الوصف المفصل
اخدمي الإسلام وأنت في بيتك
شيخة محمد الدهمش
بسم الله الرحمن الرحيم
لمن هذا الكتاب؟
إلى من تمنت: بكل صدق، أن تكون داعية إلى الله، ولكنها تظن أنه لا بد أن تخرج من المنزل، وتنتقل في كل مكان لتدعو الناس، وهي لا تستطيع.
لحظة.. فلديك وهم!
إلى من تمنت، بكل صدق، أن تكون داعية إلى الله، ولكنها تظن بأن الدعوة شيء صعب، ولا يقوم به أي أحد.
لحظة.. فلديك وهم!
إلى من تمنت: بكل شدة أن تكون داعية، ولكنها تجد في طريق حُلمها هذا حواجز كبيرة من العوائق تحرمها.
فتقول بكل أسى وعجز:
أنا عجوز.. أنا أميَّة لا أقرأ ولا أكتب.. أنا مشلولة طريحة الفراش.. أنا عمياء لا أبصر.. أنا صمَّاء أو بكماء.. أنا امرأة والمرأة لا حول لها ولا قوة إن لم يُعنها رجل من زوج أو ولد.. أنا محكوم عليَّ بالسجن بين جدران منزلي الأربع.. أنا فقيرة.. أنا خجولة.. أنا لا أملك علمًا شرعيًا..
أنا... أنا.. أنا.. أنا لا أستطيع.
لحظة.. فلديك وهم لا بد أن تحطميه!
وهناك أمل لا بد أن تغرسيه!
فمن عقلك المشبَّع بالأفكار النيرة.
ومن قلبك المفعَّم بالعطاءات الخيرة.
ومن داخل بيتك المتواضع. ستنشئين مؤسسة دعوية عملاقة..
ربما غيرت مجتمعًا بأكمله.
كيف؟!
فقط.. اقرئي هذا الكتاب.
حوار صريح
في محاضرة ألقيتها ابتدأت اللقاء بسؤال طرحته على الحاضرات.
ألا تتمنى كل واحدة منكن أن تكون داعية إلى الله؟
بدأت الرءوس التي أمامي تهتز تحسرًا، والقلوب تتأوه تألمًا، وقلن بالإجماع:
ومن منا لا تتمنى ذلك؟!
والله نتمنى ألا يمر يوم إلا وندعو إلى الله .. ولكن كيف؟!
كيف ونحن لا نملك ما يؤهلنا لنكون داعيات؟!
قلت: هل تقصدن بأنكن لا تمارس الدعوة إلى الله إلا قليلاً؟! وأن كل واحدة من هذا الجمع الكبير الذي أراه أمامي لديها موانع تعيقها وتحرمها من القيام بهذه المهمة العظيمة التي هي مهمة الأنبياء والمصلحين؟!
قلن: نعم.
فسألت بأسى شديد: وما هي هذه الموانع والمعيقات؟!
ما هذا العذر الذي ستُجيبين به ربك يوم القيامة إذا سألك عن إهمالك في هذا المجال؟
وهل تتوقَّعين بأنه سيكون عذرًا مقبولاً عند الله تعالى؟؟
عفوا أخواتي: لتعطني كلُّ واحدة منكن عذرها الخاص.
فقالت امرأة عجوز تجلس أمامي: والله ما نعرف نقرأ ولا نكتب، ولا نتكلم مثلكنَّ أيها المتعلمات، ها أنت ذي تريننا.
ثم قالت فتاة: ما عندنا خبرة.
وقالت ثالثة: بصراحة نخاف من "الفشل" بين الناس ونستحي..
وأجابت أخرى: ما عندنا من يعيننا.. لا زوج ولا أولاد ولا غيرهم.. الله يهديهم ما نسمع منهم إلا التحطيم.
أما ما تردَّد كثيرًا على ألسنتهنَّ فقولهن: ما عندنا علم شرعي.
هذا هو بعض الحوار الذي دار بين وبينهنَّ، وهو حوار يكشف عن واقع مر وفهم قاصر لمعنى الدعوة إلى الله، وأهمية أساليبها المتنوعة، ولنقف الآن وقفة تأمل مع هذه الأعذار وهذا الحوار.
غيري فكرتك عن الداعية
أهم ما فهمته من خلال هذا الحوار وغيره من الحوارات المباشرة التي استقصيت بها رأي الكثيرات:
1- أن الداعية الحقيقي في نظر الناس هو فقط من يمسك بمكبر الصوت ويتحدث أمام جموع الناس، متصدرًا مجالسهم؛ أما غيره فلا، بل هم مجرد مساهمين في الدعوة فقط ولا ينطبق عليهم مسمى "داعية".
2- أن هناك توهمًا بأن ثمة موانع تعيق كل امرأة عن العمل الدعوي، خاصة من لا تخرج من المنزل.
وأقول: إن هذا تصور خطير، وفهم قاصر، أدَّى بكثير من الناس إلى احتقار إمكاناتهم، وبالتالي ترك العمل الدعوي الذي سنُحاسب عليه يوم القيامة، وذلك لأسباب:
أولاً: في زماننا هذا ومع تنوُّع أساليب الوصول إلى الناس ونجاح إمكانيتها أصبحت بعض الوسائل الدعوية تتفوق في نجاحها على محاضرة يلقيها الشيخ في مسجد.. وتصل إلى شرائح أكبر، وتؤثر أكثر وأقوى.
إذ قد يلقي الشيخ كلمة في مسجد يسمعها مائتان أو ثلاثمائة أو أقل أو أكثر، وقد لا يستوعبها بشكلٍ صحيح كلُّ من حصر، ثم تسجل في شريط أو تُنشر في كتيب، وتوزَّع على الملايين من قِبل أناس آخرين، فينفع الله بها نفعًا أعظم من نفع تلك المحاضرة في ذلك الوقت الذي أُلقيت فيه، فـ«رُبَّ مبلِّغٍ أوعى من سامع» كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
لقد سمعنا بأن كتيبًا بريال واحد أدخل مئات من الناس في دين الإسلام من كلِّ بلاد العالم.
وأن شريطًا واحدًا كان له من الأثر في هداية كثير من العصاة بصورة لم يؤثر عليهم سواه.
بل قد تفرج لشخص مكروب أو تدلُّه على عمل صالح من خلال رسالة جوال قصيرة.
وهكذا تتنوَّع الوسائل وتتسع دائرة نفعها فلا يصح أن نحصرها في إلقاء الدروس فقط.
ثانيًا: من هم المتحدثون في عهده عليه الصلاة والسلام؟
أما في المدينة فلم يكن خطيبهم ومعلمهم سواه - صلى الله عليه وسلم -، وأما في غيرها فمن أرسله سفيرًا له كمعاذ بن جبل في اليمن.
فهل يعني هذا أن الصحابة والصحابيات عليهم تمام رضوانه ليسوا دعاة إلى الله لأنهم لم يجلسوا في مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتحدثوا بدلاً عنه؟!
كلا.. وحاشاهم رضي الله عنهم، بل هم خير دُعاة الدنيا على الإطلاق، وعلى أكتافهم قام هذا الدين وانتشر، وإنما كانت دعوتهم إلى الله بطُرق مختلفة، كتبليغ ما سمعوه في مجلسه عليه الصلاة والسلام إلى من لم يحضر هذا المجلس من زوجات وأبناء وأهل وكل من حولهم بلا استثناء، وبمعنى آخر حرصهم على التعلُّم والتعليم في آن واحد، فمن من رجالنا يحضر خطبة الجمعة أو محاضرة في مسجد ثم يأتي ليفيد أهل بيته مثلاً بما تعلَّمه من علم!
وكم من أم أو أخت أو ابنة سمعت محاضرة في مسجد أو دار تحفيظ أو حتى في شريط ثم حرصت على إيصال ما تعلَّمته لأهلها وجيرانها فور عودتها حتى ولو لم يرغبوا في ذلك! أو قرأت كتابًا أو سمعت شريطًا فأهدته لغيرها على الأقل.
ومن وسائلهم العظيمة، وهي الأهم على الإطلاق، أسلوب الدعوة بالقدوة، وهي أشد أساليب الدعوة تأثيرًا، وبهذا السبب وحده، دون الأسباب الأخرى، فتحوا الأمصار والبلاد في أفريقيا وغيرها دون جهاد ولا حد سيف، فهل أعظم من هذا الأسلوب الذي فتح بلدانًا بصمت؟!
فثقي يا أخيتي أنَّ موقفًا واحدًا يتعلّم فيه من حولك خُلقًا فاضلاً وثباتًا منك على الحقِّ يرونك مستمرة عليه ملازمة له سيكون أثره عليهنَّ أبلغ من ألف محاضرة تلقينها عليهن.
وإن من أساليبهم الدعوية محاصرة المنكر والأمر بالمعروف في كل لحظة، والحزم في ذلك دون تهاون.
ومن أساليبهم الدعم المادي للدعوة والدعاة، والجهاد في سبيل الله على قلَّة ما في أيديهم.
وغيرها من أساليبهم المتوفرة والملائمة لعصرهم. فبمثل هذه الأساليب التي ربما ترينها بسيطة أصبحوا أفضل دعاة الدنيا على الإطلاق، فكوني على نهجهم لتكوني الأفضل بإذن الله.
ثالثًا: أنَّ كلَّ إنسان ميسَّر لِما خُلق له، وأن الله تعالى لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها، وليس كل الناس يستطيعون تصدُّر المجالس وإلقاء المحاضرات، وإنما فقط من خلقه الله مهيَّأ لذلك، وأعطاه الله القدرة على التأثير في الناس.
ولو تحدث من لا يحسن الحديث لكان سكوته أولى حتى لا ينفر الناس من الدعوة والدعاة.
ولو أمعنَّا النظر في المجتمع لوجدنا أنَّ الموهوبين الموفَّقين لحسن الحديث قلَّة في المجتمع، فهل يجوز أن يجلس الباقون مكتوفي الأيدي أمام تيَّار المنكرات الجارف؟
وهل يستطيع هؤلاء القلَّة وحدهم الوصول إلى كلِّ شرائح المجتمع، ومخاطبة عقولهم المختلفة، لولا الجهود المساندة أو المماثلة؟
بالطبع لا..
إنَّ الشخص الذي يلقي محاضرة قد يصل إلى فئة من الناس سعت بقدميها إليه.. لكن من يوصل صوته إلى الفئة الأخرى التي لا تعرف طريق المساجد أو المحاضرات؟
رابعًا: الشخص الذي يلقي محاضرة على فئة تحب أن تسمع مثل هذه المواعظ هل سيستطيع الوصول كذلك إلى الفئة التي لا تحب هذا النمط والأسلوب، بعد أن غير هذا الزمن أذواق الناس كمحبي الحاسوب أو المشاهد التمثيلية أو الرحلات مثلاً؟ بالطبع لا.. لأنه لا يحسن هذه الأساليب.
لقد خلق الله خَلْقه مختلفين، فما يؤثر في إنسان قد لا يؤثر في آخر، والأسلوب الذي يناسب فئة من الناس ربما لا يناسب غيرهم، وهذا يدعونا إلى أن نعي حقيقة البشر، وأننا نحتاج إلى تنوُّع في أساليبنا الدعوية للوصول إليهم بعد تغير الزمن ومغرياته.
فمدمنو الإنترنت ما عندهم وقت للذهاب إلى محاضرة في مسجد، فهؤلاء من الممكن أن تصل إليهم من الباب الذي دخلوا فيه وهو الحاسوب، وقد اهتدى خلقٌ كثيرٌ، بل ودخل البعض في الإسلام عن طريق مواقع في الانترنت أو مقالات أو غيرها من برامج الحاسوب .. أليس لمثل هؤلاء من الأجر ما للشيخ يتحدث في محاضرة وربما أعظم؟
كذلك قد تؤثِّر قصيدة وعظية في عشَّاق الشعر في الوقت الذي يراها غيرهم مجرَّد هذيان، وقد استمع الشيخ ابن باز إلى كثيرٍ من الأناشيد الإسلامية التي أُلقِيت في مجلسه، فما كان منه إلا أن أثنى عليها وعلى أصحابها، ودعا لهم وثبتهم وحثَّهم على المزيد.
ومن الناس من خلقه الله لا يحتمل الجلوس أقل من ساعة ليستمع إلى محاضرة، في حين أنه مستعدٌّ لأن يجلس ثلاث ساعات متواصلة ليقرأ في كتاب في مكان هادئ، أليس الكتاب الدعوي لمثل هذا أنجح؟
وربما أن مشهدًا تمثيليًّا تصل به إلى عشاق التلفاز أو محبي هذا النوع من الفنون سواء في شريط أو في التجمعات العائلية أو المسارح وغيرها يكون تأثيره أبلغ من محاضرة في مسجد أو خطبة جمعة.
وقد حضر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أحد المهرجانات الدعوية المقامة للشباب، وكان من ضمن فقراتها مشهد تمثيلي مؤثر، فقال الشيخ رحمه الله بعد انتهاء الفقرة: «إنَّ مشهدًا كهذا قد يؤثر في بعض الناس أبلغ من ألف درس في مسجد»! نقلاً عن الشيخ سلمان العودة..
بل إن اللعب قد يكون أحيانًا وسيلة دعوية كبرى متى استُغِلَّ استغلالاً طيبًا!
فقد حكى مدير مكتب توعية الجاليات بالبطحاء بمدينة الرياض أنَّ أحد المحسنين أقام ملعبًا لكرة السلة للفلبِّينيين في الرياض تحت إشراف المكتب، وجعلوا له بطولات وجوائز، وأنه أسلم من خلال هذه اللعبة خمسمائة شخص في ثلاث سنوات فقط!
عدا غيرهم من المسلمين الذين تعلَّموا أمور دينهم، ونقيت عقيدتهم من كلِّ شائبة في ذلك النادي الذي لا زالت الأعداد تنهال عليه يومًا بعد يوم.
فلنتأمل: هؤلاء الخمسمائة، ألم يكونوا موجودين في الرياض من قبل؟!
بلى، ولكن لَمَّا لم تفلح وسيلة المكتب في جذبهم أفلحت وسيلة أخرى وهي اللعب الحلال.
وأنتِ أيضًا داعية
وبعد.. أما آن الأوان لأن تغيِّري فكرتك الخاطئة عن الداعية الحقيقية؟ وأنها ليست فقط من تستطيع التحدث إلى الناس مباشرة.. وإنما كلُّ من تأخذ بأسلوب من أساليب الدعوة فهي من كبار الداعيات إلى الله، متى أخلصت لربها ونفع الله بها.
والآن قومي بعزم فأنت أيضًا داعية، ولا تحتقري أيَّ عملٍ تقدمينه ما دام سببًا لهداية الناس ولو دعمًا بمالك أو رأيك فقط .. ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدال على الخير كفاعله»؟
هل أعذارك صحيحة؟
بعد أن اقتنعتِ بأنك ستكونين من كبار الداعيات إلى الله متى ما غيرتِ فكرتك عن الداعية الحقيقية في زماننا هذا، وأنَّ كل الناس تيسَّر لهم خوض هذه المهمة الشريفة لتنوُّع وسائل الدعوة في هذا الزمان، وأنه لم يبقَ لك سوى العزيمة الصادقة.
بقي أن تبعدي الوهم الثاني الذي أحبطك عن السعي في الدعوة إلى الله، وهو أنك قد سجلتِ في مُخيَّلتك قائمةً من الأعذار والموانع التي تُعيقك وتحرمك من هذه الأمنية التي يتمناها كلُّ صادقٍ مع ربِّه، والحقيقة أنها مجرَّد كذبات شيطانية وحِيَلٍ خبيثة من عدوِّك اللدود، صدقتها أنت فتقاعست.
تقولين:
1- ليس لدي علم شرعي:
إذا كنتِ ممن يعتقد هذا الاعتقاد، وترين أنه عذرٌ كافٍ عند الله ومقبولٌ يوم الجزاء والحساب فإني أذكرك بأمور:
1- لم يبقَ في زماننا هذا من لم يتعلَّم إلا القليل، وكذلك ففي جوفك من العلم الشرعي الكثير، خاصة وأنت في بلاد الحرمين حيث العلم الشرعي في مدارسنا ووسائل إعلامنا كثير.
كما أنك قادرةٌ على تعلُّم العلم الشرعي وأنتِ في بيتك من خلال الأشرطة السمعية أو الكتب والكتيبات أو إذاعة القرآن الكريم أو قناة المجد التعليمية، ولكن عدم الرغبة في التعلُّم هي السبب وليس عدم وجود العلم وتيسُّر أسبابه، وإذا كان ليس لديك ما تشترين به وسائل التعلُّم فإنَّ من يوزعها مجانًا بكثرة في بلادنا لا حصر لهم.
2- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بلِّغوا عني ولو آية»، فإن كان زعمك صحيحًا ولا علم لديك فهل لا يوجد في جوفك ولو آية واحدة تبلغينها؟!
وهل تأكدت بأنَّ من حولك يحفظ هذه الآية بشكلٍ صحيح ويعرف تفسيرها ويُطبقها سواء من الأطفال أو الكبار؟
وهل أرسلت هذه الآية لمجلَّة أو جريدة أو إذاعة؟
وهل لا يوجد في جوفك ولو فتوى واحدة تحفظينها أو حديث شريف؟
ذكر أحد الدعاة لدينا قصة جميلة فقال: "أخبرني أحد الدعاة المصريين وهو إمام مسجد بمصر بأنَّ شيخًا طاعنًا في السن أتاه بعد الصلاة فقال: يا بني، أخبرني بأيِّ عملٍ أخدم به الإسلام؟ قال الشيخ: نظرت إليه فإذا هو شيخٌ طاعنٌ في السن لا يكاد يقوى على المسير، وإذا هو أمي لا يقرأ ولا يكتب، فاحترتُ في نفسي ما الذي سيخدم به مثل هذا الإسلام؟!.. فألهمني الله، فعلَّمته حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» فقلت له: تعلَّمها وعلِّمها غيرك، فطلب مني أن أعيدها عليه أكثر من مرَّة حتى حفظها، ثم دعا لي وودَّعني .. وانطلق بهذه الكلمة العظيمة يُعلِّمها كلَّ من يعرفه، فبدأ بأهل بيته علَّمهم فردًا فردًا، ثم انتقل إلى العمارة التي يسكنها حتى حفظها أهل العمارة كلّهم، ثم أقاربه وكل من يراه في الشارع أو المسجد، فحفظها على يديه المئات، ثم قدَّر الله تعالى أن تتدهور صحته ويدخل المستشفى في غيبوبة طويلة، ويقول الطبيب المشرف عليه: أفاق من غيبوبته ذات ليلة فرآني أمامه فقال: «يا بني، كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» .. تعلَّمها وعلِّمها غيرك، ثم شهق شهقة الموت فمات، فأثرت كلمته تلك في وجعلتني أعود إلى ربي وديني".
فاعتبروا يا أولي الأبصار.. فهذا شيخ طاعن في السن، أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومريض ضعيف، ومع ذلك يهتدي على يديه المئات، ويختم له بهذه الخاتمة الحسنة، فيموت وهو يدعو إلى الله.
والدعوة مهمة الأنبياء والرسل، فأي شرف عظيم ناله هذا الرجل بنشر حديث واحد فقط! أليس في جوفنا من العلم أكثر من ذلك ويحتاج فقط لأن نبذله لمن حولنا وفي كل مكان ولكننا مقصِّرون!
لو كان ا لأمر كما نظن فلا يدعو إلى الله إلا العلماء وطلبة العلم لَما حمَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسئولية الدعوة لِمن حفظ آية واحدة فقط فقال: «بلِّغوا عني ولو آية».
ثالثًا: إن كنت لا تملكين أي علم في صدرك حقًا، أو تملكين علمًا ولكن يمنعك الحياء أو عدم المبالاة من بذله للناس، فهل تعلمين بأنَّ العلم الشرعي كلَّه بين يديك متمثلاً في كُتيب صغير قد لا يجاوز سِعره الريال والريالين، وفي المطوية والشريط اللذين لن يكلفك شراؤهما إلا القليل، وربما وصلتك مجانًا، وهذا يحصل كثيرًا.. فقط قومي بتوزيعها، أو ادفعي المال لمن يشتريها ويوزعها، إذن لا عذر لك في هذا العصر إن قلتِ "ليس لدي علم شرعي" بعد أن تيسَّرت وسائل بذله.
قد يكون هذا العذر مقبولاً في السابق، أما في زماننا هذا فلا عُذر لك، لأنَّ علم كبار العلماء وفتاويهم متيسِّرة بين يديك وبأرخص الأسعار، فقط حرِّكي همتك يا مؤمنة.
والآن.. هلا مسحت هذا العذر من قائمة أعذارك وفورًا؟ أتمنى ذلك.
فتوى مهمة
سُئلت اللجنة الدائمة عن طباعة الكتب الشرعية وتوزيعها: هل هو من العلم الذي ينتفع به الإنسان بعد مماته؟
فقالت: طباعة الكتُب المفيدة التي ينتفع بها الناس وتوزيعها هي من الأعمال الصالحة التي يُثاب الإنسان عليها في حياته، ويبقى أجرها ويجري نفعها له بعد مماته، ويدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما صحَّ عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
وكل من ساهم في إخراج هذا العلم النافع يحصل على هذا الثواب العظيم سواء، كان مؤلفًا له أو معلمًا أو شارحًا له أو ناشرًا له بين الناس أو مُخرجًا أو مساهمًا في طباعته بماله وغيره، كلٌّ بحسب جهده ومشاركته في ذلك. فتوى: 20026.
2- ليس لدي خبرة:
أولاً: الخبرة في أي مجال لا تأتي إلا بعد الممارسة والتعلم من الأخطاء، والصبر على المتاعب، وليس قبل الممارسة, وكذلك الحال في الشأن الدعوي، فلن تكسبي الخبرة التي تريدينها إلا بعد العمل والاجتهاد وخوض الميدان.
ثانيًا: أُطمئنك أيتها الصادقة في حب ربها ودينها؛ فكثير من الوسائل الدعوية لا تحتاج إلى خبرة، وإنما إلى عزيمة صادقة، كشراء الكتاب والأشرطة وتوزيعها، أو وسيلة الرسالة الدعوية، فاعملي بما تعرفين ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.
ثالثًا: وأما إن كنت حريصة فعلاً على كسب الخبرة قبل العمل فلا يكون الانتظار في بيتك حتى تأتيك الخبرة على طبقٍ من ذهب هو الحل، وإنما الحل هو السعي الحثيث للبحث عن المجرِّبات من الداعيات، والاستفادة من وصاياهن، أما بالاتصال بهن هاتفيًا، أو مقابلتهن في أماكن تواجدهن أو الاستماع لمحاضراتهن.
كذلك قراءة ما ينشر من كتب تتحدَّث عن التجارب الدعوية والوصايا الخاصة، وأهمها على الإطلاق قراءة السيرة الدعوية للداعية الأكبر محمد - صلى الله عليه وسلم - والأئمَّة الكبار في تاريخنا الإٍسلامي.
3- أخاف من الناس وأستحي:
إلى التي تخاف وتستحي من مخاطبة الناس مباشرة أقول: إنَّ بعض وسائل الدعوة لا تحتاج إلى مخاطبة الناس، فلا داعي لخوفك أو حيائك، كالكتابة إلى الصحف والمجلات وتأليف الكتب والمنشورات، وإعداد الفلاشات الدعوية، والتنسيق مع الداعيات، وإعداد المجلات العائلية، وتوزيع الكتيبات والأشرطة، والدعوة عبر الإنترنت، والكثير الكثير غيرها مما ستجدينه في هذا الكتيب من أفكار، أما إن كانت لديك قدرة على مواجهة الناس ويمنعك الحياء فقط فأسألك: تخافين من ماذا؟ وتستحين من ماذا؟
فكري بعقلك، ما هي أسوأ الاحتمالات التي ستصيبك من الناس لو قمت بدعوتهم، أو إنكار منكر عليهم بطريقة شرعية حكيمة مهذبة؟!
هل سيطلق عليك النار وتنتهي حياتك في لحظة؟! أم هل سينشر رأسك بالمناشير كما حصل لمن ابتلي قبلنا؟!
ماذا سيحصل؟
أشد ما يأتيك وهو نادر جدًا هو أن تصرخ في وجهك من دعوتها وتسخر منك أمام الناس.
وهذا، كما قلت لك سالفًا، نادر جدًا، فبالتجربة أؤكد لك أن الكثيرات يتقبلن، ويدعون لمن دعاهن بالأجر والمثوبة.
ولا أعتقد بأن هذا الاحتمال النادر حصوله فيه من الرعب ما يجعلك تحجمين عن خوض هذا المجال.. وإن كنت تجدين خوفًا فعلاً الآن فالشيطان وحده هو الذي ضخم أمام عينك أسوأ الاحتمالات ليصرفك عن هذا الطريق.
أقسم لك بالله إنها حيلة شيطانية خبيثة، فلا تضعفي أمامه ولا تبالي وتذكري أن نبيك محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وكبار الأئمة والدعاة واجهوا ابتلاءات عظيمة في هذا الطريق، وصلت إلى حد الطرد، كما حصل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - حين طرد من أرضه ووطنه وبيته إلى المدينة، وكما جلد ابن تيمية، وأحمد بن حنبل بالسياط، وعذبوا شهورًا, وسجنوا من أجل كلمة حق، فما زادهم ذلك إلا ثباتًا على الحق واستمرارًا.
أما إن كانت المشكلة حياء من الناس، فهل تستحين أن تقدمي للناس كتاب ربك وسنة حبيبه عليه السلام؟ أفيهما ما يخجل؟ أم فيهما ما يجعلك أكثر فخرًا وسعادة؟!
ألم تري إلى تلك المغنية وتلك الراقصة والممثلة، والعلمانية التي تدعو إلى التحلل من الدين والحياء، كلهن يعرضن بضاعتهن التي تستحي منها الجمادات, وتلعنها بكل جرأة ووقاحة، وأنت التي تملكين كنز الحياة الحقيقية ومشعل النور الرباني تخجلين؟ أين العقل؟!
صدقيني إنه وهم غرسه الشيطان في نفسك، وآن الأوان أن تمسحي هذا الوهم من قائمة أوهامك، وتحطمي هذا الحاجز الذي بناه اللعين في نفسك بصدق عزيمتك ومحبتك لله ورسوله.
واعلمي: بأنك ستجدين بعض الرهبة والحياء في أول محاولة، ولكن لا تلتفتي إلى ذلك، وستزول بتأشيرة خروج بلا عودة متى ما استمريت في هذا الطريق.
ثم إن الحياء والرهبة أمر طبيعي عند كل الناس، وقد مر على كل البشر الذين يواجهون الناس في بداية أمرهم.. وما من عالم ولا داعية إلا ومرت عليه مثل هذه المشاعر في أول طريقهم فهل تقاعسوا؟ ولقد يسر الله لي أن أجريت لقاءات صحفية مع كثير من الداعيات اللاتي يشار إليهن بالبنان في مجتمعنا الآن؛ وإذا بهن كلهن يجمعن على أنهن واجهن صعوبة في بداية مشوارهن الدعوي، لعدم تعودهن على مواجهة الناس.. حتى إن إحداهن كانت تصيبها آلام حادة ومغص شديد في البطن بمجرد ما تمسك المايكروفون.
فتأملي: كيف أصبح حالهن الآن، وأي نفع عظيم نفع الله بهن؟ ! إني على يقين بأننا سنجدك قريبًا علمًا بارزًا في هذا الميدان، وإحدى المجاهدات في ساحته متى ما قررت الآن تخطي هذا الحاجز.. ننتظرك.
4- ليس لدي من يعينني من زوج أو أخ أو صديقة..
ومن قال لك أيتها الحبيبة بأنه لا بد لكل امرأة ترغب بأن تكون داعية إلى الله من أن يعينها زوجها أو أبوها أو أخوها أو ولدها أو صديقاتها؟ إن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولن يسألك يوم القيامة إلا عن ما تستطيعينه وتيسر لك فقط، فلا تحزني ولا تيأسي.
وإذا كان من أجمل الجمال في هذه الحياة أن يكون الرجل عونًا لزوجته على طاعة الله والدعوة في سبيله.
فماذا تفعل المرأة التي لم يسخر الله لها رجلاً يعينها على الخير، زوجًا كان أو غيره؟ هل تستسلم للواقع؟!
أخبرتني إحداهن بأنها كتبت مقالا تنكر فيه منكرًا وأعطته لزوجها ليرسله إلى إحدى المجلات فجلس في درج السيارة ثلاث سنوات، حتى أخذته ووضعته في درجها لعل الله يفك قيده يومًا ما.
وأخرى يرفض زوجها شراء الكتب والأشرطة والمجلات لها باعتبارها توافه، وأنها لا دخل لها في شؤون الناس.. ويرفض كذلك خروجها من المنزل لأي أمر دعوي، بل يرفض استغراقها في المكالمة الهاتفية أكثر من خمس دقائق، فلا تتمكن من النصح ولو عن طريق الهاتف، ويرفض أن تجمع تبرعات لتدعم أي عمل دعوي، ويرفض إعطاءها المال ولو ريالات قليلة لدعم العمل الدعوي، ويرفض أن تصلح بين الناس، أو تساهم في تزويج فتى أو فتاة، ويرفض أن يوصل رسالة دعوية إلى البريد.. ويرفض .. ويرفض، فكل ما فيه دعوة فهو مرفوض، وكلما طلبت مساعدته في وسيلة دعوية منعها، فهل تصدقين بأنها الآن أصبحت اسمًا لامعًا في العمل الدعوي رغم كل ما واجهها من ظروف.. لأنها صدقت مع الله وعملت بما تستطيع، فأعاد الله لها زوجها، وسخره لها ببركة الدعوة والدعاء، ولكن بعد عشر سنين من الجهد الصادق والمعاناة.
أختاه: إياك أن تستسلمي مهما كانت الظروف، واعتمدي على الله وحده، ثم على نفسك وما لديها من قدرات ولو كانت بسيطة، ثم ابحثي بصدق عمن يرغب في مساعدتك بلا منة أو أذية إن احتجت مساعدة من أحد.. فوالله ما سد الله على المرء بحكمته بابًا إلا وفتح له أبوابًا غيرها قد يكون عطاؤه فيها أكثر نفعًا ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾.
وإذا لم يسخر الله لك زوجك أو أخاك أو ولدك أو حتى قريباتك فسيسخر الله لك جنود السماء والأرض. والله لا تهونين على الله وأنت تسيرين في طريق يرضاه بكل إخلاص وهمة.
فابحثي الآن، وليس غدا، عن وسيلة دعوية تلائم وضعك الخاص وظروفك، ولو كانت داخل المنزل أو شيئًا بسيطًا، ثم استعيني بالله وحده، وأكثري من الدعاء والاستغفار، فهما مفتاح كل مغلق، وسبب لتيسير كل عسير.
ثم انطلقي بلا تردد, وواصلي بلا فتور ولو كنت ترينه جهدًا بسيطًا وثماره قليلة فهو عند الله يعدل الدنيا وما فيها.
وأبشري ففيما بعد ستجدين أن الله سخر لك محبي الخير، فهم يتراكضون خلفك، كلٌ يتمنى لو يساهم معك بشيء، سترين كذلك أن ما كان جهدًا فرديًا بسيطًا قد أصبح مشروعًا دعويًا جبارًا ناجحًا وهذا مجرب فجربي.
فهيا يا صاحبة الهمة، فأنت في زمن ليس فيه شيء مستحيل وعيب فيه أن تقعدك المعيقات.
ولعل ما ستقرئينه بعد قليل من أفكار دعوية وقصص واقعية يؤكد لك أنك قادرة على أن تفعلي شيئًا مهما كانت الظروف. قال - صلى الله عليه وسلم -: «استعن بالله ولا تعجز».
قصص واقعية
بين يديك الآن مجموعة متنوعة من الأفكار التي ستساعدك على خدمة دينك، ورفع موازينك وإصلاح من حولك، وأنت في داخل بيتك.. وأكثرها تستطيعين القيام بها وحدك دون مساعدة من أحد متى توافرت لك الإمكانات.
ولم يبق عليك سوى أن تخلعي رداء الكسل والعجز، فهو رداء أهل الفجور، وتلبسي رداء الصدق مع الله والهمة العالية؛ فهو رداء أهل الإيمان.
قال مالك بن دينار: إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم، فانظروا ما همومكم، رحمكم الله، فأي القلوب قلبك؟ قلب المؤمن أم الفاجر؟
ووالله يا أختي: بعد أن تقرئي هذا الكتاب، وتعلمي منه أن الوضع في زماننا هذا مختلف عن غيره من الأزمان؛ لتوافر وسائل الدعوة وتنوعها، فليس لك عذر عند الله إن تخلفت عن ركب الدعوة.
إن نساء مثلك ولهم ظروف أسوأ من ظروفك خدموا الإسلام كالفتاة المشلولة شللاً كاملاً, والتي ستجدين قصتها بعد قليل، وكالمرأة العجوز الأمية، والمرأة الفقيرة, ومن ضيق عليها زوجها. وإذا كان هؤلاء خدموا الإسلام، فما هو عذرك عند الله إن تخلفت عن الركب، وربما ظروفك أفضل من ظروفهم ألف مرة؟
وإذا كنت تعلمين أن الوضع في زماننا مختلف عن غيره؛ لأن المنكرات منتشرة، والشر متفشٍ في كل مكان بشكل لم يحصل مثله في تاريخ الأرض كله، وأن العلماء قرروا أن الدعوة في زمننا هذا فرض عين على كل مسلم، فما هو عذرك عند الله إن تخلفت عن الركب بعد كل هذا؟
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: "فعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم تكون الدعوة فرض عين على كل واحد، كل بحسب طاقته"([1]) .
ولماذا أفكار مجربة وقصص واقعية؟
حين فكرت في إعداد هذا الكتيب وجدت أن زادي من الأفكار الدعوية التي تمارس في المنزل قليل، ولأني لم أجربها كلها فلا أدري مدى سهولتها أو جدواها، ولذلك قررت أن لا أسطر إلا ما علمت بأن أخواتي المسلمات جربنه.
ولهذا فوائد:
1- لتعلمي إذا اخترت فكرة ما لتعملي بها أنه سبق وأن جربها غيرك ونفعت، فتتشجعي أكثر، وتتطلعي للنجاح الأكيد.
2- لتدركي أن بعض الوسائل، ولو كانت بسيطة أو غير معروفة عند الكثير، قد نفعت نفعًا كبيرًا.
3- إنها أفكار عادية، ومن نساء مثلك ولهم ظروف قاهرة وإنك بالتالي قادرة على ابتكار أفكار غيرها أجمل، فلا تحتقري نفسك وأفكارك، فابتكري ما تشائين، ولا تترددي وأنا في انتظارك لأسطر أفكارك في الطبعات القادمة.
4- إن الدعوة إلى الله وخدمة الإسلام أيسر بكثير مما كنت تتصورينه بأنها تحتاج إمكانات جبارة ومعقدة.
5- ستجدين نماذج متنوعة تمثل واقع المجتمع وروحه، كالمشلولة، والفقيرة، والعجوز، وهذا ينبهك أن لا تتقاعسي إذا مر عليك أي ظرف، وأنه مهما كانت ظروفك فأنت قادرة.
(1)
شابة معاقة أصيبت بحادث في طفولتها سبب لها شللا كاملا، وهي الآن طريحة الفراش منذ تسعة عشر عامًا.
قد امتلأ جسدها وخاصة ظهرها بحفر عميقة، فمن كثرة ملازمتها للسرير وانعدام حركتها قد تآكل اللحم حتى وصل إلى العظم وتكونت تلك الحفر الغائرة.. لا تخرج الأذى من بطنها إلا بمساعدة؛ فأولا تتناول دواء ملينًا مسهلا قوي المفعول ثم تساعدها أمها بالضغط على منطقة البطن.
حرمت كل متع الحياة التي تتقلب فيها الشابات الصغيرات.. فلا فسح ولا رحلات ولا زيارات للأقارب، ولا منتزهات وأسواق وملاهي كما تلهو الفتيات، ولا زوج يؤانسها ولا ولد تضمه بحنان، ولا جسد جميل تفتخر بجماله كالأخريات وتعتني به وتزينه.. بل ولا تتمكن من مغادرة السرير.. إنه سجن مؤبد، وحرمان ما بعده حرمان.
ورغم ذلك كله سخرت ما بقي من نعم الله عليها وقد بقي لها أعظم النعم: عقلها الواعي، وقلبها المفعم بالإيمان والرضا لخدمة هذا الدين وأهله، تحمل همة لا تجتمع في ألف شابة قوية صحيحة.
ستتعجبن وتسألن: وكيف لمثل هذه العاجزة أن تخدم الإسلام؟! سأخبركن بما أخبرتني به إحدى قريباتها.
1- فتحت بيتها لمن شاء زيارتها من النساء ولو لم تعرفهن، وللمدارس ودور تحفيظ القرآن، ليعتبروا من حالها، ثم تلقي عليهن محاضرها القيمة، وكلماتها المؤثرة، حتى كانت سببًا بإذن الله لهداية الكثيرات وتوبتهن، وعدم ازدراء نعم الله عليهن.
2- فتحت بيتها؛ لاستقبال المعونات العينية والمادية للأسر المحتاجة حتى إن زوجة أخيها تقول: رغم أن ساحة بيتها كبيرة لكني لا أجد مكانًا أسير فيه من كثرة المعونات.
3- تقوم بإعداد مسابقات شهرية في شريط أو كتيب ثم توزعها مع المواد الغذائية على الأسر المحتاجة، وتقول: أريد أن أغذيهم غذاء معنويًا وحسيًا في آن واحد.
أما كيف تعد المسابقة وهي مشلولة: فتطلب من خادمتها أن تفتح لها الشريط وتستمع إليه بكل وعي، ثم تعد أسئلة في ذهنها، وتطلب من زوجة أخيها كتابتها على ورقة، ومثل ذلك تفعل مع الكتيب بمساعدة زوجة أخيها.
يقول أحد محارمها، وهو الذي يتولى توزيع المسابقة وتمويلها: لقد بحثت بين محارمي من النساء من تساعد في إعداد هذه المسابقات، فرفضن كلهن بحجة انشغالهن في أمور الحياة، ولم أجد إلا هذه المقعدة التي بادرت بنفسها لتولي الأمر.
فهل نفعتهن صحتهن.. أو هل ضرها المرض؟!
4- وأما الهاتف فقد حولته إلى أكبر وسيلة دعوية في حياتها على الرغم من أنها تجد صعوبة شديدة في تحريك يدها والإمساك بسماعة الهاتف بسبب الشلل. لكنها تتحمل الآلام من أجل الإسلام وخدمته.. لقد تعارف الناس من حولها على أن من رأت منكرًا وتخجل من تغييره أو لا تستطيع لأي سبب فإن الملجأ الوحيد يكون إليها.
فهذا بيت يخرج منه نساء متبرجات، وهذا حفل ترفع فيه للمنكر راية وهذا.. وهذا.
تتصل بها النساء، ويخبرنها بمكان المنكر، ورقم الهاتف الذي تسجله لها خادمتها، ثم تحدثهن، وتعظهن بأسلوبها المؤثر المحبوب حتى ولو كانت لا تعرفهن.
وعبر الهاتف: ساهمت في تزويج عدد من الشباب والفتيات.
وعبر الهاتف: ساهمت في إصلاح ذات البين بين كل متخاصمين.
وعبر الهاتف: ساهمت في التوفيق بين الأزواج، وحل مشكلاتهم الزوجية.
ما رأيك.. أليست مؤسسة دعوية بفروعها المختلفة؟
"أين الهمة يا أصحاء؟"
(2)
قالت: فكرت كثيرًا في وسيلة أخدم بها الإسلام, ولم أكن أستطيع التحدث للناس ولا الكتابة، ولا مال عندي أشتري به كتيبات أوزعها أو أدعم العمل الدعوي في أي مجال.. فيسر الله لي فكرة الرسالة الدعوية، وطرحتها على بعض من أعلم أن لديهن رغبة في مساعدتي فوافقن ووزعنا العمل بيننا:
فمن لديها سائق: تذهب بالرسائل إلى البريد.
ومن لديها مال: تعطينا ثمن البريد والظروف البريدية.
والبعض منا: تجمع الأشرطة المستعملة، والكتيبات، والمجلات الإسلامية التي استغنى عنها الناس.
وقد ذُهِلْنَا من الكميات الكبيرة التي وصلتنا من الناس ولم ندفع فيها قرشًا واحدًا بل وجدنا ترحيبًا كبيرًا منهم، وكأننا فرجنا لهم حيث كانت متكدسة عندهم من قبل، لا يدرون كيف يتصرفون بها.
وبدأت أجمع العناوين التي أجدها في ركن هواة التعارف والمراسلة في المجلات الإسلامية أو غير الإسلامية وهي الأكثر، وأجدها كثيرًا عند بعض أقاربنا وصديقاتهم.. وأضع في كل ظروف كتيبًا عن التوحيد وعن الصلاة والزكاة وأحكام الحج والصوم وبعض المنكرات كالتبرج وغيرها ثم أكتب رسالة أخوية لطيفة مشبعة بالحب الأخوي لصاحب أو صاحبة العنوان، وأضع عنواني البريدي وأدعوهم للتواصل، وقد نجحت هذه الفكرة نجاحًا لم أكن أتصوره، ووصلتنا رسائل لا حصر لها تشكرنا وتطلب المزيد، وتحكي الكثير من مآسي إخواننا المسلمين في بلادهم.
(3)
امرأة كبيرة في السن، محبة للخير وقد رزقها الله سائقًا فاشترت اثنين من أجهزة التجميد "الفريزر" من ذوات الحجم الكبير، وجعلتها مخصصة لاستقبال فائض الولائم من الطعام في أي ساعة من ليل أو نهار، ولو ساعة متأخرة من الليل، فترسل سائقها الذي حفزته كثيرًا بالأجر الأخروي عند الله وبالمال والهدايا، ثم تقوم بحفظ الطعام في "الفريزر" ثم توزعه في الغد على المحتاجين والفقراء..
ألم تخدم هذه العجوز المسلمين حين حفظت النعمة من الكفران، وكفر النعمة سبب للهلاك والعقوبات العامة؟!
(4)
زوجي يساهم بجمع التبرعات, ودعم المشروعات الخيرية، ولأن لديه أعمالاً دعوية كثيرة فيوكل إلي أمر عد المال المجموع وفرزه، ووضع كل مال في جهته المطلوبة داخل مظاريف خاصة، وبالرغم من أن الأموال بحمد الله في هذه المؤسسة كثيرة, والتصنيف والتوزيع متعب لي، خاصة وأنه أصبح عملا يوميًا، إلا أن الاحتساب بدد ذلك كله.
(5)
وهذه أخرى قالت: تطلب منا إحدى قريباتي دائمًا أن نحضر لها كل ما فاض من مجلات أو منشورات وكتيبات وأشرطة وغيرها.
فسألتها مرة عن السبب فقالت: أساهم أنا في جمعها من الناس، ويساهم زوجي في توزيعها على الأماكن التي يرتادها كالبقالة والمسجد وصوالين الحلاقة والمستوصف وأماكن الانتظار المختلفة.
فتأملي: هي لم تكلف نفسها شراء هذه الوسائل الدعوية، وزوجها لم يجعل ذلك عملا إضافيًا قد يرهقه فيما بعد فيمل ويقعد وإنما يضعها في الأماكن التي سيذهب إليها لا محالة، كالمسجد والبقالة والحلاق ومحطة البنزين.. إلخ.
ومن الممكن لأي امرأة لا تجد زوجًا يعينها أن تستعين بأطفالها حين يذهبون إلى المسجد للصلاة، أو للحلاق لحلق رؤوسهم، أو للمستشفى للعلاج.. المهم أن يبقى هذا الهم حيا في قلبك.
(6)
وفي فكرة أخرى أعلنت هذه المرأة للناس حولها عن استعدادها لجمع كل ما فاض أو استغنى عنه الناس من الأوراق ودفاتر المدرسة والكتب والمجلات وغيرها، وأن سائقها على استعداد للذهاب إلى أي بيت يجمع كمية كبيرة منه، ثم تأخذها وتبيعها إلى مصنع الورق، وتستفيد من مالها في مساعدة الشباب المحتاجين الراغبين في الزواج.
فتأملي: كيف أن ورقًا كنت ستقذفين به في القمامة تزوج بثمنه شاب وفتاة، وكنت بعد الله سببًا في عفتهما.
(7)
بعد أن تعلمت كيف أدخل في عالم الإنترنت وأصبحت سمكة عائمة في محيطه أخذت العهد على نفسي ألا أكون متلقية فقط، وإنما أساهم في الدعوة إلى الله بإنكار كل منكر، والرد على كل متجاوز، والنصح لكل مسلم ومسلمة، فهذه فتوى لأحد المشايخ أرسلها لسائل عنها، وهذه مقالة أكتبها لموقع ما، وهذا رقم هاتف لأحد المشايخ أو موقعه أعطيه من رغبت في الحصول عليه، وهذا منكر يجاهر به أبين حكم الشرع فيه، حتى أصبح لي الآن وبالتعاون مع زميلاتي موقع دعوي خاص نفع الله به، ووجدت ثمرته توفيقًا وبركة في أمور حياتي كلها.
(8)
نجتمع كل أسبوع في منزل والدتي، وعدد الأطفال لدينا كبير، فقمت رغبة مني في تشجيع الصغار، على حفظ القرآن والمداومة على الصلاة بإعداد جدول خاص بالصغار لمتابعة ذلك، ووزعته عليهم ووعدتهم بالجوائز المغرية، وجعلت والدة كل طفل هي المشرفة على هذا الجدول، وفي كل أسبوع يتم توزيع جوائز بسيطة جدا تشجع الصغار المتفوقين على الاستمرار حتى يحين موعد الجوائز الكبرى.
وقد وجدت الأمهات في هذا الجدول تيسيرًا كبيرًا للصعوبات التي كن يواجهنا مع أبنائهن، وشكرنني كثيرًا وساهمن معي في إعداد الجوائز كذلك.
(9)
معلمة حاولت أن تساهم في جمع التبرعات لدعم المشروعات الدعوية ومساعدة محتاجي البلد، ففكرت بطريقة مناسبة لجمع أكبر مبلغ ممكن دون الوقوع في الحرج مع الناس عند الطلب مباشرة.
فأصبحت في أول كل صيف أو شتاء تشتري كمية كبيرة من ملابس ومستلزمات الأطفال المختلفة كالبيجامات والجوارب وغيرها بسعر الجملة ليكون أرخص سعرًا ثم تبيعه بسعر التجزئة، بعد أن أعلنت بأن ريعه سيصرف في دعم المشروعات الدعوية، ولاقى قبولا كبيرًا؛ لأن عدد الأطفال في أسرتهم كبير، ويساعدها البعض في ترويج بضاعتها عند أسرهن.
(10)
أحب حضور المحاضرات كثيرًا, وأتمنى ذلك، ولكن زوجي هداه الله، لا يشجعني, ولا يذهب بي.
أحزنني ذلك كثيرًا، ثم قلت في نفسي: «الدال على الخير كفاعله» فأصبحت بالتعاون مع زميلاتي, وبعض المؤسسات أدل كل من أعرفه حولي من أقارب وجيران وأهل وصديقات على مكان المحاضرات ومواعيدها، وأذكرهم بفضلها وألهب الحماس في قلوبهم لحضورها، وكم أكون سعيدة حينما تخبرني إحداهن بأنها حضرت تلك المحاضرة وتأثرت بها.
والحمد لله أصبحت مَرْجِع الكثير من الراغبات في السؤال عن المحاضرات رغم أني لا أحضرها.
(11)
تمنيت أن أخدم هذا الدين, وأدعو إليه, ولكني امرأة وليس لدي تعليم، وليس لدي مال لأنفقه في سبيل الله؛ لضعف حالتنا المادية.
ولكن الله جل جلاله أعطاني بفضله قدرة كبيرة على إتقان الطبخ وإجادته، وهي قدرة لا توجد إلا عند القلة من النساء.
فأصبح كل من يتذوق طبخي يثني علي، ففكرت في أن أساعد كل من ترغب في إعداد طبق ما، خاصة من لديها ولائم، أو في شهر رمضان، على أن تدفع لي مبلغًا من المال، وأصبحت أجمع المال وأساهم في كل ما كنت أتمناه من المشاريع الخيرية، وانقلب عناء المطبخ بعد الاحتساب متعة ولذة.
(12)
وهذه صورة من أروع صور الدعوة داخل المنزل عملا بقوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214].
بل هي أولى صور الدعوة في المنزل وأجملها على الإطلاق، قالت هذه الفتاة الشابة: لمَّا مَنَّ الله عليَّ بالهداية التفت إلى أهلي, فإذا بالهداية في واد وهم في واد آخر.
فأيقنت ألا طريق إلا طريق محمد - صلى الله عليه وسلم -، فشمرت ساعدي وأشعلت همتي لدعوتهم إلى طريق ربهم وسعادتهم، وأيقنت كذلك بأن مفتاح قلوبهم الوحيد بعد الاستعانة بالله هو حسن الخلق معهم، والاجتهاد في خدمتهم في كل ما يحتاجونه بطيب نفس وبشاشة وجه، ورفق في الحديث معهم وتلطف، والصبر على ما يصدر من بعضهم من حماقات والتغاضي عنها.
ففي البداية ركزت جهدي على أخواتي الصغيرات: أخدمهن، أحقق بعض ما استطيع من رغباتهن، أداعبهن وألاعبهن، أنصحهن بكل رفق حتى أحببني وبدأن يتأثرن بي، فتركن مشاهدة التلفاز والتزمن بالحجاب الصحيح، والتحقن معي بدار التحفيظ.
ثم وجهت تركيزي إلى والدي، حفظهما الله لي، وأريتهما من بري بهما وسعيي في رضاهما وليني في الحديث معهما وإجلالهما وعدم رفض أي طلب أقدر عليه منهما، وفي نفس الوقت أستغل كل فرصة لنصحهما بكل أدب واحترام، وأدخلت بعض وسائل الدعوة في مشواري هذا لتعينني فأهدي أبي شريطًا يسمعه في سيارة، وأهدي أمي كتيبًا لطيفًا تقرؤه، وقد أحكي قصصًا مؤثرة من كتيب أو مطوية عند اجتماع العائلة. حتى كلل الله جهودي بالتوفيق، فالتزمت أسرتي بأكملها ولله الفضل المنة، حتى إن أمي التي كانت تدخل جهاز الراديو معها في الحمام لتستمع إلى أغانيها المفضلة من شدة شغفها بها أصبحت الآن من حفظة كتاب الله.
(13)
يسر الله لي تعلم الحاسب وبرامج الكمبيوتر المختلفة, وأصبحت أتقن استخدامه بكل براعة.
فوظفت مهارتي هذه في خدمة الإسلام والمسلمين.
أساعد دور تحفيظ القرآن التي ليس لديها هذا الجهاز أو من يتقنه فأصمم النشرات، وأكتبها وأطبع كل ما يرغبونه.
وأفعل مثل ذلك لكل من ترغب في فعل خير من صديقاتي وقريباتي، حتى أصبحت المجلة العائلية بأكملها من إعدادي، كما أعددت الكثير من الفلاشات الدعوية التي لاقت رواجًا في عروض الدور والمخيمات الدعوية.
(14)
حين طرحت فكرة دعم المشروعات الخيرية ككفالة يتيم أو بناء مسجد أو كفالة أحد الدعاة على أهل بيتنا كان الجميع يرون صعوبة ذلك؛ لعدم توافر المال بكثرة في أيديهم.
ولكني طرحت فكرة صندوق الدعم الأسري، وهو إعداد صندوق لجمع المال يضع فيه الكبار مبلغ عشرة ريالات فقط كل شهر، ويضع الصغار مبلغ ريالين فقط كل شهر، وتحدد كل فترة بالجمع لمشروع معين.
فمثلا بدأنا نجمع لنكفل يتيمًا، وظللنا مستمرين على وضع المال في الصندوق لأشهر حتى اجتمع كامل المبلغ، ثم كفلنا يتيمًا، وبعده اتفقنا على مشروع آخر، مثلاً كفالة داعية، وبدأنا نجمع له دون أن نرهق أنفسنا بوضع أموال فوق طاقتنا ودون أن نفتر أو نمل من الاستمرار في هذا العمل.
والحمد لله ساهمنا في فروع كثيرة من فروع الخير، ما كنا نظن في السابق أننا نقدر على تحقيق ذلك، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل».
أرأيت يا أختي:
من اجتماع النقط كان السيل، ومن ذرات الرمل كان الجبل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
(15)
هذه امرأة جعلت من بيتها أكاديمية؛ لتخريج الدعاة والداعيات، فحرصت على أن تعد أطفالها؛ ليكونوا دعاة بناة للمجتمع في المستقبل.
فتعد لهم الكلمات البسيطة والجذابة، وتدربهم على قراءتها أمام أفراد الأسرة، ثم في اجتماع العائلة الأسبوعي في منزل والدها، ثم في الاجتماع الشهري الأكبر عند أقاربها وفي حلقات التحفيظ وأوقات الرحلات.
ثم إذا كبروا قليلا تطلب منهم مشاركتهم في إعداد هذه الكلمة، والبحث عن مراجع.
أما خادماتها فإنهن يعدن إلى بلادهن داعيات إلى الله، فقد جعلت من هذا الوقت الطويل الذي يعشن فيه عندنا سنتين أو أكثر، فرصة كبيرة لتهيئتهن تهيئة جيدة؛ لأنْ يكن داعيات إلى الله.
تعلمهن العلم الشرعي الصحيح، تزودهن بالكتب والأشرطة, وإن سنحت الفرصة ذهبت بهن إلى المؤسسات الخاصة لسماع المحاضرات المقامة بلغتهن، طلب منهن أن تعد كل واحدة كلمة تلقيها على الخادمات في اجتماعهن الشهري، وتشجعها، على توزيع الكتب والأشرطة في المنتزهات والأسواق حين تجد من هن مثلها، حتى إن إحداهن فتحت دارًا لتحفيظ القرآن الكريم، وتعليم العقيدة الصحيحة في قريتها بأندونيسيا.
(16)
اشترى زوجها جهاد (الفاكس) فوجدتها فرصة طالمًا حلمت بها، وهي الدعوة إلى الله في الأماكن التي لا تستطيع إيصال صوتها إليها.
فمرة تشارك في برنامج بإذاعة القرآن الكريم، ومرة تشارك في برامج المجد، ومرة ترسل إلى صحيفة تُذكِّر بسنن مهجورة، ومرة ترسل إلى أخرى لتنكر منكرًا، وما بقيت إذاعة صالحة أو طالحة، ولا قناة ولا صحيفة أو مجلة إلا وأرسلت لها بقدر ما تستطيع، طرح بقوة الرأي الإسلامي الصحيح، وتوصل صوتها إلى الملايين وهي في قعر بيتها.
(17)
وفي غرفة استقبال الضيوف خصصت ركنًا من أجمل الأركان، زينته بطريقة تجذب النساء إليه، وملأته بالكتيبات والمجلات والنشرات والأشرطة، والورود محيط بها من كل مكان.
وقد حرصت على كل ما يخص المرأة والأسرة وما ينتشر عند النساء من منكرات، وحرصت على أن تعاهده بانتظام كما تتعاهد باقي أثاث المنزل، وقد لمست أثره على الزائرات واضحًا. فهذه تقرأ، وتلك تعلق، ويدور الحديث عما قرأته فينصرف بعض الحوار في المجلس عن الغيبة والنميمة أو ما لا فائدة فيه.. بل إن بعض الأخوات لم تكن تعرف عن المجلات الإسلامية شيئًا إلا من خلال ذلك الركن الجميل.
(18)
هي في مدينة الرياض أشهر من نار على علم، أحبها الناس ووثقوا بها، ولكن قلوبًا أخرى أحبتها، ولسانها لا يفتر أبدا من الدعاء لها، إنها قلوب الفقراء والمحتاجين.
تحدثت معي في حوار طويل عن كثير من المشروعات التي تمت على يديها بعد إلحاح مني، ولكني لا أجد المساحة مناسبة لسرد كل التفاصيل، وسأذكر لك أبرز ما أثمرته مؤسستها البيتية الدعوية، فليلها ونهارها تقضيه في جمع التبرعات والدلالة على أوجه الخير المختلفة، ولا تجد سهمًا من سهام الخير إلا ولها فيه أكبر نصيب.
فعلى يدها شيدت سبعة مساجد كبيرة في المملكة وكفلت خمس مائة أسرة كبيرة، وثلاثين يتيمًا ويتيمة، وأخرجت من السجون ممن تورط من الفقراء بديون أكثر من خمسين سجينًا.
وأسلم بمساعدتها ودعم المحسنين مائتا ألف في تشاد فقط، فلله درها، امرأة تقوم من داخل بيتها بما تقوم به مؤسسة بأكملها.
(19)
فتاة جامعية تعلمت العلم الشرعي وأحبت الدعوة إلى الله، ولكن الله لم يرزقها الجرأة وطلاقة اللسان, لتدعو من هذا الباب، ففكرت أن تساهم في هذه المحاضرات بدعم الداعيات أنفسهن، فتكتب محاضرة متكاملة العناصر، خاصة وأن الله رزقها ملكة الكتابة والأسلوب الأدبي المؤثر، فإذا انتهت من إعدادها دفعتها لإحدى الداعيات، فتكون محاضرة مؤثرة ينتفع بها خلق عظيم، ولها من الأجر النصيب الأكبر بإذن الله.
(20)
قالت: أحاول دائمًا التأثير على جيراني ونصحهم، وفي البداية حينما انتقلت للسكن في حيِّهم لم يأتني أحد، ففكرت في طريقة للوصول إليهن فأعددت طبقًا كبيرًا من الخضار بالبشاميل وقطعتها ووزعتها على ثمان بيوت، وأرفقت مع كل طبق دعواتي ورقم هاتفي، فكانت ردة الفعل منهنَّ رائعة، وبادرن لزيارتي ودعوتي كذلك لزيارتهم، ثم اقترحت أن يكون بيننا درس أسبوعي ألقيه عليهن فرحبن، وحضر في المرة الأولى أربع فقط ثم بدأ العدد يزداد شيئًا فشيئًا حتى أصبح الجيران في الحي المجاور يأتين أيضًا لَما سمعن بالمجلس وأثره، والآن يصل عدد الحاضرات في اجتماعنا الأسبوعي أكثر من أربعين امرأة، وبفضل الله لما التزمت النساء التزم رجالهن وأبناؤهن حتى أخبرنا إمام المسجد في ذلك الحي أنه عجز في السابق عن نُصح كثير من البيوت لعدم حضورهم لصلاة الفجر، وأنه الآن لا يتخلَّف منهم إلا النادر القليل.
أرأيت أن المرأة يمكن أن تصنع ما يعجز عنه الرجال أحيانًا؟
(21)
وهذه امرأة أخرى جعلت إصلاح جيرانها همًّا لها، ولأنها لا تُحسن إلقاء الدروس أصبحت لا ترسل أي هدية لجيرانها إلا وتُرفق معها كتيبًا أو شريطًا، حتى عُرفت بين الجيران بأنها أكثرهنَّ إرسالاً للأطباق والهداية الدعوية.
(22)
امرأة رزقها الله بيتًا كبيرًا ففتحت ساحة بيتها ومجلسها لتكون روضة من رياض الجنة، تدعو الداعيات وتجمع النساء حتى أصبح النساء ينتظرن مجلسها الدعوي كل أسبوع، ثم أعلنت بعد أن رأت حرص النساء على الخير عن إقامة حلقة تحفيظ خاصة بأهل الحارة في منزلها الواسع عصر كل يوم، تدرس الكبيرات والأطفال حتى افتتح قريبًا منهم دار لتحفيظ القرآن الكريم فانتقلن إليها.
وأخرى لديها استراحة كبيرة فسخرتها في خدمة الدعوة وبذلها مجانًا لكل جهة ترغب في إقامة الملتقيات الدعوية فيها.
(23)
الكتابة: ذلك المنبر الدعوي الذي نسيه الكثير وقصر فيه، لنر بعض الأخوات كيف ساهمن فيه؟
(ا) فهذه أختنا تقول: أنا لا أحسن الكتابة الأدبية والتأليف، ولكني أعرف على الأقل النقل والكتابة وأتقن ذلك، فبدأت أجمع مقتطفات قيمة من الكتب وأنقلها كما هي، وأحيل إلى مرجعها، وأبعث بها إلى المجلات والصحف وغيرها.
(ب)وهذه: تفرغت للرد والتعليق على ما يرد في الصحف أو القنوات أو الإذاعة من منكرات، سواء ما تقع هي عليه، أو ما تخبرها به زميلاتها المتعاونات معها.
(ج)وهذه: أعطاها الله أسلوبًا آسرًا للقلوب، فتوجهت بهذه النعمة إلى أخواتها المسلمات تكتب في همومهن، وما تراه من منكرات عليهن، مما قد لا يستطيع إتقانه الرجال، فألفت عددًا من الكتيبات خدمت بها دينها، والباقي في الطريق بإذن الله.
قال الشيخ السعدي: رحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة.
(24)
بذل العلم لمن يحتاجه والإعانة عليه وسيلة دعوية أخرى تحدثنا عنها هذه الأستاذة الحاصلة على درجة الماجستير في العلوم الشرعية، ولظروف عائلية استقالت من الجامعة وجلست في المنزل، ولأن المنزل لم يكن يومًا مقبرة للعلم فقد وهبت نفسها لكل باحثة أو مؤلفة كتب أو داعية أو أستاذة في جامعة تحتاج إلى مساعدتها في تخريج الأحاديث، ومعرفة درجتها، والبحث في بعض الموضوعات، وغيره مما تحتاج له أي باحثة أو كاتبة.
(25)
ومن أساليب الدعوة التي يستهان بها رغم أنها قد تؤسس مشاريع جبارة طرح الأفكار الدعوية والمقترحات على الداعيات أو العاملين في الحقول الخيرية المختلفة.
اطرحي اقتراحًا على من تعد البرامج الدعوية العائلية، وفكرة يمكن تنفيذها ولو لم تنفذيها أنت، فاقتراحك مفتاح العمل.
اطرحي مقترحات وأفكارًا على بعض برامج التلفاز أو الإذاعة.
اطرحي اقتراحات تطويرية للمجلات الإسلامية، ومواقع الانترنت ومؤسسات المجتمع الخيرية المختلفة.
وكثير من المشاريع الخيرية كانت بدايتها فكرة واقتراحًا من بعض عامة المجتمع، كمكاتب الجاليات على سبيل المثال.
وقد اقترحت علي إحدى الأخوات كتيبًا توجيهيًا للنساء الذاهبات للمساجد، فكان كتابنا "قبل أن تخرجي إلى المسجد" فكم من الأجر سيأتيها كلما قرئ الكتيب.
(26)
أشيعي كل عمل إسلامي تسمعين به وانشريه بين الناس، أخبري من حولك عن موعد برنامج نافع في قناة، أو ذكِّري بموعد لمحاضرة في مسجد، وبشِّري بخروج مجلَّة جديدة، وأخبري عن مشروع دعَوِي تبنَّته مؤسسة دعوية، أو عن كتاب قرأتِهِ فانتفعتِ به، أو شريط سمعتِهِ وأثَّر فيك، وهكذا إحدى الأخوات أصيبت بالعين وكانت حريصة على أن تسمع عن هذا الموضوع وتجد من يجيب على أسئلتها، فوجدت في شريط الرسائل الموجود على شاشة قناة المجد رسالة من إحدى الأخوات تُذكِّر بموعد برنامج يتحدث عن العين، ففرحت وانتظرت الموعد، وتابعت الحلقة التي كانت سببًا لحلِّ كثير من مشكلتها، وتقول: لا زلت أدعو لتلك المرأة التي أرسلت تلك الرسالة.
(27)
هذه الجوَّال الذي رأيته في يد كثير من الفتيات صندوق فساد وإفساد، جعلته أختنا وسيلة دعوية ناجحة لدعوة كل من تعرفهم حولها، فأصبحت داعية بشكل يومي وهي في بيتها.
ففي كل يوم ترسل قدرًا معينًا من الرسائل إلى مجموعة، وغدًا ترسل إلى الأخرى، ولا يمكن أن تمرَّ مناسبة دينية إلا وتنتهز الفرصة لتذكِّر وتعظ.
إنها من الوسائل الدعوية الميسَّرة الناجحة جدًا جدًا لمن تستطيع ذلك، وقد سمعت بمن اهتدتْ بسبب رسالة جوال، ومن انصلح شأن من شئون حياتها بسبب رسالة صادقة عابرة.
فأين أنت من الله؟ يا من جعل الجوال فقط للنكت الهابطة والرسائل التي لا فائدة منها، والمكالمات الطويلة التي تخوض طولاً وعرضًا في أعراض الناس؟ ألم تهدري وقتًا ومالاً ستُسألين عنهما يوم القيامة؟
(28)
زوجي مأذون أنكحة.. قمتُ باختيار كتيب مناسب للعروس وشريط، وآخر مناسب للعريس، ثم غلفت كل مجموعة منهما بتغليف هدايا جميل، وأعددت من ذلك كمية كبيرة، وكلما خرج زوجي ليعقد نكاحًا أعطيته الهدية فيقدم واحدة للعروس وأخرى للعريس.
ولو فعل كل مأذوني الأنكحة مثل ذلك لخفت نسبة الطلاق والمشاكل الزوجية في مجتمعنا.
(29)
وهذه إحدى الأخوات التي ساءها ما تراه في مجتمعنا من منكراتٍ عظيمةٍ في صالات الأفراح ومناسبات الزواج، فلم تكتفِ بمقاطعتها فقط، بل أخذت على نفسها العهد ألا تصلها بطاقة دعوة إلا وتعد لأصحابها سلة كبيرة من المطويات أو الكتيبات أو الأشرطة التي تخصُّ منكرات الأفراح، بالإضافة إلى موضوعات أخرى تهم المرأة، وقد حرصت على تغليفها بشكل جميل، وإضافة نوع من الحلوى أو اللبان إليها، وزيَّنتها بشرائط الساتان، لتبدو بشكلٍ أنيقٍ جذَّاب يُشجع صاحبة الدعوة على قبولها وعدم رفضها.
وهذه المرأة لا تنتظر إلى الوقت الذي تصلها فيه بطاقة دعوة لكي تقوم بتجهيز هذه السلال الدعوية، وإنما جعلت هذه الفكرة هي همها الدائم وشغلها الشاغل، وكلما وجدت وقت فراغ قضته في الإعداد والتغليف، ولأنها لا تضغط على نفسها فتعد كميات كبيرة في وقت قصير، بل تعد السلة الواحدة على فترات متباعدة، فكلما وجدت فراغًا أكملت ما بدأته بالأمس، وبكل هدوء وانشراح صدر.
ولذلك لم تشعر يومًا بالملل أو الضغط عليها أو التعب أو أنه أخذ شيئًا من وقت بيتها وأبنائها، ولهذا استمرَّ عملها ولم يتوقف كما توقفت جهود كثيرٍ من الأخوات اللاتي يتحمَّسن في البداية ثم يتوقَّفن وينقطع خيرهنَّ لغياب الحرص الدائم وعدم البعد عن إرهاق النفس، وبالتالي إذا قرب موعد الحفل كانت هذه السلال جاهزة فلا يعيقها ظرف ربما يطرأ عليها، كالمرض أو الاختبارات أو عدم توفر الإمكانات المادية من إعدادها، أو غيرها من العوائق التي تجعل هذه المناسبات تمر دون أن تستغلها بنشر الخير.
والله لو كان في كل عائلة أو قبيلة ولو واحدة مثل هذه المرأة لما أصبحت منكرات أفراحنا في ازدياد كما نراه الآن.
(30)
إحدى الأخوات تملك موهبة فنية في إعداد اللوحات والمجسمات فسخَّرتها في إعداد لوحات جميلة جدًا بخامات متنوعة، فمرة بالورق المحروق، ومرة بالخوص، ومرة بالخيش، ومرة بالورد المجفف.. إلخ، ثم تضع بداخل كل لوحة ذكرًا من الأذكار مثلاً.
كلمة: لا إله إلا الله، صلَّى الله على محمد، سبحان الله وبحمده، دعاء الخروج من المنزل، صيغة التكبير في عشر ذي الحجة، دعاء دخول الحمام؛ دعاء النوم.. إلخ.
ثم توزعها على قريباتها كهدية مجانية ورائعة جدًا جدًا، تزين جدران منازلهم وتذكرهم بالله كل حين.
(31)
كان لرفض إخواني الذهاب بنا لحضور المحاضرات سببًا مباركًا لكي أفكر في إقامة حلقة ذِكر بيننا في البيت، واتفقنا على حضورها، ثم قرَّرنا أن نجعلها برنامجًا متكاملاً بفقرات متنوعة لتتلاءم مع كلِّ الأعمار، الصغار والكبار سواء، ولكي تؤثر على الجميع ويشاركوا فيها أيضًا.
لقد أحببنا هذا الاجتماع الرائع، وأصبحنا نشتاق إليه وننتظره، وكل من يساهم بإعداد فقرة، وكان له أثر عظيم في تصحيح كثير من أخلاقنا، والتشجيع على القيام بكثيرٍ من العبادات، حتى مواسم العبادات كرمضان، وعشر ذي الحجة، أصبح اهتمامنا بأدائها على الوجه الأفضل، أفضل بكثير مما كنا عليه في الأعوام السابقة، بالإضافة إلى زيادة الثقافة والاطلاع في السيرة النبوية والثقافة بصورة عامة، فقد زاد رصيد الصغار قبل الكبار منها.
وأتمنى من كل أسرة أن تجرب هذا المهرجان الأسري الروحاني الممتع، وألا تنسوني من دعائكم.
وأخيرًا
أختي المسلمة:
تذكري:
مهما كانت ظروفك... فأنت قادرة.
مرحبًا بك أيها الداعية الجديدة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.