الوصف المفصل
أسرار الهجوم على الإسلام ونبي الإسلام
عادل بن علي الشدي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن أعداء الإسلام كانوا ولا يزالوا يكيدون للإسلام وأهله، ويطعنون في القرآن ونبي الإسلام كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فقد قالوا عنه: ( ساحر ) و(كاهن ) و( مجنون) و(كذاب أشر ) وآذوه في مشاعره وفي أصحابه وفي نفسه، وحاولوا تشويه دعوته وتسفيه رسالته، لكن الله تعالى نصره عليهم جميعًا، وأظهر دينه ودعوته على العالم كله مع كره المبغضين وحسد الشانئين الذين انقطع ذكرهم وبقي ذكره الحسن صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: }إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{ [الكوثر: 3].
وعلى مرِّ القرون ظلَّ بعض المتعصبين يبث سمومه الموجهة إلى النبي ﷺ، واستمر الأمر مع بعض المستشرقين الذين رددوا مزاعم متعصبة وتبنوا خطابًا تحريضيًّا ضد الإسلام ونبي الإسلام مع أنهم رأوا مدى التسامح الكبير والاحترام والأمن الذي نَعِمَ به اليهود في الأندلس وتركيا على سبيل المثال أثناء حكم الإسلام لهما،وكذلك الحال بالنسبة للنصارى في الشام ومصر وغيرهما.
ولكن حملة العداء للإسلام ونبي الإسلام قد ازدادت ضراوة وانتقلت من الفردية إلى الحملة المنظمة المدعومة بكل وسائل الدعم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فأصبح سبُّ الإسلام ونبي الإسلام مادة إعلامية شبه يومية تقدم للمشاهد والمستمع الغربي.
إننا لا نبالغ إذا قلنا: إن الإسلام ونبي الإسلام والمسلمين أنفسهم يتعرضون منذ أحداث سبتمبر بوجه أخص إلى حملة عالمية استهدفت إثارة الكراهية ضدهم،وتحريض المجتمعات الغربية عليهم،وتشويه صورتهم،حتى أصبح لفظ الإسلام مرادفًا للإرهاب عند كثير من الغربيين، وأصبح المسلم هو الإرهابي القاتل، وأصبح القرآن الكريم هو الكتاب الذي يعلَِّم المسلمين العنف والإرهاب والاعتداء على الآخرين.
لقد أصبح الإسلام مستهدفًا في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، ومن يتابع الضخ الإعلامي السلبي والمتواصل في الهجوم على الإسلام ونبي الإسلام، ومن يتابع التصريحات العدائية التي تصدر من رجال الدين والفكر والصحافة وحتى من السياسيين، ومن يقرأ الصحف الغربية يجد أنهم جميعًا يتعمدون الإساءة إلى الإسلام ونبي الإسلام، ويتبنون خطابًا عنصريًا يدعو إلى كراهية المسلمين والنيل منهم.
إن الدول والمنظمات العربية والإسلامية لم تُجمع على شيء بقدر إجماعها على إدانة الهجمات على الولايات المتحدة مهما كانت انتماءات فاعليها، وقد أكثرت تلك الدول والمنظمات من شجب تلك الأحداث التي راح ضحيتها عدد كبير من الناس، ولكن ذلك كله لم يؤد إلى وقف تلك الحملة المسعورة، بل إن حملة الطعن في الإسلام ونبي الإسلام ازدادت قوة وشراسة يومًا بعد يوم، وهذه الحملة يقف وراءها كبار المشاهير من رجال الدين والسياسة والفكر في الولايات المتحدة،ويدعمها اللوبي الصهيوني في أمريكا.
فمن رجال الدين يبرز كل من:[جيري فالويل - يات روبرتسون - جيري فاينز - راندل تاري - فرانكلين جراهام ] وهؤلاء يمثلون الزعامة الدينية لكثير من الأمريكيين، ويوجهون التيار الأصولي اليميني أو ما يسمى ( بالصهاينة المسيحيين) ويُعرف عنهم العداء الشديد للإسلام ونبي الإسلام، والدعم اللامحدود لإسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة.
- ماذا قال هؤلاء ؟
في لقاءات مختلفة عبر المحطات التليفزيونية أو عبر الصحف والمجلات والمؤتمرات تطاول هؤلاء على الإسلام ونبي الإسلام بل وعلى كل المسلمين، فكان مما قالوا:
1- النبي محمد ﷺ كان إرهابيًّا يدعو إلى القتل، وكان لصًّا وقاطع طريق.
2 - الإسلام دين إرهاب وليس دين سلام، وإن هدف الإسلام هو السيطرة على العالم.
3- إن هدف المسلمين هو القضاء على الحضارة الغربية.
4- إن القرآن كتاب يحرِّض على العنف والقتل والإرهاب.
5- المسيح وموسى عليهما السلام جاءا بالسلام، بينما جاء محمد ﷺ بالقتل وإراقة الدماء.
6- الإسلام انتشر عن طريق العنف والإكراه والتوسع العسكري.
7- المسلم إرهابي بطبعه، لأن عقيدته تدعو إلى العنف والإرهاب.
8- إن مصطلح الجهاد في الإسلام مرادف لمصطلح الإرهاب.
إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة التي لا تخفى على أي مسلم.
وفي يوم الأحد 6 أكتوبر 2002 م ظهر [جيري فال] في (برنامج 60 دقيقة ) قائلاً: (أنا أعتقد أن محمدًا كان إرهابيًا، وأنه كان رجل عنف ورجل حروب)، ومن خلال برنامج ( هانتي وكولمز) الذي تبثه قناة(فوكس نيوز) قال [بات روبرتسون]: (كل ما عليك هو فقط أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين .. إنه رجل متعصب إلى أقصى درجة ... إنه كان لصًّا وقاطع طريق ).
وفي الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية في مدينة ( سانت لويس ) في ولاية ( ميسوري الأمريكية) تحدث [جيري فاينز] بافتراءات آثمة في حق النبي ﷺ ومنها اتهامه بأنه (شاذ يميل للأطفال ويمتلكه الشيطان ) والعجيب أن قادة تلك الكنيسة رفضوا إدانة تصريحاته مما يدل على تبنيهم لها وإثارتهم روح التعصب والكراهية حتى بين أبناء الشعب الأمريكي نفسه الذي يشكل المسلمون فيه أكثر من ستة ملايين مواطن.
- علاقة هؤلاء بالإدارة الأمريكية:
تمثل الشخصيات السابقة المرجعية الدينية الحالية للتيار الأصولي اليميني والحزب الجمهوري الذي يمثله الرئيس الأمريكي الحالي، وللدلالة على ذلك نذكر ما يلي:
1 - فرانكلين جراهام: هو الذي تلا الأدعية الافتتاحية لمباركة الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي الحالي.
2- حضور الرئيس الأمريكي عن طريق الأقمار الصناعية المؤتمر السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية، وهو المؤتمر الذي أهان فيه ( جيري فاينز) نبي الإسلام ﷺ واتهمه بالشذوذ والميل إلى الأطفال ومع ذلك لم يعلِّق الرئيس على ذلك في كلمته التي ألقاها على الحضور.
3 - قيام الحزب الجمهوري بتكريم كل من [بات روبرتسون] و[جيري فالويل] لمساهمتهما في دعم الحزب الجمهوري والتيار اليميني المعارض.
4- مدح الرئيس الأمريكي السابق والحالي لجيري فاينز باعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم.
5- قيام روبرتسون عام 1989م بتأسيس منظمة سياسية تسمى ( التحالف المسيحي ) تهدف إلى توحيد أصوات المتدينين من التيار اليميني في السياسة والانتخابات الأمريكية، وقد لعب هذا التحالف دورًا كبيرًا في فوز الرئيس الحالي للولايات المتحدة.
6- قيام البيت الأبيض بالإعلان عن منحة دينية قدرها نصف مليون دولار إلى [بات روبرتسون].
7- أن علاقة هؤلاء بالرؤساء الأمريكيين السابقين والحاليين علاقة قوية ومعروفة لكل الأوساط السياسية والدينية والإعلامية الأمريكية.
- الدعم المطلق لإسرائيل:
إن هذه الرموز الدينية لا تخفى دعمها المطلق لإسرائيل، بل إنهم يعترضون على أي خطوة ولو شكلية تقوم بها الإدارة الأمريكية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني المسلم، وهي لا تزال تحت الإدارة الأمريكية على الدعم غير المشروط لإسرائيل تحت دعاوى تحقيق التنبؤات الدينية للتيارات اليمينية المرتبطة بالحزب الجمهوري.
أما [جيري فالويل] فقد شدَّد في نفس المقابلة التي هاجم فيها نبي الإسلام ﷺ على دعم المسيحيين المحافظين لإسرائيل وقال: إن لدينا 70 مليون شخص، ولا شيء يمكن أن يصب غضب الجمهور المسيحي على رأس هذه الحكومة - يعني الحكومة الأمريكية - أكثر من التخلي عن إسرائيل أو معارضتها في مسألة حيوية !!
ويقول موقع ( سي بي إس ) إن فالويل بعث برسالة احتجاج شخصية إلى الرئيس الأمريكي في وقت سابق من هذا العام عندما طالب بوش إسرائيل بسحب قواتها من الأراضي الفلسطينية.
ويعتقد المسيحيون الأصوليون من أمثال فالويل أن انتصار إسرائيل على أعدائها يمثل إرادة الرب، وأن عود اليهود إلى موطنهم القديم شرط مسبق قبل العودة الثانية للمسيح!!
ولا تختلف بقية الرموز السابقة عن [جيري فالويل] في دعم إسرائيل ومساندة المشروع الصهيوني.
- هجوم السياسيين:
لم تقتصر الحملة الشرسة في مهاجمة الإسلام ونبي الإسلام ﷺ على الرموز الدينية فقط، بل صدرت الإهانات من الرموز السياسية كذلك، ففي السابع من ديسمبر الماضي أي بعد الهجمات على الولايات المتحدة بثلاثة أشهر نشر الصحفي الأمريكي [كال توماس] المعروف بمواقفه المتشددة ضد الإسلام والمسلمين في أمريكا مقابلة مع وزير العدل الأمريكي [جون أشكروفت ] على صحفات موقع صحفي على الإنترنت، نسب فيها إلى [جون أشكروفت] القول بأن الإسلام هو ديانة يطالبك فيها الرب بأن ترسل ولدك ليموت من أجله، والمسيحية هي عقيدة يرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك !!
وقبل أسابيع تطاولت [كونداليزا رايز] على الإسلام وقالت: إن المبادئ الأمريكية ينبغي أن تشمل الإسلام ولا تقف عند حدود الدول الإسلامية بمعنى أن المبادئ الأمريكية ينبغي أن تحل محل تعاليم الإسلام وقيمه.
- هجوم أهل الصحافة والإعلام:
وقد كثر هجوم أهل الصحافة والإعلام بصورة كبيرة على الإسلام والمسلمين فمن ذلك:
1- كتب أحد محرري مجلة (ناشيونال ريفيو) وهو [ريتش لوري] على موقع المجلة الإلكتروني قائلاً:
«أقترح أن تضرب مكة بقنبلة نووية ويكون ذلك بمثابة إشارة للمسلمين».
وقد جاءت كتابات [ريتش لوري] ردًا على رسائل تلقاها من بعض القراء حول رد فعل أمريكا المناسب في حال تعرضها لهجوم نووي، إذ ذكر أن الرسائل احتوت على تأييد كبير لضرب مكة بقنبلة نووية، وأضاف: أن بغداد وطهران هما الأقرب لتلقي الضربة النووية الأولى، وأنه لو كان لدينا قنابل نظيفة تضمن حصر الدمار في نقطة الهجوم لوضعنا غزة ورام الله على القائمة أيضًا. ويجب أن نحذر دمشق والقاهرة والجزائر وطرابلس والرياض من خطر الإبادة الفورية إذا أظهروا أية علامة اعتراض !!
وقد وصف مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) هذه العبارات المسيئة بأنها (عبارات جاهلة تدعو إلى إبادة ملايين البشر وتدمير مواقع دينية مقدسة في سياق مستهتر يخرج عن حدود أي نقاش عقلاني).
2- وقال[ جوزيف فرح] اليميني المتشدد بالنسبة لتهديد الإرهابيين بمهاجمة أمريكا وبقية العالم الحر، أنا أعتقد أنَّه ينبغي على أمريكا أنه تعلن أنه لو ضربها الإرهابيون المسلمون مرة أخرى فيمكنهم تقبيل مكة قبل الوداع، نحن نستطيع أن نعطيهم يومًا لإخلاء المدينة ثم ندمرها كلية بما في ذلك صهر الحجر الأسود.
3- وبعد تشويه الموقف الإسلامي واعتبار الإسلام هو المسؤول عن هجمات سبتمبر تنافست الأصوات في الدعوة إلى استئصال ( الشر الإسلامي ) كما يزعمون من جذوره، والتخلص من تلك الكتلة الشريرة المسماة بالعالم الإسلامي الذي وصفوه بالخطر «الأخضر» واعتبروه وريثًا للشيوعية التي وصفها في السابق بالخطر «الأحمر».
فقد كتبت [مارجريت وينت] في الصحيفة الكندية (جلوب آند ميل) قائلة: «هؤلاء الذين فعلوها ( تقصد الهجوم على نيويورك وواشنطن) هم أبناء الصحراء النائية، الذين يحملون معهم ثقافة القبيلة القديمة التي تمتزج بالدم والثأر، والمسكونين بالمعتقدات الجاحدة والكراهية اللدودة، الذين لا يقيمون وزنًا للحياة البشرية، ويرتكبون جرائمهم باسم الله، ويبدون استعدادًا مذهلاً للتضحية بأنفسهم وهم يقتلون الآخرين».
على هذا النحو مضت الكاتبة التي يصب كلامها في اتجاه واحد وهو أن المسلمين جميعا حالة ميئوس منها، وجنس فاسد يجب الخلاص منه،والعالم بغيرهم لابد أن يكون أفضل كثيرًا منه في وجودهم.
4- وفي جريدة (التلجراف) كتبت [بربار آميل] وهي يهودية وزوجة [كونراد بلاك] صاحب الجريدة البريطانية تقول:« إنه لسوء الحظ أنَّ المسلمين المتطرفين يملكون أسلحة عصرية في أيديهم، والدول الإسلامية إما أنها تدعمهم أو أنَّها تؤيدهم وهؤلاء لهم هدف واحد، هو تدمير الحضارة الغربية، إزاء ذلك فليس أمامنا بديل، فيجب أن نضعهم في مربع الأعداء، وأن يطردوا من الأمم المتحدة ، فإذا تقاعست عن ذلك فينبغي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى طرد الأمم المتحدة ذاتها، وفي الوقت ذاته ينبغي أن يمنع الجهاد تمامًا، ويجب أن نطالب المجالس الإسلامية بإدانته، وهذا التعظيم والإكبار له (الجهاد) في الكتب الدراسية وفي المساجد ينبغي أن توضع له نهاية،وألا يسمح به على الإطلاق».
- ماذا وراء هذه الحملة ؟
هذه الحملة تهدف إلى تحقيق جملة من الأبعاد منها:
1- إرهاب المسلمين وتخويفهم من البطش الغربي ليقبلوا بأي إجراءات وتنازلات تفرض عليهم.
2- إذكاء مشاعر العداء للإسلام والمسلمين لدى الغربيين.
3- تشكيك ضعاف المسلمين في دينهم، وزرع الشبهات في نفوسهم.
4- الضغط على المسلمين من أجل التفريط في الثوابت الدينية كشعيرة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق الحدود الشرعية وغير ذلك.
وقد كان الكثير من الغربيين في السابق يتبعون الطريقة الإنجليزية التي تلخصها عبارة (بطيء لكنه أكيد) لكنهم في الفترة الأخيرة تبنوا السياسة النصرانية المتعصبة التي يتبعها اليمين الأمريكي القائمة على حرق المراحل والتعجيل بالمواجهة وصولاً إلى معركتهم الموعودة ( هيرمجدون).
5-تنفير الغربيين من الإسلام وخاصة إثر ازدياد عدد الذين اعتنقوا الإسلام بعد أحداث سبتمبر، وقد ذكر أن أكثر من 30 ألف أمريكي اعتنقوا الإسلام بعد هذه الأحداث، فكان لابد من مواجهة هذه الظاهرة عن طريق الطعن في الإسلام ونبي الإسلام،ومن المفارقات أن الإسلام يحرم كل انتقاص وتكذيب لأي نبي من أنبياء الله كموسى وعيسى عليهما السلام، ويعتبر ذلك ناقضًا من نواقض الإسلام قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا{ [النساء: 150-151]، وقال: }لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ{ [البقرة: 285]، بينما ينتقص هؤلاء المتعصبون علنًا رسول الإسلام ﷺ ويتهمونه بأشنع التهم.
6- ربما أراد بعض من يديرون هذه الحملة حربًا شاملة ضد الإسلام والمسلمين، ومعظم هؤلاء من القساوسة المتعصبين الذين ينطلقون من معتقدات دينية متطرفة.
7- التغطية على الجرائم البشعة التي ترتكب باسم مواجهة الإرهاب، ومن أبرزها ما يلاقيه الشعب المسلم في فلسطين من مجازر على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني.
8- تعبر هذه الحملة كذلك عن قلق بعض الفئات المتشددة من تنامي التواجد والتأثير الإسلامي في أمريكا، ولذلك فإن هذه الفئات دأبت على ربط المسلمين بالإرهاب والتحذير من خطرهم على المجتمع المدني الأمريكي، وذلك بعد أن نجح المسلمون في بناء العديد من الصداقات والعلاقات الإعلامية والسياسية داخل هذا المجتمع.
ومن المفارقات أن القناص المجهول الذي قتل بدم بارد عشر ضحايا حتى الآن في الولايات المتحدة لم يتحدث عنه الإعلام كإرهابي، لأنه لم توجد مؤشرات على كونه عربيًّا أو مسلمًا، ولو حصل ذلك لتغيرت طريقة تغطية الأحداث تمامًا وهو ما حدث حين اتهم أحد المنتمين إلى الإسلام بارتكاب هذه الجرائم.
كما أن ( تيموثي ماكفاي) الذي قام بتفجير ( أوكلاهوما سيتي) الشهير كان ينتمي إلى إحدى الميليشيات المتأثرة بأفكار اليمين المسيحية المتطرف، ومع ذلك تمَّ معاقبة الفاعل وحده دون تضخيم القضية واستعداء الشعب والحكومة ضد اليمين المتطرف.
- ماذا علينا أن نفعل ؟
1- إننا كأمة مسلمة فاق تعدادها المليار وربع المليار نسمة أي ما يقارب 23% من سكان العالم، وتحتل 19 % من مساحته، ونعيش في 54 دولة إسلامية ، ونقيم في 120 مجتمعًا بشريًّا نعلن بأننا نستنكر ونرفض هذه الاتهامات ضد الإسلام، وندين هذه الهجمة الشرسة الوقحة ضد المسلمين ونبي الإسلام، ونؤكد أن ذيوع مثل هذه الافتراءات يؤدي إلى إيجاد جو يدعو إلى التصادم بين الحضارات والثقافات، وهذا ما ترمي إليه بعض الدوائر الغربية ومن ورائها الصهيونية العالمية، والتي أطلقت قبل عقد من الزمن نظريات ( صراع الحضارات ) لليهودي صموئيل هنتنحبون التي تستعدي صانعي القرار في الغرب ضد الحضارة الإسلامية و (نهاية التاريخ ) لفوكوياما التي تمجد الحضارة الغربية، وتعتبرها أفضل الحضارات وأحق الثقافات بالبقاء و( نهاية عصر الأيدلوجيات) التي تبشر بسيادة الأيدلوجية الأمريكية على سائر الأيدلوجيات.
2- إن على المسلمين أن يتحلوا باليقظة والوعي لما يتعرض له الإسلام والمسلمون في هذه المرحلة من تهديدات ومخاطر، فلا يستجيبوا لاستفزازات المتعصبين الذين يرغبون في ردَّات فعل غير محسوبة تبرر لهم تصعيد المواجهة التي لم يختر المسلمون زمانها ولا مكانها ولا طريقتها، كما يجب عليهم التآزر والتعاون في التصدي لتلك الحملة المغرضة الجائرة، وأن يبذلوا كل ما أوتوا من إمكانات وقوة في سبيل دحض هذه الافتراءات وبيان زيفها وكذبها أو التخلي عن النزاعات الجانبية والخلافات الهامشية إزاء هذا الخطر الداهم.
3- وعلى المسلمين كذلك أن يزداد تمسكهم بالإسلام المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ليبينوا أنه لا مساومة على العقيدة والمبادئ، وليعلم الذين يمسكون بخيوط هذه الحملة أن هجمتهم على الإسلام ونبي الإسلام باءت بالفشل، وأنَّها أثمرت نتائج عكسية متمثلة في عودة كثير من المسلمين إلى دينهم وتمسكهم بسنة نبيهم ودفاعهم عن معتقداتهم، وهذا الأمر من طبيعة دين الإسلام، فإن أهله يقوون حين يُستهدف دينهم، ويتحدون حين يرون الخطر الأكبر يتهدد عقيدتهم، ولذلك فإن التقارب اليوم بين جميع شرائح المسلمين، حكَّامًا ومحكومين، سياسيين ومثقفين، علماء وجماهير، أكبر منه في السابق.
4- على المنظمات العربية والإسلامية الدعوة إلى تحالف دولي ضد الكراهية للإسلام والمسلمين، ويدعو إلى وقف تلك الحملات المسمومة التي تحجب الحقيقة عن الناس، وتفتح الباب لإراقة الدماء بلا هدف ولا مبرر، ويدعو إلى اعتذار علني عن تلك الإهانات التي وجهت إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام، ولا سيما والغرب يطالب المسلمين عمومًا حكومات وشعوبًا بتحمل تبعات أفعال فردية يقوم بها بعض المسلمين دون أن يكونوا مقيمين في تلك الدول الإسلامية، بل يعيشون خارج سلطتها، ومن باب أولى أن يطالب الغرب بالاعتذار عن تلك الإهانات، لأنها صدرت من رموز مؤثرة وليست من أفراد عاديين، ولهم ارتباطات وثيقة بالسياسيين وصناع القرار، وتم نشرها على أوسع نطاق عبر القنوات الإعلامية العالمية.
5- على تلك المنظمات والجمعيات الإسلامية والعربية أن تبين أن العناصر اليهودية والمسيحية المتعصبة المؤيدة لإسرائيل هم الذين يقودون تلك الحملة الخاسرة، ويحركون خيوطها ويتحكمون في مسارها من خلال وسائل الإعلام المتعددة التي أمسكوا بزمامها منذ وقت طويل ولا سيما إذا علمنا أن:
قناة CBS والتي يتبعها 200 محطة يديرها وليم بالي وهو يهودي.
وقناة NBC والتي يتبعها 187 محطة يديرها فريد سلفرمان وهو يهودي.
وقناة INC والتي يتبعها 127 محطة يديرها ليونارد جلودستون وهو يهودي.
وأن مالك محطة ( CNN) [تيدتيرنر] لما حاول الكلام بشيء من الإنصاف وإظهار الحق تجاه الفلسطينيين وما يتعرضون له، واجهته حملة صهيونية شعواء في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حتى عادت محطته إلى خط التحيز ضد العرب والمسلمين.
6- وعلى المسلمين كذلك أن يبينوا الوجه المشرق للإسلام والمحاسن الكثيرة التي يتضمنها هذا الدين العظيم من الرحمة والعدل والسماحة والعفو والإنصاف،ومواقف النبي ﷺ في ذلك شائعة ومعروفة، وهو الذي يقول: «من آذى ذميًّا فقد آذاني» وأن ينتقلوا من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الفكري والحضاري لإثارة الأسئلة والاستفهامات أمام الشعوب وصنَّاع القرار في الولايات المتحدة والغرب بخصوص التناقض والتحيز والانتقائية والعنصرية والانفلات الأخلاقي وبقية مشكلات الحضارة الغربية في طبعتها الأمريكية، مع الدخول في حوارات هادئة ومطولة لا تنازل فيها عن الثوابت مع شرائح المجتمع الأمريكي المختلفة.
7- وعلى الدول الإسلامية أن تقف وقفة صادقة إزاء تلك الحملة المغرضة، وعليها أن تبين أن العداء للإسلام والمسلمين لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب أو البعيد، لأن معظم مصالحها تقع مدار العالم الإسلامي، والمسلمون موزعون في جميع دول العالم، فالإسلام والمسلمون موجودون في كل مكان، في الصين واليابان وأوروبا والأمريكتين وإفريقيا ومعظم دول آسيا وأستراليا، إنه دين عالمي عظيم لا يمكن تجاهله ، وليس في استطاعة أمريكا أو غيرها أن تعادي جميع المسلمين.
وأخيرًا:
لماذا يتهم الإسلام في هذا الوقت بالذات بالإرهاب ؟
ولماذا يتهم الرسول ﷺ بالعنف وإراقة الدماء ؟
}وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ{ [الأنفال: 61].
كيف يكون الإسلام دينًا يحرض على الإرهاب وهو الذي أمر بالعدل والإحسان قال تعالى: }وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{ [المائدة:8].
كيف يكون الإسلام دينًا يحرض على الإرهاب وهو الذي يأمر بالعفو والمغفرة، قال تعالى: }قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [الجاثية: 14]، وقال تعالى: }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ{ [النور: 22]؟!
كيف يكون الرسول ﷺ رجلاً عنيفًا يدعو إلى القتل وهو الذي اشتهر بالعفو والصفح والإعراض عن الجاهلين، ولا أدل على ذلك من عفوه عن أهل مكة الذي آذوه وأخرجوه من بلده وآذوا أصحابه وقتلوهم، فلما أن مكنه الله منهم قال لهم: «ماذا تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «أقول لكم كما قال أخي يوسف: }لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ{[يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء» هكذا كان عفوه ﷺ ورحمته بالأعداء وصدق الله القائل: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107].
ألا يعلم أولئك الذين يطعنون في النبي ﷺ ويتهمونه بالقتل وإراقة الدماء أن النبي ﷺ جلس ثلاثة عشر عامًا في مكة يجاهد بالقرآن، ويجاهد بالدعوة والبيان،ويجاهد بالصبر والاحتمال هو وأصحابه، حتى عذب منهم من عُذب،وقتل منهم من قُتل،وحوصروا ثلاث سنوات حصارًا اقتصاديا واجتماعيًّا حتى أكلوا أوراق الشجر ونوى التمر وغيره، وكان المسلمون يسألونه أن يأذن لهم في الجهاد والدفاع عن أنفسهم فكان يقول لهم: «كفوا أيديكم لم يؤذن لي بعد».
حتى بعد أن هاجر إلى المدينة أذن الله له ولأصحابه المؤمنين في الدفاع عن أنفسهم كما قال تعالى: }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{ [الحج: 39-40]. هذه الآيات أول ما نزل في شأن القتال تأذن للمسلمين أن يقاتلوا دفاعًا عن أنفسهم، فقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم وأوطانهم بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله، ويبين القرآن أن هذا وفق لسنة التدافع، فلولا دفع الناس بعضهم ببعض لتسلط الأقوياء على الضعفاء، ولطغى المستكبرون في الأرض، وأضاعوا الحرمات وهدموا بيوت الله.
إن المرء ليعجب من هؤلاء الطاعنين في نبي الإسلام بوصفه رجلاً يحب القتل وإراقة الدماء، وذلك لأن الذين قتلوا في غزوات النبي ﷺ وسراياه كلهم لا يتعدوا بضع مئات من المسلمين والمشركين، فأين هي المذابح التي ارتكبها محمد ﷺ ؟!
وأين هم آلاف القتلى الذين سقطوا بأمر النبي ﷺ؟
إن الذين ذبحوا في مذبحة صبرا وشاتيلا وغيرها يعدون أضعاف من قتلوا في عهد النبي ﷺ وذلك في غزواته كلها، مع الفارق بأن من قُتلوا في صبرا وشاتيلا من الأبرياء، ومن قاتلهم النبي ﷺ كانوا من المجرمين المحاربين المكذبين لله ورسوله.
إننا نتساءل: يا من تدَّعون السلام والحرية والحضارة كم عدد الذين سقطوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية ؟ ألم يقدر هؤلاء بالملايين ؟
كم عدد الذين سقطوا في حرب فيتنام ؟
كم عدد الذين قتلوا من اليابانيين بعد إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي باليابان ؟
كم عدد الذين ذبحوا في البوسنة والهرسك وكوسوفا ؟
كم عدد الذين قتلوا في أفغانستان والشيشان وكشمير ؟
وكم عدد الذين يذبحون كل يوم في فلسطين على أيدي جنود الاحتلال الصهيوني ؟
ولنعد بالذاكرة إلى الوراء فنتساءل: كم عدد الذين قتلوا من المسلمين خلال الحروب الصليبية الحاقدة أو خلال محاكم التفتيش في الأندلس ؟
لماذا يتهم الإسلام ونبي الإسلام بالإرهاب والعنف بينما يغض الطرف عن ملايين من البشر يقتلون دون أن يشاركوا في القتال ولو ببنت شفة !!
إنَّها دعوة للعقلاء لمحاصرة التعصب والإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد واستفزاز الشعوب وعدم الاغترار بالقوة المادية المتاحة اليوم لطرف من الأطراف، لأن الظلم سبب الدمار، والأيام دولٌ }وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...{ [آل عمران:140].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم