الوصف المفصل
- كيف نفهم التوحيد؟
- تقديم
- هل دعاء الأولياء من دون الله كفر؟
- حقيقة الصراع بين الأنبياء والمشركين:
- كيف يلجأ الأولون إلى ربهم عند الشدائد وينسون آلهتهم؟
- كيف ينسى مشركوا اليوم ربهم عند الشدائد ويلجؤون لأوليائهم
- كيف اصطدم المؤلف بالقبوريين عندما أشرفوا على الغرق؟
- فقد توجهوا بقلوب خاشعة كسيرة إلى الشيخ سعيد بن عيسى رحمه الله الذي فارق الحياة منذ أكثر من ستمائة سنة، وأخذوا يدعونه في فزع مشوب بالرجاء، قائلين: (يا ابن عيسى، يا ابن عيسى، حلها يا عمود الدين) وأخذوا يتسابقون بنذر النذور له والتعهد بتقديمها عند قبره إن هم نجوا من الغرق، وكأن أمرهم بيده لا بيد الله سبحانه وتعالى.
- كاد القبوريون يقذفون بالمؤلف إلى البحر
- كيف يتمثل الشيطان للقبوريين في صور أوليائهم؟
- غلبت عليه السوداء فتصور ابن عيسى معه حاضرًا
- مغالطات القبوريين:
- دعاء الميتين من الأولياء إما كفر أو جنون
- الشيوعية قبل الإسلام:
- حقيقة الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون
- جهل الناس اليوم بحقيقة شرك مشركي العرب أوقعهم في الشرك
- اتخاذ الأولياء وسائطك إلى الله هو عين الكفر
- الدعاء والذبح والنذر لغير الله هو الشرك الأكبر:
- لا فرق بين القبوريين اليوم وبين المشركين الأولين
- هل هناك فرق بين دعاء الأصنام والأوثان وبين دعاء الأولياء والصالحين؟
- الأصنام ليست إلا أسماء رجال صالحين
- متى بدأت عبادة الأصنام؟
- عبادة الأصنام إنما هي عبادة للأولياء
كيف نفهم التوحيد؟
محمد أحمد باشميل
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
وبعد:
فإن الله تعالى لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل إلا ليعبدوه وحده قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾([1]).
ومن المؤسف المبكي أن عامة المسلمين من الجهال لا يعرفون المعنى الحقيقي للعبادة فيتوجهون بها إلى غير الله تعالى – جهلاً – فيقعون في الشرك الأكبر المخرج من الملة.
وذلك حيث يتوجهون في خشية وخضوع إلى المقبورين من الأنبياء والأولياء والصالحين بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذور، ويطوفون بالقبور والتوابيت تعظيمًا كما يطوفون بالكعبة المشرفة، وهذه هي العبادة وإن أسموه تبركًا وتوسلاً.
وإذا كان الجهلة من العامة يرتكبون هذا الشرك عن جهل وعدم إدراك وفهم لمفهوم العبادة فإن هؤلاء قد يكون لهم بعض العذر لجهلهم.
ولكن ما عذر العلماء الكبار الذين يعرفون المعنى الحقيقي للعبادة، ويعلمون في قرارة أنفسهم أن ما انغمس فيه العامة هو شرك أكبر مخرج من الملة، ويصدرون الفتاوى بأن ما يرتكبون من الشرك القولي والفعلي والاعتقادي هو توسل مطلوب وتعبير عن محبة الأنبياء والأولياء والصالحين؟؟
ثم إنهم هم - لتعميق الشرك في قلوب العامة الذين يتخذونهم قدوة – يأتون الأعمال الشركية في الموالد والحوليات المبتدعة وغيرها.
ألا يتقي الله هؤلاء العلماء الذين يكتمون الحق ويشجعون على الكفر؟
أمن أجل دريهمات بخسة أو جاه زائل يرتكبون هذه الجرائر في حق أنفسهم وفي حق العامة؟
إن هذا النوع من العلماء هم الضالون المضلون.
وبعد أيها القارئ الكريم:
فإنني لما كنت ممن يعلم هذه الحقائق المروعة المتمثلة في تفشي الشرك الأكبر بشكل مخيف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فإني استخرت الله تعالى واتكلت عليه فأصدرت هذه الرسالة بعنوان: (كيف نفهم التوحيد) ... راجيًا من الله تعالى أن يتقبلها مني.
وأن ينفع بها عباده الذين ضلوا عن علم أو عن غير علم.
إنها مني محاولة متواضعة لإخراج من يريد الله تعالى إخراجه من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد إنه نعم المولى ونعم النصير.
ستنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية
«عمر بن الخطاب»
كان على جانب كبير من التدين، ومع وداعته ودماثة خلقه كان صريحًا إلى أبعد الحدود.
وكنت معه دائمًا على وفاق تام، لم نختلف إلا في ناحية واحدة، هي ناحية التوسل بالأموات ودعائهم والاستغاثة بهم من دون الله والذبح والنذر لهم.
فقد كانت هذه الأمور مثار جدل بيني وبينه، وكان يبدو لي من حديثه أنه – كغيره – يرى أن كل ذلك جائز – على الأقل – إذا لم يكن مستحبًّا.
وذات يوم، قال لي: أنت تعلم أنني لم أدع أحدًا غير الله ولم أتوسل إلى الله تعالى بغير عملي.
فقلت له: أعلم هذا وهو الذي يجعلني أطمع فيك وأتوسم فيك الخير؛ لأن عاقلاً مثلك يجب أن لا تغيب عنه مفاسد مثل هذه الحماقات التي يرتكبها المغفلون من ضحايا سدنة القبور وتجار الأضرحة.
هل دعاء الأولياء من دون الله كفر؟
قال: ولكنني مع هذا – كما قلت لك أكثر من مرة – لم أهضم ولم أستسغ – إلى الآن – أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم – وخاصة الأولياء والأنبياء والصالحين – شرك مخرج من الملة، ما دام أن المستغيثين والمتوسلين لا يعتقدون فيهم القدرة على الضر والنفع والخلق والإيجاد والإحياء والإماتة وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله.
ولطالما دار النقاش بيني وبينه، إلا أنه غالبًا ما يكون نقاشًا قصيرًا غير عميق بحيث لم يستطع أحدنا إقناع الآخر.
قال لي مرة: هل لك أن نضع الموضوع على بساط البحث، وبكل صراحة نتناوله من جميع نواحيه، بشرط أن نحزم عواطفنا وندعها جانبًا؛ لأن الناس لا يضلون السبيل إلا حيث تتحكم فيهم العاطفة ويتمكن من قيادهم الهوى؟!
فقلت له: هذه والله هي اللحظة التي طالما تمنيتها؛ لأنني حريص على أن أكشف لك غوامض ومعميات، هي السبب فيما أنت فيه من حيرة وتردد، ولذا تجدني سعيدًا بالتعمق معك في بحث هذا الموضوع.
قال: عظيم جدًا ... وأردف قائلاً:
ما هو موقفكم بالضبط من هذه المسألة؟ وما هي الأدلة القطيعة التي تستندون إليها في تكفير الذين يسلكون ذلك الطريق – طريق دعاء الأموات والاستغاثة بالأنبياء والصالحين والذبح والنذر لهم – وتحكمون عليهم بالخروج من الملة؟؟
فقلت له: موقفنا من هذه المسألة هو تبع لموقف القرآن الكريم، وحكمنا هذا ليس رأيًا رأيناه وليست نظرية ابتدعناها، وإنما هو امتداد لحكم هذا الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالقرآن الكريم -لا نحن- هو الذي حكم على هؤلاء القبوريين بالكفر وأدانهم بالشرك.
فقال لي – في هدوئه المعروف -: لا داعي لتكرار هذا القول المجمل، فأنا أعرفه عنكم، وهو لا يزال في نظري مجرد دعوى، والدعوى بدون دليل لا تقبل، فما هو الدليل المفصل المقنع؟! إن الموضوع أكبر وأخطر من إرسال الكلام على عواهنه، فأنتم بإقدامكم على تكفير المسلمين بمثل هذه السرعة واللامبالاة: قد أحدثتم فتنة عمياء بين المسلمين لا يزالون يخبون في غمارها حتى الآن.
تمويه القبوريين:
فقلت له: أنتم لا تزالون واقعين تحت تأثير دعايات مضللة كبيرة، فهي التي سدت عليكم منافذ التفكير وجعلتكم تعتقدون فينا ما تعتقدون وتظنون بنا ما تظنون.
وعلى العموم فأنتم أحرار، ولكم أن تسموا ما قمنا ونقوم به فتنة، أو تهورًا أو تسرعًا، أو أي شيء آخر يحلو لكم.
غير أن هذا كله لا يغير من الحقيقة المشرقة شيئًا، وهي أننا قوم نظرنا في كتاب الله تعالى وتدبرناه كما أمرنا الله أن نتدبر.
فأبصرنا وصفًا وصف الله به المشركين الأولين، ينطبق (تمامًا) على هؤلاء القبوريين الذين يدعون الأموات ويستغيثون بهم ويتضرعون إليهم، ويشركونهم مع الله في النسك والنذر، فلم نتردد في التنبيه والتبيين، ولم نتهيب أحدًا عندما أعلنا ما وصل إليه علمنا، فقلناها صريحة، ورمينا بها بين أكتاف المكابرين، ولا يهمنا رضي الناس عنا أم غضبوا علينا.
فما كان رضى الناس – في يوم من الأيام – مقياسًا للحق ولا غضبهم معيارًا للباطل.
شبه المشركين والقبوريين ونقضها:
أما الدليل على ما نقوله وندين الله به – في هذه الناحية – فعليك أن تصغي إليه في التفصيلات الآتية:
أولاً: أنتم ترون أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم والتقرب إليهم بالذبح والنذر ليكونوا شفعاء، ووسطاء إلى الله، كل ذلك ترون أنه ليس من الشرك ولا من الكفر، ما دام أن القائمين به يؤمنون بالله ربا وأنه لا خالق ولا رازق ولا محي ولا مميت إلى هو سبحانه وتعالى، ويعتقدون أن من يدعون من دونه لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا.
ولكن الواقع يثبت أن هذه النظرية هي نظرية خاطئة، والتحليل هذا تحليل فاسد يناقض أصول الإسلام مناقضة تامة، وسيتضح لك ذلك جليًّا فيما يلي إن شاء الله.
حقيقة الصراع بين الأنبياء والمشركين:
فالمتتبع للصراع الذي كان ناشبًا بين الأنبياء وخاصة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين الأولين، يجد أن سببه ومداره ليس إنكار أولئك المشركين لوجود الله سبحانه وتعالى وعدم إيمانهم به.
وليس مبعثه عدم تسليمهم بأنه جل وعلا بيده ملكوت كل شيء، وليس مثاره اعتقاد أولئك المشركين أن من يدعون من دون الله يشاركون الله في جلب نفع أو دفع ضر، فكل شيء من ذلك لم يخطر على بال أحد من أولئك المشركين ولم يعتقد أحد منهم شيئًا منه البتة.
إيمان المشركين بالله:
فقد كان هؤلاء المشركون يؤمنون بوجود الله إيمانًا جازمًا ويوحدونه في الربوبية توحيدًا كاملاً لا تشوبه أية شائبة، أي أنهم كانوا يعتقدون أنه تعالى ربهم ورب كل شيء وأن من يدعونهم من دونه من الآلهة والأنبياء ليسوا إلا بعضًا من عبيده وخلقه الذين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وأن الضر والنفع والموت والحياة بيده وحده سبحانه وتعالى لا يشاركه في ذلك ولا يظاهره أي مخلوق من مخلوقاته.
هكذا كان إيمان المشركين الأولين بربهم، وهكذا كانوا يوحدونه في الربوبية هذا التوحيد الخالص الذي يقصر دونه اليوم توحيد القبوريين من عباد الأولياء الذين لا يلجؤون إلى أوليائهم من الميتين سكان الأضرحة مستغيثين ومستنجدين بهم وضارعين إليهم إلا عند الشدائد، عكس ما كان يفعله المشركون الأولون الذين لا يدعون آلهتهم من الأولياء المتمثلين في تماثيلهم وأنصابهم إلا حيث لا يكون ضيق ولا شدة، أما في الضيق والشدة فهم لا يلجؤون إلا إلى الله وحده لا شريك له، وهنا ثارت ثائرة صاحبي وقال في احتجاج ظاهر عجيب وغريب وكيف، كيف؟!
توحيد أبي جهل وأبي لهب:
أبو جهل وأبو لهب ومن على دينهم من المشركين، كانوا يؤمنون بالله ويوحدونه في الربوبية خالقًا ورازقًا، محييًا ومميتًا، ضارًا ونافعًا، لا يشركون به في ذلك شيئًا!
عجيب وغريب أن يكون أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيدًا لله وأخلص إيمانًا به، من المسلمين الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين ويستشفعون بهم إلى الله!! أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيدًا وأخلص إيمانًا من هؤلاء المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله! ما هذا يا رجل، كيف تجرؤون على التصريح بمثل هذا الكلام الخطير، الذي هو وأمثاله مما تغالون فيه هو الذي جعلكم أعداء للملايين من المسلمين في العالم؟
فقلت له: ليس هذا عجيبًا ولا غريبًا، بل هذا هو الواقع الذي ستعرفه وستسلم به إن شاء الله عندما تنكشف لك الحقائق جلية، وتنتصب أمامك الأدلة مشرقة واضحة، وعندها سيزول بإذن الله ما علق بذهنك، وستتخلص مما رسب في عقلك من رواسب المغالطات التي تغالطون بها أنفسكم وتظنونها حججًا وبراهين.
الدليل على توحيد المشركين وإيمانهم بالله:
فقال: الدليل يا صاحبي، ما هو الدليل على هذا الذي تزعمونه؟ وإذا كان ما تقولونه صحيحًا من أن المشركين الأولين كانوا يؤمنون بالله هذا الإيمان، فما هو – إذًا – الشرك الذي نعاه الله عليهم وكتب لهم بسببه الخلود في النار، بعد أن أحل دماءهم وأموالهم وأمر نبيه أن يجالدهم بالسيوف ويطاعنهم بالرماح؟
فقلت له: وهل غير القرآن مصدر لهذا الدليل ... إن الدليل في هذا الكتاب الخالد الذي تعبد الله أنت وملايين البشر ممن على رأيك، من المنتسبين إلى الإسلام بتلاوته صباحًا ومساءً، ولكن دون أن تكتشفوه فتفهموه.
إعتراف المشركين بأن الله وحده الخالق الرازق المحيي والميت:
فقد قال تعالى مؤكدًا إيمان أولئك المشركين الأولين به سبحانه وتعالى ربًّا خالقًا ورازقًا، محييًا ومميتًا، ضارًا ونافعًا – قال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في حق هؤلاء المشركين:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾([2]).
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾([3]).
﴿قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾([4]).
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾([5]).
فهذه الآيات البينات – يا صاحبي – هي دليلنا الذي لا يقبل الجدل على أن المشركين الأولين ما كانوا يكفرون بوجود الله، وما كانوا يعتقدون أن له شريكًا يشاركه التصرف في شيء من ملكه بل كانوا يوحدونه في الربوبية توحيدًا كاملاً.
فصح بهذا يقينًا، أنهم ما كانوا يلجؤون إلى أوليائهم عندما يدعونهم ليهبوا لهم حياة أو يدفعوا عنهم موتًا أو ينزلوا لهم غيثًا.
وما كانوا يتقربون إلى آلهتهم ممن اتخذوا من الأولياء ليكتبوا لهم سعادة أو يمحوا عنهم شقاء، وكيف يصدر منهم مثل هذا، وهم الذين كانوا يؤمنون إيمانًا جازمًا بأن هذا كله إنما هو من اختصاص ربهم وحده الذي بيده ملكوت كل شيء؟؟ كما قررت هذه الآيات.
فعلى ضوء هذا الدليل الدامغ، يتضح لكم بطلان هذا الشرط الهزيل الذي تتمسكون به حين تعتقدون أن من يدعو غير الله لا يكون مشركًا إلا إذا اعتقد أن الضر والنفع بيد من يدعوه كما يعتقد في الله.
ولو كان هذا الشرط صحيحًا، وما تدعونه في نظر الإسلام سليمًا لما حكم الله على أبي لهب وأبي جهل وحزبهم بالشرك؛ لأن هذا الشرط الذي تشترطونه متوفر فيهم؛ لأنهم كانوا لا يعتقدون أن الضر والنفع بيد من يدعون كما يعتقدون في الله، وقد فصل القرآن ذلك عنهم في الآيات السابقة.
المشركون الأولون كانوا أكثر إيمانًا من مشركي هذا الزمن:
أما الدليل على أن توحيد المشركين الأولين وإيمانهم بربهم كان أقوى من توحيد القبوريين وإيمانهم في هذا الزمن فهو أيضًا من القرآن، ذلك الكنز الذي لا ينفذ والنور الذي لا يخبو، فقد قال الله تعالى في حق أولئك المشركين:
﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾([6]).
﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا﴾([7]).
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾([8]).
فهذه الآيات تثبت أن أولئك المشركين إذا ركبوا في البحر وتعرضوا للخطر فتوقعوا نزول قارعة نسوا آلهتهم من الأولياء وغيرهم وكفروا بهم، وأخلصوا الدين لله وحده، وتوجهوا إليه بالدعاء، معلقين عليه وحده الرجاء؛ لأنهم كانوا يعرفون تمامًا أن الذين يدعونهم من دونه هم أحقر وأضعف من أن يجلبوا لهم أية مساعدة أو يقدموا لهم أي عون في تلك اللحظة الحرجة، بل لأنهم كانوا يدركون أن من يدعون من دون الله أعجز من أن يسمعوا لهم صوتًا، فضلاً عن أن يجيبوا لهم دعاء.
لذا فشريط المغالطات المعروض أمام بصائرهم يتمزق في تلك اللحظة الفاصلة، وتتجلى أمامهم الحقيقة جلية واضحة، وهي أن أحدًا غير الله – مهما كان – لا يمكن الالتجاء إليه لإنقاذ الموقف في اللحظات العصبية.
كيف يلجأ الأولون إلى ربهم عند الشدائد وينسون آلهتهم؟
فهم لهذا يلجؤون إلى الله وحده، فيخلصون له الدين، ويدعونه ويتضرعون إليه ويطلبون منه العون والمدد دون سواه وينسون الأولياء الذين اتخذوهم آلهة من دونه في الرخاء لإيمانهم إيمانًا جازمًا أنه سبحانه وتعالى الوحيد الذي يقدر على إنقاذهم من الغرق، فهؤلاء المشركون – بشهادة القرآن - يظلون مخلصين لله الدين ما داموا في منطقة الخطر، ولكنهم إذا اجتازوا هذه المنطقة ونجوا إلى البر عاودتهم العادة التي وجدوا عليها آباءهم، فيشركون مع الله غيره في الدعاء والذبح والنذر، وهذا هو الذي أنبهم الله عليه وسماهم بسببه مشركين في قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾.
هذا هو حال المشركين الأولين في إخلاصهم الدين لله وتوجههم إليه وحده بالدعاء عندما يحزبهم أمر أو يحدق بهم خطر.
كيف ينسى مشركوا اليوم ربهم عند الشدائد ويلجؤون لأوليائهم
أما مشركوا هذا الزمن من القبوريين فهم على النقيض من المشركين الأولين، فلا يدعون الله ولا يتضرعون إليه إلا في الرخاء.
أما إذا اشتد بهم كرب أو ضاق بهم مسلك أو تعذر عليهم مطلب، فإنهم ينسون الله وتعالى ويذكرون أولياءهم فيجعلون منهم آلهة، فيتقربون إليهم في ضراعة وخشوع بالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء.
فالبدوي والجيلاني والرفاعي والتيجاني والعيدروس وابن عيسى وغيرهم من الأولياء، لا تسمع الهتاف الحار بأسمائهم، والتوجه بالدعاء الخالص إليهم، إلا عند الشدائد.
والقبوريون إذا ركبوا البحر وأحدق بهم الخطر نسوا الله سبحانه وتعالى، وذكروا أولياءهم، وسارعوا بالابتهال والدعاء إليهم، مستغيثين ومستنجدين، قائلين في ذلة وضراعة: مدد يا بدوي، يا جيلاني، يا رفاعي ... إلخ، فتراهم يناجونهم وكأنهم عندهم حاضرون.
ولو رأيتهم في هلع وذلة كيف يتبارون في نذر النذور لهؤلاء القبوريين ويتعهدون بتقديم القرابين عند قبورهم إن هم نجوا من الغرق – لأدركت مدى حقارة الشرك وخسة الكفر التي تمرغ كرامة الإنسان في مزابلها وأوحالها، حيث تنحدر به من مرتبة الإنسان العاقل إلى منزلة أحط من منزلة الأنعام السائمة.
وأي حقارة وخسة ومهانة أحط من أن ينصرف الإنسان بقلبه عن خالقه ورازقه، عن ربه الذي هو معه يسمع ويرى، ثم يتوجه في ضراعة وخشوع إلى عظام نخرة عجزت عن صد غارات الدود الذي اقتتل على التهام اللحم المحيط بها في القبر يتوجه إليها، فيطلب منها العون والمدد داعيًا إياها ومستغيثًا بها لتسارع لإنقاذه من الغرق؟؟
وصدق الله العظيم: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾([9]).
ولقد حضرت كثيرًا من هذه الحماقات فتأذى نظري واكتوى قلبي من تلك المهازل الشركية والتصرفات الجاهلية.
كيف اصطدم المؤلف بالقبوريين عندما أشرفوا على الغرق؟
وقد حضرت كثيرًا من هؤلاء وهم يتضرعون إلى أوليائهم بالدعاء الحار في البحر، وذلك عندما كنت مسافرًا في البحر الأحمر، منذ أكثر من خمس وعشرين سنة.
فقد كنا أكثر من ثمانين راكبًا في سفينة شراعية صغيرة، وعندما هاج علينا الموج وغشينا من كل مكان صارت السفينة تهبط بنا بين الأمواج الهائلة، وكأنها تنوي الاستقرار في قاع البحر، وترتفع مع المد وكأنها تريد الطيران من البحر.
وفي تلك الساعة العصيبة ضج القبوريون بالدعاء وطلب العون والمدد، لا من الله الحي القدير على كل شيء، وإنما من الميت الذي لا يقدر على شيء.
فقد توجهوا بقلوب خاشعة كسيرة إلى الشيخ سعيد بن عيسى رحمه الله الذي فارق الحياة منذ أكثر من ستمائة سنة، وأخذوا يدعونه في فزع مشوب بالرجاء، قائلين: (يا ابن عيسى، يا ابن عيسى، حلها يا عمود الدين) وأخذوا يتسابقون بنذر النذور له والتعهد بتقديمها عند قبره إن هم نجوا من الغرق، وكأن أمرهم بيده لا بيد الله سبحانه وتعالى.
كاد القبوريون يقذفون بالمؤلف إلى البحر
وعندما حاولت – على صغر سني حينذاك – إقناعهم بأن هذا موقف لا يصح أن يتوجه فيه مسلم إلى غير الله ورجوت منهم – في شفقة وإخلاص – أن يلجؤوا إلى ربهم ويخلصون له الدين بالتضرع بالدعاء إليه وحده، وأن يتركوا الشيخ ابن عيسى الذي ليس له من الأمر شيء، الذي لا يسمعهم فضلاً عن أن يجيب دعاءهم، ثاروا وصاحوا جميعًا (وهابي، وهابي!!) وكادوا يقذفون بي بين الأمواج الهائجة لولا أن الله حماني منهم ثم بعض الذين يكتمون إيمانهم في السفينة.
وعندما هدأت العاصفة ونجونا بعون الله تعالى وفضله وحده وليس بفضل ابن عيسى - طبعًا - وأقبل بعضنا يهنئ بعضًا، أخذ هؤلاء القبوريون يؤنبونني ويخوفونني من سوء الظن بالأولياء، ممتنين علي بالنجاة ومذكرين بأنه لولا حضور القطب (ابن عيسى) وخفانه في تلك الساعة العصبية لكنا جميعًا في بطون الأسماك.
خرافة حضور الأولياء عند الشدائد:
فقلت لهم: - وقد أوجعني سماع هذا الكفر الصراح -: إنكم تظلمون أنفسكم وتفترون على الشيخ ابن عيسى رحمه الله.
إن هذا الشيخ الميت لهو أعجز من أن يسمع دعاءكم، فضلاً عن أن يجيبه، فيحضر هنا بين هذه الأمواج لإنقاذكم.
اعقلوا أيها القوم، إن هذا الذي تدعونه من دون الله ميت، وقد قرر الله أن الميت لا يسمع وبهذا جاء القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾([10]) ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾([11]).
ولكنكم لجهلكم بسنن الله، وإعراضكم عن تدبر وفهم ما جاء في كتاب الله، تقعون في مثل هذه الحماقات، فتنصرفون بقلوبكم عن القادر على كل شيء الذي هو معكم يسمع ويرى، وتتوجهون إلى الميت العاجز الذي هو في غفلة عنكم لا يسمعكم ولا يراكم.
أما نجاتنا: فلا أثر لابن عيسى ولا لغيره فيها البتة، وإنما الذي نجانا بفضله وكرمه هو الله العلي القدير وحده، دون أن يؤثر عليه دعاؤكم لصالح أو استغاثتكم بنبي؛ لأن الكل – الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين y - ليس معنا أحد منهم في تلك اللحظة الحرجة، وإنما الذي كان معنا وحده هو الله الواحد الأحد الذي يسيرنا في البر والبحر.
فقال أحدهم (متفلسفًا): نحن لا ننكر أن الله فوق الجميع بيده كل شيء.
فقلت له: هذه مغالطة قديمة، قالها المشركون الأولون، وقولك هذا يخالفه فعلك، فلو كنت مؤمنًا بما تقول إيمانًا صادرًا من قلبك، ما انصرفت في ساعة الكرب والشدة عن هذا الرب الخالق العظيم وتوجهت إلى المربوب الميت الحقير، فصرت أقل إيمانًا وأضعف ثقة بالله من المشركين الأولين الذين يخلصون له الدين ويتوجهون إليه وحده في الشدة، كما حكي ذلك عنهم.
كيف يتمثل الشيطان للقبوريين في صور أوليائهم؟
وقال لي آخر (وكأنه حجني): إنك تكره الأولياء وتنكر كراماتهم، ولذلك حرمك الله من التمتع بما رأينا في تلك الساعات الحاسمة ...
فقلت له: ومن قال لك أنني أكره الأولياء وأنكر كراماتهم؟ فهل رأيتني أشتم وليًّا من أولياء الله؟ أو انتقص صالحًا من صالحي المؤمنين؟ ومتى سمعتني أنكر كرامة ثابتة أكرم الله بها وليًّا من أوليائه نص عليها كتابه أو جاءت بها سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؟؟
فهل سمعت أنني أنكرت كرامة أهل الغار الذين أكرمهم الله فأفرج عنهم الصخرة بعد أن انطبقت عليهم وسدت عليهم منافذ الغار؟
أم هل سمعتني أنكرت ولاية أبي بكر وعمر وعثمان أو علي وغيرهم من الصحابة y الذين ثبت بنص الحديث الشريف أنهم من أولياء الله المبشرين بالجنة؟
أم أنها التهمة التقليدية المكرورة توجهونها إلى كل من لا يوافقكم على حماقاتكم ولا يؤمن بخرافاتكم ولا يسكت على جهالاتكم ؟؟
ولكن قل لي ما هو الذي حرمني الله من التمتع به والذي رأيتموه أنتم في تلك اللحظة الحاسمة ؟
قال: رأينا القطب العظيم (الشيخ سعيد بن عيسى) وكأنه شعلى من نور ماسكًا بالدقل (سارية السفينة) وهو يخاطب البحر طالبًا منه أن يسكن، وفعلاً سكن البحر عن الهياج ونجونا ببركة هذا القطب العظيم.
فقلت له: (ساخرًا) هل سبق لك أن عرفت الشيخ سعيد بن عيسى العمودي الذي مر على وفاته أكثر من ستمائة سنة؟
قال: (طبعًا) لا ...
فقلت: له: كيف إذًا عرفت أن الذي رأيته من على الدقل يصدر أوامره إلى البحر بالسكون، هو الشيخ سعيد بن عيسى العمودي، وأنت لم يسبق لك أن رأيته ؟؟ فهل نزل عليك وحي من السماء يؤكد أن الذي رأيت – على فرض أنك رأيت – هو الشيخ ابن عيسى ؟ وهنا ارتج عليه، ولم يحر جوابًا.
غلبت عليه السوداء فتصور ابن عيسى معه حاضرًا
فقلت له: الحقيقة أنك لم تر ابن عيسى ولا غير ابن عيسى على الدقل، وإنما في حالة الهلع والخوف غلبت عليك السوداء فصورت لك – بالاشتراك مع الشيطان – ما ظننته ابن عيسى، لتزداد إيغالا في ضلالك وتوغلاً في مفاوز جهالاتك.
وقد كان جوابه الوحيد الذي قطع به المناظرة غريبًا حين صاح:
وهابي، جاحد، زنديق، وهذا هو آخر سلاح يتسلح به القوم عندما تدمغهم حجة أو يصفعهم برهان.
هنا قلت لصاحبي: والآن ما رأيك ؟؟
أليس في هذا ما يقنعك بأن ما ذكرته لك كان صحيحًا من أن إيمان المشركين الأولين بربهم وثقتهم به في الشدة كان أقوى من إيمان القبوريين وثقتهم به سبحانه وتعالى؟
مغالطات القبوريين:
فقال: لقد قسوت على هؤلاء الناس إذا وصفتهم بالشرك وجعلت إيمانهم بالله وتوحيدهم له أقل من إيمان وتوحيد المشركين الأولين، مع العلم أن هؤلاء القبوريين – كما تصفهم – عندما هتفوا باسم ابن عيسى واستغاثوا به في تلك الساعة الحرجة لم يفعلوا ذلك لعدم ثقتهم بالله، ولم يفعلوه اعتقادًا منهم أن ابن عيسى وغيره ممن يدعون هم الذين يسيرونهم في البر والبحر، أو أنهم معهم يسمعون ويجيبون نداءهم كما يجيبه الله سبحانه وتعالى.
وإنما يفعلون ذلك لاعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى سينجيهم ببركة توسلهم بهؤلاء الأولياء، فهم ما لجؤوا إليهم وهتفوا بأسمائهم في تلك اللحظة الخطيرة إلا لاعتقادهم أن لهؤلاء جاهًا عند الله لا بد وأن ينجيهم إكرامًا لأوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قلت له: هذه مغالطة قديمة مكررة، لا يمكن أن تجوز على عاقل يحترم نفسه لعدة وجوه:
منها: أن هؤلاء القبوريين لو لم يعتقدوا أن هؤلاء الأولياء من الأموات هم معهم في السراء والضراء يسمعون استغاثتهم ويجيبون دعاءهم، وأن في يدهم القدرة على إنقاذهم، لما ابتهلوا إليهم هكذا، واستنجدوا بهم في ضراعة وتذلل، استنجاد العاجز الضعيف بالقوي القادر على كل شيء، ولما نذروا لهم هذه النذور، وتعهدوا بتقديم القرابين لهم، إن هم أعانوهم على النجاة من الغرق، بل ولما وفوا لهم بهذا النذر رغبة ورهبة.
وهل يقدم عاقل على الهتاف والاستغاثة والاستنجاد بمن يعلم أنه لا يسمعه ولا يجبه، ولا يضره ولا ينفعه؟
دعاء الميتين من الأولياء إما كفر أو جنون
إن الذين يدعون الأولياء من الميتين هم بين أمرين: إما أنهم يعتقدون أن هؤلاء الميتين يسمعونهم – على بعد المسافة – ويجيبونهم ويعملون على إنقاذهم أو لا يعتقدون، فإن اعتقدوا هذا – وهو ما يعتقدونه فعلاً – فهو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لهم:
وإما أن يعتقدوا أن هؤلاء المدعوين لا يسمعون ولا يجيبون وهذا هو الجنون، والمجنون قد سقط عنه التكليف، فهؤلاء القبوريون – إذًا – إما مشركون وإما مجانين وعليك أن تضعهم حيث شئت.
والحقيقة أن هؤلاء القبوريين ليسوا بمجانين، ولكنهم مفتونون فتنهم الشيطان وزين لهم هذه الأعمال الشركية وحببها إلى قلوبهم.
فلو لم يثقوا في قدرة أوليائهم على إنقاذهم أكثر من ثقتهم في الله العلي القدير لما أعرضوا عنه جل وعلا وتوجهوا إلى الميتين، خاشعين متضرعين متذللين.
فأي كفر وضلال بعد هذا، وماذا أبقوا بعد هذا لله الذي خلقهم وصورهم ؟؟
وبعد أن وصلت مع صاحبي إلى هذه الدرجة من النقاش قال لي – في ارتباك -: ولكن ... ولكن ... وتطور ارتباكه إلى تلعثم، ثم عيَّ في الكلام فتظاهر بالبحث والتأمل ...
فقلت له: من غير لكن ... ولكن …
والدليل في منتهى الوضوح، وليس لديكم ما يدفعه أو يقف في طريقه، فليس هناك دليل على هذه الحماقات الشركية والسخافات الوثنية إلا المغالطة والتمسك بالأوهام والتمحلات التي بها تئدون دينكم وتنحرون إسلامكم.
ثم قلت له: أعتقد أنني بعد هذا الشرح والإيضاح لست بحاجة إلى التوسع لإقناعك بأن الشرك الذي نعاه الله على المشركين الأولين ليس اعتقادهم فيمن يدعون (كيغوث ويعوق ونسرا، واللات والعزى ومناة) أنهم يشاركون الله في خلق أو إيجاد إحياء أو إماتة، ضر أو نفع، وليس إنكارهم وجود الله تعالى، أو نفيهم كون ملكوت كل شيء بيده، فهذا لم يقله أحد من أولئك المشركين.
الشيوعية قبل الإسلام:
فقال: - وكأنه وجد الحجة – بلى، لقد ثبت في القرآن أن هؤلاء المشركين ينكرون وجود الله فهذا قائلهم يقول – كما حكى الله عنهم -:
﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ﴾([12]).
فقلت له: إن هؤلاء ليسوا المشركين الذين تحدثنا عنهم سابقًا، وإنما هم الدهريون الملاحدة، وهم فرقة من العرب الذين يسير الشيوعيون اليوم على مذهبهم، فهؤلاء لا يؤمنون بالله، ولا بما يعتقده المشركون مقربًا لله، فهم – أي: الدهريون – ينكرون وجود الله وتبعًا لذلك يكفرون بالأصنام والأوثان والآلهة التي يتخذها المشركون واسطة تقربهم إلى الله.
فمصدر شرك المشركين الأولين إنما هو إيمانهم بوجود الله مع التوسل إليه وطلب العون من غيره، وهذا ما عناه الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾([13]).
فلو لم يكن المشركون يؤمنون بالله، ما اتخذوا هذه الآلهة واسطة تقربهم إلى الله تعالى كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([14]).
فصح بهذا يقينًا أن المعنيين بإنكار وجود الله في آية الجاثية التي أوردتها محتجًا بها علي، ليسوا المشركين الذين حدثتك عن حقيقتهم، وإنما هم بعض العرب الدهريين، أو الشيوعيين، إن صح هذا التعبير.
لأنه يستحيل على الذين يدافعون عن شركهم ويبررونه بقولهم في آلهتهم وأوليائهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([15])، أو ﴿هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ﴾([16])، يستحيل عليهم أن ينكروا وجود الله الذي ما اتخذوا الآلهة من الأولياء إلا ليقربوهم إليه ويشفعوا لهم عنده، هذا بالإضافة إلى الآيات الأخرى التي تثبت اعترافهم صراحة بوجود الله وتوحيدهم لله في الربوبية كما تقدم.
حقيقة الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون
فقال صاحبي: (وقد أعياه طول النقاش):
فما هو – إذًا – الشرك الذي نعاه الله على المشركين في القرآن وأحل به دماءهم وأموالهم وأمر رسوله بقتالهم عليه، ما دام أنهم يؤمنون بالله تعالى ويوحدونه هكذا ؟
فقلت له: سؤال في الصميم.
هذه هي النقطة الحساسة التي عندها تضل الأفهام وتزل الأقدام، والتي لو وقف الناس عندها وقفة تبصر وتفهم وتدبر، وأعطوها حقها من البحث والمقارنة، لما وجدت منتسبًا إلى الإسلام واحدًا يتوجه بدعاء أو استغاثة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك مما هو حق الله وحده إلى غيره سبحانه وتعالى من الأنبياء ومن دونهم من الأولياء وغيرهم.
جهل الناس اليوم بحقيقة شرك مشركي العرب أوقعهم في الشرك
فجهل الناس في هذه الناحية الخطيرة وعدم معرفتهم بحقيقة الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون – هو الذي أوقعهم فيما لا يظنونه شركًا وهو الشرك بعينه، ولوثهم بما لا يحسبونه كفرًا وهو الكفر ذاته (دعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم ليشفعوا لهم ويقربوهم إلى الله زلفى) دون أن يأذن الله لهم في ذلك.
تخوف ابن الخطاب من الوقوع في الشرك
ولقد أبدى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تخوفه مما وقع فيه الناس اليوم من الشرك، منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا حيث قال:
«ستنقض عرى الإسلام عروة عروة» قيل وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: «إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية» أو كما قال، فهؤلاء الذين يدعون الأموات اليوم، ويذبحون وينذرون لهم، ويطوفون بقبورهم، مقدسين ومعظمين خاشعين لهم، ومتضرعين إليهم بقصد التوسل والتوسط بهم إلى الله، لو عرفوا أن هذا هو عين العمل الذي كان عليه العرب في الجاهلية والذي سماه الله شركًا واعتبره كفرًا لما أقدموا عليه وتمسكوا به، وثاروا وغضبوا على من أنكره عليهم.
أما الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون والذي طلبت مني إيضاحه وسألتني عن حقيقته فهو أن أولئك المشركين – مع إيمانهم المطلق بوجود الله وتسليمهم بقدرته المطلقة على التصرف في جميع شئون الكون دونما شريك أو ظهير – كانوا قد ابتدعوا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، هذه البدعة استحسنتها عقولهم وسكنت إليها نفوسهم.
وهي أنهم اتخذوا من المخلوقين (كاللات والعزى ومناة ويغوث ويعوق ونسرا) أولياء ووسائط يلجؤون إليهم، ويتقربون إليهم بالدعاء والنذر والذبح ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم في قضاء حاجاتهم وكشف كرباتهم، دون أن يأذن الله لهم بذلك أو يرضاه.
وهذا ما عناه القرآن وأنكره عليهم بقوله:
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([17])، ويعبدون: أي يدعون، وقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾([18]).
اتخاذ الأولياء وسائطك إلى الله هو عين الكفر
وعلى أساس هذه الفلسفة، فلسفة التوسل والتوسط والتشفع بهؤلاء الآلهة من الأولياء، كانوا يدعونهم ويستغيثون بهم ويذبحون وينذرون لهم ويطوفون حول أنصابهم وتماثيلهم جاعلينهم محط مآلهم ومعقد رجائهم والباب الذي يصلون منه إلى الله بزعمهم.
فهذا وأمثاله هو الذي أنكره الله عليهم واعتبره منهم شركًا وكفرًا، به أحل دماءهم وأموالهم وجالدهم عليه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالسيوف في بدر, وأحد وحنين والخندق وغيرها، وقطع بينه وبينهم – من أجله – كل أواصر القرابة والنسب.
واعتبره الله عبادة منهم لغيره وشركًا به، وغضب عليهم وأبعدهم من رحمته، لأنهم سلكوا هذا الطريق وابتدعوا هذه البدعة، بدعة اتخاذ الوسائط والشفعاء، يتوكلون عليهم ويلجؤون إليهم ليكونوا بابهم إلى الله دون أن يأذن لهم سبحانه وتعالى بذلك ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾([19]).
فقال صاحبي: هذا أيضًا قول مجمل ليس فيه من الأدلة القطعية ما يقنعنا بصحته، فما هو الدليل المفصل على صحته ؟؟
فقلت له: الدليل في كتاب الله أيضًا، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([20]).
كما أنكر عليهم في آية يونس السابقة دعاءهم غيره واتخاذهم وسائط تشفع لهم عنده، وجعل ذلك شركًا به وعبادة لغير حين قال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ﴾ ثم أنكر عليهم مبطلاً دعواهم ورادًا حجتهم هذه – حجة التشفع والتوسل – في تقريع وتوبيخ بقوله: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([21]).
أي أنه سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يتقدم إليه أحد في هذه الدنيا بوسيط أو شفيع لأنه لا يخفى عليه شيء من حال عباده حتى يتقدموا إليه بالشفعاء والوسطاء ليخبروه بما خفي عليه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وقال تعالى منكرًا عليهم التوسط بمن يظنون بهم خيرًا من الصالحين وموضحًا أن هؤلاء الذين يدعون من دونه هم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر، فضلاً عن أن يكشفوا عنهم ضرًا أو يحولوا عنهم سوءًا، بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء في رحمته ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ * يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾([22]).
وقال تعالى معتبرًا دعاء غيره من المخلوقين شركًا:-
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾([23]).
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ﴾([24]).
﴿أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾([25]).
فهذه بعض الأدلة – لا كلها – التي ثبتت لك صحة ما ذكرت لك من حال المشركين وتوضح حقيقة الشرك الذي كانوا عليه، هذا الشرك الذي يقع كثير من الناس فيه لجهلهم بحقيقته.
نسف أعظم شبهة يتمسك بها القبوريون:
قال صاحبي: إن هذه الآيات التي ذكرت لي إنما نزلت في المشركين من العرب في الجاهلية فهي خاصة بهم، أما هؤلاء الذين يستغيثون اليوم بالأولياء فلا صلة لهذه الآيات لهم ولا يمكن أن تنطبق عليهم.
فقلت له: وهذه حجة منقوضة ومغالطة مكشوفة.
فهذه الآيات – حقًّا – إنما نزلت في أيام مشركي العرب وفي حقهم، بل القرآن كله إنما نزل في تلك الأيام، ولكن هذا الكتاب الخالد هو خطاب الله لعباده في كل زمان ومكان، وأوامره خالدة يجب اتباعها، ونواهيه أبدية يحتم اجتنابها إلى يوم يبعثون.
فالعبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والقاعدة الثابتة عند جميع المسلمين هي أن الحكم يدور مع العلة فأينما وجدت العلة وجب الحكم.
والعلة في شرك المشركين الأولين هي أنهم كانوا يدعون من دون الله عبادًا أمثالهم ويعتمدون عليهم ليكونوا شفعاءهم عند الله، وهذا هو نفس الشيء الذي يفعله القبوريون اليوم، يدعون الأولياء ويستغيثون بهم ليكونوا واسطتهم إلى الله، ومن هنا جاء الحكم على الفريقين بالشرك دونما تمييز؛ لأنهم اتحدوا في القصد والعمل، التوجه إلى غير الله بالدعاء والذبح والنذر ليكون شفعيهم عند الله.
فقال: إن قياسك هذا الذي طبقت بموجبه حكم الشرك على الفريقين دونما تمييز هو قياس مع الفارق لا يمكن التسليم به.
فقلت له: الآن وقد أوضحت لك بعد أن أجهدت نفسي أن كفر المشركين الأولين إنما كان في اتخاذهم الوسائط والشفعاء والتقرب إليهم بالدعاء والذبح والنذر لهم، وبينت لك أن القبوريين اليوم إنما يسلكون نفس هذا الطريق، ويسيرون على هذا المنهج حذو القذة بالقذة، فهل لك أن تبين لي ما هو الفرق الذي يجعل عمل أولئك كفرًا وشركًا، يعاقب الله عليه بالخلود في النار، وصنيع هؤلاء توسلاً مباحًا يرضى الله عنه ولا يعاقب عليه، مع اتحاد الفريقين في العمل واتفاقهما في المقصد؟
فقال: الفرق من عدة وجوه:
(أولاً)([26]): أن أولئك المشركين كانوا يعبدون غير الله، وقد جاء اعترافهم بعبادة غير الله واضحة في قولهم – كما حكى الله عنهم – ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾.
أما المتوسلون اليوم بالأولياء فهم ينكرون عبادة غير الله، ويقولون: إنهم لا يقصدون بدعاء الأولياء من الأموات والاستغاثة بهم عبادتهم، وإنما يقصدون التبرك والتوسل، ومن هنا يجيء التمييز بينهم وبين المشركين في الحكم.
تبديل الألفاظ لا يغير من الحقيقة شيئًا:
فقلت له: إن الأفعال والمقاصد – كما قلت لك فيما مضى – هي التي يترتب عليها الحكم ولا قيمة للألفاظ التي يتشبث بها للدفاع عن تصرفه، خوفًا من صدور الحكم عليه، ما دام أن فعله هو العلة الموجبة للحكم الذي صدر ضده.
فلو أن إنسانًا اعتاد السجود للصنم، وظل – مع إدمانه على هذا السجود – يعلن استنكاره لعبادة غير الله، ويصرح بأنه لم ولن يعبد غير الله، فهل يكون قوله هذا مع فعله ذاك مانعًا من إدانته بالشرك والحكم عليه بالكفر ؟؟
فقال صاحبي ... لا ... بل هو كافر ومشرك.
فقلت له: فهذا – إذًا – ينطبق تمامًا على القبوريين اليوم، فتصرفاتهم قد أدانتهم بالشرك والكفر، ومع هذه الإدانة الصريحة، فهم ينكرون هذا ولا يعترفون به.
فالفرق بينهم وبين المشركين الأولين هو أن أولئك المشركين أكثر صراحة عندما اعترفوا بعبادتهم لغير الله، والمشركون من القبوريين أعرق في التمويه والمغالطة عندما أقدموا على عبادة غير الله ثم أنكروا هذه العبادة وسموها بغير اسمها.
فقال (محاولاً المغالطة): أنا قد قلت ولا أزال أقول لك: إن فعل المشركين الأولين هو عبادة لغير الله، وبفعلهم هذا استحقوا اسم الشرك ووصف الكفر.
وأفعال المتوسلين اليوم بالأولياء والمستغيثين بهم ليس عبادة لهم، ولهذا لا يصح الحكم عليهم بالكفر والشرك.
فقلت له: لقد أجهدتني بتكرار محاولاتك للتهرب من الاعتراف بالحقيقة التي ما كنت أعتقد أن عاقلاً مثلك يماري في الاعتراف بها هكذا.
ولقد أوضحت لك – بما لا مزيد عليه من الشرح – حقيقة إيمان المشركين الأولين بوجود الله وتوحيدهم إياه جل وعلا في الربوبية توحيدًا كاملاً وبينت لك بكل وضوح، حقيقة الشرك الذي كانوا عليه والأسباب الموجبة لإدانتهم به والحكم عليهم.
وشرحت لك بالتفصيل أن حكمنا على هؤلاء القبوريين بالشرك إنما جاء نتيجة للمقارنة بين فعلهم وفعل أولئك المشركين الأولين الذين أصدر القرآن حكمه في حقهم منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، وتوصلنا – بعد البحث الدقيق والمقارنة الصحيحة – إلى أن ما يفعله القبوريون اليوم مع أوليائهم من: دعاء واستغاثة وذبح ونذر وخوف ورجاء؛ هو عبادة لغير الله سبحانه وتعالى؛ لأنه – بالضبط – نفس الفعل الذي كان يفعله المشركون الأولون مع أوليائهم ومدعويهم من دون الله، وهو الذي اعتبره الله منهم عبادة لغيره، ولكنك مع هذا تصر على التمييز بين الفريقين في الحكم، ومع أن الجميع – باشتراكهم في القصد والعمل – يجتمعون على عبادة غير الله.
وما دام أن هذا لا يزال هو رأيك فإن لي سؤالاً أرجو منك الإجابة عليه بالتفصيل، وهو:
هل لك أن تشرح لي حقيقة العبادة التي عبد المشركون بها غير الله فمساهم بها مشركين وحكم عليهم بالكفر من أجلها؟
الدعاء والذبح والنذر لغير الله هو الشرك الأكبر:
إنني أريد منك الإجابة على هذا السؤال، لكي نستطيع إدراك ما إذا كان هناك فرق بين الفريقين، به ندرك صحة نظريتك التي تعتبر عمل أولئك المشركين الأولين عبادة لغير الله وتنفي عن القبوريين صفة هذه العبادة ؟
وهنا بدت عليه الحيرة والارتباك، فقد تلقى هذا السؤال وكأنه سوط ألهب ظهره فقد أوقعه هذا السؤال بين شقي الرحى، ولكنه لم يستسلم إلا أنه – من فرط حيرته – اعترف بحقيقة كان – طيلة المناقشة – يحاول التهرب من الاعتراف بها.
فقد قال:
إن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، هي أن المشركين الأولين ما كانوا يفعلون مع أصنامهم أكثر من أنهم يتقربون إليها بالدعاء والذبح والنذر والطواف، وما شابه هذا من العبادات والقرب، مع اعتقادهم أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت، ولا تدفع شرًا ولا تجلب خيرًا.
فهدفهم مما يعملون لها إنما هو لترضى عنهم فتقربهم إلى ربهم وتشفع لهم عنده، ليكونوا محل رحمته ورعايته.
وهذا هو حقيقة عبادتهم لغير الله، والتي بها سماهم الله مشركين وحكم عليهم بالكفر، ولا أكتمك بل أقولها صراحة أنني ما كنت أعرف أن هذا هو حقيقة الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون، إلا من سير المناقشة التي دارت بيني وبينك هذه المرة.
فقلت له: عظيم جدًّا، لقد اتفقنا إذًا – بعد طول النقاش – على نقطة من أهم النقاط في الموضوع، وهي تحديد العبادة التي كان عليها المشركون الأولون، وهذا يعني طبعًا أنك تعترف وتقرر بأن الدعاء والذبح والطواف والنذر والتذلل والتضرع عبادة.
لا فرق بين القبوريين اليوم وبين المشركين الأولين
ثم قلت له: والآن وقد وفقت في الإجابة على هذا السؤال، فإن لي سؤالاً آخر أرجو منك الإجابة عليه بنفس الصراحة التي أجبت بها على السؤال الأول.
أليس القبوريون اليوم يتوجهون إلى أوليائهم من الميتين بالدعاء والذبح والنذر والطواف والتضرع والخشوع، لكي يرضوا عنهم فيشفعوا لهم عند الله ويتوسطوا لهم لديه ؟؟
فقال: بلى، وهذا هو واقع حالهم الذي لا يمكن إنكاره البتة.
فقلت له: إذًا لقد اتفقنا على أن الفريقين متساويان في هذه الناحية، القبوريون يتوجهون إلى أوليائهم بالدعاء والتضرع والذبح والطواف، وكذلك يفعل المشركون مع معبوديهم من دون الله ومعنى هذا أن كلاً من الفريقين يتوجه بالعبادة إلى غير الله، وهذا هو عين الشرك الذي حرمه الله.
فهل يبقى – بعد هذا – لديك مانع من الاعتراف بأن القبوريين بعملهم هذا قد أشركوا بالله، لتساويهم واتحادهم – في القصد والعمل – مع المشركين الأولين ؟؟
هل هناك فرق بين دعاء الأصنام والأوثان وبين دعاء الأولياء والصالحين؟
فقال: نعم، المانع لدي من الاعتراف بهذا، هو أن أولئك المشركين يدعون أصنامًا وأوثانًا هي من صنع أيديهم، ليس لها جاه أو منزلة عند الله، وهؤلاء (القبوريون كما تسمونهم) يدعون أولياء ويستغيثون بصالحين لهم جاههم ومنزلتهم عند الله، كما قال تعالى:
﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([27]).
فالفرق كبير بين الأحجار والأصنام التي اتخذ المشركون منها آلهة يعبدونها وبين الأولياء والصالحين الذين لم يقل الداعون لهم بأنهم آلهة من دون الله.
فقلت له: لقد استبشرت فيما مضى، حيث بدا لي أنك أخذت في السير على الطريق الصحيح المؤدي إلى معرفة الحق والصواب، ولكنك مع الأسف أركست في الحمأة من جديد، حيث عدت إلى سلوك طريق الزوغان والمغالطة التي تجعل نقاشنا يدور في حلقة مفرغة ينتهي من حيث بدأ ويبدأ من حيث انتهى.
إن تفريقك هذا هو في غاية السخف والغباء، وحجة هي من الضعف والتخاذل بحيث لا يمكن النظر فيها فضلاً عن قبولها.
فالمعروف عند جميع المسلمين – كما هي القاعدة المقررة – أن التوجه بالعبادة – أية عبادة – إلى غير الله تعالى، هي كفر بالله وشرك مخرج من الملة.
ولا فرق، سواء كان المتوجه إليه بالعبادة نبيًّا مرسلاً أو ملكًا مقربًا أو وليًّا صالحًا أو حجرًا أصم أو شيطانًا مريدًا، وهذا ما لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.
ولقد اعترفت – أنت – أثناء مراحل هذه المناقشة، بأن الدعاء والذبح والنذر والطواف هو عبادة.
واعتبارك توجيه المشركين هذه العبادة إلى أصنامهم وأوثانهم كفرًا بالله وشركًا به، وتوجه القبوريين بنفس هذه العبادة إلى أوليائهم من سكان الأضرحة، ليس عبادة ولا شركًا، هو غاية التعسف والحيدة المقصودة عن جادة الحق والصواب ومحاولة فاضحة لإنكار أمر واقعة كواقع الشمس والقمر.
فتمييزك هذا ليس له حجة دينية من القرآن أو الحديث تسنده، وليس له برهان عقلي يعضده، وإنما هو قول أملاه منطق العناد والمكابرة الذي ما كانت أظن – بعد طول هذه المناقشة – أنك ستبقي أسيرًا من أسراه وضحية من ضحاياه.
فقال: أنا لست أسيرًا لعناد ولا ضحية لمكابرة، وإنما أنا مثلك لي حق التعبير عما أراه واعتقده، وهذا هو الذي لا أزال أراه وأعتقده، وقد اتفقنا في بدء المناقشة على أن نكون صرحاء في المناقشة وأن نرفع عواطفنا جانبًا، فأرجوك أن لا تنفعل وأن تترك لي حريتي في التعبير عن كل ما أراه، وإذا لم يرق لك الرأي الذي أرى فإن من حقك نقضه ورفضه بما ترى مما تعتقده حججًا وبراهين، على أن يكون ذلك من غير انفعال أو قسوة في التعبير؛ لأن ذلك له أثره الضار في المناقشة، مما لا يساعد على الوصول إلى الغاية المطلوبة التي يدور النقاش من أجلها.
فقلت له: ... أنا معك في أن الانفعال والقسوة في التعبير أثناء مناقشة ما لا يساعدان على الوصول إلى الغاية المطلوبة من المناقشة.
وسأحاول جاهدًا إنقاذك مما أعتقد أنه ضلال.
شرك المشركين الأولين ما كان إلا بعبادتهم الأولياء والصالحين
وبما أنك لا تزال مصرًّا على التمييز بين الفريقين في الحكم، وحجتك أو شبهتك – على الأصح – هي أن المشركين الأولين كانوا يتخذون من الأحجار أصنامًا وأوثانًا يتقربون بها إلى الله، وأن القبوريين اليوم إنما يتوجهون إلى أولياء وصالحين، فأنا مستعد أن أزيل هذه الشبهة الضعيفة، فأثبت لك أن المشركين الأولين كانوا تمامًا كالقبوريين الحاليين، لا يتوجهون بالذبح والنذر والطواف والدعاء إلا إلى عباد يعتقدون فيهم الصلاح والاستقامة مع الآدميين، وأنهم ما كانوا – في حقيقة أمرهم – يعبدون إلا الأولياء والصالحين.
وأن التماثيل والأنصاب ما كانوا يعبدونها لذاتها وإنما يعبدون الأشخاص التي كانت هذه الأصنام والتماثيل والأنصاب ترمز إليهم وتسمى بأسمائهم (كيغوث ويعوق وود ونسرا وسواع واللات والعزى).
أما الدليل على أن المشركين الأولين كانوا كالقبوريين اليوم يعبدون الأولياء والصالحين، ويتخذونهم آلهة من دون الله، فهو في القرآن الكريم، إلا أنكم لا تهتدون إليه، فقد خاطبهم الله تعالى جميعًا بقوله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([28]).
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾([29]).
ثم وضع القاعدة العامة في العبادة للجميع في كل زمان ومكان حين قال: ﴿أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([30]).
﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾([31]).
﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً﴾([32]).
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾([33]).
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾([34]).
فهذه الآيات الكريمة تثبت – بما لا يدع مجالاً للشك – أن المشركين الأولين إنما كانوا كالقبوريين اليوم يدعون الأولياء والصالحين ويتخذون منهم آلهة يعبدونها بالدعاء والذبح والنذر والطواف والخوف والرجاء لتشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى.
المشركون ما كانوا يعبدون الأصنام لذاتها:
وأن الأصنام والأنصاب والتماثيل والأوثان (كاللات والعزى ومناة ويغوث ويعوق ونسر) إنما كانت تمثل أولئك الأولياء والصالحين بحملها أسماءهم، فهم (أي المشركون الأولون) لا يعبدون هذه الأصنام والتماثيل لذاتها، وإنما يعبدون الأشخاص المتمثلين فيها، مما يظنون بهم خيرًا، ويعتقدونهم أولياء وصالحين تمامًا كما يفعل القبوريون الآن.
وبهذا يتضح لك أن الفريقين – القبوريين والمشركين الأولين – يتساوون من حيث عبادة الأولياء، والفرق الوحيد بين الفريقين هو أن المشركين كانوا يعكفون حول التماثيل والأنصاب التي تحمل أسماء أوليائهم ويقصدونها ويتوجهون إليها، والقبوريون اليوم يعكفون حول القبور والتوابيت والأضرحة والمشاهد التي تحمل أسماء أوليائهم ويقصدونها ويتوجهون إليها، على أن المقصود الحقيقي ليس تلك الأنصاب والتماثيل، ولا هذه القبور والتوابيت والمشاهد، وإنما المقصود من تحمل أسماءهم تلك الأنصاب والتماثيل أو هذه القبور والتوابيت.
فلو سألت اليوم أحد القبوريين العائدين للبدوي – مثلا – من أين أتيت ؟ لقال لك جئت من عند سيدي البدوي، بينما هو – في الحقيقة – لم يأت من عند البدوي ولم يسبق له أن عرفه أو رآه، وإنما أتي من عند القبر أو التابوت الذي يحمل اسم البدوي، نفس الشيء الذي كان عليه المشركون الأولون الذين لم يذهبوا – في الواقع – إلى (اللات أو يغوث أو يعوق ذاتهم) وإنما ذهبوا وتوجهوا إلى الأنصار والأصنام والتماثيل التي تحمل أسماء هؤلاء الأولياء أو من يظنون أنهم أولياء.
الأصنام ليست إلا أسماء رجال صالحين
فقال صاحبي: ومن أين لك الدليل على أن المشركين الأولين ما كانوا يعبدون الأنصاب والأصنام والتماثيل المقامة من الحجر أو الذهب أو النحاس لذاتها، وإنما يعبدون أولياء وصالحين سميت بأسمائهم هذه الأنصاب والتماثيل ؟
فقلت له: أما الدليل القاطع على ذلك فقد كان بوسعك – لو وفقت – أن تفهمه مما مضى من الآيات الكريمة التي تثبت – بما لا يدع مجالاً للشك – أن المشركين الأولين ما كانوا يعبدون إلا الأولياء والصالحين، وقد أوردتها لك فيما مضى من هذا النقاش.
ولكنني زيادة في الإبلاغ وتوسعًا في إقامة الحجة ورغبة في إزالة كل شبهة يمكنك التشبث بها أو الوقوف عندها: سأذكر لك إن شاء الله ما يساند قولي هذا، ويطيح بآخر شبهة قد تتمسك بها للبقاء على الرأي الذي تتشبث به.
يغوث ويعوق ونسرا كانوا رجالا صالحين من قوم نوح
(1) روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب، أما (ود) فكانت لكلب (بدومة الجندل)، و(سواع) لهذيل، و(يغوث) لمراد، ثم صارت لبني غطيف (بالحوف أو الجرف) عند سبأ.
أما (يعوق) فكانت لهمدان، وأما (نسر) فلحمير، لآل ذي الكلاع وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت([35]).
(2) وبمثل قول ابن عباس قال الكلبي في كتابه (الأصنام) ص52 قال ما يأتي: «ثم جاء القرن الثالث فقالوا ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم».
(3) وقال محمد بن كعب عن (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر): «هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كانوا لهم أتباعًا يقتدون بهم ويأخذون مأخذهم في العبادة، فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين كانوا قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم».
متى بدأت عبادة الأصنام؟
فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك، وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم من المسلمين.
وروى ابن جرير عن محمد بن قيس قوله: (كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فقالوا: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم) وإلى مثل هذا ذهب عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق.
اللات كان رجلا يلت السويق للحجاج:
(4) أما اللات فقد روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه -: «كان اللات رجلا يلت السويق للحجاج» وقال ابن الكلبي في (الأصنام) ص16: واللات بالطائف، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة، وكان يهودي يلت عندها السويق، وهو كقول ابن عباس.
(5) ويقول الشهرستاني – صاحب الملل والنحل – (وضع الأصنام حيثما قدر إنما هو على معبود عليه الحيا غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيئته نائبًا منابه وقائمًا مقامه، وإلا فنعلم قطعًا أن عاقلاً ما لا ينحت بيده خشبًا صورة، ثم يعتقد أنه إله)([36]).
لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها، وربطوا حوائجهم بها – من غير إذن وحجة وبرهان وسلطان من الله تعالى – كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها، وعن هذا كانوا يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([37]).
فهل بعد هذا يبقى لديك شك في أن الأصنام إنما أقيمت بأسماء أناس اعتقد قومهم فيهم الصلاح وأحبوهم، وأن هذه الأصنام لم تعبد لذاتها وإنما عبدت تبعًا لعبادة من أقيمت بأسمائهم؟
إشكال قبوري كبير يحله المؤلف:
فقال: – وقد بدت عليه علامة التسليم بوجاهة النظرية التي شرحتها له -: ولكن الأمر لا يزال فيه كثير من الإشكال.
فقلت له: اشرح لي هذا الإشكال وأنا إن شاء الله سأبين لك كل ما أشكل عليك في هذه الناحية.
فقال: تبين فيما أوردت من آيات وآثار أنك تريد إثبات أن المشركين الأولين ما كانوا يعبدون إلا الأولياء والصالحين، لكي تثبت عن طريق القياس أن القبوريين – كما تسميهم – يعبدون الأولياء والصالحين كذلك.
ولكنه جاء فيما أوردت من آيات أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام عبادة حقيقية لذاتها، ولو كانوا لا يعبدونها لذاتها وإنما يعبدون الأولياء والصالحين التي تحمل هذه الأصنام أسماءهم، لبين الله لنا ذلك ولاقتصر القرآن على توبيخ المشركين على عبادتهم الأولياء ما داموا لا يعبدون إلا هؤلاء الأولياء، وما دام أنهم (أي: المشركون الأولون) لا يعتمدون على هذه الأصنام لتشفع لهم عند الله.
ولكن جُلَّ التحذيرات والتوبيخات التي جاءت في القرآن لهؤلاء المشركين حول هذا الموضوع إنما كانت مركزة على نهيهم عن عبادة الأصنام والأوثان والأنصاب:-
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾([38]).
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾([39]).
﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾([40]).
﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾([41]).
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾([42]).
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً﴾([43]).
﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾([44]).
﴿وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾([45]).
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾([46]).
فهذه الآيات مما يلقي ضوءًا على أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان لذاتها ولهذا جاء النهي عن عبادة هذه الأوثان والأصنام صريحًا كما جاء هذا النهي أيضًا عن عبادة الأولياء.
عبادة الأصنام إنما هي عبادة للأولياء
فقلت له: نعم لقد ثبت هذا النهي عن عبادة الأصنام وعن عبادة الأولياء، وهذا صراحة يدين القبوريين بعبادة غير الله لأنهم يعبدون الأولياء، ولو لم يأت في القرآن إلا النهي عن عبادة غير الله مع ذكر الأصنام وإهمال ذكر الأولياء لاعتبرنا القبوريين عبدة أولياء لأن هؤلاء الأولياء هم غير الله، توجه إليهم هؤلاء القبوريون بنفس العبادة التي يتوجه بها المشركون إلى أصنامهم (الدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء) وهذا على فرض أن المشركين الأولين لم يعبدوا إلا أصنامًا وأوثانًا من الحجر والنحاس والذهب وغير ذلك من الجمادات.
ولكن الثابت أن أولئك المشركين كانوا يعبدون الأولياء والصالحين لذاتهم، ويعبدون الأصنام والأوثان والتماثيل لا لذاتها وإنما تبعًا لعبادة معبوديهم الحقيقيين من الأولياء والصالحين الذين أقيمت بأسمائهم هذه الأصنام والأوثان والتماثيل، كما بينته لك فيما مضى بالأدلة القطعية.
لهذا يصفهم الله سبحانه وتعالى مرة بأنهم عباد أصنام، ومرة عباد أولياء، فهم عباد أصنام بالسعي إليها والطواف حولها والعكوف عليها وتقديم القرابين لها، وهم أيضًا عباد أولياء بدعائهم لأصحاب هذه الأصنام وطلب حوائجهم منهم والاعتماد عليهم شفعاء ووسطاء عند الله دون أن يأذن لهم بذلك.
وهكذا القبوريون اليوم، يقبلون أستار الضريح ويطوفون حوله، ويزينونه ويبنون القباب عليه ويقربون له النذور، فهم بهذا عباد قبور صراحة وعباد أولياء ضمنًا.
ثم هم في طوافهم حول ضريح يدعون صاحبه الميت، ويستغيثون به ويستنجدون، ويطلبون المدد، فهم بهذا عباد أولياء صراحة، وعباد قبور ضمنًا.
فإن سميتهم عباد قبور فأنت صادق، باعتبار ما يصنعونه للقبور، وإن سميتهم عباد أولياء فأنت صادق باعتبار ما يعبدون به أولياءهم من دعاء ونذر وحلف وخوف ورجاء، وهم، هم في الحالين بشركهم الأكبر، وإن سميتهم عباد أوهام وشهوات فأنت صادق، فعابد القبر إنما فتنه هواه فأضله فعبده، وعابد القبر إنما يصور في الضريح ويصنع له ما تنزو به شهواته([47]).
واسمع ما قاله الأستاذ عبد الرحمن الوكيل في كتابه (دعوة الحق ص62):
التعبير بمن وبما عن آلهة المشركين وتحقيق ذلك:
وهذا هو سر التعبير أحيانًا (بمن) في موضع والتعبير (بما) في موضع في القصة الواحدة في القرآن، أو سر التعبير بما له دلالة على ما يعقل وبما له دلالة على ما لا يعقل في الموضع الواحد، وضع هذا مكان ذاك في القصة الواحدة.
فإذا عبر بـ(ـما) الدالة على ما لا يعقل فالمقصود بما أقيم بأسماء الأولياء من أصنام وتماثيل([48]) وكلا التعبيرين لا يختلف أحدهما عن صاحبه إلا بالاعتبار أو كلاهما يعبر عن ذلك (الغير) الذي عبد من دون الله).
فتختص (من) بذاته، وتختص (ما) بالصنم أو القبر الذي أقيم باسمه ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾([49]) وفي الآية التي قبل هذه الآية من السورة نفسها وهي الأحقاف ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ﴾([50]) فعبر عن شيء واحد بـ «من» و «ما».
فلا يخدعك عباد القبور عن الحق بإلباسه بالباطل، حين يزعمون أن شرك الجاهلية كان سببه دعاء الأصنام، ولذلك يعبر الله عنها بـ (ما) الدالة على ما لا يعقل، أما نحن فندعوا أولياء.
وأنت قد عرفت من القرآن سر التعبير بـ (من وما) ورأيته يعبر بهما في الموضع الواحد، ويضع إحداهما مكان الأخرى كما بينت لك من قبل ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾([51]).
قال إبراهيم «هل يسمعونكم» بعد أن قالوا «نعبد أصنامًا فنظل لها عاكفين» لتفهم بأنه يقصد بقوله من أقيمت لهم هذه الأصنام، وإلا لقال لهم هل تسمعكم، ثم ذكر ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾، وبعدها ذكر ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ مما يشعرك أن إبراهيم يقصد الأصنام ومن أقيمت بأسمائهم الأصنام، وإلا لقال (فإنها) عدو لي ولم يقل (فإنهم) لأن (هم) ضمير العقلاء.
وهكذا يعبر في الآيات التي تتناول قصة واحدة عن معبودي المشركين بما له من الألفاظ الدالة على العقلاء، وبما له دلالة على غير ذلك لما سبق بيانه من أن المشرك يعبد بعبادة الولي الواحد آلهة متعددة، منها: آلهة الصنم أو القبر الذي أقامة باسم الولي، أو الستر فوق عبادته لإلهه الولي.
ومما سبق ذكره من بيان الأسباب التي وصفهم الله من أجلها بأنهم عباد آلهة، ومتخذو شركاء، وعباد أصنام وأوثان وتماثيل – تؤمن أن ذلك كله ناتج عن عبادة الولي وأن الفتنة بالصالحين هي سبب الشرك.
فإذا ما رأيت اختلافًا في التعبير عما يعبده المشركون فذلك لاختلاف الاعتبارات، وإلا فالشيء المعبر عنه واحد، أما الاعتبارات التي اختلفت من أجلها التسمية لهؤلاء المعبودين من دون الله فإليك ما قاله الأستاذ عبد الرحمن الوكيل في كتابه (دعوة الحق) أيضًا:
فمعبودهم يوصف بأنه (ولي) باعتبار موالاتهم له بالدعاء وغيره، وهذا هو الوصف الأصيل، ويوصف بأنه (شريك) باعتبار أنهم أشركوه في العبادة مع الله، وبأنه (إله) باعتبار أنهم ألهوه بكل معاني التأليه، من عبادة وفزع إليه، واستغاثة به، ويوصف بأنه (وثن) أو (صنم) أو (تمثال) باعتبار المُشاهد الملموس، أو باعتبار ما أقيم باسم الولي المعبود، ويوصف بأنه (طاغوت)، باعتبار أنه أضلهم وأضلوا هم به، وبأنه (الشيطان) باعتبار أنه مصدر الإغراء بعبادة هذا المعبود ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾([52]) وصفها بالإناث وبالشيطان في آية واحدة.
وقال الخليل - عليه السلام - لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾([53])، ويوصف بأنه (ظن) باعتبار ما ظنوه فيه من نفع وضر، وبأنه (هوى) باعتبار أنهم انقادوا لأهوائهم فيه ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ﴾([54]) ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾([55]) ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾([56]).
وتوصف معبوداتهم بأنها (أسماء) لا وجود لمسمياتها، باعتبار الحقيقة حيث سموهم أولياء، والله هو الولي، و (شفعاء) والله هو الذي يملك وحده الشفاعة ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾([57]).
فلا يفتنك المشركون بكثرة الأوصاف فإنها لموصوف واحد هو غير معبود من دون الله، ولا باختلاف التعابير فالحقيقة المعبر عنها واحدة ولا يعتذر اليوم للمشركين معتذر بخرافة أن الجاهلية أشركت بعبادة الأصنام وتسميتها بالآلهة، أما هؤلاء فإنما يدعون أولياء، فقد وضح الحق من القرآن مشرقًا يبدد كل ما يطغى به الباطل من ظلمات.
([1]) الذاريات: آية 56.
([2]) العنكبوت 61.
([3]) العنكبوت 63.
([4]) المؤمنون الآيات 84-89.
([5]) يونس 31.
([6]) العنكبوت 65.
([7]) الإسراء 67.
([8]) الأنعام 63، 64.
([9]) الأحقاف 5.
([10]) النمل 80.
([11]) فاطر 22. هذه قاعدة كونية عامة ثابتة لا تتغير وهي أن الميت (أي الميت) لا يسمع إلا من جاء في حقه دليل خاص وفي حالات خاصة، فهذا خصوص يبقى معه العموم على حاله، فمن أين – إذًا – الدليل لهؤلاء القبوريين على أن أولياءهم من الموتى يسمعونهم، فهل جاء في القرآن أن الشيخ فلان أو السيد علان قد خصه الله من بين الميتين أنه يسمع من يناديه من كان وفي أي مكان كان؟ وإذا فرضنا – جدلاً – أنهم يسمعونهم فهل رخص الله لهم في أن يدعوهم ويستغيثوا بهم من دونه؟ وهل أخبرهم أنهم مخولون بإجابة دعائهم والعمل على إنقاذهم عند الاستغاثة؟؟ سيبقى هذا السؤال دون أن نجد له جوابًا مقنعًا عند هؤلاء القبوريين إلى يوم يبعثون.
([12]) الجاثية 24.
([13]) يوسف 106.
([14]) الزمر 3.
([15]) الزمر 3.
([16]) يونس 18.
([17]) يونس 18.
([18]) السجدة 4.
([19]) البقرة 255.
([20]) الحج 73، 74.
([21]) يونس 18.
([22]) الإسراء 56، 57.
([23]) فاطر 13، 14.
([24]) الرعد 14.
([25]) الزمر 3.
([26]) بتتبع الكتاب لم نجد بقية الوجوه فلعلها وردت في الكلام ضمنًا (الناشر).
([27]) يونس: 62.
([28]) الأعراف 194.
([29]) العنكبوت 41.
([30]) الزمر 3.
([31]) الرعد 16.
([32]) الكهف 102.
([33]) الشورى 9.
([34]) الأنعام 14.
([35]) اتضح من سير نقاشنا فيما مضى أن عبادة غير الله التي نعاها الله على المشركين إنما هي الدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء المتوجه به إلى غيره من الأصنام والأوثان المقامة بأسماء الأولياء والصالحين.
([36]) انظر الملل والنحل للشهرستاني 3/251-252 على هامش الفصل لابن حزم.
([37]) الزمر 3.
([38]) الحج 30.
([39]) العنكبوت 17.
([40]) العنكبوت 25.
([41]) الأعراف 138.
([42]) إبراهيم 35.
([43]) الأنعام 74.
([44]) الشعراء.
([45]) الأنبياء 57.
([46]) الأنبياء 51، 52.
([47]) دعوة الحق ص62 للأستاذ عبد الرحمن الوكيل.
([48]) دعوة الحق ص62 للأستاذ عبد الرحمن الوكيل.
([49]) الأحقاف 5.
([50]) الأحقاف 4.
([51]) الشعراء 69-77.
([52]) النساء 117.
([53]) مريم 42.
([54]) يونس 66.
([55]) النجم 23.
([56]) الجاثية 23.
([57]) يوسف 40.