الوصف المفصل
- تأصيل ترجمة
السنة والسيرة النبوية من خلال القواعد الفقهية
- المقدمة
- المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد([7])
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة([44])
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه
- تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
- الخاتمة.
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال القواعد الفقهية
إعداد
الدكتور سعيد بن حسين القحطاني
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، فإن للترجمة أهمية بالغة ودوراً بارزً في حياة الشعوب؛ خصوصاً في هذه العصر الذي اتسع فيه مجال الاتصال بين الناس، وأصبحت الترجمة أعظم الوسائل في نقل العلوم والثقافات من شعب لآخر، ولم تقتصر الترجمة على مجال معين، بل شملت جميع المجالات من سياسة واقتصاد ودين وتقنية وأدب وغيرها.
وتظهر أهمية الترجمة وخطرها في ترجمة العلوم الدينية خاصة؛ إذ يتسابق أهل الكفر والباطل في ترجمة عقائدهم ونشرها بين الناس، وهنا يصبح الواجب على المسلمين أكبر في المبادرة إلى ترجمة عقيدتهم وعلوم دينهم ونشرها بين الناس؛ فهم أصحاب الدين الحق، الناسخ لجميع الديانات، قال تعالى: }هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ ([1])، ودينهم عام للناس جميعاً بجميع لغاتهم وأجناسهم، قال تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا {،([2]) كما أن المسلمين مطالبون بنشر هذا الدين بين الناس، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ{([3])، وقال تعالى: } كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{ ([4]).
ومن جهة أخرى فإن كثيراً من المسلمين لا يعرفون اللغة العربية، وليس لديهم القدرة على تعلمها، وهم في حاجة إلى ترجمة العلوم الشرعية إليهم لتفقهوا في دينهم ويعبدوا الله على بصيرة.
ولأهمية الترجمة في إبلاغ هذا الدين استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ روى البخاري في صحيحه معلقًا عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبتُ للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه([5]).
وإذا كانت ترجمة العلوم الشرعية مهمة، فإن أهمها – بعد ترجمة معاني القرآن وتفسيره - ترجمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهي المفسرة للقرآن والمبينة للأحكام، من اعتصم نجى، ومن تمسك بها هُدي إلى صراط مستقيم. ومن المهم أيضاً ترجمة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان أخلاقه العظيمة وصفاته النبيلة وما كان يدعو إليه الرحمة والعدل والإحسان.
ولأهمية ترجمة السنة والسيرة النبوية اخترت الكتابة في التأصيل لها من خلال القواعد الفقهية؛ لأني لم أجد من اعتنى بالتأصيل من هذا الجانب، ولأن التأصيل من خلال القواعد الفقهية مهم؛ فهي تعطي تصوراً عاماً عن مقاصد الشريعة وأسرارها، والتأصيل من خلالها يكون منضبطاً لا تناقض فيه، قال القرافي رحمه الله: ((والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه... وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويُعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتُكشف... ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان))([6]).
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة.
أما المقدمة: فقد ضمنتها: الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطة البحث.
وأما المباحث فهي:
المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد.
المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال.
المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان.
المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً.
المبحث السادس: قاعدة العمل المتعدي أفضل من القاصر.
المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه.
وأما الخاتمة: فقد أشرت فيها إلى ما توصلت إليه من نتائج خلال هذه البحث.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله لي ذخراً يوم الدين، وأن ينفع به من كتبه، أو اطلع عليه.
المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد([7])
الشرح:
هذه القاعدة أصل عظيم في الشرع، تتضمن عدة قواعد، منها قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ([8]) ويُعبّر عنها بلفظ: (كل ما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب) ولفظ: (كل لا ما يُتوصل إلى المطلوب إلا به فهو مطلوب)([9]) .
ومعنى القاعدة: أن التكليف نوعان: أحدهما: مقصود في نفسه، متضمن للمصالح والمفاسد. والثاني: وسائل إلى المقاصد؛ أي طرق مفضية إليه. وحكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من المقاصد، فوسيلة الواجب واجبة([10]) ؛ فإذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بشيء كان أمراً به، وبما لا يتم إلا به؛ لأن الذي شرع الأحكام عليم حكيم، يعلم ما يترتب على ما حكم به على عباده من لوازم وشروط ومتممات([11]) .
ومن جهة أخرى فإن الوسائل تتفاوت في الفضل بحسب تفاوت المقاصد؛ فالوسيلة إلى أفضل المقاصد تعتبر أفضل المقاصد، كما أن الوسيلة إلى أقبح المقاصد تعتبر أقبح الوسائل([12]) .
الأمثلة:
فروع هذه القاعدة وأمثلتها كثيرة منها:
1- المشي إلى الصلاة، ومجالس الذكر، وصلة الرحم، واتباع الجنائز، وغير ذلك من العبادات: المشي إليها داخل في العبادة؛ لأنه وسيلة إليها([13]) .
2- إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب لزمه أن يغسل الثوب كله([14])؛ لأن اجتناب النجاسة واجب، ولا يحصل إلا بغسل الثوب كله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3- إذا اشتبهت عليه زوجته بالأجنبية وجب عليه الكف عن الجميع؛ لأن الكف عن الحرام –وهو وطء الأجنبية- واجب، ولا يحصل إلا بالكف عن زوجته، فيحرم عليه قربانها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب([15]) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
يظهر التأصيل من طريقين:
الطريق الأول: التأصيل بالنظر إلى سمو المقاصد والوسائل وفضلها. وهو على وجهين:
الوجه الأول: ذكر ابن سعدي رحمه الله من فروع هذه القاعدة ((أن العلوم الشرعية قسمان: أحدهما: مقاصد، وهي علم الكتاب والسنة. والثاني: وسائل إليها، مثل علوم العربية بأنواعها؛ فإن معرفة الكتاب والسنة وعلومهما تتوقف أو يتوقف أكثرها على معرفة علوم العربية، ولا تتم معرفتهما إلا بها، فيكون الاشتغال بعلوم العربية لهذا الغرض تابعاً للعلوم الشرعية))([16]) .
وكلامه رحمه الله فيمن يتكلم العربية، أما الأعاجم فإن وسيلتهم إلى معرفة الكتاب والسنة لا تتحقق إلا بالترجمة.
وإذا كان معرفة الكتاب والسنة من أعظم المقاصد، فإن الوسائل المفضية إليها –ومنها الترجمة- من أعظم الوسائل وأفضلها.
الوجه الثاني: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره والاهتداء بهديه والتأسي به من أعظم المقاصد، قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{([17])، وكل وسيلة مفضية إلى إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره تُعد من أعظم الوسائل وأفضلها، ووسيلة الأعاجم إلى هذا المقصد العظيم هي الترجمة.
الطريق الثاني: التأصيل من خلال قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهو على وجهين: وجه متعلق بالمسلمين، وآخر متعلق بالكفار.
الوجه الأول: أما ما يتعلق بالمسلمين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)([18]) ، والمراد بالعلم الواجب في هذا الحديث هو العلم بأمر الله ونهيه؛ فيجب على المسلم أن يعلم أمر الله ليمتثله، مثل وجوب الصلاة والصيام ونحو ذلك. كما يجب عليه أن يعلم نهي الله ليجتنبه، مثل حرمة الزنا والقتل والسرقة ونحو ذلك([19])، وكل عمل إذا كان واجباً على المسلم كان تعلمه واجباً، ومن أقدم على عمل وجب عليه معرفة ما يتعلق به من أحكام شرعية،
قال القرافي رحمه الله: ((الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضاً في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه؛ فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله في القراض، ومن صلّى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال))([20]).
وهذا العلم الواجب لا يتأتى ولا يتم في حق المسلمين الأعاجم إلا بالترجمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الوجه الثاني: أما ما يتعلق بالكفار؛ فإن الإسلام دين للناس جميعاً كما قال الله تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ([21]){ والواجب على المسلمين إبلاغ الكفار دعوة الإسلام على وجهها الصحيح بلاغاً يقطع العذر ويقيم الحجة عليهم، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ{ ([22]).
كما أن من الواجب على المسلمين إبطال شبهات الكفار، ودفع باطلهم، ورد إساءتهم وطعنهم في الإسلام.
وكل هذه الواجبات لا تتم إلا بالترجمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وعليه فقد وجب على المسلمين ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، وترجمة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وبيان محاسن الإسلام؛ لتبلغهم الدعوة على وجهها الصحيح، ويعرفوا الإسلام على حقيقته.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: ((وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل؛ لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية؛ لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))([23]).
وقال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: ((أما بالنسبة إلى ولاة الأمر ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، ويجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية ويغيرها))([24]).
وقال رحمه الله في قوله تعالى: } كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{ ([25]) قال: ((وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا لا يعرفون معناه، ولا يفهمون مراد الله منه؟ فعُلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها))([26]) .
المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال
الشرح:
هذه القاعدة إحدى القواعد الكلية الكبرى([27])، وهي قاعدة عظيمة يُبنى عليها كثير من أبواب الفقه ومسائل لا تكاد تُحصى([28]) . وأصل هذه القاعدة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار))([29]).
ومعنى (الضرر يُزال) أي تجب إزالته؛ لأن الإخبار في كلام الفقهاء للوجوب، فيجب رفع الضرر وإزالته بعد وقوعه([30]). والمراد بالضرر الذي يُزال هو الضرر غير المأذون فيه شرعاً، أما الضرر المأذون فيه شرعاً فلا يدخل في هذه القاعدة؛ مثل القصاص والحدود وسائر العقوبات والتعازير([31]).
الأمثلة: فروع هذه القاعدة وأمثلتها كثيرة جداً منها:
1- ينبني على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيارات، وضمان المتلفات، ودفع الصائل، وقتال المشركين والبغاة، ونصب الأئمة والقضاة، وغير ذلك([32]).
2- إذا سلط إنسان ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين فإنه يُزال([33]).
3- ((لا يجوز لأحد أن يهدم حائط غيره، وإن هدمه فلا يجوز للآخر أن يهدم حائطه مقابلة لذلك، بل عليه أن يرفع الأمر إلى الحاكم))([34]).
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الضرر واقع على كثير من المسلمين الأعاجم؛ فهم يجهلون كثيراً من أحكام الشرع، كما يجهلون كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وسيرته، مما جعلهم يتخبطون في ظلمات الجهل؛ فلا يعرفون -في كثير من الأحيان- الحلال من الحرام، ولا السنة من البدعة، ولا التوحيد من الشرك، والسبب في ذلك أنهم لم يصلهم العلم الشرعي بلغة يفهمونها، ولا سبيل إلى إزالة هذا الضرر عنهم إلا بترجمة الأحكام الشرعية، وتفسير القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته إلى لغاتهم.
الوجه الثاني: حوت بعض ترجمات سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته كثيراً من الأخطاء العقدية؛ كتأويل الصفات أو تحريفها، أو تحسين البدعة، أو الدعوة إلى التشيع، أو إنكار بعض ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تخالف العقل بزعهم، ونحو ذلك. كما حوت كثيراً من الأخطاء الفقهية؛ كتتبع الرخص وإن خالفت الدليل الصريح الصحيح.
وضرر هذه الترجمات عظيم وخطير على دين هؤلاء المترجَم لهم، وهذا الضرر يجب أن يُزال، ولا سبيل إلى إزالته إلا بالترجمة ترجمة صحيحة مبنية على كتاب الله ﷻ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة، توضح الحق وترد على أهل الباطل.
ولا شك أن إظهار الحق للناس، وإزالة ضرر أهل البدع والأهواء من أفضل الأعمال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومثل أئمة البدع من أهل المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين... ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً))([35]).
الوجه الثالث: كثُر في هذا العصر هجوم الكفار الأعاجم على الإسلام وطعنهم فيه، ونيلهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا ضرر عظيم؛ فهو يقلب الحقائق ويشوه صورة الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخلاقه، ويشوش على بعض المسلمين الأعاجم دينهم ويجعلهم في حيرة من أمرهم، وقد يصدقون باطل هؤلاء الكفار.
وهذا الضرر العظيم يجب أن يُزال، ولا سبيل إلى إزالته إلا بالترجمة ترجمة تظهر الحق، وتبرز محاسن الإسلام، وترد على المفترين، وتبين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وسيرته وأخلاقه.
المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان
الشرح:
هذه القاعدة من القواعد المتفرعة عن القاعدة السابقة (الضرر يُزال)([36])، والفرق بينهما: أن قاعدة (الضرر يُزال) تفيد وجوب دفع الضرر بعد وقوعه، أما قاعدة (الضرر يدفع بقدر الإمكان) فتفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه، فإن أمكن دفعه بالكلية وإلا فبقدر الإمكان([37]). وهذه القاعدة من باب سد الذرائع، ومن باب الوقاية خير من العلاج([38]).
ومستند هذه القاعدة هو مستند سد الذرائع، وسد الذرائع أصل عظيم في الدين، قال ابن القيم: ((وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه. والثاني: وسيلة إلى المقصود. والنهي نوعان: أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه. والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة. فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين))([39]).
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- شرع الإسلام خيار الشرط لدفع الضرر؛ لحاجة بعض المشترين إلى الاستشارة والتروي قبل البت([40]) .
2- شرع الإسلام حق الشفعة لدفع الضرر المتوقع على الجار([41]) .
3-شرع الإسلام الحجر على المدين المفلس منعاً للضرر على الدائنين([42]) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة مقارب لما ذُكر في القاعدة السابقة (الضرر يُزال)، إلا أن الفرق هنا أن بعض المسلمين الأعاجم لم تصلهم الترجمات الباطلة بعْدُ، وهذه الترجمات قد تصلهم في أي وقت، والواجب حينئذ أن ندفع ضرر هذه الترجمات قبل وصولها إليهم ووقوع الضرر عليهم، ولا يكون ذلك إلا بالمبادرة إلى إيصال الترجمات الصحيحة إليهم قبل أن تنحرف عقائدهم أو يفسد دينهم، خصوصاً في هذا العصر الذي يسابق فيه أهل الباطل لنشر باطلهم، وقد قال الفقهاء: المنع أسهل من الرفع([43]) . فغرس العقيدة الصحيحة في النفوس ابتداءً أسهل من نزع العقيدة الباطلة منها؛ والوقاية من المرض قبل وقوعه أسهل من علاجه بعد الوقوع.
المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة([44])
الشرح:
هذه القاعدة متفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى (المشقة تجلب التيسير)([45]).
والضرورة: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، وإذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران. أما الحاجة: فهي المفتقَرُ إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق، وإذا لم تراع دخل على المكلفين الحرج والمشقة([46]).
ومعنى القاعدة: أن التسهيلات التشريعية الاستثنائية لا تقتصر على الضرورة الملجئة فقط، بل إذا كانت هناك حاجة عامة لمجموع الناس، أو خاصة لفئة من الناس فإنها تنزل منزلة الضرورة في جواز الترخص لأجلها([47]).
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- الإجارة عقد على منافع معدومة حال العقد، والعقد على معدوم لا يجوز، ومع ذلك جازت الإجارة لعموم الحاجة([48]).
2- الجعالة عقد على مجهول، والعقد على مجهول لا يجوز، ومع ذلك جازت الجعالة لعموم الحاجة([49]).
3- يجوز النظر في بعض الحالات إلى مالا يجوز النظر إليه؛ مثل المداواة، والنظر إلى المرأة المخطوبة([50])
.
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة واضح جلي؛ فحاجة الأعاجم -مسلمين وكفار- إلى معرفة أحكام الإسلام ورسالته ملحّة، وقد مثّل الشيخ صالح السدلان لهذه القاعدة بقوله: ((ومن الأمثلة على هذه القاعدة أيضاً: أنه يجوز ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية؛ نظراً لحاجة الناس إلى معرفة أحكام الإسلام ورسالته العامة للبشرية جمعاء))([51]). وما ذكره الشيخ من ترجمة معاني القرآن ينطبق على ترجمة السنة والسيرة النبوية.
وقال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: ((ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولاسيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته؛ فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك))([52]).
والتأصيل من خلال هذه القاعدة مبني على أن ترجمة العلوم الشرعية من الحاجيات في الجملة، وإلا فإن ترجمة بعض العلوم الشرعية يدخل في باب الضروريات؛ مثل العلوم الواجب على كل مسلم تعلمها، ومثل الرد على أهل الباطل، ومثل إقامة الحجة على الكفار بإيصال الدعوة إليهم على وجهها الصحيح، كم مر في قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد).
المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً
الشرح.
هذه القاعدة عند الحنفية([53])، وإن كان معناها في الجملة متفق عليه، والمراد بهذه القاعدة: أنه إذا كان أحد المتداعيين أو كلاهما، أو الشهود أو بعضهم لغتهم غير لغة القاضي، فإن على القاضي أن يعتمد ترجماناً يترجم له الكلام. وقولهم: مطلقاً. أي يقبل قول المترجم الواحد في جميع أنواع الدعاوى والبينات([54]). وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد بن الحسن: يشترط في المترجم ما يشترط في الشهود من العدد([55]).
والفقهاء من جميع المذاهب متفقون على أن على القاضي عند الحاجة أن يتخذ مترجماً يترجم كلام الخصوم والشهود. واختلفوا بعد في جواز الاكتفاء بمترجم واحد أو هل يشترط في المترجم ما يشترط في الشهود من العدد؟([56]).
وقد بوب البخاري لهذا الموضوع بقوله: ((باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟))([57]).
الأمثلة:
مثال هذه القاعدة واضح؛ وهو أنه يُقبل قول المترجم الواحد في جميع أنواع القضايا والبينات([58]).
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة واضح جلي؛ فإذا كانت الترجمة مطلوبة في باب القضاء لحفظ مصالح الناس الدنيوية، فإن ترجمة العلوم الشرعية مطلوبة من باب أولى؛ لأن فيها حفظ مصالح الناس الدينية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم من حاجة المريض إلى الطب؛ فإن آخر ما يقدّر بعدم الطب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتاً لا تُرجى الحياة معه أبداً، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبداً))([59]).
المبحث السادس: قاعدة العمل المتعدي أفضل من القاصر([60])
الشرح:
معنى هذه القاعدة: أن الثواب يتناسب مع شيوع الخير وانتشاره وكثرة المستفيدين منه؛ فإذا كان الفعل يتعدى صاحبه إلى غيره كان ثوابه أكثر من الفعل الذي يقتصر أثره على صاحبه فقط([61]).
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأصل في كثرة الثواب وقلته مبينة على كثرة المصلحة من الفعل وقلتها([62])، لا على التعدي والقصور. وذهب آخرون إلى الجمع بين القولين فقالوا: اتباع خير الخيرين مطلوب([63]). فمتى ما كان الفعل أفضل من غيره كان مقدماً عليه.
وعلى كل حال فإن المثالين اللذين سيُذكران تنطبق عليهما جميع الأقوال السابقة، والتأصيل من خلال القاعدة مبني على هذين المثالين.
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- قال الشافعي: ((طلب العلم أفضل من صلاة النافلة))([64]).
2- للقائم بفرض الكفاية مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة([65]).
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة يظهر من وجهين مبنيين على المثالين السابقين.
الوجه الأول: قيام القادر بالترجمة أفضل من انشغاله بنوافل العبادات؛ لأن نفع التعبد قاصر على المتعبد ومصلحته مقصورة عليه، أما الترجمة فإن المصالح المترتبة عليها عظيمة ونفعها متعد إلى الأعاجم سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، أما الكفار فدعوتهم إلى الإسلام، وبيان محاسنه لهم، وإقامة الحجة عليهم. وأما المسلمون ففي الترجمة نشر العلم الشرعي بينهم وتبصيرهم بأمور دينهم، وإرشادهم إلى المعتقد الصحيح، وتزداد مصالح الترجمة ويتعدى نفعها أكثر في هذا العصر على وجه الخصوص؛ نظراً لكثرة المسلمين الأعاجم، وعدم اهتمامهم بتعلم اللغة العربية، وكثرة دعاة الباطل الذين ينشرون باطلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين))([66]).
الوجه الثاني: وأما التأصيل على المثال الثاني؛ وهو أن للقائم بفرض الكفاية مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة. فإن الأمة مطالبة ببيان الدين وإظهاره للناس ودعوتهم إليه، وتعليم المسلمين أمور دينهم، بكافة لغاتهم. كما مر في قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد).
وواجب الترجمة هنا على الكفاية، فإذا قام به البعض كان لعمله مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة.
المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه
الشرح:
لهذه القاعدة ألفاظ أخرى مثل: (إذا تعذر الأصل يُصار إلى البدل) و (يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده)([67]).
وهذه القاعدة مبينة على رفع الحرج ودفع المشقة؛ فإذا تعذر فعل الأمر الأصلي، أو وُجدت مشقة وجهد في القيام به، أو لا تتحقق المصلحة المرجوة من الأمر به، فإن الشرع سوّغ الانتقال منه إلى البدل الذي يقوم مقامه ويسد مسده ويحقق المصلحة المقصودة([68]).
الأمثلة.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- لو أبدل نصاباً من أموال الزكاة بنصاب من جنسه بنى على حول الأول عند الحنابلة([69]).
2- إذا تعذّر استعمال الماء في الطهارة قام التيمم مقامه([70]).
3- لو عقد الإجارة على شهر، فإن وقع في ابتداء الشهر اعتبر الهلال؛ لأنه الأصل، وإن عقد في أثناء الشهر تعذر اعتبار الأصل وهو الهلال، فيُصار إلى البدل وهو الأيام، ويكون الشهر ثلاثين يوماً. وكذلك الكلام في العدة والبيع([71]).
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل يتضح من خلال النظر في نصوص الشرع، وهي على قسمين:
القسم الأول: نصوص مقصود منها اللفظ والمعنى ووضعت للإعجاز؛ مثل القرآن الكريم. وهذه القسم يمتنع فيه قيام أي لغة مقام اللغة العربية. وعليه لا تجوز الترجمة الحرفية للقرآن، وإن جاز ترجمة معانيه.
القسم الثاني: نصوص المقصود منها المعنى دون اللفظ، وهذه النصوص يجوز قيام أي لغة مقام اللغة العربية فيها، وترجمة هذا النوع جائزة باتفاق أهل الإسلام([72])، مثل سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا تعذّر الاستفادة من الأصل وهي اللغة العربية، ولم يحصل المقصود منها؛ وهو تعليم الناس أمور دينهم، ودعوة الكفار إلى الإسلام، تعين الانتقال إلى البدل وهو اللغات الأخرى.
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في ترجمة خطبة الجمعة: ((إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب باللغة العربية تسابقاً إلى تعلمها وحرصاً عليها، فإن المقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطبة باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع))([73]).
الخاتمة.
مما تقدم بحثه وبيانه يمكن إبراز النتائج الآتية:
1- من خلال قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد) تبين أن ترجمة السنة والسيرة النبوية من أعظم الوسائل وأفضلها؛ لأنها وسيلة إلى مقصد عظيم، وهو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره والاهتداء بهدية. كما أنها وسيلة لنشر سنته صلى الله عليه وسلم وسيرة بين الناس أجمعين.
2- كما ظهر من خلال قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) أن من العلوم الشرعية ما هو واجب على كل مسلم، كما أن من الواجب على المسلمين إبلاغ الكفار دعوة الإسلام بلاغاً يقطع العذر ويقيم الحجة عليهم، ودحض شبههم، ودفع باطلهم، ورد إساءتهم وطعنهم في الإسلام. وكل هذه الواجبات لا تتم في حق الأعاجم إلا بالترجمة.
3- وتبين من خلال قاعدة (الضرر يُزال) أن ضرر الجهل بالدين واقع على كثير من المسلمين الأعاجم؛ لعدم معرفتهم باللغة العربية، يُضاف إليه ضرر أعظم وهو ما يصلهم من ترجمات باطلة محرفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وضرر ثالث: وهو كثرة هجوم الكفار على الإسلام وطعنهم فيه ونيلهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الإضرار تُجب أن تزال؛ وسبيل إزالتها هو ترجمة السنة والسيرة النبوية ترجمة صحيحة تنير الطريق، وترشد إلى الحق، وترد على المبطلين.
4- كما أن على أهل السنة والجماعة أن يبادروا إلى إيصال الترجمة الصحيحة لسنة وسيرة النبوية إلى من لم تنحرف عقيدته ولم تصله الترجمات الباطلة بُعد؛ لأن المنع أسهل من الرفع، والوقاية أسهل من العلاج. وهذا ما تأصلّه قاعدة (الضرر يدفع بقدر الإمكان).
5- وتبين من خلال قاعدة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) أن ترجمة السنة والسيرة النبوية من الضروريات؛ فهي إما ضرورية بنفسها كالعلم الواجب على كل مسلم، ودعوة الكفار وتبليغهم، وأما حاجية تُنزل منزلة الضروري؛ نظراً لعمومها في الأعاجم وشدة الحاجة إليها.
6- وترجمة السنة والسيرة النبوية أولى من ترجمة ما يتعلق بالأمور الدنيوية؛ كالترجمة كلام الشهود أو الخصوم عند القاضي. وهذا ما تأصله قاعدة (يُقبل قول المترجم مطلقاً).
7- وتبين من خلال قاعدة (العمل المتعدي أفضل من القاصر) أن الاشتغال بترجمة السنة والسيرة النبوية من أفضل الطاعات وأجل القربات؛ لأن نفعها متعد إلى الغير، والمصالح المترتبة عليها عظيمة؛ كنشر العلم الشرعي، والإرشاد إلى المعتقد الصحيح، ودعوة الكفار إلى الإسلام. وتزداد المصلحة ويتعدى نفع الترجمة في هذا الوقت على وجه الخصوص؛ نظراً لكثرة المسلمين الأعاجم، وعدم اهتمامهم بتعلم اللغة العربية، وكثرة دعاة الباطل الذين ينشرون باطلهم.
8- وتبين من خلال قاعدة (الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه) أن المقصود من السنة والسيرة النبوية المعنى دون اللفظ، وإذا لم يحصل المقصود باللغة العربية قام بدلها من اللغات الأخرى مقامها.
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع.
الأشباه والنظائر – تاج الدين عبدالوهاب بن علي السبكي (ت771هـ) – تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد عوض – دار الكتب العلمية - بيروت – الطبعة الأولى 1411هـ.
الأشباه والنظائر – زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم (ت970هـ) – تحقيق محمد مطيع الحافظ – دار الفكر - دمشق – تصوير عن الطبعة الأولى 1403هـ.
الأشباه والنظائر – محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل (ت716هـ) – تحقيق ودراسة الدكتور أحمد بن محمد العنقري – مكتبة الرشد - الرياض – الطبعة الأولى 1413هـ.
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية – جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (ت911هـ) – تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي – دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة الأولى 1407هـ.
أصول في التفسير – الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ضمن تفسير القرآن الكريم (الفاتحة والبقرة) – إشراف مؤسسة ابن عثيمين الخيرية – دار ابن الجوزي – الدمام –الطبعة الأولى 1423هـ.
إعلام الموقعين عن رب العالمين – شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ) – تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد – المكتبة العصرية – بيروت – طبعة عام 1407هـ.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – شمس الدين محمد عرفة الدسوقي (ت1230هـ) – دار الفكر.
الرسالة – الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) – تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر – مكتبة دار التراث – القاهرة – الطبعة الثانية 1399هـ.
روضة الطالبين وعمدة المفتين – محي الدين بن شرف النووي (ت676هـ) – إشراف زهير الشاويش – المكتب الإسلامي – بيروت ودمشق – الطبعة الثانية 1405هـ.
سنن ابن ماجه – الإمام محمد بن يزيد ابن ماجه (ت303هـ) – مطبوع مع موسوعة الحديث الشريف بإشراف معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – دار السلام للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى 1420هـ.
سنن البيهقي الكبرى – الحافظ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت458هـ) -تحقيق محمد عبدالقادر عطا – مكتبة دار الباز – مكة المكرمة – طبعة عام 1414هـ.
سنن الدارقطني – الحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) – تحقيق السيد عبدالله هاشم يماني – دار المعرفة – بيروت – طبعة عام 1386هـ.
شرح القواعد الفقهية – الشيخ أحمد بن الشيح محمد الزرقا – دار القلم – دمشق – الطبعة السادسة 1422هـ.
صحيح البخاري – الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، مطبوع مع موسوعة الحديث الشريف بإشراف معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – دار السلام للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى 1420هـ.
صحيح سنن ابن ماجه – الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – المكتب الإسلامي – بيروت – الطبعة الأولى 1407هـ.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – جمع وترتيب أحمد بن عبدالرزاق الدويش – دار العاصمة – الرياض – الطبعة الأولى 1416هـ.
الفروق – شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي (ت 684هـ) – عالم الكتب – بيروت.
القواعد – الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن رجب (ت795هـ) – دار الفكر.
القواعد – محمد بن محمد بن أحمد المقري (ت758هـ) – تحقيق ودراسة أحمد بن عبدالله بن حميد – مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى – مكة المكرمة.
قواعد الأحكام في مصالح الأنام – عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام (ت660ه) – دار المعرفة – بيروت.
القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها- الدكتور صالح بن غانم السدلان – دار بلنسية – الرياض – الطبعة الثانية 1420هـ.
القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة – الدكتور محمد مصطفى الزحيلي – دار الفكر – دمشق – الطبعة الأولى جمادى الثانية 1427هـ.
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة – عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت1376هـ) – مكتبة ابن تيمية – القاهرة – الطبعة الأولى 1413هـ.
كتاب القواعد – أبو بكر بن محمد المعروف بتقي الدين الحصني (ت829هـ) – دراسة وتحقيق الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الشعلان – مكتبة الرشد – الرياض – الطبعة الأولى 1418هـ.
كتاب المبسوط – شمس الدين السرخسي (ت490هـ) – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1414هـ.
المجموع المذهب في قواعد المذهب – الحافظ صلاح الدين خليل كيكلدي العلائي (ت761هـ) – دراسة وتحقيق الدكتور مجيد علي العبيدي والدكتور أحمد خضير عباس – المكتبة المكية – مكة المكرمة – طبعة عام 1425هـ.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد – مكتبة ابن تيمية – القاهرة.
المدخل الفقهي العام – مصطفى أحمد الزرقا – دار القلم – دمشق – الطبعة الثانية 1425هـ.
المستدرك على الصحيحين – الحافظ محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) – تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الاولى 1411هـ.
مسند الإمام الشافعي - الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) – دار الريان للتراث – القاهرة – الطبعة الأولى 1408هـ.
المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – موفق الدين محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة (ت620هـ) – دار الفكر – بيروت – الطبعة الأولى 1405هـ.
المنثور في القواعد – بدر الدين محمد بن بهادر المعروف بالزركشي (ت749هـ) – تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1421هـ.
الموافقات في أصول الأحكام – الحافظ أبو إسحاق الشاطبي (ت970هـ) – تعليق محمد حسنين مخلوف – دار الفكر.
الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الخامسة 1422هـ.