ترجمات المادة
الوصف المفصل
- نور
التوحيد
وظلمات الشرك في ضوء الكتاب والسُّـنَّة
- المقدمة
- المبحث
الأول: نور التوحيد
- المطلب الأول: مفهوم التوحيد:
- المطلب الثاني: البراهين الساطعات في إثبات التوحيد
- ثالثًا: قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ }([10])، فكل الرسل عليهم الصلاة والسلام قبل النبي صلى الله عليه وسلم: زبدة رسالتهم وأصلها: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة([11])؛ ولهذا قال الله عز وجل: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِـهَةً يُعْبَدُون }([12]).
- المطلب الثالث: أنواع التوحيد
- المطلب الرابع: ثمرات التوحيد وفوائده
- المبحث الثاني: ظلمات الشرك
نور التوحيد وظلمات الشرك في ضوء الكتاب والسُّـنَّة
تأليف الفقير إلى الله
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في: ((نور التوحيد وظلمات الشرك))، بيّنت فيها: مفهوم التوحيد، وأدلته، وأنواعه، وثمراته، ومفهوم الشرك، وأدلة إبطاله، والشفاعة: المنفية، والمثبتة، وأسباب ووسائل الشرك، وأنواعه، وأقسامه، وأضراره وآثاره.
ولا شك أن التوحيد نور يوفق الله له من يشاء من عباده، والشرك ظلمات بعضها فوق بعض يُزيَّن للكافرين قال الله عز وجل: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}([1])، وقد بيّن الله عز وجل أنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الآيات الواضحات والدلائل الباهرات، وأعظمها القرآن الكريم؛ ليخرج الناس بإرسال الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة: من ظلمات الضلالة والشرك، والجهل، إلى نور الإيمان والتوحيد، والعلم والهدى، قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}([2]).
وقد قسمت البحث إلى مبحثين، وتحت كل مبحث مطالب على النحو الآتي:
المبحث الأول: نور التوحيد:
المطلب الأول: مفهوم التوحيد.
المطلب الثاني: البراهين في إثبات التوحيد.
المطلب الثالث: أنواع التوحيد.
المطلب الرابع: ثمرات التوحيد وفوائده.
المبحث الثاني: ظلمات الشرك:
المطلب الأول: مفهوم الشرك.
المطلب الثاني: أدلة إبطال الشرك.
المطلب الثالث: الشفاعة المنفية والمثبتة.
المطلب الرابع: مسبغ النعم المستحق للعبادة.
المطلب الخامس: أسباب ووسائل الشرك.
المطلب السادس: أنواع الشرك وأقسامه.
المطلب السابع: أضرار الشرك وآثاره.
والله سبحانه أسأل باسمه الأعظم الذي إذا سُئِلَ به أعطى أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه عز وجل خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على عبده ورسوله الأمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.ف
حرر في ظهر يوم الثلاثاء الموافق 16/10/1419هـ.
المبحث الأول: نور التوحيد
المطلب الأول: مفهوم التوحيد:
التوحيد المطلق: هو: العلم والاعتراف المقرون بالاعتقاد الجازم، بتفرّد الله عز وجل بالأسماء الحسنى، وتَوَحُّدِهِ بِصفات الكمال، والعظمة والجلال، وإفراده وحده بالعبادة([3])، قال سبحانه وتعالى: { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }([4]).
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((أي متوحد منفرد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فليس له شريك: في ذاته، ولا سَمِيٌّ له، ولا كفءٌ، ولا مثلٌ، ولا نظيرٌ، ولا خالقُ ولا مدبرُ غيره؛ فإذا كان كذلك فهو المستحق؛ لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه))([5]).
والتوحيد على هذه المعاني: هو إفراد الله تعالى بما يختص به: من الأسماء، والصفات، والألوهية، والربوبية.
المطلب الثاني: البراهين الساطعات في إثبات التوحيد
البراهين الساطعات، والبينات الواضحات في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات التوحيد كثيرة لا تحصر، ولكن منها على سبيل المثال ما يأتي:
أولًا: قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ }([6]) والمعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا ليُوحِّدونِ([7]).
ثانيًا: قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ الله وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوت فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ }([8]): يخبر الله عز وجل أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمّة متقدّمة، أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولًا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة، ودين واحد،وهو:عبادة الله وحده لا شريك له،فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل قسمين: {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله } فاتبعوا المرسلين، {وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } فاتبع سبيل الغي([9]).
ثالثًا: قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ }([10])، فكل الرسل عليهم الصلاة والسلام قبل النبي صلى الله عليه وسلم: زبدة رسالتهم وأصلها: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة([11])؛ ولهذا قال الله عز وجل: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِـهَةً يُعْبَدُون }([12]).
رابعًا: قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }([13])، فالله عز وجل قَضَى، وَوَصَّى، وحَكَم، وأمر بالتوحيد فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ } قضاءً دينيًا، وأمرًا شرعيًّا، {أَلاَّ تَعْبُدُواْ } أحدًا: من أهل الأرض والسموات، الأحياء، والأموات، {إِلاَّ إِيَّاهُ }؛ لأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد([14]).
خامسًا: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون لأممهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }([15])، والمعنى: اعبدوا الله وحده؛ لأنه الخالق، الرازق، المدبر لجميع الأمور، وما سواه مخلوق مُدبَّر ليس له من الأمر شيء([16])، فهو المستحق للعبادة وحده.
سادسًا: قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }([17]).
سابعًا: قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَـمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ }([18]): أمر الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: إن صلاتي وذبحي، وحياتي، وما آتيه فيها، وما يجريه الله عليَّ، وما يُقَدِّر عليَّ فالجميع لله رب العالمين، لا شريك له في العبادة، كما أنه لا شريك له في الملك والتدبير، وبذلك أمرني ربي، وأنا أول من أقرَّ، وأذعن، وخضع من هذه الأمة لربه([19]).
ثامنًا: عن معاذ بن جبل t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: له: ((يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده))؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا))، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ،هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟)) قلت: الله ورسوله أعلم.ال:((حقّ العباد على الله أن لا يعذِّبَ من لا يشرك به شيئًا))([20])، وهذا الحديث العظـيم يبيّن أن حـــقّ الله على عــباده أن يعبدوه وحـــده لا شريك له بما شرعه لهم من العبادات، ولا يشركوا معه غيره، وأن حق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، ولا شك أن حق العباد على الله: هو ما وعدهم به من الثواب، فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق، وقوله الحق، الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر، ولا الخلف في الوعد، فهو حق جعله الله سبحانه على نفسه، تفضلًا، وكرمًا، فهو سبحانه الذي أوجب على نفسه حقًّا لعباده المؤمنين، كما حرّم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه، ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته، وعدله، كتب على نفسه الرحمة، وحرّم على نفسه الظلم([21]).
تاسعًا: عن عتبان بن مالك t، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((.. فإن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله))([22]).
المطلب الثالث: أنواع التوحيد
الله سبحانه وتعالى: هو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، فإفراده تعالى وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين كله لله، هذا هو توحيد الألوهية: وهو معنى ((لا إله إلا الله))، وهذا التوحيد يتضمن جميع أنواع التوحيد([23]) ويستلزمها؛ فإن التوحيد نوعان:
النوع الأول: التوحيد الخبري العلمي الاعتقادي([24]): وهو توحيد في المعرفة والإثبات، وهو: توحيد الربوبية، والأسماء، والصفات، وهو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتكلّمه بكتبه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه، وقدره، وحكمته، وتنزيهه عمَّـا لا يليق به.
النوع الثاني: التوحيد الطلبي القصدي الإرادي: وهو توحيد في الطلب والقصد: وهو توحيد الإلهية أو العبادة([25]).
وتكون أنواع التوحيد على التفصيل ثلاثة أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: توحيد الربوبية، وهو: الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو الرب المتفرّد بالخلق، والملك، والرِّزْق، والتدبير، الذي ربّى جميع خلقه بالنعم، وربّى خواص خلقه - وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم المخلصون - بالعقائد الصحيحة، والأخلاق الجميلة، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدنيا والآخرة.
وتوحيد الربوبية باختصار: هو توحيد الله تعالى بأفعاله.
النوع الثاني: توحيد الأسماء والصفات: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله هو المنفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات، ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفيٍ لشيءٍ منها، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف. ونفي ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله.
وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات قد وضَّحه الله في كتابه كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها، وغير ذلك([26]).
النوع الثالث: توحيد الإلهية، ويقال له: توحيد العبادة، وهو الاعتقاد الجازم - مع العلم والعمل والاعتراف - بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وإفراده وحده بالعبادة كلها، وإخلاص الدين كله لله، وهو يستلزم توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات ويتضمنهما؛ لأن الألوهية التي هي صفة تعمُّ أوصاف الكمال، وجميع أوصاف الربوبية والعظمة؛ فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال، ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والإفضال، فتوحُّدُهُ سبحانه بصفات الكمال، وتفرّدُه بالربوبية، يلزم منه أن لا يستحقّ العبادة أحد سواه.
وتوحيد الألوهية باختصار: هو إفراد الله تعالى بعبادة العباد.
وتوحيد الألوهية: هو مقصود دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم. وهذا النوع قد تضمنته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }، و{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }([27])، وأول سورة السجدة وآخرها، وأول سورة غافر ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وغالب سور القرآن.
وكل سور القرآن قد تضمنت أنواع التوحيد، فالقرآن كله من أوله إلى آخره في تقرير أنواع التوحيد؛ لأن القرآن كله:
إما خبر عن الله تعالى وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأقواله، فهذا هو التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي: ((توحيد الربوبية والأسماء والصفات)).
وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما يُعبد من دونه، وهذا هو التوحيد الإرادي الطلبي -((توحيد الألوهية))-.
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعة الله، وذلك من حقوق التوحيد ومكملاته.
وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد، وما فعل بهم في الدنيا من النصر والتأييد، وما يكرمهم به في الآخرة، وهو جزاء توحيده سبحانه.
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحلّ بهم في الآخرة من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم([28]).
المطلب الرابع: ثمرات التوحيد وفوائده
التوحيد له فضائل عظيمة،وآثار حميدة، ونتائج جميلة،ومن ذلك ما يأتي:
أولًا: خير الدنيا والآخرة من فضائل التوحيد وثمراته.
ثانيًا: التوحيد هو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، يدفع الله به العقوبات في الدارين، ويبسط به النعم والخيرات.
ثالثًا: التوحيد الخالص يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَـهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }([29]).
رابعًا: يحصل لصاحبه الهدى الكامل، والتوفيق لكل أجر وغنيمة.
خامسًا: يغفر الله بالتوحيد الذنوب، ويكفّر به السيئات، ففي الحديث القدسي عن أنس t يرفعه: ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة))([30]).
سادسًا: يدخل الله به الجنة، فعن عبادة t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل))([31]).
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة))([32]).
سابعًا: التوحيد يمنع دخول النار بالكلية إذا كمل في القلب، ففي حديث عتبان t عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((... فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))([33]).
ثامنًا: يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى حبة من خردل من إيمان([34]).
تاسعًا: التوحيد هو السبب الأعظم في نيل رضا الله وثوابه،وأسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم:((من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه))([35]).
عاشرًا: جميع الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها، وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمّت.
الحادي عشر: يُسَهِّل على العبد فعل الخيرات، وترك المنكرات، ويسلِّيه عن المصائب، فالموحِّد المخلص لله في توحيده تخفُّ عليه الطاعات؛ لِمَا يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لِمَا يخشى من سخط الله وعقابه.
الثاني عشر: التوحيد إذا كَمُل في القلب حبّب الله لصاحبه الإيمان، وزيّنه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين.
الثالث عشر: التوحيد يخفف عن العبد المكاره، ويهوِّن عليه الآلام، فبحسب كمال التوحيد في قلب العبد يتلقَّى المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة، وتسليمٍ ورضًا بأقدار الله المؤلمة، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدر.
الرابع عشر: يحرِّر العبد من رِقّ المخلوقين والتعلُّقِ بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم، وهذا هو العزُّ الحقيقي، والشرف العالي، ويكون مع ذلك متعبِّدًا لله لا يرجو سواه، ولا يخشى إلا إيَّاه، وبذلك يتمُّ فلاحه، ويتحقّق نجاحه.
الخامس عشر: التوحيد إذا كَمُلَ في القلب، وتحقَّق تحققًا كاملًا بالإخلاص التامّ فإنه يصير القليل من عمل العبد كثيرًا، وتُضاعف أعماله وأقواله الطيبة بغير حصر، ولا حساب.
السادس عشر: تكفَّل الله لأهل التوحيد بالفتح، والنصر في الدنيا، والعزّ والشرف، وحصول الهداية، والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال.
السابع عشر: الله عز وجل يدفع عن الموحِّدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة، ويمنُّ عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه، والأُنس بذكره.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة، والله أعلم))([36]).
وقال ابن تيمية رحمه الله: ((وليس للقلوب سرور ولذة تامة إلا في محبة الله تعالى، والتقرّب إليه بما يحبّه، ولا تتمّ محبّة الله إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله))([37]).
المبحث الثاني: ظلمات الشرك
المطلب الأول: مفهوم الشرك
الشِّرْكُ، والشِّرْكَةُ بمعنىً، وقد اشتركا، وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر، وأشرك بالله: كفر، فهو مشركٌ ومشركي، والاسم الشرك فيهما، ورغبنا في شرككم: مشاركتكم في النسب([38])، وأشرك بالله: جعل له شريكًا في ملكه، أو عبادته، فالشرك: هو أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، وهو أكبر الكبائر، وهو الماحق للأعمال، والمبطل لها، والحارم المانع من ثوابها، فكل من عدل بالله غيره: بالحب، أو التعظيم، أو اتبع خطواته، ومبادئه المخالفة لملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم فهو مشرك([39]).
والشرك هو: مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى، كما في قوله تعالى: { تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَـمِين }([40]).
والشرك شركان: شرك أكبر يخرج من المِلَّة، وشرك أصغر لا يخرج من الملة([41]).
وذكر العلامة السعدي رحمه الله أن حدَّ الشرك الأكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعًا أو فردًا من أفراد العبادة لغير الله، فكل: اعتقاد، أو قول، أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر، وهذا ضابط للشرك الأكبر لا يشذ عنه شيء.
وأما حدّ الشرك الأصغر فهو: كل وسيلة وذريعة يتطرّق منها إلى الشرك الأكبر، من: الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة([42]).
المطلب الثاني: البراهين الواضحات في إبطال الشرك
الأدلّة القاطعة الواضحة في إبطال الشرك،وذمّ أهله كثيرة،منها ما يأتي:
أولًا: كل من دعا نبيًّا، أو وليًّا، أو مَلَكًا، أو جنيًّا، أو صرف له شيئًا من أنواع العبادة فقد اتخذه إلهًا من دون الله([43])، وهذا هو حقيقة الشّرك الأكبر الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِـمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }([44]).
ثانيًا: من البراهين القطعية التي ينبغي تبيينها وتوضيحها لمن اتَّخَذَ من دون الله آلهة أخرى، قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِـهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِـهَةٌ إِلا الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }([45]).
فقد أنكر سبحانه على من اتخذ من دونه آلهة من الأرض، سواء كانت أحجارًا أو خشبًا، أو غير ذلك من الأوثان التي تعبد من دون الله! فهل هم يحيون الأموات ويبعثونهم؟ الجواب: كلا، لا يقدرون على شيء من ذلك، ولو كان في السَّموات والأرض آلهة تستحق العبادة غير الله لفسدتا وفسد ما فيهما من المخلوقات؛ لأن تعدد الآلهة يقتضي التمانع والتنازع والاختلاف، فيحدث بسببه الهلاك، فلو فُرِضَ وجود إلهين، وأراد أحدهما أن يخلق شيئًا والآخر لا يريد ذلك، أو أراد أن يُعطي والآخر أراد أن يمنع، أو أراد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه، فحينئذ يختل نظام العالم، وتفسد الحياة! وذلك:
* لأنه يستحيل وجود مرادهما معًا، وهو من أبطل الباطل؛ فإنه لو وجد مرادهما جميعًا للزم اجتماع الضدين، وأن يكون الشيء الواحد حيًّا ميتًا، متحركًا ساكنًا.
* وإذا لم يحصل مراد واحد منهما لزم عجز كل منهما، وذلك يناقض الربوبية.
* وإن وُجِدَ مراد أحدهما ونفذ دون مراد الآخر، كان النافذ مراده هو الإله القادر، والآخر عاجز ضعيف مخذول.
* واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن.
وحينئذ يتعيَّن أن القاهر الغالب على أمره هو الذي يوجد مراده وحده غير مُمانع ولا مُدافع، ولا مُنازع، ولا مُخالف، ولا شريك، وهو الله الخالق الإله الواحد، لا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه؛ ولهذا ذكر سبحانه دليل التمانع في قوله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }([46]).
وإتقان العالم العلوي والسفلي، وانتظامه منذ خلقه، واتساقه، وارتباط بعضه ببعض في غاية الدقة والكمال: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ }([47]). وكل ذلك مُسخَّر، ومُدَبَّر بالحكمة لمصالح الخلق كلِّهم، يدل على أن مُدبِّره واحد، وربّه واحد، وإلهه واحد، لا معبود غيره، ولا خالق سواه([48]).
ثالثًا: من المعلوم عند جميع العقلاء أن كل ما عُبِدَ من دون الله من الآلهة ضعيف من كل الوجوه، وعاجز ومخذول، وهذه الآلهة لا تملك لنفسها ولا لغيرها شيئًا من ضر أو نفع، أو حياة أو موت، أو إعطاء أو منع، أو خفض أو رفع، أو عزّ أو ذلّ، وأنها لا تتصف بأي صفة من الصفات التي يتصف بها الإله الحق، فكيف يعبد من هذه حاله؟ وكيف يُرجى أو يُخاف من هذه صفاته؟ وكيف يُسئَل من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا([49]).
وقد بيّن الله عز وجل ضعف وعجز كل ما عبد من دونه أكمل بيان، فقال سبحانه: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَالله هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }([50])، وقال عز وجل: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَـهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْـهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * أَلَـهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَـهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَـهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَـهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّـيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْـهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }([51])، وقال عز وجل: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِـهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا }([52]).
وهي مع هذه الصفات لا تملك كشف الضر عن عابديها ولا تحويله إلى غيرهم: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا }([53]).
رابعًا:من المعلوم يقينًا أن ما يعبده المشركون من دون الله: الأنبياء، أو الصالحين، أو الملائكة، أو الجن الذين أسلموا، أنهم في شغلٍ شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله بالعمل الصالح، والتنافس في القُرْبِ من ربهم يرجون رحمته، ويخافون عذابه، فكيف يُعبَدُ من هذا حاله؟([54]) قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }([55]).
خامسًا: وقد أوضح الله تعالى، وبيّن سبحانه أن ما عُبِدَ من دونه قد توافرت فيهم جميع أسباب العجز وعدم إجابة الدعاء من كل وجه؛ فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السَّمَوات ولا في الأرض لا على وجه الاستقلال، ولا على وجه الاشتراك، وليس لله من هذه المعبودات من ظهير يساعده على ملكه وتدبيره، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له([56])، قال عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَـهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه ُ }([57])، وقال سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الْـمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}([58]).
سادسًا: قال الله عز وجل: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْـمُتَوَكِّلُونَ }([59]).
سابعًا:قال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم }([60])، وهذا وصف لكل مخلوق، وأنه لا ينفع ولا يضرّ، وإنما النافع الضارّ هو الله، ومن دعا ما لا يضرّه ولا ينفعه فقد ظلم نفسه بالوقوع في الشرك الأكبر، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله لكان من الظالمين المشركين، فكيف بغيره([61])؟، فالنافع الضار هو المستحق للعبادة وحده {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }([62]).
ثامنًا: قال الله عز وجل: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَـهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِين }([63])، فهل هناك أضلُّ من هؤلاء الذين يعبدون من لا يستجيب لهم مدة مقامهم في الدنيا، لا ينتفعون بهم مثقال ذرة، وهم لا يسمعون منهم دعاءً، ولا يجيبون لهم نداءً، وهذا حالهم في الدنيا، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويكونون لهم أعداء يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض([64]).
تاسعًا: ضرب الأمثال من أوضح وأقوى أساليب الإيضاح والبيان في إبراز الحقائق المعقولة في صورة الأمر المحسوس، وهذا من أعظم ما يُردُّ به على الوثنيين في إبطال عقيدتهم وتسويتهم المخلوق بالخالق في العبادة والتعظيم؛ ولكثرة هذا النوع في القرآن الكريم سأقتصر على ثلاثة أمثلة توضح المقصود على النحو الآتي:
1- قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْـمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }([65]).
حقٌّ على كل عبد أن يستمع لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره؛ فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه، فالآلهة التي تُعبَد من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف بما هو أكبر منه، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئًا مما عليهم من طيب ونحوه، فيستنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو أضعف المخلوقات، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة الباطلة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟!
وهذا المثل من أبلغ ما أنزل الله تعالى في بطلان الشرك وتجهيل أهله([66]).
2- ومن أحسن الأمثال وأدلّها على بطلان الشرك، وخسارة صاحبه وحصوله على ضد مقصوده، قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِـمُونَ }([67]).
فهذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره يقصد به التعزُّز والتقوي والنفع، فبيّن سبحانه أن هؤلاء ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياء من دون الله أضعف منهم، فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت التي هي من أضعف الحيوانات، اتخذت بيتًا وهو من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفًا، وكذلك من اتخذ من دون الله أولياء، فإنهم ضعفاء، وازدادوا باتخاذهم ضعفًا إلى ضعفهم([68]).
3- ومن أبلغ الأمثال التي تُبيّن أن المشرك قد تشتّت شمله، واحتار في أمره، ما بيّنه تعالى بقوله: {ضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْـحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }([69]).
فهذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحِّد، فالمشرك لمّا كان يعبد آلهة شتى شُبِّهَ بعبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون، سيئة أخلاقهم، يتنافسون في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، فهو في عذاب.
والموحِّد لمّا كان يعبد الله وحده لا شريك له،فمثله كمثل عبد لرجل واحد،قد سلم له،وعلم مقاصده،وعرف الطريق إلى رضاه،فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه واختلافهم،بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه، مع رأفة مالكه به،ورحمته له،وشفقته عليه، وإحسانه إليه،وتوليه لمصالحه،فهل يستوي هذان العبدان؟ والجواب:كلا، لا يستويان أبدًا([70]).
عاشرًا: الذي يستحق العبادة وحده من يملك القدرة على كل شيء، والإحاطة بكل شيءٍ، وكمال السلطان والغلبة والقهر والهيمنة على كل شيءٍ، والعلم بكل شيء، ويملك الدنيا والآخرة، والنفع والضر، والعطاء والمنع بيده وحده، فمن كان هذا شأنه فإنه حقيق بأن يُذكَر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ويُطاع فلا يُعصى، ولا يُشرك معه غيره([71]).
وصفات الكمال المطلق لله تعالى، لا يحيط بها أحد، ولكن منها على سبيل المثال، ما يأتي:
1- المتفرِّد بالألوهية: لا يستحق الألوهية إلا الله وحده، الحيّ الذي لا يموت أبدًا، القيّوم الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع المخلوقات، وهي مفتقرة إليه في كل شيء، ومن كمال حياته وقيّوميّته أنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وجميع ما في السَّموات والأرض عبيده، وتحت قهره وسلطانه: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا }([72]).
ومن تمام ملكه وعظمته وكبريائه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم، ولا يأذن إلا لمن ارتضى، وعلمه تعالى محيط بجميع الكائنات، ولا يطّلع أحد على شيء من علمه إلا ما أطلعهم عليه، ومن عظمته أن كُرْسِيَّه وسع السَّموات والأرض، وأنه قد حفظهما وما فيهما من مخلوقات، ولا يثقله حفظهما، بل ذلك سهل عليه، يسير لديه، وهو القاهر لكل شيء، العلي بذاته على جميع مخلوقاته، والعلّي بعظمته وصفاته، العلي الذي قهر المخلوقات، ودانت له الموجودات، العظيم الجامع لصفات العظمة والكبرياء، وقد دلّ على هذه الصفات العظيمة قوله تعالى: {الله لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }([73]).
2- وهو الإله الذي خضع كل شيء لسلطانه،فانقادت له المخلوقات بأسرها: جماداتها،وحيواناتها،وإنسها، وجنّها، وملائكتها {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }([74]).
3- وهو الإله الذي بيده النفع والضرّ، فلو اجتمع الخلق على أن ينفعوا مخلوقًا لم ينفعوه إلا بما كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضرّوه بشيء لم يضرّوه إذا لم يرد الله ذلك: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }([75]).
4- وهو القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }([76]).
5- إحاطة علمه بكل شيء، شامل للغيوب كلها: يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون([77]): {إِنَّ الله لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ }([78])، {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }([79])، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }([80])، {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }([81]).
ولا شك أن من عرف هذه الصفات وغيرها من صفات الكمال والعظمة، فإنه سيعبد الله وحده؛ لأنه الإله المستحق للعبادة.
المطلب الثالث: الشفاعة
أولًا: مفهوم الشفاعة لغةً: يُقال شفع الشيء: ضمَّ مثله إليه، فجعل الوتر شفعًا([82]).
واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرّةٍ([83]).
من الحكمة القولية في دعوة من يتعلّق بغير الله تعالى، ويطلب الشفاعة منه أن يُبيَّن له أن الشفاعة ملكٌ لله وحده: {قُل لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }([84]).
ثانيًا:يُرَدُّ على من طلب الشفاعة من غير الله تعالى بالأقوال الحكيمة الآتية:
1 - ليس المخلوق كالخالق، فكل من قال: إن الأنبياء والصالحين والملائكة أو غيرهم من المخلوقين لهم عند الله جاهٌ عظيمٌ، ومقاماتٌ عاليةٌ، فهم يشفعون لنا عنده، كما يُتقرّب إلى الوجهاء والوزراء عند الملوك والسّلاطين، ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم، فهذا القول من أبطل الباطل؛ لأنه شبَّه اللهَ العظيم ملك الملوك بالملوك الفقراء المحتاجين للوزراء والوجهاء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم؛ فإن الوسائط بين الملوك وبين الناس على أحد وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: إما لإخبارهم عن أحوال الناس بما لا يعرفونه.
الوجه الثاني: أو يكون الملِكُ عاجزًا عن تدبير رعيته، فلا بد له من أعوان؛ لذُلِّهِ وعجزه.
الوجه الثالث:أو يكون الملك لا يُريدُ نفع رعيته والإحسان إليهم،فإذا خاطبه من ينصحه ويعظه تحركت إرادته وهمّته في قضاء حوائج رعيته.
والله عز وجل ليس كخلقه الضعفاء، فهو تعالى لا تخفى عليه خافية، وغني عن كل ما سواه، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومعلوم أن الشافع عند ملوك الدنيا قد يكون له ملك مستقل، وقد يكون شريكًا لهم، وقد يكون معاونًا لهم، فالملوك يقبلون شفاعته لأحد ثلاثة أمور:
أ - تارة لحاجتهم إليه.
ب - وتارة لخوفهم منه.
جـ - وتارة لجزاء إحسانه إليهم.
وشفاعة العباد بعضهم عند بعض من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة، والله عز وجل لا يرجو أحدًا ولا يخافه، ولا يحتاج إليه([85])؛ ولهذا قطع الله جميع أنواع التعلّقات بغيره، وبيّن بطلانها، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَـهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِـمَنْ أَذِنَ لهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحـَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }([86]).
فقد سدّت هذه الآية على المشركين جميع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك أبلغ سدٍّ وأحكمه؛ فإن العابد إنما يتعلّق بالمعبود لِـمَا يرجو من نفعه، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكًا للأسباب التي ينتفع بها عابده، أو يكون شريكًا لمالكها، أو ظهيرًا، أو وزيرًا، أو معاونًا له، أو وجيهًا ذا حرمة وقدر يشفع عنده، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك وانقطعت موادِّه([87]).
2 -الشفاعة: شفاعتان:
الشفاعة الأولى:الشفاعة المثبتة:وهي التي تطلب من الله ولها شرطان:
الشرط الأول: إذن الله للشّافع أن يشفع، لقوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }([88]).
الشرط الثاني: رضا الله عن الشّافع والمشفوع له، لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِـمَنِ ارْتَضَى }([89])، {يَومَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَولًا }([90]).
الشفاعة الثانية: الشفاعة المنفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله،والشفاعة بغير إذنه ورضاه،والشفاعة للكفار:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }([91])،ويستثنى شفاعته صلى الله عليه وسلم في تخفيف عذاب أبي طالب([92]).
3 - الاحتجاج على من طلب الشفاعة من غير الله بالنص والإجماع، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الأنبياء من قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة، أو الأنبياء، أو الصالحين، ولا يطلبوا منهم الشفاعة، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولم يستَحِبّ ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا مجتهد يعتمد على قوله في الدين، ولا من يعتبر قوله في مسائل الإجماع، فالحمد لله رب العالمين([93]).
المطلب الرابع: مسبغ النعم المستحق للعبادة
من الحكمة في دعوة المشركين إلى الله تعالى لفت أنظارهم وقلوبهم إلى نعم الله العظيمة: الظاهرة والباطنة، والدينية والدنيوية. فقد أسبغ على عباده جميع النعم: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله }([94])، وسخر هذا الكون وما فيه من مخلوقات لهذا الإنسان.
وقد بيّن سبحانه هذه النعم، وامتنَّ بها على عباده، وأنه المستحق للعبادة وحده، ومما امتنّ به عليهم ما يأتي:
أولًا: على وجه الإجمال: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا }([95])، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }([96])، {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }([97]).
فقد شمل هذا الامتنان جميع النعم: الظاهرة والباطنة، الحسّيّة والمعنوية، فجميع ما في السموات والأرض قد سُخِّر لهذا الإنسان، وهو شامل لأجرام السموات والأرض، وما أودع فيهما من: الشمس والقمر، والكواكب، والثوابت، والسيارات، والجبال، والبحار، والأنهار، وأنواع الحيوانات، وأصناف الأشجار والثمار، وأجناس المعادن، وغير ذلك مما هو من مصالح بني آدم، ومصالح ما هو من ضروراتهم للانتفاع والاستمتاع والاعتبار.
وكل ذلك دالّ على أن الله وحده هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذلّ والمحبة إلا له، وهذه أدلّة عقلية لا تقبل ريبًا ولا شكًا على أن الله هو الحق، وأن ما يُدعَى من دونه هو الباطل([98]): {ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْـحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }([99]).
ثانيًا: على وجه التفصيل: ومن ذلك قوله تعالى: {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }([100]).
وقال عز وجل بعد أن ذكر نعمًا كثيرة: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَـحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }([101]).
أفمن يخلق هذه النعم وهذه المخلوقات العجيبة كمن لا يخلق شيئًا منها؟
ومن المعلوم قطعًا أنه لا يستطيع فرد من أفراد العباد أن يُحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه،أو حاسّة من حواسّه، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه في بدنه،وكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوّعها واختلاف أجناسها؟([102]).
ولا يسع العاقل بعد ذلك إلا أن يعبد الله الذي أسدى لعباده هذه النعم ولا يشرك به شيئًا؛ لأنه المستحق للعبادة وحده سبحانه.
المطلب الخامس: أسباب ووسائل الشرك
حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يوصل إلى الشرك ويسبب وقوعه، وبيّن ذلك بيانًا واضحًا، ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يأتي:
أولًا: الغلو في الصالحين هو سبب الشرك بالله تعالى، فقد كان الناس منذ أُهبِطَ آدم صلى الله عليه وسلم إلى الأرض على الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام))([103]).
وبعد ذلك تعلّق الناس بالصالحين، ودبّ الشرك في الأرض، فبعث الله نوحًا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى عبادة الله وحده، وينهى عن عبادة ما سواه([104])، وردّ عليه قومه: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِـهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }([105]).
وهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وَسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسِيَ العلم عُبِدت([106]).
وهذا سببه الغلوّ في الصالحين؛ فإن الشيطان يدعو إلى الغلوّ في الصالحين، وإلى عبادة القبور.
ثم يُلقي في قلوب الناس أن البناء والعكوف عليها من محبة أهلها من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب.
ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها، والإقسام على الله بها، وشأن الله أعظم من أن يُسأل بأحد من خلقه.
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم إلى دعاء صاحب القبر وعبادته وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثنًا تُعلَّق عليه الستور، ويُطاف به، ويُستلم ويُقبّل، ويُذبح عنده.
ثم ينقلهم من ذلك إلى مرتبة رابعة: وهي دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدًا.
ثم ينقلهم إلى أن من نهى عن ذلك فقد تَنَقَّصَ أهل هذه الرتب العالية من الأنبياء والصالحين، وعند ذلك يغضبون([107]).
ولهذا حذّر الله عباده من الغلوّ في الدين، والإفراط بالتعظيم بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ورفْع المخلوق عن منزلته التي أنزله الله تعالى، كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْـحَقِّ إِنَّمَا الْـمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }([108]).
ثانيًا: الإفراط في المدح والتجاوز فيه، والغلو في الدين: حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإطراء في المدح فقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله))([109])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والغلوّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين))([110]).
ثالثًا: بناء المساجد على القبور،وتصوير الصُّوَر فيها:حذَّر صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور،وعن اتخاذها مساجد؛لأن عبادة الله عند قبور الصالحين وسيلة إلى عبادتهم؛ولهذا لَـمَّا ذكرت أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة في الحبشة فيها تصاوير قال: ((إن أولئكِ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة))([111]).
وَمِنْ حرصِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أمته أنه عندما نزل به الموت قال: ((لَعْنَةُ الله على اليهود والنصارى،اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).قالت عائشة رضي الله عنها: يُحذِّر ما صنعوا([112]).
وقال قبل أن يموت بخمس: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك))([113]).
رابعًا: اتخاذ القبور مساجد: حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن اتخاذ قبره وثنًا يُعبد من دون الله، ومن باب أولى غيره من الخلق، فقال: ((اللهمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))([114]).
خامسًا: إسراج القبور وزيارة النساء لها: حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن إسراج القبور؛ لأن البناء عليها، وإسراجها، وتجصيصها، والكتابة عليها، واتخاذ المساجد عليها من وسائل الشرك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج))([115]).
سادسًا: الجلوس على القبور والصلاة إليها: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بابًا من أبواب الشرك التي تُوصِّل إليه إلاّ سدَّه([116])، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على القبور، ولا تصلّوا إليها))([117]).
سابعًا: اتخاذ القبور عيدًا، وهجر الصلاة في البيوت، بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن القبور ليست مواضع للصلاة، وأن من صلى عليه وسلم فستبلغه صلاته، سواء كان بعيدًا عن قبره أو قريبًا، فلا حاجة لاتخاذ قبره عيدًا: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))([118]).
وقال النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكة سياحين يبلّغوني من أمتي السلام))([119]).
فإذا كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فغيره أولى بالنهي كائنًا من كان([120]).
ثامنًا: الصور وبناء القباب على القبور: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطهِّر الأرض من وسائل الشرك، فيبعث بعض أصحابه إلى هدم القباب المشرفة على القبور، وطمس الصور، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ((ألا تدع تمثالًا إلاّ طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلاّ سويته))([121]).
تاسعًا: شدّ الرّحال إلى غير المساجد الثلاثة: وكما سدّ النبي صلى الله عليه وسلم كل باب يوصّل إلى الشرك فقد حمى التوحيد عما يقرب منه ويخالطه من الشرك وأسبابه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشدّوا الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى))([122]).
فدخل في هذا النهي شدّ الرحال لزيارة القبور والمشاهد، وهو الذي فهمه الصحابة y من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا عندما ذهب أبو هريرة t إلى الطور، فلقيه بصرة بن أبي بصرة الغفاري: فقال: من أين جئت؟ قال: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُعمل المطيّ إلاّ إلى ثلاثة مساجد ...))([123]).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقد اتفق الأئمة على أنه لو نذر أن يسافر إلى قبره صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين لم يكن عليه أن يوفي بنذره، بل يُنهى عن ذلك))([124]).
عاشرًا: الزيارة البدعية للقبور من وسائل الشرك؛ لأن زيارة القبور نوعان:
النوع الأول: زيارة شرعية يُقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات صلاة الجنازة؛ وَلِتذكِّر الموت - بشرط عدم شدِّ الرِّحال -؛ ولاتّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: زيارة شركية وبدعية([125])، وهذا النوع ثلاثة أنواع:
1- من يسأل الميت حاجته، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام.
2 - من يسأل الله تعالى بالميت، كمن يقول: أتوسل إليك بنبيك، أو بحقّ الشيخ فلان، وهذا من البدع المحدثة في الإسلام، ولا يصل إلى الشرك الأكبر، فهو لا يُخرج عن الإسلام كما يُخرِج الأول.
3 - من يظنّ أن الدعاء عند القبور مُستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد، وهذا من المنكرات بالإجماع([126]).
الحادي عشر: الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها من وسائل الشرك؛ لِـمَا في ذلك من التشبّه بالذين يسجدون لها في هذين الوقتين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان))([127]).
والخلاصة: أن وسائل الشرك التي تُوصل إليه: هي كل وسيلة وذريعة تكون طريقًا إلى الشرك الأكبر، ومن الوسائل التي لم تُذكر هنا: تصوير ذوات الأرواح، والوفاء بالنذر في مكان يُعبد فيه صنم، أو يُقام فيه عيد من أعياد الجاهلية، وغير ذلك من الوسائل([128]).
المطلب السادس: أنواع الشرك وأقسامه
أولًا: الشرك أنواع، منها ما يأتي:
النوع الأول: شرك أكبر يُخرج من الملّة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا }([129])، وهو أربعة أقسام:
القسم الأول: شرك الدعوة: لقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }([130]).
القسم الثاني: شرك النية والإرادة والقصد: لقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْـحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَـهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَـهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }([131]).
القسم الثالث: شرك الطاعة: وهي طاعة الأحبار والرهبان وغيرهم في معصية الله تعالى، قال سبحانه: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله وَالْـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }([132]).
القسم الرابع: شرك المحبة: لقوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله }([133]).
والخلاصة: أن الشرك الأكبر هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل: كأن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو يتقرّب لأصحاب القبور، أو الجن والشياطين بشيء من أنواع العبادة، أو يخاف الموتى أن يضرّوه، أو يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله عز وجل([134]).
النوع الثاني: شرك أصغر لا يُخرج من الملة، وهو: كل وسيلة وذريعة توصل إلى الشرك الأكبر: من الإرادات، والأقوال، والأفعال، التي لم تبلغ رتبة العبادة. وهو أيضًا: كل ما ورد في الشرع تسميته شركًا، ولم يصل إلى حدّ الشرك الأكبر.
ومنه يسير الرياء، قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }([135]).
ومنه الحلف بغير الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))([136]).
ومنه قول الرجل: لولا الله وأنت، أو ما شاء الله وشئت.
ومن أنواع الشرك: شرك خفي: ((الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاةٍ سوداء في ظلمة الليل))([137])، وكفارته هي أن يقول العبد: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم))([138])، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لله أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }([139])، قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاةٍ سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتِك يا فلان، وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان([140]).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))([141])، قال الترمذي: فُسِّرَ عند بعض أهل العلم أن قوله: فقد كفر أو أشرك على التغليظ، والحجة في ذلك حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع عمر يقول: وأبي وأبي، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم))([142]). وحديث أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال في حلفه: باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله))([143]).
* ولعل الشرك الخفي يدخل في الشرك الأصغر،فيكون الشرك شركين: شرك أكبر،وشرك أصغر،وهذا الذي أشار إليه ابن القيم رحمه الله([144]).
والخلاصة: أن الشرك الأصغر قسمان:
القسم الأول: شرك ظاهر، وهونوعان: ألفاظ، وأفعال:
النوع الأول: الألفاظ: كالحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت، أو لولا الله وأنت، أو هذا من الله ومنك، أو هذا من بركات الله وبركاتك، ونحو ذلك. والصواب أن يقول: ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله ثم شئت،ولولا الله وحده، أو لولا الله ثم أنت، وهذا من الله وحده، أو هذا من الله ثم منك.
النوع الثاني: الأفعال: مثل: لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، وتعليق التمائم خوفًا من العين أو الجنّ، فمن فعل ذلك يعتقد أن هذه الأشياء ترفع البلاء بعد نزوله، أو تدفعه قبل نزوله، فقد أشرك شركًا أكبر، وهو شرك في الربوبية؛ حيث اعتقد شريكًا مع الله في الخلق والتدبير، وشرك في العبودية حيث تألَّه لذلك، وعلّق به قلبه طمعًا ورجاءً لنفعه، وإن اعتقد أن الله عز وجل الدافع للبلاء، والرافع له وحده، ولكن اعتقدها سببًا يستدفع بها البلاء، فقد جعل ما ليس سببًا شرعيًا ولا قدريًا سببًا، وهذا محرّم وكذب على الشرع وعلى القدر:
أما الشرع؛ فإنه نهى عن ذلك أشد النهي، وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة.
وأما القدر: فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود،ولا من الأدوية المباحة النافعة،وهو من جملة وسائل الشرك؛فإنه لابد أن يتعلق قلب متعلقها بها،وذلك نوع شرك ووسيلة إليه.
القسم الثاني من الشرك الأصغر: شرك خفي وهو الشرك في الإردات، والنيات، والمقاصد، وهو نوعان:
النوع الأول: الرياء، والسمعة، والرياء: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها، فيحمدوه عليها، والفرق بين الرياء والسمعة: أن الرياء لِـمَا يُرى من العمل: كالصلاة، والصدقة، والحج، والجهاد، والسمعة لِـمَا يُسمع: كقراءة القرآن، والوعظ، والذكر، ويدخل في ذلك تحدّث الإنسان عن أعماله، وإخباره بها.
النوع الثاني: إرادة الإنسان بعمله الدنيا: وهو إرادته بالعمل الذي يُبتغى به وجه الله عَرَضًا من مطامع الدنيا، وهو شرك في النيات والمقاصد، وينافي كمال التوحيد، ويحبط العمل الذي قارنه([145]).
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: الفروق بين الشرك الأكبر والأصغر:
1 - الشرك الأكبر يخرج من الإسلام،والأصغر لا يُخرج من الإسلام.
2 - الشرك الأكبر يُخلّد صاحبه في النار، والأصغر لا يُخلّد صاحبه في النار إن دخلها.
3 - الشرك الأكبر يُحبط جميع الأعمال، والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال وإنما يُحبط الرياء والعمل للدنيا العمل الذي خالطه.
4 - الشرك الأكبر يُبيح الدم والمال، والأصغر ليس كذلك([146]).
5 - الشرك الأكبر يوجب العداوة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين موالاته، ولو كان أقرب قريب، وأما الشرك الأصغر فإنه لا يمنع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يُحبّ ويُوالَى بقدر ما معه من التوحيد، ويُبغض ويُعادى بقدر ما فيه من الشرك الأصغر( ).الشرك له آثار خطيرة، ومفاسد جسيمة، وأضرار مهلكة، منها على سبيل الاختصار والإجمال، ما يأتي:
أولًا: شرّ الدنيا والآخرة من أضرار الشرك وآثاره.
ثانيًا:الشرك هو السبب الأعظم لحصول الكربات في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: الشرك يسبب الخوف، وينزع الأمن في الدنيا والآخرة.
رابعًا:يحصل لصاحب الشرك الضلال في الدنيا والآخرة،قال الله عز وجل: {وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا }([147]).
خامسًا: الشرك الأكبر لا يغفره الله إذا مات صاحبه قبل التوبة، قال الله عز وجل: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }([148]).
سادسًا: الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَـحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }([149])، وقال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ }([150]).
سابعًا: الشرك الأكبر يوجب الله لصاحبه النار ويحرم عليه الجنة، فعن جابر بن عبد الله t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار))([151]).
وقد قال الله عز وجل: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْـجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }([152]).
ثامنًا: الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْـمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }([153]).
تاسعًا: الشرك أعظم الظلم والافتراء، قال الله سبحانه وتعالى يحكي قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }([154])، وقال سبحانه: {وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }([155]).
عاشرًا: الله تعالى بريء من المشركين ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْـحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }([156]).
الحادي عشر: الشرك هو السبب الأعظم في نيل غضب الله وعقابه، والبعد عن رحمته نعوذ بالله من كل ما يغضبه.
الثاني عشر: الشرك يطفئ نور الفطرة؛ لأن الله عز وجل فطر الناس على توحيده وطاعته، قال سبحانه: {فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِـخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }([157]). قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطر، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))([158])، وفي الحديث القدسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تعالى: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا))([159]).
الثالث عشر: يقضي على الأخلاق الفاضلة؛ لأن أخلاق النفس الفاضلة من الفطرة، وإذا كان الشرك يقضي على الفطرة فمن باب أولى أن يقضي على ما انبنى على فطرة الله من الأخلاق الطيّبة الحسنة.
الرابع عشر:يقضي على عزّة النفس؛ لأن المشرك يذلّ لجميع طواغيت الأرض كلّها؛ لأنه يعتقد أنه لا معتصم له إلا هم، فيذلّ ويخضع لمن لا يسمع ولا يرى، ولا يعقل، فيعبد غير الله، ويذلّ له، وهذا غاية الإهانة والتعاسة، نسأل الله العافية.
الخامس عشر: الشرك الأكبر يبيح الدم والمال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))([160]).
السادس عشر: الشرك الأكبر يوجب العداوة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز لهم موالاته ولو كان أقرب قريب.
السابع عشر:الشرك الأصغر يُنقص الإيمان،وهو من وسائل الشرك الأكبر.
الثامن عشر: الشرك الخفي، وهو شرك الرياء، والعمل لأجل الدنيا، يُحبط العمل الذي قارنه، وهو أخوف من المسيح الدجال؛ لعظم خفائه، وخطره على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْـمَاعُونَ }([161]).
فاحذر يا عبد الله الشرك كلَّه: كبيره، وصغيره، نعوذ بالله منه، ونسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
([1]) سورة الأنعام، الآية: 122.
([2]) سورة الحديد، الآية: 9.
([3]) انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي، ص18.
([4]) سورة البقرة، الآية: 163.
([5]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص60.
([6]) سورة الذاريات، الآيات: 56 - 58.
([7]) الجامع لأحكام القرآن الكريم، للقرطبي، 17/57.
([8]) سورة النحل، الآية: 36.
([9]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص393.
([10]) سورة الأنبياء، الآية: 25.
([11]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 18/427، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص470.
([12]) سورة الزخرف، الآية: 45.
([13]) سورة الإسراء، الآية: 23.
([14]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 17/413، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/34، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص407.
([15]) سورة الأعراف، الآيات: 59- 65.
([16]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص255.
([17]) سورة البينة، الآية: 5.
([18]) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163.
([19]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 12/283، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص245.
([20]) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، 7/89، برقم 5967، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، قطعًا، 1/58، برقم 30، واللفظ للبخاري، برقم 2856، ورقم 6500.
([21]) انظر: المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 1/203، وشرح النووي على صحيح مسلم، 1/345، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 1/213.
([22]) متفق عليه:البخاري،كتاب الصلاة،باب المساجد في البيوت،1/125،برقم 425،ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، 1/455،برقم 33.
([23]) انظر: تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ص74، والقول السديد، للسعدي، ص17، وبيان حقيقة التوحيد، للشيخ صالح الفوزان، ص20.
([24]) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، 3/449.
([25]) انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، لابن القيم، 2/ 94، ومعارج القبول، لحافظ الحكمي، 1/ 98، وفتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن، ص 17.
([26]) انظر: فتح المجيد، ص17، والقول السديد في مقاصد التوحيد لعبد الرحمن السعدي، ص14-17، ومعارج القبول، 1/99.
([27]) سورة آل عمران، الآية: 64.
([28]) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، 3/450، وفتح المجيد، ص17-18، والقول السديد، ص16، ومعارج القبول، 1/98.
([29]) سورة الأنعام، الآية: 82.
([30]) الترمذي، كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار، 5/548، برقم 3540، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/176، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 127، 128.
([31]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: ] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ [ 4/168، برقم 3252، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، 1/57، برقم 28.
([32]) مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، 1/94، برقم 93.
([33]) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، 1/126، برقم 425، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، 1/455-456، برقم 33.
([34]) انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ] لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [، برقم 7410، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، 1/170، برقم 183، ورقم 193.
([35]) البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، 1/38، برقم 99.
([36]) القول السديد في مقاصد التوحيد، ص25.
([37]) مجموع الفتاوى، 28/32.
([38]) انظر: القاموس المحيط، باب الكاف، فصل الشين، ص1240.
([39]) الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة، لعبد الرحمن الدوسري، ص41.
([40]) سورة الشعراء، الآيتان: 97- 98.
([41]) انظر: قضية التكفير، للمؤلف، ص119.
([42]) انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص31، 32، 54.
([43]) انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص242.
([44]) سورة النساء، الآية: 48.
([45]) سورة الأنبياء، الآيات: 21-23.
([46]) سورة المؤمنون، الآيتان: 91- 92.
([47]) سورة الملك، الآية: 3.
([48]) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 9/352، 354، 337-382، 1/35-37، وتفسير البغوي، 3/241، 316،وابن كثير، 3/255، 176،وفتح القدير للشوكاني، 3/402، 496، وتفسير عبد الرحمن السعدي، 5/220، 374، وأيسر التفاسير لأبي بكر جابر الجزائري، 3/99، ومناهج الجدل في القرآن الكريم للدكتور زاهر بن عواض الألمعي، ص158-161.
([49]) انظر: تفسير ابن كثير، 2/83، 219، 277، 417، 3/47، 211، 310، وتفسير السعدي، 2/327، 420، 3/290، 451، 5/ 279، 457، 6/ 153، وأضواء البيان للشنقيطي، 2/482، 3/101، 322، 598، 5/44، 6/268.
([50]) سورة المائدة، الآية: 76.
([51]) سورة الأعراف، الآيات: 191-198.
([52]) سورة الفرقان، الآية: 3.
([53]) سورة الإسراء، الآية: 56.
([54]) انظر: تفسير ابن كثير 3/48، وتفسير السعدي، 4/291.
([55]) سورة الإسراء، الآية: 57.
([56]) انظر: تفسير ابن كثير 3/37، وتفسير السعدي، 6/274.
([57]) سورة سبأ، الآيتان: 22- 23.
([58]) سورة فاطر، الآيتان: 13- 14.
([59]) سورة الزمر، الآية: 38.
([60]) سورة يونس، الآيتان: 106-107.
([61]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص331.
([62]) سورة الأنعام، الآية: 17.
([63]) سورة الأحقاف، الآيتان: 5-6.
([64]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص724.
([65]) سورة الحج، الآيتان: 73- 74.
([66]) انظر: أمثال القرآن، لابن القيم، ص47، والتفسير القيم، لابن القيم، ص368، وتفسير البغوي، 3/298، وتفسير ابن كثير، 3/236، وفتح القدير للشوكاني، 3/470، وتفسير السعدي، 5/326.
([67]) سورة العنكبوت، الآيات: 41-43.
([68]) انظر:تفسير البغوي،3/468،وأمثال القرآن لابن القيم،ص21،وفتح القدير للشوكاني، 4/204.
([69]) سورة الزمر، الآية: 29.
([70]) انظر: تفسير البغوي 4/78، وابن كثير 4/52، والتفسير القيم، لابن القيم، ص423، وفتح القدير للشوكاني، 4/462، وتفسير السعدي، 6/468، وتفسير الجزائري، 4/43.
([71]) انظر: تفسير البغوي، 1/237، 3/71، 2/88، 372، وتفسير ابن كثير، 1/309، 2/572، 3/42، 2/127، 435، 570، 1/344، 2/138، وتفسير السعدي، 1/313، 7/686، 2/381، 3/397، 4/204، 6/364، 1/356، 2/372، وأضواء البيان، 2/187، 3/271.
([72]) سورة مريم، الآيتان: 93- 94.
([73]) سورة البقرة، الآية: 255.
([74]) سورة آل عمران، الآية: 83.
([75]) سورة يونس، الآية: 107.
([76]) سورة يس، الآية: 82.
([77]) انظر: تفسير ابن كثير، 1/344، 2/138، والسعدي، 2/356، 372.
([78]) سورة آل عمران، الآية: 5.
([79]) سورة يونس: الآية: 61.
([80]) سورة الأنعام، الآية: 59.
([81]) سورة الأنفال، الآية: 75.
([82]) انظر: القاموس المحيط، باب العين، فصل الشين، ص947، والنهاية في غريب الحديث، 2/485، والمعجم الوسيط، 1/487.
([83]) انظر: شرح لمعة الاعتقاد للشيخ محمد صالح العثيمين، ص80.
([84]) سورة الزمر، الآية: 44.
([85]) انظر: فتاوى ابن تيمية، 1/126-129.
([86]) سورة سبأ، الآيتان: 22- 23.
([87]) انظر: التفسير القيم، لابن القيم، ص408.
([88]) سورة البقرة، الآية: 255.
([89]) سورة الأنبياء، الآية: 28.
([90]) سورة طه، الآية: 109.
([91]) سورة المدثر، الآية: 48.
([92]) انظر: البخاري مع الفتح، مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، 7/193، برقم 3883، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابًا، 1/195، برقم 211.
([93]) انظر: فتاوى ابن تيمية،1/112،158، 14/399-414، 1/108-165، 14/380، 409، 1/160-166، 195، 228، 229، 241، ودرء تعارض العقل والنقل، له، 5/147، وأضواء البيان، 1/137.
([94]) سورة النحل، الآية: 53.
([95]) سورة البقرة، الآية: 29.
([96]) سورة لقمان، الآية: 20.
([97]) الجاثية، الآية: 13.
([98]) انظر: تفسير البغوي، 1/59، 3/72، وابن كثير، 3/451، 4/149، والشوكاني، 1/60، 4/420، والسعدي، 1/69، 6/161، 7/21، وأضواء البيان للشنقيطي، 3/225-253.
([99]) سورة الحج، الآية: 62، وانظر: سورة لقمان، الآية: 30.
([100]) سورة إبراهيم، الآيات: 32-34.
([101]) سورة النحل، الآيات: 14-18، وانظر: الآيات: 3-12 من السورة نفسها.
([102]) انظر: فتح القدير، 3/154، 3/110، وأضواء البيان، 3/253.
([103]) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التاريخ، 2/546، وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، 1/101، وعزاه إلى البخاري، وانظر: فتح الباري، 6/372.
([104]) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 1/106.
([105]) سورة نوح، الآية: 23.
([106]) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة نوح، 8/667، برقم 4920.
([107]) انظر: تفسير الطبري، 29/62، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص246.
([108]) سورة النساء، الآية: 171.
([109]) البخاري مع الفتح بلفظه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: ] وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..[، 6/478، 12/144، وانظر: شرحه في الفتح، 12/149.
([110]) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى، 5/260، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، 2/1008، وأحمد، 1/347.
([111]) البخاري مع الفتح، كتاب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، 1/523، 3/208، 7/187، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، 1/375.
([112]) البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة، باب: حدثنا أبو اليمان، 1/532، 3/200، 6/494، 7/186، 8/140، 10/277، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، 1/337.
([113]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، 1/377.
([114]) الموطأ للإمام مالك، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة، 1/172، وهو عنده مرسل، ولفظ أحمد، 2/246: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، وأبو نعيم في الحلية، 7/317، وانظر: فتح المجيد، ص150.
([115]) النسائي، كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، 4/94، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، 3/218، والترمذي، كتاب الصلاة، باب كراهية أن يتخذ على القبر مسجدًا، 2/136،وابن ماجه في الجنائز،باب النهي عن زيارة النساء للقبور،1/502، وأحمد، 1/229، 287، 324، 2/337، 3/442، 443، والحاكم، 1/374، وانظر ما نقله صاحب فتح المجيد في تصحيح الحديث عن ابن تيمية، ص276.
([116]) انظر: فتح المجيد، ص281.
([117]) مسلم، كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، 2/668، برقم 972.
([118]) أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، 2/218 بإسناد حسن، وأحمد، 2/357، وانظر: صحيح سنن أبي داود، 1/383.
([119]) النسائي في السهو، باب السلام على النبي ﷺ، 3/43، وأحمد، 1/452، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي ﷺ، برقم 21، ص24، وسنده صحيح.
([120]) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية لعبد الرحمن بن قاسم، 6/165-174.
([121]) مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، 2/666، برقم 969.
([122]) البخاري مع الفتح، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 3/63، ومسلم بلفظه، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، 2/976، برقم 827.
([123]) النسائي، كتاب الجمعة، باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، 3/114، ومالك في الموطأ، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة، 1/109، وأحمد في المسند، 6/7، 397، وانظر: فتح المجيد، ص289، وصحيح النسائي، 1/309.
([124]) انظر: فتاوى ابن تيمية، 1/234.
([125]) انظر: فتاوى ابن تيمية، 1/233، والبداية والنهاية، 14/123.
([126]) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 6/165-174.
([127]) صحيح مسلم،كتاب صلاة المسافرين،باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها،1/568،برقم 828.
([128]) انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، للعلامة الدكتور صالح الفوزان، ص54-70، 113-152.
([129]) سورة النساء، الآية: 116.
([130]) سورة العنكبوت، الآية: 65، وانظر: الجواب الكافي لابن القيم، ص230-244، ومدارج السالكين، لابن القيم، 1/339-346.
([131]) سورة هود، الآيتان: 15- 16، وانظر: سورة الإسراء، الآية: 8، وسورة الشورى، الآية: 20.
([132]) سورة التوبة، الآية: 31.
([133]) سورة البقرة، الآية: 165.
([134]) انظر: كتاب التوحيد للعلامة الفوزان، ص11.
([135]) سورة الكهف، الآية: 110.
([136]) رواه الترمذي وحسنه عن ابن عمر رضي الله عنهما، في كتاب النذور والأيمان، باب: ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، 4/110، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/99.
([137]) أخرجه الحكيم الترمذي، انظر:صحيح الجامع، 3/233،وتخريج الطحاوية للأرنؤوط،ص83.
([138]) أخرجه الحكيم الترمذي، وانظر: صحيح الجامع، 3/233، ومجموعة التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب، وابن تيمية، ص6.
([139]) سورة البقرة، الآية: 22.
([140]) ذكره ابن كثير في تفسيره، 1/56، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
([141]) رواه الترمذي عن ابن عمر ،4/110، وتقدم تخريجه.
([142]) رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما، في كتاب النذور والأيمان، باب: ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، 4/110، وانظر: صحيح الترمذي، 2/92.
([143]) رواه الترمذي عن أبي هريرة في الكتاب والباب المشار إليهما آنفًا، 4/110، وانظر: صحيح الترمذي، 2/92.
([144]) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص233.
([145]) انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي، ص43، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص240، وكتاب التوحيد للعلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، ص11-12، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد له، ص134-143.
([146]) انظر: كتاب التوحيد، للعلامة الدكتور صالح الفوزان، ص12.
([147]) سورة النساء، الآية: 116.
([148]) سورة النساء، الآية: 48.
([149]) سورة الأنعام، الآية: 88.
([150]) سورة الزمر، الآية: 65.
([151]) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار، 1/94، برقم 93.
([152]) سورة المائدة، الآية: 72.
([153]) سورة البينة، الآية: 6.
([154]) سورة لقمان، الآية: 13.
([155]) سورة النساء، الآية: 48.
([156]) سورة التوبة، الآية: 3.
([157]) سورة الروم، الآية: 30.
([158]) متفق عليه من حديث أبي هريرة t: البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، 2/119، برقم 1358، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، 4/2047، برقم 2658.
([159]) مسلم، كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار، 1/2197، برقم 2865.
([160]) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب ] فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [، 1/14، برقم 25، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، 1/53، برقم 20.
([161]) سورة الماعون، الآيات: 4-7.