على دفع ذلك المبلغ منكر آخر، وأكل للمال بالباطل، فيجب على القبائل والقرى التي يجري هذا العرف بينها أن تترك العمل به؛ اتّباعاً للسنة، ففي ذلك الخير كله.
وعلى من وفقه اللَّه، فترك العمل به من أهل القبيلة أو القرية، ألاَّ يلتزم بما يضرب عليه من مال، ولو قوطع وهُجِر من قِبَلهم؛ فإنَّ دفْعَه المال إقرارٌ لهم على منكرهم، وعونٌ لهم على إمضاء عرفهم الباطل، ولعله بهذا الفعل يحدو غيره لمثله، فيُقضى على هذه العادة السيئة. وباللَّه التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
15- عادة تعديل المكسر إلى صورة أخرى:
فتوى رقم (18468)، وتريخ 15/ 1/ 1417هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطّلعتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ خضر محمد الغامدي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (3226)، وتاريخ 29/ 7/ 1415هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً، هذا نصه: «أنا من قرية من إحدى قرى منطقة الجنوب، ويوجد عندنا عادةٌ قديمة، كانت تسمى: بـ(المكسر)، وكيفيتها: أنّ أيَّ فردٍ يزوج ابنته، أو أخته، أو قريبته من رجل من خارج أفراد القرية، عليه أن يدفع مبلغاً من المال لأفراد قريته، وهو ما يسمى: بـ(المكسر)، وكان في القديم يدفعه الزوج، ولا يذهب مع الزوجة أحد، ويكون هذا مقابل الخسارة التي كان سيتكلفها الزوج، لو ذهب أفراد القرية مع الزوجة، ولكن الآن أصبح (المكسر) بصورة أخرى، حيث يشترط أفراد القرية دفع مبلغ (3000) ثلاثة آلاف ريال من قبل وليّ الزوجة، كشرط للذهاب معه، ومع وليته ليلة الزواج، لتناول طعام العشاء في مكان الزواج (في قريته)، وإذا لم يدفع المبلغ قد يتعرض لضغوط كثيرة من أفراد القرية، وقد حدث نزاع طويل بين أفراد القرية حول هذا الموضوع، مع العلم أن أكثر الناس في هذه القرية، لا يدفع هذا المبلغ إلا حياءً، أو بسبب تأثيرات أخرى، وبعضهم يرفض بحجة أن هذا لا يجوز شرعاً؛ لأن الدفع يكون في نظره يتم بدون وجه حق، وقد يكون هذا المبلغ مقتطعاً من مهر المرأة، أو من الزوج، وغالباً يكون فوق تكاليف الزواج، مع العلم أن هذا المبلغ الذي يجمع من أفراد القرية يصرف في مشاريع الخير، كرصف الطرق، أو تسوير المقابر، أو غير ذلك، أفيدونا جزاكم اللَّه خيراً، حول هذا الموضوع، وهل هذا العمل جائز شرعاً، فنستمر فيه، أو غير ذلك، فتكون فتواكم مستنداً لنا، وحجةً على الجميع؟ واللَّه يحفظكم ويرعاكم».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بما يلي:
هذه العادة المذكورة عادة سيئة، ويجب تركها، وإنكارها، وإجبار الولي على دفع ذلك المبلغ بهذا العرف الباطل منكر، وأكل للمال بالباطل، فيجب على القبائل والقرى التي يجري هذا العرف بينها أن تترك العمل به، وعلى من وفّقه اللَّه، فترك العمل به من أهل القبيلة، أو القرية أن لا يلتزم بما يُضرب عليه من مال، ولو قوطع وهُجِر من قِبَلهم، فإنَّ دفعه المال إقرار لهم على عرفهم الباطل، ولعله بهذا الفعل يكون قدوة لغيره، فيُقضى على هذه العادة السيئة.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
16- عادة معدال السيف أو المال وأن الصلح لا يكون بالعادات الجاهلية:
فتوى رقم (18542) وتاريخ 2/ 2/ 1417هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطّلعتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ ع، ع، ص، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5458)، وتاريخ 26/ 12/ 1414هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: «نحن في مجتمع قبلي، قد نشأ أفراده على عادات وتقاليد يحكمونها في مشاكلهم؛ سواء كان الاختلاف في المزارع، أو في أراضٍ سكنية، أو مشكلات زوجية، أو في مشاجرات تحدث بينهم، لهم في ذلك قواعد محفوظة في أذهان كبار السن من القبائل، يتحاكمون إليها، ويحتجون بأن ذلك من إصلاح ذات البين، وأن ما يجري من دعوى وإجابة من الخصمين، وبحضرة الذين يسمون حُكَّاماً، يقولون: إن هذا ترتيب لا بد منه في حالة الإصلاح، وقد يحكمون بيمين على المنكر، ويقولون: اليمين يحكم بها القاضي في حالة الإنكار، فهم لا يرون بأساً بطريقتهم تلك، وبضغوطهم على من يأبى دفع المبلغ المحكوم به عليه يقولون: كل ذلك نقصد به القضاء على المشكلة، فهل هذا الأسلوب، وهذه الوسيلة التي ينتهجونها يُعدُّ صلحاً شرعياً، وهل لهم في هذا أجر؟ وإذا كان خلاف ذلك نرجو إيضاح صفات المصلحين بين الناس بالطريقة الشرعية الصحيحة؛ حتى نكون على بينة من الأمر، مع العلم بأن بعض الذين يحكمون في مثل هذه المشاكل قد يصوم من كل شهر الإثنين والخميس، ويظن إن كان هناك إثم فإنه بسيط، ويستغفر اللَّه تعالى ويكفي، كما أن من عادات تلك القبائل أنهم يستنكرون رفع المشكلات إلى السلطات الرسمية استنكاراً شديداً، مما يجعلهم يقفون يداً واحدةً ضدّ الذي يرفع الشكوى ضدّ آخر، وأن الحق له، بصرف النظر عن ذلك الذي قام بالشكوى، فإنهم يعتبرونه أضاع حقه برفع الشكوى إلى السلطات، ولا يشهدون معه، ولا يسمحون له بالحضور في محافلهم، مثل الزواج وغيره من المناسبات التي تقام عند القبيلة، وكذلك إذا تعرض لحادثة من حوادث الزمان لا يقفون معه، ومثال ذلك: لو تعرض لدهس شخص، وقُرر عليه دية، لا يساعدونه فيها حتى يعود إلى القبيلة، ثم يسلم معدال (سيف)، أو مبلغاً من المال، ثم يسحب شكواه من السلطات الرسمية، ثم يتحاكم إلى عرفاء ومشايخ القبائل، ويحكمون عليه سلفاً وحكماً مغلظا في الشكوى، سواء كان هو مخطئاً، أو عليه الخطأ، ثم بعد ذلك يحكمون عليه في الشكوى، وينظرون في المشكلة بعد أخذ حق القبيلة، فإن كان وجده في مجلس، ولم يصافحه، فيحكمون عليه بألف ريال 1000، وأحياناً أكثر، وإن كان قال له مثلاً: كلمة (يا سارق)، يحكمون عليه بخمسة آلاف ريال 5000، وهكذا ينظرون في مشاكل أفراد القبيلة، ويحكمون فيهم حكم الأوائل من آبائهم، وأجدادهم، فهل من نصيحة لأولئك القوم، خاصة الذين يعتبرون هذا العمل من الإصلاح بين الناس، وتلافي المشاكل بينهم، ويقولون: ذلك من لمم الذنوب، ومما تكفره الصلوات الخمس وغيرها؟ فنرجو من سماحتكم تبيين الجواب في هذه المشكلة».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه: يجب الرجوع في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، وترك الحكم بالعادات القبلية والأعراف الجاهلية؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾( )، وقوله جل وعلا: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( ).
وأما الإصلاح بين الناس، وتسوية النزاعات بينهم، فهذا أمر حسن ومطلوب؛ لكن الإصلاح المشروع هو ما لا يكون فيه مخالفة للشرع المطهر، ولا إلزام للممتنع، ورضي به الطرفان من غير إجبار، ولا فرض عقوبة معينة، وحصل به حل النزاع، وزوال الشحناء، فكل ذلك داخل في قوله سبحانه: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾( )، وقوله : ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾( )، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله، وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان بكر أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
17- عادة جاهلية قبلية في الزواج والرجعة:
فتوى رقم (18533)، وتاريخ 1/ 2/ 1417هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطّلعتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ ع، ع، ص، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: «قال اللَّه : ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾( ) الآية. سماحة الشيخ: نحن طلبة علم من إحدى قبائل الجنوب، وكما يعلم سماحتكم انتشار الجهل، وقلة الناصحين في صفوف القبائل، الأمر الذي جعلهم يتوارثون عادات وتقاليد ومذاهب، ومن ذلك مشكلة زوجية حدثت بين رجل وزوجته، وعلى أثر نقاش وخلافات زوجية بينهما، طلق الرجل زوجته طلقة واحدة، ثم أوصلها إلى أبيها، وبعد أيام من إيصالها إلى أبيها أرسل أناساً ليتدخلوا بالإصلاح، وذلك في أثناء مدة الثلاثة أشهر، إلا أن أبا البنت رفض إعادتها إليه؛ ونظراً لجهل الزوج بأنها ترجع إليه بدون إذن أبيها، ونظراً لجهل المصلحين بذلك، وجهل أبي البنت وإصراره، تركوا الأمر، ظانين أن الطلاق قد وقع، ولا علم لهم بأن الرجعة تحققت بإرسال أولئك المصلحين، فبعد مضي أشهر أرسل الزوج طالباً إعادة زوجته إليه، فتدخل مرة أخرى مصلحون، وحكموا على الزوج بمبلغ وقدره 30.000 ثلاثون ألف ريال، وذهبوا إلى القاضي، ولم يخبروه بطلب الزوج إعادة زوجته أثناء فترة العدة، فأخبرهم بأن الأمر يحتاج عقد نكاح جديد، ومهر جديد، ، فاستشار الزوج بعضاً من الناس، فأخبروه بأنه قد راجع زوجته، وليس عليه شيء، ثم رفعت لسماحتكم مسألتهم، وأفتيتهم بأنه لا عقد عليه، ولا مهر ما دام قد راجعها أثناء العدة؛ ولأن الأمر يخالف عادات القبائل، ويتنافى معها، لم يرضوا بهذه الفتوى، ولم يقتنع أبو البنت بإعادتها بدون مهر، حيث قد شرط له المبلغ المدفوع أعلاه، وهو ثلاثون ألف ريال من قبل المصلحين، وعند صدور الفتوى رفض الزوج وأبوه تسليم ذلك المبلغ، وطلبوا تسليم زوجتهم إليهم، وعند ذلك استعان أبو البنت بعريف القبيلة، وأعيان القبيلة، وشرح لهم القضية، فلم يعبؤوا بفصل الشرع في هذه القضية، بل قالوا لأبي البنت: لك حق على زوج ابنتك وأبيه، وعلى أخيك الذي له الدور الأكبر في قضية الإصلاح بالمبلغ المرقوم أعلاه، وطلبوا إليه أن يحضر هؤلاء إليهم، فينفذوا فيهم تلك الأحكام التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، وفعلاً حضر أخو أبي البنت، وعقدت جلسة القبيلة، وحكم عليه عريف القبيلة، وأحد أعيانها، أي أعيان القبيلة، بمبلغ 10.000 ريال على الرجل الذي تدخل بالإصلاح، ولم يوجب مهراً كاملاً لأخيه على زوج ابنته، وقالوا: هذا بمبلغ جزاء لك؛ لأنك خنت أخاك، وملت مع خصومه، ولم تقف مع أخيك ضدهم حتى يأخذ المبلغ، وهو ثلاثون ألف ريال. فهل هذا العمل والتصرف من أولئك القوم يعد فصل القضاء في هذه المشكلة الزوجية؟ وهل التدخل وجيه وجائز؟ وهل هذا المبلغ الذي حكم به على المصلح حلال أكله؟ وهل يجوز دفع مثل هذا المبلغ لمثل هؤلاء القوم، أم على دافعه إثم؟ وما هذه المشكلة إلا نموذج بسيط، ومثال لما يجري عند تلك القبائل والعشائر من تقديس لتلك العادات والمذاهب، حتى أنهم يعتبرون الذي لا يحكم بها مرتكباً أمراً كبيراً وعاراً، وينتقصونه، ويلمزونه بأنه لا يعرف المذاهب، وقاطع مذهب، فلا يجلس في مجالسهم، ولا يحضر محاضرهم، أي محاضر القبيلة، حتى يحاكموه فيما شجر منه عليهم، وإلى غير ذلك من سلسلة العبارات والعادات .
سماحة الشيخ: إذا كان هذا العمل والتصرفات تعتبر حكماً بغير ما أنزل اللَّه تعالى، فما حكم الذي يخضع لتلك العادات، ثم يقطعه أقاربه وإخوانه، هل يعتبر قاطع رحم، وهو الممتنع عن الخصوم لهذه العادات، أم هم القاطعون؟ وهل من نصيحة لعريف القبيلة كونه القدوة لهم، وكبيرهم، ومرشدهم، كونه أحد الحكام في هذه القضية وأمثالها؟ أفتونا في هذه القضية، راجياً كتابة ذلك، وتعميمه إذا أمكن؛ حتى تعمّ الفائدة لعامة المسلمين، غفر اللَّه لكم، وجزاكم عنا وعن المسلمين خير الجزاء، إنه مجيب الدعاء».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
أولاً: ما دامت المرأة في العدة، وطلاقها غير بائن، فهي زوجة يحق للزوج مراجعتها بدون رضاها، وبلا إذن وليها، وبدون مهر جديد، لقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾( ).
ثانياً: ما ذكر في السؤال من العادات والأعراف القبلية هي أعمال منكرة، مخالفة للشريعة الإسلامية، لا يجوز الحكم بها، ولا الرضا عنها، والواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية لحل منازعاتهم، وخصوماتهم لدى المحاكم الشرعية، فهذا هو مقتضى الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( )، وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )، وقوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾( )، وعلى من له حق، ولم يحصل عليه: مراجعة المحكمة مع خصمه، وفيما تراه الكفاية؛ لأن فصل الخصومات من اختصاصها، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان بكر أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
18- عادة المثلث في ضواحي الطائف:
فتوى رقم (23189)، وتاريخ 21/ 1/ 1426هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية من المستفتي/ حمود بن مرزوق الحارثي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (6267)، وتاريخ 23/ 11/1425 ، وقد سأل سؤالاً هذا نصه: «نحن قبيلة في ضواحي الطائف عندنا بما يسمى المثلث متوارثينه من عهد آبائنا وأجدادنا، وهو إذا حصل على أي فرد من القبيلة مضاربة من فرد أو أفراد من قبيلة أخرى يقوم المصلحون بالصلح، بإعطاء الشخص الذي اعتدي عليه مبلغاً من المال، ويقوم بعدها أفراد القبيلة باستدعاء الشخص المعتدى عليه، وإلزامه بأن يدفع ثلث المبلغ للقبيلة، توضع عند شيخ القبيلة لأي طارئ، يحصل على القبيلة، وقد كثر الجدال بين القبيلة في تحليله أو تحريمه، نرجو من سماحتكم إفادتنا، هل يجوز دفع المبلغ الثلث للقبيلة أم لا يجوز شرعاً».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز أن تأخذ القبيلة شيئاً مما يدفع للمجني عليه، أو لأهله من دية الجناية؛ لأنه أخذ بغير حق، واللَّه تعالى يقول: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾( )، وقال النبي : «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»( )، ولا فرق بين الدية وأرش الجناية، وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم ...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو الرئيس
عبد الله بن علي الركبان صالح بن فوزان الفوزان عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ( )
19- حكم الاتفاقيات الملزمة بدفع الأموال:
الفتوى رقم (20415)، وتاريخ 28/ 5/ 1419هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطّلعتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ صالح العتيبي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (2368)، وتاريخ 2/ 4/ 1419هـ، وقد سأل المستفتي عن حكم الاتفاقية التي نصها: «الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، لقد تم الاتفاق بالتراضي بطوع واختيار جميع أفراد قبيلة العمامرة من القثمة والممثلة في:
1 - ذوي راجح: منهم عوض بن مذعور.
2 - ذوي ملفي: منهم حمود بن معلا، مطلق بن صالح، خلف غبيش، سالم شباب، محسن معيفن، سميح هديان، سعود بن محمد، سعد بن محمد.
3 - ذوي ناصر: منهم سفر بن ماطر، عياد بن بريك.
4 - ذوي رجاح: منهم علي بن شنير، قبلان بن دوارج، خلف عمار.
5 - ذوي عمار: منهم إبراهيم بن فلحان، عاطي فليح.
6 - العرود: منهم عبد اللَّه منير، نوار بن عايد، مسفر بن خلف.
7 - ذوي خنيفس: منهم دسمان بن شداد.
8 - ذوي عبيان: منهم عبيد بن سليمان.
9 - ذوي فايد: منهم عبد اللَّه بن مسلم.
10 - ذوي معين: منهم محيل باتع.
على ما يلي:
أولاً: الغرامة المتعارف عليها هي: (الدم القطار) دون التلفيات التي تحصل في السيارات أو غيرها.
ثانياً: الغرامة تجب على أي فرد من أفراد القبيلة دخل سن الرابعة عشرة من عمره، أو من تلحقه يده، عدا حوادث السيارات، ففي سن الرابعة عشرة فقط.
ثالثاً: الشخص الذي ترد منه المشكلة يجب ألا يكون في حالة سكر، أو متعاطي المخدرات بأي نوع من أنواعها أثناء وقوع الحادثة أو المشكلة.
رابعاً: يجب إبلاغ رئيس القبيلة حالة وقوع الحادثة أو المشكلة من قبل أصحابها مباشرة، حتى يتم التصرف، وإبلاغ القبيلة، ووضع الموقف أمامهم، وذلك في مدة لا تتجاوز السبعة أيام.
خامساً: القبيلة ملزمة بدفع الديات التي تحصل عليها من الحوادث ضمن الاتفاق، قلّت أو كُثرت.
سادساً: الحادثة التي تقع داخل منطقة الألف كم يقوم رئيس القبيلة، أو من ينيبه، ومن يختارهم بالذهاب إلى المنطقة التي وقع فيها الحادث، وإنهاء الموضوع.
سابعاً: الحادثة التي تقع خارج منطقة الألف كم يجب على صاحب الحادث تبليغ رئيس القبيلة أولاً، ثم ينهي وضعه إذا كان لديه الاستطاعة، ويحضر ما يثبت ذلك من أوراق رسمية، أو صك شرعي يثبت حقه، وإن لم يستطع، فيطلب من رئيس القبيلة الحضور، أو إرسال من ينهي الموضوع، وحل المشكلة.
ثامناً: لا يحق لأي فرد مهما كانت ظروفه التصرف بدون رأي رئيس القبيلة، والذي ينفرد برأيه؛ سواء بدفع مبالغ مالية، أو كفالة دون القبيلة، فليس له الحق، ويكون مفرطاً، ويتحمل ما يترتب على ذلك.
تاسعاً: في حالة امتناع أي غارم من القبيلة عن دفع الغرامة المتفق عليها لرئيس القبيلة، والملتزمين بهذه الشروط، سحب المذكور أمام الدولة بطلب تكليفه بدفع الغرامة ضمن أفراد القبيلة، علماً بأنه إذا قدّر اللَّه عليه بحادث أثناء المماطلة عن دفع الغرامة، لا يلزم القبيلة به، ويتحمله لوحده.
عاشراً: يحدد رئيس القبيلة موعد الاجتماع عند أصحاب القضية، ويقوم بإبلاغ القبيلة بذلك.
الحادي عشر: حسب الاتفاقية يكون الجميع ملتزمين بهذه الشروط، وإلا يجب المطالبة؛ سواء عن طريق معدل أو مذهب، والتقيد بها يكتفي به الجميع.
الثاني عشر: تلغي هذه الاتفاقية بشروطها ما سبق، وما عمل به من اتفاقيات وشروط بهذا الشأن.
وعلى ذلك جرى التوقيع، واللَّه الموفق».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه: بعد النظر في الاتفاقية المذكورة، وُجد أنها مشتملة على إلزامات مالية على أفراد القبيلة، ومن لم يلتزم بها فإنه يرفع أمره إلى الجهات الحكومية لإلزامه بذلك، وإيجاب هذه الأمور على الناس، وإجبارهم على أدائها لا يجوز؛ لأنه إلزام بما لم يوجبه اللَّه ولا رسوله، وأخذٌ لِمالِ المسلم بغير طيب نفس منه، كما أن مثل هذه الاتفاقيات الملزمة تحدث الشحناء، والبغضاء، والحقد بين المسلمين، وهذا ينافي ما دعا إليه الشرع المطهر من التوادد والتحاب، وجمع القلوب على الخير، فالواجب ترك هذه الإلزامات، وترك العمل بها، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان بكر بن عبد الله أبو زيد عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
20- الإلزامات المالية غير شرعية وتحدث البغضاء والأحقاد
فتوى رقم (19593)، وتاريخ 16/ 4/ 1418هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتيين/ حسن بن علي بن محمد الشهري، ومحمد بن ظافر بن صالح الشهري، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (8581) وتاريخ
3 / 3/ 1418هـ، وقد سأل المستفتيان سؤالاً هذا نصه: «فإننا نرفع ونبين لكم أنه اجتمع أفراد قبيلة القحطان ببلاد بني شهر بالمنطقة الجنوبية من المملكة، ووضعوا بينهم وثيقة تتكون من فقرات لتنظيم أمورهم الدنيوية والمعيشية، ولمِّ شمل القبيلة من التناحر والتنازع، وذكروا في مقدمتها أنها موافقة للشريعة الإسلامية، وأنها ملزمة لكل فرد من أفراد القبيلة.
ويتم بموجب هذه الاتفاقية تعيين رجل من كل فخذ من القبيلة ليشارك مع بقية الأعضاء، وعددهم ثمانية في الحكم والتعزير لفض المنازعات، والصلح بين أفراد القبيلة، وحكمهم يكون بفرض مبلغ من المال على المعتدي يُدفع إلى صندوق القبيلة، وفي حالة رفضه فإنه يقابل بالمقاطعة من جميع أفراد القبيلة حتى يمتثل للحكم، كما وأن للأعضاء فرض مبالغ مالية تدفع من قبل أفراد القبيلة في حالة حصول حوادث، أو ديات، أو مشاريع لصالح القبيلة، كما وأن من بنود هذه الاتفاقية عدم السماح لأي فرد من أفراد القبيلة أن يشتكي للجهات الرسمية إلا بعد أن ينظر الأعضاء في قضيته، مع العلم أن هذه الاتفاقية بدأ تطبيقها منذ أكثر من عام، وتم مقاطعة بعض أفراد القبيلة لعدم الاستجابة لبعض أحكامهم.
لذا نرجو من سماحتكم إفتاءنا في هذه الأمور فتوى مكتوبة لمعرفة الحكم الشرعي وذلك لتقام الحجة على الجميع، ويعمل بشرع اللَّه».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
بالنظر في الاتفاقية المذكورة تبين أنها مشتملة على إلزامات مالية على كل فرد، يلزمه الوفاء بها، وأن للأعضاء المختارين إصدار الأحكام والتعازير للقضايا الحاصلة بين أفراد القبيلة، وأن كل من لم يلتزم ببنود الاتفاقية، فإنه يقاطع، ويُهجر من جميع أفراد القبيلة، ولما كانت هذه الإلزامات غير شرعية، وتحدث البغضاء، والشحناء، والأحقاد، والفرقة بين أفراد القبيلة الواحدة، فالواجب الابتعاد عن هذه الاتفاقيات الملزمة، والمشتملة على ما ذكر؛ لأن من مقاصد الشريعة المطهرة سد الذرائع الموصلة إلى إثارة الشحناء،، والبغضاء، والفرقة بين المسلمين؛ ولأنه من المتقرر شرعاً أنه لا يحل أخذ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، والإجبار على ذلك مناف لهذا الأصل، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه، وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر بن عبد اللَّه أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبدالعزيز بن عبداللَّه بن محمد آل الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز( )
21- بعض العادات القبلية الجاهلية في تهامة قحطان:
فتوى رقم (19674)، وتاريخ 5/ 6/ 1418هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ عبد اللَّه بن حسين بن سعيد القحطاني، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2534) وتاريخ6/ 5/ 1418هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: «أفيد سماحتكم أنني أحد أبناء تهامة قحطان بمنطقة الجنوب، وأعمل توعية إسلامية بحرس الحدود بمنطقة عسير مدينة ظهران الجنوب، وأحد خريجي كلية الشريعة فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب لهذا العام، ولي نشاط محدود في الدعوة والإرشاد إلى اللَّه في الجهاز الذي أعمل به، وفي تهامة قحطان بلدة المنشأ والولادة.
ولكنني أواجه في بلادنا تهامة قحطان بعض التقاليد، والعادات الجاهلية التي توارثها الآباء عن الأجداد، عن جهل بأحكام شرع اللَّه، وأنا ضمن غيري في معالجة ما يخالف شرع اللَّه، وحثهم على الاقتداء بتعاليم الشرع، وقد تقلصت تلك العادات والتقاليد المخالفة للشرع إلى حد كبير، إلا أنه لا زالت بعض الأمور التي نرى أنها مخالفة لشرع اللَّه، ولم نستطع إقناعهم في تركها.
ومن تلك الأمور التي لا زالوا متمسكين بها: عادة توارثوها، في نظري أنها عادة سيئة قبيحة؛ لما يترتب عليها من المفاسد، وهذه العادة: أنه «إذا حصل قضية قتل بين قبيلتين أو أسرتين، لم يقبل أهل الدم الصلح، أو الدية إلا بشرط أن يتزوجوا بنتين من الأسرة، أو القبيلة القاتلة، وذلك بتبرير أن المال يذهب، وتبقى العروس عوض، والمرأة المزوجة، أو التي اختارها أهل الدم مجبورة بالزواج من أسرة أهل الدم، ضمن بنود الصلح، سواء كانت راضية أم لا، ومع ذلك فليس لها الخيار في اختيار الزوج من أسرة المقتول، وليس لها الخيار في فسخ النكاح، مهما حصل لها من الظروف القاسية، ولو مات من تزوجها من أسرة المقتول، ورثها أحد أقاربه، وهذه المرأة المشروطة لأهل القتيل جزء من الصلح، أو الدية المتفق عليها».
والسؤال: هل في شرع اللَّه ما يبيح ذلك، مع ما ذكرنا من عدم الرضا، وعدم فسخ النكاح، وعدم حريتها في اختيار الزوج، وعدم حريتها بعد موت زوجها الأول، كما أنها قد تكون راضية في بعض الحالات، وقد يدفع المتزوج مهراً رمزياً في بعض الأحيان، وليس في كل الحالات، ولكن لا بد من الزواج لهذه المرأة من أسرة المقتول، حتى ولو دفع مهراً رمزياً، والرجاء من فضيلتكم، إذا لم يكن في شرع اللَّه ما يبيح ذلك، فآمل من اللَّه ثم من سماحتكم الرد عاجلاً على هذا السؤال، حيث الأمر فيه قضية مماثلة لما ذكرنا في هذه الأيام، والقضية متوقفة على صدور فتوى شرعية رسمية من سماحتكم؛ لأنني لما بلغني الصلح في قضية حصلت عندنا، وكان من ضمنها طلب عروس أوقفت الصلح حتى يصدر ما يراه سماحتكم حيال هذا الأمر؛ لأن العروس يتيمة، ومجبرة، ولا ذنب لها، فأوقفنا هذا الصلح حتى نرى ردّ سماحتكم، والحكم بما ترونه، وفي حالة بلوغنا مضمون فتوى سماحتكم بالجواز أو عدمه، سوف يبلغ قاضي المنطقة بمضمون ذلك.
كما أن من محاسن هذا الزواج صلة الرحم، وتحقيق النسب، وإطفاء شرر الفتنة بين أسرة القاتل والمقتول، ومن مساوئها ما ذكرنا سابقاً. وفق اللَّه سماحتكم، وسدد على طريق الخير خطاكم، وأملي في اللَّه ثم في سماحتكم أن يكون الرد عاجلاً».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأن هذا الصلح المذكور في السؤال بين قبيلة القاتل، وقبيلة المقتول صلح باطل، لا أصل له في كتاب اللَّه ولا سنة رسوله ؛ لمخالفته لما جاء في شريعة الإسلام المطهرة من أن لأولياء الدم القصاص من القاتل، أو العفو عن القَوَد إلى الدية، أو التنازل عن ذلك كله في قتل العمد، وأن لهم الدية أو العفو في قتل الخطأ، دون اشتراط شيء غير ذلك، كما أن هذا الصلح مبني على عادة من عادات الجاهلية؛ لما فيه من اشتراط أهل الدم أن يتزوجوا بابنتين من بنات القبيلة القاتلة، دون اعتبار لرضاهما، وإذا مات زوج إحداهما ورثها أحد أقاربه، ولا يتم قبول الدية والصلح إلا بذلك، وهذا من جنس ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية قبل الإسلام، فقد أخرج البخاري في صحيحه ج8 ص57 عن عكرمة ، عن ابن عباس ب، قال الشيباني: وحدثني عطاء أبو الحسن السوائي، ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس ب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَكَرْهًا﴾( ) الآية، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية بذلك، وقد ذكر ابن حجر في (فتح الباري) ج8 ص95، قال: «وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأةـ ألقى عليها حميمه ثوباً، فمنعها من الناس، فإذا كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها»( )، وعلى ذلك فإن هذا النكاح الذي بني عليه هذا الصلح باطل لا صحة له؛ لما فيه من اتخاذ المرأة سلعة يعاوض بها، وإهانة كرامتها بإجبارها على ذلك الزواج، وإرثها من قبل أقارب زوجها إذا مات زوجها، وهذا مخالف لشريعة الإسلام، إذ المرأة في الإسلام لها مكانتها، وحقوقها التي تضمن كرامتها وعزتها، فلا يجوز العقد عليها إلا برضاها، إذ من شروط صحة الزواج رضى كل من الزوجين بالآخر، ولها الحق في الصداق دون وليها، أو غيره من أفراد قبيلتها، ولذلك حرَّم الإسلام الشغار؛ لأن الولي إنما رغب في الخاطب لغرضه ومصلحته، دون اعتبار لمصلحة المرأة ورضاها.
وهذا النكاح المذكور إنما تم بناء على اعتبار مصلحة تلك القبيلة، دون اعتبار لمصلحة المرأة ورضاها، إضافة إلى ما يمكن أن يحدث بسبب ذلك الزواج من المشاكل والمفاسد والشرور، واتخاذه وسيلة للإضرار بالمرأة المتزوج بها، قد يصل إلى القتل انتقاماً لمن قتل منهم، لا سيما أنه حصل بدون رضا الزوجة، وادعاء أن هذا الزواج يحقق صلة الرحم، وإطفاء شرر الفتنة بين القبيلتين، مع ما ذكر غير مُسلَّمٍ به، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز( )
22- حكم صندوق السائقين المشتركين فيه:
فتوى رقم (21477)، وتاريخ 6/ 5/ 1421هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ سعيد بن مسعد الحربي، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (1964)، وتاريخ 3/ 3/ 1421هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: «يوجد لدينا صندوق خاص بالسائقين المشتركين فيه، وبه شروط معقدة، وهي الفرد المشترك في الصندوق يدفع كل سنة ألفاً ومائتي ريال في نهاية كل عام، بمعدل الشهر مائة ريال، وإذا حصل تأخير عن وقت الدفع يدفع عن كل شهر مبلغاً جزائياً مائة ريال مع المبلغ المتأخر لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك يعتبر منسحباً من الصندوق، ولا يحق له أي مبلغ أن يأخذه، ويعتبر رصيده في الصندوق مصادراً لجماعة الصندوق، وإذا بعد ذلك أراد الرجوع يدفع المبلغ المتأخر مضاعفاً، مع جميع ما يخصه من فرقيات حصلت في مدة انسحابه، أو وقوفه عن الدفع، علماً بأن بعض الأفراد المشتركين أحوالهم مستورة، البعض راتبه قليل لا يتجاوز ألفاً وخمسمائة ريال، والبعض بدون عمل، مما يجعله يتأخر عن الدفع، ثم يعتبر منسحباً، ويصادر رصيده لجماعة الصندوق.
أفيدوني بفتوى جزاكم اللَّه خيراً، علماً بأني سعيت بالمفاهمة مع أمين الصندوق، ولكن بدون جدوى، وإصرارهم بتنفيذ الشرط الجزائي، أرغب فتوى رسمية عن ذلك، وهو الشرط الجزائي، ومصادرة حق الفرد والزكاة، واللَّه يحفظكم».
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بما يلي:
بعد النظر في الاتفاقية المذكورة، تبين أنها مشتملة على جزاءات مالية مضاعفة لما يدفعه المشترك، أو حرمان المشترك من حقه، وغير ذلك، وحيث إن هذه الجزاءات غير شرعية؛ لأنها من غير طيب نفس المشترك، ولأنها تحدث من البغضاء والشحناء بين المشتركين ما هو ظاهر ـ فالواجب تركها، وباللَّه التوفيق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ( )
23- حكم الصناديق الخيرية والزكاة فيها، والإلزامات المالية:
فتوى رقم (22288)، وتاريخ 2/ 3/ 1423هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من فضيلة قاضي محكمة العرين/ علي بن عبد اللَّه الشمراني، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (40)، وتاريخ 2/ 1/ 1423 هـ، وقد جاء في كتاب فضيلته ما يلي:
«إشارة الى خطاب سماحتكم الموجه لنا برقم (8716/2 في 13/11/1422 هـ، والمتضمن لإرفاق نسخٍ مما صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من فتاوى حول الصناديق الخيرية، وحكم الاتفاقيات المالية الإلزامية بين أفراد القبيلة، والتي اتضح من خلالها الأمور التالية:
1- أنه لا تجب الزكاة على هذه الأموال المجموعة في تلك الصناديق الخيرية، إذا كانت لا تعود لأصحابها عند فشل المشروع مثلاً.
2- أنه لا يجوز إجبار أحد على دفع مبلغ شهري أو سنوي للجمعية، وإنما هو على سبيل الاختيار.
3- كذلك لا تجوز مقاطعة من لم يدفع المبلغ، وأن هذا ظلم من المقاطعين.
4- أن الاتفاقيات إذا كانت مشتملة على إلزامات مالية، وجزاءات غير شرعية، يجب الخضوع لها؛ فإنه يجب الابتعاد عنها؛ لكونها تحدث البغضاء والشحناء والفرقة بين القبيلة، إلا أنه بعرض ذلك على بعضهم، طلب منا الرفع لكم مرة أخرى لإيضاح الإشكال الذي أفادونا به عن معنى الابتعاد عنها؛ لأنها مشتملة على إلزامات وغرامات مالية للمشارك المتأخر مثلاً: والإشكال حسبما اتضح مما أفادونا به في أمرين اثنين:
الأول: هل معنى إذا كانت الاتفاقية مشتملة على بنود إلزامية، هل معنى ذلك إلغاء الاتفاقية بالكلية، أم إلغاء البنود المشتملة على ذلك، وإذا كان الإلغاء بالكلية، فكيف يصنع بالمال الموجود في الصندوق، هل يمكن إعادته لأصحابه أم لا؟ حيث لم يتفق على ذلك من قبل.
الثاني: إذا كان الإلغاء لهذه البنود المشتملة على غرامات وإلزامات مالية فقط دون باقي البنود؛ فإنه حينئذ لا يمكن ضبط المشاركين، بل يكون الصندوق فيه خلل، وعد م انضباط وحزم على حد قولهم، علماً بأنه لن يشارك أحد في هذه الاتفاقية إلا بعد رضاه، واختياره لجميع ما اشتملت عليه، وعليها توقيعه؛ لذا جرى الرفع مرة أخرى لسماحتكم للإفادة لهم بصورة واضحة حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، وفقكم اللَّه، وأعانكم.
وقد درست اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الأمرين اللذين أشار إليهما القاضي في نهاية خطابه، وأجابت عن الأمر الأول بأن المتعين إلغاؤه من الاتفاقية المسؤول عنها البنود التي تتضمن إلزاماً للمشتركين في الصندوق الخيري، وفرض غرامات عليهم في حال تأخرهم عن الدفع؛ لأن الاتفاق الخيري لا يُلزم أحد به، ولا يعاقب أحد على تأخره عن القيام به.
وأجابت عن الأمر الثاني أنه يتعين إعادة المبالغ التي أخذت من أصحابها رغماً عنهم، إلا إذا طابت بها أنفسهم، وأما ما يحصل من اضطراب في حسابات الصندوق نتيجة لذلك، فيمكن معالجته من قبل المتخصصين في المحاسبة، واللَّه الموفق.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو عضو الرئيس
صالح بن فوزان الفوزان عبد الله بن عبد الرحمن الغديان عبد الله بن محمد المطلق عبد الله بن علي الركبان أحمد بن علي سير المباركي عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ( )
24- فتاوى العلماء في حكم حرمان النساء من الميراث:
أولاً: فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية في عهده /:
1- (2580 ـ التحذير من حرمان النساء من المواريث):
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء حفظه اللَّه.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته .. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب مقام رئاسة مجلس الوزراء، برقم 1019، وتاريخ 23/ 1/ 1398المتعلقة بما كتبه القائم بالأعمال الإدارية في محكمة الباحة حول ذكره أن بعض القبائل لديهم يمنعون النساء من حقوقهن في المواريث، المشتملة على إفادة المذكور، وخطاب القاضي برقم 674 وتاريخ 22/ 8/ 1381 هـ.
ونفيد سموكم بأنه يلزم قضاة تلك الجهات التنبيه على وجوب مراعاة حقوق النساء في الجوامع والمحاضر، ويذكرونهم بقوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾( )، ويقول : «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»( )، وبما جاء في خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع حيث يقول: «فاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف»( )، وتؤكدون عليهم وجوب احترام حق المسلم، ذكراً كان أو أنثى، وأنه لايحل شيء من ماله إلا بطيب نفس منه.
ونرفق لسموكم صورة من فتوى سبق أن استفتانا فيها قاضي المجاردة حول مواريث النساء، وسكوتهن عن المطالبة بها، ثم مطالبتهن أخيراً. وحيث إنها تنطبق على مايكثر وقوعه في تلك الجهات الشايع في بعضها حرمان النساء من المواريث، فينبغي حفظكم اللَّه تعميمها على الإمارات، وهيئات الأمر بالمعروف، للاطلاع والانتفاع، وقد أعطينا كافة المحاكم صورة من كتابنا هذا مع صورة الفتوى، وباللَّه التوفيق، والسلام عليكم».
رئيس القضاة
(ص / ق 1256/ 1 في 24/ 8/ 1382هـ) ( ).
2- (4255 - لا تسمع الدعوى في المواريث التي قبل حكم الملك عبدالعزيز 1343 بخلاف ما بعده إذا كانوا وارثين مباشرة)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا في المنطقة الغربية سلمه اللَّه.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منك رفق خطابكم رقم 4554، وتاريخ 22/ 12/1379هـ المتعلقة باسترشاد قاضي مجاردة عما يجب اتخاذه نحو العقارات التي تملكها الناس مدداً طويلة، وتداولتها الأيدي بالبيع والشراء، ونحو ذلك، وبعد هذا، وفي الوقت المستأخر يتقدم منازع، أو مطالب لهذه العقارات التي تنتقل من نسل إلى نسل، حيث إن سبب هذه المشاكل ما كان متعارفاً عليه فيما بينهم سابقاً، واعتادوه أن المرأة لا تطلب ميراثها من مورثها أيّاً كان، إلا إذا كانت وصية من مورث، وقد نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وما ذكره قاضي مجاردة أنه هو وزملاؤه القضاة في تلك الجهات، كانوا يعلنون، ويذيعون في المجتمعات أن للمرأة الحق في المطالبة بميراثها من أي مورث كان إلى آخر ما ذكره.
والواقع أن القضاة أمام هذه المشاكل محرجون، ولكن الحل الوسط إن شاء اللَّه يتلخص في أن هؤلاء المطالبين بانصبائهم من مورثهم، لا يخلون من أمرين:
الأمر الأول: أن يكونوا وارثين مباشرة، وسكتوا على حصصهم الإرثية جرياً وراء العوائد والتقاليد، فما كان قبل ولاية الحكومة السعودية على أراضي عسير ونحوها، فلا تسمع فيه الدعوى، ويكون ما قبل دخول الحكومة شبيهاً بحال الجاهلية من قبض شيئاً في ذلك الوقت، معتقداً جوازه، استقر له بالحكم الجديد المقيم للشريعة في هذه البلاد، كالعقود الفاسدة، والأنكحة، والمواريث وغيرها، والنصوص وأقوال العلماء في مثل هذه كثيرة، فقد أخرج أبو داود عن عبد اللَّه بن عباس ب، قال: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ لَهُ وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلاَمُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الإِسْلاَمِ»( )، وأخرجه الموطأ مرسلاً عن ثور بن زيد الديلي قال: «بلغني أن رسول اللَّه قال: «أَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ، وَلَمْ تُقْسَمْ، فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ»( )، قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه( )، فقيل فيه بيان أن أحكام الأموال والأنساب والأنكحة التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم فيها على أيام الجاهلية، لا يُرد منها شيء في الإسلام، وأن ما حدث من هذه الأحكام في الإسلام؛ فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام. ا هـ وقال في الاختيارات، ص 113، و 114: «وإذا أسلموا، وفي أيديهم أموال المسلمين، فهي لهم، نصّ عليه الإمام أحمد، وقال في رواية أبي طالب: ليس اختلاف في ذلك، وقال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضاً يعتقدون جوازه؛ فإنه يستقر لهم بالإسلام، كالعقود الفاسدة، والأنكحة، والمواريث وغيرها». ا. هـ.
وما كان بعد ولاية الحكومة، وتعيين القضاة، وقيامهم بالوعظ والإرشاد، والتوجيه، وبيان المواريث، والأحكام الشرعية،
فتسمع دعوى المطالبة به، ويكون حكمه حكم الأرض،
والدار، ونحوها مما أدركه الإسلام، ولم يقسم، فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام.
الأمر الثاني: أن يكون المطالبين بأنصبائهم من مورثيهم، وهم وارثو الوارثات: كالأبناء، والأزواج، والإخوان، والآباء، ونحوهم، فهؤلاء لا تسمع دعوى مطالبتهم، حيث إن الوراثات مباشرة هلكن ولم يطالبن بنصيبهن في الميراث، وهن صاحبات الحق، فلربما أن تكون الوراثة المتوفاة قد سمحت بنصيبها في ميراثها لعصبتها ونحوهم، لا سيما والمعروف في تلك الجهات أن الرجال غالباً ما يقومون بأمر النساء، ويؤمنون لهن جميع ما يحتجنه من: الطعام، والكساء، والمسكن إذا لم يكنَّ عند أزواج يقيمون عليهن،
ويضاف إلى هذا سكوتهم عن المطالبة بحقوقهن الإرثية، وموتهن على ذلك.
وقد تخرج بعض جزيئات هذه المسائل عما ذكر، ولكن يتسامح في ذلك، ويكون من باب ارتكاب أدنى المفسدتين؛ لتفويت أكبرهما, وباللَّه التوفيق، واللَّه يحفظكم، في 6/ 80.
(ص/ف 862، في 14/ 6/1380 هـ)( ).
ثانياً: فتاوى الإمام ا بن باز مفتي السعودية في عهده في حكم حرمان النساء من الميراث:
من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ م . ي . أ . وفقه اللَّه لما فيه رضاه آمين .
سلامٌ عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم المؤرخ في 29 \1\1416 هـ، وصلكم اللَّه بهداه، وما تضمنه من السؤال عما يفعله بعض الناس من التحيل على إسقاط حق المرأة من الميراث( ).
والجواب: لا يجوز لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها، أو يتحيل في ذلك ؛ لأن اللَّه سبحانه قد أوجب لها الميراث في كتابه الكريم، وفي سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، وجميع علماء المسلمين على ذلك ، قال اللَّه تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾( )، الآية من سورة النساء، وقال في آخر السورة: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾( )، فالواجب على جميع المسلمين العمل بشرع اللَّه في المواريث وغيرها، والحذر مما يخالف ذلك، والإنكار على من أنكر شرع اللَّه، أو تحيَّل في مخالفته في حرمان النساء من الميراث، أو غير ذلك مما يخالف الشرع المطهَّر،. وهؤلاء الذين يحرمون النساء من الميراث، أو يتحيَّلون في ذلك، مع كونهم خالفوا الشرع المطهّر، وخالفوا إجماع علماء المسلمين، قد تأسَّوا بأعمال الجاهلية من الكفار في حرمان المرأة من الميراث، نسأل اللَّه لنا، ولكم، ولهم، ولجميع المسلمين العافية من كل ما يخالف شرعه، والواجب عليكم، وعلى غيركم الرفع إلى ولاة الأمور عمن يدعو إلى حرمان المرأة من الميراث، أو تحيَّل في ذلك حتى يعاقب بما يستحق بواسطة المحاكم الشرعية. وفقنا اللَّه وإياكم، وجميع المسلمين لما يرضيه، وأصلح حال المسلمين، وهداهم لما فيه نجاتهم، وسعادتهم، ووفق ولاة أمرنا لكل خير، ونصر بهم الحق، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء( )
ثالثاً: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في حكم حرمان النساء من الميراث:
1- السؤال السادس من الفتوى رقم ( 2514 )
س6: بعض الناس يمنع ابنته من الإرث خوفاً على ثروته أن يأخذ من يتزوج ابنته نصيبها من هذه الثروة هل هذا جائز؟
ج6: بيّن اللَّه تعالى الورثة، ونصيب كل منهم في سورة النساء، ومن هؤلاء: البنات، وأوصى بإيتاء كل ذي حق حقه، وختم آيات الميراث الأولى منها بقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾( )، وختم الآية الأخيرة من السورة بقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾( )، فمن حرم البنت، أو غيرها من الحق الذي جعله اللَّه لها دون رضاها، وطيب نفس منها، فقد عصى اللَّه ورسوله ، واتّبع هواه، واستولت عليه العصبية الممقوتة، والحمية الجاهلية، ومأواه جهنم إن لم يتب، ويؤدّي الحقوق لأربابها.
وباللَّه التوفيق، وصلّى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
2- السؤال السادس والسابع من الفتوى رقم ( 6209):
س 6، 7: هل الأنثى لها من ميراث أبيها في الأرض، والأغنام، والمال، والحائط؟
هل يجوز في تركة الأب أن تقسم على الأبناء بالاتفاق أم لا؟
ج6 ،7: أوضح اللَّه في كتابه المواريث، فقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، فالأنثى من البنات لها نصف ما للذكر من الميراث المنقول، وغير المنقول، وذلك بعد تسديد دين المتوفى إن كان، وتنفيذ وصيته الشرعية إن وجدت.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الفتوى رقم (17784):
3- س: عندنا في قبيلة بني مالك التابعة لمحافظة الطائف، عادات متوارثة من الآباء، والأجداد، وهي: عدم إعطاء المرأة نصيبها من الميراث حال تقسيمه، حيث يقسم الميراث المكون من أراضٍ سكنية، وبيوتٍ، ومزارعَ، ومواشٍ، ونقودٍ على الذكور فقط، ويحضر القسمة أحياناً بعض أعيان القبيلة، ولا تستطيع أي امرأة أن تطلب شيئاً مما فرضه اللَّه لها من الميراث، بل إن ذلك أمر قد نُسي، ودَرَس لدى المجتمع، ومعظم النساء لدينا يجهلن ما فرضه اللَّه لهن من الميراث، وكأن أموالنا حلال على ذكورنا، وحرام على إناثنا، وإذا ذكِّر أحد بما نصّ عليه الكتاب والسنة بشأن الميراث، قال: أنا معترف بحق قريباتي الوارثات معي، ولكن لن أعطيهن شيئاً ما لم يطلبن نصيبهن، ثقةً منه بأن قريباته لن يطلبن شيئاً من نصيبهن؛ لجهلهن في ذلك، ولعدم تجاوز عرف القبيلة الذي ينكر عليهن ذلك، مهما كانت حاجتهن المادية، ومهما كان غنى أهلهن، أيضا يرى البعض أنه من الصعب على نفسه أن يدخل معه في مال أبيه زوج أخته، أو أبناءها، وخصوصاً في الأراضي، والمزارع، ويُعتبر ذلك من العار عليه، وعند استخراج صك استحكام على الأملاك، يُكتفى بذكر أسماء النساء الوارثات في ذلك الملْك، والمستفيد الحقيقي، والمتصرّف في المال هو الرجل فقط، أما نصيب المرأة الوارثة، فهو كتابة اسمها بصك الاستحكام فقط، وفي حالة البيع للمُلْك ما على الرجل إلا أن يقنع قريباته الوارثات معه بموجب صك الاستحكام حتى تجوز البيع، وتوقع المرأة المسكينة بالموافقة، والتنازل عن المشتري، وإن تكلف الرجل في شيء ربما يعطي قريبته من ثمن المبيع مثلما يعطي المسكين، ويُسمّي ذلك بساطة، أو رضوة، يُسكِّتون بها المرأة المسكينة؛ لذا أرجو من فضيلتكم إعطاءنا الفتوى الشرعية، والتوجيهات اللازمة لقاء تلك العادات.
ج: قال اللَّه تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾( )، وقال اللَّه تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾( )، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾( ) الآية، وقال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾( )، وقال تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾( )، وأعطى النبي الجدة السدس، وأجمع على ذلك أهل العلم، وقال تعالى في الزوجات: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾( )، ففي هذه النصوص الكريمة من كتاب اللَّه، وسنة رسوله التصريح بتوريث النساء: أمّهات، وجدّات، وبنات، وأخوات، وزوجات، وسمَّى هذه المواريث: حدوده، ومن خالف ذلك، ولم يورّثهن كان عاصياً للَّه ورسوله، ظالماً مبدلاً لأحكام اللَّه، متعدّياً لحدوده، وإن استحلّ ذلك، كَفَر عند جميع أهل العلم، بعد أن يُبيّن له الحكم الشرعي في ذلك، وقد قال الله لمّا بين هذه المواريث للرجال والنساء، قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾( )، فالواجب التوبة من حرمان النساء من ميراثهن، وإعطائهن حقهن الذي فرضه اللَّه لهنّ، فإن اللَّه سبحانه قد أعطى كل ذي حق حقّه، قال النبي : «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»( ).
وباللَّه التوفيق، وصلّى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد عبد العزيز آل الشيخ صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز بن عبد الله بن باز
4- السؤال الرابع من الفتوى رقم (4894):
س4: توفي والدي، وترك لنا قطعة أرض أنا وإخوتي (مجموعة من الذكور والإناث)، وقبل أن يموت كتب الأرض على صورة عقد بيع ابتدائي، وعندما مات كنت صغيراً، فلما كبرت علمت أن هذا الميراث -الأرض- لم توزع -تورث- شرعاً، إذ إنه ينقص كل بنت فدان( ) حتى تستكمل الميراث الشرعي، كما جاء في الكتاب والسنة، فقلت لإخوتي الذكور: هيا بنا نعيد توزيع الميراث على ضوء الكتاب والسنة، فرفضوا، فحاولت أنا أن أعطيهن حقوقهن، أي: البنات، فهن سبع بنات، فبعملية حسابية وجدت أن كل بنت لها منه 3 قراريط( ) عندي، وهي أمر بسيط، وكل هذا والبنات لا يعلمن شيئاً عن هذا الأمر، والسؤال هو: كيف التصرف، وليس معي مال حتى أشتري ميراث البنات، وإذا أخذت مني 3 قراريط، فهن لا يستطعن أن يزرعنه، كما أنهن لو أخذن فسيؤدي هذا إلى حدوث تلف كبير في أرضي، فأولادهن كثيرون، ويعملون على إتلاف أرضي، فماذا أفعل، وما هو الحل الشرعي، وهل إذا قالت البنات: نحن مسامحون لك، فهل هذا يكفي شرعاً، أم ماذا؟
ج: أولاً: إذا كان الواقع كما ذكرت، فقد أساء والدكم فيما يظهر بتمييز الذكور على الإناث من أولاده، وحرمان بناته من بعض حقوقهن، وأساء إخوتك بامتناعهم من إعطاء الأخوات ما نقص من حقوقهن من ميراث الوالد؛ إبراءً للذمة، وتخلصاً من الظلم، وقد أحسنت باستعدادك أن تعطي لأخواتك ما دخل عليكم من نصيبهن من الميراث.
ثانياً: إذا سامحك أخواتك، أو سامحن الجميع، فقد برئت الذمة، وانحلّت مشكلة القسمة، ويرجى للمحسن الأجر، واللَّه يحب المحسنين، وإن لم يسامحن، وتيسّرت قسمة الأرض، فأعطهن نصيبهن أرضاً، ولو في جهة واحدة مشتركة بينهن، وإن لم يتيسر ذلك، وكان فيه حرج عليك أو عليهن؛ قَوَّمْ حقَهن في الأرض عندك قيمة عدل، وأعطهن تلك القيمة نقوداً، أو غيرها حسب التراضي والتيسير، وإن لم يتيسر شيء من ذلك، فارجع أنت، وهم إلى أهل الخبرة والأمانة في ذلك؛ للنظر في حل مشكلتكم، أو إلى المحكمة حسب ما يقضي به واقع الحال لديكم، واللَّه المستعان.
وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
5- السؤال الثاني، والثالث، والرابع من الفتوى رقم (1934):
س2: هل يجوز أن ترث البنت في حلال أبي المتوفى، حيث إنه لم يقسم من أبيه، وأبوه على قيد الحياة؟
ج2: إن كان المقصود بالبنت في السؤال هي التي توفي عنها المذكور في السؤال الأول- فإنها ترث فيما يخصّ زوجها المتوفى فقط؛ للحديث المذكور، ولقول اللَّه في الزوجات: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾( )، أما أبو المتوفى الحي وقت وفاة ابنه، فليس لها في مال الأب شيء، وإن كان في الموضوع إشكال، فالمرجع المحكمة لحل المشكلة بين الجميع( ).
المبحث السابع: التعاميم في منع العادات المخالفة للشريعة الإسلامية
الأول: خطاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز / رقم 192/2 وتاريخ 9/ 1/ 1420هـ، إلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز / بطلب منع العادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، وتعميد الجهات المختصة بذلك، والتعميم على أمراء المناطق بالعمل بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ /، قال فيه:
«من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم/ نايف بن عبد العزيز – وزير الداخلية، وفقه اللَّه.
سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته وبعد.
فأفيد سموكم الكريم أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء درست ما وردها من بعض القضاة في المملكة عن الاتفاقيات الموجودة لدى بعض القبائل، المتضمنة بنوداً يُلزم فيها أفراد الجماعة من القبيلة بدفع مبالغ مالية معينة، أو ذبح عدد من الغنم لأفراد القبيلة، عند حصول مخالفة لأحد هذه البنود.
وحيث إن هذه الإلزامات غير شرعية، وتحدث البغضاء والشحناء والأحقاد، والفرقة بين أفراد القبيلة الواحدة، فقد رأت اللجنة الدائمة برئاستي، واشتراكي الكتابة لسموكم، برجاء تعميد الجهة المختصة بالتعميم على أمراء المناطق بالعمل بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم /، وفتاوى اللجنة الدائمة، المرفقة نسخها الخاصة بأحكام القبائل وأعرافهم، وإحالة ما أشكل عليهم إلى المحاكم الشرعية.
فأرجو من سموكم التكرم بالاطلاع، واتخاذ ما يلزم نحو ذلك، سائلاً الله أن يوفق سموكم لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعين الجميع على كل خير، إنه خير مسؤول.
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
الثاني: تعميم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز /على أمراء المناطق، رقم 48/7، وتاريخ 29/ 4/ 1420هـ، بناءً على ما كتبه له سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /، حيث أصدر تعميمه الذي أمر فيه بالتمشي بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم /، وفتاوى اللجنة الدائمة فيما يخص العادات الجاهلية القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، التي كتبها له سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز /، وإحالة ما أشكل منها للمحاكم الشرعية للنظر فيها، وإجازة ما يوافق الشريعة، وإبطال ما يخالفها، مع التنبيه على مشايخ القبائل، ومعرفي، ونواب القبائل بالتمشي بموجبه.
نسأل اللَّه أن يغفر لسموه، كما قبل ما طلبه منه سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /.
الثالث: تعميم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، حفظه اللَّه ووفقه أمر في تعميمه رقم 3186/5، وتاريخ
19/ 5/ 1420هـ، وتعميمه رقم 6583 ش، وتاريخ
12/ 4/ 1425هـ، وتعميمه رقم 20514/ ش، وتاريخ
18/11/ 1427هـ بمنع العادات الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية منعاً باتاً، والحزم في ذلك، وعدم التساهل، والرفع له عمّن يثبت لجوؤه إلى التحاكم لهذه العادات، والأعراف الجاهلية القبلية، والتأكيد على الجميع بأن موضوع ردِّ الشأن غير مقبول، وأن الدولة هي المسؤولة، وإحالة من يتحاكم إلى الأعراف، والعادات الجاهلية القبلية إلى المحكمة؛ للنظر فيها شرعاً بالحقين: الخاص، والعام؛ لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية، وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية، ومنع ذلك، ومن ذلك ما يعرف بردّ الشأن، وأمر فيه سموه بالتنبيه على مشايخ القبائل بترك العادات الجاهلية، والرجوع إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله عند الخصومات، وأمر فيه سموه بأن على كل شيخٍ إبلاغ نواب جماعته، وأخذ توقيعهم، وإنذارهم بأن من عاد منهم، فسوف يحال إلى الشرع، وقد جاء في نصِّ تعميم سموه حفظه اللَّه ووفقه، وأطال في عمره على طاعته الأمر الحكيم الرشيد الآتي:
«...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلحاقاً لتعميمنا رقم 6583 ش وتاريخ 12/ 4/ 1425هـ وتعميمنا رقم 3186/ 5 وتاريخ 19/5/1420هـ والمبني على تعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 48/ 7 وتاريخ 29/4/1420هـ والمبني على ما كتبه لسموه سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز / بخطابه رقم 192/2، وتاريخ 9/1/ 1420هـ، والمتضمن أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء درست ما ورد من بعض القضاة عن الاتفاقيات الموجودة لدى بعض القبائل المتضمن بنوداً يُلزم فيها أفراد الجماعة بدفع مبالغ مالية ... إلخ، وقد رأت اللجنة الدائمة التعميم على أمراء المناطق بالعمل بفتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم /، وفتاوى اللجنة الدائمة والخاصة بأحكام القبائل وأعرافهم.
ورغبة سموه التمشي بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم / وفتاوى اللجنة الدائمة فيما يخصُّ تلك الاتفاقيات وإحالة ما أشكل منها للمحاكم الشرعية للنظر فيه، وإجازة ما يوافق الشريعة الإسلامية، وإبطال ما يخالفه مع التنبيه على مشايخ القبائل ومعرفي ونواب القبائل للتمشي بموجبه.
ونظراً لما تضمنته تلك المظاهر من تحكيم لعادات جاهلية وتقديمها على القضاء الشرعي وما يتخللها من بذل الأيمان أمام من يتحاكمون إليهم زاعمين أن ذلك من باب السعي بالصلح وهو خلاف الواقع لأن الصلح أساسه التراضي بين الأطراف دون أن يصاحب ذلك الصلحَ مخالفاتٌ شرعية من التحاكم إلى رؤسائهم والإذعان لما يحكمون به وبذل الأيمان التي محل بذلها القضاء الشرعي في المحاكم.
وحيث إن الفتاوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم / نصَّت على أن التحاكم إلى السلوم يعتبر تحاكماً إلى غير شرع اللَّه، ومن يظن أن فيه مصلحة إنما هو ظنٌ فاسد، وأن على الجميع التنبُّه لهذا الأمر وعلى ولاة الأمر التأديب البليغ لكل من ارتكب هذه الجريمة، كما أن فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تضمنت عدم التحاكم إلى الأحكام العرفية والمبادئ القبلية لأنها من التحاكم إلى غير شرع الله، وأن على الجميع إرجاع خلافاتهم إلى القضاء الشرعي والابتعاد عن الاتفاقيات الملزمة للأفراد، لذا يعتمد ما يلي:
أولاً: منع هذه العادات منعاً باتاً والحزم في ذلك وعدم التساهل والرفع لنا عمن يثبت لجوؤه إلى التحاكم إلى هذه العادات والأعراف الجاهلية، والتأكيد على الجميع بأن موضوع ردّ الشأن غير مقبول وأن الدولة هي المسؤولة والتأكيد على مشايخ القبائل ومعرِّفيهم ونوابهم بما سبق تعميمه برقم 3186/5 وتاريخ
19/5/ 1420هـ المبني على تعميم سمو وزير الداخلية المشار إليه أعلاه، والمتضمن التنبيه على مشايخ القبائل بترك عادات الجاهلية والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله عند الخصومات وعلى كل شيخ إبلاغ نواب جماعته بذلك، وأخذ توقيعهم وإنذارهم بأن من عاد منهم فسوف يحال إلى الشرع.
ثانياً: إحالة أطراف القضايا التي فيها تحكيم هذه العادات والأعراف الجاهلية إلى المحكمة للنظر فيها شرعاً بالحقين: الخاص والعام لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية (فاصلة) ( ) فقد لاحظنا استمرار قيام بعض الأفراد بالتحاكم إلى العادات والأعراف القبلية ولجوء البعض إلى إقامة تجمعات لأفراد القبيلة لهذا الغرض ومن ذلك ما يعرف باسم رد الشأن.
وحيث إن هذه المظاهر وما تتضمنه من تحكيم لعادات جاهلية وتقديمها على القضاء الشرعي وما يصاحبها من مخالفات شرعية لذا يعتمد ما جاء في تعاميمنا السابقة من إحالة أطراف القضايا التي فيها تحكيم هذه العادات والأعراف الجاهلية إلى المحكمة للنظر فيها شرعاً بالحقين العام والخاص لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية، ولكم تحياتنا».
انتهى تعميم سموه حفظه اللَّه، ورفع منزلته، ووفقه لكل خير، وأمدَّ في عمره على طاعته.
الرابع: تعميم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير، برقم 6192، وتاريخ 29/ 9/ 1433هـ أمر فيه سموه بمنع بعض العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، وخصوصاً الجيرة، وردّ الشأن؛ لضرر ذلك، وخطره، ومخالفته لقواعد الشرع، والنظام، والأمن، وأمر فيه سموه بإبلاغ مشايخ القبائل والنواب بذلك، وإبلاغهم مواطنيهم بعدم جواز الجيرة، وردّ الشأن، وإخطارهم بالعقوبة الشديدة لمن خالف ذلك، ونص تعميم سموه وفقه اللَّه، وحفظه، وأطال في عمره على طاعته، الأمر الحكيم الرشيد الآتي:
«تعميم لعموم المحافظات والمراكز المرتبطة والشرطة والمباحث ومشايخ عسير.
صورة لصاحب السمو الملكي سيدي وزير الداخلية للإحاطة يحفظه اللَّه.
سعادة/
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
إلحاقاً لتعميم هذه الإمارة رقم 255 س وتاريخ 28/ 10/ 1418هـ والتعميم رقم 610 وتاريخ 5/ 1/ 1413هـ والتعميم رقم 491 وتاريخ
3/ 1/ 1415هـ بشأن الجيرة على أقارب المجني عليه وبعض العادات والأعراف القبلية بالمنطقة وحيث كثرت الشكاوي من المواطنين بأن هناك ما زال من يلجؤون إلى تلك العوائد، ويتمسكون بها خصوصاً الجيرة، ردّ الشأن التي تعني ضمن ما تعنيه توفير الحماية للجناة الفارين من وجه العدالة بعد ارتكابهم جرائم كبيرة، ولا يخفى ضرر ذلك وخطره ومخالفته لقواعد الشرع والنظام والأمن وقد لعن من آوى محدثاً.
لذا نؤكد عليكم بالتمشي وفق الأوامر السابقة بهذا الشأن، وإبلاغ مشايخ القبائل والنواب بذلك، وعليهم إبلاغ مواطنيهم بعدم جواز الجيرة وردّ الشأن وإخطارهم بالعقوبة الشديدة إذا هم خالفوا ما أشير إليه وقد عمدنا مدير شرطة منطقة عسير بصورة من هذا لتعميمه على مراكز الشرطة المرتبطة به.
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
فيصل بن خالد بن عبد العزيز
أمير منطقة عسير
ثم أصدر هذ الأمير المبارك الحكيم تعميمه الإلحاقي رقم 7421 الموكِّد لمنع الجيرة المحرّمة المذكورة في 8/12/1433هـ، وهذا نصه:
«تعميم لجميع المحافظات, والمراكز المرتبطة, وشرطة منطقة عسير, ومشايخ عسير
سعادة/
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
إلحاقاً لأمرنا التعميمي رقم 6192/س، في 29/9/1433هـ بشأن الجيرة.
ولأن الجيرة مفهوم واسع: منها ما يساعد الجهات الأمنيه في تعقب المجرمين، وحماية الآمنين من أي تعرض لهم، أو ذويهم، يخل بالأمن، وذلك ما تؤيده الإمارة، وتؤكد على التعاون معه .
ومنها ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف، والنظام، وهذه الجيرة تسقط عقلاً، ونقلاً, ويجب القضاء عليها .
ولهذا فإن الإمارة تمنع الجيرة منعاً مطلقاً لكل جانٍ (ما لم تكن إجارته بهدف تسليمه للسلطة العامه فوراً، وبدون شروط) انطلاقاً من قوله : «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدَثَاً»( )، وكذلك تمنع الجيرة لكل جريمة هرب الفاعل فيها، ولم يسلِّم نفسه، أو يسلمه ذويه للجهات ذات العلاقه؛ ليكون تحت نظر الشرع الشريف فيما اقترفه من جريمة.
ليعلم الجميع ذلك، والعمل بموجبه.
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته,,,,».
فيصل بن خالد عبدالعزيز
أمير منطقة عسير
وقد أوضح سمو الأمير الحكيم المبارك في بيانه في هذا التعميم المبارك أن الإمارة تُؤيّد، وتؤكِّد على التعاون على كل ما يساعد الجهات الأمنيه في تعقب المجرمين، وحماية الآمنين من التعرض لهم، أو ذويهم, فيشكر الأمير على هذا, وجزاه اللَّه خيراً, ووفقه لكل خير, وهذا هو ما شرعه الشارع الحكيم في دفع الصائل: عن النفس, أو المال, أو الأهل, وكذلك دفع الصائل عن نفس المسلم الحاضر وقت الاعتداء عليه, أو على ماله, أو على دمه, أوعلى أهله, فإنه يجب على من حضر هذا الاعتداء، أن يدفع الصائل: سواء كان من قُطّاع الطريق, أو المحاربين الذين يأخذون أموال الناس، ويعتدون على أعراضهم في الطرقات، أو في الحضر في غياب السلطات الأمنية، وبعد المُعْتدَى عليهم عن السلطان، ونوﱠابه, ولهذا قال النبي : «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»( )، ومعنى: «لايسلمه»، أي لا يخذله ويتركة بدون نصره على الظالم، وقد فسَّر ذلك حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»( ).
والشاهد قوله : «ولايخذله»، يقال: «أسلمته» بمعنى خذلته( ).
قال الإمام النووي / في معنى: لا يخذله: « ...وأما لايخذله، فقال العلماء: الخذل: ترك الإعانة، والنصرة، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي ...»( ).
وقال الإمام ابن قدامة /: «فصل: وإذا صال على إنسان صائل يريد نفسه, أو ماله ظلماً, أو يريد امرأة ليفجر بها، فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو عرض اللصوص لقافلة، جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم؛ لأن النبي قال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»( )؛ ولأنه لولا التعاون؛ لذهبت أموال الناس، وأنفسهم؛ لأن قُطّاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان, ولم يُعِنه غيرُه؛ فإنهم يأخذون أموال الكل واحداً واحداً, وكذلك غيرهم»( ).
والمشروع دفع الصائل، وقُطاع الطّرق بالأسهل فالأسهل؛ فإن لم يندفعوا، ولم ينتهوا إلا بالقتل، فلمن يدافعهم أن يقتلهم, ويكون دمهم هدراً.
قال الحافظ ابن حجر /: « والمتَّجه قول ابن بطال: إن القادر على نصر المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه, فإذا دافع عنه لايقصد قتل الظالم، وإنما يقصد دفعه، فلو أتى الدفع على الظالم، كان دمه هدراً، وحينئذ لافرق بين دفعه عن نفسه، أو عن غيره»( ).
وهذا كله فيه حمايةً للآمنين, وفيه التعاون مع الجهات الأمنية على البر والتقوى, ومن التعاون مع الجهات الأمنية تسليم الجُناة والمحدثين للسلطات الأمنية عند القدرة على ذلك بدون مفاسد تخالف الشرع المطهر؛ فإن لم يقدر على ذلك، حدﱠد مواقعهم، ثم بلَّغ عنهم الجهات الأمنيه فوراً.
وأما الجيرة المعروفة برد الشأن؛ فإنه يترتب عليها مفاسد كثيرة تخالف الشرع, وتخل بالأمن: من أخذ المثارات المحرمة, والاعتداء على الآمنين, وقتلهم ،أو ضربهم بنثر دمائهم مثاراً، أو أخذ أموال المعصومين مثارات بغير حق, والافتيات على الشرع المطهر, وعلى الدولة المسلمة التي تحكم بشرع اللَّه تعالى.
وهذه الجيرة ليست مدافعة للصائل المعتدي، وليس فيها حماية من قطاع الطرق، ومنعهم من الاعتداء على الآمنين، وإنما هذه الجيرة المحرمة حماية عامة للغائبين، وحتى لو كانوا في مدينه أخرى؛ فإذا استجارت قبيلة بقبيلة أخرى، فاعتدى أحد من قبيله الجاني على رجل من القبيلة المجوﱠرة في مدينه حائل مثلاً، والقبيلة المجوِّرة في مدينه نجران، فحينئذ لابد من أخذ المثار من رجل من قبيلة المعتدي الذي نقض الجيرة، ولو كان في مدينه جدة على حسب القدرة على الاعتداء, والمثار يؤخذ من أي رجل آمن، ولو لم يكن عنده علم بالقضية، وهذا فيه إخلال بالأمن، واعتداء على الآمنين، وسفك الدماء بمثارات الجاهلية.
وهذه الجيرة التي ينطبق عليها ما قاله سمو الأمير المبارك في تعميمه الثاني المشار إليه، قال حفظه اللَّه: «ومنها - أي من الجيرة – ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف, والنظام, وهذه الجيرة تسقط: عقلاً, ونقلاً, ويجب القضاء عليها».
وسأكتفي بتسعة أمثلة تبين أن هذه الجيرة تخل: بالدين, والعقيدة, والأمن, والأخلاق, وفيها افتيات على الدولة, وانتهاك لدماء المعصومين, وأموالهم بغير حق, وانتهاك لحرمة السلطان المسلم الذي يحكم بشرع اللَّه تعالى, وهي على النحو الآتي:
المثال الأول: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة
ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني - وهي القبيلة الأولى - بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية – وهي قبيلة المجني عليه - على أحد أفراد القبيلة الأولى فقتله، وبعد ذلك قامت القبيلة الثالثة المجيرة بالمثار، واعتدوا على أحد أفراد القبيلة الثانية، وقتلوه مع أنه معفي، أي ليس هو الجاني، وبعد ذلك رُفِعت البيضاء للقبيلة الثالثة الذين ثاروا بمثار الدم، وقتلوا نفساً معصومة.
المثال الثاني: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى (قبيلة الجاني) بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على أحد أفراد القبيلة الأولى، فقامت القبيلة الثالثة بالمثار، فأطلق أحدهم النار على القبيلة الثانية، يريد قتل رجل منهم، ولكن الطلقات النارية أصابت رجلاً من قبيلة أخرى، لا علاقة له بالقضية، فأردته قتيلاً، ثم لم ترضَ هذه القبيلة الثالثة سود الوجوه عند القبائل [على ما يزعمون]، فأخذوا مثار مالٍ من القبيلة الثانية؛ لأن قتل هذا الرجل لا يجزئ؛ لأنه من قبيلة أخرى.
المثال الثالث: حصل اعتداء رجل من أفراد بعض القبائل على رجل من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى بقبيلة ثالثة، ثم حصل بين قبيلة الجاني والمجني عليه صلح قبلي، مبني على أحكام قبلية، انتهت به القضية، وانتقلت الجيرة إلى قبيل، يضمن انتهاء القضية، ويُعطَى مبلغاً من المال عاجلاً، وتبقى هذه القبالة مدة حياته، وإذا مات انتقلت إلى ورثته، أو يوصي بها غيرهم، وفي هذا المثال في هذه الحادثة كان هذا القبيل على أولاده، فاعتدى أحد أولاده على أخصامه الذين ضربوه في أول الأمر، فكان هذا القبيل أسود الوجه على زعمهم عند القبائل حتى يأخذ المثار، فذهب يبحث عن ولده، فوجده في السوق، فضرب وجهه بالجنبية، وقال: «هذا بدل تسويد وجهي» [على ما يزعم]، وهذا الذي فعله هذا الرجل مثار القبالة؛ لأن القبالة جيرة مستمرة، لا نهاية لها.
المثال الرابع: ضرب رجل من قبيلة أعرفها رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني (القبيلة الأولى) بقبيلة ثالثة، ثم ضرب رجل من القبيلة الثانية (قبيلة المجني عليه) رجلاً من القبيلة الأولى (قبيلة الجاني)، فنثر دمه، ثم استجارت قبيلته (التي هي القبيلة الثانية المجني على أحدهم) بقبيلة رابعة، فأصبحت القبيلة الثالثة المجيرة سود الوجوه عند القبائل؛ لحصول الاعتداء على من أجاروا، ثم ذهبت القبيلة الثانية، والثالثة، والرابعة يتحاكمون عند مقطع حق، فحكم على القبيلة الثانية بأن لهم جيرة ثمانية أيام: جيرة المجليات (جيرة الأسود)، وبعدها يؤخذ المثار: إما نثر دم، أو أخذ مال كثير طائل، فطلبت القبيلة الثانية الصلح المبني على أحكام القبائل، وألفوا على القبيلة الثالثة سود الوجوه في عرف القبائل، فحكم من حضر من مشايخ القبائل بمثار مليون ريال، وسيارة جيب صالون، وأيمان يحلفون بها، فأخذوا ذلك المثار منهم، ثم ذهبوا به إلى القبيلة الأولى (قبيلة الجاني الأول) فدفعوه إليهم، وقالوا: هذا مثار وجوهنا، فقالت القبيلة الأولى للقبيلة الثالثة: بيَّض اللَّه وجوهكم، وهذا مثار الوجه، أما قضية الضرب الأولى والثانية، فتبقى على حالها، كلٌّ يطالب بحقه، وهذا المثار يقال له عندهم: (مثار المال، أو المثار الدسم)، وهذا حدث عام 1433هـ.
المثال الخامس: ضرب رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني بقبيلة ثالثة، فقام رجل من القبيلة الثانية، وضرب رجلاً من القبيلة الأولى، فسوَّد وجوه القبيلة الثالثة، واستجارت القبيلة الثانية بقبيلة رابعة من القبيلة الثالثة، واستجارت بقبيلة خامسة من القبيلة الأولى، وبقيت القبيلة الثالثة تتوعَّد القبيلة التي سوّدت وجوههم على ما يزعمون، حتى أتى مشايخ القبائل، والعُرَّاف كما يزعمون، وأعطوهم مثاراً مقداره أربعمائة ألف ريال، وجيب شاص موديل 2001 في ذاك الوقت، مقابل قطع وجوههم.
المثال السادس: ضرب رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى (قبيلة الجاني) بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على بعض أفراد القبيلة الأولى، فثارت القبيلة الثالثة بطلب المثار، وغضبوا حتى أعطوا المثار، ومقداره مائة ألف ريال، وبعد ذلك نُصِبت لهم البيضاء.
المثال السابع: مثار القبالة، والقبيل هو الذي تُنقل الجيرة إليه بعد إصلاح القبائل، فقد حصل اعتداء من بعض أفراد قبيلة من القبائل على بعض أفراد قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني، وهي القبيلة الأولى بقبيلة ثالثة، فحصل صلح قبلي في القضية، وجعلوا أثناء الصلح القبلي قبيلاً يضمن انتهاء القضية، والقبيل عند القبائل يكون من جماعة المجني عليه، ويعطونه مبلغاً من المال، وبعضهم يُدفع له مبلغ كبير، وسيارة فخمة، وفي هذا المثال حصل نقض ممن هو تحت قبالة هذا القبيل، فأخذ هذا القبيل مثاراً، مقداره مائة ألف ريال، غير أرش الجناية، ودُفِعَت لمن كان ضميناً لهم؛ ليكون وجهه أبيضَ.
المثال الثامن: اعتدى رجل من قبيلة على رجل من قبيلة ثانية فضربه، ثم قامت القبيلة الأولى - قبيلة المعتدي - فاستجارت بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على رجل من قبيلة الجاني – القبيلة الأولى – فضربه، فغضبت القبيلة الثالثة المجوِّرة، وطلبوا المثار، فألفت القبيلة الثانية على القبيلة الثالثة، وحكم لهم من حضر من مشايخ القبائل بمبلغ مليون ريال سعودي، وصالون جيب وجنبيَّة، وهذا المثار مقابل تسويد وجوههم عند القبائل كما يقولون.
وأما قضية الضرب الأولى، والثانية، فهما على حالهما، كلٌّ يطالب بحقه، وبعد ذلك اشتكى بعض أهل الغيرة عند المحكمة، وادّعى بأن هذا من أحكام الجاهلية، ومن الحكم بغير ما أنزل اللَّه، فحكم القاضي بمصادرة مبلغ المليون، والسيارة، والجنبيَّة وإدخالها في بيت مال المسلمين... والقصة لها بقية مؤلمة، لا يحسن ذكرها.
المثال التاسع: اعتدى رجل من فخذٍ من قبيلةٍ على رجل من فخذٍ ثانية من القبيلة نفسها، فضربه، فقام رجل من هذه الفخذ الثانية، فأطلق النار بالرمي على الرجل المعتدي نفسه من الفخذ الأولى، فأصابه في رجله، ثم استجارت هذه الفخذ الثانية بقبيلة أخرى، فقام أحد إخوة المعتدى عليه من الفخذ الأولى - وهو المعتدي الأول الذي أصيب في رجله بالرمي – فأطلق النار بالرمي على عمِّ المضروب الأول من الفخذ الثانية، فعند ذلك غضبت القبيلة الثانية المجوِّرة للفخذ الثانية من القبيلة الأولى: فطلبت المثار في إغضابهم، وتسويد وجوههم عند القبائل، فألفت الفخذ الثانية من القبيلة الأولى على القبيلة الثانية المجوِّرة المغضَبَة فحكم لهم من حضر من مشايخ القبائل بثلاث مائة ألف ريال، وصالون جيب بدلاً عن إغضابهم، وتسويد وجوههم، كما يزعمون عند القبائل، وأما القضيتان السابقتان، فهما على حالهما كل يطالب بحقه( ).
والأمثلة كثيرة لا تحصى، ولكن هذه الأمثلة نماذج تدل على أن هذه الجيرة محرمة؛ لما يحصل فيها من الفساد، وهذه الجيرة هي التي ينطبق عليها قول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد وفقه اللَّه في تعميمه السابق ذكره الذي قال فيه: «ومنها [أي من الجيرة] ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف، والنظام، وهذه الجيرة تسقط عقلاً، ونقلاً، ويجب القضاء عليها».
وقد أحسن، وأصاب، جزاه اللَّه خيراً، ووفقه لكل خير.
المبحث الثامن: التوصيات لإبطال العادات القبلية الجاهلية
لقد اهتمت هذه الدولة المباركة: المملكة العربية السعودية بالحكم بالشريعة الإسلامية: بالكتاب والسنة، منذ أن تأسست على يد مؤسسها الملك الصالح الموفق عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود /، فأعزها اللَّه، وأكرم ولاة أمرها بالاستمرار في هذا الخير العظيم؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾( ) الآية؛ ولقوله :﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾( ).
وقد صدر الأمر السامي البرقي رقم 560/م ب في 11/ 1/ 1428هـ الموجه للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا لداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز / والقاضي بتكوين لجنة في وزارة الداخلية من: وزارة الداخلية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف والإرشاد، ووزارة الثقافة والإعلام، لدراسة الموضوع المتعلق بالعادات، والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية.
وقد درست اللجنة المذكورة الموضوع من جميع جوانبه، وأوصت بعدة توصيات على النحو الآتي:
1- أن الصلح جائز بين المسلمين، وألا يكون فيه إكراه، ولا يكون نافذاً إلا بعد مصادقته من قبل القضاء.
2- العرف في الشرع مقدر، وإذا لم يخالف الشرع، فإنه معتبر ومرد ذلك إلى القضاء.
3- يجب منع المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل عن القصاص، ومنع إقامة المخيمات، أو لوحات الإعلانات بطلب التبرع لهذا الغرض إلا بإذن إمارة المنطقة، وبالشروط التي تم تحديدها، وبإشراف الجهة المختصة في كل منطقة، مع الالتزام بالحد الأعلى للديات الذي رآه ولي الأمر.
4- في حال ظهور شيء من العادات والتقاليد والأعراف التي تتعارض مع الشرع، فتعالج من قبل إمارة كل منطقة، أو وزارة الداخلية.
5- وجوب إعداد نشرات وكتيبات، وتصميم دورات تدريبية عن هذه العادات لمعرفتها، وطريقة معالجتها.
6- وجوب التفريق بين القضايا التي يسمح بالسعي للصلح فيها من حيث نوعيتها.
7- وجوب الكتابة لمشايخ القبائل، والنواب بعدم جواز تحكيم العادات، والأعراف، والتقاليد المخالفة للشرع بين قبائلهم.
8- جمع المحكمين بين القبائل، وإقامة دورات تدريبية لهم في إمارات المناطق لتوضيح المخالفات الشرعية في الأعراف، والعادات، والتقاليد التي يتم التحاكم إليها.
9- أن تقوم إمارات المناطق في حال ظهور أحد المحكمين، أو أحد مشايخ القبائل، أو النواب، أو غيرهم، ممن يمارس التحكيم المخالف للشرع بأخذ التعهد الخطي، شديد اللهجة عليه، متضمناً عدم العودة لذلك، وفي حال مخالفته، وعدم التزامه يحال إلى المحكمة الشرعية لتعزيره.
10- فتح المجال أمام أساتذة الجامعات، والمهتمين بالشأن القبلي، والمختصين بالشأن الاجتماعي؛ لدراسة مجمل الظواهر الاجتماعية السلبية.
11- حث المحاكم على عدم التصديق على اتفاقيات الصلح والإقرارات المنطوية على شروط تعجيزية، ظالمة، ومخالفة لأحكام الشريعة.
12- منع المتسلطين من المحكمين للعادات والتقاليد المخالفة للشرع، وسحب المشيخة والنوابة منهم.
13- حث الجهات الرسمية على المسارعة في الفصل في الشكاوى بين الأفراد.
14- حصر أسماء المشايخ، والنواب، وعراف القبائل بشكل عام لدى إمارة كل منطقة، وإلزامهم بالتوصيتين (9، 12).
15- التأكيد على التعليمات الصادرة بشأن عدم المبالغة في المبلغ المطلوب مقابل التنازل عن القصاص.
16- يجب منع ما هو متعارف عليه لدى القبائل، والمسمى بالضامن، أو القبيل عن الصلح.
فاللَّه أسأل أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يشرح صدورهم للموافقة على كل ما فيه خير للعباد والبلاد، وأن يمُدَّ في أعمارهم على طاعته، وأن ينصر بهم الحقّ وأهله، وأن يجزيهم خيراً على ما قدموه لخدمة الحرمين الشريفين، وعلى ما قاموا به من مصالح الإسلام والمسلمين.
المبحث التَاسِع: وُجُوبُ التَّوْبَةِ وَالحَذَرُ مِنْ غَضَبِ اللَّه وَسَخَطِهِ
فَنَصِيحَتِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَبْتَعِدَ عَنْ هَذِهِ العَاداتِ والأعْرافِ المُخَالِفَةِ لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ يُعينُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا، وَيَجِبُ عَلى مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أنْ يَتوبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾( ) ، وَقَالَ : ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ( )، وَإذَا أخْلَصَ في تَوْبَتِهِ وَحَقَّقَ شُرُوطَهَا: مِنَ الإقْلاعِ عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالعَزيمَةِ عَلى أنْ لا يَعُودَ، وَرَدَّ الحُقُوقَ إلَى أهْلِهَا، أوْ طَلَبِ العَفْوِ مِنْهُمْ، فَإنَّ اللَّهَ يُبدِّلُ سَيَّئاتِهِ حَسَناتٍ، وكَانَ اللَّهُ غَفوراً رَحيمَاً.
ويجبُ عَلىَ مَشايخِ الشَّمْلِ، ومَشايِخِ القَبائِلِ، والعَشَائِرِ، ونُوَّابِ القَبائِلِ الحَذَرُ مِنْ هَذِهِ العَاداتِ المخالفة للشريعة الإسلامية، وتَحْذِيرُ النّاسِ مِنْ هَذِهِ الأحْكَامِ، وَالأعْمَالِ، وَالأقْوالِ الجَاهِليَّةِ، وَمنْعُهُمْ مِنَ التَّحَاكُمِ إلَيْها، وَإلْزَامُهُمْ بالتَّحَاكُمِ إلَى الشَّرْعِ المُطَهَّرِ في الْخُصومَاتِ وغَيرِهَا، وَتَرْغِيبَهِمْ في التَّحَاكُمِ إلَى الشَّرِيعَةِ الإسْلاميَّةِ، وإرْشَادَ كُلِّ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلكَ: طَاعَةً للَّهِ وَلِرَسُولِهِ ^ وخَوْفاً مِنْ عِقَابِهِ، وَمِنْ مُخَالَفَةِ أمْرِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبحانَهُ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ( ). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾( )، وَقَالَ : ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾( ).
وَقَالَ النَّبِيُّ ^: «وجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أمْرِي».رَواهُ أحْمَدُ وغَيْرُهُ( ).
كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَهِلَ أحْكَامَ هَذِهِ العَادَاتِ القبلية، أوْ غَيْرِهَا: سُؤَالُ أهْلِ العِلْمِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَمَّا أشْكَلَ، وخَفِيَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( ).
وَيَجِبُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ: مِنَ القُضَاةِ، وَالدُّعَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأئمَّةِ المَسَاجِدِ، وَالخُطَبَاءِ أنْ يُبِّينُوا لِلنَّاسِ قُبْحَ العَادَاتِ المخالفة للشرع المطهر، وَيُرَغِّبُوهُمْ في تَرْكِهَا، وَيُحَذِّرُوهُمْ مِنْهَا، وَمِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا، وَخَطَرِ إهْلَاكِهَا.
ولاَ شَكَّ أنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أنَّ الحُكْمَ بالعَاداتِ القَبليَّةِ الجَاهليَّةِ، والسلوم أفْضَلُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ، أوِ اعْتَقَدَ أنَّهَا مِثْلَ حُكْمِ اللَّهِ، ورَسُولِهِ ، أوِ اعْتَقَدَ جَوازَ الحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ بَلَغَهُ أنَّ الحُكْمَ بِغَيْر حُكْمِ اللَّه لاَ يَجُوزُ، فَهُوَ طَاغُوتٌ، كَافِرٌ بإجْمَاعِ العُلمَاءِ، قَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَالعِياذُ باللَّهِ، وإنْ زَعمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ، وَأمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ، وحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شَهْوَتُهُ، وَهَواهُ، مَعَ اعْتِقَادِهِ أنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الحَقُّ، وَاعْتِرَافهُ عَلَى نَفْسِهِ بالخَطَأ، فَهَذَا، وَإنْ لَمْ يُخْرِجْهُ كُفْرُهُ عَنِ المِلَّةِ، فَهُو مَعْصِيَةٌ عُظْمَى أكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ: كَالزِّنَا، وَشُرْبِ الخَمْرِ، والسَّرِقَةِ، واليَمِينِ الغَمُوسِ، وغَيْرِهَا؛ فَإنَّ مَعْصِيَةً سَمَّاهَا اللَّهُ كُفْراً في كِتابِهِ أعْظَمُ مِنْ مَعْصِيَةٍ لَمْ يُسَمِّها كُفْراً. [انْظُرْ: مِنْهَاجَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ لِشَيْخِ الإسْلامِ ابْنِ تَيميَّةَ /،
5/ 283، و284، ومَجْمُوعُ فَتَاوَى العَلاَّمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبرَاهيمَ /، 12/ 288، و289، وَمَجْمُوعُ فَتَاوَى العَلاَّمَةِ ابنِ بَازٍ /، 1/269].
واللَّهُ تَعَالَى أَسْأَلُ أنْ يُوَفِّقَ جَميعَ المْسلِمِينَ إلَى كُلّ خَيْرٍ، وَأنْ يُسَدِّدَ وُلاةَ الأمْرِ لإلْزَامِ النَّاسِ بحُكْمِ الشَّرْعِ المُطَهَّرِ، وَأنْ يُعِينَ مَشايخَ القَبائِلِ عَلَى أنْفُسِهِمْ، وَعلى تَرْكِ هَذِهِ العَاداتِ، وَأن يعينهم عَلَى قَبَائِلِهِمْ؛ لإبْعَادِهِمْ عَنْ هَذِهِ العَادَاتِ، وَالأعْرَافِ الجَاهليَّةِ، وَأنْ يَجْعَلَهُمْ مُبَارَكِينَ أيْنَمَا كَانُوا، وَأنْ يَجَعَلَهُم مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَرِّ، وَأْن يَنْفَعَ بِهِمْ، وليُبْشِرَ كُلَّ دَاعٍ إلَى الخَيْرِ بالأجْرِ الكَبيرِ، والثَّوابِ المُضَاعَفِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ^: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»، رواه مُسْلِمٌ.
واللَّه أسأل، أن يجعل هذا العمل مقبولاً عنده، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل من انتهى إليه.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.