×
مائة فائدة مهمة في حديث لحبر الأمة: قال المُصنِّف - وفقه الله -: «فقد ألف كثير من أهل العلم العديد من المؤلفات التي تُبنى على حديث واحد، فاستخرجوا فوائده، وذلك لما اشتملت عليه هذه الأحاديث من الكنوز والفوائد، وقد شغَفَني فترة من الزمان جمع فوائد حديث حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في قصة مبيته في بيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي خالة عبد الله بن عباس، فكلما قرأتُ الحديث وجدت فيه من الفوائد غير ما مرَّ منها، فعزمتُ على أن أجمع فوائد هذا الحديث من تراجم الأئمة ومن شروح كتب السنة، وأضفتُ إليها بعقلي المحدود ما رأيتُ أنه فائدة... وكل ما جمعتُه من الفوائد في هذا الحديث فوائد فقهية، وإلا لو جمعتُ الفوائد اللغوية وغيرها لطالَ بنا المقام».

 مائة فائدة مهمة في حديث لحبر الأمة: قصة مبيت ابن عباس عند النبي صلى الله عليه وسلم

محمد بن حسن البلقاسي


بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فقد ألف كثير من أهل العلم العديد من المؤلفات التي تبني على حديث واحد، فاستخرجوا فوائده، وذلك لما اشتملت عليه هذه الأحاديث من الكنوز والفوائد، وقد شغفني فترة من الزمان جمع فوائد حديث حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في قصة مبيته في بيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي خالة عبد الله بن عباس، فكلما قرأت الحديث وجدت فيه من الفوائد غير ما مر منها، فعزمت على أن أجمع فوائد هذا الحديث من تراجم الأئمة ومن شروح كتب السنة، وأضفت إليها بعقلي المحدود ما رأيت أنه فائدة. وحتى يتم المقصود فقد استدللت على فوائد الحديث بما يشهد له في بعض المواضع، ولم أستقص كل طرق الحديث، بل جمعت من الطرق ما فيه الفوائد فقط؛ وقد تركت بعض الطرق في الصحيح لأن فوائدها مكررة، ولا أنكر أن بعض الطرق التي جمعتها فيها نكارة وضعف؛ ومع ذلك فقد استخرجت الفوائد من هذا النوع، إذا كان له شاهد من غيره من الكتاب أو السنة، وأيضًا: فإني لا أذكر الإسناد من أوله، بل أذكر من روى عن الراوي، الذي هو مدار الحديث، وذلك لاختلاف الألفاظ، فيعرف القارئ الزيادة في رواية راو والنقص في رواية آخر، مثل: رواية مخرمة عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأذكر من رواه عن مخرمة فأترجم له ترجمة في غاية الاختصار، وهكذا إلى باقي روايات الحديث، وكل ما جمعته من الفوائد في هذا الحديث فوائد فقهية،  وإلا لو جمعت الفوائد اللغوية وغيرها لطال بنا المقام.

والله أسأل أن يخرج هذا البحث نافعًا للناس، خالصًا من الإلباس، مجانبًا للالتباس، وأن يكتب لنا به الأجر يوم النشر. إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


 ترجمة مختصرة لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد بشعب بني هاشم وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان يلقب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بحبر الأمة وهو حقًا حبر بحر، وعلى الرغم من صغر سنه يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه نقل علمًا غزيرًا، وقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك في الصحاح، والمسانيد، والسنن، وغيرها؛ ففي البخاري: أن ابن عباس رضي الله عنهما وضع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءًا، فلما قضى حاجته وجد الوضوء، فقال: (من وضع هذا؟) فلما أخبر أنه ابن عباس قال (اللهم فقهه في الدين)([1]).

وكذلك ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)([2]).

وروي مرفوعًا من حديث ابن عمر (حبر هذه الأمة ابن عباس)([3]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل - عليه السلام - فقال له جبريل: إنه كائن هذا حبر الأمة فاستوص به خيرًا. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : حديث منكر تفرد به سعدان بن جعفر عن عبد المؤمن([4]).

وكان ابن عباس رضي الله عنهما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على العلم، فعن جرير بن حازم، عن يعلي بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير، فال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي - عليه السلام - من ترى؟! فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإنه كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح عليّ التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ فقال: هذا الفتي أعقل مني»([5]).

فهذا الأثر يدل على أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتحمل مسؤولية دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقام بها - رضي الله عنه - حق القيام، وثناء العلماء على علم ابن عباس رضي الله عنهما يطول به الكلام، ولكن فيما ذكرت من فضله كفاية. إذ المقصود هو التعريف به، لا استقصاء سيرته، ومن أراد الاستقصاء، فعليه بكتب التواريخ وغيرها، فإن فيها ريًا للظمآن، وشبعًا للجوعان، فاللهم ارض عنه وعن باقي الصحابة الكرام وصل وسلم على معلم البشرية وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

***

 روايات الحديث في الصحيح وغيره

[رواية مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين – وهي خالته – قال: «فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمني على رأسي وأخذ بإذني اليمني يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح»([6]).

رجال هذه الرواية:

[مالك] هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، وبعض العامة يظن أن هناك قرابة بينه وبين أنس بن مالك الصحابي، وليس بصحيح. والإمام مالك أحد أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة، أخرج له أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، واتفق الأئمة على توثيقه، ومما ورد في فضله وثناء أهل العلم عليه – من غير استقصاء – ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة»([7]). قال بن عيينة: هو مالك، وكذا قال عبد الرزاق.

عن مالك قال: «قدم علينا الزهري فحدثنا نيفا وأربعين حديثا، فقال له ربيعة: ها هنا من يرد عليك ما حدثت به أمس، قال: ومن هو؟ قال: ابن أبي عامر، قال: هات، فحدثته منها بأربعين، فقال: ما كنت أقول أنه بقي أحد يحفظ هذا غيري».

وقال عمرو بن علي عن ابن مهدي: «حدثنا مالك وهو أثبت من عبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، وإسماعيل بن أمية.

وقال الحارث بن مسكين، سمعت بعض المحدثين يقول: قد قرأ علينا وكيع فجعل يقول حدثني الثبت حدثني الثبت، فقلنا: من هو؟ قال: مالك».

وعن مصعب الزبيري قال: إني أحفظ الناس لموت مالك، مات في صفر سنة تسع وسبعين ومائة. ومالك كان ثقة مأمونًا ثبتًا ورعًا فقيهًا عالمًا حجةً. قال: وقال إسماعيل بن أبي أويس: توفي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين، وكان ابن خمس وثمانين سنة، وقال الواقدي كان ابن تسعين سنة».

مخرمة بن سليمان الوالبي المدني:

وهو من ثقات التابعين. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره بن حبان في الثقات. قال الواقدي: قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وفيه وفي غيره قالت امرأة:

ما للزمان وما ليه

أفنت قديد رجاليه ([8])

كريب مولى ابن عباس:

هو كريب بن أبي مسلم أبو رشدين. أخرج له الجماعة، وهو أشهر من روى حديث القيام عن ابن عباس رضي الله عنهما.

عن موسى بن عقبة، وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس. قال الواقدي وآخرون: مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك([9]).

***

 فوائد رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس

الفائدة الأولى: جواز نوم الصبي عند محارمه مثل خالته وعمته. قال الحافظ في الفتح ما معناه، قال: ولو كان زوجها عندها، وذلك صحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في هذه الليلة في بيت ميمومة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأخذ ذلك من قول ابن عباس رضي الله عنهما «بت عند ميمونة أم المؤمنين» وهي خالته([10]).

الفائدة الثانية: جواز نوم الصبي المميز على فراش محرمه مع زوجها مأخوذ من قوله: «فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها»([11]).

ومعنى «اضطجعت» أي نمت، وعرض الوسادة المشهور فيه فتح العين وقيل بالضم. والوسادة هي المخدة، وقيل هي الفراش، وضعفه النووي في شرح مسلم، كذا السيوطي في حاشية النسائي.

الفائدة الثالثة: من هذه العبارة أيضا مراعاة تقدير الكبير أو من له الفضل في الألفاظ، حيث قدم ابن عباس رضي الله عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللفظ حيث قال: «واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها» ولم يقل واضطجعت خالتي وزوجها، أو ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الفائدة الرابعة: حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث سمح لابن عباس رضي الله عنهما بالاضطجاع معه على فراش أهله.

الفائدة الخامسة: استحباب قيام الليل لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مأخوذ من قوله: «فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».

بعض ما ورد في الترغيب في قيام الليل من الأحاديث الصحيحة:

عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال: «لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وانجفل الناس قبله، فقالوا: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فجئت في الناس لأنظر إلى وجهه، فلما أن رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعت منه أن قال: (يا أيها الناس أطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)([12]).

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا فقال: (ألا تصليان) فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئًا، ثم سمعته وهو مولي بضرب فخده ويقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾([13]) [الكهف: 54].

وعن ابن عمر قال: كان الرجل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكنت غلامًا شابًا أعزب، فكنت أنام في المسجد، قال: فرأيت كأن ملكين أتياني، قال أحدهما للآخر: انطلق به إلى النار، قال: فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، قال، لم ترع، قال: فانطلقوا بي حتى وقفنا على النار، فإذا هي مطوية، وإذا لها قرنان كقرني البئر، قال: ورأيت فيها رجالا أعرفهم، قال: فما أصبحت غدوت على حفصة فقصصتها عليها فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -« نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل([14])» قال سالم: فكان لا ينام من الليل إلا قليلا.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، كل عقدة يضرب مكانها عليك ليل طويل فارقد ، فإذا استيقظ فإن ذكر ربه انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطًا طيب النفس ، وإن لم يفعل أصبح خبيث النفس كسلان»([15]).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)([16]).

وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ، منهاة عن الإثم)([17]).

الفائدة السادسة: استحباب النوم بعد العشاء ليكون أسمح للاستيقاظ لصلاة الليل؛ مأخوذ من قوله: (فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، كما في حديث أبي برزة الأسلمي في الصحيح وغيره، ويستثنى من ذلك ما إذا كان السمر بعد العشاء لمنفعة عامة للمسلمين، أو لطلب علم، أو سمر مع الأهل. وورد عن السلف ذلك، وفيه حديث عمر بن الخطاب قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما». قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين، قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن ([18]).

وأيضا لا يكون التهجد إلا بعد نوم الليل كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: 79] وقال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: 6] وناشئة الليل على قول بعض أهل التفسير تكون بعد النوم في أول الليل والله أعلم.

الفائدة السابعة: استحباب ابتداء صلاة الليل قبل نصف الليل بقليل، أو بعده بقليل، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الرواية على الشك ، وسيأتي من جزم بإحدى الحالتين إن شاء الله، وإن قام في ثلث الليل الآخر فأفضل لحديث أبي هريرة في نزول الله تبارك وتعالى في ثلث الليل الآخر ولفظه:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين بقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له)([19]).

سؤال؟

هل كان قيام الليل فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ الذي نجزم به أن قيام الليل مستحب في حق أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان مفروضًا ثم نسخ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ الآية [المزمل: 20]، وظاهر الآية يدل على أنه منسوخ أيضا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته.

وقد استدل بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ على أن القيام في حقه - صلى الله عليه وسلم - واجب، ولا يجب المصير إليه إلا إذا سلمنا أن هذه الآية ناسخة لآية المزمل ولا يمكن معرفة ذلك إلا بمعرفة التاريخ، ولا معرفة للتاريخ هنا، فكلتا الآيتين مكيتين والله أعلم، فالأصل أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس، وبنحو ذلك ورد عن الإمام الشافعي في أحكام القرآن ([20]) قال: واحتمل قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها منسوخ بها، استدلالاً بقول الله عز وجل ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ فإنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر، ولسنا نحب لأحد ترك التهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليًا به وكيفما أكثر فهو أحب إلينا. انتهى.

وفي المسألة نزاع، وكلام أطول من ذلك، والراجح ما رجحه الدليل ، والله تعالى أعلم.

الفائدة الثامنة: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحفاظ على طاعة الله وقيام الليل، ففيه الرد علي من زعم جواز إسقاط الفرائض عن العباد فضلاً عن النوافل، وذلك إذا وصلوا إلى درجة اليقين وهو منقول عن غلاة المتصوفة، فهذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم حتى تتفطر قدماه، فيسأل عن ذلك فيقول:« أفلا أكون عبدًا شكورًا ». فقاتل الله أئمة الضلال الذين يصرفون الناس عن الطاعة بالباطل.

الفائدة التاسعة: فيه جواز مراقبة من يقتدى بهم في أفعالهم لتعلم أفعالهم الحسنة، لفعل ابن عباس رضي الله عنهما حيث أنه حكى ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشعر به أنه مستيقظ.

الفائدة العاشرة: جواز تحمل العلم في الصغر : لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان وقت ذاك صغيرًا لم يبلغ. والدليل على ذلك حكايته عن نفسه في حجة الوداع في حديثه المشهور في السترة حيث قال: أقبلت راكبًا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. فعلم أنه وقت إذ لم يكن قد بلغ.

وقد أدى ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث وبلغه، فلم يذكر عن أحد أنه رد حديثه لأنه لم يكن إذ ذاك بالغًا، وقد أخذ العلماء من هذا الحديث العلم الجم الغفير والله تعالى أعلم.

الفائدة الحادية عشرة: قوله فجعل يمسح النوم عن وجهه، قوله يمسح النوم أي يمسح بيده عينيه، من باب إطلاق اسم الحال على المحل، أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب، ففيه جواز فعل ما يساعد الإنسان على الانتباه بعد الاستيقاظ من مسح الوجه وعرك العين وغير ذلك.

الفائدة الثانية عشرة: من قوله: «ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران» فضيلة التفكر في خلق السموات والأرض، وأثر ذلك على الخشوع في الصلاة، وزيادة الإيمان، وهذه الآيات العشر من قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 190، 191]، إلى آخر السورة.

الفائدة الثالثة عشرة: فضيلة هذه الآيات من آل عمران لقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها دون غيرها.

الفائدة الرابعة عشرة: جواز قراءة القرآن للمحدث لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تتأتى دعوى الخصوصية لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، وما ورد من المنع من ذلك فصحيح غير صريح أو صريح غير صحيح، وليس هذا محل بسط ذلك، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على جوازه والله تعالى أعلم.

الفائدة الخامسة عشرة: جواز قول سورة كذا، لقوله سورة آل عمران، خلافا لمن كره ذلك، وجعل الواجب أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، أفادها النووي رحمه الله في شرح مسلم ([21]).

الفائدة السادسة عشرة: فيه إسباغ الوضوء من قوله: «ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن الوضوء «الشن (القربة العتيقة)([22]) والإحسان يقتضي الإسباغ وقد ورد مصرحًا به في بعض الروايات كما سيأتي إن شاء الله، وإسباغ الوضوء ورد فيه عدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (   فذكر أشياء منها : إسباغ الوضوء على المكاره)([23])، وحديث اختصام الملأ الأعلى وفيه (وأما الكفارات فإسباغ الوضوء على الكريهات) وغير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان والله تعالى أعلم.

الفائدة السابعة عشرة: استحباب صلاة الليل قائمًا مأخوذ من قوله: «ثم قام فصلى»، وهو الأغلب من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسن فكان يقوم جالسًا، ومن المعلوم من الأحاديث الصحيحة أن صلاة الجالس نصف صلاة القائم، فينبغي لمن أتعب نفسه وجاهدها في قيام الليل أن لا يضيع من نفسه الأجر في صلاة الليل قائمًا إذا لم يكن من أصحاب الأعذار، أما في الفريضة فلا يصلي جالسًا إلا من عذر، والله تعالى أعلم.

الفائدة الثامنة عشرة: فيه قوة حفظ ابن عباس رضي الله عنهما لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوخيه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث صنع مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل فتوضأت مأخوذ من قوله: «فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»([24]).

الفائدة التاسعة عشرة: فيه أن الواحد يقف بجوار الإمام جنبا إلى جنب دون تأخر عن الإمام كما يفعل كثير من الناس مأخوذ من قوله: «ثم ذهبت فقمت إلى جنبه».

الفائدة العشرون: أن الفعل اليسير لا ينقض الصلاة وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على رأس ابن عباس وفتل أذنه، وفي الروايات الآتية أنه أداره ففيه فعل خارج الصلاة مأخوذ من قوله: «فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها».

الفائدة الحادية والعشرون: من نفس الجملة ملاطفة النبي - صلى الله عليه وسلم - للصغار ([25]) وفي الصحيح من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير – قال: أحسبه فطيمًا – وكان إذا جاء قال: (يا أبا عمير ما فعل النغير؟) نغر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا ([26]).

الفائدة الثانية والعشرون: استحباب صلاة الليل مثنى مثنى، وورد بذلك من حديث ابن عمر مرفوعًا (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى)([27]). مأخوذ من قوله: «فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين».

الفائدة الثالثة والعشرون: استحباب الوتر، وفي وجوبه خلاف، والراجح عدم وجوبه، مأخوذ من قوله: «ثم أوتر» هذه الرواية فيها إبهام عدد ركعات الوتر وسيأتي مزيد بيان في ذلك إن شاء الله على وجه الاختصار.

الفائدة الرابعة والعشرون: فيه كون الوتر آخر صلاة الليل، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرواية، وقوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».

الفائدة الخامسة والعشرون: جواز الاضطجاع بعد صلاة الليل ليكون أنشط لصلاة الفجر، وقد يكون ذلك مستحبًا فيمن جاءه فتور من طول صلاة الليل.

الفائدة السادسة والعشرون: فيه أن ركعتي الفجر المقصود بها سنة الفجر وليس صلاة الصبح، وقد ورد فيها من الفضائل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها)([28]).

الفائدة السابعة والعشرون: التخفيف في ركعتي الفجر وذلك من قوله: «ركعتين خفيفتين».

الفائدة الثامنة والعشرون: فيه استحباب صلاة سنة الفجر في البيت، لفعله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرواية وفي غيرها من الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن عمر: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات فذكر منها: «وركعتين قبل الفجر في بيته».

الفائدة التاسعة والعشرون: فيه أن الخروج إلى الصلاة لا يشترط فيه أن يكون عقب ركعتي الفجر، لما فيه من التراخي في الفعل، مأخوذ من قوله: «ثم خرج فصلى الصبح» والله أعلم.

الفائدة الثلاثون: أن صلاة الصبح تكون فور خروج الإمام وذلك لقوله: «ثم خرج فصلى الصبح» فالفاء تفيد التعقيب والفور.

انتهت فوائد رواية مالك عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***


 رواية عبد ربه بن سعيد عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما وما فيها من الفوائد

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نمت عند ميمونة والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها تلك الليلة، فتوضأ ثم قام يصلي فقمت على يساره فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ «قال عمرو فحدثت به بكيرًا فقال حدثني كريب بذلك.

رجال الإسناد:

عبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو التجاري الأنصاري المدني أحد الثقات الذين أخرج لهم أصحاب الكتب الستة مات سنة تسع وثلاثين وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري.

قوله: (نمت عند ميمونة) وهي أعم من رواية بت المذكورة عن مخرمة، لأن المبيت يكون بالليل ولكن قيدت هذه الرواية بقوله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها تلك الليلة ففيه من الفوائد.

الفائدة الحادية والثلاثون: قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه لقوله: «والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها تلك الليلة».

الفائدة الثانية والثلاثون: صحة صلاة الصبي مأخوذ من قوله: «ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه» فلم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة. وهذه اللفظة زيادة على رواية مالك.

الفائدة الثالثة والثلاثون: حرص الإمام على تعديل وقوف المأموم بجواره إذا كان منفردا على يمينه.

الفائدة الرابعة والثلاثون: استحباب صلاة الليل بثلاث عشرة ركعة وفيه خلاف. ومنشؤه قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما زاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أو غير رمضان على إحدى عشرة ركعة»([29]) فذهب بعض أهل العلم إلى حديث عائشة، وذهب بعضهم إلى حديث ابن عباس، ووفق بعضهم فقالوا بأن الثلاثة عشر ركعة شاملة للوتر، وقال آخرون بل كانت شاملة سنة العشاء، وزاد في رواية مخرمة السابقة تكرير الركعتين خمس مرات قال ثم أوتر، وقوله: ثم أوتر يحتمل أن يكون أوتر بركعة أو بثلاث، ثم في رواية سوف يأتي ذكرها إن شاء الله تكرير الركعتين ست مرات ثم أوتر، فذلك يدل على أن الوتر بثلاث ركعات بتسليمتين جمعًا بين الروايات ، ورواية ابن عباس رضي الله عنهما فيها زيادة على رواية عائشة رضي الله عنها ، فيجمع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أحيانًا إحدى عشرة ركعة، وأحيانا كان يصلي بثلاث عشرة ركعة، وإن كان الغالب هو الإحدى عشرة ركعة، وذلك لأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر لزومًا له من غيرهن، مع العلم أنه ورد من طريق ابن عباس رضي الله عنهما صلاة إحدى عشرة ركعة أيضًا ولكن الثلاث عشرة أكثر.

الفائدة الخامسة والثلاثون: قوله: «ثم نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ» والنفخ هو صوت تنفس النائم، فيه أن نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينقض الوضوء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)([30]) وذلك من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -.

الفائدة السادسة والثلاثون: من العبارة السابقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر يعتريه ما يعتري البشر من النوم وغيره من صفات البشرية.

انتهت رواية عبد ربه بن سعيد

***

 رواية عياض بن عبد الله الفهري عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بعثني أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فأتيته وهو في بيت ميمونة، فرقدتني على فضل وسادة، فنام حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر في السماء ثم تلا آخر سورة آل عمران ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ حتى ختمها، ثم عمد إلى شجب من ماء معلق ، فتسوك وتوضأ فأسبغ الوضوء، ولم يهرق من الماء إلا قليلا، حتى حركني فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره، فحولني عن يمينه، فجعل يقرأ وهو يفتل أذني، فصلى عشر ركعات ثم أوتر ثم نام، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة ([31]).

رجال الرواية:

[عياض بن عبد الله الفهري] ثقة أخرج له الجماعة. قال الحافظ في التقريب، مات على رأس المائة.

الفائدة السابعة والثلاثون: إرسال الصحابة الهدايا للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان مأخوذ من قوله: «بعثني أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية» وقد كان كثير منهم يتوخى نوبة أم المؤمنين عائشة لحب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها.

الفائدة الثامنة والثلاثون: إرسال الصبي المميز بالهدايا ونحوها إلى عظماء الناس وكبرائهم، لأن العباس أرسل ابنه بالهدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستصغره.

الفائدة التاسعة والثلاثون: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم شطر الليل للجزم بذلك في تلك الرواية من قوله: «فنام حتى إذا كان شطر الليل» ففيه الجزم بأن قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شطر الليل. أما رواية مالك فقد كان فيها الشك على ما تقدم بيانه.

الفائدة الأربعون: قوله: «فنام حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر في السماء» فيه جواز النظر إلى السماء ليكون أدعى إلى التفكر في آيات الله تعالى، وقوله: «ثم عمد إلى شجب معلق» الشجب خشبات ثلاث تعلق عليها الثياب وفي اللسان وقد يعلق عليها القراب لتبريد الماء، وهو الموافق لنا هنا جمعًا بين الروايتين.

الفائدة الحادية والأربعون: قوله: «فتسوك» فيه استحباب السواك قبل الوضوء ليكون أنظف للفم وأنشط في القراءة ([32])، وفي الصحيح من حديث حذيفة «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك([33])» قال الجوهري في مختار الصحاح والشوص الغسل والتنظيف([34]).

الفائدة الثانية والأربعون: أن الجماعة تنعقد بواحد مع الإمام ولو كان صبيًا مميزًا وهي مستفادة أيضًا من الروايات المتقدمة ([35]).

الفائدة الثالثة والأربعون: جواز إيقاظ الضيف للصلاة لقوله: «فحركني».

الفائدة الرابعة والأربعون: قوله: (فجعل يقرأ وهو يفتل أذني) فيه أن فتل أذن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن حال استدارته فحسب بل كان حال صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدمت فائدة أن العمل في الصلاة إذا كان قليلا لا يبطلها وغيرها من الفوائد أيضا.

وفيه من الزيادات قوله: «فأيقظه للصلاة» وهي تقتضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نائمًا كما تقدم.

انتهت رواية عياض بن عبد الله

***


 رواية الضحاك بن عثمان عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها إذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأيقظيني فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدًا فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين ([36]).

رجال الرواية:

[الضحاك هو ابن عثمان] احتج به مسلم وأصحاب السنن وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وغيرهم، وقال أبو زرعة ليس بالقوي ، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وهو صدوق. قال ابن سعد كان ثبتًا مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة، ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب.

[فيه من الزيادات] قول ابن عباس رضي الله عنهما بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها: إذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأيقظيني.

[ففيه من الفوائد]

الفائدة الخامسة والأربعون: وصية الإنسان غيره بإيقاظه إلى الصلاة إذا خشي فواتها. وهذا في النافلة ففي الفريضة أولى.

الفائدة السادسة والأربعون: استحباب القيام بإحدى عشرة ركعة، وأن ذلك لا ينافي الثلاث عشرة بل كل مستحب، مأخوذ من قوله: «فصلى إحدى عشرة ركعة» وقد تابع الضحاك على هذه الرواية سعيد ابن أبي هلال عند أبي عوانة وغيره.: وسعيد ثقة وإسناد حديثه صحيح، وأيضا تابعه غيره، وكذلك روي من غير طريقه فروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، فيحمل على تعدد مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى أعلم.

الفائدة السابعة والأربعون: جواز الاحتباء والاحتبار: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب ([37]) وذلك من قوله: «احتبى ثم اضطجع » قال النووي احتبى أولاً ثم اضطجع.

انتهت رواية الضحاك

***

 رواية سعيد بن أبي هلال عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريًبا مولى ابن عباس أخبره قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل؟ قال: «بت عنده ليلة وهو عند ميمونة، فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ، فقام إلى شن فيه ماء فتوضأ، فتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني عن يمينه، ثم وضع يده على رأسي كأنه يمس أذني يوقظني، فصلى ركعتين خفيفتين قلت قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، ثم سلم ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله فقام فركع ركعتين ثم صلى بالناس ([38])».

رجال الإسناد:

[سعيد بن أبي هلال الليثي] ثقة أخرج له الجماعة، وأخرج له البخاري حديثه عن جابر بن عبد الله معلقا، ولم يسمع من جابر، قال ذلك ابن حجر في التهذيب نقلا عن الترمذي. يقال توفي سنة خمس وثلاثين ومائة.

الفائدة الثامنة والأربعون: حرص التابعين على تعلم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابي الذي شهد الوقعة، والأمثلة على ذلك كثيرة، مأخوذ من قول كريب سألت ابن عباس رضي الله عنهما.

الفائدة التاسعة والأربعون: جواز الوضوء مع الصبيان لقوله: «فتوضأ فتوضأت معه».

الفائدة الخمسون: استحباب افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لقوله: «فصلى ركعتين خفيفتين. قلت قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم. وقد ورد غير حديث في ذلك، وفيه المتابعة لرواية الضحاك في جعل الصلاة إحدى عشرة ركعة بالوتر.

انتهت رواية سعيد بن أبي هلال

***

 رواية سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين ولم يكثر، وقد أبلغ ثم قام فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له فتوضأت، فقام فصلى، فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، وكان في دعائه« اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وعظم لي نورًا». قال كريب: وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر «عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري» وذكر خصلتين ([39]).

رجال الرواية:

[سلمة بن كهيل] هو ابن حصين بن الحضرمي أبو يحيى. أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو كوفي ثقة ثبت في الحديث، مات يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين ومائة ([40]) وهو معدود في التابعين، قال ابن المديني: لم يلق أحدًا من الصحابة إلا جندبًا وأبا جحيفة، فيكون الحديث رواية تابعي عن تابعي.

[سفيان] هو ابن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي. اتفق الجماعة على إخراج حديثه. وهو ثقة حافظ مشهور عند أهل الحديث. ولد سنة سبع وتسعين. وتوفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة ([41]) على خلاف بسيط في وفاته.

الفائدة الحادية والخمسون: استحباب غسل الوجه واليدين لمن تعرى من الليل ثم أراد النوم ([42]). من قوله: «فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام ثم قام» قوله: «ثم نام ثم قام» فيه إبهام لما في الروايات الأخر، من أن ذلك كان في وقت نصف الليل: قبله أو بعده بيسير.

قوله: «ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين ولم يكثر، وقد أبلغ» أما شناقها: قال الحافظ في الفتح بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف وهو رباط القربة: وهو تشبيه بما يشنق به.

الفائدة الثانية والخمسون: كراهية الإسراف في الماء لقوله: «وضوءًا بين وضوءين» وقد مرت فائدة إسباغ الوضوء في رواية مخرمة.

الفائدة الثالثة والخمسون: جواز التمطي خارج الصلاة مأخوذ من قوله: «فقمت فتمطيت».

أما في الصلاة فقد ذهب النخعي وسعيد بن جبير وغيرهما إلى كراهيته.

الفائدة الرابعة والخمسون: استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذن له بلال على الدواب في مسجده، سواء اشترك معه غيره كابن أم مكتوم أم لا.

الفائدة الخامسة والخمسون: استحباب الدعاء لمن قام من الليل بما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ شاهده قوله: «وكان في دعائه:« اللهم اجعل في قلب نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعم يساري نورًا، وفوق نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وأعظم لي نورًا». قال كريب وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر :« عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري »، وذكر خصلتين.

وفيه أيضا الفائدة السادسة والخمسون: فضيلة هذا الدعاء الذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن حجر في الفتح: المراد بقوله: «وسبعًا في التابوت» أراد به الصدر الذي هو وعاء القلب، وسبق ابن بطال والداودي إلى أن المراد بالتابوت الصدر، وزاد ابن بطال كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع، وقال النووي تبعًا لغيره : المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيهًا بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع. يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها، قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة، وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق، أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت... إلى آخر كلامه رحمه الله([43]).

انتهت رواية سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية شعبة عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت في بيت خالتي ميمونة، فبقيت كيف يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقام فبال، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة أو القصعة، فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين ثم قام يصلي، فجئت فقمت إلى جنبه فقمت عن يساره، قال فأخذني فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعل لي نورًا. أو قال واجعلني نورًا([44]).

رجال الرواية:

[شعبة] هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، أبو بسطام الواسطي ثم البصري. أحد فحول المحدثين ونقاد الرجال البارزين، بل قيل بأنه أول من تكلم في الرجال، أخرج له الجماعة. قال الحافظ المزي في تهذيبه: قال أبو بكر بن منجويه: مولده سنة اثنتين وثمانين، ومات سنة ستين ومائة في أولها، وله سبع وسبعون سنة.

قوله: «فبقيت كيف يصلي»([45]) هو بفتح الباء الموحدة والقاف، أي رقبت ونظرت، يقال: بقيت وبقوت بمعنى رقبت ورمقت.

قوله: «ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة أو القصعة فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءًا حسنًا بين الوضوءين».

الجفنة: بفتح الجيم وسكون الفاء: هي القصعة، وهي إناء يسع ما يشبع عشرة.

فوائد الرواية:

قوله: «ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده، اللهم اجعل في قلبي نورا» - إلى آخره.

فيه الفائدة السابعة والخمسون: وهي أن الدعاء المذكور كان في صلاة الفريضة. وقد ورد في بعض الروايات أنه كان في صلاة الليل، وورد أنه كان قبل الدخول في الصلاة، فيُجمع بين ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الدعاء قبل صلاة الليل وفيها، وفي صلاة والفجر. والله أعلم.

وفيه أيضًا الفائدة الثامنة والخمسون: وهي استحباب الدعاء في السجود عمومًا، وهذا الدعاء المذكور خصوصًا.

انتهت رواية شعبة عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية ابن أبي ليلى عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يصنع، فجاء من المسجد فأتى ناحية الدار فقضى حاجته، ثم أتى القربة فأطلق شناقها، فغسل وجهه ويديه، ثم أخذ مضجعه فمكث ما شاء الله ثم قام فأتى ناحية الدار ثم أتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، لم يكثر إهراقة الماء وقد أسبغ الوضوء، ثم أتى المسجد، قال: فصنعت كما صنع ثم جئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فمدها من خلفي، فأقامني عن يمينه، وصلى ثماني ركعات وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتين ثم قال: (اللهم اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا من بين يدي، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من تحتي ونورًا من فوقي، اللهم أعطني نورًا واجعل لي نورًا وأعظم لي نورًا)([46]).

رجال الطريق:

[ابن أبي ليلى] هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلة أبو عبد الرحمن قاضي الكوفة الفقيه. وهو ليس بالقوي في الحديث، خرّج له أصحاب السنن، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. وله ذكر في صحيح البخاري في كتاب الأحكام. ذكر ذلك الحافظ في تهذيبه والله أعلم. وهذه الرواية فيها ضعف آخر وهو وجود بقية بن الوليد في إسنادها. وأما فوائدها:

الفائدة التاسعة والخمسون: من قوله: «ثم أتى المسجد» جواز صلاة نافلة الليل في المسجد وإن كان الغالب من فعله - صلى الله عليه وسلم - صلاتها في البيت، وقد ورد أيضًا حديث عائشة في قصة صلاة الصحابة بصلاته في المسجد في رمضان ولفظه عن عائشة: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -([47]) صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم. قال: وذلك في رمضان».

قوله: «وصلى ثمان ركعات وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتين» الثماني الركعات لم يبين كيفيتها، وهي مبينة في الروايات الأخرى أنها ركعتان ركعتان جمعًا بين الروايتين.

انتهى رواية بن أبي ليلى عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية عمرو بن دينار عن كريب

عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه بات عند خالته ميمونة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا، قال: وصف وضوءه، وجعل يخففه ويقلله. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جئت فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه، فصلى ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج فصلى الصبح ولم يتوضأ»([48]) قال سفيان: وهذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لأنه بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه.

رجال الإسناد:

[عمرو بن دينار] هو المكي أبو محمد تابعي ثقة ثبت، وهو أخو عبد الله بن دينار الإمام الثقة. وكلاهما ثقات أثبات في الحديث أخرج له الجماعة: مات سنة ستة وعشرين ومائة.

الفائدة الستون: قوله: «فأخلفني فجعلني عن يمينه» معنى أخلفني أي أدارني من خلفه قاله النووي في شرح مسلم ([49])، ففيه فائدة، وهي كيفية إدارة الذي أخطأ فصلى عن شمال الإمام أنه يديره عن يمينه من خلفه ليس من أمامه ، وذلك والله أعلم للحفاظ على سترة المصلى ، فإنه مأمور أن يدفع من أراد أن يمر من بين يديه.

انتهت رواية عمرو بن دينار عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية شريك بن أبي نمر عن كريب

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «رقدت في بيت ميمونة ليلة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها، لأنظر كيف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، قال فتحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة، ثم رقد» وساق الحديث وفيه: «ثم قام فتوضأ واستن»([50]).

رجال الرواية:

[شريك بن أبي نمر] هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر. قال أبو عبد الله المدني قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، ومع ذلك فقد أخرج له الشيخان في الصحيح. وأخرج له الإمام البخاري حديث الإسراء الذي خلط فيه كثيرًا ، مات في حدود أربعين ومائة.

الفائدة الحادية والستون: قوله: «فتحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ثم رقد» فيه – مع ما تقدم من جواز السمر بعد العشاء – مؤانسة الأهل وحسن عشرتهم حيث يتحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ([51])، ومن حسن عشرته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستمع لأزواجه في الأحاديث الطوال، كما حدث له - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في حديث أم زرع الطويل، فصلى الله عليه وسلم من إمام للبشرية ورحمة للبرية.

انتهت رواية شريك عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية سالم بن أبي الجعد عن كريب

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند ميمونة خالتي فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسل، فأتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بيده هكذا قال يعني ينفضها ([52])».

رجال الطريق:

[سالم بن أبي الجعد] ثقة أخرج له الجماعة، قال الحافظ في التقريب: ثقة يرسل كثيرًا. مات سنة سبع أو ثمان وتسعين.

الفائدة الثانية والستون: استحباب نفض ماء الغسل باليد من غير تنشيف.

الفائدة الثالثة والستون: جواز استعمال المنديل ونحوه لتنشيف الوضوء والغسل؛ لأنه لو لم يكن جائزًا لما اكتفى النبي - صلى الله عليه وسلم - برده، ولبين كراهته، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، سواء في هذه الرواية، وهي رواية معلولة كما سيأتي. والعمدة عندي في ذلك ما ثبت في الصحيح في قصة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ميمونة. وفيه «فأتيته بالمنديل فلم يرده وجعل يقول بيديه هكذا» أو نحوه.

التعليق على الرواية:

هذه الرواية لها عدة علل، منها قول عبد الله بن إدريس: سمعت الأعمش يذكر عن سالم، والأعمش مدلس يجب تحقق سماعه، وكذلك سالم فقد عرفت أنه كثير الإرسال، وقد عنعن في الرواية، وكذلك فإن المحفوظ عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة في قصة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه رده المنديل، وقد قال جمهور العلماء بجواز التمندل بعد الوضوء والغسل؛ أي تنشيف ماء الوضوء والغسل بالمنديل ونحوه.

انتهت رواية سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

 رواية يزيد بن زياد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة فاضطجع رسول الله وأهله في طول الوسادة ، واضطجعت في عرضها، فقام رسول الله فتوضأ ونحن نيام، قال: «يا هذين الصلاة» ثم رش عليهما من وضوئه، قال: ثم قام فصلى فقمت عن يمينه فأخذني فجعلني عن يساره، فلما صلى قلت: يا رسول الله أخبرني عن مقامي. قال: «أخبرتك عن مقام جبريل» قال: فسمعته يدعو بهذا الدعاء: اللهم هب لي نورًا في سمعي، وهب لي نورًا في بصري، وهب لي نورًا من خلفي، وهب لي نورًا عن يميني وعن يساري، وهب لي نورًا في لحمي وشعري ودمي، فعد رسول الله ست عشرة مرة يرددها، ثم في السبع عشرة: اللهم هب لي نورًا إلى نور»([53]).

رجال الطريق:

[يزيد بن زياد] ويشبه أن يكون القرشي أو غيره فالله أعلم، وقد بحثت في شيوخ أبي بكر بن أبي الدنيا فلم أجد من شيوخه من سمي بهذا الاسم، وكذلك في تلاميذ كريب قال المحقق لكتاب أبي بكر بن أبي الدنيا مصلح بن جزاء بن فدغوش الحارثي. إسناده ضعيف.

الفائدة الرابعة والستون: استحباب إيقاظ الرجل أهله وعشيرته لقيام الليل، من قوله: «يا هذين الصلاة» وقد ورد في غير حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيقظ أهله للصلاة؛ منها حديث «أيقظوا صويحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة ([54])» وهو في الصحيح، وكذلك إيقاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا وفاطمة، وهي قصة معروفة في الصحيح.

الفائدة الخامسة والستون: استحباب رش الماء على النائم لإيقاظه للصلاة وذلك مأخوذ من قوله: «ثم رش عليهما من وضوئه» وفي الحديث: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، ثم أيقظ أهله للصلاة، فإن أبت نضح في وجهها الماء ([55])» الحديث. فهذا شاهد لرواية الباب.

الفائدة السادسة والستون: طهارة الماء المستعمل على خلاف بين العلماء. الراجح ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، منها حديث جابر في الصحيح «زارني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبّ علي من وضوئه ([56])» الحديث، وعليه بوَّب الإمام البخاري رحمه الله [باب صب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه على المغمى عليه].

انتهت رواية يزيد بن زياد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله عن أبيه عن جده

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام فتوضأ، فاستاك وهو يقرأ هذه الآية حتى فرغ منها ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190] حتى قرأ هذه الآيات أو انتهى إلى آخر السورة، ثم صلى ركعتين، ثم عاد فنام حتى سمعت نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك، ثم صلى ركعتين ثم نام، ثم قام فتوضأ واستاك، وصلى ركعتين وأوتر بثلاث ([57])».

رجال الإسناد:

أما جده فهو ابن عباس رضي الله عنهما وقد تقدم.

وأما أبوه فهو [علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما] قال الحافظ في التقريب ثقة عابد، أخرج له مسلم. مات سنة ثماني عشرة.

وأما [محمد بن علي بن عبد الله بن عباس] فهو ثقة، أخرج له مسلم. مات سنة أربع أو خمس وعشرين.

[حبيب بن أبي ثابت] أبو يحيى الموفي ثقة ثبت، وكان يدلس ويرسل. أخرج له الجماعة مات سنة تسع عشرة ومائة.

الفائدة السابعة والستون: جواز تخلل النوم بين ركعات صلاة الليل لقوله: «ثم صلى ركعتين ثم عاد فنام حتى سمعت نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك، ثم صلى ركعتين، ثم نام ثم قام فتوضأ واستاك، وصلى ركعتين وأوتر بثلاث».

الفائدة الثامنة والستون: جواز الوتر بثلاث ركعات، وقد ورد مطلق الجواز في عدة أحاديث بثلاث وخمس وسبع، وإن كان الأفضل أن يكون ركعة بعد قيامه بصلاته مثنى مثنى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة» وقد تقدم.

انتهت رواية حبيب بن أبي ثابت محمد بن علي بن عبد الله عن أبيه عن جده

***

 رواية ابن أبي ليلى عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بعثني العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته ممسيًا وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل، فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وترد بها ألفتى، وتلم بها شعثي، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم أعطني إيمانًا صادقًا، ويقينًا ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء، ومنازل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء، اللهم إني أنزل بك حاجتي، وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور، اللهم وما قصر عنه رأيي، وضعف عنه عملي، ولم تنله مسألتي، ولم تبلغه أمنيتي من خير وعدته أحدًا من عبادك، أو خير أنت معطيه أحدًا من خلقك، فإني أرغب إليك فيه، وأسألك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين، حربا لأعدائك سلمًا لأوليائك، نحب بحبك محبيك، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك، اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة، اللهم وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، الركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، تفعل ما تريد، سبحان الذي لبس العز وتكرم به، سبحان الذي تعطف بالمجد وقال به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي العز والبهاء، سبحان ذي القدرة والكرم، سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه، اللهم اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في قبري، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا في عظامي، ونورًا بين يدي، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من تحتي، ونورًا من فوقي، اللهم زدني نورًا، وأعطني نورًا، واجعل لي نورًا([58])، إسناده ضعيف.

رجال الرواية:

[ابن أبي ليلى] هو محمد بن عبد الرحمن. وهو صدوق سيئ الحفظ قد تقدمت ترجمته.

[داود بن علي] بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ، أبو سليمان أمير مكة وغيرها، مقبول من السادسة. مات سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن اثنتين وخمسين. أخرج له الترمذي ([59]).

الفائدة التاسعة والستون: حرص الأب على إرسال ابنه إلى أهل العلم ليأخذ من علمهم، وقد تقدم شواهد لهذه الرواية عل ذلك مأخوذ من قول ابن عباس رضي الله عنهما «أرسلني أبي» وأما عن أسباب إرسال العباس لابنه، فقد وردت فيه عدة روايات، منها هذه الروايات المطلقة، ومنها أنه أرسله ليتعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها أنه كان له حاجة في مال الصدقة ، وسوف تأتي هذه الرواية إن شاء الله.

انتهت رواية ابن أبي ليلى عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله عن أبيه

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحفظ صلاته، قال: فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس صلاة العشاء الأخيرة، حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيري، قام فمر بي فقال: من هذا عبد الله؟ قلت: نعم. قال: فمه، قلت: أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة، قال: فالحق الحق، فلما دخل قال: فرش عبد الله، قال: فأتى بوسادة من مسوح قال: فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه قاعدًا، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها ([60])» إسناده حسن.

رجال هذه الرواية:

[المنهال بن عمرو] الأسدي، مولاهم الكوفي. صدوق ربما وهم. أخرج له البخاري([61]).

وباقي رجال السند من أوله إلى المنهال، ومن المنهال إلى آخره ثقات.

وفي هذه الرواية بيان أحد الأسباب التي من أجلها أرسل العباس ابنه للمبيت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حفظ صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه شاهد للفائدة المذكورة في الرواية السابقة وهي بلا شك أصح من السابقة.

قوله: (بوسادة من مسوح) أي من شعر؛ قال ابن منظور: المسوح بضم الميم والسين كساء من شعر وهو جمع مسح بكسر الميم وإسكان السين ([62]).

الفائدة السبعون: استحباب قول سبحان الملك القدوس ثلاث مرات عقب القيام من النوم.

انتهت رواية المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله عن أبيه

***

 رواية عبد الله بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل، فصلى ثلاث عشرة ركعة – منها ركعتا الفجر – حزرت قيامه في كل ركعة بقدر يا أيها المزمل. لم يقل نوح: منها ركعتا الفجر ([63])».

رجال الرواية:

[عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي] ثقة أخرج له البخاري ومسلم.

[عبد الله بن طاوس] أبو محمد إمام ثقة. أخرج له الجماعة مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وباقي رجال الإسناد ثقات أيضًا.

الفائدة الحادية والسبعون: القراءة في صلاة الليل بما تيسر، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ قدر يا أيها المزمل، وهي ليست من السور الطوال، كما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل في القراءة في صلاة الليل. فالأمر فيه سعة، وكل وارد، وما جعل الله علينا في الدين من حرج.

الفائدة الثانية والسبعون: جواز الإسرار في صلاة الليل لقوله: «حزرت قيامه» فهذا تقدير يدل على أنه كان مسرا بالقراءة في هذه الليلة، وورد أيضا عنه - صلى الله عليه وسلم - الجهر في عدة أحاديث والله تعالى أعلم.

انتهت رواية عبد الله بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس رضي الله عنهما

***

 رواية عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أتيت خالتي ميمونة بنت الحارث، فبت عندها، فوجدت ليلتها تلك من رسول الله، فصلى رسول الله العشاء، ثم دخل بيته فوضع رأيه على وسادة من أدم حشوها ليف، وجئت فوضعت رأسي على ناحية منها، فاستيقظ فنظر فإذا عليه ليل، فعاد فسبح وكبر حتى نام واستيقظ، وقد ذهب شطر الليل – أو قال ثلثاه – فقام رسول الله فقضى حاجته ثم جاء إلى قربه على شجب فيها ماء ، فقلت: ما الشجب؟ قال السباي قال: وإذا قربة ذات شعر، فأخذ رسول الله منها ماءً  ، فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه مرة، ثم غسل قدميه – قال يزيد حسبته ثلاثًا ثلاثًا، ثم أتى مصلاه، فقمت فصنعت كما صنع ثم جئت فقمت على يساره وأنا أريد أن أصلي بصلاته، فأمهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا عرف أني أريد أن أصلي بصلاته لفت يمينه ، فأخذ بأذنيّ حتى أقامني عن يمينه، فصلى رسول الله ما رأى أن عليه ليلاً ركعتين ركعتين، فلما ظن أن الفجر قد دنا قام فصلى سبع ركعات، ثم أوتر بالسابعة، حتى إذا أضاء الفجر وقام فصلى ركعتين، ثم وضع جنبه فنام حتى سمعت بحيحه، وجاء بلال فآذنه بالصلاة فخرج فصلى، وما مس ماء ([64])» فقلت: لسعيد بن جبير ما أحسن هذا. فقال سعيد: أما والله لقد قلت ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال مه إنها ليست لك ولا لصحابك، إنها لرسول الله إنه كان يحفظ.

رجال الرواية:

[سعيد بن جبير] هو الإمام المعروف الحجة الشهيد الذي قتله الحجاج بن يوسف ظلمًا وعدوانًا، أخرج له الجماعة، قتله الحجاج سنة خمس وتسعين.

[عكرمة بن خالد] تقدم.

[عباد بن منصور] هو عباد بن منصور الناجي بالنون والجيم، أبو سلمة البصري، القاضي بها صدوق. رمي بالقدر وكان يدلس. وتغير بآخره. من السادسة مات سنة اثنتين وخمسين ([65]).

الفائدة الثالثة والسبعون: جواز الوتر بسبع ركعات.

الفائدة الرابعة والسبعون: استحباب التثليث في الوضوء لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقوله في التثليث: «هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي».

الفائدة الخامسة والسبعون: تأخير سنة الفجر حتى يتبين طلوع الفجر، لقوله حتى إذا أضاء الفجر فمن باب أولى تأخير صلاة الفجر حتى يتبين، لا كما يفعله بعض ضعاف العقول من صلاة الفجر قبل موعدها.

انتهت رواية عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

***

 رواية الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن الحكم قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «بت في بيت خالتي ميمونة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم جاء فصلى أربعًا ثم نام ثم قام فتوضأ، قال: لا أحفظ وضوءه ثم قام فصلى، فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه، ثم صلى خمس ركعات ثم ركعتين ثم نام ثم صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة»([66]).

رجال الرواية:

[الحكم بن عتيبة] بالمثناة ثم الموحدة مصغرًا. أبو محمد الكندي الكوفي. ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، مات سنة ثلاث عشرة أو بعدها وله نيف وستون. أخرج له الجماعة.

قلت: صرح الحكم بالسماع من سعيد في هذه الرواية وكذلك فقد روى عنه شعبة، وناهيك برواية شعبة عن المدلسين.

الفائدة السادسة والسبعون: جواز صلاة القيام بعد صلاة العشاء قوله: «فجاء فصلى أربعًا».

الفائدة السابعة والسبعون: جواز تفرقة صلاة القيام لفعله - صلى الله عليه وسلم - حيث صلى أربعًا ثم نام ثم صلى خمس ركعات.

الفائدة الثامنة والسبعون: جواز الصلاة بعد الوتر بقوله: «ثم صلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين» والخمس لابد أن يكون فيها الوتر وليست هاتان الركعتان هما ركعتي الفجر لأنه قال: «ثم صلى ركعتين» وذلك كان بعد هاتين الركعتين.

انتهت رواية الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

***


 رواية أبي هاشم الرماني عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن أبي هاشم الرماني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة، فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء رجع إليها – وكانت ليلتها – فصلى ركعتين ثم انفتل فقال: أنام الغلام؟ وأنا أسمع، فقال في صلاته: اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي لساني نورًا وأعطني نورًا ([67])».

رجال الإسناد:

[أبو هاشم الرماني] بضم الراء وتشديد الميم الوسطي اسمه يحيى بن دينار. وقيل ابن الأسود. وقيل ابن نافع. ثقة في السادسة مات سنة اثنتين وعشرين وقيل سنة خمس وأربعين، أخرج له الجماعة ([68]).

وباقي رجال الإسناد ثقات، وشيخ الطبراني لم أجد له ترجمة فيما عندي من المراجع.

الفائدة التاسعة والسبعون: استحباب صلاة سنة العشاء في البيت لقوله وكانت ليلتها، ثم صلى ركعتين. وتحمل الرواية السابقة التي فيها أنه صلى أربعًا على أن الأربع من صلاة القيام والاثنتين من سنة العشاء والله تعالى أعلم.

انتهت رواية أبي هاشم الرماني عن ابن جبير عن ابن عباس.

 رواية حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند ميمونة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من نومه فزعًا، فاستن سواكه فذكر الحديث، وقال فيه: وكان إذا رفع رأسه من السجدتين – أو قال بين السجدتين – قال: رب اغفر لي وارحمني واجبرني، وارفعني وارزقني، واهدني ثم سجد»([69]).

رجال الرواية: من حبيب إلى ابن عباس رضي الله عنهما قد تقدمت ترجمتهم. وباقي الإسناد ثقات. وخالد بن يزيد الطبيب هو الكحال. قال أبو حاتم صدوق.

الفائدة الثمانون: استحباب قول رب اغفر لي وارحمن واجبرني وارفعني وارزقني واهدني بين السجدتين، وله شواهد في السنن وغيرها.

انتهت رواية ابن أبي ثابت عن ابن جبير عن ابن عباس

وقد وردت طرق أخرى للرواية لم اذكرها، لأنها إما مكررة الفوائد أو غير صريحة في أنها ليلة مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أن هذا هو أصل الموضوع والله الموفق.

 رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكارة فاستصغرها ثم قال لي: انطلق بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا بني فقل: إنا قوم نعمل فإن كان عندك أسن منها فابعث بها إلينا، فأتيت بها فقال: ابن عمي وجهها إلى إبل الصدقة، ثم أتيته في المسجد فصليت معه العشاء، فقال: ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة؟ قد أمسيت، فوافقت ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيتها فعشتني ووطأت لي عباءة بأربعة فافترشتها، فقلت: لأعملن ما يعمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا ميمونة قالت: لبيك يا رسول الله، قال: ما أتاك ابن  أختك؟ قالت: بلى هو هذا. قال: أفلا عشيته إن كان عندي شيء؟ قالت: قد فعلت، قال: فوطئت له؟ قالت: نعم، فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه واضطجع حوله، ووضع رأسه على الفراش فمكث ساعة فسمعته قد نفخ في النوم، فقلت: نام وليس بالمستيقظ وليس بقائم الليلة، ثم قام حيث قلت ذهب الربع الثلث من الليل فأتى سواكا له ومطهرة فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك وهو يتلو هؤلاء الآيات ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ثم وضع السواك، ثم قام إلى قربة فحل شناقها، فأردت أن أقوم فاصب عليه فخشيت أن يذر شيئًا من عمله، فلما توضأ دخل مسجده فصلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة خمسين آية يطيل فيها الركوع والسجود، ثم جاء إلى مكانه الذي كان عليه فاضطجع هويا فنفخ وهو نائم، فقلت ليس بقائم الليلة حتى يصبح، فلما ذهب ثلثا الليل أو نصفه، أو قدر ذلك قام فصنع مثل ذلك، ثم دخل مسجده فصلى أربع ركعات على قدر ذلك، ثم جاء إلى مضجعه فاتكأ عليه، فنفخ فقلت: ذهب به النوم ليس بقائم حتى يصبح، ثم قام حين بقي سدس الليل أو أقل فاستاك، ثم توضأ ثم دخل مسجده فكبر فافتتح بفاتحة الكتاب، ثم قرأ سبح اسم ربك الأعلى، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، ثم قنت فركع وسجد، فلما فرغ قعد حتى إذا ما طلع الفجر ناداني قلت: لبيك يا رسول الله، قال: قم فوالله ما كنت بنائم، فقمت فتوضأت وصليت خلفه، فقرأ بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، ثم ركع وسجد ثم قام في الثانية فقرأ بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، فلما سلم سمعته يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وأعظم لي نورًا، يا رب العالمين ([70])».

رجال الإسناد:

[حبيب] تقدم.

قال علي بن المديني: حبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس رضي الله عنهما وسمع من عائشة ولم يسمع من غيرهما من الصحابة y ولكن لم يصرح بالتحديث، ومما يجعل النفس تطمئن إلى تضعيف هذه الرواية وجود هشام بن عمار في الرواية، وله غرائب، كذلك عطاء بن مسلم الخفاف وثقه بعض أهل العلم وضعفه آخرون. قال الحافظ صدوق يخطئ.

الفائدة الحادية والثمانون: استحباب صلة الرحم بالإهداء لهم لقوله: «أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكارة».

الفائدة الثانية والثمانون: جواز رد الهدية وطلب خير منها لقوله: «فاستصغرها ثم قال لي انطلق بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا بني فقل إنا قوم نعمل فإن كان عندك أسن منها فابعث بها إلينا».

الفائدة الثالثة والثمانون: كرم ضيافة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهله لقوله: «أفلا عشيته إن كان عندي شيء؟ قالت: قد فعلت، قال، فوطئت له؟ قالت: نعم».

الفائدة الرابعة والثمانون: من قوله: «فقرأ بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ثم ركع وسجد ثم قام في الثانية فقرأ بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون «ففيها جواز مخالفة ترتيب المصحف في القراءة حيث أنه قرأ بقل هو الله أحد ثم قل يا أيها الكافرون وعليه جمهور أهل العلم ولا يعتبر تنكيسًا للقرآن.

انتهت رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما.

***

 رواية إبراهيم بن فروخ عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند ميمونة خالتي وكانت ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأغفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونمت عند رؤوسهما، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم لك وضعت جنبي، وإليك فوضت أمري، آمنت بما أنزلت وبما جاءت به الرسل، صدق الله وبلغ المرسلون ثلاث مرات، ثم أغفى هنيهة، ثم قام فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ونضح فرجه بالماء، ثم قام فصلى، فقرأ سورة المائدة والنحل وإنا فتحنا، ثم رقد هنيهة، ثم قام فتوضأ دون ذلك الوضوء، كل ذلك لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، فذكر الحديث بطوله ([71])».

رجال الرواية:

[إبراهيم بن فروخ] مولى عمر بن الخطاب، قال: أبو حاتم مجهول. وهذا الحديث منكر.

الفائدة الخامسة والثمانون: استحباب الدعاء قبل النوم وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها حديث البراء المعروف في الصحيح وغيره.

الفائدة السادسة والثمانون: استحباب نضح الفرج بالماء لإزالة الوسواس وغيره، وقد ورد في النضح عدة أحاديث.

الفائدة السابعة والثمانون: عدم غمس اليد في الإناء ولو من النوم القليل لقوله: «ثم رقد هنيهة ثم قام فتوضأ دون ذلك الوضوء، كل ذلك لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها» وقد ورد النهي عن غمس اليد في الإناء بعد النوم، وفيه كلام للعلماء ليس هذا محله. والحديث من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على كراهة غمس اليد في الإناء.

انتهت رواية إبراهيم بن فروخ عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما.

***

 رواية إبراهيم بن أبي علقمة عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأوتر فقنت في الوتر قبل الركعة قال: ثم أرسلت أمي من القائلة فأخبرتني بذلك ([72])».

رجال الرواية:

[إبراهيم بن أبي علقمة] لم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر.

الفائدة الثامنة والثمانون: استحباب القنوت في الوتر.

انتهت رواية إبراهيم بن أبي علقمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

***


 رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس رضي الله عنهما

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد العباس ذودًا من إبل، فبعثني إليه فبت عنده وكانت ليلة ميمونة بنت الحارث. فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، فتوسدت الوسادة التي توسدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ فأسبغ الوضوء وأقل هراقة([73]) الماء، ثم قام فافتتح الصلاة، وقمت فتوضأت وقمت عن يساره فأخلف بيده فأخذ بأذني فأقامني عن يمينه، وكانت ميمونة حائضًا فقامت فتوضأت ثم قعدت خلفه([74])».

رجال الرواية:

[طلحة بن نافع الواسطي أبو سفيان] قال الحافظ صدوق وقد أخرج له الجماعة. وأخرج له البخاري مقرونًا وباقي الإسناد لا بأس به.

الفائدة التاسعة والثمانون: جواز تقاضي الوعد. ذكرها الحافظ لقوله: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد العباس ذودًا من إبل فبعثني إليه»([75]).

الفائدة التسعون: جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة. نقله الحافظ في الفتح، وفيه نظر، لأنه لم يرد التصريح في الرواية بأنها صدقة، ثم هي مخالفة للروايات التي فيها أنها هدية ثم عموم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الصدقة على آل محمد والمراد بهم قرابته وأزواجه - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم على الراجح.,

الفائدة الحادية والتسعون: جواز نوم الرجل مع زوجته الحائض في لحاف واحد.

الفائدة الثانية والتسعون: وضوء الحائض إذا أرادت سماع القرآن خلف من يصلي من محارمها لقوله: «وكانت ميمونة حائضًا فقامت فتوضأت ثم قعدت خلفه».

وفوائد أخر من كل الروايات:

الفائدة الثالثة والتسعون: مشروعية صلاة النافلة في جماعة.

الفائدة الرابعة والتسعون: الملاطفة بالأهل والقريب والصغير والضيف، وهي واضحة من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرها أيضا الحافظ ([76]).

الفائدة الخامسة والتسعون: أن مبادئ النوم من النعاس ونحوه لا تنقض الوضوء ولا تبطل الصلاة لقول ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات المتقدمة: فكنت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني.

الفائدة السادسة والتسعون: استحباب التوشح في الصلاة وهو المخالفة بين طرفي الثوب، وذلك لمن كان يلبس ثوبًا واحدًا.

الفائدة السابعة والتسعون: جواز استعمال المجاز في الكلام لقوله: فجعل يمسح النوم، وإنما المراد أثر النوم ([77]).

الفائدة الثامنة والتسعون: إعلام المؤذن الإمام بالصلاة قبل الإقامة مأخوذ من قوله: «ثم جاءه المؤذن».

الفائدة التاسعة والتسعون: قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية أما الصدقة فلم يكن يقبلها - صلى الله عليه وسلم -.

الفائدة المائة: جواز الاغتراف من الماء القليل، أفادها الحافظ في الفتح ([78]) قال: وذلك لأن الجفنة إناء صغير وهي القصعة كما يأتي في بعض روايات الحديث.

***


 خاتمة

الحمد لله في الابتداء والحمد لله في الانتهاء، وأصلي وأسلم على خير البشر وسيد الأنبياء والشهداء، ما طلع ليل وأقبل ضياء ، سيدنا ونبينا ومعلم البشرية وقاهر الأعداء، صلى الله عليه وعلى آله والصحب أجمعين، وبعد:

فقد انتهى هذا البحث المتواضع من عبد يرجو رحمة من يملك خزائنها وعفو من هو أهل العفو، وقد جمعت فيه مائة فائدة ولا أدعي بذلك أني قد استقصيت فوائد هذا الحديث وإن فوائده لجمة كثيرة، وإن هذا الحديث كبير المنفعة جدًا؛ إذ اشتمل على كثير من الأحكام، وله مباحث فقهية الأخرى لم أتعرض لها لكثرة من تعرض لها من الفقهاء من شراح الصحاح والسنن، كابن حجر والنووي وغيرهما، لكن أردت فقط أن أجمع فوائده، وقد تعرضت في بعض الأحيان إلى مسألة لا بد من توضيحها، أو شرح مفردة يعسر فهمها لا سيما وقد ضاعت منا اللغة، فالله أرجو أن ينفع بها كل من يطلع عليها، كما اسأل الله غنمها وأعوذ به من غرمها، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.



([1]) أخرجه البخاري ح143 (1/66) ومسلم ح2477 (4/1927).

([2]) أخرجه أحمد 2881 (1/314) في إسناده عبد الله بن عثمان بن خثيم أخرج له مسلم ، قال الحافظ صدوق وللحديث شواهد.

([3]) مستدرك الحاكم ح6281 (3/616) قال الذهبي في ميزان الاعتدال :باطل ، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية : لا يصح.

([4]) حلية الأولياء 1/316.

([5]) مستدرك الحاكم ح363 (ص: 188 ج: 1) وقال صحيح على شرط البخاري وهذا الحديث أصل في طلب الحديث وتوقير العلماء. الطبقات الكبرى ص: 368ج: 2. المدخل إلى السنن الكبرى ص: 386ج: 1. سير أعلام النبلاء ج: 3 ص:342.

([6]) أخرجه البخاري ح947 (1/337) ومسلم ح763 (1/526).

([7]) سنن الترمذي ح2680 (ص: 47ج: 5) وقال حسن مسند أحمد ح7967 (ص: 299ج: 2) صحيح ابن حبان ح3736 (ص: 52ج: 9) مستدرك الحاكم ح308 (ص: 168ج: 1) سنن النسائي الكبرى ص: 489ج: 2 موارد الظمآن ح2308 ص: 574ج: 1 . ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله وهو الراجح لتدليس ابن جريج ، فإنه رواه عن أبي صالح وأبي الزبير وأبي الزناد ، فإما رواية أبي الزناد فقد ذكر النسائي أنها خطأ وأما رواية أبي صالح فقد قال عنها البزار فيما ذكره ابن حزم في إحكامه لم يرو ابن جريج عن أبي صالح غير هذا الحديث.

قلت: فالراجح رواية أبي الزبير وأبو الزبير مدلس لا يقبلون إلا ما صرح فيه بالتحديث، وكذلك ابن جريج وللحديث شاهد من حديث أبي موسى ، قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف عند الأكثرين. انتهى.

([8]) تهذيب التهذيب ج: 10/64.

([9]) تهذيب التهذيب ج: 8ص: 388.

([10]) انظر فتح الباري  ص:485 ج: 2.

([11]) فتح الباري الموضع السابق.

([12]) سنن الترمذي ح2485 (ص: 652ج: 4) وقال صحيح سنن ابن ماجة ح133 (ص: 423ج:1) كذلك أخرجه الدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم ، وهو حديث صحيح الإسناد.

([13]) صحيح البخاري ح1075 (ص: 379ج: 1) ، صحيح مسلم ح775 (ص: 537ج:1) وغيرهما.

([14]) صحيح البخاري ح1070 (ص: 378ج: 1) ، صحيح مسلم ح2479 (ص: 1927ج:4).

([15]) صحيح البخاري ح1091 (ص: 383ج: 1) ، صحيح مسلم ح776 (ص: 538ج:1).

([16]) سنن أبي داود ح1308 ص: 33 ج:2، سنن النسائي ح1610 (ص: 205   ج: 3) وغيرهم ، قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

([17]) صحيح ابن خزيمة ح1134 مستدرك الحاكم ح1156 ص: 451ج: 1 وقال صحيح على شرط البخاري ص: 176ج: 2.

([18]) سنن الترمذي ح169ج: 1 ص:315 قلت: فيه علة؛ وهي عدم سماع علقمة من عمر بن الخطاب؛ قال العلائي في جامع التحصيل: علقمة بن قيس أحد أئمة التابعين سئل أحمد بن حنبل هل سمع علقمة من عمر t؟ فقال: ينكرون ذلك. قيل: ومن ينكره؟ قال: الكوفيون أصحابه. وقد أشار الحاكم وغيره إلى عدم سماع علقمة من عمر. قال الشوكاني في نيل الأوطار: رجاله رجال الصحيح، وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي بين علقمة وعمر.

([19]) صحيح البخاري ح5962 ص: 2330ج: 5 ، صحيح مسلم ح 758 ص: 521ج: 1 وغيرهما.

([20]) أحكام القرآن ج: 1 ص: 56.

([21]) انظر شرح النووي على صحيح مسلم 6/46.

([22]) فتح الباري 1/239.

([23]) صحيح مسلم ح251 ص: 219ج: 1 ، سنن الترمذي ح51 ص: 72ج: 1 ، سنن النسائي الكبرى ح143 ص: 89ج: 1 وغيرهم.

([24]) ذكر نحوه الحافظ في الفتح ص: 485ج: 2.

([25]) انظر فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([26]) صحيح البخاري ح585 ص: 2291ج: 5 ، صحيح مسلم ح 2310 ص:1805ج: 4 وغيرهما.

([27]) صحيح البخاري ج460 ص:179ج: 1، صحيح مسلم ح749 ص:516ج:1.

([28]) صحيح مسلم ح725ص: 501 ج: 1 ، وكذلك أخرجه الترمذي وابن خزيمة وغيرهم.

([29]) صحيح البخاري ح1096 ص: 385ج: 1 صحيح مسلم ح 738 ص: 509 ج: 1.

([30]) المصدر السابق.

([31]) صحيح مسلم ح 763ص: 527ج: 1 ، المعجم الكبير ح 12194 ص: 422ج: 11.

([32]) انظر فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([33]) صحيح البخاري ح242 ص: 96ج: 1 ، صحيح مسلم ح255 ص: 221 ج: 1.

([34]) مختار الصحاح 1/147.

([35]) فتح الباري ص: 485ج: 2 نحو ما ذكرت هنا.

([36]) صحيح مسلم ح763 ص: 1528.

([37]) النهاية في غريب الحديث ج: 1 ص: 335.

([38]) سنن أبي داود ح1364 ص: 46ج: 2 ، سنن النسائي الكبرى ح399 ص: 161ج: 1 ، سنن البيهقي الكبرى ح4475 ص: 11 ج: 2.

([39]) صحيح البخاري ح5975 ص: 2327 ج: 5 ، صحيح مسلم ح 763 ص: 525ج: 1 وغيرهما.

([40]) تهذيب التهذيب 4/ 137.

([41]) تهذيب التذهيب 4/101.

([42]) انظر فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([43]) انظر الفتح 11/117.

([44]) أخرجه صحيح مسلم ح763 ص: 528ج: 1 مسند أبي عوانة ص: 313ج: 2.

([45]) شرح النووي على صحيح مسلم ج:6 ص: 49.

([46]) المعجم الكبير ح12190 ص: 419 ج: 11.

([47]) رواه البخاري ح698، 1077، ومسلم ح761.

([48]) صحيح البخاري ح138 ص: 64 ج: 1 صحيح مسلم ح763 ص: 528ج:1.

([49]) شرح مسلم للنووي 6/48.

([50]) صحيح مسلم ح763 ص: 530ج: 1 وغيره.

([51]) انظر فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([52]) أخرجه ابن سعد في طبقاته 1/386 وإسناده إلى سالم (قال ابن سعد رحمه الله أخبرنا عبد الله بن إدريس الأودي سمعت الأعمش يذكر عن سالم...) الحديث.

([53]) كتاب التهجد وقيام الليل ج: 1 ص:289.

([54]) صحيح البخاري ح1074 ص: 379ج: 1 صحيح ابن حبان 691ح ص: 466ج: 2 وكذلك أخرجه الحاكم الترمذي والطبراني وأبو يعلي وغيرهم.

([55]) تقدم ص21.

([56]) صحيح البخاري ح191 ص: 82ج: 1 وابن حبان وغيرهما.

([57]) السنن الكبرى ح403 ص: 162ج: 1.

([58]) قال أبو نعيم في الحلية 3/208 وما بعدها قال: لم يسق هذا الحديث بهذا السياق والدعاء عن علي بن عبد الله إلا داود ابنه، تفرد به عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

([59]) تقريب التهذيب ج: 1 ص: 199.

([60]) مستدرك الحاكم ح1286 ص: 617ج: 3 المعجم الكبير ح 10648 ص: 275ج: 1 وأبو نعيم في الحلية ص: 208ج: 3 شرح معاني الآثار ص: 2866ج: 1.

([61]) تقريب التهذيب ج: 1 ص: 547.

([62]) لسان العرب 2/596.

([63]) سنن البيهقي الكبرى ح4458 ص: 8ج: 3 كذلك أخرجه أبو داود ح1365 ص: 2 ج: 48.

([64]) كتاب التهجد وقيام الليل ج: 1 ص: 422.

([65]) تقريب التهذيب ج: 1 ص: 291.

([66]) مسند أحمد ح 3169 ص: 341ج: 1 سنن النسائي الكبرى 407 ص: 163ج: 1.

([67]) المعجم الكبير ح 12471 ص: 60ج: 12.

([68]) تقريب التهذيب ص: 680ج: 1.

([69]) أخرجه مطولا البيهقي في الصغرى 1/270 مسند أحمد ح 35143 ص: 371ج: 1 المعجم الكبير ح 12349 ص: 20ج: 12 وشعار أصحاب الحديث ج: 1 ص: 59 كلهم بذكر المبيت وأخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما بدون ذكر المبيت ولا صلاة الليل.

([70]) المعجم الكبير ح 12679 ص: 131 ج: 12 إسناده ضعيف.

([71]) علل ابن أبي حاتم 1/162.

([72]) حلية الأولياء ج: 10 ص: 30.

([73]) هراقة الماء: أي صب الماء.

([74]) صحيح ابن خزيمة ح1093، 2/149، المعجم الكبير ح1277، 11/135، مسند الشاميين ح734، 1/417.

([75]) انظر فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([76]) فتح الباري ص: 485 ج: 2.

([77]) شرح النووي لصحيح مسلم 6/46.

([78]) انظر فتح الباري ص: 485 : 2.