×
مقدمة في المعاملات المالية وبعض التطبيقات المعاصرة: دورة ألقاها الشيخ يوسف بن عبد الله الشبيلي في منطقة حفر الباطن عام 1426 هـ عن المعاملات المالية طبقا للشريعة الإسلامية.

 مقدمة في المعاملات المالية وبعض التطبيقات المعاصرة

( دورة ألقيت في حفر الباطن لعام 1426هـ)

د. يوسف الشبيلي

بسم الله الرحمن الرحيم

 الوحدة الأولى البيع

  تعريف البيع:

البيع لغة : أخذ شيء وإعطاء شيء آخر ، مأخوذ من الباع لأن كلاً من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء .

واصطلاحاً : مبادلة مالٍ بمالٍ لغرض التملك.

حكم البيع :

الأصل في البيع الحل ، وقد تطرأ عليه الأحكام التكليفية الخمسة ، بحسب ما يترتب عليه من المصالح والمفاسد .

و قد دل على أن الأصل فيه هو الحل الكتاب والسنة والإجماع والقياس:

فمن الكتاب قوله تعالى : "و أحل الله البيع و حرم الربا".

ومن السنة ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"  .

وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة من زمن النبي صلى الله عليه و سلم إلى وقتنا هذا على جواز البيع من حيث الجملة.

وأما القياس فإن الناس لا غنى بهم عن الحاجات التي عند غيرهم ، و لا سبيل إلى تحصيلها إلا بالبيع و الشراء، والشريعة لا تمنع الناس مما يحقق مصالحهم .

 أقسام البيع :

ينقسم البيع باعتبارات مختلفة. وفيما يأتي أهم تلك التقسيمات:

1-فمن حيث موضوع العقد ينقسم إلى:

أ‌-       مبادلة نقد بعرَض . و هذا هو البيع عند إطلاقه. ومثالها بيع سيارة بريالات.

ب‌-     مبادلة عرض بعرَض و تسمى (المقايضة)، ومثالها بيع كتاب بساعة.

ت‌-     مبادلة نقد بنقد و تسمى الصرف. مثل مبادلة ريالات بدولارات.

2-وينقسم من حيث وقت التسليم إلى أربعة أقسام :

أ‌-       فإما أن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا. وهذا هو الأصل في البيوع.

ب‌-     أو يعجل الثمن و يؤخر المثمن و هذا هو السلم.

ت‌-     أو يعجل المثمن و يؤخر الثمن و هو بيع الأجل ، ومنه بيع التقسيط.

ث‌-     أو يكون كل منهما مؤجلا وهو بيع الدين بالدين (الكالىء بالكالىء).

والأنواع الثلاثة الأولى مباحة ، أما الرابع فهو محرم.

3-وينقسم من حيث طرق تحديد الثمن إلى:

1)      بيع المساومة: وهو البيع الذي لا يذكر البائع فيه رأس ماله بل يضع سعراً محدداً، و يكون فيه نوع من المساومة، و هذا هو الأصل في البيوع.

2)      بيع الأمانة: : البيع الذي يذكر البائع فيه رأس ماله و يضع سعرا محددا للسلعة.وينقسم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام:

أ‌-       بيع المرابحة: أن يحدد البائع الثمن بزيادة على رأس المال. كأن يقول: اشتريتها بثمانين و سأبيعها بتسعين، أو بنسبة زيادة كذا عن رأس المال.

ب‌-     بيع الوضيعة: أن يحدد البائع الثمن بنقص عن رأس المال. كأن يقول: اشتريتها بثمانين وسأبيعها بسبعين، أو بنسبة خصم كذا عن رأس المال.

ت‌-     بيع التولية: أن يبيع السلعة برأسماله فيها.كأن يقول اشتريتها بثمانين وسأبيعها برأسمالها.

 أركان البيع:

للبيع ثلاثة أركان، هي:

1- العاقدان ، وهما البائع والمشتري.

2- المعقود عليه ، وهو الثمن والمثمن.

3- صيغة العقد، وهي  ما يصدر من المتعاقدين دالا على توجه إرادتهما لإنشاء العقد ، وينعقد البيع بكل ما يدل عليه من قولٍ أو فعل.

وللبيع صيغتان:

أ‌-       الصيغة القولية: وتسمى الإيجاب والقبول، فالإيجاب هو اللفظ الصادر أولاً، مثل أن يقول البائع: بعتك هذا الثوب بكذا، والقبول هو اللفظ الصدر ثانياً، مثل أن يقول المشتري: قبلت.

ب‌-     الصيغة الفعلية: وتسمى المعاطاة، مثل أن يدفع المشتري ريالاً إلى البائع ويأخذ بقيمته سلعة من دون أن يتلفظ أحدهما بشيء.

 شروط البيع :

لا يكون البيع صحيحاً حتى تتوافر فيه شروط سبعة متى تخلف منها شرط فإن البيع يكون باطلاً، وهي:

1-التراضي من العاقدين: فلا بد من تحقق رضا العاقدين بالمبايعة، ودليل ذلك قوله تعالى(ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)  .وقوله عليه الصلاة و السلام( إنما البيع عن تراض) .

فإذا أكره شخص على بيع ماله بغير حق، فالبيع باطل و لا يترتب عليه أي أثر ،وكذا إذا أكره على الشراء.

أما لو كان الإكراه بحق فيصح،كما لو كان على رجل ديون للناس فأجبره القاضي على بيع بعض ما يملك ليسدد للناس ديونهم.

ومثل الإكراه كذلك ما لو باع شخص أو اشترى هزلاً أو خجلاً، فلا يصح العقد لانعدام الرضا.

2- أن يكون كل واحد من العاقدين جائز التصرف: أي أن يكون في كل منهما الأهلية المناسبة لإجراء العقد.

والذي يجوز تصرفه في المال هو البالغ العاقل الرشيد. فلا يصح العقد من صغير أو مجنون أو سفيه إلا بإذن وليه.

ودليل ذلك قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً"

وقوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم "

ويستثنى من ذلك تصرف الصغير في الشيء اليسير كشراء حلوى ونحوها.

3- أن يكون العاقد مالكاً للمال أو من يقوم مقامه، فلا يصح تصرف الإنسان في ملك غيره إلا بإذنه، لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا تبع ما ليس عندك"

والذي يقوم مقام المالك هو وكيله، أو ولي الطفل والمجنون والوصي عليهما، ونحو ذلك.

فلو باع شخص ملك غيره بغير إذنه، أو اشترى بمال غيره شيئاً بغير إذنه، فإن العقد لا يصح إلا إن أجازه المالك، ويسمى هذا عند الفقهاء : ( تصرف الفضولي).

4- أن يكون المبيع مباح المنفعة، فلا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة، مثل: الخمر والدخان، والآلات الموسيقية، وأشرطة الغناء، وأشرطة الفيديو المحرمة، ونحو ذلك.

ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله إذا حرم على قومٍ أكل شيئٍ حرم عليهم ثمنه" .

فإن كان في المبيع منفعة لا تباح إلا عند الضرورة مثل الميتة، أو تباح عند الحاجة مثل كلب الصيد والحراسة، فلا يجوز بيعه أيضاً، لقوله عليه الصلاة والسلام: " ثمن الكلب خبيث"

5- أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع سيارةٍ مفقودةٍ، أو طيرٍ في الهواء، ونحو ذلك، لعدم القدرة على التسليم.

ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الغرر"

6- أن يكون المبيع معلوماًعند البائع والمشتري وقت العقد، فلا يصح بيع شيءٍ مجهول؛ كأن يقول: بعتك سيارتي، فيقول المشتري: قبلت، وهو لم ير السيارة ولا يعلم صفاتها.

ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق في النهي عن بيع الغرر.

والعلم بالمبيع يتحقق بأحد أمرين:

الأول: برؤية المبيع وقت العقد، أو قبله بزمنٍ يسير لا يتغير فيه المبيع عادة.

والثاني:بوصفه وصفاً منضبطاً يقوم مقام رؤيته.

7- أن يكون ثمن السلعة معلوماً وقت العقد، فلا يصح أن يقول بعتك السيارة على أن نحدد سعرها فيما بعد.

ودليل ذلك الحديث السابق في النهي عن بيع الغرر.

 قبض المبيع

عرفنا فيما سبق أن البيع يفيد انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، والملكية تنتقل بمجرد البيع ولو لم يحصل تقابض بين العاقدين.

فعلى سبيل المثال: لو قال البائع: بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال، فقال المشتري:قبلت، فهذا يعني أن ملكية السيارة قد انتقلت من البائع إلى المشتري ولو لم يتم نقل رخصة السيارة باسم المشتري، فإذا نقلت الرخصة باسم المشتري،فيقال عنه في هذه الحال: إنه قد تملك السيارة وقبضها.

فالقبض إذاً بمعنى تمكين المشتري من التصرف في السلعة، والتخلية بينه وبينها،وهو أمر زائد عن مجرد التملك.

ما يترتب على القبض:

يترتب على قبض المبيع أمران:

الأول: جواز التصرف فيه بالبيع ونحوه، فمن اشترى شيئاً فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه.

والأدلة على ذلك:

1- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه".

2- وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعاً فما يحل لي منها، وما يحرم علي؟ فقال: "يابن أخي إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه".

والحكمة في النهي عن ذلك أن البائع لم تنقطع علاقته بالمبيع، فقد يمتنع من تسليم المبيع لاسيما إذا رأى أن المشتري قد ربح فيه، فيؤدي ذلك إلى النزاع، ومن مقاصد الشريعة سد الذرائع التي تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين المسلمين.

والثاني: انتقال الضمان من البائع إلى المشتري، فلو تلفت السلعة بعد البيع وقبل أن يقبضها المشتري فالضمان على البائع لأن السلعة تحت يده، إلا إذا كان التلف بسبب المشتري.

ويستثنى من ذلك ما إذا مكّن البائعُ المشتريَ من قبض السلعة فامتنع من قبضها فتضررت أو تلفت فالضمان على المشتري لأنه فرط في قبضها.

ما يحصل به القبض:

يرجع في تحديد القبض إلى العرف، وهو يختلف من سلعة إلى أخر، فعلى سبيل المثال:

- قبض العقارات كالدور والأراضي يتحقق بالتخليه بينها وبين المشتري.

- وقبض الأطعمة والثياب والأجهزة ونحو ذلك يحصل بنقلها من مكانها.

- وقبض الذهب والفضة والجواهر يكون بتناولها باليد.

- وقبض النقود بتناولها، أو بقيدها في الحساب المصرفي.

- وقبض السيارات يحصل بتحريكها وإخراجها من مستودعات البائع، أو بتسلم الأوراق الثبوتية التي تفيد تملك المشتري لها.

وهكذا سائر السلع يرجع فيها إلى العرف.

 الوحدة الثانية الخيار

 تعريفه الخيار

في اللغة: اسم مصدر من ( الاختيار ) وهو الاصطفاء والانتقاء.

وفي الاصطلاح : هو حق العاقد في فسخ العقد أو إمضائه.

أنواعه

للخيار أنواع عدة، منها ما يأتي:

النوع الأول: خيار المجلس:

المراد بالمجلس أي مكان التبايع أو التعاقد، فما دام المكان الذي يضم كلا العاقدين واحدا فلهما الخيار في إمضاء العقد أو فسخه إلى أن يتفرقا.

 دليله:

عن حيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".

والحكمة من مشروعيته أن الإنسان بعد أن يبيع شيئا أو يشتريه قد يبدو له فيندم , فبالخيار الثابت له في المجلس يمكنه التدارك.

 مدة الخيار:

يثبت خيار المجلس للعاقدين من حين العقد حتى يتفرقا بأبدانهما من النكان الذي تعاقدا فيه، سواء طال المجلس أم قصر.

وإذا كان العقد قد تم بالهاتف مثلاً فمدة الخيار حتى انتهاء المكالمة، وإذا كان عن طريق الشبكة العالمية ( الانترنت ) فمدة الخيار تستمر حتى إغلاق صفحة المحادثة التي بينهما إن كان البيع قد تم بمحادثة، أما إن كان قد تم بتعبئة نموذج شراء ثم إرساله إلى البائع، فتعبئة نموذج الشراء ثم إرساله إلى البائع يعد إيجاباً، وإرسال البائع إشعاراً بما يفيد الموافقة يعد قبولاً ، وبإرسال هذا الإشعار تنهي مدة الخيار.

نفي الخيار أو إسقاطه:

يجوز نفي خيار المجلس وإسقاطه.

ونفي الخيار: أن يتفق العاقدان قبل العقد على أن لا خيار بينهما، ويلزم البيع بمجرد العقد.

وإسقاطه: أن يتبايعا ثم يتفقا بعد العقد وقبل التفرق على إسقاط الخيار، وهذا قد يلجآ إليه إذا كان مجلس العقد طويلاً، فيلزم العقد من حين إسقاط الخيار.

التحايل لأجل إسقاط الخيار

لا يجوز لأيٍ من العاقدين أن يتحايل من أجل إسقاط الخيار، مثل أن يستعجل في الانصراف من مجلس العقد بقصد إسقاط حق صاحبه في الخيار.

ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". 

النوع الثاني:خيار الشرط:

وهو أن يشترط العاقدان أو أحدهما أن له الخيار في فسخ البيع أو إمضائه مدة معلومة.

مثل أن يقول المشتري: ابتعت هذه السلعة على أن يكون لي الخيار مدة أسبوع، فيكون له الخيار خلال هذه المدة في إمضاء البيع أو فسخه ولو لم يظهر في السلعة عيب.

وللمشتري خلال هذه المدة أن ينتفع بالسلعة؛ لأن ضمانها عليه، فلو حصل فيها نقص عند إعادتها للبائع فيضمن النقص.

دليله

عن عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً".

 شروطه

يشترط لصحة خيار الشرط شرطان:

1- تراضي الطرفين، سواء حصل الاتفاق في نفس العقد أو قبله.

2- تحديد المدة، ولو طالت.

 انتهاؤه

ينتهي خيار الشرط ويصبح العقد لازماً بانتهاء المدة المتفق عليها، أو باتفاقهما على قطع الخيار في أثناء المدة، لأن ذلك حق لهما فكان لهما قطعه.

النوع الثالث: خيار العيب

المراد بالعيب: ما ينقص قيمة المبيع عادة، مثل: تصدع جدار المنزل، وعطل في محرك السيارة، وفساد كثير في أسفل صندوق تفاحٍ، ونحو ذلك.

حكم كتمان العيب

إذا كان في السلعة عيبٌ ينقص من قيمتها، فيجب على البائع أن يبينه للمشتري، وإلا كان غاشاً له،فعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام – يعني كومة طعام- فأدخل يده فيها , فنالت أصابعه بللا, فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله يعني المطر قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس , من غش فليس مني } .

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { المسلم أخو المسلم , ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له } .

ما يثبت للمشتري

من اشترى سلعة ثم تبين أن فيها عيباً لم يكن يعلم به قبل الشراء، فإنه يخير بين أمرين:

الأول:رد السلعة وأخذ الثمن الذي دفعه كاملاً.

والثاني: إمساك السلعة وأخذ الأرش، والأرش هو قسط ما بين قيمة السلعة وهي سليمة وقيمتها وهي معيبة.

مثال ذلك: اشترى صالح سيارة بثلاثين ألف ريال، فوجد في ناقل الحركة فيها (القير) قد أصابه العطل، ولتقدير الأرش نفرض أن أهل الخبرة قدروا قيمة السيارة وهي سليمة بخمسة وعشرين ألف ريال ، وقيمتها وهي معيبة بعشرين ألف ريال، فالفرق بين القيمتين وهو خمسة آلاف ريال يعادل خمس قيمة السيارة وهي سليمة، فخير المشتري في هذه الحال بين أمرين:

إما أن يرد السيارة ويأخذ ثلاثين ألف ريال، أو يمسكها ويأخذ من البائع خمس الثمن الذي اشتراها به وهو ستة آلاف ريال.

البيع بشرط البراءة

إذا اشترط البائع على المشتري أن يبرأه من العيوب التي في السلعة وقبل المشتري بهذا الشرط، فهل يبرأ البائع بذلك؟وهل يحق للمشتري المطالبة فيما لو تبين فيها عيب؟

لهذه المسألة حالان:

الحال الأولى: إذا كان المشتري يعلم  بالعيب، بأن أخبره البائع به، مثل أن يقول: السيارة ينقص زيتها، أو كان العيب ظاهراً، مثل أن تكون السيارة مصدومة وآثار الصدمة ظاهرة ، فإن البائع يبرأ من ذلك العيب، وليس للمشتري الخيار من أجله.

الحال الثانية: ألا يعلم المشتري بالعيب، ويشترط البائع البراءة من كل العيوب التي قد تظهر في السلعة، كأن يقول: بعتك بشرط أن تبرأني من كل عيب تجده في السلعة ، أو بعتك السيارة على أنها كومة حديد، أو بعتك الدار على أنها كومة تراب، ونحو ذلك من العبارات التي يقصد منها أن يقبل المشتري بالسلعة بما فيها من العيوب.

والحكم في هذه الحال أن البائع يبرأ من العيوب إن كان لا يعلم بها عند العيب ، لأن الحق للمشتري وقد رضي بإسقاط حقه، أما إذا كان البائع يعلم أن في السلعة عيباً فكتمه واشترط على المشتري البراءة من العيوب التي قد تظهر في السلعة فإنه لا يبرأ بذلك، لأنه غش وتدليس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من غش فليس مني".

الشروط في البيع

تعريفها :

تعرف الشروط في البيع  بأنها : إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة، أي غرض صحيح .

مثالها: اشترى محمد سيارة واشترط على البائع نقلها إلى مدينة أخرى.

وتختلف الشروط في البيع عن شروط البيع من وجهين :

الأول : أن واضع شروط البيع هو الشارع، بينما الشروط في البيع يشترطها أحد المتعاقدين على الآخر .

الثاني : إذا اختل شرط البيع فسد العقد ، بخلاف ما إذا اختل أحد الشروط فيه فيثبت الخيار للمشترط ولا يفسد البيع .

الأصل في الشروط :

الأصل في الشروط في البيع هو الصحة واللزوم ، فلكل من العاقدين أن يضيف على أصل العقد شروطاً يلزم بها الطرف الآخر .

والأدلة على ذلك :

1- قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "  ومن الوفاء بالعقد الوفاء بما شرط فيه .

2- عن عمرو بن عوف المزني رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { المسلمون على شروطهم , إلا شرطا حرم حلالا , أو أحل حراما }.

 أنواع الشروط في البيع

تنقسم الشروط في البيع إلى قسمين:

القسم الأول: الشروط الصحيحة

وهذا هو الأصل في الشروط في البيع، ومنها:

1- الشروط الموافقة لمقتضى العقد ، مثل أن يشتري سيارة ويشترط على البائع ضمان العيوب المصنعية فيها، فالبائع يضمن هذه العيوب أصلاً سواء وجد شرط بذلك أم لم يوجد، وذكر هذا الشرط يفيد التوكيد.

2- الشروط التوثيقية، مثل أن يشترط البائع ضامناً أو رهناً، كأن يشتري شخص من آخر سيارة بثمن مؤجل، فيشترط البائع على المشتري ضامناً له، بحيث إذا تأخر المشتري عن السداد فيحق للبائع مطالبة الضامن بالثمن، أو يشتري شخص جوالاً بثمن مؤجل ويشترط البائع أن يرهنه المشتري ساعته بحيث إذا حل موعد السداد ولم يوفه حقه فإن البائع يستوفيه من ثمن الساعة بعد بيعها.

3- الشروط الوصفية، مثل أن يشترط المشتري صفة معينة في المبيع أو في الثمن، كأن يشتري سيارة ويشترط أن يكون لونها أخضر، أو يشترط أن يكون الثمن أو بعضه مؤجلاً.

4- اشتراط نفعٍ معلومٍ في المبيع، سواء اشترطه البائع أم المشتري، فمثال اشتراط البائع: كأن يبيعه سيارة ويشترط أن يستعملها أسبوعاً، ومثال اشتراط المشتري: أن يشتري منه قماشاً ويشترط عليه خياطته.

5- الشروط التقييدية( المخالفة لمقتضى العقد)، بأن يقيد أحد العاقدين الآخر في تصرفه في المبيع أو في الثمن، كأن يكون لشخص أرض قريبة من داره فيبيعها على زميله بشرط ألا يبيعها لأنه لا يرضى بجوار غيره، ونحو ذلك.

6- اشتراط عقدٍ في عقد، كأن يجمع بين بيعٍ وبيع، مثل أن يقول: بعتك سيارتي بعشرين ألف ريال، بشرط أن تبيعني سيارتك بثلاثين ألف ريال، أو يجمع بين البيع والإجارة، مثل أن يقول بعتك داري بمليون ريال بشرط أن تؤجرني دارك مدة ثلاث سنوات بمائة ألف ريال، فهذه الشروط صحيحة ما لم يكن أحد العقدين قرضاً.

7- - الشروط الجزائية ، بشرط أن يكون محل الالتزام فيها عملاً،كأن يتفق شخص مع مقاول على بناء بيت بمليون ريال ، فإن تأخر في التسليم فيخصم 1% عن كل شهرٍ متأخر. أما إن كان محل الالتزام مالاً فلا يصح، لأنه يؤدي إلى الربا، ومن ذلك ما يعرف ب"غرامات التأخير" مثل أن يبيع شخص سيارة بالأجل ويشترط على المشتري أنه إن تأخر عن السداد فيدفع غرامة عن التأخير بقدر1% شهرياً عن المبلغ المتأخر.

8-الشروط التعليقية، مثل أن يقول: بعتك سيارتي بعشرين ألف ريال إن رضي والدي،فيقول الآخر: قبلت، فإذا رضي والده لزم العقد، ومن ذلك أيضاً بيع العربون.

فجميع الأنواع السابقة من الشروط صحيحة ، ويلزم الوفاء بها، وذلك لأن رغبات الناس تختلف فكان في إباحتها موافقة للحكمة التي من أجلها أبيح البيع.

القسم الثاني : الشروط الفاسدة

وهي على نوعين:

النوع الأول: الشروط التي جاءت الشريعة بالمنع منها، مثل أن يجمع بين السلف والبيع، كأن يقرض زيد خالداً مائة ألف ريال على أن يردها بالمبلغ نفسه، بشرط أن يبيع خالد سيارته لزيد بعشرة آلاف ريال، فهذا الشرط محرم لأنه ذريعة إلى الربا ، فقد تكون قيمة السيارة أكثر من ذلك ولكن خالداً رضي بذلك لأجل القرض، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:" لا يحل سلف وبيع".

النوع الثاني: الشروط المخالفة للمقصود من العقد، مثل أن يبيعه سيارة بشرط ألا يتملكها المشتري، فهذا الشرط يخالف المقصود من عقد البيع، إذ المقصود من عقد البيع انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، ومع وجود هذا الشرط أصبح العقد صورياً.

فهذه الشروط فاسدة، لايصح اشتراطها، ولا يلزم الوفاء بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط".

وقوله: " ليس في كتاب الله ": أي ليس في حكم الله وشرعه.

 وقت البيع:

لا يتحدد البيع بوقت معين، فيجوز إجراء العقود في أي وقت. ويستثنى من ذلك ما إذا كان إجراء العقد يؤدي إلى الإخلال بواجبٍ على الإنسان. ومن ذلك البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني لمن تلزمه الصلاة ؛ وذلك لأنه مأمور بالسعي لسماع الخطبة وأداء الصلاة، لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" .

ويلحق بذلك البيع والشراء لمن تلزمه الصلاة المفروضة إذا كان ذلك يؤدي إلى تفويتها عن وقتها، أو تفويت الجماعة لمن يلزمه حضورها.

مكان البيع:

ليس للبيع مكان محدد، فيجوز إجراؤه في أي مكان ما عدا المساجد لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الشراء والبيع في المسجد" .

والحكمة في ذلك هو صيانة المساجد وحفظها من اللغط وهيشات الأسواق.

مسألة: يدخل في النهي المذكور ما يقوم به البعض من بيع الأسهم أو شرائها عن طريق الجوال وهو في المسجد.

 الوحدة الثالثة البيوع المحرمة

من محاسن الشريعة الإسلامية ومظاهر سماحتها أن المعاملات المحرمة فيها محصورة في دائرة ضيقة، بخلاف المعاملات المباحة؛ فإنه لا حدود لها، إذ الأصل في المعاملات هو الحل، كما تقدم. والناظر في المعاملات المحرمة يلحظ الأمور الآتية:

1-      أنها محدودة في نطاقٍ ضيق.

2-      أن الله لم يحرم شيئاً من المعاملات إلا وأباح بدائل كثيرة تغني عنه من المباحات.

ومن ذلك: أن الله حرم الربا، وفي المقابل أباح البيع الآجل، وحرم القمار وأباح المسابقات المشروعة، ونحو ذلك.

3-      أن التحريم في المعاملات إنما يكون في الغالب لما تشتمل عليه من الظلم، فكان في منعها مصلحة للعباد ودفعاً لآثارها السيئة عن المجتمع.

أسباب الكسب المحرم:

ذكر أهل العلم أن الكسب المحرم في المعاملات يرجع في الغالب إلى واحدٍ من أسبابٍ ثلاثة، وهي:

1-الظلم.

2-الغرر.

3-الربا.

السبب الأول الظلم:

متى ما اشتملت المعاملة على ظلمٍ من أحد العاقدين للآخر أو لغيرهما، فإنها تكون محرمة. والأصل في ذلك قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم" ، والظلم يفسد الرضا في العقد، فهو من أكل المال بالباطل.

والظلم في البيوع له صور متعددة، منها:

 أولاً-الغش:

ويكون بكتمان العيوب التي في السلعة، أو بإظهار السلعة بأحسن مما هي عليه في حقيقة الأمر، وهو محرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " من غش فليس مني" .

 ثانياً-النجش:

تعريفه:

النجش في اللغة بمعنى الإثارة، مأخوذ من قولك: نجشت الصيد إذا أثرته، فكأن الناجش يثير كثرة الثمن بنجشه.

وفي الشرع له صور متعددة، منها:

1-أن يزيد في ثمن السلعة في المزاد وهو لا يريد شراءها، سواء كان ذلك باتفاق بين الناجش وصاحب السلعةن أم بينه وبين السمسار (الدلال)، أم كان ذلك بغير اتفاق بينهم، بل يزيد فيها من قبل نفسه مع عدم رغبته في الشراء.

2-أن يصف البائع السلعة بما ليس فيها.

3-أو يقول البائع: اشتريت هذه السلعة بكذا، وهو كاذب.

حكمه:

النجش محرم بجميع صوره المتقدمة؛ لما فيه من تغرير المشتري وخديعته، وأما البيع فإنه صحيح ويثبت للمشتري الخيار بين رد المبيع أو إمساكه إذا غبن غبناً خارجاً عن المعتاد.

دليل التحريم:

حديث عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: نهى النبي صلى اللاه عليه وسلم عن النجش .

 ثالثاً-بيع الرجل على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، وسومه على سومه:

الأمثلة:

1-مثال بيع الرجل على بيع أخيه: أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة :أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو يقول له: أنا أعطيك أفضل منها بعشرة؛ لكي يفسخ الصفقة السابقة ويشتري منه.

2-ومثال شرائه على شرائه:أن يقول لمن باع سلعة بتسعة : أنا أشتريها منك بعشرة.

3-ومثال سومه على سومه:أن يجد شخصين عازمين على إجراء صفقة وقد ركن كل منهما إلى الآخر واتفقا على السعر، فيقول للبائع: أنا أشتريها منك بثمنٍ أعلى، أو يقول للمشتري: أنا أبيعك مثلها بثمنٍ أقل.

ولا يحرم السوم على سوم أخيه إلا بشرطين:

1- أن يكون بعد ركون كل منهما إلى الآخر، أما إذا كانا في مرحلة المفاوضة ولم يتفقا عل شيء محدد فلا يحرم سوم شخصٍ ثالث حينئذ.

2- ألا يكون ذلك في مزاد، فإن كان في مزادٍ فلا يحرم السوم على سوم أخيه.

ويقاس على البيع في جميع ما تقدم بقية العقود كالإجارة. فلو تقدم شخص لعملٍ أو وظيفة وقبلته جهة التوظيف فهو أحق بهذه الوظيفة من غيره، أما إذا لم يحصل قبول وكان المجال مفتوحاً لكل راغب ثم يتم الاختيار فلا بأس بالتقدم

دليل التحريم:

حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ولا يبيع بعضكم على بيع أخيه"متفق عليه، ولمسلم :" لا يسم المسلم على سوم المسلم"  .

والشراء مثل البيع في ذلك.

حكمة النهي:

لما قد يسببه ذلك من العداوة بين المسلمين وإيغار صدر المسلم على أخيه.

 رابعاً-الاحتكار:

تعريفه:

هو أن يحبس السلعة عن الناس مع حاجتهم إليها ليزداد الطلب عليها ثم يبيعها بسعر مرتفع.

حكمه:

اتفق الفقهاء على تحريم الاحتكار من حيث الجملة.

دليله:

حديث معمر بن عبد الله –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحتكر إلا خاطئ}

شروطه:

لا يكون الاحتكار محرماً إلا بشرطين:

الأول: أن يكون في وقت الغلاء، فأما حبس السلع في وقت الاتساع والرخص فلا يعد احتكاراً.

والثاني: أن يكون في السلع التي يحتاج إليها الناس، ويتضررون بحبسها عنهم، كأقوات الآدميين، والبهائم، والوقود، ومواد البناء الأساسية، ونحو ذلك، وأما ما لا يتضرر الناس بحبسه من السلع الكمالية فلا يحرم حبسه.

حماية الحقوق المعنوية والفكرية:

جرت العادة في كثير من السلع المصنعة أن منتجيها يشترطون حماية حقهم في الابتكار، فيمنعون غيرهم من تقليدهم في طريقة التصنيع أو في العلامة التجارية، ويحتكرون إنتاج تلك السلع لأنفسهم، ومثل ذلك أيضاً في المواد العلمية والإعلامية، كالكتب والأشرطة والبرامج الحاسوبية، حيث يمنع أصحابها غيرهم من تقليدها أو نسخها.

وهذه الحماية جائزة شرعاً، ويجب رعايتها، ولا تعد من الاحتكار المحرم؛ لأمور:

1-لأن هذه الحقوق مملوكة لأصحابها وتقليدها أو نسخها يعد تعدياً على حقٍ مملوكٍ للآخرين.

2-ولأن هذه الحقوق ليست من السلع الضرورية التي يتضرر الناس بحبسها أو بارتفاع ثمنها.

3- ولأن من يشتري هذه الأشياء قد شرط عليه عدم بيعها أو نسخها، فيجب عليه الوفاء بذلك الشرط.

 خامساً-البيع الذي فيه إعانة على المعصية:

يحرم بيع السلعة المباحة إذا علم البائع أن المشتري يستعين بها على المعصية، مثل بيع العنب لمن يعلم أنه يصنع منه خمراً، وبيع السلاح لمن يعلم أنه يقتل به معصوماً، ونحو ذلك.

ويلحق بالبيع الإجارة، مثل إجارة المحل لمن يبيع سلعاً محرمة كالأشرطة الغنائية، أو لمن يقدم خدمات محرمة كالبنوك الربوية، ونحو ذلك.

ودليل التحريم:

قول الله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" . ولا شك أن في هذه البيوع ظلماً للمشتري بإعانته على المعصية، والواجب على المسلم النصح لأخيه المسلم وكفه عن المعصية.

السبب الثاني  -من أسباب الكسب المحرم-: الغرر

تعريفه

الغرر في اللغة: اسم مصدر من التغرير، وهو الخطر والخدعة وتعريض المرء نفسه أو ماله للهلكة . 

وفي الشرع: البيع المجهول العاقبة .

فالغرر مبناه على الجهالة، وهذه الجهالة إما أن تكون في المبيع أو في الثمن.

فالجهالة في المبيع قد تكون:

- بعدم العلم بالمبيع نفسه، كأن يقول: بعتك ما في هذا الصندوق بمائة ريال وهو لا يعلم ما بداخله.

- أو بعدم العلم بصفاته، كأن يبيعه سيارة بعشرة آلاف ريال، والمشتري لم يرها ولا يعرف صفاتها.

- أو بعدم العلم بمقداره، كأن يقول: بعتك بعض هذه الأرض بألف ريال.

- أو بعدم تملك البائع له، كأن يبيعه بيتاً وهو لا يملكها.

- أو بعدم قدرة البائع على تسليمه، كأن يبيعه ساعته المفقودة.

والجهالة في الثمن قد تكون:

- بعدم العلم به، كأن يقول: بعتك السيارة بالثمن الذي تراه، ويفترقا من غير تحديد.

- أو بترديده، كأن يقول: خذ هذه السيارة نقداً بمائة ألف و نسيئةً بمائة وعشرين ألف، فيأخذها ويفترقا بدون تحديد أي الثمنين.

- أو بعدم العلم بالأجل، كأن يقول:بعتك الجوال بألف ريال تسددها متى ما تمكنت من ذلك.

ففي جميع الصور السابقة يلحظ أن العقد دائر بين الغنم والغرم، فإذا غنم أحد الطرفين غرم الآخر، وهذه حقيقة الغرر. فالذي يشتري صندوقاً بمائة وهو لا يعلم ما بداخله، إن تبين أن ما في الصندوق يساوي مائة وخمسين فالمشتري غنم بمقدار خمسين والبائع غرم بالقدر نفسه، وإن تبين أن ما بداخله يساوي ثمانين فالعكس، وهكذا في سائر الصور السابقة.

العلاقة بين الغرر والقمار

القمار كالغرر عقد مبناه على الجهالة، متردد بين الغنم والغرم، والفرق بينهما أن القمار يكون في الألعاب والمسابقات بينما الغرر يكون في المبايعات. يقال: باع غرراً، ولعب قماراً.

فمن القمار:أن يلعب اثنان أو أكثر ويضع كل منهم مالاً على أن من فاز فإنه يأخذ هذا المال. ومنه أيضاً الرهان بين اثنين أو أكثر على أنه إذا فاز الفريق الفلاني أو الفرس الفلاني أو حصل كذا وكذا فعلي ذبيحة أو كذا من المال، وإن حصل العكس فعليك كذا.

العلاقة بين الغرر والميسر

الغرر أحد نوعي الميسر؛ لأن الميسر نوعان:

1- القمار المحرم، أي الذي فيه مال. وهو بمعنى الغرر كما تقدم.

2- اللهو المحرم ولو بدون مال. وقد سئل بعض السلف عن الميسر، فقال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.

واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ونقله عن جماهير أهل العلم. وذكر أن العلة في تحريم الميسر ليس لأجل ما فيه من المخاطرة، وإنما لكونه يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأكل المال فيه عون وذريعة إلى الإقبال عليه.

العلاقة بين الغرر والمخاطرة

المخاطرة أعم من الغرر، فالمخاطرة نوعان:

1- مخاطرة بسبب الجهل بالمبيع أو بالثمن، فهذه مقامرة وغرر.

2- ومخاطرة بسبب عدم تحقق العاقد من كونه رابحاً في الصفقة التي دخل بها، أي أنه يعلم المبيع والثمن لكنه لا يدري هل الثمن مناسبٌ أم لا ؟ وهل سيربح في السلعة بعد ذلك ام لا ؟، فهذه المخاطرة ليست من الغرر، بل ولا تخلو منها أي تجارة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: " أما المخاطرة فليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة، بل قد علم أن الله ورسوله لم يحرما كل مخاطرة، ولا كل ما كان متردداً بين أن يغنم أو يغرم أو يسلم.. وكذلك كل متبايعين لسلعة يرجو أن يربح فيها ويخاف أن يخسر فمثل هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، والتاجر مخاطر."اهـ

وعلى هذا، فالمبادلات المالية السريعة التي تجري على بعض السلع كالأسهم مثلاً هي نوعٌ من المخاطرة لأن المشتري قد يربح خلال لحظات وقد يخسر، ولاتعد مقامرة إذا استوفت شروطها الشرعية من العلم بالمبيع والثمن وما يتعلق بهما. 

 حكم بيع الغرر

بيع الغرر محرم بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنو إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"  ووجه الدلالة أن الغرر من الميسر.

وأما السنة فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه و سلم "نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"

وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على تحريم بيع الغرر من حيث الجملة.

الحكمة من تحريم بيع الغرر

حرم الشرع بيع الغرر لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما قد يسببه من العداوة والبغضاء بين المسلمين،كما أن الانشغال بجمع الأموال عن طريق الحظ والمقامرة يؤدي إلى الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويبدد المال ويمحق بركته، كما أنه يعود المرء على الخمول والكسل، والكسب من غير كدٍ ولا تعب، ويصرفه عن التفكير فيما ينفعه جرياً وراء الأوهام والسراب.

صور من المعاملات الجاهلية القائمة على الغرر

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عددٍ من البيوع لاشتمالها على الغرر، فمن ذلك:

1- بيع الحصاة، ومن أمثلته :أن يبيعه الأرض على أن له منها بقدر ماتصل إليه الحصاة.

2-بيع الملامسة والمنابذة، كأن يقول: أيَ ثوب لمسته أو نبذته إلي -أي طرحته علي-فهو لك بكذا.

3-بيع حبل الحبلة. وهو أن يبيعه نتاج ما في بطن الناقة أي حمل الحمل، أو أن يتبايعا سلعة على أن يكون تسليم الثمن بعد أن تلد الناقة ثم يلد مافي بطنها، فهنا الجهالة في الأجل.

4- بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها؛ لأنه لا يؤمن تلف الثمار قبل أن يقطعها المشتري أما إذا تلونت بأن احمرت أو اصفرت فيجوز بيعها.

5- بيع المضامين والملاقيح. والمضامين: مافي أصلاب الفحول، والملاقيح:مافي البطون من الأجنة.

شروط الغرر المؤثر

لا يكون الغرر محرماً ولا يترتب عليه أثر حتى تتوافر فيه أربعة شروط:

الشرط الأول:أن يكون كثيراً

فإن كان يسيراً لم يؤثر في صحة العقد، كشراء سيارة مع الجهل بالأجزاء الداخلية في السيارة كالماكينة، أو شراء سهم شركة معينة مع عدم العلم بتفاصيل موجودات تلك الشركة، ونحو ذلك.

قال ابن القيم: " والغرر إذا كان يسيراً أو لا يمكن الاحتراز منه لم يكن مانعاً من صحة العقد، بخلاف الكثير الذي يمكن الاحتراز منه" .

وقال القرافي : "الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام : كثير ممتنع إجماعا، كالطير في الهواء ، وقليل جائز إجماعا ، كأساس الدار وقطن الجبة، ومتوسط اختلف فيه ، هل يلحق بالأول أم بالثاني ؟" .

وقال الباجي- مبيناً ضابط الغرر الكثير-:" الغرر الكثير هو ما غلب على العقد حتى أصبح العقد يوصف به" .

الشرط الثاني: أن يكون في المعقود عليه أصالة

فإن كان الغرر فيما يكون تابعا للمقصود بالعقد فإنه لا يؤثر في العقد، ولذا جاز بيع الحمل في البطن تبعاً لأمه، وبيع اللبن في الضرع مع الحيوان، وبيع الثمرة التي لم يبد صلاحها تبعاً لأصلها.

الشرط الثالث:ألا تدعو للعقد حاجة

فإن كان بالناس حاجة إلى العقد الذي فيه غرر، فالعقد صحيح ولا أثر للغرر فيه.

قال ابن تيمية: " ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو الحاجة إليه منه، فإن تحريمه أشد ضرراً من ضرر كونه غرراً". 

 ومن ذلك جواز بيع المغيبات في الأرض كالجزر والبصل، وبيع ما مأكوله في جوفه كالبطيخ والبيض، مع ما في ذلك من الغرر، للحاجة المقتضية لبيع هذه الأشياء دون فتحها أو إخراجها من الأرض.

الشرط الرابع: أن يكون في عقد معاوضة

 فلو كان الغرر في عقد تبرع لم يؤثر، كما لو تصدق شخص بما في محفظته وهو لا يعلم مقدار النقود التي فيها، وكما لو أهدى لأخيه هديةً مغلفة فقبلها المهدى إليه، وهو لا يعلم مافيها، فالعقد صحيح.

تطبيقات الغرر في المعاملات المعاصرة

للغرر علاقة بعددٍ من المعاملات المالية المعاصرة نشير إلى أهمها فيما يلي:

أولاً-التأمين

تعريفه

هو عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمن –يكون في الغالب شركة تأمين مساهمة-، والثاني المؤمن له، تلتزم فيه شركة التأمين بأن تدفع للمؤمن له تعويضاً مالياً في حال وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل أقساطٍ مالية يؤديها المؤمن له إلى شركة التأمين.

مثاله

أن يتفق شخص مع شركة التأمين على دفع ألف ريالٍ سنوياً مقابل التزام الشركة بتعويضه في حال وقوع حادث بسيارته.

نشأته

التأمين  بمعناه الحقيقي المتعارف عليه عقد حديث النشأة، فأول أنواع التأمين ظهوراً هو التأمين البحري، وكان ذلك في القرن الرابع عشر الميلادي، في  إيطاليا، حيث وجد بعض الأشخاص الذين يتعهدون بتحمل جميع الأخطار البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين، ثم ظهر بعده التأمين من الحريق ثم التأمين على الحياة، ثم انتشر بعد ذلك التأمين وتنوع حتى شمل جميع نواحى الحياة فأصبحت شركات التأمين  تؤمن الأفراد من كل خطر يتعرضون له في أشخاصهم وأموالهم ومسؤولياتهم بل أصبحت بعض الحكومات تجبر رعاياها على بعض أنواع التأمين.

موضوعه

يتنوع التأمين بحسب موضوعه إلى أنواعٍ كثيرة:

-        فمنه التأمين الطبي، وفيه تلتزم شركة التأمين بتحمل تكاليف علاج المؤمن له.

-        والتأمين على الحياة، وفيه تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغٍ معينٍ لورثة المؤمن له في حال وفاته.

-        والتأمين على المسؤولية ضد الآخرين، مثل تأمين المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات أو من الأخطاء المهنية.

-        والتأمين على الأشياء والممتلكات، كالبيوت والبضائع وغيرها.

أنواعه

النوع الأول:التأمين التجاري، وهذا هو النوع السائد الآن الذي تنصرف إليه كلمة التأمين لدى إطلاقها، وفيه يكون التعاقد بين طرفين منفصلين تماماً هما: شركة التأمين والمؤمن له، بحيث يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلى شركة التأمين في مقابل التزام شركة التأمين بالتعويض في حال وقوع ضرر بالمؤمن له.

ولا يهدف هذا العقد إلى التكافل والتعاون، بل إن هدف الشركة هو الربح، ويتكون ربحها من الفرق بين ما تجمعه من أقساط وما تدفعه من تعويضات.

النوع الثاني:التأمين التعاوني أو التبادلي، وفيه يجتمع أشخاص معرضون لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، فإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراكٍ إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز.

وهؤلاء الأعضاء لا يسعون إلي تحقيق ربح، بل الهدف هو التعاون والتكافل، وتفتيت الخسائر التي قد تلحق بعضهم، وكل واحد منهم يعد مؤمنا ومؤمنا له.

مثال ذلك: أنشأ مجموعة من الأطباء -وعددهم ألف طبيب- جمعية تعاونية فيما بينهم، بحيث يدفع كل منهم اشتراكاً شهرياً بمقدار ألف ريال لمدة سنة بغرض التأمين على الأخطاء الطبية التي قد تقع من بعضهم.أي أن مجموع الاشتراكات في السنة اثنا عشر مليون ريال. فلو كان مجموع التعويضات المدفوعة في نهاية السنة عشرة ملايين ريال فإنه يرد لكل واحدٍ منهم ألفا ريال، أما لو بلغت التعويضات ستة عشر مليون ريال مثلاً فإنه يطلب من كل واحدٍ منهم زيادة اشتراكه بمقدار أربعة آلاف ريال، أو أنه يخصم من التعويضات بمقدار الربع، أي أنه لا يدفع لمن احتاج منهم إلا بما يعادل 75% من قيمة التعويض.

ومن صور التأمين التعاوني المعاصرة:

1-      التأمين الاجتماعي الذي تقدمه الحكومات والهيئات العامة للمواطنين.

2-      البرامج التقاعدية والادخارية التي تستثمر فيها الأموال المدخرة في وسائل استثمارية مباحة.

3-      التأمين الطبي الذي ترعاه الدولة وتتقاضى عليه رسوماً ربما تكون في كثير من الأحيان رمزية.

4-      الجمعيات التعاونية والتأمين المعمول به في النقابات المهنية ونحوها.

حكم التأمين

أولاً-التأمين التجاري

ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى تحريم التأمين التجاري أياً كان موضوعه، سواء أكان تأميناً على الحياة أم تأميناً طبياً أم تأميناً على الممتلكات أم تأميناً على السيارات؛ لأنه عقد يقوم على المقامرة والغرر، إذ هو عقد معلق على أمرٍ محتمل قد يقع وقد لا يقع، ولأن كلاً من طرفي العقد لا يدري عند إنشائه ما سيأخذ ولا ما سيعطي، وبقدر ربح أحد الطرفين تكون خسارة الآخر، فالعقد دائر بين الغنم والغرم، وهذا حقيقة عقد الغرر .

ولإيضاح ذلك نفرض أن شخصاً دفع ألف ريال لشركة التأمين للتأمين على سيارته لمدة عام، فقد يمضي العام دون أن يتسبب في حادث فيكون ما دفعه بلا مقابل، فهو غارم وشركة التأمين غانمة، وقد يتسبب في حادثٍ يكلف شركة التأمين ثلاثة آلاف ريال، فيكون غانماً والشركة غارمة.

ثانياً-التأمين التعاوني

ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى جواز التأمين التعاوني، لأنه وإن اشتمل على شيءٍ من الغرر، إلا أنه مغتفر لكونه من عقود التبرعات، وقد سبق معنا أن الغرر المحرم هو ما كان في عقد معاوضة .

والتأمين التعاوني يختلف في أهدافه وآثاره عن التأمين التجاري، فالتعاوني يهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون فيما بين المؤمن لهم ، وبهو بهذا يحقق مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية بخلاف التامين التجاري فإن الهدف منه الاسترباح والمعاوضة فلذا كان محرماً.

حالات استثنائية

بما أن التأمين التجاري محرم لما فيه من الغرر، فإنه يستثنى من التحريم الحالات التي مرت معنا التي لا يكون فيها الغرر مؤثراً، ومنها:

1- إذا كان التأمين تابعاً في العقد، مثل التأمين الذي يقدمه البائع للمشتري تبعاً لشراء السلع، كالأجهزة الكهربائية والسيارات المبيعة بالتقسيط ونحوها، وكالتأمين على البضائع عند شحنها إذا كانت الشركة الناقلة تقدم التأمين مع عقد الشحن نفسه.

 2- إذا كان التأمين مما تقتضيه الحاجة، مثل التأمين على المركبة إذا كان نظام البلد الذي يقيم فيه الشخص يلزم بذلك، ويجب أن يقتصر في ذلك على القدر الذي تندفع به الحاجة، وهو الحد الأدنى الذي يلزم به نظام البلد.

3-إذا كان التأمين مجاناً بلا عوض، كالتأمين الطبي الذي تقدمه الشركات لموظفيها بلا عوضٍ خاصٍ بذلك التأمين.

ثانياً-المسابقات التجارية

تعريفها

هي تلك المسابقات التي يطرحها أصحاب السلع والخدمات بقصد جذب المشترين والترويج للسلع أو الخدمات التي يقدمونها، وتوضع جوائز للفائزين الذين يتم تحديدهم عن طريق الاقتراع غالباً.

أنواعها، وحكم كل نوع

النوع الأول: مسابقات يكون الدخول فيها بلا عوض

أي أن قسيمة الاشتراك في المسابقة تبذل للمتسابقين مجانا، فهذه المسابقات جائزة شرعاً، لعدم ما يدل على المنع منها، وما فيها من الغرر لكون المتسابق لا يعلم بحصوله على الجائزة من عدمه لا يعد ذلك مؤثراً؛ لأن هذا الغرر في عقد تبرع، لافي عقد معاوضة، وقد سبق أن من شروط الغرر أن يكون في عقد معاوضة.

النوع الثاني: مسابقات يكون الدخول فيها بعوض:

فهذه محرمة، ولو كانت قيمة الاشتراك زهيدة؛ لأن فيها غرراً ظاهراُ، إذ إن المتسابق يدفع قيمة الاشتراك وقد يربح الجائزة فيكون غانماً، وقد لايربح شيئاُ فيكون غارماُ، فهذه المسابقات من الميسر.

فإن كانت المسابقة لاقيمة لها بنفسها، ولكن الدخول في المسابقة مشروط بشراء سلعة ونحوذلك، مثل أن تكون المسابقة منشورة في جريدة أو ملصقة على منتج ومن شرط الدخول فيهاشراء ذلك المنتج، فيجوز الدخول في المسابقة في هذه الحال، لأن المسابقة جاءت تابعة في العقد، ومن شروط الغرر المحرم –كما تقدم- أن يكون مقصوداً في العقد لاتابعاً، ولكن يشترط لذلك أن يكون المشتري محتاجاً فعلاً لتلك السلعة، أما إن اشترى السلعة لأجل المسابقة وهو لايحتاج السلعة فهنا يحرم شراؤه لأن المال المبذول قصد منه الجائزة وهي غير محققة.

ثالثاً-العقود المستقبلية (الفيوتشرز)

تعريفها

العقود المستقبلية: إحدى طرق تبادل الأوراق المالية في أسواق المال ، يتم فيها دفع الثمن وتسليم الأوراق المالية محل الصفقة في موعدٍ لاحقٍ يسمى "موعد التصفية".

مثالها

اشترى وليد مئة سهمٍ من علي بقيمة خمسة آلاف ريال، وذلك يوم الثلاثاء الرابع من ربيعٍ الأول، على أن يكون دفع الثمن وتسليم الأسهم يوم الأحد الرابع من شهر جمادى الثانية.

حكمها

العقود المستقبلية محرمة، لأن كلا العوضين مؤجل، وقد أجمع العلماء على تحريم بيع المؤجل بالمؤجل، ولاشتمال العقد على الغرر إذ إن الأسعار تتقلب خلال هذه المدة تقلباً فاحشاً، كما أن بائع الأسهم عادة لا يكون مالكاً لها عند العقد، فهي من بيع مالايملك.

رابعاً- الخيارات (الأوبشنز)

تعريفها

الخيارات: إحدى طرق تبادل الأوراق المالية في أسواق المال، تتضمن دفع مبلغ معين مقابل الحصول على حق شراء أو بيع ورقة مالية خلال فترة محددة بالسعر المسمى في العقد.

مثالها

 لنفرض أن أسهم إحدى الشركات تباع في السوق الحاضرة ب48 ريالاً، وأن خالداً يتوقع ارتفاع قيمتها في المستقبل، فقرر إجراء عقد خيار مع زيد، بحيث يدفع خالد لزيد ريالين، مقابل التزام زيد بأن يبيعه السهم ب48 ريالاً متى ما طلب خالد ذلك منه خلال تسعين يوماً، فلو صدقت توقعات خالد وارتفعت قيمة أسهم الشركة إلى 54 ريالاً مثلاً خلال هذه المدة فإن خالداً سينفذ حقه في الخيار وسيشتري السهم من زيد ب48 في الوقت الذي يباع فيه في السوق ب54 أي أنه ربح من هذه العملية أربعة ريالات ، وهي تعادل الفرق بين السعرين مطروحاً منه قيمة الخيار التي دفعها سلفاً لزيد وهي ريالان).

أما إذا لم ترتفع قيمة الأسهم عن  48 فإن خالداً بالتأكيد لن ينفذ حقه في الخيار، فو هبطت قيمتها مثلاً إلى 45 ريالاً فإنه سيشتري من السوق بهذا السعر بدلاً من أن يشتريه من زيد بالسعر الأعلى، وبهذا يكون قد خسر قيمة الخيار التي دفعها سلفاً وهي ريالان.

حكمها

عقود الخيارت محرمة لأنها تتضمن غرراً فاحشاً، والبيع بهذه الصفة نوع من الميسر، لأنها دائرة بين الغنم والغرم، كما أن بائع الخيار عادة لا يكون مالكاً للأسهم محل العقد، فهو يبيع ما لا يملك.

 الوحدة الرابعة السبب الثالث-من أسباب الكسب المحرم-: الربا

تعريفه

الربا في اللغة: بمعنى الزيادة، يقال : ربا الشيء إذا زاد، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات} .

 وفي الشرع: الزيادة أو النسأ –أي التأخير- في مبادلة أموالٍ مخصوصة.

حكمه:

الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع.  وهو من الكبائر ، ومن السبع الموبقات. ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب سوى آكل الربا ، ومن استحله فقد كفر؛ لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة. أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحلا له فهو فاسق . قال الماوردي وغيره : إن الربا لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى  :{وأخذهم  الربا وقد نهوا عنه }  يعني في الكتب السابقة .

أدلة التحريم:

من الكتاب: قول الله تبارك وتعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .وقوله عز وجل : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}  .

:

قال السرخسي : ذكر الله تعالى في هذه الآيات لآكل الربا خمسا من العقوبات : إحداها : التخبط . . قال الله تعالى : { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } . الثانية : المحق . . قال تعالى : { يمحق الله الربا } والمراد الهلاك والاستئصال ، وقيل : ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به ، ولا ولده بعده . الثالثة : الحرب . . قال الله تعالى : { فأذنوا بحرب من الله ورسوله } . الرابعة : الكفر . . قال الله تعالى : { وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وقال سبحانه بعد ذكر الربا : { والله لا يحب كل كفار أثيم } أي : كفار باستحلال الربا ، أثيم فاجر بأكل الربا . الخامسة : الخلود في النار-أي لمن استحله- . قال تعالى : { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }

ومن السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اجتنبوا السبع الموبقات  قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات} .

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء } .

وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على تحريم الربا.

ويجب على من يقرض أو يقترض أو يبيع أو يشتري أن يبدأ بتعلم أحكام هذه المعاملات قبل أن يباشرها؛ حتى تكون صحيحة وبعيدة عن الحرام والشبهات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وتركه إثم وخطيئة، وهو إن لم يتعلم هذه الأحكام قد يخوض في الربا وهو يجهل أنه تردى في الحرام، وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يحذرون من الاتجار قبل تعلم ما يصون المعاملات التجارية من التخبط في الربا، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: لا يتجر في سوقنا إلا من فقه و إلا أكل الربا. وقول علي رضي الله عنه: من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم ، أي : وقع وارتبك ونشب .

أنواع الربا

الربا نوعان:

النوع الأول:ربا الديون:وهو الربا الذي يكون في عقود المداينات، كالقروض، والبيوع الآجلة.

وهو على نوعين:

1-الزيادة في الدين عند حلوله:

وصورة ذلك: أن يكون في ذمة شخصٍ لآخر دين –سواء أكان منشؤه قرضاً أم بيعاً آجلاً أم غير ذلك- فإذا حل الأجل ولم يكن عند المدين ما يوفي به زاده الدائن في المهلة في مقابل أن يزيد المدين في قيمة الدين.

مثال ذلك: أن يشتري صالح سيارة من خالد بخمسين ألف ريال تحل بعد ثلاث سنوات، فلما جاء موعد السداد ولم يتمكن صالح من السداد قال له خالد: أعطيك مهلة أخرى سنة رابعة ويصبح الدين خمسة وخمسين ألف ريال.

فهذه الزيادة من الربا، بل هي أخطر أنواعه وأشدها تحريماً، وتسمى هذه الصورة :زدني أنظرك.

ودليل تحريمها: قول الله تعالى:(ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)

قال قتادة:إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه.

2-الزيادة المشروطة في أصل القرض:

وصورة ذلك: أن يقرض شخصٌ آخر مبلغاً من المال، ويشترط المقرض على المقترض أن يرد المبلغ بزيادة.

ويسمى هذا النوع : ربا القروض، لأن محل الزيادة في عقد القرض، أي أن الزيادة مشروطة في ابتداء عقد القرض وليس عند السداد.

مثال ذلك: احتاج صالح مبلغاً من المال فأقرضه خالد عشرة آلاف ريال على أن يردها بعد سنة أحد عشر ألف ريال.

ودليل تحريم ربا القروض:قوله تعالى:(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا –إلى قوله-وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لاتظلمون ولا تظلمون) .ووجه الدلالة: أن الجملة الأخيرة قد حصرت حق الدائن في رأس المال الذي أقرضه ولا يجوز إذا تاب إلا استرجاع أصل ماله وأن الزيادة عليه ظلم.

وقد أجمعت الأمة على تحريم كل منفعة مشروطة للمقرض في عقد القرض، وأنها من الربا.

الحكمة من تحريم ربا الديون

حرم الربا لما فيه من الآثار السيئة على الأفراد والمجتمعات:

فعلى مستوى الأفراد، فإن قلب المرابي ينطبع بالأنانية والجشع والبخل والعبودية للمال حتى يؤول به الأمر إلى الحال التي وصف الله بها المرابي بقوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"  فهو –في لهثه وراء المال- كالمصروع.

وعلى مستوى المجتمعات، فإن المجتمع الذي ينتشر فيه الربا تظهر فيه آثاره السيئة اجتماعياً واقتصادياً:

فمن الناحية الاجتماعية، تسود بين أفراد المجتمع الأثرة والتفكك والحقد والبغضاء لتحل محل المحبة والوئام، وينقسم المجتمع إلى طبقتين، الأثرياء والفقراء، –كما هو الحال في الدول الرأسمالية -، فالأثرياء يتنعمون دون كدحٍ أو تعبٍ بالفوائد الربوية التي يدفعها لهم الفقراء، بينما الفقراء يقضون جل عمرهم في دفع فوائد الديون التي ترهق كواهلهم وتتضاعف مع مرور الزمن، فإذا ما تأخر الفقير في دفع تلك الفوائد لم يتردد المرابي دون أدنى رحمةٍ أو شفقة في بيع ممتلكات الفقير المرهونة لديه ليأخذ منها دينه الذي بلغ أضعاف الدين الأصلي، والنتيجة الحتمية في نظامٍ رأسمالي أن الأغنياء يزدادون غنىً بينما الفقراء يزدادون فقراً.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن للربا آثاراً سيئة على اقتصاد البلد، فمن ذلك:

1- أن الربا يؤدي إلى حرمان المجتمع من المشروعات الإنتاجية النافعة، ذلك أن أرباب الأموال يريدون الحصول على أرباحٍ مضمونة دون أن تتعرض أموالهم للخسارة فيقرضون هذه الأموال ويتقاضون فوائد عليها دون أن تشارك هذه الأموال في التنمية الاقتصادية للبلد.

2- أن الربا يؤدي إلى هبوط القوة الشرائية بأيدي الناس، لأنه من المقرر اقتصادياً أنه كلما ازدادت التدفقات النقدية بسبب القروض التي تضخها البنوك وغيرها من أرباب الأموال في البلد فإن ذلك يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية لعملة البلد بسبب أن تلك الأموال لم تكن مصحوبة بمشروعاتٍ انتاجية أو بسلع، وهذا بخلاف الربح المشروع فإنه ناتج عن ارتباط المال بالعمل فالتدفقات النقدية التي تتحقق وفقاً لهذا النظام مرتبطة بتدفقات مقابلة من السلع والخدمات الضرورية للمجتمع.

3- أن الربا يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، لأن أصحاب المشروعات الانتاجية عندما يقترضون لتمويل مشروعاتهم فإنهم سيضطرون لرفع أسعار منتجاتهم على الناس لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة بسبب الربا.

النوع الثاني: ربا البيوع: وهو الربا الذي يكون محله عقود المعاوضات والمبادلات التجارية.

وهو قسمان:

القسم الأول: ربا الفضل، وهو بيع المال الربوي بجنسه متفاضلاً.

شرح التعريف:

المال الربوي: هو المال الذي يجري فيه ربا البيوع. وهو الأثمان والأطعمة التي تقتات وتدخر.

بجنسه: أي جنس المال الربوي. فالذهب بأنواعه جنس، والتمر بأنواعه جنس، والريالات السعودية بأنواعها-الورقية والمعدنية والقيدية ( أي المقيدة لدى البنك) والتجارية (كالشيكات)- جنس، والجنيهات المصرية جنس، وهكذا.

متفاضلاً: أي من غير ثساوٍ في المقدار.

من أمثلته:

1- مبادلة صاعٍ من التمر السكري بصاعين من التمر البرحي مع التقابض في الحال.

2- مبادلة مائة جرام ذهبٍ جديد بمائتي غرام ذهبٍ قديم مع التقابض في الحال.

3- مبادلة مائة ريالٍ سعودي ورقيٍ بثمانية وتسعين ريالاً معدنياً مع التقابض في الحال.

دليل تحريمه

حديث عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  { الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر،، والملح بالملح، ،والشعير بالشعير، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداًبيد } .

القسم الثاني: ربا النسيئة

هو الربا الذي يكون سببه النسيئة – أي التأخير-.

تعريفه

هو بيع المال الربوي بمالٍ ربوي يتفق معه في العلة مع عدم التقابض في الحال.

شرح التعريف:

المال الربوي: سبق شرحه.

يتفق معه في العلة: أي أن يكون للعوضين العلة الربوية نفسها، بأن يكون كلاهما من الأثمان، أو كلاهما من الأطعمة التي تقتات وتدخر، سواء اتحد جنسهما أو اختلف.

التقابض: المراد به التسليم والتسلم الفوري في مجلس العقد نفسه.

من أمثلته:

1- مبادلة صاع تمرٍ بصاع برٍ مع عد التقابض في الحال.

2- مبادلة مائة جرامٍ من الذهب بمائة جرامٍ من الذهب مع عدم التقابض.

3- مبادلة مائة ريالٍ سعودي بمائة درهمٍ إماراتي مع عدم التقابض.

أدلة تحريمه

حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء"  فهذا الحديث يدل على وجوب التقابض في مبادلة الربوي بجنسه. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة المتقدم: " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداًبيد" يدل على وجوب التقابض في مبادلة الربوي بغير جنسه إذا كان متفقاً معه في العلة الربوية.

الأموال الربوية

الأموال التي يجري فيها ربا البيوع هي الأصناف الستة المنصوص عليها في حديث عبادة بن الصامت المتقدم وما شابهها في العلة.

وهذه الأموال الربوية قسمان:

الأول: النقدان، وهما الذهب والفضة، والعلة فيهما الثمنية؛ فيلحق بهما ما شابههما في هذه العلة، كالأوراق النقدية المعاصرة. وكل عملة من هذه الأوراق النقدية تعد جنساً مختلفاً عن العملة الأخرى.فالريال السعودي جنس، والريال اليمني جنس، والذهب جنس، وهكذا. أما ما ليس بأثمان فلا يجري فيه ربا البيوع، مثل المعادن والبيوت والسيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث وغيرها.

الثاني:الأطعمة الأربعة، وهي البر والتمر والملح والشعير، والأقرب أن العلة فيها هي الاقتيات والادخار . فيلحق بهذه الأصناف ما شابهها في هذه العلة، وهي الأطعمة التي يعتمد عليها أهل البلد إذا كانت قابلة للادخار كالأرز والذرة والفول ونحوها. أما ما ليس قوتاً ولامدخراً فلا يجري فيه ربا البيوع كالفواكه والخضروات والألبان والحلويات والأدوية.

قاعدة ربا البيوع

لا تخلو أي مبادلة بين عوضين من إحدى حالاتٍ خمس:

1-أن تكون المبادلة بين مالين ربويين من جنسٍ واحد. كذهبٍ بذهب، أو ريالاتٍ بريالات.فيشترط لصحة العقد شرطان:

الأول: التساوي بينهما في المقدار.

والثاني: التقابض قبل التفرق.

فإن اختل الشرط الأول فهو من ربا الفضل، وإن اختل الشرط الثاني فهو من ربا النسيئة، وإن اختل الشرطان جميعاً فهو من ربا الفضل والنسيئة.

2- أن تكون المبادلة بين مالين ربويين مختلفي الجنس ومتحدي العلة، كبر بتمر، أو ذهبٍ بفضة، أو ذهبٍ بريالات، أو ريالات بدولارات. فيشترط لصحة العقد شرط واحد فقط وهو التقابض قبل التفرق، ولا يشترط التساوي بينهما.

فلو اختل شرط التقابض فهو من ربا النسيئة، ولا يتصور في هذه الحال ربا الفضل.

3- أن تكون المبادلة بين مالين ربويين مختلفي الجنس والعلة، كتمرٍ بذهب، أو برٍ بريالات.

4- أن تكون المبادلة بين مالٍ ربوي ومالٍ غير ربوي، كسيارةٍ بريالات، أو بيتٍ بدولارات.

5- أن تكون المبادلة بين مالين غير ربويين، كساعةٍ بجوال، أو سيارة جديدة بسيارتين قديمتين.

ففي الحالات الثلاث الأخيرة لا يشترط التساوي ولا التقابض، بل يجوز التفاضل والتأخير في التسليم، فيصح مثلاً شراء السيارة بريالاتٍ بالتقسيط، ويصح بيع الجوال بجوالين على أن يكون التسليم بعد أسبوعٍ مثلاً، وهكذا.

الحكمة من تحريم ربا البيوع

تحريم ربا البيوع - بنوعيه الفضل والنسيئة- من باب سد الذرائع، ذلك أن ربا الفضل فيه زيادة من غير تأخير، وربا النسيئة فيه تأخير من دون زيادة، فقد يكونان ذريعة إلى الوقوع في الربا الأعظم وهو ربا الديون الذي كان يتعامل به أهل الجاهلية،لأن الربا الجاهلي مركب من ربا الفضل والنسيئة معا ففيه تأجيل وزيادة فمن يدفع ألفاً ليستردها ألفاً ومائة بعد سنة، فقد جمع حقيقة بين الفضل والنسأ،ولهذا حرم كل واحد منهما على انفراده لئلا يؤدي إلى الربا المستبشع.

قال ابن القيم:إنه حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض، لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال ، ثم أوجب عليهم فيهم التماثل ، وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين وإن كانا يساويانه، سدا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا، وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة أو صفة أو سكة أو نحوهما، فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى ، فهذه هي حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس ، حتى قال بعض المتأخرين : لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل ، وقد ذكر الشارع هذه الحكمة بعينها ، فإنه حرمه سدا لذريعة ربا النساء ...فتحريم الربا نوعان : نوع حرم لما فيه من المفسدة وهو ربا النسيئة ، ونوع حرم تحريم الوسائل وسدا للذرائع ، فظهرت حكمة الشارع الحكيم وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين ، ويلزم من لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدا محضا لا يعقل معناه كما صرح بذلك كثير منهم.اهـ وظاهر من كلامه –رحمه الله- أنه يقصد بربا النسأ هنا ربا الديون.

الفروق بين ربا الديون وربا البيوع

يختلف ربا البيوع عن ربا الديون في أمرين:

الأول: أن ربا البيوع محرم تحريم وسائل، أما ربا الديون فإنه محرم تحريم مقاصد.

الثاني:أن ربا البيوع لايجري إلا في الأصناف الستة السابقة وما ألحق بها، أما ربا الديون فإنه يجري في جميع الأموال بإجماع العلماء. يدل على ذلك أن الربا الجاهلي الذي نزل القرآن بتحريمه كان في الإبل ، والإبل ليست من الأموال الربوية المنصوصة في حديث عبادة السابق ولا هي في معناها.

عقد الصرف

تعريفه

هو مبادلة النقود بعضها ببعض.

والمراد بالنقود: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما كالنقود الورقية والمعدنية.

حكمه وشروطه

الصرف جائز إذا توافرت شروطه، ولا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن تكون النقود من جنس واحد، كريالات سعودية بريالات سعودية، فيشترط شرطان:

الأول: التساوي                                         والثاني: التقابض قبل التفرق

والحال الثانية: أن تكون النقود من جنسين مختلفين، كريالات سعودية بجنيهاتٍ مصرية، فيشترط شرط واحد فقط، وهو التقابض قبل التفرق، ولا يشترط التساوي، فيجوز أن يتم الصرق بأي سعرٍ يتفقان عليه ولو لم يكن بسعر الصرف السائد في السوق وقت العقد.

الأدلة

أدلة الحالين السابقتين هي الأدلة نفسها في ربا الفضل والنسيئة. 

بيع العينة

تعريفه

أن يشتري شخصٌ سلعة بثمن مؤجل ثم ييبيعها على البائع بثمنٍ أقل نقداً.

مثاله

احتاج صالح مبلغ عشرة آلاف ريال ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً، فاتفق مع التاجر خالد على أن يشتري من خالد سيارة باثني عشر ألف ريال مؤجلة إلى سنة، ثم يبيع صالحُ السيارةَ على خالد بعشرة آلاف ريالٍ نقداً.

حكمه

بيع العينة محرم؛ لأنه حيلةٌ على الربا، فكأن خالداً في المثال السابق أقرض صالحاً عشرة آلاف ريال ليردها اثني عشر ألف ريال بعد سنة، وإنما أدخلا السيارة في العقد حيلةً، فهي ليست مقصودة، ولهذا رجعت مباشرة إلى صاحبها الأول وهو خالد.

ودليل تحريم العينة حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )) ( ).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة بمائة ثم اشتراها بخمسين نقداً ، فقال: (( دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة )) ( ).

وعن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن العينة فقال : (( إن الله لا يخدع، هذا مما

حرم الله ورسوله )) ( ).

التورق

تعريفه

أن يحتاج شخص إلى النقد فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على شخصٍ آخر غير البائع نقداً بثمنٍ أقل مما اشتراها به.

سمي بذلك لأن المشتري لايقصد السلعة وإنما قصده الحصول على الورِق –أي النقد-.

مثاله

احتاج صالح لعشرة آلاف ريال ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً، فاشترى من خالد سيارة باثني عشر ألف ريال مؤجلة إلى سنة، ثم باع السيارة في السوق على شخصٍ آخر غير خالد بعشرة آلاف ريالٍ نقداً.

حكمه

التورق جائز في قول جمهور العلماء لعدم ما يدل على منعه، وهو يختلف عن العينة في أن السلعة لا ترجع إلى البائع الأول.

القرض

تعريفه

القرض في اللغة: القطع

وفي الشرع : دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله.

العلاقة بين الدين والقرض

الدين أعم من القرض؛ لأن الدين يشمل كل ما يثبت في ذمة الإنسان، فقد يكون بسبب اقتراض مالٍ ، أو بشراء سلعة بثمنٍ مؤجلٍ، أو بإتلاف مالٍ يوجب تعويضاً، أو بجنايةٍ على آدميٍ توجب دية.

حكمه

القرض مباح للمقترض، ومستحب للمقرض.

الأدلة على جواز الاقتراض

من الكتاب: قوله تعالى: " يا أيبها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمىً فاكتبوه" وهذه الآية عامة في كل الديون، ومنها القرض.

ومن السنة: ما روى أبو رافع رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بَكرا ، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا ، فقال : أعطه إياه ، إن خيار الناس أحسنهم قضاء }

وأجمع المسلمون على  جواز الاقتراض لمن كان عازماً على السداد .

الأدلة على استحباب الإقراض

من الكتاب: قوله تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } فسمى سبحانه أعمال البر قرضا; لأن المحسن بذلها ليأخذ عوضها، فأشبه من أقرض شيئا ليأخذ عوضه.

 ومن السنة: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه }

  تجارته طمعا في الربح الحاصل منه ، كان إقراضه مباحا ، حيث إنه لم يشتمل على تنفيس كربة ، ليكون مطلوبا شرعا .

الترهيب من الدين

لا يجوز للإنسان أن يقترض إلا إذا كان من نيته الوفاء، وعليه ألا يتوسع في الاقتراض وه غير محتاجٍ لذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". 

ويجب عليه أن يرد القرض عند حلول أجله، وتحرم عليه المماطلة إذا كان قادراً على الوفاء، قال عليه الصلاة والسلام: " مطل الغني ظلم".

توثيق القرض

يستحب توثيق القرض بالكتابة والإشهاد عليه؛ لما في ذلك من حفظ الحقوق، وسد الذرائع المؤدية إلى الاختلاف في قدره أو نوعه أو أجله، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمىً فاكتبوه" إلى قوله سبحانه: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم" .

ما يصح قرضه

كل ما يصح بيعه يصح قرضه، مثل: النقود، والأطعمة، والثياب، والسيارات، وغيرها.

ويشمل ذلك:

1-المثليات، وهي الأموال التي لا تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها، كالنقود والمكيلات –كالتمر والبر-والموزونات كالحديد.

2-والقيميات، وهي التي تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها ، كالحيوان والعقار ونحو ذلك؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بعيراً كما تقدم.

3- والمنافع، مثل سكنى الدار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ويجوز قرض المنافع ، مثل أن يحصد معه يوما، ويحصد معه الآخر يوما ، أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر بدلها.

اشتراط الزيادة للمقرض

 اتفق العلماء على أن اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض محرم، وأنها من الربا، سواء أكانت الزيادة في القدر،كأن يقرضه ألفاً على أن يردها ألفاً ومئة، أو ألفاً وساعة، أو كانت الزيادة في الصفة، كأن يقرضه ليراتٍ تركية على أن يرد قيمتها دولارات، أو كانت الزيادة منفعةً، مثل أن يقرضه على أن يعيره سيارته لينتفع بها أسبوعاً، ونحو ذلك.

والأصل في ذلك أن موضوع عقد القرض الإرفاق والقربة، فإذا شرط المقرض فيه الزيادة لنفسه خرج عن موضوعه، فمنع صحته; لأنه يكون بذلك قرضا للزيادة لا للإرفاق والقربة.

قال ابن عبد البر : وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا، ولو كانت قبضة من علف ، وذلك حرام إن كان بشرط .

 وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك ، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.

هدية المقترض للمقرض قبل الوفاء

إذا أهدى المقترض للمقرض هدية قبل الوفاء، ولم ينو المقرض احتسابها من دينه، أو مكافأته عليها لم يجز، إلا إذا جرت عادة بينهما بالتهادي قبل القرض ، فإن كان بينهما عادة جارية به جاز.

وسبب المنع أن ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرض، وقد يقصد المقترض محاباة المقرض بها ليمهله في الوفاء.

وبناء على ذلك فالهدايا التي تقدمها المصارف لأصحاب الحسابات الجارية، كالساعات والجوالات لاتجوز؛ لأن هذه الودائع لها حكم القرض كما سيأتي.

الإحسان في رد القرض

يستحب للمقترض أن يرد القرض بأفضل منه، مثل أن يقترض ألفاً ويردها ألفاً ومئة، أو ألفاً وطيباً، ونحو ذلك، بشرط أن يكون ذلك مع الوفاء أو بعده لا قبله، وألا تكون هذه الزيادة باتفاق سابقٍ بينهما سواء أكان الاتفاق لفظياً أم شيئاً متعارفاً عليه.

ودليل استحباب الإحسان في الرد حديث أبي رافع السابق.

الواجب في رد القرض

الواجب على المقترض أن يرد القرض بمثل ما اقترض جنساً وقدراً وصفةً، فلو أقرضه نقداً بعملة ثم تغيرت قيمة العملة غلاءً أو رخصاً بعدما ثبت القرض في ذهة المقترض، فالواجب هو رد المثل، بغض النظر عن القيمة.

مثال ذلك: اقترض صالح من يوسف ألف جنيه ليردها بعد سنة، وكانت تعادل وقت الاقتراض ثلاثمئة دولار، فالواجب عند الوفاء أن يرد إليه ألف جنيه سواء أكانت قيمتها أكثر من ثلاثمئة دولار أم أقل.

جمعية الموظفين

قد يتفق مجموعة من الناس على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً محدداً بالتساوي فيما بينهم، ثم يستلمه كل شهر أحدهم، فهذه الجمعية جائزة لأنها من القرض الحسن.

 الوحدة الخامسة تطبيقات معاصرة على قاعدة الربا

الأعمال المصرفية

توطئة

تعد المصارف التجارية أكثر المؤسسات عرضةً للوقوع في الربا؛ لأنها قائمة على التمويل النقدي، ولأن بداية ظهورها كانت في البلدان الرأسمالية التي جعلت أنظمة هذه المصارف مبنية على الإقراض بالفائدة، ولهذا كان حرياً بالمسلم أن يعرف أحكام المعاملات المصرفية قبل أن يتعامل بشيء منها.

وقد اصطلح على تسمية تلك الأعمال ب"الخدمات المصرفية".

تعريف المصرف

المصرِف في اللغة: مكان الصرف. وهو: بيع النقـد بعضـه ببعض.

وفي الأوساط المالية: المصرف هو البنك، وهو مؤسسة مالية تختص في اقتراض النقود عن طريق فتح الحسابات بأنواعها –الجارية والادخارية والآجلة-، ومن ثم إقراضها والتمويل بها.

ومن هذا التعريف يتبين أن البنك يؤدي دوراً وساطياً بين فئتين: المودعين والمتمولين. فهو يجمع الأموال من المودعين ثم يدفعها إلى المتمولين، ويربح من الفرق في سعر الفائدة  بين ما يأخذه وما يدفعه.

وسمي البنك مصرفاً؛ لأن الوظيفة الأولى التي كانت تزاولها تلك المؤسسات هي صرف العملات وفـرز المسكوكات، ثم  تطور الأمر، وتوسعت الأعمال المصرفية، إلا أن هذه التسمية بقيـت ملازمة لها دون تغيير.

وكلمة ((مصرف)) هي الترجمة المطابقة لكلمة (( بنك )) اللاتينية .فالبنك والمصرف بمعنىً واحد.

نشأة الأعمال المصرفية

كانت بداية ظهور المصارف التجارية في إيطاليا وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، حين أفضى انتشار التعامل بخليط غير متجانس من العملات المعدنية المختلفة الوزن والمعيار في تلك الفترة إلى ظهور فريق متخصص من الأفراد في عمليات المصارفة، أي في فرز المسكوكات والتحقـق مـن وزنها ، ومبادلة بعضها ببعض. وكان هؤلاء الصيارفة يجلسون على طاولات لإجراء عمليات المصارفة، ومن هنا جاءت كلمة " بنك" إذ هي مشتقة من الكلمة الإيطالية "بانكو" بمعنى الطاولة.

ثم تطور الأمـر بأن اعتاد هؤلاء الصيارفة على قبول النقود المعدنيـة والمسكوكات من التجار بقصد حفظها من الضياع أو السرقة. فيقوم الصيارفة بوضع هذه الأموال في خزائنهم مع تسليم المودع إيصالاً يتضمن مقدار وديعته، والالتزام بردها للمـودع أو لأمـره عنـد الطلب، ويحصل الصيرفي على رسم من المودع لقاء خدماته في المحافظة على الوديعة.

والتطور الأهم في العمل المصرفي ظهر عندما أبدى الأفراد استعدادهم لقبول إيصـالات الإيداع، أو أوامر الصرف التي كان يحررها المودعون سحباً على رصيدهم للوفاء بما عليهم من ديون للآخرين، وذلك لما تحققه تلك الإيصالات من تماثل وأمان وسهـولة تـداول، وغيرها مما تتطلبه حاجات التداول النقدي.

وبذا أصبح إيصال الإيداع الذي يمثل التزاماً على المصرف أو الصيرفي يقوم بدور النقـود الاعتيادية، وأصبح الناس يتداولون تلك الإيصالات بدلاً من تداولهم ما تمثله تلك الإيصالات من نقودٍ أو مسكوكات، وبذا ظهر ما يعرف الآن بالنقود الورقية.

ثم إن مفهوم الأعمال المصرفية لم يقف عند هذا الحد ، بل وصل الأمر إلى ظهور وظيفة جديدة هي ((الوظيفة الاستثمارية)) حيث اكتشف الصيارفة أن بمقدورهم استثمار الجـزء الأكبر من الودائع الجارية المكدسة في خزائنهم دون أن يتعرض مركزهم المالي للخطـر، إذ ثبت لهم بالتجربة أن نسبة ما يسترد من تلك الودائع يعد ضئيلاً مقارنة بما يتبقى منها والذي يستثمره الصيرفي لنفسه، ومن ثم رفع الصيارفة عن كاهل المـودعين الأجـرة التي كـانوا يتقاضونها، بل ودفعوا لهم فوائد مقابل إبقائها عندهم إلى أجل معلوم حفزاً لأربابهـا على المزيد منها.

أنواع الأعمال المصرفية وأحكامها

تنقسم الأعمال المصرفية إلى ثلاث مجموعات رئيسة:

المجموعة الأولى: مجموعة الخدمات المصرفية

 ويقصد بها تلك الأعمال المتعلقة بـالنقود وأعمال الصيرفة الاعتيادية، من حوالات، وصرفٍ للعملات، وتحصيل شيكات ونحو ذلك.

ومن أهم هذه الخدمات ما يأتي:

أولاً- الودائع (الحسابات) المصرفية

تنقسم الودائع المصرفية إلى ثلاثة أقسام:

1-الودائع الجارية( تحت الطلب):

تعريفها

هي الأموال المودعة في المصرف بقصد حفظها والسحب منها عند الحاجة بحيث ترد بمجرد الطلب.

تكييفها الشرعي

تكيف هذه الودائع شرعاً بأنها قروض. فالمودع مقرض، والمصرف مقترض؛ لأن المصرف يأخذ هذه الأموال بقصد استعمالها لا لمجرد حفظها، كما أنه يضمن هذه الأموال على كل حال. وهذا هو حقيقة القرض.

وإنما سميت ودائع لأن أول ظهورها كان مرتبطاً بالإيداع عند الصيارفة –كما تقدم-.

الفروق بين القرض والوديعة

يختلف القرض عن الوديعة من ثلاثة أوجه:

الأول:أن القرض مضمون على الآخذ –المقترض- على كل حال، فيده يد ضمان، بخلاف الوديعة فإنها غير مضمونة على الآخذ –المودع- إلا في حال تعديه أو تفريطه، فيده يد أمانة.

والثاني:أن المقترض مأذون له باستعمال مبلغ القرض، بخلاف الوديعة فإن المودع يحفظ الوديعة ولا يؤذن له باستعمالها.

والثالث: أن محل القرض في الأشياء التي تستهلك بالاستعمال، ولهذا كان الواجب فيه رد البدل لا عين المال المقترض، بخلاف الوديعة فإن الواجب فيها أن ترد الوديعة بعينها.

حكمها

الودائع الجارية جائزة بشرطين:

الأول: ألا يأخذ المودع أي فائدة مقابل هذه الوديعة، سواء أكانت الفائدة زيادة في قيمة الوديعة أم هدية عينية أم غيرها؛ لأن ذلك من القرض بفائدة.

والثاني: ألا تكون الوديعة في مصرف يتعامل بالربا؛ لأن في ذلك إعانة له على المعصية.

2-الودائع الآجلة:

تعريفها

هي الأموال المودعة في المصرف بقصد استثمارها، وتكون مرتبطة بأجل بحيث لا يجوز لأصحابها السحب منها إلا بعد انقضاء الأجل المتفق عليه.

3- الودائع الادخارية

هي ودائع تجمع خصائص النوعين السابقين، إذ يحصل صاحبها على فائدة، كما يستطيع أن يسحب منها متى شاء.

ولهذا فإن الفائدة على هذه الودائع يسيرة جداً؛ لأن مبلغ الوديعة لايخصص كله للاستثمار، بل يحتفظ بجزء كبير منه لمواجهة احتمالات السحب المفاجئة.

وفي العادة فإن المصارف تعطي المودع فائدة على أدنى رصيد للوديعة. فلو كان الرصيد في أول الشهر عشرة آلاف ريال ثم سحب منه العميل في وسط الشهر فنقص إلى ألفين، ثم أودع فيه في آخر الشهر فزاد إلى ثمانية، فإن الفائدة الشهرية تحسب على اعتبار أن الوديعة لم تتجاوز ألفي ريال.

الحكم الشرعي لهذين النوعين

يختلف الحكم الشرعي لهذين النوعين بحسب طبيعة العقد بين المصرف والعميل، وبيان ذلك:

•        أن المصرف إذا كان يضمن رأس مال الوديعة وفائدةً محددة، فالعقد قرض واشتراط الفائدة فيه للعميل من الربا؛ لأنه قرض جر نفعاً للمقرض، وهو المودِع، وهذا ما عليه العمل في المصارف التقليدية(الربوية).

مثال ذلك: أودع خالد لدى المصرف وديعة آجلة قدرها مئة ألف ريال بسعر فائدة 4%سنوياً. فإذا كانت مدة الوديعة ثلاثة أشهر فإنه يستردها في نهاية المدة ألفاً ومئة ألف ريال.

•        أما إذا كان المصرف لايضمن رأس المال ولا ربحاً محدداً، فالعقد مضاربة  ، والربح جائز وهذا هو ما عليه العمل في المصارف الإسلامية، وتسمى " الودائع الاستثمارية".

مثال ذلك: أودع صالح لدى المصرف وديعة استثمارية قدرها عشرة آلاف ريال لمدة ثلاثة أشهر، على أن للمصرف 20% من الربح، ولصالح 80% فلو ربحت المضاربة ألف ريال فللمصرف منها مئتان ولصالح  ثمانمئة، ولو خسرت المضاربة فالخسارة على صالح لأنه رب المال.

وبهذا يتضح الفرق بين القرض والمضاربة، ففي المضاربة لا يضمن الآخذ -وهو العامل- المالَ لرب المال، بل يد العامل فيها يد أمانة، ولهذا يكون المال عرضة للربح والخسارة، بخلاف القرض فإن يد الآخذ فيه – وهوالمقترض- يد ضمان، فهو يضمن المال للمقرض، فإذا شرط فيه للمقرض فائدة أو منفعة فهو ربا لأنه قرض جر نفعاً.

ثانياً-الحوالات المصرفية  

تعريفها

الحوالة المصرفية هي الأمر الصادر من مصرف بناء على طلب عميله إلى مصرف آخر بدفع مبلغٍ من المال إلى شخصٍ مسمى.

 أنواع الحوالات المصرفية

يتم نقل النقود عبر المصارف بإحدى الطريقتين الآتيتين:

النوع الأول:الحوالة القيدية

تعريفها

هي وكالة من العميل للمصرف في تحويل مبلغ من المال إلى حسابٍ له أو لغيره لدى مصرفٍ آخر.

وتتم عملية التحويل هذه برقياً أو هاتفياً أو إلكترونياً.

مثالها

تقدم شخص بمبلغ ألف دولار إلى مصرفٍ في الرياض طالباً تحويله إلى مصرفٍ في القاهرة.

حكمها

الحوالات المبرقة جائزة، والرسوم التي تأخذها المصارف مقابل عملية التحويل جائزة أيضاً؛ لأنها وكالة بأجر.

وتسميتها حوالات لا يعني أن لها حكم الحوالات بمعناها الشرعي؛ لأن الحوالة الشرعية فيها إرفاق بالمحيل ولهذا يكون طلب التحويل منه فهو الذي يطلب من الدائن التحول إلى المحال عليه، بينما في الحوالات المصرفية يكون طلب التحويل من الدائن (المحال) .وأيضاً فالحوالة شرعاً يلزم أن يكون فيها دينان يسبقان الحوالة: دين للمحال في ذمة المحيل، ودين للمحيل في ذمة المحال عليه، أما هنا فالمصرف المحيل لا يلزم أن يكون دائناً للمصرف المحال عليه، كما أن العميل ( المحال) لا يلزم أن يكون دائناً للمصرف المحيل، فقد لا يكون له رصيد لدى المصرف أصلاً.

النوع الثاني: الشيك المصرفي

تعريفه

هو أمر بالدفع صادر من مصرفٍ إلى آخر بناءً على طلب العميل.

مثاله

تقدم شخص بمبلغ ألف دولار إلى مصرف في الرياض طالباً تسليمه شيكاً مصرفياً بهذا المبلغ ليتمكن من استيفاء قيمته بنفسه من مصرفٍ في القاهرة أو يرسله لشخصٍ آخر هناك ليستوفيه من ذلك المصرف.

حكمه

الشيك المصرفي جائز بشرط مراعاة قواعد الصرف السابقة، فإن كان المبلغ الذي يقدمه العميل بنفس العملة التي سيصدر بها الشيك المصرفي فيشترط شرطان، هما: التقابض والتساوي، وإن كان بعملة أخرى فيشترط التقابض فقط.

كيف يتحقق الشرطان السابقان؟

يتحقق التقابض بأن يسلم العميل المبلغَ للمصرف تسليماً فعلياً أو يخصم من حسابه فوراً، وفي المقابل يتسلم العميل الشيك من المصرف في الحال، ويعد قبض العميل للشيك في قوة قبض محتواه.

وييتحقق التساوي بتساوي المبلغ المقدم من العميل مع المبلغ المدون في الشيك، وفي العادة تأخذ المصارف رسوماً مقابل إصدار الشيك المصرفي، فيشترط أن تكون هذه الرسوم بقدر التكلفة الفعلية فقط، وأن تكون ثابتة كعشر ريالات مثلاً عن كل شيك سواء ٌ قلت قيمة الشيك أن كثرت.

اجتماع الصرف والحوالة في الحوالات المصرفية

من المعتاد في الحوالات المصرفية أن تقترن الحوالة بالصرف، وذلك فيما إذا كان التحويل بعملة أخرى غير العملة التي جاء بها العميل.

 فلو فرض أن شخصاً تقدم إلى مصرفٍ في الرياض بألف ريال يريد تحويلها إلى جنيهاتٍ يتسلمها بمصر، وأن الألف ريال تعادل قيمتها ألف جنيه.فالمتبع عادة في المصارف كالآتي:

1- فإن كانت الحوالة قيديةً، فإن المصرف يجري عملية المصارفة أولاً، بتحويل الريالات إلى جنيهات، ثم يحول الجنيهات إلى مصر بحوالة برقية. فالمصرف تسلم من العميل ريالات، بينما العميل لم يتسلم الجنيهات تسلماً فعلياً، وإنما تم قيدها في المصرف لصالحه، ثم حولت إلى مصر. فيعد قيدها في المصرف لصالحه بمنزلة قبضه لها.

2-وإن كانت بشيكٍ مصرفي، فإن المصرف يحرر له شيكاً بألف جنيه ويسلمه إياه .فالمصرف تسلم من العميل ريالات، بينما العميل لم يتسلم الجنيهات تسلماً فعلياً، وإنما تسلم الشيك المدون به جنيهات ليصرفه في مصر. فيعد قبض الشيك هنا بمنزلة قبض محتواها من الجنيهات.

 وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة بجدة ونص قراره:" إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا:

1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل  في الحالات التالية... (ج ) إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى ، في المصرف نفسه أو غيره ، لصالح العميل أو لمستفيد آخر ، وعلى  المصارف  مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية . 

2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه.اهـ

ثالثاً-الشيكات والكمبيالات

تعريف الشيك

هو أداة وفاء حالة، يحرر وفقاً لشكل معين، يتضمن أمراً من محرره إلى المصرف المسحوب منه بدفع مبلغ معينٍ للمستفيد.

أنواعه

1- الشيك الشخصي، ويكون محرره فرداً.

مثاله: اشترى محمد من صالح سيارة وحرر له شيكاً بقيمة عشرة آلاف ريال مسحوبة على مصرف الإتقان. فمحرر الشيك هو محمد، والمستفيد منه صالح، والمسحوب منه مصرف الإتقان.

2- الشيك المصرفي، ويكون محرره مصرفاًً. وهو أقوى من الشيك الشخصي؛ لأن المبلغ المدون فيه محجوز لدى المصرف، بخلاف الشيك الشخصي فقد لا يكون له رصيد يفي بقيمته.

مثاله: طلب خالد من مصرف الإتقان أن يحرر له شيكاً بمبلغ مليون ريال يخصمه من رصيده، لصالح يوسف وذلك ثمناً للدار التي سيشتريها منه.

فمحرر الشيك والمسحوب منه هو مصرف الإتقان، والمستفيد يوسف.

خكمه

الشيك المصرفي له حكم النقد، وقبضه في قوة قبض محتواه من النقود؛ لأن له قوةً وقبولاً بين التجار كالنقود، فيجوز استعماله فيما يجب فيه القبض شرعاً، كشراء الذهب والعملات مع مراعاة قواعد الصرف السابقة.

وأما الشيك الشخصي فإن كان له حماية، وقبول بين التجار، فهو كالشيك المصرفي وإلا لم يصح استعماله فيما يجب فيه القبض شرعاً. 

تطبيقات

1- عند صرف شيكٍ بعملة من جنس عملة الشيك، فيشترط شرطان:

•        التساوي، فلا يجوز صرف شيكٍ قيمته ألف ريال، بتسعمئةٍ وتسعين ريالاً ورقياً.

•        والتقابض، فيجب أن يكون الشيك حالاً، وأن يتم تسليم الشيك والنقود الورقية في نفس المجلس.

2-وعند صرف شيك بعملة من غير جنس عملة الشيك، فيشترط شرط واحد، وهو التقابض، فيجوز صرف شيكٍ قيمته ألف ريال بثلاثمئة دولار، بشرط أن يكون الشيك حالاً وأن يتم تسلم الشيك وتسليم الدولارات في مجلس العقد قبل التفرق.

تعريف الكمبيالة

هي أداة وفاء مؤجلة، تتضمن التزاماً على محررها بدفع مبلغٍ معينٍ للمستفيد.

مثالها

اشترى محمد سيارة ثمنها ثمانون ألف ريالٍ مؤجلة في أربع سنوات، على أن يدفع في كل سنة ربع الثمن، وحرر أربع كمبيالات مؤرخة بتواريخ حلول كل قسط، يتضمن كلٌ منها التزاماً بدفع عشرين ألف ريال.

حكمها

يجوز تحرير الكمبيالة، وتعد وثيقة بدينٍ على محررها، إلا أنه يحرم استعمالها في حالين:

الأولى: فيما يجب به التقابض شرعاً، مثل شراء الذهب والفضة وصرف العملات.

والثانية: في القرض بفائدة، كما لو أقرض المصرف زيداً تسعين ألف ريال وفي المقابل حرر زيدٌ للمصرف كمبيالات مؤجلة بمئة ألف ريال.

المجموعة الثانية: مجموعة الخدمات الائتمانية

المقصود بالائتمان في العرف المصرفي: مبادلة مالٍ حاضر بمؤجل. وسمي بذلك لأن الطرفين يأتمن كل منهما الآخر، أي يثق به.

وتسمى هذه المجموعة أيضاً مجموعة القروض والتسهيلات المصرفية.

وتشمل هذه المجموعة عدداً من الأعمال المصرفية، من أهمها:

أولاً-القرض بفائدة

وهذا هو التمويل المعتاد في المصارف التقليدية، حيث يكون القرض بفائدة للأفراد والشركات والهيئات الحكومية، والقروض إما أن تكون قصيرة الأجل تستحق في سنة أو أقل، أو متوسطة الأجل تستحق خلال فترة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات ، أو طويلة تستحق في مدة تزيد على خمس سنوات.

حكمه

القرض بفائدة محرم بإجماع العلماء، لافرق بين القروض الاستثمارية التي تقدم للشركات، والقروض الاستهلاكية التي تقدم للأفراد.

شبهتان والرد عليهما

الشبهة الأولى: أن العلماء غير متفقين على أن الأوراق النقدية المعاصرة من الأموال الربوية، وعلى هذا فليس في المسألة.

الرد عليها: أن الخلاف بين العلماء في الأموال الربوية وعلتها إنما هو في ربا البيوع، وأما الذي يجري في المصارف فهو القرض بفائدة، وهو من ربا الديون، وربا الديون يجري في جميع الأموال بإجماع العلماء، وممن حكى الإجماع ابن حزم والنووي وابن تيمية.

الشبهة الثانية: أن الفائدة تعد تعويضاً للمقرض عن التضخم.  فمن حقه أن يأخذ فائدة بنسبة التضخم تعويضاً له عن النقص الحاصل في قيمة القرض.

الرد: يمكن الرد على هذه الشبهة من عدة أوجه

1-أن الفائدة هي السبب الرئيس للتضخم، بل هي وقوده؛ لأن المنتجين يضيفون عادة قيمة الفوائد التي يدفعونها إلى أسعار السلع، وكلما تزايدت قيمة الفائدة كلما ارتفعت الأثمان، فكيف تعالج مشكلةٌ بوقودها.

2-وأيضاً فإن النقود لو بقيت عند صاحبها لتعرضت للتآكل نتيجة التضخم، فليس المقترض هو المسئول عن ذلك، بل الضرر واقع على الجميع.

3- وكذلك فقد يحصل العكس بأن تزيد القوة الشرائيه للعملة، ومع ذلك فلا أحد يقول بتعويض المقترض عن هذه الزيادة، بل ولا يرضى المقرض بذلك، والواجب أن يكون الغنم بالغرم.

ثانياً-بيع التقسيط

وهو من عقود التمويل في المصارف الإسلامية.

تعريفه: بيع سلعةٍ بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحال، يدفع مفرقاً علىأجزاء معلومة، في أوقات معلومة.

مثاله: سيارة ثمنها نقداً أربعون ألف ريال، اشتراها صالح بالتقسيط بخمسين ألف ريال، يدفعها مقسطة كل شهر ألف ريال.

حكمه

بيع التقسيط جائز؛ لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" . فالآية عامة في جميع عقود المداينات ومنها بيع التقسيط.

للفائدة: ما الفرق بين الزيادة الناتجة عن التمويل الربوي (القرض بفائدة) الذي هو عصب النظام المصرفي الربوي والزيادة الناتجة عن التمويل المشروع (بيع التقسيط) الذي هو عصب النظام المصرفي الإسلامي؟ ولماذا أبيحت هذه وحرمت تلك؟

ففي ظاهر الأمر: لافرق بين من يقرض ألف ريال ويستردها ألفاً ومئة، ومن يشتري سلعة نقداً بألف ريال ثم يبيعها بالأجل بألفٍ ومئة.

والجواب:

أن ثمة فروقاً كبيرة بين الزيادتين، فمن ذلك:

1- فالزيادة الربوية ناتجة عن تمويلٍ نقدي، أي في مبادلة نقدٍ بنقد، بينما الزيادة المشروعة ناتجة عن تمويلٍ سلعي أي في مبادلة سلعةٍ بنقد.

2- ليس في التمويل الربوي تقليب للمال، فالنقود تتولد من النقود، بخلاف التمويل المشروع فإن المال يتقلب من نقدٍ إلى سلعة ثم يعود نقداً مرة أخرى، فتنتعش الحياة الاقتصادية بذلك، ولا يكون المال حكراً بأيدي فئة قليلة من أرباب الأموال.

3- التمويل الربوي سبب رئيس لأكبر مشكلة اقتصادية تعاني منها المجتمعات اليوم، وهي التضخم، لأنه يؤدي إلى زيادة كمية النقود المعروضة دون أن يصاحبها سلع أو خدمات، بخلاف التمويل المشروع فإن أي كمية من النقود يتم ضخها لا بد أن تكون مصحوبةً بسلع أو خدمات حقيقية. 

 شروطه

يشترط لصحة بيع التقسيط أربعة شروط:

1- ألا يكون المبيع ذهباً أو فضة أو ما ألحق بهما من الأثمان. فلا يجوز مثلاً بيع الذهب بالتقسيط؛ لوجوب التقابض في مبادلة الذهب بالنقود.

2- أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وقت العقد، فلا يجوز أن يبيع سلعة قبل أن يملكها ثم يذهب فيشتريها ويسلمها للمشتري.

3- أن يكون المبيع مقبوضاً للبائع، فلا يجوز أن يبيع سلعة قد اشتراها ولكنه لم يقبضها.

4- ألا يشترط البائع على المشتري زيادة في الثمن إذا تأخر عن أداء ما عليه في الوقت المحدد؛ لأن هذا من الربا، كأن يقول: تدفع عن كل قسطٍ تتأخر في أدائه غرامة عن التأخير.

شروط مباحة

يجوز للبائع لضمان استيفاء حقه ما يلي:

1- أن يشترط على المشتري ضامناً يضمنه في حال عدم أدائه.

2- أو يشترط أن يرهنه شيئاً يملكه، ويفوضه إذا تأخر عن الأداء أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه، وما فضل من ثمن بيع الرهن فهو للمشتري.

3- أو يشترط بأنه في حال مماطلة المشتري في أداء قسطٍ من الأقساط فتصبح بعض الأقساط التالية المؤجلة حالةً.

ثالثاً-بيع المرابحة للواعد بالشراء

تعريفه

هو شراء سلعة نقداً بناء على طلب شخص، ثم بيعها بالأجل بربحٍ معلومٍ لذلك الشخص.

سمي بذلك لأن البائع يبيع السلعة بثمنها الأول الذي اشتراها به وربحٍ معلوم.

مثاله

أن يرغب شخص في شراء سيارةٍ ثمنها خمسون ألف ريال، فيطلب من المصرف أن يشتريها لنفسه، ويعده بأنه إذا تملكها –أي المصرف- فإنه يشتريها منه بالأجل بثمنها الأول وربح 10%، أي بخمسةٍ وخمسين ألف ريال يدفعها بالتقسيط خلال سنتين.

وقد تكون السلعة معينة، كأن يقول: اشتروا هذه الدار، أو هذه السيارة، أو هذه الأسهم، ثم سأبتاعها منكم.

وقد تكون موصوفة من غير تعيين، كأن يقول: اشتروا سيارةً مواصفاتها كذا وكذا، أو حديداً مواصفاته كذا وكذا، ثم سأبتاعه منكم.

علاقته ببيع التقسيط

بيع المرابحة للواعد بالشراء هو أحد صور بيع التقسيط، وإنما أفرد باسم خاص لأن البائع لم يكن مالكاً للسلعة عند طلب المشتري، وإنما اشترى السلعة بناءً على طلب الم ووعده بالشراء منه.

حكمه

هو بيع جائز إذا تحققت شروطه؛ لعموم قول الله تعالى:" وأحل الله البيع وحرم الربا" .

شروطه

يشترط لصحته الشروط الأربعة السابقة المذكورة في بيع التقسيط، فلا يجوز للمصرف (البائع) أن يبيع السلع  على العميل حتى يملكها ملكاً حقيقياً لا صورياً، ويقبضها القبض المعتبر شرعاً بحيث تدخل في ضمانه؛ لحديث حكيم بن حزام قال : { قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق فقال :"لا تبع ما ليس عندك"  ، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى اله عليه وسلم قال له: " ابن أخي إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه" .

ويضاف إلى الشروط السابقة شرط واحدٌ وهو:  ألا يكون الوعد السابق ملزماً لأي منهما، بل يجب أن يبقى الخيار لهما جميعاً، فإذا اشترى المصرف السلعة بناء على طلب عميله، فله أن يبيعها عليه أو على غيره، كما أن للعميل أن يشتريها أو أن يعدل عن الشراء؛ لأن الإلزام بالشراء أو بالبيع ينافي الرضى بالعقد وهو شرط لصحة البيع.

تصرفات خاطئة

1- بعض المصارف تأخذ من العميل عربوناً للتأكد من التزامه بتنفيذ وعده، فإذا اشترى المصرف السلعة ثم عدل العميل عن الشراء منه لم يرد إليه ذلك العربون، وهذا محرم ومن أكل المال بالباطل.

2- بعض المصارف توكل العميل بالشراء الأول والقبض. فمثلاً قد يرغب العميل في شراء سيارة ثمنها ثمانون ألف ريال، فيعطيه المصرف شيكاً بذلك المبلغ، ويوكله بشراء السيارة وتسلمها من المعرض ، وفي الوقت نفسه يقيد في ذمة العميل تسعين ألف ريال ثمناً لبيع السيارة عليه بالأجل. وهذا التصرف يعد حيلة على الربا، لأن تملك المصرف صوري، فإن حقيقة هذه المعاملة أن المصرف أقرضه ثمانين ليردها تسعين، فهو قرض بفائدة.

 3- بعض المصارف تبيع السلع قبل أن تقبضها القبض المعتبر شرعاً. فمثلاً قد يشتري المصرف أسهماً مباحة بناءً على طلب العميل ثم يبيعها قبل أن تسجل في محفظته ، فهذا لا يجوز؛ لأن قبض الأسهم يكون بتسجيلها في المحفظة الاستثمارية .

رابعاً-التورق المصرفي

تجري المصارف نوعين من عقود التورق:

النوع الأول:التورق الحقيقي

هو بيع التورق المعروف لدى الفقهاء المتقدمين الذي سبق الحديث عنه .

مثاله

احتاج صالح لخمسين ألف ريال ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً، فاشترى من المصرف سيارة بستين ألف ريال بالتقسيط، ثم باع السيارة في السوق بخمسين ألف ريال نقداً.

ومن هذا المثال يتضح أن التورق المصرفي الحقيقي يتضمن عقدين:

الأول:عقد شراء بالتقسيط، والغالب أن هذا العقد بطريقة المرابحة للواعد بالشراء.

والثاني: عقد بيع للسلعة نقداً.

حكمه وشروطه

التورق المصرفي الحقيقي جائز؛ لما سبق في باب التورق، ويشترط له الشروط الخمسة السابقة في بيع المرابحة للواعد بالشراء؛ لأنه يشتمل على ذلك العقد، ويضاف إلى تلك الشروط ما يلي:

1-  ألا يبيع  العميل -المستورق- السلعة المشتراة حتى يملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها القبض المعتبر شرعاً.

فمثلاً: احتاج عميلٌ لعشرة آلاف ريال نقداً، فاشترى أسهماً مباحة من المصرف باثني عشر ألف ريالٍ بالتقسيط، ثم باعها العميل بنفسه في السوق بعشرة آلاف ريالٍ نقداً، فيجب في هذه الحال أن تسجل الأسهم في محفظة العميل حتى يتحقق القبض الشرعي قبل أن يبيعها في السوق.

2- ألا يبيع العميل السلعة على المصرف البائع؛ لأن ذلك من العينة، فلو اشترى سيارة بالتقسيط من المصرف فلا يجوز أن يبيعها نقداً على المصرف نفسه، وإنما يبيعها على غيره.

النوع الثاني: التورق المنظم

تعريفه

هو شراء السلعة من المصرف بالأجل مع توكيله ببيعها.

مثاله

 احتاج سعيد لسبعين ألف ريالٍ نقداً فاشترى من المصرف معادن بثمانين ألف ريالٍ بالتقسيط ووكل المصرفَ ببيعها في السوق بسبعين ألف ريال ويقبض ثمنها ويسلمه إليه.

والأغلب أن يكون التورق المنظم في السلع الدولية كالمعادن، وقد يكون في السلع المحلية كالحديد والأرز وغيرهما.

الفرق بينه وبين التورق الحقيقي

في التورق المنظم لا يقبض العميلُ –المستورق- السلعة ثم يبيعها بنفسه، فليس أمامه إلا خيار واحد وهو أن يوكل المصرف ببيعها، بينما في التورق الحقيقي يكون المستورق بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة أو يبيعها بنفسه في السوق؛ لأنه قبضها قبضاً يتمكن به من التصرف فيها بما يشاء.

حكمه

التورق المنظم محرم؛ لعدم تحقق القبض الواجب شرعاً؛ ولأنه عقد صوري، فهو حيلة على الربا .

خامساً-البطاقات المصرفية

هي بطاقات معدنية أو لدائنية  ممغنطة، يدون عليها اسم حاملها، وتاريخ إصدارها، وتاريخ نهاية صلاحيتها، وتستخدم في الحصول على النقد أو في شراء السلع والخدمات.

أنواعها

البطاقات المصرفية على نوعين:

النوع الأول: بطاقات الخصم الفوري

وفيها يتم الخصم فوراً من رصيد العميل الموجود لدى المصرف. أي أن هذه البطاقات لا تعطى إلا لمن كان له رصيد لدى المصرف، ولا يتمكن من استعمالها إلا في بمقدار ذلك الرصيد.

استخدامها

تستخدم بطاقات الخصم الفوري في أمرين:

الأول: إجراء العمليات المصرفية الاعتيادية عبر "أجهزة الصرف الآلي"، كالسحب النقدي من الرصيد، والإيداع، والاستعلام عن الرصيد، والحوالات، وتسديد الفواتير.

والثاني: دفع ثمن المشتريات من سلعٍ وخدمات عبر "نقاط البيع"، وهي أجهزة موجودة لدى التجار الذين يقبلون البطاقة، يتم من خلالها خصم المبلغ من حساب العميل إلكترونياً وتحويله إلى حساب التاجر فور إجراء عملية البيع.

حكمها

هذه البطاقات يجوز إصدارها والتعامل بها؛ لأنها لا تستخدم إلا في حدود رصيد العميل، فليس فيها قرض من المصرف للعميل، لكن يجب مراعاة ألا يكون المصرف من المصارف التي تتعامل بالربا.

والأجور التي يأخذها المصرف على هذه البطاقات جائزة أيضاً، سواء أكانت مقابل الإصدار أم السحب النقدي أم دفع ثمن المشتريات ، وسواء أكانت تلك الأجور بمبلغٍ مقطوعٍ أم بنسبةٍ من المبلغ المسحوب أو من ثمن الشراء، لأن هذه الأجور مقابل الخدمات المقدمة من المصرف، ولا يترتب على أخذها محظور شرعي.

حكم استخدامها في شراء الذهب

يجوز استخدام بطاقة الخصم الفوري في شراء الذهب وما يجب فيه القبض شرعاً؛ لأن خصم النقود من المشتري وقيدها في حساب البائع يتم فوراً عند الشراء.

النوع الثاني: بطاقات الائتمان

هي بطاقات لا يلزم أن يكون لحاملها حساب لدى المصرف المصدر لها، بل يدفع المصرف المبالغ المستحقة على العميل عند استخدامه للبطاقة ثم يطالبه بعد ذلك بأداء هذه المبالغ له.

ففي هذه البطاقات يعطى العميل فترة سماح للسداد، ويكون لها سقف ائتماني –أي حد أعلى للاستخدام- لا يتجاوزه العميل.

ولذلك سميت هذه البطاقات بالبطاقات الائتمانية؛ لاشتمالها على القرض، والقرض من صور الائتمان؛ لأن الائتمان مبادلة مالٍ حاضرٍ بمؤجل، والقرض كذلك.

استخدامها

تستخدم هذه البطاقات في أمرين:

الأول: الحصول على النقد في حدود مبلغٍ معين من أجهزة الصرف الآلي، حيث يقرضه المصرف المصدر للبطاقة تلك النقود على أن يردها العميل بعد أجلٍ متفق عليه، ويأخذ المصرف رسوماً من العميل مقابل عملية الإقراض هذه، وقد تكون هذه الرسوم مبلغاً مقطوعاً، مثل 40 ريالاً عن كل عملية اقتراض، أو بنسبةٍ من مبلغ القرض، مثل 1% من المبلغ المقترض في كل عملية.

والثاني: شراء السلع واستئجار الخدمات، فيدفع المصرف مبلغ الشراء عن العميل للبائع الذي يقبلها ثم يطالب العميل بدفع ذلك المبلغ لاحقاً. ويأخذ المصرف عمولة على البائع وليس على العميل مقابل هذه الخدمة، وتتراوح هذه العمولة مابين 1-8% من الثمن.

مثال ذلك: لنفرض أن شخصاً أراد أن يشتري سلعة بمائة ريال ويدفع ثمنها بالبطاقة الائتمانية، فإن البائع يمرر هذه البطاقة عبر جهازٍ خاص لإرسال معلومات الصفقة للمصرف المصدر للبطاقة لأخذ موافقته عليها، فإذا تمت الموافقة فإن المصرف يحول الثمن لحساب البائع مخصوماً منه العمولة المتفق عليها بينه وبين البائع، ولنفرض أنها 2%، أي أنه سيقيد لصالح البائع 98 ريالاً، ثم إن المصرف يطالب حامل البطاقة بدفع الثمن كاملاً أي مئة ريال، وذلك بعد مضي فترة السماح المتفق عليها بينهما.

أنواع البطاقات الائتمانية

تصنف البطاقات الائتمانية بحسب طريقة تسديد الدين الذي على العميل إلى نوعين، هما:

أ‌-       بطاقات الخصم الشهري

وهي بطاقات يطالب حاملها بتسديد المبالغ المستحقة عليه دفعة واحدة بدون زيادة، بعد مضي فترة سماح متفق عليها، تتراوح عادة ما بين ثلاثين إلى ستين يوماً.

فإذا استخدمها العميل في شراء سلعةٍ بألف ريالٍ مثلاً، فإن المصرف يطالبه بدفع ألف ريالٍ بعد أربعين يوماً.

ومن أمثلة هذه البطاقات: بطاقة " الأمريكان إكسبريس" وبطاقتا " الفيزا" و " الماستر كارد" اللتان تصدرهما المصارف الإسلامية.

حكمها

تجوز هذه البطاقات بشرطين:

الأول: ألا يشتمل عقد البطاقة على اشتراط غرامة عند تأخر حامل البطاقة في السداد للمصرف؛ لأن هذا الشرط ربوي.

والثاني:ألا يستخدمها حامل البطاقة في السحب النقدي إذا كان المصرف يأخذ عمولة نسبية عن كل عملية سحب، وكذا إذا كان يأخذ أجراً مقطوعاً يزيد عن قدر التكلفة الفعلية لتلك العملية.

فإذا تحقق هذان الشرطان فلا حرج إن شاء الله في استخدامها، وأما العمولة التي يأخذها المصرف من البائع فإنها تكيف شرعاً على أنها أجرة مقابل السمسرة للبائع، وأجرة السمسار يجوز شرعاً أن تكون مبلغاً ثابتاً وأن تكون بنسبة من ثمن البيع.

إيضاح الشرط الثاني

من المعلوم أن السحب النقدي بالبطاقة الائتمانية يكيف شرعاً على أنه قرض من المصرف لحامل البطاقة، وعلى هذا فلا يجوز أن يأخذ المصرف فائدة على هذا القرض؛ لأنه ربا. ولكن يجوز للمصرف أن يأخذ أجوراً بقدر التكلفة التي تحملها لإتمام هذه العملية من دون أن يربح في ذلك، فيحسب مثلاً أجور الاتصالات والمراسلات وتكاليف صيانة أجهزة الصرف ونحو ذلك، ثم يقدر الأجر المناسب لها فيحمله على العميل، فلو قدرت هذه الأجرة مثلاً بعشرين ريالاً، فيجوز أن يأخذ أجراً على العميل بقدر عشرين ريالاً، ولا يجوز أن يأخذ أكثر من ذلك، ولا أن يجعل الأجر بنسبة من مبلغ القرض كأن يأخذ 1% من مبلغ السحب.

إذاًَ يشترط في أجور السحب النقدي أن تكون مبلغاً ثابتاً، وأن تكون بقدر التكلفة الفعلية.

والأغلب في عمل المصارف اليوم أنها لا تتقيد بذلك، فبعضها يأخذ عمولة مقدرة بنسبة من مبلغ السحب، وبعضها يأخذ مبلغاً مقطوعاً يزيد على التكلفة الفعلية.

ويجب على العميل أن يقرأ اتفاقية البطاقة قبل أن يستخدمها في السحب النقدي، فإذا نصت الاتفاقية على أن أجرة السحب النقدي مبلغ ثابت بقدر التكلفة الفعلية فلا حرج عليه إن شاء الله في استخدامها في ذلك، وإن لم ينص على ذلك فيحرم استخدامها في السحب النقدي.

حكم استخدامها فيما يجب فيه القبض شرعاً

يجوز استخدام بطاقة الخصم الشهري في شراء الذهب؛ لأن المصرف يقيد الثمن  لصالح البائع فور إجراء عملية البيع ، والقيد في الحساب يعد في العرف قبضاً ولو لم تسلم النقود بالفعل؛ ولأن قبض التاجر فاتورة البيع الموقعة من العميل في قوة قبض محتواها، فهي كالشيك المصدق، بل أقوى منه، لأنها واجبة الدفع متى استوفت شروطها.

ب‌-     بطاقات الدين المتجدد

وهي بطاقات يتم فيها تقسيط الدين المستحق على العميل على فترات وتزداد قيمة الدين بزيادة  فترة التقسيط.

فمثلاً: لو أن شخصاً استخدم البطاقة في شراء سلعٍ بخمسة آلاف يال، فلا يطالب بتسديد المبلغ كاملاً في نهاية فترة السماح، وإنما يعطى فرصة للتسديد على أقساطٍ لمدة ستة أشهر في كل شهرٍ ألف ريال، أي يصبح المبلغ ستة آلاف ريال.

ومن أمثلة هذه البطاقات: بطاقتا (فيزا) و (ماستر كارد) اللتان تصدرهما المصارف الربوية.

حكمها

بطاقات الدين المتجدد محرمة، لأن الدين يزيد فيها بزيادة المدة، وهذا هو الربا.

سادساً-خصم الأوراق التجارية :

تعريفه

هو اتفاق يعجل به المصرف الخاصم لطالب الخصـم قيمة سندٍ أو ورقة تجارية مؤجلة، مخصوماً منها مبلغ يتناسب مع المدة الباقية حـتى اسـتيفاء قيمـة الـحق عنـد حلـول أجـل الورقة أو السند، وذلك في مقابل أن ينقل طالب الخصم إلى المصرف هذا الحق على سبيل التمليك.

مثاله:

باع مزارع لشركة الصوامع مائة طن من القمح بمليون ريال مستحقة الدفع بعد ثلاث سنوات، وحررت له الشركة كمبيالة بذلك المبلغ ، وأراد أن يخصم هذه الورقة ويتعجل قيمتها، فباعها على أحد المصارف بثمانمئة ألف ريالٍ نقداً، وبذا يستحق المصرف الكمبيالة على شركة الصوامع.

الحكم الشرعي:

خصم الأوراق التجارية محرم؛ لأنه يجمع بين ربا الفضل والنسيئة، فحقيقة العقد أن المزارع باع المليون المؤجلة بثمانمائة ألفٍ حالة.

ولتصحيح العقد يمكن أن تباع الورقة المؤجلة بغير النقود؛ كأن يسلمه المصرف أرضاً أو عروضاً أو أسهماً مباحة قيمتها ثمانمائة ألف ريال.

المجموعة الثالثة -من الأعمال المصرفية- مجموعة الخدمات الاستثمارية

ويقصد بها: تلـك الأوعيـة الـتي تنشئـها المصارف لغرض تجميع أموال عملائها فيها، ومن ثم تنميتها لهم عبر أسـاليب توظيف الأموال المختلفة وفي المقابل يأخذ المصرف عمولة لقاء هذه الخدمة.

وتسمى هذه الأوعية لدى المصارف ب"الصناديق الاستثمارية".

تعريف الصندوق الاستثماري

هو وعاء معنوي تجمع فيه أموال المستثمرين ويتاجر بها في مجالات الاستثمار المختلفة.

التكييف الشرعي للصندوق الاستثماري

تكيف العلاقة بين المصرف والمستثمرين على أنها وكالة بأجر، فالمستثمرون وكلوا المصرف في الاتجار بأموالهم، وفي المقابل يأخذ المصرف أجراً على هذه الوكالة.

ضوابط عامة في الصناديق الاستثمارية

1- يد المصرف يد أمانة، فهو لا يضمن أموال المستثمرين إلا في حال تعديه أو تفريطه.

2- لا يجوز أن يضمن المصرف للمستثمرين عدم الخسارة. وبناءً عليه فإن الصناديق المضمونة محرمة.

3- لا يجوز استثمار أموال الصندوق في أنشطةٍ محرمة، كالسندات والأسهم المحرمة.

أنواع الصناديق الاستثمارية

تتنوع الصناديق بحسب محتواها إلى أنواعٍ متعددة، من أبرزها ما يلي:

1- صناديق المرابحة

وفيها تستثمر الأموال بشراء معادن دولية نقداً ثم بيعها بالأجل بربح.

حكمها

هذه الصناديق جائزة، بشرط التقيد بالضوابط الشرعية في البيع والشراء.

2-صناديق الأسهم

وتستثمر فيها الأموال في المتاجرة بالأسهم.

حكمها

يختلف حكمها بحسب نوع الأسهم التي يتاجر بها، وسيأتي تفصيل أحكام الأسهم في بابها إن شاء الله.

3- صناديق السندات

وتستثمر الأموال في هذه الصناديق في المتاجرة بالسندات.

حكمها

هذه الصناديق محرمة؛ لما سيأتي في أحكام الأسهم إن شاء الله.

 الوحدة السادسة الشركات

تمهيد في أنواع الشركات

الشركات على نوعين:

النوع الأول: شركة أملاك

تعريفها: هي اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق مال بشراء أو هبة أو إرث أو غير ذلك.

مثالها: كأن يشتركا في شراء عقار أو سلعة، أو يوهب لهما أو يوصى لهما بشيء فيقبلا فيكونا شريكين، أو يرثا شيئا فيكون الموروث مشتركا بينهما شركة ملك.

ما يترتب على هذه الشركة:  يكون كل واحد من الشريكين أجنبياً في نصيب شريكه فلا يجوز له التصرف فيه بغير إذنه.

وهذا النوع ليس مقصوداً في هذا الباب.

النوع الثاني: شركة العقود

وهي المقصودة في هذا الباب.

تعريف عقد الشركة

هو: اجتماع اثنين فأكثر في تصرف من بيع ونحوه.

حكمها

الشركة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قول الله تعالى:" { وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } . والخلطاء هم الشركاء.

ومن السنة، الحديث القدسي المروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله يقول : أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما } .

وأجمع العلماء على جواز الشركة من حيث الجملة.

الشروط العامة للشركات

يشترط لصحة الشركة أياً كان نوعها ما يلي:

1- أن يكون نشاط الشركة في أعمالٍ مباحة. فيحرم الاشتراك في عملٍ محرمٍ كبيع الخمور أو الدخان أو الأفلام الخليعة، ونحو ذلك.

2- أن يكون كل واحدٍ من الشركاء من رأس المال معلوماً. فلا يجوز أن تنشأ شركة لا يعلم مقدار ما يملكه كل واحدٍ من الشركاء فيها. ولا يشترط التساوي في الملك، فيجوز مثلاً أن يكون لأحد الشريكين 20% وللآخر 80%.

3- أن يكون نصيب كل واحدٍ من الشركاء من الربح معلوماً عند العقد، كأن يقول مثلاً: لك نصف الربح ولي النصف، أو لك ثلثه ولي ثلثاه، ونحو ذلك. فإن لم يعين نصيب كل منهما عند إنشاء الشركة لم يصح.

يجوز أن تجعل قسمة الربح على درجات، بشرط أن يكون ذلك منضبطاً، كأن يقول إن زاد الربح على ألف فلك النصف ولي النصف، وإن كان أقل من الألف فلك الثلث ولي الثلثان.

4- أن يكون نصيب كل واحدٍ منهما من الربح مشاعاً، أي بالنسبة. فلا يجوز أن يحدد لأحدهما مبلغ معين، كأن يقول: لك ألف ريالٍ من الربح ولي مازاد على ذلك، أو يقول: لك ثلث الربح وألف ريال، أو لك ربح هذا الشهر ولي ربح الشهر الآخر.

والحكمة من المنع من تحديد الربح أن فيه إضراراً بأحد العاقدين؛ لأنه إذا شرط له ألف ريالٍ مثلاً فقد لا تربح الشركة غيرها فيكون المشروطة له قد حصل على جميع الربح، وقد تربح الشركة كثيراً فيتضرر من شرطت له الألف، وهكذا.

5- أن تكون قسمة الربح بحسب الاتفاق، وأما الخسارة فتكون بحسب رأس المال. فلو أنشأ شخصان شركة بالنصف، فيجوز أن يتفقا على أن تكون قسمة الأرباح مناصفة بينهما، ويجوز الاتفاق على غير ذلك، كأن يكون لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان، وأما الخسارة فيجب أن يتحمل كل واحدٍ منهما نصفها، ولا يجوز الاتفاق على غير ذلك.

وحكمة المنع؛ لأنه إذا تحمل أحد الشريكين من الخسارة قدراً أكبر من نصيبه في الشركة فهذا يعني أنه ضمن لشريكه هذا القدر، والشركة لا يجوز فيها أن يضمن أحد الشريكين للآخر شيئاً من ماله.

6- ألا يضمن أحد الشريكين للآخر رأسماله أو بعض رأسماله؛ لأن الشركة عقد أمانة، فلا يضمن الشريك إلا في حال التعدي أو التفريط، فلا يجوز مثلاً أن يدفع ماله لآخر ليضارب به على أن يضمن المضارب ألا خسارة.

وسبب المنع؛ لأنه إذا ضمن شيئاً من ماله فإن العقد يصبح في حقيقته قرضاً بفائدة، فمثلاً: لو أعطى صالحٌ محمداً ألف ريال ليتاجر بها والربح بينهما نصفان، بشرط أن يضمن محمد لصالح أن يرد إليه الألف دون نقص، فحقيقة العقد أن صالحاً أقرض محمداً ألفاً وشرط عليه فائدة غير محددة، والقرض بفائدة؛ محرم سواء حددت الفائدة أم لم تحدد.

وعلى هذا فالودائع الاستثمارية في المصارف محرمة إذا كان المصرف يضمن قيمتها للعميل.

أنواع شركات العقود

شركات العقود على نوعين:

النوع الأول: شركات الأشخاص

وهي الشركات التي يبرز فيها الجانب الشخصي، وتتكون من شركاء يعرف بعضهم بعضاً، وينفسخ عقد الشريك بموته أو الحجر عليه.

وشركات الأشخاص على نوعين:

أولاً- شركات الأشخاص في الفقه الإسلامي

وهي أنواعٌ متعددة أبرزها ثلاثة، هي:

1- شركة العنان، وهي: اشتراك اثنين فأكثر بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما والربح لهما.

مثالها: اشترك صالح وخالد بخمسين ألف ريال من كلٍ منهما ليعملا جميعاً بهذا المال في شراء الملابس وبيعها، على أن يقتسما الربح بحسب الاتفاق، وأما الخسارة فيجب أن يتحمل كل منهما نصفها.

2- شركة المضاربة، وهي: دفع مالٍ لمن يتجر به والربح بينهما.

مثالها: دفع صالح لخالد مئة ألف ريال ليتاجر له بها في شراء التمور وبيعها، على أن يكون لصالح –وهو رب المال- سبعون بالمئة من الربح، ولخالد –وهو العامل- ثلاثون بالمئة. وأما الخسارة فيجب أن تكون على رأس المال، ولا يتحمل العامل من الخسارة شيئاً؛ لأنه سيضيع عليه جهده، إلا إذا حصل منه تعدٍ أو تفريط، فيتحمل من الخسارة بقدر ذلك.

والفرق بين المضاربة والعنان، أن العنان يكون المال والعمل منهما جميعاً، وأما المضاربة فالمال من أحدهما والعمل من الآخر.

3- شركة الأبدان، وهي: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما.

مثالها: اشترك صالح وخالد في غملٍ معينٍ كخياطة، وسباكة، ونجارة، وإصلاح أجهزة ، ونحو ذلك، على أن يقتسما الربح بحسب الاتفاق، ولا خسارة هنا لعدم وجود رأس مال.

أي أن شركة الأبدان ليس فيها مال، وإنما هي اشتراك في عملٍ فقط.

ثانياً- شركات الأشخاص في التنظيمات المعاصرة

ومن أهم أنواعها:

1-شركة التضامن، وهي اشتراك اثنين فأكثر، بحيث يكونان مسئولين بالتضامن في جميع أموالهما عن ديون الشركة.

مثالها: أنشأ صالح وخالد شركة تضامن مناصفة بينهما، وبعد فترة تراكمت الديون على الشركة حتى بلغت مليون ريال، فلما صفيت الشركة تبين أن قيمة موجوداتها ثمانمئة ألف ريال فقط، فهنا يطالب كل واحدٍ منهما بدفع مئة ألف ريال من ماله الخاص لاستكمال سداد الديون.

حكمها: شركة التضامن جائزة بشرط مراعاة الشروط العامة في الشركات. وتكيف شرعاً على أنها شركة عنان.

2- شركة المُحاصة، وهي شركة غير مسجلة رسمياً، تنعقد بين شخصين أو أكثر على أن يتولى العمل فيها أحد الشركاء باسمه الخاص.

مثالها: دفع صالح مليون ريال لأخيه خالد الذي يملك معرض سيارات وذلك لإنشاء شركة محاصة بينهما، فكان خالد يشتري السيارات ويتعامل مع الآخرين باسمه الخاص، وتسجل السيارات باسمه، والربح بينهما بحسب الاتفاق والخسارة على رأس المال.

ومن هذا النوع أيضاً: المساهمات العقارية، والشركات العائلية غير المعلنة، والمحافظ الاستثمارية الخاصة، وغيرها، حيث يكتتب مجموعة من الناس بمبلغٍ من المال لإنشاء شركة محاصة ويكون نشاط الشركة باسم شخصٍ واحد.

حكمها: شركة المحاصة جائزة متى ما استوفت الشروط العامة في الشركات، وتكيف شرعاً على أنها شركة مضاربة.

النوع الثاني: شركات الأموال

وهي شركات يغلب فيها العنصر المالي، وقد تتألف من أشخاص لا يعرف بعضهم بعضاً، بل قد يصل عددهم في بعض أنواعها إلى الآلاف. ولا ينفسخ عقد الشريك بموته أو الحجر عليه.

وتعد شركات الأموال من الشركات الحديثة.

ومن أهم أنواعها:

أولاً- الشركة ذات المسئولية المحدودة، وهي شركة مؤلفة من اثنين أو أكثر بحيث تكون مسئولية كل منهم عن ديون الشركة بقدر حصصهم في رأس المال.

 مثالها: أنشأ صالح وخالد شركة ذات مسئولية محدودة مناصفة بينهما، وبعد فترة تراكمت الديون على الشركة حتى بلغت مليون ريال، فلما صفيت الشركة تبين أن قيمة موجوداتها ثمانمئة ألف ريال فقط، فهنا يعطى الدائنون ثمن تصفية الشركة بالمحاصة فيما بينهم ، وأما الدين الزائد على ذلك -وهو المائتا ألف ريال- فإنه يسقط ولا يطالب الشريكان بدفعه من أموالهما الخاصة؛ لأن مسئوليتهما محدودة بقدر ما يملكانه في الشركة، أي أن غاية ما يخسرانه هي رؤوس أموالهما في الشركة.

حكمها: الشركة ذات المسؤولية المحدودة جائزة متى ما استوفت الشروط العامة للشركات بشرطين:

الأول: أن يكون شرط المسئولية المحدودة معلناً أمام كل من يتعامل مع الشركة.

والثاني: ألا يكون القصد من شرط المسئولية المحدودة مخادعة الآخرين والتغرير بهم.

والمسوغ لجواز اشتراط المسئولية المحدودة أن الدائن قد قبل هذا الشرط عند تعاقده مع الشركة، ولا يترتب على هذا الشرط محظور شرعي، فوجب الوفاء به.

ثانياً- شركة المساهمة، وهي شركة ذات شخصيةٍ اعتبارية مقسمة إلى أسهمٍ متساوية القيمة تطرح للاكتتاب العام.

مثالها: الشركة السعودية للكهرباء، وشركة سابك، وشركة الاتصالات . ففي جميع هذه الشركات قسم رأس مال الشركة إلى أسهمٍ متساوية القيمة يتم تداولها بيعاً وشراءً في الأسواق المالية، وتكون ملكية الشخص في الشركة بقدر ما يمتلكه من أسهم.

وشركات المساهمة عادة تكون شركات ضخمة، حيث يساهم في الشركة الواحدة آلاف بل ربما ملايين الأشخاص.

حكمها: شركة المساهمة جائزة من حيث الأصل بالشروط العامة للشركات؛ لعدم ما يمنع من صحتها.

الصكوك التي تصدرها شركة المساهمة

تصدر شركة المساهمة نوعين من الصكوك، هما : الأسهم والسندات، وفيما يلي بيان أحكام كل منهما:

أولاً- الأسهم

تعريفها

هي صكوك قابلة للتداول تصدر عن شركة مساهمة لتمثل حصة في رأس مال الشركة.

خصائصها

1- أنها متساوية القيمه، فلا يجوز إصدار أسهم عادية عن نفس الشركة بقيم مختلفة.

2- أنها قابلة للتداول، أي للمتاجرة بها بيعاً وشراء.

3- المسئولية المحدودة للمساهم، فلو أفلست الشركة فإن المساهم لا يسأل عن ديون الشركة إلا بمقدار أسهمه التي يملكها.

قيمها

للسهم الواحد ثلاث قيم، هي:

1- القيمة الاسمية، وهي قيمة السهم عند الطرح الأول، أي عند الاكتتاب.

2-القيمة الدفترية (الحقيقية)، وهي قيمة ما يمثله السهم في موجودات الشركة.

3-القيمة السوقية:وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق.

مثال ذلك: لنفرض أن شركة طرحت للاكتتاب، ورأسمالها مائة مليون ريال، وعدد أسهمها مليون سهم. ثم بدأت الشركة بالتوسع في نشاطها فبلغت قيمة موجوداتها في نهاية السنة الأولى مثلاً مائتي مليون، بينما سهمها يباع في نهاية السنة الأولى بخمسمائة ريال.

فالقيمة الاسمية للسهم مائة ريال، وهذه ثابتة لا تتغير ما بقيت الشركة.

وقيمته الدفترية في نهاية السنة الأولى مائتا ريال، وهذه القيمة تتغير كلما أعلنت الشركة قائمتها المالية، أي كل ربع سنة، وتتأثر هذه القيمة بالقيمة الفعلية لموجودات الشركة.

والقيمة السوقية للسهم في نهاية السنة الأولى خمسمائة ريال، وهذه القيمة تتغير كل لحظة وتتأثر بالعرض والطلب على السهم .

أنواعها

تنقسم الأسهم إلى:

1-أسهم عادية، وفيها يتساوى المساهمون في كافة الحقوق، من حيث التصويت وتوزيع الأرباح والخسائر، كلٌ بقدر الأسهم التي يملكها.

2-أسهم ممتازة، وفي هذا النوع يستحق المساهم بعض الامتيازات، منها ما هو جائز ومنها ما هو محرم. وحكم هذه الأسهم يختلف بحسب نوع الامتياز الذي يستحقه المساهم.

فمن الامتيازات الجائزة: أن بعض الأسهم الممتازة تمنح حاملها حقوقاً في التصويت أو في الأرباح أكثر مما لحملة الأسهم العادية؛ لأن قسمة الربح في الشركات بحسب الاتفاق.

ومن الامتيازات المحرمة: أن يكون له الأولوية عند تصفية الشركة بأن يأخذ حصته قبل أصحاب الأسهم العادية، أو تضمن له الشركة نسبة من الربح أو رأس المال، فإذا اشتملت الأسهم على شيءٍ من ذلك فهي محرمة؛ لأنها تخالف قاعدة الشركات في الشريعة وهي أن الخسارة يجب أن تكون على رأس المال، فالشركاء يتقاسمون الخسارة بحسب رؤوس أموالهم فلا يجوز أن يعفى بعضهم من تحمل الخسارة.

حكمها

يختلف حكم الأسهم بحسب نوع نشاط الشركة المصدرة لها، وهي بهذا الاعتبار على ثلاثة أنواع:

النوع الأول:الشركات المحرمة

وتشمل نوعين من الشركات:

1-الشركات التي يكون أصل نشاطها في أغراضٍ محرمة، مثل : المصارف الربوية، وشركات التأمين التجاري، والشركات التي تتاجر بالخمور، أو التبغ، أو الإعلام الهابط، ونحو ذلك.

2- الشركات المختلطة، وهي الشركات التي أصل نشاطها في أغراضٍ مباحة، كأن تكون شركة زراعية أو صناعية أو تجارية، ولكنها قد تتعامل ببعض المعاملات المحرمة، مثل الاقتراض من المصارف بفائدة، أو إيداع الفائض النقدي لديها عند المصارف بفائدة.

فهذه الشركات لا يجوز الاستثمار في أسهمها، ولا المتاجرة بها؛ لما في ذلك من الإعانة على المعصية.

النوع الثاني: الشركات المباحة

وهي الشركات التي يكون نشاطها في أغراضٍ مباحة، ولا تتعامل بأي معاملةٍ محرمة.

فهذه الشركات يجوز الاستثمار في أسهمها والمتاجرة بها.

زكاة الأسهم

يفرق في زكاة الأسهم بين المستثمر والمضارب:

أما المستثمر، وهو من يقتني السهم بقصد الاستفادة من ريعه السنوي، فإن كانت الشركة تزكي  فلا زكاة عليه؛ لأن زكاة الشركة زكاة له، وأما إذا لم تكن الشركة تزكي فإنه يجب عليه إذا حل موعد إخراجه لزكاته أن يزكي أسهمه بإخراج ربع عشر قيمتها الدفترية. 

وأما المضارب – وهو الذي يتاجر بالأسهم-، فإنه يزكيها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، فيخرج ربع العشر (2.5%) من تلك القيمة.

مثال ذلك

حل موعد إخراج زكاة أموال صالح وهو يمتلك عشرة أسهم في إحدى الشركات. والقيمة الدفترية للسهم الواحد في تلك الشركة مئتا ريال، بينما القيمة السوقية خمسمئة ريال.

فإن كان صالح مستثمراً فزكاة أسهمه تساوي 2.5% من ألفي ريال، أي خمسون ريالاً .

وإن كان يتاجر بالأسهم بيعاً وشراءً فهي 2.5% من خمسة آلاف ريال، أي 125 ريالا ً.

تمويل شراء الأسهم

تقوم المصارف بتمويل المستثمرين في الأسهم، بحيث يتمكنون من شراء أسهم بأكثر من المبالغ التي عندهم، وهذا التمويل على نوعين:

1-التمويل بالقرض، بأن يقرض المصرف العميل مبلغاً من المال ليشتري به أسهماً. وهو محرم، لأن القرض يرد بفائدة.

2-التمويل بالمرابحة، بأن يشتري المصرف أسهماً معينة ثم يبيعها على العميل بالأجل بربحٍ معلوم. وهو مباح؛ لأنه من المرابحة للواعد بالشراء التي سبق الحديث عنها.

المساهمة بأسماء الآخرين

تضع الشركات لاسيما الجديدة منها حداً أعلى لعدد الأسهم التي يمكن أن يملكها الشخص الواحد في الشركة، فيلجأ البعض إلى استخدام اسم غيره في المساهمة في الشركات للحصول على أكبر عددٍ ممكنٍ من الأسهم، وهذا محرم، سواء أكان ذلك بعوض يدفعه لصاحب الاسم أم بغير عوض؛ لما في ذلك من الكذب والتدليس على الشركة، ولما فيه من تجاوز الحد المستحق له نظاما، وتعديه على حق غيره ممن التزم بالنظام.

والبديل الشرعي لذلك هو عقد المشاركة، فالمساهم الذي لا يجد ما يكفي من المال للاكتتاب  في شركةٍ من الشركات له أن يدخل مع صاحب المال في عقد مشاركة، يكون من صاحب الاسم العمل، ومن الآخر المال، وما يتحقق من ربح يتقاسمانه بينهما بحسب اتفاقهما، ويشترط أن تكون الحصة المشروطة لكل منهما من الربح شائعة كأن يقول: خذ هذا المال وما كان من ربح فيه فلك 20% منه، ولي 80%، أما لو حددت حصة الواحد منهما فلا يجوز كما لو قال: خذ هذا المال فاكتتب به ولك ألف ريال من الربح ولي ما زاد على ذلك.

ثانياً-السندات

التعريف بها

السند: قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته بزيادة في تواريخ محدده.

والدافع لإصدار السندات أن الشركة المساهمة قد تحتاج في أثناء مزاولة عملها إلى بعض الأموال ، ولا ترغب في عرض اكتتاب بأسهم جديدة على الجمهور لئلا تتضاءل أنصبة الشركاء ، فتعمد إلى القروض عن طريق إصدار سندات متساوية القيمة.

مثالها

احتاجت إحدى الشركات لمئة مليون ريال فطرحت مليون سند بقيمة اسمية مئة ريال، بحيث يدفع حامل السند للشركة مئة ريال عن كل سند، وترد عليه بعد حمس سنوات مائة وعشرة ريالات.

الفروق بين الأسهم والسندات

1- السند يمثل ديناً على الشركة، ويعتبر صاحبه دائناً للشركة ، بينما السهم حصة من رأس المال ، ويعتبر صاحبه شريكاً .

2- السند يعطي صاحبه حقاً في فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أم خسرت، أما السهم فإن حامله معرض للربح والخسارة.

3- عند تصفية الشركة يكون لصاحب السند الأولوية في الحصول على قيمة السند، أما صاحب السهم فلا يأخذ شيئاً إلا بعد تصفية السندات وقضاء الديون.

4- السند لا يعطي صاحبه حقاً في حضور الجمعية العمومية للشركة أو بالتصويت أو بالاشتراك في الإدارة وغير ذلك مما يستحقه صاحب السهم.

5- لحامل السند أن يحصل على قيمته عند انتهاء الأجل المتفق عليه، أما السهم فلا ترد قيمته طالما أن الشركة قائمة، والسبيل الوحيد للحصول على قيمته يكون ببيعه.

حكمها

السندات محرمة؛ لأنها تشتمل على القرض بفائدة، فلا يجوز إصدارها ولا المتاجرة بها.

وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 62/11/6 ، ما نصه : (( إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً ، من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول ، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً)).