×
تحتوي هذه الرسالة على تعريف مختصر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من حيث التعريف بنسبه ومولده ونشأته، وبعض صفاته وآدابه وأخلاقه، مع ذكر بعض أقوال المستشرقين، ثم بيان بعض الأدلة الدالة على رسالته ونبوته، وما تقتضيه الشهادة بأن محمدًا رسول الله.

محمد رسول الله

صلى الله عليه وسلم

تأليف: عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة

1427 هـ

[1406]

من إصدارات:

الربوة - شارع الأمير متعب (الأربعين) - خلف فرع شركة الراجحي المصرفية للاستثمار

ص. ب: 29465 الرياض 11457 - هاتف 4454900 - 4916065 - ناسوخ 4970126

www.islamhouse.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

مقدمة:

إننا عندما نتكلم عن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس أجمعين فإننا نتكلم عن أعظم شخصية عرفها التاريخ قديمه وحديثه, وليس هذا الحكم نابعاً من فراغ، فإن من قرأ سيرته وعرف أخلاقه وشمائله وتجرد من تعصباته الدينية وتوجهاته الشخصية شهد بصحة حكمنا, ولقد شهد بهذا المنصفون من غير المسلمين، يقول الأستاذ حسن علي رحمه الله في مجلة نور الإسلام،[1]: إن صديقاً له من البراهمة قال له : إني أرى رسول الإسلام أعظم رجال العالم وأكملهم، فقال له الأستاذ حسن علي : وبماذا كان رسول الإسلام عندك أكمل رجال العالم ؟ فأجاب : لأني أجد في رسول الإسلام خلالاً مختلفة وأخلاقاً جمة وخصالاً كثيرة لم أرها اجتمعت في تاريخ العالم لإنسان واحد في آن واحد : فقد كان ملكاً دانت له أوطانه كلها, يصرف الأمر فيها كما يشاء وهو مع ذلك متواضع في نفسه, يرى أنه لايملك من الأمر شيئاً وأن الأمر كله بيد ربه، وتراه في غنى عظيم تأتيه الإبل موقرة بالخزائن إلى عاصمته ويبقى مع ذلك محتاجاً ولا توقد في بيته نار لطعام في الأيام الطوال, وكثيراً ما يطوي على الجوع، ونراه قائداً عظيماً يقود الجند القليل العدد الضعيف العُدَد فيقاتل بهم ألوفاً من الجند المدجج بالأسلحة الكاملة, ثم يهزمهم شر هزيمة, ونجده محباً للسلام مؤثراً الصلح ويوقع شروط الهدنة على القرطاس بقلب مطمئن وجأش هادئ ومعه ألوف من أصحابه كل واحد منهم شجاع باسل وصاحب حماس وحمية تملأ جوانحه, ونشاهده بطلاً شجاعاً يصمد وحده للآلاف من أعدائه غير مكترث بكثرتهم, وهو مع ذلك رقيق القلب رحيم رؤوف متعفف عن سفك قطرة دم، وتراه مشغول الفكر بجزيرة العرب كلها بينما هو لا يفوته أمر من أمور بيته وأزواجه وأولاده ولا من أمور فقراء المسلمين ومساكينهم، يهتم بأمر الناس الذين نسوا خالقهم وصدوا عنه فيحرص على إصلاحهم، وبالجملة أنه إنسان يهمه أمر العالم كله وهو مع ذلك متبتل إلى الله منقطع عن الدنيا, فهو في الدنيا وليس فيها, لأن قلبه لا يتعلق إلا بالله وبما يُرضي الله, لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه, وكان يدعو لعدوه بالخير ويريد لهم الخير لكنه لا يعفو عن أعداء الله ولا يتركهم، ولا يزال ينذر الذين قد صدوا عن سبيل الله ويوعدهم عذاب جهنم, وتراه زاهداً في الدنيا عابداً يقوم الليل لذكر الله ومناجاته, كما تتصور في شمائله أنه الجندي الباسل المقاتل بالسيف, وتراه رسولاً حصيفاً ونبياً معصوماً في الساعة التي تتصوره فيها فاتحاً للبلاد ظافراً بالأمم, وإنه ليضطجع على حصير له من خوص, ويتكئ على وسادة حشوها من ليف, حينما يخطر على بالنا أن ندعوه بسلطان العرب وننادي به ملكاً على بلاد العرب ويكون أهل بيته في فاقة وشدة عقب استقباله الأموال العظيمة آتية إليه من أنحاء الجزيرة العربية, فتكون في فناء مسجده أكواماً وتأتيه بنته وفلذة كبده فاطمة تشكو إليه ما تكابده من حمل القربة, والطحن بالرحى حتى مجت يداها, وأثرت القربة في جسمها والرسول يومئذ يقسم بين المسلمين ما أفاء الله عليهم من عبيد الحرب وإمائها، فلا تنال بنته من ذلك إلا دُعاءه لها بكلمات يُعلمها كيف تدعو بها ربها، وجاءه ذات يوم صاحبه عمر فأجال بصره في الحجرة فلم يجد إلا حصيراً من خوص قد اضطجع الرسول عليه وأثر في جنبه وكل ما في البيت صاع من شعير في وعاء, وعلى مقربة منه شن معلق على وتد, هذا كل ماكان يملك رسول الله يوم دان له نصف العرب, فلما رأى عمر ذلك لم يتمالك نفسه من دموع تذرفها عيناه فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما يبكيك يا عمر ؟ فقال : ومالي لا أبكي إن قيصر وكسرى يتمتعان بالدنيا وينعمان بنعيمها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا ما أرى، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :" أما ترضى يا عمر أن يكون ذلك نصيب كسرى وقيصر من نعيم الدنيا وتكون لنا الآخرة خالصة من دون الناس ؟!"

وعندما أحدق النبي صلى الله عليه وسلم بجيوشه ليفتح مكة كان أبو سفيان إلى جانب العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ينظران إلى المجاهدين من المسلمين تتقدمهم الأعلام الكثيرة, وكان أبو سفيان لايزال على ماكان عليه من المخالفة للإسلام فراعه مارأى من كثرة جموع المسلمين ومن انضوى إليهم من القبائل المسلمة, وإنهم يزحفون على بطحاء مكة كالسيل الجارف لايصده صاد ولايمنعه شيء, فقال لصاحبه : ياعباس إن ابن أخيك أصبح ملكاً عظيماً, فأجابه العباس وهو - يرى غير الذي يراه أبو سفيان : ليس هذا من الملك في شيء يا أبا سفيان, هذه نبوة ورسالة .

وعدي الطائي وهو بن حاتم الذائع الصيت الذي تضرب به الأمثال في الجود والسخاء, كان سيد طيئ, وحضر مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو لايزال على المسيحية فشاهد إعظام الصحابة للرسول وعليهم عدّة الجهاد من الأسلحة واللامة للدفاع فاشتبه عليه أمر النبوة بأمر السلطان وتساءل في نفسه أهذا ملك الملوك أم رسول من رسل الله ؟ وفيما هو كذلك جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقيرة من إماء المدينة, وقالت له أريد يا رسول الله أن أُسر إليك شيئاً فقال لها : "انظري في أي سكك المدينة شئت أخلو لك, ثم نهض معها وقضى لها حاجتها", فلما رأى ابن حاتم الطائي هذا التواضع العظيم من الرسول وهو بين أصحابه في مثل عظمة الملك انجلى عنه ظلام الباطل, وتبين له الحق واضحاً, وأيقن أن هذا الأمر من رسالات الله فعمد إلى صليبه فنزعه ودخل مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في نور الإسلام . أهـ

وسنقوم بذكر بعض أقوال المستشرقين [2]في محمد صلى الله عليه وسلم ونحن كمسلمين مؤمنين برسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم لسنا في حاجة لإيراد مثل هذه الأقوال ولكن الباعث لها سببان :

· السبب الأول : ذكرنا أقوال المستشرقين ليقرأها بعض المسلمين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه, فيعرفوا ما يقوله غير المسلمين في نبيهم ورسولهم الذي تركوا اتباعه والاقتداء به لعلها تكون بداية عودة صادقة لهم لدينهم .

· السبب الثاني : ذكرنا أقوال المستشرقين ليقرأها غير المسلمين فيعوا ويعرفوا حقيقة هذا الرسول الأمين من أفواه أناس من جلدتهم ويتكلمون بلغتهم, وعسى هؤلاء أن يهتدوا للإسلام, وتكون بداية بحث جاد لهم لمعرفة هذا الدين العظيم، وطلبي من هؤلاء أن لايفكروا بعقول غيرهم بل لهم عقول يستطيعون من خلالها -إذا جردوها من التعصب- معرفة الحق من الباطل ومعرفة الصواب من الخطأ . ودعوتي لمثل هؤلاء أن يفتح الله قلوبهم للحق ويدلهم إليه, وأن يهديهم سواء السبيل .

من هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؟

نسبه :

هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, ينتهي نسبه إلى عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام، وأمه آمنة بنت وهب, وينتهي نسبها إلى عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام.

يقول عليه الصلاة والسلام: " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم " (صحيح مسلم)

فهو بهذا النسب يكون خير أهل الأرض نسباً، شهد له أعداؤه بذلك، فهذا أبوسفيان وهو الذي ترأس عداوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه يشهد بذلك عند هرقل عظيم الروم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام, وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي, وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر, وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكراً لما أبلاه الله, فلما جاء قيصرَ كتابُ رسول الله قال حين قرأه: التمسوا لي ها هنا أحداً من قومه لأسألهم عن رسول الله. قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجاراً في المدة التي كانت بين رسول الله وبين كفار قريش. قال أبوسفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام, فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه, فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج, وإذا حوله عظماء الروم فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسباً إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم إليه نسباً. قال ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو بن عمي وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري, فقال قيصر: أدنوه, وأمر بأصحابي فجُعلوا خلف ظهري عند كتفي, ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي, فإن كذب فكذبوه. قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه, ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته, ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب, قال فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت: لا. فقال: كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا, ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر. قال أبو سفيان ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا انتقصه به لا أخاف أن تؤثر عني غيرها. قال: فهل قاتلتموه أو قاتلكم ؟ قلت: نعم. قال: فكيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دولاً وسجالاً يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى. قال: فماذا يأمركم؟ قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا, وينهانا عما كان يعبد آباؤنا, ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فقال: لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له إني سألتك عن نسبه فيكم, فزعمت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها, وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله, فزعمت أن لا, فقلت لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت: رجل يأتم بقول قد قيل قبله, وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال, فزعمت أن لا, فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله, وسألتك هل كان من آبائه من ملك فزعمت أن لا, فقلت لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه, وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم, فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل, وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون, وكذلك الإيمان حتى يتم, وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه, فزعمت أن لا فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد, وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا, وكذلك الرسل لا يغدرون, وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم فزعمت أن قد فعل, وأن حربكم وحربه تكون دولا ويدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى, وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة, وسألتك بماذا يأمركم فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا, وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم, ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة, قال وهذه صفة النبي قد كنت أعلم أنه خارج, ولكن لم أظن أنه منكم, وإن يك ما قلت حقاً فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين, ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال أبو سفيان ثم دعا بكتاب رسول الله فقرئ, فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى, أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين وö@è%] Ÿ@÷dﷺ‬'¯»tƒ É=»tGÅ3ø9$# (#öqs9$yès? 4’n<Î) 7pyJÎ=Ÿ2 ¥ä!#uqy™ $uZoY÷t/ ö/ä3uZ÷t/uﷺ‬ žwﷺ‬& y‰ç7÷ètR žwÎ) ©!$# Ÿwuﷺ‬ x8Ύô³èS ¾ÏmÎ/ $\«ø‹x© Ÿwuﷺ‬ x‹Ï‚­Gtƒ $uZàÒ÷èt/ $³Ò÷èt/ $\/$t/ö‘ﷺ‬& `ÏiB Èbﷺ‬ߊ «!$# 4 bÎ*sù (#öq©9uqs? (#qä9qà)sù (#ﷺ‬߉ygô©$# $¯Rﷺ‬'Î/ šcqßJÎ=ó¡ãB [ قال أبو سفيان فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم, فلا أدري ماذا قالوا, وأمر بنا فأخرجنا, فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمِر أمرُ بنِ أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه! قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره". (صحيح البخاري)

مولده ونشأته:

ولد عام 571م في قبيلة قريش التي كان العرب يجلونها ويكنون لها كل تقدير واحترام في مكة التي تعتبر المركز الديني لجزيرة العرب، حيث الكعبة المشرفة التي بناها إبراهيم أبو الأنبياء وابنه إسماعيل عليهما السلام، حيث كان العرب إليها يحجون وبها يطوفون، توفي أبوه وهو لايزال في بطن أمه، وبعد ولادته توفيت والدته، فعاش يتيماً, كفله جده عبدالمطلب فلما توفي جده كفله عمه أبو طالب، وكانت قبيلته والقبائل التي حولها تعبد أصناماً صنعوها من الشجر وبعضها من الحجر وبعضها من الذهب, ووضعت حول الكعبة واعتقدوا بأن بيدها النفع والضر، كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها صدق وأمانة، ماعهد عليه غدر ولا كذب، ولا خيانة ولا خداع، عرف بين قومه بالأمين فكانوا يضعون عنده أماناتهم، ويحفظون عنده ودائعهم إذا أرادوا سفرا، وعرف بينهم بالصادق لما عرف عنه من الصدق فيما يقول ويحدث به، وكان حسن الخلق طيب الكلام فصيح اللسان، يحب الخير للناس، أحبه قومه، يعظمه ويجله القريب والبعيد، جميل المنظر, لاتمل العين من رؤيته عليه الصلاة والسلام، فهو جميل الخَلق والخُلق بكل ماتحمله هذه الكلمة من معانٍ،

قال عنه ربه تبارك وتعالى y7¯RÎ)uﷺ‬] 4’n?yès9 @,è=äz 5[OŠÏàtã. يقول عنه ( Th . Carlyle ) [3]في كتابه الأبطال:" لوحظ على محمد صلى الله عليه وسلم منذ صباه أنه كان شاباً مفكراً, وقد سماه رفقاؤه الأمين - رجل الصدق والوفاء - الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره، وقد لاحظوا أنه مامن كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكماً بليغة، وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لاموجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ , وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم, كريماً براً رؤوفاً تقياً فاضلاً حراً، رجلاً شديد الجد مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جم البشر والطلاقة, حميد العشرة, حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم يضيئ وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق، وكان ذكي اللب شهم الفؤاد، عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم, وهو في غنى عن ذلك ... فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء .أهـ

حبب إليه صلى الله عليه وسلم قبل بعثته الوحدة فكان يتحنث - يتعبد - الليالي الطوال في غار حراء، و كان عليه الصلاة والسلام بعيداً كل البعد عن ما كان قومه يعملون من سفاهات فما شرب خمراً قط وما سجد عليه الصلاة والسلام لصنم أو حلف به أو قرب له قرباناً كما يفعل قومه، رعى الغنم لقومه، يقول صلى الله عليه وسلم : " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم " فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال :"نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " (صحيح البخاري). وبعد أن بلغ عليه الصلاة والسلام الأربعين من عمره، نزل عليه الوحي من السماء وهو في مكة في غار حراء يتحنث - يتعبد -، تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء, وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه, وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها, حتى جاءه الحق وهو في غار حراء, فجاءه الملك فقال: اقرأ قال :"ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:ù&tø%$#] ÉOó™$$Î/ y7În/u‘ “Ï%©!$# t,n=y{ ÇÊÈ t,n=y{ z`»|¡SM}$# ô`ÏB @,n=tã ÇËÈ ù&tø%$# y7š/u‘uﷺ‬ ãPtø.F{$# [ÇÌÈ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده, فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال:" زملوني زملوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر:" لقد خشيت على نفسي ". فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق, فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن عم خديجة, وكان امرأً تنصر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب, وكان شيخا كبيرا قد عمي, فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة :يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أو مخرجي هم؟". قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا, ثم لم ينشب - يلبث - ورقة أن توفي وفَتَر الوحي" (صحيح البخاري ومسلم).

فكانت هذه السورة بداية نبوته، ثم أنزل عليه بعدها قول الله تبارك وتعالى :] $pkš‰ﷺ‬'¯»tƒ ãÏoO£‰ßJø9$# ÇÊÈ óOè% ö‘É‹Rﷺ‬'sù ÇËÈ y7­/u‘uﷺ‬ ÷ŽÉi9s3sù ÇÌÈ y7t/$u‹ÏOuﷺ‬ öÎdgsÜsù ÇÍÈ t“ô_”9$#uﷺ‬ öàf÷d$$sù .[ÇÎÈ

وكانت هذه السورة بداية رسالته ودعوته فبدأ بالجهر برسالته, فبدأ صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه من أهل مكة فلاقى ما لاقى منهم من التعنت والرفض لدعوته وما ذلك إلا لأنه صلى الله عليه وسلم جاءهم بدعوة غريبة عليهم شملت جميع أمور حياتهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, لم تقف عند دعوتهم لتوحيد الله وترك عبادة ماسواه وتسفيه عقول القوم ومعبوداتهم فقط, بل حرم عليهم ما كان مصدر متعتهم وغناهم وتفاخرهم, فحرم الربا والزنا والميسر والخمر, كما دعا إلى العدل بين الناس جميعاً لا تفاوت بينهم إلا بالتقوى - فكيف ترضى قريش وهم سادة العرب أن يساوى بينهم وبين العبيد - لم يقف الأمر على الرفض لدعوته فقط بل آذوه بالسب والشتم واتهموه بشتى التهم من الكذب والجنون والسحر والتي ما كانوا يستطيعون رميه بها قبل إعلان دعوته, فأغروا به سفهاءهم، وبالإيذاء الجسدي، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها, فيجيء به ثم يمهله, حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم, فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه, وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا, فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك, فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام وهي جويرية - جارية صغيرة - فأقبلت تسعى, وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم" . (صحيح البخاري)

وهذا منيب الأزدي يقول : رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول :" يا أيها الناس قولوا لاإله إلا الله تفلحوا " فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه، حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بعس - قدح كبير -من ماء فغسل وجهه ويده فقال :" يا بنية لا تخشي على أبيك عيلة ولاذلة "

(المعجم الكبير للطبراني).

يقول عروة بن الزبير: سألت عبدالله بن عمرو بن العاص أن يحدثني عن أشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : "أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة, فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ (صحيح البخاري).

ولم تثن هذه الحوادث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواصلة دعوته، فكان يعرض نفسه على القبائل التي تأتي إلى مكة للحج، فآمن به نفر قليل من أهل يثرب, وهي ما يعرف اليوم باسم المدينة المنورة، وعاهدوه على النصرة والمنعة إن هو جاء لهم، وأرسل معهم مصعب بن عمير أحد أصحابه يعلمهم تعاليم الإسلام، وبعد الاضطهاد والعنت الذي وجده من قومه هو ومن آمن معه من المستضعفين أذن له ربه بالهجرة إلى المدينة المنورة, فاستقبله أهلها خير استقبال, فكانت هي منطلق دعوته وعاصمة دولة الإسلام, فاستقر فيها صلى الله عليه وسلم وأخذ يقرئهم القرآن ويعلمهم شرائع الدين, ولقد تأثروا بمكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته العليا فأحبوه أكثر من حبهم حتى لأنفسهم, فكانوا يتسابقون على خدمته ويبذلون الغالي والنفيس في سبيله، فعاشوا في مجتمع إيماني روحاني تغمره السعادة, ظهرت فيه أواصر المحبة والألفة والإخاء بين أفراد مجتمعه فأصبح الغني والفقير والشريف والوضيع والأبيض والأسود والعربي والعجمي سواسية في هذا الدين العظيم لا تفاوت ولا فرق بينهم إلا بالتقوى، وبعد سنة من استقراره صلى الله عليه وسلم بالمدينة بدأت المواجهات بينه وبين قومه الذين ساءهم ما وصلت إليه دعوته, فوقعت أول معركة في الإسلام وهي معركة بدر بين فئتين متفاوتتين فيما بينهم لامن ناحية العدد ولا العدة, فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة وأربعة عشر ( 314 ) مقاتلاً وعدد المشركين ألف ( 1000 ) مقاتل، فأيد الله سبحانه وتعالى رسوله وأصحابه فكان النصر حليفهم, ثم توالت بعد ذلك المعارك بين المسلمين وقومهم من المشركين، وبعد ثمان سنوات استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشاً قوامه عشرة آلاف ( 10.000 ) مقاتل توجه به إلى مكة فدخلها فاتحاً وهزم قبيلته وقومه الذين آذوه بجميع أنواع الأذى, وعذبوا أتباعه بشتى أنواع التعذيب حتى اضطروهم إلى ترك أموالهم وأولادهم ووطنهم, وانتصر عليهم انتصاراً ساحقاً، فسمي هذا العام عام الفتح الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: #sŒÎ)] uä!$y_ ãóÁtR «!$# ßx÷Gxÿø9$#uﷺ‬ ÇÊÈ |M÷ƒﷺ‬&u‘uﷺ‬ }¨$¨Y9$# šcqè=ä{ô‰tƒ ’Îû Ç`ƒÏŠ «!$# %[`#uqøùﷺ‬& ÇËÈ ôxÎm7|¡sù ωôJpt¿2 y7În/u‘ çnöÏÿøótGó™$#uﷺ‬ 4 ¼çm¯RÎ) tb%Ÿ2 $R/#§qs? ÇÌÈ [ ثم جمع أهل مكة فقال لهم: " ماترون أني صانع بكم ؟" قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم, قال صلى الله عليه وسلم :" اذهبوا فأنتم الطلقاء". (سنن البيهقي الكبرى)

فكان هذا سبباً في دخول كثير منهم في الإسلام، ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد مدة من الزمن خرج الرسول صلى الله عليه وسلم قاصداً مكة للحج مع مائة وأربعة عشر ألفاً ( 114.000) من أصحابه الذين اتبعوه, وعرفت هذه الحجة بحجة الوداع لأنها كانت كالتوديع للمسلمين لقرب وفاته صلى الله عليه وسلم.

وتوفي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الثاني من السنة الحادية عشرة للهجرة ودفن فيها، ولقد صدم المسلمون بوفاته صلى الله عليه وسلم حتى إن بعض الصحابة لم يصدق النبأ ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : من سمعته يقول إن محمداً قد مات ضربت عنقه، فقام أبوبكر رضي الله عنه وتلا قول الله تعالى$tBuﷺ‬] JptèC žwÎ) ×Aqߙu‘ ô‰s% ôMn=yz `ÏB Ï&Î#ö7s% ã@ߙ”9$# 4 û'ïÎ*sùﷺ‬& |N$¨B ÷ﷺ‬ﷺ‬& Ÿ@ÏFè% ÷Läêö6n=s)R$# #’n?tã öNä3Î6»s)ôãﷺ‬& 4 `tBuﷺ‬ ó=Î=s)Ztƒ 4’n?tã Ïmø‹t6É)tã `n=sù §ŽÛØtƒ ©!$# $\«ø‹x© 3 “Ì“ôfu‹y™uﷺ‬ ª!$# tûï̍Å6»¤±9$# [. فلما سمع عمر هذه الآية وقف عندها، وكان رضي الله عنه وقّافاً عند كتاب الله، وكان عمره صلى الله عليه وسلم - عند وفاته - ثلاثاً وستين سنة، مكث في مكة أربعين سنة قبل أن ينبأ, وبعد نبوته مكث فيها ثلاث عشرة سنة يدعو الناس للتوحيد، ثم هاجر إلى المدينه وأقام فيها عشر سنوات, تتابع نزول الوحي عليه فيها حتى نزل عليه القرآن كاملاً, وكملت شرائع الإسلام.

يقول ( Dr. G. Lebon) [4]في كتابه حضارة العرب: ( إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمداً صلى الله عليه وسلم مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله).

صفته :صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين, له شعر يبلغ شحمة أذنيه, وكان أحسن الناس وجهاً, وأحسنهم خلقاً, ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق -الشديد - ولا بالآدم - شديد السمرة -وشعره ليس بالجعد القطط - شديد الجعودة - ولا بالسبط - الشعر المسترسل -, وكان أحسن الناس وجهاً, وكان أبيض مليح الوجه كأنما صيغ من فضة, وكان أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ، وكان كثير شعر اللحية، وسئل جابر بن سمرة -رضي الله عنه -: هل وجهه مثل السيف ؟ فقال : ( بل كان مثل الشمس والقمر وكان مستديراً )، وكان عظيم الفم طويل شق العين قليل لحم العقب, وكان أبيض مليحاً مقصِّداً لا بجسيم ولا نحيل ولا طويل ولا قصير، وكان ضخم اليدين والقدمين وكان بسط الكفين، قال أنس - رضي الله عنه - : (ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم). (أنظر صحيح البخاري وصحيح مسلم)

بعض من أخلاقه وصفاته وشمائله صلى الله عليه وسلم:

1. كمال العقل: بلغ عليه الصلاة والسلام من كمال العقل الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، يقول القاضي عياض: وإذا جلالة ذلك وما تنوع منه متحقق عند من تتبع مجاري أحواله واطراد سيره وطالع جوامع كلمه وحسن شمائله وبدائع سيره وحكم حديثه وعلمه مما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة, وحكم الحكماء وسير الأمم الخالية وأيامها, وضرب الأمثال وسياسات الأنام, وتقرير الشرائع وتأصيل الآداب النفسية, والشيم الحميدة إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة, وإشاراته حجة كالعبادة والطب والحساب والفرائض والنسب وغير ذلك … دون تعليم ولا مدارسة ولا مطالعة كتب من تقدم ولا الجلوس إلى علمائهم, بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك حتى شرح الله صدره, وأبان أمره وعلمه وأقرأه … وبحسب عقله كانت معارفه صلى الله عليه وسلم إلى سائر ما علمه الله تعالى وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان من عجائب قدرته وعظيم ملكوته. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 85)

2. الاحتساب: فلقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المحتسبين، ولقد لاقى في سبيل نشر دعوته ما لاقى من الأذى, فتحمل صابراً راجياً الأجر والمثوبة من الله، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه - وهو يمسح الدم عن وجهه - ويقول :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

ويقول جندب بن سفيان رضي الله عنه : دَمِيتْ إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد المشاهد فقال :

هل أنت إلا إصبع دميت * * * وفي سبيل الله ما لقيت

(صحيح البخاري وصحيح مسلم)

3. الإخلاص: لقد كان عليه الصلاة والسلام مخلصاً في جميع أموره وشؤونه كما أمره الله بذلك، قال الله تبارك وتعالى:@è%] ¨bÎ) ’ÎAŸx|¹ ’Å5Ý¡èSuصلى الله عليه وسلم y“$u‹øtxCuصلى الله عليه وسلم †ÎA$yJtBuصلى الله عليه وسلم ¬! Éb>u‘ tûüÏHs>»yèø9$# ÇÊÏËÈ w y7ƒÎŽŸ° ¼çms9 ( y7Ï9ºx‹Î/uصلى الله عليه وسلم ßNöÏBé& O$tRصلى الله عليه وسلم&uصلى الله عليه وسلم ãA¨صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم& tÇÊÏÌÈ ûüÏHÍ>ó¡çRùQ$# [

4. حسن الخلق والعشرة: تقول عنه زوجته عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خُلُقه: "كان خلقه القرآن " (مسند الإمام أحمد). ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه، عاملاً ومتصفاً بما فيه من فضائل، وتاركاً لما نهى عنه من فواحش ظاهرةً كانت أو باطنة، ولا عجب فهو صلى الله عليه وسلم القائل:"إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال " (البخاري في الأدب المفرد وأحمد) (البخاري في وصفه الله تبارك وتعالى بقوله:] 7¯RÎ)uصلى الله عليه وسلم 4’n?yès9 @,è=äz 5OŠÏàtã [.

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه -وقد خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً فعلم خلالها حاله وأحواله -: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً".

(صحيح البخاري وصحيح مسلم)

ويقول أيضاً : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً,كان يقول لأحدنا عند المعتبة:" ما له ترب جبينه" (صحيح البخاري)

5. الأدب: فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام :" أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ " فقال الغلام : والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال : فتله - وضعه - رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده " (صحيح البخاري ومسلم)

6. حب الإصلاح: فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال :" "اذهبوا بنا نصلح بينهم " (صحيح البخاري)

7. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال :" يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده " فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، خذ خاتمك انتفع به، قال : لاوالله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ( (صحيح مسلم)

8. حب الطهارة: فعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ, ثم اعتذر منه وقال :" إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال على طهارة ". (سنن أبي داوود)

9. حفظ اللسان: فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة,ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة أو المسكين فيقضي حاجته". (سنن النسائي)

10. كثرة العبادة: تقول عائشة رضي الله عنها : " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه, فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. قال:" أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا " (صحيح البخاري ومسلم)

11. الرفق واللين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله : "إن دوساً عصت وأبت فادعوا الله عليها. فقيل هلكت دوس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم اهد دوساً وأت بهم " (صحيح البخاري ومسلم).

12. حسن السمت: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين, له شعر يبلغ شحمة أذنيه, رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه ". (صحيح البخاري ومسلم).

13. الزهد في الدنيا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله : "لو اتخذنا لك وطاءا، فقال :" مالي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " (سنن الترمذي)

وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقةً". (صحيح البخاري)

14. الإيثار: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : جاءت امرأة ببردة قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها. قالت يا رسول الله: إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي محتاجا إليها, فخرج إلينا وإنها إزاره, فقال رجل من القوم: يا رسول الله اكسنيها فقال:" نعم" فجلس النبي في المجلس ثم رجع فطواها, ثم أرسل بها إليه فقال له القوم: ما أحسنت سألتها إياه, لقد علمت أنه لا يرد سائلا ! فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل فكانت كفنه. ز (صحيح البخاري)

15. قوة الإيمان والتوكل: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : "نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه،فقال:"ياأبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" (صحيح البخاري ومسلم).

16. الحنان والعطف: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها ". (صحيح البخاري ومسلم).

17. التيسير: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " . (صحيح البخاري ومسلم).

18. الخشية والورع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها." . (صحيح البخاري ومسلم).

19. الإنفاق: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما سئل رسول الله e على الإسلام شيئا إلا أعطاه, قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا, فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة". (صحيح مسلم)

20. حب التعاون: فعن عائشة رضي الله عنها قالت - لما سئلت: "ما كان النبي e يصنع في بيته ؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله, فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. "

(صحيح البخاري)

ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى -غطى - التراب شعر صدره, وكان رجلا كثير الشعر وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا نا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأعداء قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا

يرفع بها صوته. (صحيح البخاري وصحيح مسلم).

21. الصدق: تقول عنه زوجه عائشة رضي الله عنها: "ماكان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يحدث عند رسول الله بالكذبة، فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة" . (سنن الترمذي)

شهد له أعداؤه بالصدق, فهذا أبو جهل كان من أشد الناس عداوةً للرسول صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: يا محمد إني لا أقول إنك كاذب، ولكني أجحد الذي جئت به وتدعو إليه، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله:] ‰s% ãNn=÷ètR ¼çm¯RÎ) y7çRâ“ósu‹s9 “Ï%©!$# tbqä9qà)tƒ ( öNåk¨XÎ*sù Ÿw štRqç/Éj‹s3ム£`Å3»s9uﷺ‬ tûüÏHÍ>»©à9$# ÏM»tƒ$t«Î/ «!$# t[bﷺ‬߉ysøgs†. تعظيم حرمات الله: عن عائشة رضي الله عنها قالت : "ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله". (صحيح البخاري ومسلم)

22. طلاقة الوجه: يقول عبد الله بن الحارث: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم." (سنن الترمذي)

23. الأمانة والوفاء: لقد كانت أمانته صلى الله عليه وسلم فريدة من نوعها, فهؤلاء أهل مكة الذين ناصبوه العداء عندما جهر بدعوته واضطهدوه واضطهدوا أتباعه, كانوا رغم مابينهم وبينه من هذه العداوة يضعون عنده أماناتهم وودائعهم، ولقد بلغت هذه الأمانة مداها عندما اضطروه صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة بعدما لاقى ما لاقى من الأذى, فأمر ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتخلف عن الهجرة ثلاثة أيام من أجل أن يرد ماكان عند الرسول صلى الله عليه وسلم من أمانات وودائع إلى أهلها. (سيرة ابن هشام 3 / 11)

كذلك من صور وفاءه صلى الله عليه وسلم بالعهود، أنه لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو يوم الحديبية على قضية المدة وكان فيما اشترط سهيل بن عمرو أنه قال : لا يأتيك منا أحد - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه, وأبى سهيل أن يقاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ذلك, فكره المؤمنون ذلك وامعضوا - غضبوا - فتكلموا فيه, فلما أبى سهيل أن يقاضي الرسول صلى الله عليه وسلم إلا على ذلك كاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل بن عمرو والد أبي جندل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فأجزه لي "، قال : ما أنا بمجيزه لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بلى فافعل"، قال سهيل : ما أنا بفاعل ... فشعر بذلك أبو جندل، فقال يستثير المسلمين : يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ؟ ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عذب عذاباً شديداًَ في الله.

فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو وفاءاً بالعهد.

(صحيح البخاري).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل:" أبا جندل اصبر واحتسب, فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً, إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد وإنا لا نغدر"

(مسند الإمام أحمد).

ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاء أبو بصير - رجل من قريش -هو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا ؟ فدفعه إلى الرجلين .

24. الشجاعة وعدم التردد: يقول علي رضي الله عنه: "لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً". (مسند الإمام أحمد)

أما شجاعته في غير الحروب فيقول عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول:"لم تراعوا لم تراعوا. ثم قال: وجدناه بحرا أو قال إنه لبحر" (صحيح البخاري ومسلم) يعني الفرس، يخرج أهل المدينة فزعين عند سماعهم الصوت لمعرفة الخبر، فيقابلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمفرده قادماً من جهة الصوت، يهدأ روعهم، على فرس عري لم تسرج، وذلك لأن الموقف يستدعي السرعة، متقلد سيفه لأنه قد يكون هناك ما يستدعي استعماله، وأخبرهم أن الفرس التي معه كانت بحراً يعني سريعة، فلم ينتظر صلى الله عليه وسلم خروج الناس لمرافقته لمعرفة الأمر.

وفي غزوة أحد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم فأشاروا عليه بالقتال, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى غير ذلك ولكنه أخذ بمشورتهم، ولكن الصحابة رضي الله عنهم ندموا على ذلك لأن رغبته كانت في غير ذلك، فقالت الأنصار رددنا على رسول الله رأيه فجاءوا فقالوا يا نبي الله: شأنك إذاً. فقال:" إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل " (مسند الإمام أحمد)

25. الجود والكرم: يقول ابن عباس رضي الله : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". (صحيح البخاري ومسلم)

ويقول أبوذر رضي الله عنه : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة فاستقبلنا أحداً، فقال : " يا أباذر " قلت : لبيك يا رسول الله، قال :" ما أحب أن أحدا لي ذهبا يأتي علي ليلة أو ثلاث عندي منه دينار إلا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا" عن يمينه وعن شماله ومن خلفه" . (صحيح البخاري)

يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال : لا". (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

26. الحياء: يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : "كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه. " (صحيح البخاري ومسلم)

27.التواضع: فلقد كان صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس تواضعاً، ولقد كان من شدة تواضعه صلى الله عليه وسلم أن الداخل للمسجد لا يعرفه من بين أصحابه، يقول أنس بن مالك: "بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله, ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم, فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ..." (صحيح البخاري). وذلك لعدم تميزه صلى الله عليه وسلم عن أصحابه وجلسائه .

وكان صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر أن يذهب مع المسكين والضعيف وصاحب الحاجة حتى يقضي لهم حوائجهم، فعن أنس رضي الله عنه قال : أن امرأة من أهل المدينة كان في عقلها شيء، فقالت يا رسول الله: إن لي إليك حاجة، فقال :" يا أم فلان انظري أي السكك - الطرق - شئت، حتى أقضي حاجتك "فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها ". (صحيح مسلم)

28. الرحمة والشفقة: يقول أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه : "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فيها، قال : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضباً في موعظة منه يومئذ، ثم قال :" أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة " (صحيح البخاري ومسلم)

وعن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي e إذ جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت. فقال النبي :"ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فمرها فلتصبر ولتحتسب" فأعادت الرسول أنها أقسمت لتأتينها, فقام النبي وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل فدفع الصبي إليه ونفسه تقعقع كأنها في شن ففاضت عيناه, فقال له سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال :"هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

29. الحلم والعفو: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته, ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء". ( (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

ومن الأمثلة على حلمه أيضاً، حديث زيد بن سعنة وهو من أحبار اليهود -أنه أقرض النبي صلى الله عليه وسلم قرضاً كان قد احتاج إليه ليقضي شؤون بعض المؤلفة قلوبهم. يقول زيد : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه, فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه, فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فو الله ما علمتكم بني عبد المطلب بمطل ولقد كان لي بمخالطتكم علم!! قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره, وقال: أي عدو الله! أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع, وتفعل به ما أرى, فو الذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك, ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة ثم قال:" إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء, وتأمره بحسن التباعة - طلب الحق - اذهب به يا عمر فاقضه حقه, وزده عشرين صاعا من غيره مكان ما رعته" قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر, فقلت: ما هذه الزيادة ؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك. فقلت: أتعرفني يا عمر ؟ قال: لا فمن أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة قال: الحبر؟ قلت: نعم الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت وتفعل به ما فعلت ؟ فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله, ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما, فقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا, وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها - المدينة مالاً - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة, ثم توفي في غزوة تبوك, مقبلاً غير مدبر, رحم الله زيدا. . (صحيح ابن حبان)

ولعل أكبر مثال على عفوه صلى الله عليه وسلم، أنه عندما دخل مكة فاتحاً وجُمِع له أهل مكة ممن آذوه بشتى أنواع الأذى وتسببوا في إخراجه من بلده، فقال لهم حين اجتمعوا في المسجد:" ما ترون أني صانع بكم؟" قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال:" اذهبوا فأنتم الطلقاء ". . (سنن البيهقي الكبرى)

30. الصبر: كان صلى الله عليه وسلم مثالاً للصبر، فقبل دعوته كان صابراً على ماكان قومه يعملون من أعمال ويعبدون من أصنام، وبعد الجهر بدعوته كان صابراً محتسباً على ما لاقى من قومه من شتى أنواع الإيذاء في مكة أولاً، ثم مع المنافقين في المدينة ثانياً، وكان مثالاً للصبر عند فقد أحبابه، توفيت زوجته خديجة وتوفي أولاده كلهم في حيـاته إلا فاطمة، وتوفي عـمه أبو طالب وعمه حمزة - رضي الله عنه -,فكان في هذه المواقف صابراً محتسباً، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام (كانت زوجته مرضعة لابنه إبراهيم عليه السلام) فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه, فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان,. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله !!! فقال:" يا ابن عوف إنها رحمة " ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم :"إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " (صحيح البخاري)

31. العدل والإنصاف: لقد كان عليه الصلاة والسلام عدلاً في كل أمور حياته عدلاً في تطبيق شرع الله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم,كلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتشفع في حد من حدود الله !! " ثم قام فاختطب ثم قال :" إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

عدل حتى في الاقتياد من نفسه صلى الله عليه وسلم، يقول أسيد بن حضير رضي الله عنه : "بينما رجل من الأنصار يحدث القوم وكان فيه مزاح، بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده، فقال : أصبرني فقال :" اصطبر " قال : إن عليك قميصاً وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه -بطنه - وقال : إنما أردت هذا يارسول الله . . (سنن أبي داوود)

32. الخوف من الله: فقد كان عليه الصلاة والسلام من أشد الناس خوفاً من الله ومن أشدهم خشيةً له، يقول عبد الله بن مسعود: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:" اقرأ علي" قلت يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل ! قال:" نعم " فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية y#ø‹s3sù] #sŒÎ) $uZ÷¥Å_ `ÏB Èe@ä. ¥p¨Bé& 7‰‹Îgt±Î0 $uZ÷¥Å_uﷺ‬ y7Î/ 4’n?tã ÏäIwàs¯»yd [#Y‰‹Íky­ قال : " حسبك الآن" فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .

(صحيح البخاري وصحيح مسلم)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي إذا رأى مخيلة (سحاب) في السماء أقبل وأدبر, ودخل وخرج, وتغير وجهه, فإذا أمطرت السماء سري عنه, فعرَّفته عائشة ذلك فقال النبي :"ما أدري لعله كما قال قوم $£Jn=sù] çn÷ﷺ‬ﷺ‬&u‘ $ZÊ͑%tæ Ÿ@Î6ø)tGó¡•B öNÍkÉJtƒÏŠ÷ﷺ‬ﷺ‬& (#qä9$s% #x‹»yd ÖÚ͑%tæ $tRãÏÜøÿ’E 4 ö@t/ uqèd $tB Läêù=yf÷ètGó™$# ¾ÏmÎ/ ( ÓxƒÍ‘ $pkŽÏù ë>#x‹tã ×LìÏ9ﷺ‬& [ " ( (صحيح . (صحيح البخاري وصحيح مسلم )

33. القناعة وغنى النفس: يقول عمر بن الخطاب: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلي حصير ما بينه وبينه شيء, وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف, وإن عند رجليه قرظا مدبوغاً,وعند رأسه أهب معلقة,فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت,فقال:" ما يبكيك؟"فقلت يا رسول الله: إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، فقال:" أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة". . (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

34. حبه الخير لكل الناس حتى لأعدائه: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال:" لقد لقيت من قومك ما لقيت, وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة, إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك, وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا" (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

يقول ابن عمر: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول[5] جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه, فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه, فقام رسول الله ليصلي عليه, فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما خيرني الله فقال:] öÏÿøótGó™$# öNçlm; ÷ﷺ‬ﷺ‬& Ÿw öÏÿøótGó¡n@ öNçlm; bÎ) öÏÿøótGó¡n@ öNçlm; tûüÏèö7y™ [ وسأزيد على سبعين" قال: إنه منافق, فصلى عليه رسول الله وأنزل الله عز وجل ] Ÿwuﷺ‬ Èe@|Áè? #’n?tã 7‰tnﷺ‬& Nåk÷]ÏiB |N$¨B #Y‰t/ﷺ‬& Ÿwuﷺ‬ öNà)s? 4ÿ¾ÍnΎö9s%’n?tã [. (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

بعض آدابه صلى الله عليه وسلم

1. قربه صلى الله عليه وسلم من أصحابه ومخالطته لهم، ولعل مايؤيد هذا معرفتنا الكاملة لجميع شؤون حياته صلى الله عليه وسلم وأموره سواءً الخاصة منها أوالعامة، لأنه صلوات ربي وسلامه عليه هو القدوة والأسوة الذي ينبغي الإقتداء به في جميع الأمور، يقول جرير بن عبد الله : "ماحجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال:" اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا" (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

وكان عليه الصلاة والسلام يمازح أصحابه ويداعبهم، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان رسول الله أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال: أحسبه, قال: كان فطيماً - صغيراً - قال: فكان إذا جاء رسول الله فرآه قال:" أبا عمير ما فعل النغير - طائر - قال فكان يلعب به" (صحيح البخاري وصحيح مسلم )

ولقد كان مزاحه لا يقتصر على الكلام فقط بل كان يمازح أصحابه بالفعل, فعن أنس بن مالك: أن رجلاً من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام, كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن زاهراً بادينا ونحن حاضروه, قال فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره, فقال أرسلني، مَن هذا ؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري هذا العبد؟ فقال زاهر تجدني يا رسول الله كاسداً, قال لكنك عند الله لست بكاسد, أو قال صلى الله عليه وسلم بل أنت عند الله غال" (صحيح ابن حبان)

2. مشاورته لأصحابه وأخذ رأيهم في جميع الأمور التي لا نص فيها، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : "مارأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". (سنن الترمذي)

3. عيادة المريض مسلماً كان أو كافراً، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن أصحابه ويتفقدهم، فإذا أخبر عن مريض منهم سارع إلى عيادته هو ومن معه من أصحابه، ولم تكن عيادته قاصرة على المرضى المسلمين فقط بل كانت تتعدى إلى من سواهم، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : "كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له : " أسلم "، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أنقذه من النار " (صحيح البخاري)

4. شكر المعروف ومكافأته عليه، فهو القائل عليه الصلاة والسلام : " من استعاذكم بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " ( (سنن أبي داوود)

تقول عنه زوجه عائشة رضي الله عنها : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها" . (صحيح البخاري)

5. حبه صلى الله عليه وسلم لكل ماهو جميل وطيب، يقول أنس رضي الله عنه : "ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي ولا شممت ريحا قط أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي".(صحيح البخاري ومسلم)

6. حبه صلى الله عليه وسلم للشفاعة في كل ميدان من ميادين الخير والعمل الصالح، فعن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث كأني انظر إليه يطوف خلفها يبكي, ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي للعباس:" يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته " قالت يا رسول الله: تأمرني ؟ قال :"إنما أنا شافع " قالت: لا حاجة لي فيه". (صحيح البخاري)

خدمته صلى الله عليه وسلم لنفسه، تقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت ماكان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ فقالت : "كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه". (صحيح ابن حبان)

بل إن نبل أخلاقه جعلته يتعدى خدمة نفسه إلى خدمة غيره، تقول عنه زوجه عائشة رضي الله عنها عندما سئلت ماكان النبي يصنع في بيته ؟ قالت : "كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج ". (صحيح البخاري)

شهادات منصفة :

· يقول شاعر الألمان ( غوته ) : بحثت في التأريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم .[6]

· يقول البروفسور (كيث مور ) في كتابه The developiong human: لا أجد صعوبة في قبول أن القرآن كلام الله، فإن أوصاف الجنين في القرآن لايمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، الاستناج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله .[7]

· يقول ( وول ديورانت في كتابه قصة الحضارة الجزء الحادي عشر: إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن رسول المسلمين أعظم عظماء التاريخ, فقد كبح جماح التعصب والخرافات وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم ديناً سهلاً واضحاً قوياً استطاع أن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم .[8]

· يقول جورج دي تولز في كتابه الحياة: إن الشك في بعثة محمد هو الشك في القدرة الإلهية التي تشمل الكائنات جمعاء .[9]

· يقول العالم ويلز في كتابه النبي الحق : أنصع الأدلة على صدق الرسول كون أهله وأقرب الناس إليه أول من آمن به، فقد كانوا مطلعين على أسراره كلها، ولو ارتابوا بصدقه لما آمنوا به .[10]

· يقول المستشرق هيل في كتابه حضارة العرب : لانعرف في تاريخ البشر أن ديناً انتشر بهذه السرعة وغير العالم كما فعل الإسلام، لقد أخرج محمد للوجود أمةً، ومكن لعبادة الله في الأرض، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة في أقوام لاتعرف غير الفوضى .[11]

· يقول المستشرق الأسباني جان ليك في كتابه العرب : لايمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله :" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ( الأنبياء 107 )

كان محمد رحمة حقيقية وإني أصلي عليه بلهفة وشوق .[12]

· يقول برنارد شو في كتابه الإسلام بعد مائة عام : إن الدنيا بأكملها ستقبل الإسلام وإن هي لم تقبله باسمه الصريح فستقبله باسم مستعار، وسيأتي يوم يعتنق فيه الغرب دين الإسلام فقد مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملآى بالأكاذيب على الإسلام، ولقد ألفت كتاباً في محمد ولكنه صودر لخروجه عن تقاليد الإنجليز .

زوجاته صلى الله عليه وسلم

تزوج محمد صلى الله عليه وسلم بضع عشر امرأة بعد وفاة زوجته خديجة – رضي الله عنها - كلهن ثيبات كبيرات في السن إلا عائشة – رضي الله عنها – تزوجها بكراً، ست منهن من قريش و واحدة يهودية وباقيهن من سائر العرب وتسرى بأمة واحدة هي مارية القبطية – رضي الله عنها - وهي أم ولده إبراهيم، - وقد وهبها للنبي صلى الله عليه وسلم المقوقس ملك الإسكندرية - وقال صلى الله عليه وسلم : " إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط, فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما, أو قال ذمة وصهرا " (صحيح مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : " إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم فإن لهم ذمة ورحما "(مصنف عبدالرزاق) قال الزهري: الرحم باعتبار هاجر أم إسماعيل عليه السلام, والذمة باعتبار إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام .

ولقد كان زواجه صلى الله عليه وسلم من هذا العدد من النساء لأمور:-

1. دينية تشريعية كزواجه من زينب بنت جحش رضي الله عنها فقد كان العرب في الجاهلية يحرمون زواج الرجل من زوجة ابنه بالتبني[13] لاعتقادهم أن زوجة المتُبَنّى كزوجة الابن من الصلب، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطالاً لهذا الزعم،

قال الله تعالى:] $£Jn=sù 4Ó|Ós% Ӊ÷ƒy— $pk÷]ÏiB #\sÛuﷺ‬ $ygs3»oYô_¨ﷺ‬y— ö’s5Ï9 Ÿw tbqä3tƒ ’n?tã tûüÏZÏB÷sßJø9$# Óltym þ’Îû Ælºuﷺ‬ø—ﷺ‬& öNÎgͬ!$u‹Ïã÷Šﷺ‬& #sŒÎ) (#öqŸÒs% £`åk÷]ÏB #\sÛuﷺ‬ 4 šc%x.uﷺ‬ ãøBﷺ‬& «!$# ZwqãèøÿtB [.

2. سياسية لمصلحة الدعوة ومن أجل تأليف القلوب واجتذاب عطف القبائل، فقد صاهر عليه الصلاة والسلام أكبر القبائل من قريش, وأقوى القبائل من العرب, وهذا الأسلوب أمر الصحابة أيضاً باتباعه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف عندما بعثه إلى دومة الجندل:" إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم " (تاريخ الطبري 2 / 126)

يقول ( Cl. Cahan ) [14]:ربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئاً من الإرتباك تبعاً لعقليتنا المعاصرة، فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيوية, وألمحت إلى زوجاته التسع اللاتي اتخذهن بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسي, وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف, وبعض الأفخاذ, ثم إن العقلية العربية تقر الإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ماخلقها الله .أهـ

3. اجتماعية، وذلك كزواجه من زوجات بعض أصحابه الذين ماتوا في سبيل نشر دين الله, علماً أنهن كن كبيرات في السن ولكنه تزوجهن رحمة بهن وعطفاً عليهن, وتكريماً لهن ولأزواجهن.

تقول الكاتبة الإيطالية (L. Veccia Vaglieri)[15] في كتابها دفاع عن الإسلام: إن محمداً صلى الله عليه وسلم طوال سنين الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ماتكون, وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب حيث كان الزواج كمؤسسة اجتماعية مفقوداً أو يكاد, وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود, لم يتزوج إلا من امرأة واحدةً ليس غير هي خديجة رضي الله عنها التي كان سنها أعلى من سنه بكثير, وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب ولم يتزوج كرة ثانية وأكثر من مرة إلا بعد أن توفيت خديجة, وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره, لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي, ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتي تزوجهن إلى تكريم النسوة المتصفات بالتقوى أو إلى إنشاء علاقات زوجية مع بعض العشائر والقبائل الأخرى ابتغاء شق طريق جديد لانتشار الإسلام, وباستثناء عائشة رضي الله عنها ليس غير تزوج محمد صلى الله عليه وسلم من نسوة لم يكن عذارى ولاشابات ولاجميلات فهل كان رجلاً شهوانياً ؟ لقد كان رجلاً ولم يكن إلهاً، وقد تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أيضاً للزواج من جديد ... ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض بأعباء أسرة ضخمة, ولكنه التزم دائماً سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعاً, ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفارق مع أي منهن لقد تصرف متأسياً بسنة الأنبياء القدامى عليهم السلام مثل موسى وغيره الذين لايبدوا أن أحداً من الناس يعترض على زواجهم المتعدد فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليومية على حين نعرف كل شيئ عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم العائلية . أهـ

ويقول عنه توماس كارليل(Th. Carlyle )[16] الكاتب الإنجليزي المعروف في كتابه الأبطال: ما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً, وأشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوانياً، لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ، كلا ! فما أبعد ماكان بينه وبين الملاذ أياً كانت .أهـ

بعض من الأدلة النقلية الدالة على رسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم:

من القرآن الكريم

يقول ربنا تبارك وتعالى :" $¨B] tb%x. JptèC !$t/ﷺ‬& 7‰tnﷺ‬& `ÏiB öNä3Ï9%y`Íh‘ `Å3»s9uﷺ‬ tAqߙ§‘ «!$# zOs?$yzuﷺ‬ z[`¿ÍhŠÎ;¨Y9$# (الأحزاب 40)

ولقد بشر عيسى عليه السلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل فقال الله تعالى :] ŒÎ)uﷺ‬ tA$s% Ó|¤ŠÏã ßûøó$# zNtƒótB ûÓÍ_t6»tƒ Ÿ@ƒÏäÂuŽó Î) ’ÎoTÎ) ãAqߙu‘ «!$# /ä3ø‹s9Î) $]%Ïd‰|Á•B $yJÏj9 tû÷üt/ £“y‰tƒ z`ÏB Ïp1u‘öq­G9$# #MŽÅe³t6ãBuﷺ‬ 5AqߙtÎ/ ’ÎAù'tƒ .`ÏB “ω÷èt/ ÿ¼çmèÿôœ$# ߉uH÷qﷺ‬& [ (الصف 6)

وقال تعالى : ] tûïÏ%©!$# šcqãèÎ7­Ftƒ tAqߙ§9$# ¢ÓÉ<¨Z9$# ¥_ÍhGW{$# “Ï%©!$# ¼çmtRﷺ‬߉Ågs† $¹/qçGõ3tB öNèdy‰YÏ㠒Îû Ïp1u‘öq­G9$# È@‹Ågﷻ‬M}$#uﷺ‬ NèdããBù'tƒ Å$ﷺ‬ã÷èyJø9$$Î/ öNßg8pk÷]tƒuﷺ‬ Ç`tã ̍x6YßJø9$# ‘@Ïtä†uﷺ‬ ÞOßgs9 ÏM»t6Íh‹©Ü9$# ãPÌhptä†uﷺ‬ ÞOÎgøŠn=tæ y]Í´¯»t6y‚ø9$# ßìŸÒtƒuﷺ‬ öNßg÷Ztã öNèduŽñÀÎ) Ÿ@»n=øñF{$#uﷺ‬ ÓÉL©9$# ôMtR%x. óOÎgøŠn=tæ 4 šúïÏ%©!$$sù (#qãZtB#uä ¾ÏmÎ/ çnﷺ‬⑨“tãuﷺ‬ çnﷺ‬ã|ÁtRuﷺ‬ (#qãèt7¨?$#uﷺ‬ u‘q‘Z9$# ü“Ï%©!$# tA̓Ré& ÿ¼çmyètB y7Í´¯»s9'ﷺ‬é& ãNèd šcqßsÎ=øÿßJø9$# [ (الأعراف 157)

من السنة النبوية المطهرة

قوله صلى الله عليه وسلم : " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

من الكتب السماوية السابقة[17]

عن عطاء بن يسار قال: "لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقلت: له أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في الفرقان "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق, ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر, ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء, وأن يقولوا لا إله إلا الله, وأفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً "

(صحيح البخاري)

يقول البروفسور عبد الأحد داود [18]: ...ولكنني حاولت أن اعتمد في مناقشتي على بعض أقسام من الكتاب المقدس والتي قلما تسمح بأي جدل لغوي، ولن أذهب إلى اللاتينية أو الإغريقية أو الآرامية، لأن ذلك يكون عديم الجدوى إلا أنني فقط أورد فيما يلي النص بنفس الكلمات من النسخة المصححة التي نشرتها جمعية الكتاب المقدس البريطانية والأجنبية، ولنقرأ الكلمات التالية الواردة في سفر " التثنية " من التوراة (الفصل الثامن عشر الجملة :18) " أقيم لهم نبيناً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه " .

فإذا كانت هذه الكلمات لاتنطبق على " محمد " فإنها تبقى غير متحققة ولا نافذة، فالمسيح نفسه لم يدع أبداً أنه المشار إليه، حتى إن حواريه كانوا على نفس الرأي وأنهم يتطلعون إلى عودة المسيح مرة ثانية لكي تتحقق النبوءة، وحتى الآن فإنه من الثابت غير المنقوض " بأن الظهور الأول للمسيح " لم يكن ليدل على ماجاء في الجملة " أقيم لهم نبياً مثلك " وكذلك فإن عودة المسيح مرة ثانية لاتكاد تحمل معنى هذه الكلمات .. وأن المسيح كما تؤمن به كنيسته سوف يظهر كقاض وليس كمقدم للتشريع ٍ، بينما " الموعود " هو الذي يجيء حاملاً " الشريعة النارية المشعة بيده اليمنى " .

وعند التأكيد على شخصية النبي الموعود، فإن النبوءة الأخرى المنسوبة لموسى هي، وعلى أية حال، تساعد كثيراً عندما نتحدث عن " نور الله المشع القادم من فاران " وهي قفار مكة، ثم إن الكلمات الواردة في " التوراة " وفي الفصل (33) الجملة (2) تنص على مايلي :" وجاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ قُدُماً من جبال فاران، وجاء معه عشرة آلاف قديس، ومن يده اليمنى برزت نار شريعة لهم " ففي الكلمات شُبّه نور الرب بنور الشمس " وهو قادم من سيناء وقد أشرق لهم من ساعير " ولكنه تلألأ بالمجد من "فاران " حيث وجب أن يظهر معه عشرة آلاف قديس ويحمل بيده اليمنى شريعة لهم، ولم تكن لأي واحد من الإسرائيلين بما فيهم المسيح أيه علاقة بـ"فاران " فإن " هاجر " مع ولدها " إسماعيل " تجولا في متاهات " بئر السبع " وهم الذين سكنوا بعد ذلك في قفار "فاران ".

(سفر التكوين فصل 21 الجملة 21:

" واتخذت له أمه زوجة من أرض مصر، ومن ولده الأول قيدار " عدنان " انحدر الأحفاد العرب الذين سكنوا منذ ذلك الحين في قفار " فاران " واتخذوها موطناً لهم، فإذا كان (محمد) وكما هو معروف للجميع قد جاء من نسل إسماعيل وإبنه قيدار (عدنان ) ثم ظهر بعد ذلك نبياًً في قفار فاران ثم دخل مكة مع عشرة آلاف قديس (مؤمن) وجاء بالشريعة النارية إلى شعبه أو ليست هذه النبوءة السالفة الذكر هي التي تحققت بالحرف الواحد ؟؟ ثم إن النبوءة التي جاء بها (حبقوق النبي ) وهي على وجه التخصيص جديرة بالملاحظة والانتباه ٍوهي كما يلي :" القدوس من جبل فاران جلاله غطى السموات والأرض امتلأت بحمد وتسبيحه) والكلمة (حمد) هنا لها معنى هام ذلك أن اسم (محمد) بالذات تعني حرفياً (الممدوح) وفوق هذا فإن العرب وهم سكان قفار (فاران ) كانوا قد وعدوا أيضاً بنزول (الوحي) :" لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار (عدنان) لتترنم سكان (سالع) من على رؤس الجبال ليهتفوا ويمجدوا الرب تمجيداً ولينشروا تسبيحه في الجزر الرب كالجبار يخرج ويثير حميته كرجل حرب ويهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه) ( (إشعيا الإصحاح 42 الجملة 11-12)

وحول هذا الموضوع هناك نبوءتان أخريان جديرتان بالملاحظة حيث وردت الإشارة إلى ذكر قيدار (عدنان) في الفصل (60)من إصحاح (إشعيا) ونصه :" قومي استنيري لأنه جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك وتغطيك كثرة الجمال بكران ومديان وعيفة كلها تأتي من شيبا .. كل غنم قيدار تجتمع إليك، وكباش بنايوت تخدمك وتصعد مقبولة على مذبحي، وأزين بيت جمالي ..ألخ "

وكذلك فإن النبوءة الأخرى وردت في اصحاح إشعيا " الإصحاح (21)الآيات (13-17) تقول هذه النبوءة :" وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر في بلاد العرب تبيتين ياقوافل الدّدانيين، وياسكان أرض تيما وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب، فإنه هكذا قال لي السيد، في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار، وبقية عدد الأقواس من أبطال بني قيدار تضمحل "

اقرأ هذه النبوءات في (اشعيا) كما جاءت في سفر من أسفار التوراة التي تتحدث عن (قدوم نور الله من فاران) .

فإذا كان إسماعيل قد سكن في قفار (فاران) حيث ولد له قيدار (عدنان) وهو الجد والسلف الأعلى للعرب وإذا كان قد كتب على أولاد قيدار (عدنان) أن يأتيهم الوحي من الله وإذا كان على رعية قيدار أن تبدي تقبلها للمذبح المقدس تمجيداً لـ( بيت عظمتي) حيث كان الظلام يلف الأرض لقرون عديدة ثم كان على تلك البقعة من الأرض أن تستقبل النور من الرب فإذا كان كل ذلك المجد الذي تحقق لقيدار وذلك العدد من الرماة وكذلك كل أمجاد الأبطال من أولاد قيدار, إذا كانت هذه كلها يجب أن تتلاشى خلال سنة واحدة بعد الفرار أمام السيف المسلول والقوس المشدودة, فهل هناك من يعنيه هذا الكلام غير شخص واحد من (فاران ) هو (محمد)؟! ( (حبقوق / الإصحاح الثالث الجملة (3)

فمحمد هو من نسل إسماعيل وبنوه من قيدار (عدنان) الذي استقر في قفار (فاران) (ومحمد) هو النبي الوحيد الذي تقبل العرب عن طريقه (الوحي الإلهي ) عندما كان الظلام يلف الأرض ومن خلاله شعشع النور الإلهي في (فاران) ومكة هي البلد الوحيد الذي تمجد اسم الرب في بيته (وكذلك جاءت رعية قيدار تتقبل الوحي على مذبح (بيت الله) فهاهو محمد قد اضطهده شعبه فاضطر للهجرة (من مكة) وقد انتابه العطش أثناء هربه من السيوف المسلولة والأقواس المشدودة وبعد عام واحد من هروبه قابله أحفاد قيدار في موقعة (بدر) وهذا هو المكان الذي وقعت فيه أول معركة بين أهل مكة وبين النبي وبعد ذلك انكسر أحفاد قيدار ( الذين يحملون الأقواس) ثم انحسرت كل أمجاد قيدار فإذا لم يكن الأنبياء المقدسون هم الذين تقبلوا الوحي وحققوا جميع هذه النبوءات فإن ذلك يعني أن تلك النبوءات لم تتحقق بعد ؟ وكذلك فإن (بيت الرب الذي يمجد اسمه فيه ) والمشار إليه في الإصحاح (60 الجملة 7) هو بيت الله الحرام في مكة وليس كنيسة المسيح كما كان يعتقد المفسرون المسيحيون وإن رعية قيدار كما هو مذكور في الفصل (7) لم ينضموا مطلقاً إلى كنيسة المسيح, والحقيقة أن القرى التابعة (لقيدار) وسكانها هم الناس الوحيدون في هذا العالم الذين لم يتأثروا من ذلك الحين بأية تعاليم من كنيسة المسيح, وكذلك فإن ذكر العشرة آلاف قديساً كما جاء في تثنية التوراة ذو مغزى هام (الإصحاح الثالث والثلاثون) ." الله أشرق نوره من فاران وجاء مع النور عشرة آلاف قديس " فإذا قرأت جميع التواريخ المتعلقة بقفار (فاران) فإنك لاتجد أية حادثة أخرى غير هذه أمامك وهي أنه عندما فتح النبي مكة دخلها على رأس عشرة آلاف مؤمن من أتباعه في المدينة ثم يعود إلى (بيت الله) وبيده اليمنى الشريعة التي حولت جميع الشرائع الأخرى إلى رماد، وإن (الهادي) وهو (روح الحق) الذي بشر به المسيح لم يكن غير (محمد) نفسه ولا يمكن أن نأخذ باعتبارنا أنه (الروح القدس) كما تدعي النظريات اللاهوتية إذ يقول المسيح (إنه من المناسب إليكم أن أرحل بعيداً لأنني إن لم أذهب بعيداً فإن (الهادي) لايجيء إليكم ولكنني إذا رحلت فإني مرسله إليكم) وهذه الكلمات تعني بوضوح أن (الهادي) كان يجب أن يجيئ بعد المسيح وأنه لم يكن معه عندما نطق بهذه الكلمات, وهل لنا أن نفترض أن (المسيح) كان مجرداً من الروح القدس إذا كان مجيء الروح القدس مشروطاً بذهاب (المسيح)؟ وعدى ذلك فإن الطريق التي وصفه بها المسيح تجعله إنساناً من البشر وليس روحاً : " سوف لايتحدث عن نفسه لكنه يعيد على الناس ماسمعه " فهل يتوجب علينا أن نفترض أن الله والروح القدس كانا " وجودين متميزين " وأن الروح القدس يتحدث عن نفسه وعم مايسمعه من الله ؟.

إن كلمات المسيح تشير بوضوح إلى بعض الذين أرسلهم الله إنه يدعوه روح صدق, وكذلك يتحدث القرآن عن محمد بهذه الصفة تماماً فيقول :ö@t/] uä!%y` Èd,ptø:$$Î/ s-£‰|¹uﷺ‬ tûüÎ=y™ößJø9$# [ (الصافات 37)

من الإنجيل

هناك العديد من الأدلة في الإنجيل توضح مجيء ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم صراحة أو بذكر بعض أعماله.

يوحنا1:( 20-25)

فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ أَكَّدَ قَائِلاً: « لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ »

21 فَسَأَلُوهُ: « مَاذَا إِذَنْ؟ هَلْ أَنْتَ إِيلِيَّا؟ » قَالَ : « لَسْتُ إِيَّاهُ! »؛ «أَوَ أَنْتَ النَّبِيُّ؟» فَأَجَابَ: « لاَ! »

21 فَقَالُوا: « فَمَنْ أَنْتَ، لِنَحْمِلَ الْجَوَابَ إِلَى الَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟ »

23 فَقَالَ « أَنَا صَوْتُ مُنَادٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: اجْعَلُوا الطَّرِيقَ مُسْتَقِيمَةً أَمَامَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ إِشَعْيَاءُ »

24 وَكَانَ هؤُلاَءِ مُرْسَلِينَ مِنْ قِبَلِ الْفَرِّيسِيِّينَ،

25 فَعَادُوا يَسْأَلُونَهُ: «إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ، فَلِمَاذَا تُعَمِّدُ إِذَنْ؟ »

النبي المذكور في هذا النص ليس هو عيسى عليه السلام, بل محمد صلى الله عليه وسلم لأن يوحنا كان يدعو ويعمد في حياة عيسى, وكان مع ذلك يبشر بمجيء ذلك النبي.

(يوحنا 14:16)

من كلام عيسى: عيسى عليه السلام قال: "وسوف أطلب من الأب أن يعطيكم معينا آخر يبقى معكم إلى الأبد..."

كلمة المعين بالإنجيل هو بيركليتوس، باراكليت، باراكلون.. 'Periqlytos' or 'Paraclete' or 'Paracalon'.

وهذه الكلمة تعني أحمد. وقد ذكر "أحمد" في القران، وهو اسم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما في سورة...الصف.

و نقل في إنجيل (برنابا 112 80-16) أن عيسى عليه السلام قال : لأن الله سيصعدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إياي، ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمناً طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة .[19]

كما ورد أيضاً في إنجيل برنابا- فصل 39: لما انتصب آدم على قدميه رأى في الهواء كتابة تتألق كالشمس نصها " لاإلة إلا الله محمد رسول الله " فقبل الانسان الأول بحنو أبوي هذه الكلمات ومسح عينيه وقال : بورك ذلك اليوم الذي ستأتي فيه إلى العالم .[20]

جانب من الأدلة العقلية الدالة على صدق رسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم

1. أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة في قوم أميين, قليل جداً فيهم من يحسنها وما ذلك إلا من أجل أن لا يشك شاك في الوحي الذي أنزل عليه, ويزعم باطلاً بأنه من عنده ومن تأليفه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ] $tBuﷺ‬ |MZä. (#qè=÷Fs? `ÏB ¾Ï&Î#ö7s% `ÏB 5=»tGÏ. Ÿwuﷺ‬ ¼çm’Üèƒﷺ‬B šÎYŠÏJu‹Î/ ( #]ŒÎ) z>$s?ö‘^w š[cqè=ÏÜö6ßJø9$#.

(العنكبوت 48)

وجاء صلى الله عليه وسلم بما أعجز العرب عن الإتيان بمثله وسحرهم ببلاغته وفصاحته فكانت معجزته الخالدة القرآن الذي أنزل عليه،

يقول صلى الله عليه وسلم: " مامن الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الأيات مامثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

ومع أن قومه كانوا أهل فصاحة ولسن وحذاقة فقد تحداهم القرآن بأن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله, فقال الله تعالى ] bÎ)uﷺ‬ öNçFZà2 ’Îû 5=÷ƒu‘ $£JÏiB $uZø9¨“tR 4’n?tã $tRωö7tã (#qè?ù'sù ;ou‘qÝ¡Î/ `ÏiB ¾Ï&Î#÷VÏiB (#qãã÷Š$#uﷺ‬ Nä.uä!#y‰ygä© `ÏiB Èbﷺ‬ߊ «!$# cÎ) öNçFZä. tûüÏ%ω»|¹ [ (البقرة 23)

بل تحدى الخلق جميعاً، فقال الله تعالى : @è%] ÈûÈõ©9 ÏMyèyJtGô_$# ߧRM}$# `Éfø9$#uﷺ‬ #’n?tã bﷺ‬& (#qè?ù'tƒ È@÷VÏJÎ/ #x‹»yd Èb#uäöà)ø9$# Ÿw tbqè?ù'tƒ ¾Ï&Î#÷WÏJÎ/ öqs9uﷺ‬ šc%x. öNåkÝÕ÷èt/ <Ù÷èt7Ï9 #ZŽÎgsß [ (الإسراء 88)

2. استمراره صلى الله عليه وسلم في دعوته رغم ما واجهه من الصعوبات والمواجهات التي حدثت بينه وبين قومه والتي وصلت إلى حد التآمر عليه لقتله عليه الصلاة والسلام ووضع نهاية لدعوته، ومع ذلك واصل مشواره في الدعوة للدين الجديد الذي أرسل به وصبر على جميع ما كان يلاقي من مشقة وتعب واضطهاد من قومه في سبيل نشر دين الله تعالى، فلو كان أفاكاً مدعياً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لترك مواصلة الدعوة وخشي على نفسه من الهلكة, وذلك لما يرى من احتشاد قومه لمحاربته وجديتهم في القضاء عليه وعلى دعوته، يقول Dr . M..H. Durrani : [21] إن هذا الإيمان وهذا السعي الحثيث, وهذا التصميم والعزم الذي قاد به محمد صلى الله عليه وسلم حركته حتى النصر النهائي, إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته, إذ لو كانت في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبداً أن يصمد أمام العاصفة التي استمر أوارها عشرين عاماً كاملاً، هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسمو في النفس, كل هذه العوامل تؤدي لامحالة إلى الاستنتاج الذي لامفر منه, وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقاً, هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ كان آية في صفاته النادرة, ونموذجاً كاملاً للفضيلة والخير, ورمزاً للصدق والإخلاص, إن حياته وأفكاره وصدقه واستقامته وتقواه وجوده وعقيدته ومنجزاته كل أولئك براهين فريدة على نبوته، فأي إنسان يدرس بدون تحيز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقاً رسول من عند الله، وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب الله حقاً، وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لابد أن يصل إلى هذا الحكم .أهـ

3. من المعلوم أن كل إنسان – فطرياً- محبب له متع هذه الحياة الدنيا من أموال ومآكل ومشارب ومناكح,

قال الله تعالى:] z`Îiƒã— Ĩ$¨Z=Ï9 =ãm ÏNºuqyg¤±9$# šÆÏB Ïä!$|¡ÏiY9$# tûüÏZt6ø9$#uﷺ‬ ΎÏÜ»oYs)ø9$#uﷺ‬ ÍotsÜZs)ßJø9$# šÆÏB É=yd©%!$# ÏpžÒÏÿø9$#uﷺ‬ È@ø‹y‚ø9$#uﷺ‬ ÏptB§q|¡ßJø9$# ÉO»yè÷RF{$ Ï^öysø9$#uﷺ‬ 3 šÏ9ºsŒ ßì»tFtB Ío4qu‹ysø9$# $u‹÷R‘‰9$# ( ª!$#uﷺ‬ ¼çny‰YÏã ÚÆó¡ãm É[>$t«yJø9$# (آل عمران 14)

ويسعى جاهداً للحصول على هذه المتع بشتى الوسائل والطرق ولكن يختلف الناس في طريقة كسبها, فمن كاسب لها بطريق مشروع ومن كاسب لها بطريق غير مشروع، فإذا عرفنا هذه نقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته ساومه قومه وأغروه بجميع المغريات والمتع الدنيوية، ووعدوه بتنفيذ جميع رغباته وتحقيق جميع طلباته, فإن كان يريد السيادة سودوه, وإن كان يريد الزواج زوجوه من أجمل النساء, وإن كان يريد المال أعطوه بشرط أن يترك هذا الدين الجديد والدعوة إليه, فقال لهم بثقة نابعة عن توجيه إلهي " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه “ (سيرة ابن هشام 2 / 101)

فلو كان مدعياً أفاكاً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لقبل هذه المساومة واستغل هذه الفرصة لأن ماعرض عليه هو أعلى ما يصبو إليه كل إنسان همه الدنيا،يقول Dr . M..H. Durrani [22]: تحمل صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً كاملاً من المتاعب (في مكة) دون انقطاع، وثمان سنوات (في المدينة)[23] دون توقف، فتحمل ذلك كله، فلم يتزحزح شعرة عن موقفه، وكان صامداً، رابط الجأش، صلباً في أهدافه ومواقفه، عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكاً عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته، فرفض هذه الإغراءات كلها فاختار بدلاً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته لماذا ؟ لماذا لم يكترث أبداً للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء ؟ لابد أن يفكر المرء في ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه .أهـ

4. من المعروف والمشاهد أن كل من يتولى الزعامة أو الرياسة يكون جميع ما تحت سلطانه من خيرات ورجال تحت تصرفه ومسخر لخدمته، أما محمد صلى الله عليه وسلم فيعلم أن الدنيا ليست دار مستقر وبقاء، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: اضطجع النبي على حصير فأثر في جلده فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله لو كنت آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئا يقيك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنا والدنيا إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها" ( سنن الترمذي)

ويقول عنه النعمان بن بشير رضي الله عنه : "لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل - رديء التمر - ما يملأ به بطنه.(صحيح مسلم)

وعن أبي هريرة قال: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. (صحيح البخاري وصحيح مسلم) مع أن الجزيرة العربية كانت تدين له وهو سبب كل خير أصاب المسلمين إلا أنه كان صلى الله عليه وسلم لايجد في بعض الأوقات من الطعام ما يكفيه، تقول زوجه عائشة رضي الله عنها" أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل فرهنه درعه". ص (صحيح البخاري)

وليس معنى هذا أنه لايستطيع الحصول على مايريد فلقد كانت الثروات والخيرات توضع بين يديه في المسجد فلا يقوم من مكانه, ولايقر له قرار حتى يوزعها على الفقراء والمساكين، ولقد كان من أصحابه عليه الصلاة والسلام أصحاب أموال وثروات وخيرات, وكانوا يتسابقون لخدمته ويبذلون كل غالٍ ونفيس من أجله, ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف حقيقة الدنيا فقال:"والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار بالسبابة في اليم-البحر-، فلينظر بما ترجع"( صحيح مسلم)

تقول [24]Lady E. cobold في كتابها الحج إلى مكة( لندن 1934): مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان سيد الجزيرة العربية ... فإنه لم يفكر في الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها, بل ظل على حاله مكتفياً بأنه رسول الله, وأنه خادم للمسلمين ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده, كريماً باراً كأنه الريح السارية لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه وما لديه في أكثر الأحايين قليل لا يكاد يكفيه .أهـ

5- أنه صلى الله عليه وسلم كانت تنزل به بعض الحوادث العصيبة التي تحتاج إلى إيضاح وتبيين فلايستطيع إزاءها عمل شيء بسبب عدم نزول الوحي عليه فيعيش فترة ما قبل نزول الوحي في حال من الهمّ والغمّ ومن ذلك قضية الإفك التي اتهم الرسول فيها في عرضه عليه الصلاة والسلام فمكث شهراً وأعداؤه يتكلمون فيه, وينالون من عرضه, ويتغامزون ويتلامزون إلى أن نزل الوحي بتبرئة ساحة زوجه من التهمة التي اتهمت بها، فلو كان مدعياً أفاكاً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم- لحل هذه المشكلة في وقتها ولكنه صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى .

6- أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع لنفسه منزلة فوق البشر، فكان صلى الله عليه وسلم لايرضى أن يعامل معاملة فيها ما يدل على التعظيم، يقول أنس رضي الله عنه: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. حن (سنن الترمذي)

يقول عنه W. Irving [25]: برغم انتصارات الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره, فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية وحتى في أوج مجده حافظ الرسول صلى الله عليه وسلم على بساطته وتواضعه فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثياً لأسرته.

7. نزول بعض الآيات في القرآن بعتاب ولوم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب تصرف أو موقف من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم مثل:

8. * قول الله تعالى : $pkš‰ﷺ‬'¯»tƒ] ÓÉ<¨Z9$# zOÏ9 ãPÌhptéB !$tB ¨@ymﷺ‬& ª!$# y7s9 ( ‘ÉótGö;s? |N$|ÊötB y7Å_ºuﷺ‬ø—ﷺ‬& 4 ª!$#uﷺ‬ ֑qàÿxî ×LìÏm§‘ [ (التحريم:1)

9. وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه أكل العسل من أجل بعض زوجاته، فجاءه العتاب من ربه بسبب تحريمه على نفسه ما أحل الله له.

10.* وقول الله تعالى : $xÿtã] ª!$# šZtã zNÏ9 |MRόﷺ‬& óOßgs9 4Ó®Lym tû¨üt6tGtƒ šs9 šúïÏ%©!$# (#qè%y‰|¹ zMn=÷ès?uﷺ‬ šúüÎ/ɋ»s3ø9$# [ (التوبة:122)

فلقد عاتبه ربه في هذه الآية في المسارعة في قبول الأعذار الكاذبة من المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فعفا عنهم بمجرد اعتذارهم من غير أن يختبرهم ويمتحنهم فيعرف الصادق من الكاذب.

* وقول الله تعالى: ] $tB šc%x. @cÓÉ<oYÏ9 bﷺ‬& tbqä3tƒ ÿ¼ã&s! 3“uŽó ﷺ‬& 4Ó®Lym šÆς÷Wム’Îû ÇÚö‘F{$# 4 šcﷺ‬߉ƒÌè? uÚttã $u‹÷R‘‰9$# ª!$#uﷺ‬ ߉ƒÌãƒ notÅzFy$# 3 ª!$#uﷺ‬ ͕tã ÒOŠÅ3ym ÇÏÐÈ Ÿwöq©9 Ò=»tGÏ. z`ÏiB «!$# t,t7y™ öNä3¡¡yJs9 !$yJ‹Ïù öNè?õ‹s{ﷺ‬& ×LìÏàtã [ (الأنفال67)

* وقالت عائشة - رضي الله عنها-: " لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً مما أنزله الله لكتم هذه الآية "’Å"øƒéBuصلى الله عليه وسلم"’Å"øƒéBuﷺ‬] ’Îû šÅ¡øÿtR $tB ª!$# ÏmƒÏ‰ö7ãB Óy´øƒﷺ‬Buﷺ‬ }¨$¨Z9$# ª!$#uﷺ‬ ‘,ymﷺ‬& bﷺ‬& [çm9t±øƒﷺ‬B ( (صحيح البخاري و مسلم)

* وقوله تعالى: }§øŠs9] šs9 z`ÏB ̍øBF{$# íäóÓx«..... [ ( آل عمران 128)

* وقوله تعالى :" }§t6tã] #’¯<uqs?uﷺ‬ ÇÊÈ bﷺ‬& çnuä!%y` 4‘yJôãF{$# ÇËÈ $tBuﷺ‬ y7ƒÍ‘ô‰ãƒ ¼ã&©#yès9 #[’ª1¨“tƒ. (عبس1-3)

فلو كان أفاكاً مدعياً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لما كان لهذه الآيات التي فيها عتاب للرسول وجود في القرآن.

يقول Lightner في كتابه دين الإسلام [26]: (مرةً أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وحياً شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنياً من ذوي النفوذ، وقد نشر ذلك الوحي، فلو كان كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذلك الوحي من وجود .أهـ

1. ولعل من الدلالات القطعية على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به سورة المسد من الحكم القطعي فيها بدخول عمه أبي لهب في النار, وقد أنزلت هذه السورة في بدايات دعوته صلى الله عليه وسلم، فلو كان أفاكاً مدعياً -وحاشاه صلى الله عليه وسلم- لم يطلق حكماً قطعياً كهذا لأنه قد يسلم عمه ؟؟؟ يقول الدكتور Gary Miller :[27] هذا الرجل أبو لهب كان يكره الإسلام كرها شديدا لدرجة أنه كان يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم, إذا رأى الرسول يتكلم إلى أناس غرباء فإنه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد؟ لو قال لكم أبيض فهو أسود, ولو قال لكم ليل فهو نهار, والمقصد أنه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويشكك الناس فيه وقبل عشر سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن اسمها سورة المسد, هذه السورة تقرر أن أبا لهب سوف يذهب إلى النار, أي بمعنى آخر أن أبا لهب لن يدخل الإسلام . وخلال عشر سنوات كاملة كل ما كان على أبي لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول :" محمد يقول: إني لن أسلم وسوف أدخل النار, ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الإسلام وأصبح مسلما !! , الآن مارأيكم؟, هل محمد صادق فيما يقول أم لا ؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي إلهي؟ " لكن أبو لهب لم يفعل ذلك تماماً رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم, لكنه لم يخالفه في هذا الأمر .يعني القصة كأنها تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي لهب أنت تكرهني وتريد أن تنهيني, حسنا لديك الفرصة أن تنقض كلامي! لكنه لم يفعل خلال عشر سنوات كاملة!! لم يسلم ولم يتظاهر حتى بالإسلام! عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الإسلام بدقيقة واحدة ! ولكن لأن هذا الكلام ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه وحي ممن يعلم الغيب, ويعلم أن أبا لهب لن يسلم. -كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أن أبا لهب سوف يثبت ما في السورة إن لم يكن هذا وحياً من الله؟؟. -كيف يكون واثقا خلال عشر سنوات كاملة أن ما لديه حق, لو لم يكن يعلم أنه وحي من الله؟؟ . لكي يضع شخص هذا التحدي الخطير ليس له إلا معنى واحد هذا وحي من الله . ôM¬7s?] !#y‰tƒ ’Î1ﷺ‬& 5=ygs9 ¡=s?uﷺ‬ ÇÊÈ !$tB 4Óo_øîﷺ‬& çm÷Ytã ¼ã&è!$tB $tBuﷺ‬ |=|¡Ÿ2 ÇËÈ 4’n?óÁu‹y™ #Y‘$tR |N#sŒ 5=olm; ÇÌÈ ¼çmè?ﷺ‬&tøB$#uﷺ‬ s's!$£Jym É=sÜysø9$# ÇÍÈ ’Îû $ydω‹Å_ ×@ö7ym `ÏiB ¤‰|¡¨B ÇÎÈ [. (المسد:1-5)

2. ورد في القرآن اسم أحمد في آية من آياته بدلاً من محمد في قول الله تعالى: øŒÎ)uﷺ‬] tA$s% Ó|¤ŠÏã ßûøó$# zNtƒótB ûÓÍ_t6»tƒ Ÿ@ƒÏäÂuŽó Î) ’ÎoTÎ) ãAqߙu‘ «!$# /ä3ø‹s9Î) $]%Ïd‰|Á•B $yJÏj9 tû÷üt/ £“y‰tƒ z`ÏB Ïp1u‘öq­G9$# #MŽÅe³t6ãBuﷺ‬ 5AqߙtÎ/ ’ÎAù'tƒ .`ÏB “ω÷èt/ ÿ¼çmèÿôœ$# ߉uH÷qﷺ‬& ( $¬Hs>sù Nèduä!%y` ÏM»oYÉit6ø9$$Î/ (#qä9$s% #x‹»yd ֍ósř ×ûüÎ7•B [ ( (الصف: 6) فلو كان أفاكاً مدعياً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لما كان لهذا الاسم ذكر في القرآن .

3. أن دينه عليه الصلاة والسلام لازال قائماً إلى يومنا هذا، ومازال الناس يدخلون فيه بأعداد كثيرة ويؤثرونه على غيره من الأديان, رغم ضآلة الدعم الدعوي للإسلام سواءً المادي أو البشري الذي ينفق في مجال الدعوة له, واستمرار وقوة الجهود المبذولة والمناهضة للدعوة الإسلامية والتي لا تأل جهداً للنيل منه وتشويهه وصرف الأنظار عنها, وما ذلك إلا لأن الرب تبارك وتعالى تعهد بحفظ هذا الدين فقال جل من قائل: $¯RÎ)] ß`øtwﷻ‬ $uZø9¨“tR tø.Ïe%!$# $¯RÎ)uﷺ‬ ¼çms9 t[bqÝàÏÿ»ptm: (الحجر 9)

يقول Th . Carlyle الكاتب الإنكليزي [28] عن محمد صلى الله عليه وسلم: هل رأيتم قط أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً عجيباً ؟ إنه لايقدر أن يبني بيتاً من الطوب ! فهو إذا لم يكن عليماً بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديراً أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرناً يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن، وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته .. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيلوه حقاً..ومحنة أن ينخدع الناس شعوباً وأمماً بهذه الأضاليل أهـ

فحفظ القرآن بعد حفظ الله له في الكتب وصدور الرجال جيلاً بعد جيل لأن حفظه وتلاوته وتعلمه وتعليمه من الأمور التي يحرص عليها المسلمون ويتسابقون لها لنيل الخيرية التي بينها صلى الله عليه وسلم بقوله:" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " (صحيح البخاري)

ولقد جرت عدة محاولات للزيادة فيه أو النقص منه أو تغيير بعض الحروف فباءت جميع تلك المحاولات بالفشل، وذلك لسرعة كشفها وسهولة معرفتها وتمييزها بين آي القرآن الكريم.

وأما السنة النبوية المطهرة المصدر الثاني لدين الإسلام فقد حفظت عن طريق رجال ثقات عدول فرغوا أنفسهم لتتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبتوا الصحيح, وبينوا الضعيف, وتكلموا عن الموضوع, ومن رجع إلى كتب الحديث التي تهتم بالأحاديث النبوية وتعنى بها عرف حقيقة هذه الجهود المبذولة لحفظ جميع ماصدر عنه صلى الله عليه وسلم ولزال عنه الشك في صحة ما صح عنه صلى الله عليه وسلم .

يقول Michael Hart في كتابه دراسة المائة الأوائل[29] : لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام [30]، ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته، فإن تأثيره لايزال قوياً وعارماً .أهـ

4. صدق المبادئ التي جاء بها عليه الصلاة والسلام وصحتها وصلاحيتها لكل زمان وفي كل مكان، وما يشاهد من النتائج الطيبة والمباركة في تطبيقها، تشهد بأن ماجاء به وحي من عند الله تبارك وتعالى، أيضاً هل هناك من مانع أن يكون عليه الصلاة والسلام رسولاً مرسلاً من عند الله تبارك وتعالى وقد أرسل قبله رسل وأنبياء كثر ؟ فإذا كان الجواب بأنه لامانع عقلاً ولاشرعاً فلماذا تنكر رسالته ونبوته عليه الصلاة والسلام للناس جميعاً وتثبت رسالات الأنبياء من قبله؟!

5. أن التنظيمات والتشريعات التي جاء بها الإسلام على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في مجال المعاملات والحروب والزواج والإقتصاد والسياسة والعبادات ... ألخ تعجز البشرية مجتمعة عن الإتيان بمثلها، فهل ياترى يعقل أن يستطيع رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يأتي بمثل هذا النظام الشامل الذي نظم أمور الدنيا جميعها ؟ ألا يدل هذا على صدق نبوته ورسالته وأنه لاينطق عن الهوى ؟

6. أنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ دعوته ويجهر بها إلا بعد أن بلغ سن الأربعين وولى سن الشباب والعنفوان والقوة وجاء سن الكبر سن الدعة وحب الراحة والهدوء، يقول ( Th . Carlyle ) [31]في كتابه الأبطال : ... ومما يبطل دعوى القائلين إن محمداً لم يكن صادقاً في رسالته أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة ( مع خديجة رضي الله عنها ) لم يحاول خلالها إحداث ضجة ولا دوي، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة ... ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعاً وثار يريد أمراً جليلاً وشأناً عظيماً أهـ.

ويقول ( R. Landau) [32] في كتابه الإسلام والعرب: كانت مهمة محمد صلى الله عليه وسلم هائلة، كانت مهمة ليست في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية - وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي صلى الله عليه وسلم - أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد صلى الله عليه وسلم في أداء رسالته وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأي ضرب من الخداع المتعمد ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً، والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف - يزيد - على ألف وثلاثمائة سنة وحسب, بل إنه لا يزال يكسب في كل عام أتباعاً جدداً، وصفحات التاريخ لاتقدم إلينا مثلاً واحداً على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً . أهـ

ما تقتضيه الشهادة بأن محمداً رسول الله

1. التصديق برسالته صلى الله عليه وسلم وعمومها للبشر جميعاً, فليست رسالته مقصورة على قومه فقط أو لزمانه فقط بل هي رسالة عامة غير محددة بمكان أو زمان إلى أن تقوم الساعة، يقول الله تعالى: x8u‘$t6s?] “Ï%©!$# tA¨“tR tb$s%öàÿø9$# 4’n?tã ¾Ínωö6tã tbqä3u‹Ï9 šúüÏJn=»yèù=Ï9 #·ƒÉ‹tR [ 0 (الفرقان:1)

2. الاعتقاد بعصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله تبارك وتعالى لقول الله تعالى] $tBuﷺ‬ ß,ÏÜZtƒ Ç`tã #“uqolù;$# ÇÌÈ ÷bÎ) uqèd žwÎ) ÖÓóﷺ‬uﷺ‬ 4Óyﷺ‬qム[

(النجم:3)

أما بقية أموره الأخرى فهو بشر فقضاياه وأحكامه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار" (صحيح البخاري ومسلم)

3. اعتقاد أن بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للناس جميعاً، قال الله تعالى : !$tBuﷺ‬] š»oYù=y™ö‘ﷺ‬& žwÎ) ZptHôqy‘ šúüÏJn=»yèù=Ïj9 [ (الأنبياء 107)

وصدق الله تعالى فهو رحمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ, فقد أخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

4. الاعتقاد الجازم بأنه آخر الرسل وخاتمهم وأفضلهم، فلا رسول ولانبي بعده، لقول الله تعالى : $¨B] tb%x. JptèC !$t/ﷺ‬& 7‰tnﷺ‬& `ÏiB öNä3Ï9%y`Íh‘ `Å3»s9uﷺ‬ tAqߙ§‘ «!$# zOs?$yzuﷺ‬ z`¿ÍhŠÎ;¨Y9$# [ (الأحزاب:40)

ولقوله صلى الله عليه وسلم :" فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون " (صحيح مسلم)

5. الاعتقاد الجازم بأن الدين كمل به صلى الله عليه وسلم وتم, فلا مجال لأن يزاد فيه أو أن ينقص، لقول الله تعالى: ] tPöqu‹ø9$# àMù=yJø.ﷺ‬& öNä3s9 öNä3oYƒÏŠ àMôJoÿøCﷺ‬&uﷺ‬ öNä3ø‹n=tæ ÓÉLyJ÷èÏR àMŠÅÊu‘uﷺ‬ ãNä3s9 zN»n=ó™M}$# (المائدة : 3)

وهذا ما يلاحظ ويشاهد من شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، فهو دين ودولة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى، يقول في ذلك المفكر الإنجليزي [33]Kwelem في كتابه (العقيدة الإسلامية ص119-120) أحكام القرآن ليست مقتصرة على الفرائض الأدبية والدينية... إنه القانون العام للعالم الإسلامي، وهو قانون شامل للقوانين المدنية والتجارية والحربية والقضائية والجنائية والجزائية، ثم هو قانون ديني يدار على محوره كل أمر من الأمور الدينية إلى أمور الحياة الدنيوية، ومن حفظ النفس إلى صحة الأبدان، ومن حقوق الرعية إلى حقوق كل فرد, ومن منفعة الإنسان الذاتية إلى منفعة الهيئة الاجتماعية، ومن الفضيلة إلى الخطيئة، ومن القصاص في هذه الدنيا إلى القصاص في الآخرة ... على هذا فالقرآن يختلف مادياً عن الكتب المسيحية المقدسة التي ليس فيها شيئ من الأصول الدينية بل هي في الغالب مركبة من قصص وخرافات واختباط عظيم في الأمور التعبدية .. وهي غير معقولة وعديمة التأثير .أهـ

6. الاعتقاد الجازم بأنه صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة التي أنيطت به من قبل الله تبارك وتعالى, وبلغ رسالته ونصح لأمته, فما من خير إلا دلها عليه وأمرها به, وما من شر إلا حذرها منه ونهاها عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, وكان يخطب في الناس وهم ألوف، :" ألا هل بلغت" ؟ قالوا: نعم قال:" اللهم فاشهد " (صحيح البخاري و مسلم)

7. الاعتقاد بأن شريعته التي أنزلت عليه هي المقبولة عند الله بعد بعثته, فلا يتعبد الله بغيرها, ولن يقبل الله سواها, وسيحاسب البشر بموجبها، لقول الله تعالى: `tBuﷺ‬] Æ÷tGö;tƒ uŽöxî ÄN»n=ó™M}$# $YYƒÏŠ `n=sù Ÿ@t6ø)ムçm÷YÏB uqèduﷺ‬ ’Îû ÍotÅzFy$# z`ÏB z`ƒÌÅ¡»y‚ø9$# [ (آل عمران 85) وقوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " (صحيح مسلم)

8. طاعته صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى :" `tBuصلى الله عليه وسلم`tBuﷺ‬] ÆìÏÜム©!$# tAqߙ§9$#uﷺ‬ y7Í´¯»s9'ﷺ‬é'sù yìtB tûïÏ%©!$# zNyè÷Rﷺ‬& ª!$# NÍköŽn=tã z`ÏiB z`¿ÍhŠÎ;¨Y9$# tûüÉ)ƒÏd‰Å_Á9$#uﷺ‬ Ïä!#y‰pk’9$#uﷺ‬ tûüÅsÎ=»¢Á9$#uﷺ‬ 4 z`Ý¡ymuﷺ‬ y7Í´¯»s9'ﷺ‬é& $Z)ŠÏùu‘ [ (النساء 69)

وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه، لقول الله تعالى : :" !$tBuﷺ‬] ãNä39s?#uä ãAqߙ§9$# çnﷺ‬ä‹ã‚sù $tBuﷺ‬ öNä39pktX çm÷Ytã (#qßgtFR$$sù [" (الحشر7)

وبين الله تبارك وتعالى الأثر المترتب على معصيته عليه الصلاة والسلام فقال :" ÆtBuﷺ‬] ÄÈ÷ètƒ ©!$# ¼ã&s!qߙu‘uﷺ‬ £‰yètGtƒuﷺ‬ ¼çnyŠﷺ‬߉ãn ã&ù#Åzô‰ãƒ #·‘$tR #V$Î#»yz $yg‹Ïù ¼ã&s!uﷺ‬ Ñﷻ‬#x‹tã Ñ[úüÎg•B" (النساء 14)

9. الرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم وعدم الاعتراض على ما شرع وسن، لقول الله تعالى :" Ÿxsù] y7În/u‘uﷺ‬ Ÿw šcqãYÏB÷sム4Ó®Lym x8qßJÅj3ysム$yJŠÏù tyfx© óOßgoY÷t/ §NèO Ÿw (#ﷺ‬߉Ågs† þ’Îû öNÎhÅ¡àÿRﷺ‬& %[`tym $£JÏiB |MøŠŸÒs% (#qßJÏk=|¡ç„uﷺ‬ [$VJŠÎ=ó¡n@ (النساء: 65)

وكذلك تقديم شرعه وحكمه على كل ما سواه من الشرائع والأحكام والأنظمة والقوانين، لقول الله تعالى :] zNõ3ßssùﷺ‬& Ïp¨ŠÎ=Îg»yfø9$# tbqäóö7tƒ 4 ô`tBuﷺ‬ ß`|¡ômﷺ‬& z`ÏB «!$# $VJõ3ãm 5Qöqs)Ïj9 tbqãZÏ%qム[ " (المائدة: 50)

10. اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى: ö@è%] bÎ) óOçFZä. tbq™7Åsè? ©!$# ‘ÏRqãèÎ7¨?$$sù ãNä3ö7Î6ósムª!$# öÏÿøótƒuﷺ‬ ö/ä3s9 ö/ä3t/qçRèŒ 3 ª!$#uﷺ‬ ֑qàÿxî ÒO‹Ïm§‘ [ ز (آل عمران 31)

واقتفاء أثره والسير على نهجه وجعله المثل الذي يقتدى به، يقول الله تعالى :" ô‰s)©9] tb%x. öNä3s9 ’Îû ÉAqߙu‘ «!$# îouqó™é& ×puZ|¡ym `yJÏj9 tb%x. (#qã_ötƒ ©!$# tPöqu‹ø9$#uﷺ‬ tÅzFy$#"[ (الأحزاب:21)

واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يستدعي ويستلزم معرفة سيرته ودراستها، لكي يتم من خلالها الاقتداء به، يقول زين العابدين - علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم : كنا نُعَلّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كما نعلم السورة من القرآن . (البداية والنهاية لابن كثير 3 / 242 ) والمغازي بعض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم- .

11. تنزيله المنزلة التي أنزله الله، فلا مغالاة فيه ولا جفاء، لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله " (صحيح البخاري)

12. الدعاء له عليه الصلاة والسلام عند ذكره، لقول الله تعالى: ¨bÎ)] ©!$# ¼çmtGx6Í´¯»n=tBuﷺ‬ tbq=|Áム’n?tã ÄcÓÉ<¨Z9$# 4 $pkš‰ﷺ‬'¯»tƒ šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#q=|¹ Ïmø‹n=tã (#qßJÏk=y™uﷺ‬ $¸JŠÎ=ó¡n@"[. (الأحزاب:56)

ولقوله صلى الله عليه وسلم :" البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي"

(سنن الترمذي)

13. محبته وتوقيره صلى الله عليه وسلم وتقديمها على محبة من سواه، لأن له الفضل بعد الله في هداية الناس للدين الحق الذي في اعتناقه سعادة الدنيا والآخرة، لقول الله تعالى: ö@è%] bÎ) tb%x. öNä.ät!$t/#uä öNà2ät!$oYö/ﷺ‬&uﷺ‬ öNä3çRºuq÷zÎ)uﷺ‬ ö/ä3ã_ºuﷺ‬ø—ﷺ‬&uﷺ‬ óOä3è?uŽÏ±tãuﷺ‬ îAºuqøBﷺ‬&uﷺ‬ $ydqßJçGøùuŽtIø%$# ×ot»pgÏBuﷺ‬ tböqt±øƒﷺ‬B $ydyŠ$|¡x. ß`Å3»|¡tBuﷺ‬ !$ygtRöq|Êös? ¡=ymﷺ‬& Nà6ø‹s9Î) šÆÏiB «!$# ¾Ï&Î!qߙu‘uﷺ‬ 7Š$ygÅ_uﷺ‬ ’Îû ¾Ï&Î#‹Î7y™ (#qÝÁ­/uŽtIsù 4Ó®Lym š†ÎAù'tƒ ª!$# ¾Ín͐öDﷺ‬'Î/ 3 ª!$#uﷺ‬ Ÿw “ωöku‰ tPöqs)ø9$# š[úüÉ)Å¡»xÿø9$#. (التوبة:24)

ولقد بين عليه الصلاة والسلام الآثار المترتبة على حبه في قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله فقال له : يارسول الله متى الساعة ؟ فقال له عليه الصلاة والسلام : " ما أعددت لها " ؟ فكأن الرجل استكان ثم قال : "يارسول الله، ما أعددت لها كبير صيام ولاصلاة ولاصدقة، ولكني أحب الله ورسوله, قال له عليه الصلاة والسلام :" أنت مع من أحببت " (صحيح البخاري وصحيح مسلم)

وفي قوله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" (صحيح البخاري وصحيح مسلم) ومحبته صلى الله عليه وسلم تستلزم محبة من أحبهم عليه الصلاة والسلام كأهل بيته وصحابته رضي الله عنهم، وكره من كرههم، وموالاة من كان يواليهم ومعاداة من كان يعاديهم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا في الله.

14. الدعوة لدينه والسعي لنشره بين الناس, وتبليغه لمن لم يبلغه, وإحياء سنته بالحكمة والموعظة الحسنة, وذلك بتعليم الجاهل, وتذكير الغافل, وإعانة المتبع عملاً بقول الله تعالى í÷Š$#] 4’n<Î) È@‹Î6y™ y7În/u‘ ÏpyJõ3Ïtø:$$Î/ ÏpsàÏãöqyJø9$#uﷺ‬ ÏpuZ|¡ptø:$# ( Oßgø9ω»y_uﷺ‬ ÓÉL©9$$Î/ }‘Ïd ß[`|¡ômﷺ‬& (النحل:125)

ولقوله صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية " (صحيح البخاري)

15. الدفاع عنه وعن سنته صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق نفي جميع ما ينسب إليه صلى الله عليه وسلم شخصياً مما هو برئ منه وتبيين الحقائق لمن لايعلمها وكذلك الدفاع عن سنته ودعوته برد الشبه التي تلصق بها وتثار حولها من أعداء الإسلام الحاقدين.

16. التمسك بسنته عليه الصلاة والسلام لقوله صلى الله عليه وسلم :" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة, وإن كل بدعة ضلالة " (مسند الإمام أحمد)

خـــــاتمـــــة:

ولعلنا نختم هذا البحث بقول شاعر فرنسا "لامارتين" وهو يتكلم عن عظمة محمد فيقول :[34]

(لم يحدث من قبل أن عهد لإنسان، طوعاً أو كرهاً بمثل هذه المهمة السامية، فقد كانت المهمة فوق طاقة البشر، بها يقضي على الضلالات التي وقفت حائلاً بين الإنسان والخالق، وبها يصل الله بالإنسان ويصل الإنسان بالله، وبه يعيد لفكرة الألوهية رشادها وقدسيتها وسط فوضى آلهة الأوثان الشوهاء التي كان القوم يعبدونها وقتئذ، لم يحدث من قبل أن قام إنسان بعمل يتعدى مقدور البشر بمثل هذه الوسائل الهزيلة، ذلك لأنه اعتمد على نفسه كلية في تصور وتنفيذ مهمته العظيمة، ولم يكن يساعده سوى حفنة من الرجال المؤمنين به في هذا الركن المجهول من الصحراء الشاسعة.

وأخيراً، فلم يحدث أن استطاع إنسان من قبل أن يحقق مثل هذه الثورة الهائلة والدائمة في العالم بأسره، لأنه بعد أقل من قرنين على ظهور الإسلام، كان بالإيمان والسلاح يسيطر على كل جزيرة العرب، ثم يغزو باسم الله بلاد فارس وخرسان وما بين النهرين والهند الغربية وسوريا والحبشة، وكل شمال أفريقيا وعدداً من جزر البحر المتوسط، وإسبانيا وجزء من بلاد الغال (فرنسا).

فإذا اعتبرنا عظمة الهدف وضآلة الوسائل والإنجاز المذهل معايير ثلاثة للعبقرية الإنسانية، فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة أي من عظماء الرجال في التاريخ الحديث مع محمد - صلى الله عليه وسلم ؟ . هؤلاء العظماء خلقوا السلاح أو القوانين الوضعية أو الإمبراطوريات فقط، لم يقيموا سوى هياكل مادية رأوها في معظم الأحيان تتهاوى أمام أنظارهم .

لكن هذا الرجل لم يحرك الجيوش والقوانين والتشريعات والإمبراطوريات والشعوب والمماليك وحدها، ولكنه حرك معها ملايين الناس ممن كانوا يسكنون أكثر من ثلث العالم المأهول في ذلك الوقت، بل وأكثر من ذلك حرك الأرباب والمقدسات والأديان والأفكار والمعتقدات والأرواح، على هدي الكتاب الذي تصبح كل آية من آياته قانوناً ينظم، خلق أمة روحانية امتزجت فيها شعوب بأكملها من كل عرق ولون ولغة، ترك فينا الخاصية التي لا تمحى للأمة الإسلامية ألا وهي كراهية الشرك بالله، وعبادة الإله الواحد الأحد الذي لا تدركه الأبصار، هكذا تميز المؤمنون بمحمد بالالتزام الشديد بالوقوف ضد الآلهة المزيفة والشرك الذي يدنس السماء، كان دخول ثلث سكان الأرض في دينه هو معجزته أو على الأصح لا نقول بأنها كانت معجزة الرجل وإنما معجزة العقل .

فقد كانت فكرة الإله الواحد التي دعا إليها وسط أساطير وخرافات رسختها ممارسات الكهان وخدام الأوثان معجزة في حد ذاتها، استطاعت فور أن نطق بها أن تدمر كل معابد الوثنية وأن تضرم النار في ثلث العالم، إن حياته وتأملاته في الكون، وثورته البطولة ضد الخرافات والضلالات في بلده، وجراءته على تحدي سخط الوثنيين، وقوة تحمله للأذى طوال خمسة عشر عاماً في مكة[35]، وصبره على تعسف القوم وازدرائهم حتى كاد أن يصبح ضحيتهم كل هذا مع استمراره في نشر دعوته، وحربه ضد فساد الأخلاق وعادات الجاهلية، وإيمانه العميق بالنجاح، وسكينته عند الشدائد، وتواضعه عند النصر، وطموحه الذي كان مكرساً لفكرة واحدة لاسعياً وراء الجاه والسلطان، وصلواته التي كانت لا تنقطع، ومناجاته لله، وموته وانتصاره الساحق بعد الموت، تشهد جميعها بأننا لسنا أمام أفاك مدّع، وإنما نحن أمام إيمان راسخ واقتناع لا يتزعزع، فقد أعطاه اعتناقه القوة ليقيم الدين، فبنى عقيدته على مبدأين أساسيين هما أن الله واحد، وأنه غير محسوس مادياً، بالمبدإ الأول نعرف من هو الله، والثاني ترتبط المعرفة بالغيب، إنه فيلسوف، خطيب، مشرع، محارب، فاتح، مفكر، رسول، مؤسس دين عقلاني وعبادة بلا تماثيل أو أوثان، وزعيم عشرين إمبراطورية أرضية، بالإضافة إلى الإمبراطورية الروحية التي لا تحدها حدود، هذا هو محمد، فإذا نظرنا في كل المعايير التي نقيس بها عظمة الإنسان، فلنسأل أنفسنا هل يوجد أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ) أهـ.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأعترف أني لم أعطك حقك ولم أوفك ما تستحقه في هذا الكتيب فما كتب ليس إلا مجرد إشارات واختصارات عن هذا الرسول العظيم الذي شرق ببعثته المشركون من قبل, ويشرق بها في كل زمان أصحاب الأهواء والمطامع الدنيوية, والشهوات الحيوانية الساعون لاستعباد البشر .

وإني لأرجو من الله أن يكون هذا الكتيب مصححاً لما ألصق بهذه الشخصية الشريفة من أباطيل, ومفتاحاً لطلب الاستزادة لمعرفة هذه الشخصية العظيمة الدالة على كل خير, والمحذرة من كل شر والتي يعتبر كلامها وأفعالها تنظيم وتشريع يوصل إلى رضى الله تبارك وتعالى وجنته، ولنولي زمن التقليد والإتباع للآباء والأجداد الغير مبني على علم وراء ظهورنا ولتكن بدايتنا مبنية على علم وتمحيص وتفكير فيما نريد اعتناقه والعمل به.

عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحه

(الرياض / 11535 _ ص .ب / 59565 )

www.islamland.org

Email: alsheha@ yahoo.com



[1] الرسالة المحمدية ثمان محضرات في السيرة النبوية ورسالة الإسلام . السيد سليمان الندوي ص (114،115).

[2] علماً أن المستشرقين تختلف أهدافهم في دراسة الإسلام وتعلمه فمنهم من يدرس الإسلام من أجل أن يبحث عن الدين الحق وهؤلاء في الغالب يوفقهم الله لمعرفته واتباعه، ومنهم من يدرس الإسلام ويتعلمه ليبحث عن نقاط الضعف فيه - حسب تصوره الفاسد - ليحاربه ويهدمه وذلك من خلال ما يورده من شبهات و يلصق به من تهم ويلحق به من أباطيل وكذب وهؤلاء يبوء جهدهم بالفشل، ومنهم من يدرس الإسلام ويتعلمه كعلم ودين وهؤلاء في الغالب من يعطي الحقائق الصحيحة والمعلومات الواضحة.

[3] كاتب انجليزي ( 1795-1881) من كتاب قالوا عن الإسلام للدكتور / عماد الدين خليل ص 124

[4]- طبيب ومؤرخ فرنسي عنى بالحضارات الشرقيه .قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل ص 135

[5] رأس المنافقين لم يأل جهداً منذ جهر رسول الله صلى عليه وسلم بدعوته من إثارة المشكلات والتعاون مع اليهود والمشركين في حياكة المؤامرات للصد عن الدين وإيذاء المصطفى صلى الله عليه وسلم كتوليه حادثة الإفك ، وكتخليه عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورجوعه مع اتباعه ، وكقوله في غزوة بني المصطلق : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسجله حافل بالمخازي .

[6] محمد في الآداب العلمية المنصفة / محمد عثمان عثمان صفحه 20

[7] استاذ التشريح والجنين في جامعة تورينتو بكندا / من كتاب ربحت محمداً ولم أخسر المسيح للدكتور / عبد المعطي الدالاتي

[8] ربت محمداً ولم أخسر المسيح للدكتور / عبد المعطي الدالاتي

[9] المرجع السابق

[10] المرجع السابق

[11] المرجع السابق

[12] المرجع السابق

[13] كان زيد يدعى زيد بن محمد قبل تحريم الإسلام للتبني في قوله تعالى : (öNèdqãã÷Š$# öNÎgͬ!$t/Ky uqèd äÝ|¡ø%صلى الله عليه وسلم& y‰ZÏã «!$# 4 bÎ*sù öN©9 (#þqßJn=÷ès? öNèduä!$t/#uä öNà6çRºuq÷zÎ*sù ’Îû ÈûïÏe$!$# öNä3‹Ï9ºuqtBuصلى الله عليه وسلم) الأحزاب 5

[14] ولد عام 1909م تخرج من جامعة السربون وعين محاضراً في مدرسة اللغات الشرقية في باريس ، ثم استاذاً في في كلية الآداب في جامعة ستراسبورغ عام 1945م ، من كتاب قالوا عن الإسلام للدكتور / عماد الدين خليل ص 126

[15] قالوا عن الإسلام د/عماد الدين خليل

[16] قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل

[17] ليكن القارئ على علم بأننا لا نقر بعض ما ورد في هذه النقولات من التوراة والإنجيل ولكننا قمنا بنقله لتكون حجة على اليهود والنصارى من كتبهم التي يؤمنون بها .

[18] من كتاب محمد في الكتاب المقدس من تأليف البروفسور / عبدالأحد داود -كان يهودياً - / ترجمة فهمي شمّا / طبعة دار الضياء للنشر والتوزيع بناءً على تفويض من رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر.

[19] من كتاب قالوا عن الإسلام للدكتور / عماد الدين خليل - ص 93

[20] من كتاب ربحت محمداً ولم أخسر المسيح للدكتور / عبد المعطي الدالاتي

[21] عمل جزء من حياته قسيساً في كنيسة انكلترا من عام 1939م إلى عام 1963م ثم أسلم بعد ذلك، نقلاً من كتاب قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل ص 106-107

[22]عمل جزء من حياته قسيساً في كنيسة انكلترا من عام 1939م إلى عام 1963م ثم اسلم بعد ذلك، نقلاً من كتاب قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل ص 105-106

23 الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في المدينة عشر سنوات .

[24]قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل

[25] مستشرق أمريكي ، من كتاب قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل ص 95 - 96

[26] باحث إنجليزي ، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت . نقلاً عن كتاب : قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل

[27] أكبر داعية للنصرانية في كندا أعلن إسلامه وتحول إلى أكبر داعية للإسلام في كندا ، كان من المبشرين النشطين جداً في الدعوة إلى النصرانية وأيضا هو من الذين لديهم علم غزير بالكتاب المقدس Bible وهذا النقل من كتابه " القرآن المذهل "

[28] قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل ص 123

[29] أمريكي حصل على عدة شهادات في العلوم وعلى دكتوراه في الفلك من جامعة برنسون ، عام 1972م عمل في مراكز الأبحاث والمراصد ، وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء التطبيقية . نقلا عن كتاب : قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل

[30] ونحن نقول أنه ليس هناك من هو في مصافه صلى الله عليه وسلم بل هو أعظم الجميع .

[31] قالوا عن الإسلام للدكتور / عماد الدين خليل ص 124

[32] ناقد انجليزي استاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو ( 1953) / ماذا قالوا عن الأسلام د/ عماد الدين خليل

[33] قالوا عن الإسلام د/ عماد الدين خليل

[34] الإسلام والمسيحية / ألفت عزيز الصمد

[35] الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مكث يدعو في مكة ثلاث عشرة سنة .