الوصف المفصل
التحفة اليامية في بيان العقيدة المرضية
التقديم
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد:
فقد اطلعت على هذه الرسالة المباركة الموسومة "التحفة اليامية" فألفيتها تحفة ثمينة دالة على الحق، وافية بالمقصود، هادية للأجيال اللاحقة إلى أصول راسخة، وقواعد جامعة، من اعتقاد ومنهاج الصفوة السابقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان لأجل أن يقتفي اللاحق آثار السابق، حتى يفوز بالوعد الكريم من الرب الرحيم يقول في محكم القرآن العظيم: }وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{.
ولذا فإني أوصي بقراءتها وفهمها وتحقيقهًا اعتقادًا وقولاً وعملاً وخلقًا ومراجعة أمهات شروح أصولها؛ لتكون من أسباب الثبات على الحق والنجاة من شبه المضللين من الخلق والدعوة إلى الله على بصيرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
قاله وكتبه الفقير إلى عفو ربه
عبد الله بن صالح القصير
في 2/4/1421 هـ
الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي التحفة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:
أخي المسلم.. أختي المسلمة:
لقد وفق الله أهل السنة والجماعة للتوسط في الدين بين الفرق الغالية، والجافية، فهداهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وهذه التحفة على اسمها تبين معتقد أهل الحق من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أدعو إليها كل ناصح لنفسه طالب لنجاتها من النار وغضب الجبار؛ طامع في مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه من النبيين والمرسلين، وأتباعهم من المؤمنين والمسلمين في جنات تجري من تحتها الأنهار.
فهي دعوة إلى سلوك الصراط المستقيم، ومجانبة طريق الجحيم..
فالشكر لله على توفيقه والحمد لله على تيسيره؛ علمًا أنني سردت في هذه التحفة معتقدي في أركان الإيمان بأسهل عبارة، وأوجز إشارة قارنًا بالدليل ما استطعت.
والشكر موصول لكل من ساهم في نشر هذه الرسالة، وأخص بالشكر أبي الكريم، وأمي الكريمة فقد دعماني حِسِّيًّا، ومعنويًا لإخراج هذه التحفة إلى حيز الوجود، وأشكر شيخي الفاضل ومن له فضل بعد الله عليَّ، فضيلة شيخنا العلامة: عبد الله بن صالح القصير.
فقد أفادني، وراجع رسالتي، فسدد الصواب، وقَوَّم العوج، وسد الخلل.. فشكر الله له على تفضله بالمراجعة لرسالتي، وما ذاك إلا لطيب خصاله، و حميد خلاله، فهي وربي آداب العلماء وأخلاق الفضلاء النبلاء، وقد زادني شرفًا بالتقديم لهذه التحفة بيض الله وجهه، ونَظَّر سعده، وعَمَّر قلبه بالإيمان وختم لنا وله بالإحسان.. آمين.
محمد بن سرار بن علي آل دغيش
اليامي
التحفية اليامية في بيان العقيدة المرضية
إلى كل من يطلع عليه من العرب و العجم من أهل الإسلام وبقية الأنام.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
أما بعد:
فاعلموا هداني الله وإياكم إلى الصواب, أن من اعتقادات القلوب وأقوال الألسنة وأعمال الجوارح والحواس أن الدين الذي ارتضاه الله لنا وأكمله وأتمَّ علينا به النعمة ولا يقبل دينًا سواه: هو ما بعث الله به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، و هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وبقية العشرة المبشرون بالجنة وآل النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وسائر أصحابه رضي الله عن الجميع، من الاعتقاد، والقول، والعمل، و هو الإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام والتصديق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه من الأخبار والإذعان لما اشتمل عليه الكتاب والسنة من الأحكام، والانقياد بفعل الأوامر على قدر الاستطاعة. وترك النواهي جملة، والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنب وظلم النفس، وظلم الخلق والتقصير عن شكر النعمة والقيام بالواجب، والاجتهاد في الإحسان في العبادة.
بأن يعبد العبد ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فيعلم بأن الله يراه.
ذلك بأن الله تعالى هدى الصحابة والسلف الصالح }لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [البقرة: 213].
فكانوا يعملون بالكتاب والسنة ويجعلون النبي صلى الله عليه وسلم لهم أسوة وقدوة.
وكانوا يجمعون بين الإخلاص للمعبود، والاتباع لصاحب الشفاعة، والمقام المحمود ويجتهدون في إحسان العمل ويخافون ويشفقون من الله جل وعز.
فبذلك صاروا أهل الكتاب والسنة. وصاروا خير قرون الأمة، والفائزين بالمغفرة، و الرضوان والجنة.
فالصلاح والفلاح في اتباعهم بإحسان، والهلاك والخسران في اتباع غير سبيلهم، كما جاء ذلك في محكم القرآن فقال جل وعز مثنيًا عليهم وحاضًا على اتباعهم بإحسان }وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [التوبة: 100].
وقال تعالى مبينًا سوء عاقبة الإعراض عن طريقهم وأنه ينتهي بسالكه إلى النار: }وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{ .
فمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه وآل بيته وأصحابه على دينهم؛ فهو ناج مرحوم، ومن شاقَّ الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين إن لم يتب فهو ضال ظلوم.
وها أنذا أذكر لكم أصولاً جامعة وقواعد عامة، من أسس اعتقادهم، ومعالم منهاجهم لتتبعوهم بإحسان وتبرؤوا ممن خالفهم كائنًا من كان، ونحن ندين الله بها ونعتقد.
أولا: الإيمان بالله
فمن أسس اعتقادنا أننا نؤمن بالله تعالى ربًا خالقًا مالكًا مدبرًا للملك، بمقتضى علمه وحكمته وقدرته ومشيئته فلا رب غيره، ولا خالق سواه، وهو المتفرد بتدبير الملك، وعلم الغيب، وجلب النفع ودفع الضر.
فلا شريك له في الملك، والتدبير كما أنه لا شريك له في الخلق والتصوير؛ فهو وحده المتفرد بأفعال الربوبية }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{.
نؤمن بأن الله تعالى متصف بصفات الكمال ونعوت العظمة والجلال، والجمال، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، له المثل الأعلى في السموات والأرض، فلا سميَّ له ولا مثل من خلقه: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ فذاته تعالى أكمل الذوات، وأسماؤه أحسن الأسماء وصفاته أجلُّ الصفات }اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [طه: 8].
ذلك بأن الله وحده هو الخالق وما سواه مخلوق وأنه هو الرازق وما سواه مرزوق.
ونؤمن بأن الله تعالى وحده هو الإله الحق المعبود بالحق، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحقها أحد سواه.
فلا يُركع ولا يُسجد ، ولا يُدعى ، ولا يُرجى سواه.
فيجب الإخلاص له وحده في جميع العبادات، والتقرب إليه وحده في جميع الطاعات، وأن لا يُشرك معه أحد من الخلق في الأرض أو السموات }ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{[الحج: 62] }ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ{ [فاطر: 13].
فتمثيل الله بأحد من خلقه كفر ومساواة غيره به في شيء من حقه شرك والكافرون والمشركون في النار وبئس القرار.
ثانيًا: الإيمان بالملائكة
ونؤمن بملائكته كلهم، من أخبرنا الله بهم، ومن لم يخبرنا؛ وأنهم عباد مكرمون، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون }وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ( يُسَبِّحُونَ الليْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ{ [الأنبياء: 19، 20].
فنؤمن بوجودهم، ونؤمن بمن علمنا اسمه منهم كجبريل عليه السلام، ومن لم نعلم باسمه إجمالاً وكذلك نؤمن بما علمنا من صفاتهم كصفة جبريل عليه السلام، وكذلك نؤمن بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله جل وعز، كجبريل عليه السلام، فهو أمين على وحي الله، يرسل الله به إلى الأنبياء والرسل.
وميكائيل، الموكل بالقطر، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومالك خازن النار، والملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره.
ثالثًا: الإيمان بالكتب السماوية
ونؤمن بالكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله، كصحف إبراهيم والتوراة والزبور، والإنجيل، والقرآن؛ وأن الله أنزلها هداية لعباده متضمنة لشرائع دينه، ويجب على من أنزلت عليهم الإيمان بها، والعمل بما جاء فيها، وترك مخالفتها؛ ولا يسعهم الخروج عنها.
ونؤمن بأن القرآن، نسخ ما قبله من الكتب السماوية، واشتمل على أحسن ما فيها، وزاد عليها، وبرأه الله من الأغلال والآصار، والتكليف بما لا يطاق.
فأغنى به عنها، وأن الله جعله تبيانًا لكل شيء، وهدى للتي هي أقوم، وحفظه من التحريف، والتبديل، وجعله خالدًا إلى آخر الدهر قال جل وعز: }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{ [الحجر: 9] وأنه المحفوظ في السطور، والصدور، المبدوء بـ }الحمد لله رب العالمين{ والمختوم بـ (الجنة والناس).
وعليه فإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع السابقة، مشتملة على أحسن ما فيها من الأحكام، بريئة من الآصار، والأغلال التي كانت على من كان قبلنا، مصلحة لأحوال الناس إلى آخر الزمان؛ لما فيها من الأحكام العادلة، و الرحمة الواسعة الحجة القاطعة.
فأغنى بها عما كان قبلها، فلا خير في الشرائع السابقة إلا وفي شريعتنا ما هو مثله، وأفضل منه، ولا إصر إلا عافانا الله منه؛ فالحمد لله الذي أتقن ما صنع، وأحكم ما شرع ويسر الأحكام وعظم الأجور، وأكثر من مكفرات الآثام.
رابعًا: الإيمان بالرسل
ونؤمن برسل الله الذين أرسلهم إلى أممهم، من لدن آدم، ونوح إلى عهد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مبشرين، ومنذرين، ودعاة إلى الله جل وعز، وشهداء على الأمم، وأئمة لها في تحقيق عبادة الله جل وعز، وترك معصيته، وقد فضل الله جل وعز بعضهم على بعض، فاختص محمدًا صلى الله عليه وسلم بخصائص ليست لغيره؛ كختم النبوة به، وعموم الرسالة، والشفاعة العظمى، والمقام المحمود، واستفتاح باب الجنة.
واتخذ الله إبراهيم خليلاً، وكلم موسى تكليمًا، وخلق عيسى بكلمته وخصه بخصائص ليست لغيره ممن كان قبله.
وإن هناك أولي عزم من الرسل هم: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمد صلوات الله وسلامة عليهم.
فهؤلاء السادة الكرام أولو العزم من الرسل.
ثم للمرسلين والنبيين سواهم خصائص وفضائل لكنها دون أولي العزم من الرسل، وكل ذلك دليل على فضلهم عليهم الصلاة والسلام، وعلو مقامهم عند الملك القدوس السلام، وأن الله اصطفاهم على علم واجتباهم وغفر لهم من ذنوبهم ما تأخر وما تقدم كما قال تعالى: }تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ{ [البقرة: 253] .
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الأمم، اجتباهم الله لرسالاته؛ والرسل أفضل الأنبياء، وأولو العزم منهم أفضل المرسلين، وأفضل أولو العزم الخليلان، وأفضلهما محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم المخصوص بالقرآن.
ونؤمن بأن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها علامات جلية امتحن الله بها المدعين ورتب عليها محبته جل وعز، ومغفرته للمتبعين.
فقال جل وعز: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [آل عمران: 31].
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله جل وعز، وقد قال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده والناس أجمعين» متفق عليه.
ولا تقوم محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا باتباع ما جاء به عن ربه جل وعز، من الهدى ودين الحق، فمن اهتدى بهداه في هذه الدار اهتدى إلى الجنة في دار القرار.
فنقر بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي هو النبي المصطفى، والرسول المجتبى من الله جل و عز، لا نبي بعده، وأنه لم يمت حتى بَيَّن الدين كله، وبلغ البلاغ المبين، وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ونعتقد أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وأنه يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.
شروط قبول العمل
ونعتقد أن العمل لا يقبل إلا باجتماع أمور ثلاثة فيها.
الأول: أن يكون مما شرع الله أصله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا تحقيق الرضا بالإٍسلام دينًا.
الثاني: أن يؤدى مقصودًا به وجه الله جل وعز، وهذا تحقيق الرضا بالله ربًا.
الثالث: أن يكون في كيفيته متبعًا به المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا تحقيق الرضا بالنبي صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.
فمن رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، ورسولاً ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكان حقًا على الله أن يرضيه.
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ونقر بالفضل لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاءت به النصوص من فضائلهم لما لهم من السبق للإٍسلام والهجرة، والإيواء، والنصر، ومفارقة الأهل، والأوطان وبذل الأنفس والأموال من أجل مرضات ربهم ونصرة دين نبيهم، وهم أعلم الأمة بكتاب الله جل وعز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأنهم حضروا التنزيل، وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعملوا بحضرته.
فما وافق ما جاء به أقرهم عليه، وما خالفه أنكره عليه، ودلهم على الصواب بشأنه.
فكل عقيدة أو عبادة لم يكونوا عليها, فليست من دين الله، والخير كله في اتباعه, والشر كله في مخالفتهم قال جل وعز: }وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [التوبة: 100] وقال جل وعز أيضًا: }وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{ [النساء: 115].
وحيث إنهم أعلم الأمة بدين الله، وأشدهم تمسكًا به، وعداوة لمن خالفه، وهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته.
فقد زكاهم الله، وأثنى عليهم بجميل الصفات، وجليل الأعمال الصالحات، قال جل وعز: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ{ [الأنفال: 72] وأخبر برضاه عنهم ووعدهم الجنة وما فيها من النعيم المقيم، وأصناف التكريم، وبالمقابل حذر من سبهم والطعن فيهم، وبَيَّن أن ذلك ليس من أخلاق المؤمنين، ولا يصدر عن المسلمين، قال جل وعز: }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ{ [الحشر: 10].
فمن كان في قلبه غلٌّ على أحد منهم، أو وقع في سب أحد منهم؛ فليس من التابعين للمهاجرين، والأنصار بإحسان؛ وليس من اللاحقين الداعين بالمغفرة، والرحمة للسلف الماضين؛ بل هو من المعاندين الفجار.
وهو في ظاهر حاله من الكفار لقوله جل وعز: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ{ إلى قوله: }لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ{ [الفتح: 29] فلا يبغض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يغتاظ منهم إلا من ظاهره الكفر.
هذا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الإنجيل، فمن غاظه أحد من الصحابة فهو كافر بدلالة الآية السابقة.
ونتبرأ ممن سبهم رضي الله عنهم، أو شتمهم ومن سب أم المؤمنين؛ فليست بأم له، وليس من إخوة المؤمنين.
ونرتب الخلفاء الراشدين المهديين الأربعة في الفضل على ترتيبهم في الخلافة، وهذا الذي استقر عليه اتفاق السلف الصالح، أبو بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم أجمعين.
ونعتقد أن اتفاقهم في مسائل الدين حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
وندين بمعنى ما يروى عن المعصوم صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم» وكذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي» وكذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي..» الحديث.
ونعتقد أن من كفر الصحابة، فهو كافر؛ لأن الله جل وعز قد عدلهم، وزكاهم ورضي عنهم، وأرضاهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم خيرًا وأوصى الأمة بهم برًا.
فمن كفرهم فقد كذب الله جل وعز، وشاق الرسول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، واتبع غير سبيل المؤمنين الذين أثنى الله عليهم جل وعز فقال: }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ{ [الحشر: 10].
ونعتقد أنهم رضي الله عنهم أهل الإيمان، وخير أتباع الأنبياء والمرسلين على الإطلاق، وأفضل قرون الأمة بالاتفاق.
فمن لعنهم أو سبهم أو كَفَّرهم فإنها ترجع عليه لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يرمي رجل رجلا بالفسق، أو الكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: الإيمان باليوم الآخر
ونؤمن بأن ختام حياة كل شخص في هذه الدنيا معالجة النزع، ومعاناة سكرات الموت، ومفارقة الروح الجسد وهو الموت قال جل وعز: }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{ [ق: 19] وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «إن للموت سكرات اللهم أعني على سكرات الموت» وقالت فاطمة رضي الله عنها وقد رأت ما يعانيه النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الموت، وكربته: واكرب أبتاه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم».
فمتضمن ذلك إقراره صلى الله عليه وسلم بسكرات الموت، وشدته، وذلك هول المطلع الذي يجعله الله جل وعز تكفيرًا لخطيئات المؤمنين، ورفعة لدرجات المحتسبين، وأجرًا عظيمًا للصابرين.
فإن الموت أشد مصيبة تصيب الإنسان في نفسه، كما قال جل و عز }فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ{ [المائدة: 106].
قال الحسن البصري رحمه الله وهو يعاني سكرات الموت: «اللهم إني احتسب نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها قط».
وأما الكافر المرتاب فيكون كرب الموت وشدة النزع وهول المطلع نموذجًا لما ينتظره من العذاب الأليم في دار الجحيم، نسأل الله حسن الختام، ومغفرة الذنوب والآثام، والنجاة من النار، والفوز بالجنة دار السلام.
حياة البرزخ وما بعدها
ونؤمن بأن هناك حياة برزخية للميت في قبره، فقبره إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
ونؤمن بأهوال القبور، وأحوال البرزخ على ما جاءت به النصوص الدالة عليه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت: «يمتحن في قبره بعد أن ينصرف الناس عنه، ويُقعد ويُسأل من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك».
فأما المؤمن فيثبته الله، ويقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم.
فيقال: كيف عرفت ذلك؟
فيقول: قرأت القرآن، وعملت بما فيه.
فيقال: نم قد علمنا إن كنت لموقنًا، فيفسح له في قبره مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها وريحانها، ونعيمها.
فيقول: ربي أقم الساعة، مشوقًا إلى مقعده في الجنة.
وأما الكافر أو المرتاب فيقول: هاه.. هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
فيقال: لا دريت ولا تليت؛ فيضرب بمرزبة من حديد فيصرخ صرخة يسمعها من يليه، إلا الثقلان، ولو سمعوها لفزعوا ويفتح له باب إلى النار؛ ويأتيه من سمومها وعذابها.
فيقول: ربي لا تقم الساعة. لعلمه أن ما بعدها أشد عذابًا وأعظم نكالاً.
ثم يبقى أهل القبور في قبورهم إلى قيام الساعة.
المؤمن منعم، والمرتاب الكافر معذب، وهذا هو البرزخ حتى ينفخ في الصور النفخة الأخرى، فيقوم الناس من قبورهم؛ فينفضون التراب عن رؤوسهم ويحشرون إلى موقف الحشر؛ فيجمعون في صعيد واحد يسمعهم الداعي؛ وينفذهم البصر؛ ويصيبهم من الكرب، والهول ما لا يطيقون، ولا يحتملون حتى يسعى ذوو الجاه منهم بطلب الشفاعة للتخليص من موقف الحشر؛ فيطلبونها من أولي العزم من الرسل، من نوح عليه السلام، ومن بعده منهم، والكل يتخلى عنها لعلمه أنها ليست له.
حتى تنتهي إلى النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنها لها.. أنا لها» فيستشفع فيهم، ويشفع ويأتي الله جل وعز على ما يليق بجلاله لفصل القضاء؛ فيفصل بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.
فينصرف الناس من ذلك الموقف إلى أخذ صحف الأعمال؛ فأخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله ومن وراء ظهره: }فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ{ [الحاقة: 19-25].
ثم ينصرفون للموازين قال جل وعز: }وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ{.
توزن الأعمال، وقد توزن السجلات وقد يوزن العُمَّال ثم بعد ذلك ينصرفون فأما الكفرة والمشركون في كل أمة فتمثل لهم معبوداتهم التي عبدوها من دون الله كهيئتها يوم عبدوها، ويقال: لتتبع كل أمة من كانت تعبد؛ فتنصرف بهم معبوداتهم ويتبعونها؛ فيتساقطون في النار قال تعالى: }إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{ [الأنبياء: 98].
وأما المؤمنون حقيقة، أو ظاهرًا فينصب لهم الصراط بين ظهراني جهنم؛ ويؤمرون بجوازه، وأول من يجوزه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته تتبعه ثم الرسل عليهم الصلاة والسلام كل رسول سابق أمته في الجواز، ثم أممهم بعدهم كل حسب عمله، ونوره قال جل وعز: }نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ{ [التحريم: 8] الآيات.
فناج مخدوش وناج مُسِلَّم، ومكردس في نار جهنم، ودعوة الرسل يومئذ: اللهم سلم.. سلم..
ونؤمن بأن النار منزلة قبل الجنة، فلا يدخل الجنة إلا من جاوز النار، و نجي منها يقول جل وعز }فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ{ [آل عمران: 158] ويقول جل وعز }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا{ [مريم: 71] يعني النار أجارنا الله وإياكم وأعاذنا }كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا{ [مريم: 71].
ثم تحل الشفاعة فيمن دخل النار ، فيناشد المؤمنون ربهم في قراباتهم وذويهم من أهل لا إله إلا الله؛ فيشفعون فيهم كرامة من الله للشافع، ورحمة منه للمشفوع له، وتتكرر هذه الشفاعة مرارًا حتى لا يبقى في النار من في قلبه أدنى.. أدنى.. أدنى مثقال ذرة من إيمان، ويخرج الله أقوامًا لم يعملوا خيرًا قط بغير شفاعة من شافعين بل برحمة أرحم الراحمين سبحانه، لكن بعد أن طهروا ونقوا من ذنوبهم.
حتى لا يبقى في النار إلا من كان خصمه القرآن.
والذي نعتقده في الشفاعة لأهل الذنوب، وأهل زيادة الثواب: أنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، وهو سبحانه لا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله، قال جل وعز: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ{ [البقرة: 255] قال جل وعز: }وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى{ [الأنبياء: 28] فالشفاعة لسادة الموحدين في عصاة أهل التوحيد فلا حظ فيها لمشرك؛ وقال جل وعز: }مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ [المائدة: 72].
فيشفع الله من يشاء من خاصة أوليائه، فيمن شاء من عباده إكرامًا من الله للشافع ورحمة منه بالمشفوع له.
ونعتقد أن أعظم الناس شفاعة نبينا محمد صلى عليه وسلم، ثم إخوانه المرسلون، والنبيون عليهم الصلاة والسلام، ثم الصديقون، والعلماء العاملون، والشهداء والصالحون.
فيحبس الجميع في قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض ما بينهم من المظالم، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة وذلك تأويل قوله جل وعز: }وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ{ [الحجر: 74] .
فلا يدخل أحد الجنة، وله حق عند أحد، أو عليه حق لأحد. ونؤمن أن أول من يستفتح باب الجنة نبي الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فيفتح له لا لغيره وأول من يدخل الجنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المرسلون والنبيون، ثم تتبع كل أمة نبيها في دخول الجنة، فإذا دخلوا الجنة، ونزلوا منازلهم؛ وأخذوا أخذتهم، شفع بعضهم في بعض؛ فيشفع الأعلى في حبيبه، وصديقه ليرفع إلى منزلته ويعطى فوق ما يستحق إكرامًا من الله جل وعز للشافعين؛ وفضلاً ومنة وإحسانًا على المشفوع لهم من المؤمنين.
فيستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
فالمؤمنون فيما اشتهت أنفسهم خالدون، والكافرون في جهنم خالدون ويقال لأهل كل دار: خلود فلا موت، فيزداد المؤمنون فرحًا، ويزداد الكافرون حسرة، وترحًا.
ونؤمن أن أعظم ما يتنعم به المؤمنون.. اللهج بذكر الله جل وعز، فيلهمون التسبيح، والذكر كما يلهم الأحياء في هذه الدنيا النفس قال جل وعز: }دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [يونس: 10].
ونعتقد أن أعظم ما تلذ به أعينهم النظر إلى وجه الله الكريم، وهو الحسنى والزيادة والمزيد قال جل وعز: }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ [القيامة: 22، 23] وقال جل وعز: }عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ{ [المطففين: 23].
ونعتقد كذلك أن أعظم ما يعذب به الكفار في دار القرار الحجاب عن الله، وتصلية النار قال جل وعز: }كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ( ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ{ [المطففين: 15، 16].
ونؤمن بأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان معدتان لأهلهما الآن قال جل وعز: }وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا{ [التغابن: 9] وقال جل وعز: }أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{ وقال عن النار: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا{ [النساء: 56] وقال جل وعز: }وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{ [آل عمران: 131].
سادسًا: الإيمان بالقضاء والقدر
ونؤمن بالقدر كله حلوه، ومره، خيره، وشره، وهو سر الله جل وعز في خلقه، وتدبيره لملكوته وعباده بمقتضى علمه، وحكمته، ولطفه، ورحمته بمن يشاء، و عدله وحكمته فيمن يشاء: }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{ [الأنبياء: 23] والإيمان بالقدر يتحقق بالإيمان بالأمور التالية:
الأولى: علم الله المحيط بكل شيء:
بما كان، وما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، سواء في ذلك ما يتعلق بأفعاله، أو أفعال عباده، وما ينتهي إليه كل أمر، قال جل وعز: }لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا{ [الطلاق: 12] وقال أيضًا: }أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [البقرة: 23].
الثانية: كتابة هذا العلم في اللوح المحفوظ:
قال جل وعز: }أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ{ [الحج: 70] وقال جل وعز: }وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ{ [القمر: 52، 53].
الثالثة: مشيئته العامة:
فما شاء الله من شيء كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملك الله إلا ما شاء ، قال جل وعز: }لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [التكوير: 28، 29] وقال جل وعز: }وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ{ [الأنعام: 137] وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل».
وما يشاؤه سبحانه كونًا فإنه:
1) قد يكون محبوبًا له مرضيًا لكونه موافقًا لشرعه، ومن ذلك طاعة المطيعين قال جل وعز: }وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ{ وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» الحديث.
ب) قد يكون مكروهًا له سبحانه غير مرضي، وذلك كمعصية العاصين، قال جل وعز: }وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ{ [الزمر: 7] وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم مخبرًا عن ربه: «ويكره قيل، وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» وقال جل وعز: }وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا{ [الإسراء: 37، 38].
فما وافق الشرع فقد اجتمعت فيه الإرادتان:
الكونية القدرية التي بمعنى المشيئة العامة.
والدينية الشرعية، التي بمعنى المحبة فهو محبوب لله تعالى من جهتين هما:
1- موافقته للقدر.
2- موافقته للشرع، فيثاب المطيع على قصده، واختياره، وسعيه لامتثال الشرع.
وما خالف الشرع فقد انفردت فيه الإرادة الكونية، وتخلفت عنه الإرادة الشرعية؛ فهو مما أراده الله من جهة موافقته للقدر، ومن حكمة ذلك الابتلاء، ليميز الشاكر من الكافر، ومكروه من جهة مخالفته للشرع، وهو الذي يكون الإنسان عرضة للعقاب عليه لأنه حين قصده، وخالف الشرع مختارًا لا علم له بالقدر فلا حجة له على معصيته، فعقابه على قصده، واختياره، وسعيه فيما يخالف الشرع، وهذا كسبه الذي يرتهن به.
الرابعة: الخلق
فإن الله جل وعز خالق كل شيء، وهو الخلاق العليم؛ فلا خالق غيره كما لا رب سواه قال جل وعز: }اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{ [الزمر: 62] وقال: }بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{ [يس: 81] وقال: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{ [القمر: 49].
فائدة: لا يتم الإيمان بالقدر حتى يعلم العبد ويعتقد أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، جفت الأقلام، وطويت الصحف.
فعليه بالجد في العمل، ومجانبة العجز والكسل، والأخذ بالأسباب النافعة، وترك الأسباب الضارة، وصدق التوكل على الله جل وعز، ولن يكون إلا ما سبق به القدر، وما كان في اللوح المحفوظ مكتوبًا مستطرًا قال صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز؛ فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
ولما سئل المعصوم صلى الله عليه وسلم فقيل له: أفلا ندع العمل ونتكل على كتابنا؟ قال: «اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِقَ له» ثم قرأ: }فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ( وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{ [الليل: 5-10].
وأخيرًا: التوبة إلى الله جل وعز
ونعتقد أن التوبة النصوح من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها مقبولة من كل عبد مكلف ما لم تبلغ الروح الحلقوم في حق الشخص أو تطلع الشمس من مغربها في حق الزمن.
قال جل وعز: }فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [المائدة: 39] وقال: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ [النساء: 17] وقال جل وعز: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{ [النساء: 18] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وفي الحديث: «حتى تطلع الشمس من مغربها».
ومن حضره الموت ولم يتب فهو ظالم لنفسه، قال جل وعز: }وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [الحجرات: 11]
إذا علم هذا فليعلم أن لهذا الظالم لنفسه إذا مات على ذنوبه من غير توبة أحوال:
أ) فإن كانت ذنوبه من الصغائر فيرجى أن يكفر ذلك بصالح الأعمال كالتوحيد، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والصلة ونحوها مما جاء به الخبر أنه تغفر به الخطايا وتكفر به الذنوب.
ب) وإن كانت ذنوبه من الكبائر التي دون الشرك كالقتل، والزنا، والربا، والرشوة، والغيبة، والنميمة، ونحوها من غير استحلال لها؛ فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه على قدر ذنبه، ثم يكون مآله إلى الجنة }وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49].
ج) وإن كانت الذنوب من المكفرات المخرجة من الملة كالشرك الأكبر، واستحلال ما عَلِمَ بالضرورة من الشرع تحريمه، وجحد ما عَلِمَ من الشرع وجوبه، والسحر، والاستهزاء بالله، ورسوله، ودينه، ونحو ذلك فهذه ذنوب مُكَفِّرة تحبط العمل وتمنع مغفرة الله جل وعز، وتحرم الجنة على من وقعت منه ولم يتب، ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار.
تم الكلام وربنا محمود | وله المكارم والعلى والجود |
قلت:
هذا ما ندين الله به، نقوله ونعتقده ونعمل بمقتضاه، ونبرأ مما خالفه، وهو الزاد للمعاد، نشهد به، ونَرِدُ على الله به؛ نموت عليه.
ونوالي عليه، ونعادي عليه..
نبرأ إلى الله مما سواه.
هذه هي عقيدتي يا سائلي..
هذه هي زادي في معادي..
فخذها باردة مبردة، لك غنمها، وعلي غرمها..
دبجتها بين يديك.. وأبرزتها لكل سائل وناصح..
أشهد عليها الله.. فهو خير شاهد..
قاله بلسانه، وكتبه ببنانه، واعتقده بجنانه
وعملت به جوارحه وأركانه
راجي رحمة ربه وعفوه وغفرانه
محمد بن سرار بن علي آل دغيش اليامي
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه آمين
12/1/1421 هـ
في رياض نجد حرسها الله من كل سوء، وعَمَّرَهَا بطاعته.