الوصف المفصل
- تذكير
البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر
- مقدمة
- التحذير من السحر والشعوذة
- حكم السحر والكهانة وما يتعلق بهما([12])
- حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم([29])
- باب ما جاء في السحر([39]) أي من الوعيد فيه والتحذير منه
- باب بيان شيء من أنواع السحر
- باب ما جاء في الكهَّان ونحوهم
- باب ما جاء في النُّشرة (علاج السحر)
- تفسير قوله تعالىى وهو شَرِّ النَّفَّاثاتِ في الْعُقَدْ{
- فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به([46])
تذكير البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر
جمع وتحقيق الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد..
فقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بتحريم السحر والشعوذة والكهانة، وتحريم إتيان السحرة والكهنة والمشعوذين وسؤالهم وتصديقهم وأن ذلك من نواقض الإسلام ومن أنواع الكفر والشرك ومن السبع المهلكات وكبائر الذنوب المتوعد عليها بالوعيد الشديد.
ونظرًا لخطورة ذلك على عقيدة ودين الفرد والمجتمع ونصحًا لله ولرسوله ولعباده فقد جمعت ما تيسر من هذا الموضوع في هذه الرسالة وسميتها: (تذكير البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر) وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم وقد تضمنت كفر الساحر ووجوب قتله كما تضمنت الدلالة والإرشاد إلى العلاج المباح للسحر بالرقية والأدعية والأدوية المباحة، وتحريم علاج السحر بسحر مثله لأنه من عمل الشيطان وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة وأن يحفظ المسلمين من شر السحر والسحرة والمشعوذين والكفرة والملحدين وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المؤلف في 24/10/1408هـ
في حديث متفق عليه، يقول النبي ﷺ:
«اجتنبوا السبع الموبقات»، فذكر منها الشرك بالله والسحر... الحديث متفق عليه.
أخي المسلم: لا تصدق الساحر فتخسر دينك حفظك الله من كل سوء وعصمك من فتن المحيا والممات اللهم آمين...
التحذير من السحر والشعوذة
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى. أخي المسلم إن نعم الله عليك كثيرة من أعظمها بعد نعمة الإسلام نعمة العقل الذي ميزك الله به عن سائر مخلوقاته ومن كفران هذه النعمة تعطيلها عن التفكر في مخلوقات الله وإشغالها بما لا ينفع من العلوم الضارة كقراءة القصص الماجنة والمجلات الخالعة وكتب الضلال والإلحاد والشيوعية الخبيثة وغير ذلك مما يضر بالعقيدة أو الأخلاق وأعظم من ذلك وأشده تعريض عقلك لأعمال السحرة والمشعوذين الذين يعرضون أعمالهم السحرية في السرك وفي الأندية الرياضية وغير ذلك إذ أنهم يعرضون أعمالاً لا يصدقها العقل السليم المؤمن فمن ذلك الطيران بين السماء والأرض أو سؤال أحد المشعوذين عن ما يحتويه جيب أحد المتفرجين فيوحي شيطان الجن إلى شيطان الإنس أن الجيب يحتوي على مفاتيح ومحفظة نقود وغير ذلك، ومن أعمالهم ركوب الدراجة وهي بين السماء والأرض وجر السيارة أو الدركتر بشعر الرأس وغير ذلك من الأمور السحرية الشيطانية التي يشترك بها شيطان الأنس مع قرينه شيطان الجن.
أخي المسلم في هذه العجالة لا يمكن أن أطيل معك الوصف عن أعمال الشيطنة السحرية التي يعملها المشعوذ والساحر في السرك أو الملهى أو غيره ولكن هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. وأسوق لك أحاديث مروية عن النبي ﷺ فتستنير بها ولتتوب إلى الله إن كنت قد صدَّقت ساحرًا فالتوبة لها باب مفتوح أمام كل مخطئ لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها أو تغرغر الروح في الحلقوم.
أخي المسلم: اقرأ هذه الأحاديث لتنير لك الطريق وتهدى بنورها وفقك الله وعصمك من كل فتنة.
في الحديث متفق عليه يقول النبي ﷺ (اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها الشرك بالله والسحر الحديث).
ويروي الإمام أحمد وابن حبان وأبو يعلى وغيرهم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر) وروى البزار بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإن الله تعالى يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء من مات لا يشرك بالله شيئًا ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة ولم يحقد على أخيه) ويروي مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال: (من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا) وقال ﷺ (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)([1]) والأحاديث كثيرة وفيما تقدم خير لمن ألقى السمع وهو شهيد وفقني الله وإياكم للإيمان الصادق والقلب الثابت والإيمان الكامل والعلم النافع والعمل الصالح }رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ{([2]) واعصمنا اللهم من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
محبكم المخلص
عبد الله بن علي الغضية
· · · ·
قال الإمام الذهبي في الكبائر:
الكبيرة الثالثة
في السحر لأن الساحر لا بد وأن يكفر، قال الله تعالى: }وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ{ [البقرة: آية 102].
وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به. قال الله تعالى مخبرًا عن هاروت وماروت }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ{ أي من نصيب([3]).
فترى خلقًا كثيرًا من الضلال يدخلون في السحر ويظنونه حرامًا فقط وما يشعرون أنه الكفر فيدخلون في تعليم السيمياء([4]) وعملها وهي محض السحر وفي عقد الرجل عن زوجته وهو سحر وفي محبة الرجل للمرأة وبغضها له، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال.
وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله أو مضارع الكفر قال النبي ﷺ (اجتنبوا السبع الموبقات) فذكر منها السحر([5]) والموبقات المهلكات فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة وجاء([6]) عن النبي ﷺ أنه قال: (حد الساحر ضربه بالسيف) والصحيح أنه من قول جندب. وعن بجالة بن عَبَدَةَ([7]) أنه قال: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وعن وهب بن منبه قال: قرأت في بعض الكتب: يقول الله عز وجل لا إله إلا أنا ليس مني من سحر ولا من سحر له ولا من تكهن ولا من تكهن له ولا من تطير ولا من تطير له. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر) رواه الإمام أحمد في مسنده([8]) وعن ابن مسعود([9]).
رضي الله عنه مرفوعًا قال: (الرقى والتمائم والتولة شرك) التمائم جمع تميمة وهي خرزات أو حروز يعلقها الجهال على أنفسهم وأولادهم ودوابهم يزعمون أنها ترد العين وهذا من فعل الجاهلية ومن اعتقد ذلك فقد أشرك، والتولة بكسر التاء وفتح الواو نوع من السحر وهو تحبيب المرأة إلى زوجها وجُعِلَ ذلك من الشرك لاعتقاد الجهال أن ذلك يؤثر بخلاف ما قدر الله تعالى قال الخطابي([10]) رحمه الله وأما إذا كانت الرقية بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة لأن النبي ﷺ كان يرقى الحسن والحسين رضي الله عنهما فيقول (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) وبالله المستعان وعليه التكلان([11]).
· · · ·
حكم السحر والكهانة وما يتعلق بهما([12])
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فنظرًا لكثرة المشعوذين في الآونة الأخيرة ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل – رأيت من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله ﷺ.
فأقول مستعينًا بالله تعالى: يجوز التداوي اتفاقًا، وللمسلم أن يذهب إلى طبيب أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعًا حسبما يعرفه في علم الطب، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرَّمه عليهم.
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجمًا بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال (من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه أبو داود وخرجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي ﷺ بلفظ (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه البزار بإسناد جيد.
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرَّافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم ومنع من يتعاطى شيئًا من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز التأسي بهم لأن الرسول ﷺ قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، بالله وشرك به سبحانه والمصدَّق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعطاها فقد بريء منه رسول الله ﷺ، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجًا كنمنمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم. كما لا يجوز أيضًا لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{([13]).
فدلت هذه الآية الكريمة على أن السحر كفر وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعًا ولا ضرًا وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر. ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين ولَبسَّوا بها على ضعفاء العقول فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل. كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم عند الله من خلاق أي (من حظ ونصيب) وهذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان. ولهذا ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:
}وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{([14]) والشراء هنا بمعنى البيع.
نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرهم وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم. وقد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة منه لهم وإحسانًا منه إليهم وإتمامًا لنعمته عليهم وفيما يلي:
((بيان الأشياء التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعًا))
أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: }اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{([15]) ومن ذلك قراءة }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{([16])، و}قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{([17])، }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{([18]) خلف كل صلاة مكتوبة وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{([19]) إلى آخر السورة.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح)([20]) وصح عنه أيضًا ﷺ أنه قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)([21]) والمعنى والله أعلم كفتاه من كل سوء، ومن ذلك الإكثار من التعوذ بـ (كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النبي ﷺ: (من نزل منزلاً فقال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)) (رواه مسلم وغيره) ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) (رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان والحاكم) لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله ﷺ وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء، وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضًا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس، ومن الأدعية الثابتة عنه ﷺ في علاج الأمراض من السحر وغيره وكان ﷺ يرقي بها أصحابه: (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا) (متفق عليه) يقولها ثلاثًا ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي ﷺ وهي قوله (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك) (رواه مسلم) وليكرر ذلك ثلاث مرات، ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضًا وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ آية الكرسي و}قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{([22]) و}قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{([23]) و}قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{([24]) و}قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{([25]).
وآيات السحر التي في سورة الأعراف وهي قوله سبحانه: }وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ{([26]).
والآيات التي في سورة يونس وهي قوله سبحانه: }وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{([27]).
والآيات التي في سورة طه }قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{([28]).
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله.
ومن علاج السحر أيضًا وهو من أنفع علاجه بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر. هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها، والله ولي التوفيق. وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فلا يجوز لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك وفق الله المسلمين للعافية من كل سوء وحفظ عليهم دينهم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
· · · ·
حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم([29])
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد...
فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزوج والنجاح في الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها كما قال تعالى: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا{([30]) وقال سبحانه: }قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([31]).
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى: }وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{([32])، وقال سبحانه: }إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{([33]) وقال تعالى: }وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([34]).
فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر ومآله في الدنيا والآخرة وأنه لا يأتي بخير وأن ما يتعلمه أو يعلِّمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه كما نبه سبحانه أن عملهم باطل وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق على صحته.
وهذا يدل على عظم جريمة السحر لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ{([35]).
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (حد الساحر ضربه بالسيف) وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل السحرة من الرجال والنساء، وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه أحد أصحاب النبي ﷺ أنه قتل بعض السحرة، وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله ﷺ ناس عن الكهان، فقال ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانًا بشيء فيكون حقًا فقال رسول الله ﷺ: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطوا معا مائة كذبة) رواه البخاري وقال ﷺ فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) رواه أبو داود وإسناده صحيح. وللنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إليه) وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تعالى كما تقدم وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون، من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل. فالكاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيِّبات وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد في الحديث الذي مر ذكره ومثل هؤلاء من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعمًا منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد، لأنهم بهذا الزعم يدَّعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله تعالى: }قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللهُ{([36]) وقوله }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ{([37]) وقوله تعالى لنبيه ﷺ }قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ{([38]).
الآية ومن أتاهم وصدَّقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر، لما رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (من أتى عرَّافا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ)، وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ﷺ عن النبي ﷺ أنه قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال (ليس منا من تطيَّر أو تطير له أو تكهَّن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه البزار بإسناد جيد، وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الحظ وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرَّمها الله ورسوله، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به.
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله ﷺ وحفاظًا على دينه وعقيدته، وحذرًا من غضب الله عليه، وابتعادًا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية من ذلك ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه، كما نسأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
· · · ·
باب ما جاء في السحر([39]) أي من الوعيد فيه والتحذير منه
س: ما وجه إدخال باب السحر في كتاب التوحيد؟
جـ: لأن كثيرًا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك المنافي للتوحيد.
س: كيف دخل السحر في الشرك؟
جـ: دخل فيه من جهتين:
1- من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم.
2- ومن جهة ما فيه من ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
س: عرّف السحر لغة وشرعًا؟
جـ: السحر لغة عبارة عما خفي ولطف سببه.
وشرعًا: عزائم ورقى وعُقَد وأعمال تؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه.
س: اذكر حكم السحر وحدَّ الساحر مع ذكر الدليل؟
جـ: السحر محرم لأنه كفر بالله مناف للإيمان والتوحيد قال تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ{ وحد الساحر القتل والدليل على ذلك:
1- ما روي عن جندب مرفوعًا حد الساحر ضربه بالسيف. رواه الترمذي موقوفًا.
2- ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عمَّاله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. رواه البخاري في صحيحه.
3- ما صح عن حفصة أم المؤمنين أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت([40]).
فصح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي ﷺ وهم عمر وابنته حفصه وجندب. قال تعالى: }وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ{ [سورة البقرة آية (102)].
س: بين مرجع الضمير في (علموا) و(اشتراه) وما هو الخلاق اشرح هذه الآية واذكر ما يستفاد منها؟
جـ: مرجع الضمير في (علموا) إلى اليهود وفي اشتراه إلى السحر أي اختاره واستبدله بكتاب الله والخلاق: النصيب.
يقول تعالى: ولقد علم اليهود الَّذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول ﷺ أن الساحر لا نصيب له في الآخرة وتفيد الآية تحريم السحر ووعيد الساحر.
قال تعالى: }يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ{ [سورة النساء آية (51) ].
س: ما المراد بالجبت والطاغوت؟
جـ: قال عمر بن الخطاب الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.
وقال جابر الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
س: ما معنى قول جابر هذا وما هو الحي؟
جـ: أراد أن الكهان من الطواغيب تنزل عليهم الشياطين فيخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع. وقوله: (في كل حي واحد) الحي واحد الأحياء وهي القبائل أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هُنَّ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق عليه.
س: ما معنى اجتنبوا وما هي الموبقات ولماذا سميت بهذا الاسم؟
جـ: اجتنبوا ابتعدوا والموبقات المهلكات وسميت موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب.
س: عرّف الشرك بالله ولماذا بدأ به واذكر الشاهد من الحديث للباب؟
جـ: الشرك بالله نوعان:
1- شرك أكبر وهو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء والخوف والذبح والنذر.
2- وشرك أصغر وهو كل وسيلة تؤدي إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة كالرياء والحلف بغير الله، وبدأ بالشرك لأنه أعظم الذنوب.
والشاهد من الحديث للباب قوله (والسحر) وتقدم تعريفه وحكمه.
س: ما المقصود بقتل النفس التي حرَّم الله؟ وما هو الحق الذي يبيح قتل النفس؟
جـ: المقصود بالنفس التي حرَّم الله قتلها: هي نفس المسلم المعصوم والمعاهد. والحق الذي يبيح قتل النفس هو أن تعمل ما يوجب قتلها مثل الشرك والردة بعد الإسلام والنفس بالنفس (القصاص) والزنا بعد الإحصان (الزواج).
س: عرّف الربا وما المقصود بأكله؟
جـ: الربا لغة الزيادة، وشرعًا زيادة في أشياء مخصوصة والمقصود بأكله تناوله على أي وجه كان.
س: ما المراد بأكل مال اليتيم ولماذا عبر بالأكل؟
جـ¨المراد بأكل مال اليتيم التعدي فيه ظلمًا وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع واليتيم الذي مات أبوه وهو صغير لم يَبْلُغ.
س: ما معنى التولي يوم الزحف؟ ومتى يكون كبيرة؟
جـ: معنى التولي يوم الزحف الإدبار والفرار عن الكفار وقت التحام القتال وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كما في الآية الكريمة }وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [سورة الأنفال آية (16) ].
س: ما المقصود بالمحصنات الغافلات المؤمنات؟ وما معنى قذفهن وعن أي شيء احترز بقوله المؤمنات؟
جـ: المحصنات بفتح الصاد النساء المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن منه وهن الحرائر العفيفات. ومعنى قذفهن رميهن بزنا أو لواط وهن الغافلات عن الفواحش وعن ما رمين به البريئات من ذلك المؤمنات بالله تعالى. واحترز بالمؤمنات عن الكافرات فإن قذفهن ليس من الكبائر.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم السحر والوعيد الشديد عليه وأنه من الكبائر.
2- وعيد الساحر وأنه يكفر ويقتل.
3- الوعيد الشديد على الشرك بأنواعه فإنه أكبر الكبائر.
4- تحريم قتل النفس وأنه من الكبائر وبيان الحق الذي يبيح قتلها.
5- تحريم أكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي عن الكفار وقت القتال وقذف المحصنات وأنها من الكبائر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب بيان شيء من أنواع السحر
س: ما صلة هذا الباب بالذي قبله؟
جـ: هي أنه لما ذكر المؤلف حكم السحر ذكر شيئًا من أنواعه. روى أحمد أن النبي ﷺ قال: (إن العيافة والطَّرْقُ والطيرة من الجبت).
س: اشرح الكلمات المذكورة في الحديث؟
جـ: العيافة: زجر الطير وتنفيرها وإرسالها، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها.
والطرق: الخط يخط في الأرض، وقيل هو الضرب بالحصى.
والطيرة: هي التشاؤم بمرئي أو مسموع.
والجبت: تقدم تعريفه وهو السحر، وقيل رنة الشيطان أي صوته كما قال الحسن.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) رواه أبو داود وإسناده صحيح.
س: ما معنى اقتبس، وما هي الشعبة؟ وما معنى قوله زاد ما زاد؟
جـ: معنى اقتبس أخذ وحصل وتعلم، شعبة من النجوم طائفة وجزء من علم النجوم، ومعنى قوله زاد ما زاد أي كل ما زاد من تعلم علم النجوم زاد في الإثم الحاصل بزيادة الاقتباس من شعبه.
س: ما حكم تعلم علم النجوم؟
جـ: هو على قسمين جائز ومحرم، فالجائز ما يدرك بطريق المشاهدة كالاستدلال بالشمس والقمر والنجوم على أوقات الصلاة وجهة القبلة ونحو ذلك.
والمحرم ما يَدَّعيه أهل التنجيم من معرفة الحوادث التي لم تقع كمجيء الأمطار، ووقت هبوب الرياح، وتغير الأسعار وغير ذلك مما استأثر الله بعلمه ولا يعلمه أحد غيره.
وللنسائي من حديث أبي هريرة (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إليه).
س: ما المقصود بالعقدة؟ وما هو النفث؟ وما الذي يؤخذ من قوله (و من سحر فقد أشرك)؟ وما معنى قوله (من تعلق شيئًا وكل إليه)؟
جـ: العقدة جمعها عقد وهي ما يعقده الساحر، وبيان ذلك أن السحرة إذا أرادوا السحر عقدوا الخيوط ونفثوا فيها على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدون من السحر، والنفث هو النفخ مع ريق وهو دون التفل.
ويؤخذ من قوله (ومن سحر فقد أشرك) أن الساحر مشرك ومعنى قوله (من تعلق شيئًا وكل إليه) أي من تعلق قلبه بشىء بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشىء.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (ألا هل أنبئكم ما العَضْة هي النميمة القالة بين الناس) رواه مسلم.
س: ما معنى ألا هل أنبئكم؟ وما المقصود بالعَضْة وما هي النميمة وبين حكمها؟ وما وجه ذكرها في أنواع السحر؟ وما معنى القالة بين الناس؟
جـ: ألا أداة تنبيه وهل أداة استفهام وأنبئكم: أخبركم، والعَضْه في الأصل: البهت والمراد بها هنا النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم وهي من الكبائر. ووجه ذكرها في أنواع السحر أن النمام يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة فأشبهت السحر لمشاركتها له في التفريق بين الناس. والقالة بين الناس هي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يحكى لبعضهم عن بعض.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (إن من البيان لسحرًا) متفق عليه.
س: ما هو البيان واذكر أنواعه؟ ولماذا شبه بالسحر؟
جـ: البيان اجتماع الفصاحة وذكاء القلب مع اللسان وإنما شُبِّه بالسحر لشدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له.
والبيان على نوعين مذموم وممدوح. فالمذموم هو الذي يجعل الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق يستميل صاحبه قلوب الجهال حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق وهذا هو المقصود في الحديث. والممدوح هو الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويبينه.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم تعلم علم النجوم لمن يدعى به معرفة علم الغيب وأن ذلك من السحر.
2- أن الساحر مشرك لأنه لا يتأتى السحر إلا بالشرك.
3- أن عقد الخيوط والنفث فيها من السحر.
4- أن النميمة من السحر.
5- أن بعض الفصاحة من السحر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب ما جاء في الكهَّان ونحوهم
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الكهانة لا تخلو من الشرك المنافي للتوحيد.
س: كيف دخلت الكهانة في الشرك؟
جـ: دخلت فيه من جهتين:
1- من جهة دعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به.
2- ومن جهة التقرب إلى غير الله كاستخدام الشياطين والاستعانة بهم.
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدَّقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا).
وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه أبو داود. وللأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن (أبي هريرة) (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ).
س: ما المراد بالمنزل على محمد ﷺ؟
جـ: الكتاب والسنة.
س: ما هو الجمع بين قوله ﷺ من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وبين قوله فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ ثم اذكر ما يستفاد من الأحاديث السابقة؟
جـ: الجمع بينهما أن الوعيد على عدم قبول الصلاة محمول على مجرد مجيء العرَّاف وسؤاله لأن في بعض روايات الصحيح لم يذكر فيها لفظ (فصَّدقه) والوعيد بالكفر محمول على مجيئه وتصديقه.
ما يستفاد من الأحاديث:
1- كفر الكاهن والعرَّاف ونحوهما لأنهم يدعون علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
2- تحريم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد الشديد على ذلك.
3- كفر من يأتيهم ويصدقهم.
4- أنه لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن.
وعن عمران بن حصين مرفوعًا (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه البزار بسند جيد.
س: وضح معاني الكلمات المذكورة في الحديث؟
جـ: قوله ﷺ (ليس منا) وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر (من تطيَّر) فعل الطيرة (أو تطير له) أمر من يتطير له وقَبِلَ قول المتطير وتابعه، (أو تكهن) فعل الكهانة، (أو تكهن له) أتى الكاهن وسأله فصدقه، (سحر) عمل السحر، (سحر له) قبل قول الساحر وصدَّقه وتابعه. فكل من تلقى هذه الأمور عمن فعلها فقد بريء منه رسول الله ﷺ.
س: اذكر الفرق بين العراف والكاهن والمُنجَّم والرمَّال؟
جـ: هذه الأسماء لمن يدعي معرفة شيء من علم الغيب لكن طرقهم مختلفة:
فالعراف: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك وقيل هو الكاهن.
والكاهن: هو الذي يأخذ عن مسترق السمع ويخبر عن المغيبات في المستقبل وقيل هو الذي يخبر عما في الضمير.
والمُنجَّم: هو الذي يستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية.
والرمَّال: هو الذي يدَّعي معرفة المغيبات بطريق الضرب بالحصى والخط في الرمل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية العرَّاف اسم للكاهن والمُنَجَّم والرمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
قال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق. رواه الطبراني وإسناده ضعيف.
س: ما المقصود بتعلم (أبا جاد) وما حكم تعلمه وما هو الخلاق، وما معنى قول ابن عباس هذا؟
جـ: المقصود به معرفة حساب الجمل فيقطعون حروف أبجد هوز، حطي، كِلمَنْ.. إلخ فيجعلون الألف عن واحد والباء عن اثنين، والجيم عن ثلاثة والدال عن أربعة إلى نهاية الحرف العاشر ثم يبدءون بالكاف من (كَلِمَنْ) فيجعلونها عن عشرين واللام عن ثلاثين وهكذا إلى أن تتم حروف هذه الكلمات.
وتعلمها على نوعين حرام وجائز، فالحرام لمن يدَّعي بتعلمها معرفة علم الغيب. والجائز لمن يتعلمها للهجاء وحساب الجمل، والخلاق: النصيب.
ويقول ابن عباس ما أعلم أو ما أظن أن من يكتب هذه الحروف ويتعلمها وينظر في النجوم ويعتقد أن لها تأثيرًا في الكون ما أظن أن له عند الله نصيبًا في الآخرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب ما جاء في النُّشرة (علاج السحر)
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن بعض أنواع النشرة من السحر وهو لا يحصل غالبًا إلا بالشرك المنافي للتوحيد.
س:عرف النشرة لغة وشرعًا، ولماذا سميت بهذا الاسم؟
جـ: النشرة لغة: الكشف والإزالة. وشرعًا: حل السحر عن المسحور بنوع من العلاج والرقية، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يكشف ويزال.
س: اذكر ما قيل في النشرة وكيف تجمع بين هذه الأقوال؟ وبين أنواع النشرة وحكم كل نوع؟
جـ: 1- عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله ﷺ سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان) رواه أحمد بسند جيد وأبو داود.
وقال سئل أحمد عنها فقال ابن مسعود يكره هذه كله. أي يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان.
2- سعيد بن المسيب يقول لا بأس بها إنما يريدون بها الإصلاح رواه البخاري عن قتادة.
3- وروي عن الحسن البصري أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر([41]).
والجمع بين هذه الأقوال أن النشرة (حل السحر عن المسحور) نوعان:
1- حل بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن وهذا النوع محرم.
2- النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فمثل هذا جائز وعليه يحمل قول سعيد بن المسيب.
وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب رجل به طِب أو يُؤخذ عن امرأته أيُحَلّ عنه أو يُنشَّر قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه. اهـ.
س: ما المقصود بالطب هنا؟ وما معنى يُؤخذ عن امرأته وما المراد بقوله (أيُحَلُّ عنه أو يُنَشَّر) فقال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح؟
جـ: المقصود بالطب هنا السحر. ومعنى يؤخذ عن امرأته يحبس عنها فلا يصل إلى جماعها. والمراد بقوله أيُحل عنه أي ينقض عنه السحر. أو يُنَشَّر أي يكشف ويزال عنه.
فقال: لا بأس به يعني أن النشرة لا بأس بها لأنهم يريدون بها الإصلاح وهو إزالة السحر ولم ينه عما يراد به الإصلاح وهذا محمول على النشرة الخالية من السحر كما تقدم والله أعلم.
تفسير قوله تعالىى وهو شَرِّ النَّفَّاثاتِ في الْعُقَدْ{
قوله تعالى: }وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{.
قال مجاهد وعكرمة: يعني السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العُقَد، وفي الحديث: أن جبريل جاء إلى النبي ﷺ فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال: (نعم) فقال: باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك([42]) ولعل هذا كان من شكواه ﷺ حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحسَّاد من اليهود في رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم.
روى البخاري في كتاب الطب من صحيحه، عن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال: (يا عائشة أعلمِت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلَّي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال (لبيد بن أعصم) رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقًا، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وأين؟ قل: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: (هذه البئر التي أُريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين)، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشَّرت؟ فقال: (أَمَّا الله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا)([43]) وروى الثعلبي في تفسيره، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله ﷺ، فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي ﷺ وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له (ابن أعصم) ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال له ذروان، فمرض رسول الله ﷺ وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب، ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طُبَّ، قال: وما طُبْ؟ قال: سُحِرْ،قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جُفِّ طَلْعِة ذكر تحت راعوفةٍ في بئر ذروان، (و الجُفُّ) قشر الطلع، (والراعوفة) حجر في أسفل البئر ناتيء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله ﷺ: مذعورًا، وقال: (يا عائشة أما شعرتِ أن الله أخبرني بدائي) ثم بعث رسول الله ﷺ عليًا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين، (الفلق والناس) فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله ﷺ خِفّة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله ﷺ: (أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرًا)([44])، ([45])
· · · ·
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به([46])
قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا لا يجوز هذا عليه، وظنوه نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يعتريه ﷺ من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسُّم لا فرق بينهما، وقد ثبت في (الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: سُحِرَ رسول الله ﷺ حتى إن كان ليُخَيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر([47]).
قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل يجوز عليه ﷺ، كأنواع الأمراض مما لا ينكر، ولا يقدح في بنوَّته، وأما كونه يُخَيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، وليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها، ولا فُضِّلَ من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها مالا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان.
والمقصود: ذكر هديه في علاج هذا المرض، وقد روي عنه فيه نوعان:
أحدهما – وهو أبلغهما – استخراجه وإبطاله، كما صح عنه ﷺ أنه سأل ربه سبحانه في ذلك، فَدُلَّ عليه، فاستخرجه من بئر، فكان في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر([48])، فلما استخرجه ذهب ما به، حتى كأنما أنشط من عقال([49]) فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب، وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ.
والنوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيرًا في الطبيعة، وهيجان أخلاطها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو، نفع جدًا.
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب (غريب الحديث) له بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن النبي ﷺ احتجم على رأسه بقرن حين طُبَّ([50]) قال أبو عبيد: معنى طُبَّ: أي سحر.
وقد أشكل هذا على من قل علمه، وقال: ما للحجامة والسحر، وما الرَّابطة بين هذا الداء وهذا الدواء، ولو وجد هذا القائل أبقراط، أو ابن سينا، أو غيرهما قد نص على هذا العلاج، لتلقاه بالقبول والتسليم وقال: قد نصَّ عليه من لا يُشَكُّ في معرفته وفضله.
فاعلم أن مادة السحر الذي أصيب به ﷺ انتهت إلى رأسه إلى إحدى قواه التي فيه بحيث كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدَّم منه، فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية.
والسحر: هو مُركَّب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القوى الطبيعية عنها، وهو أشد ما يكون من السحر، ولا سيما في الموضع الذي انتهى السحر إليه، واستعمال الحجامة على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة إذا استعملت على القانون الذي ينبغي.
قال أبقراط: الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأشياء التي تصلح لاستفراغها.
وقالت طائفة من الناس: إن رسول الله ﷺ لما أصيب بهذا الداء، وكان يُخيلَّ إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، ظن أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى جهة الدماغ، وغلبت على البطن المقدم منه، فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له، وكان استعمال الحجامة إذ ذاك من أبلغ الأدوية، وأنفع المعالجة، فاحتجم، وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن ذلك من السحر، فلما جاءه الوحي من الله تعالى، وأخبره أنه قد سحر، عدل إلى العلاج الحقيقى وهو استخراج السحر وإبطاله، فسأل الله سبحانه، فدله على مكانه، فاستخرجه، فقام كأنما أنشط من عقال، وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، وظاهر جوارحه، لا على عقله وقلبه، ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان النساء بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض، والله أعلم.
فصل
ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد، كانت أبلغ في النشرة([51])، وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر، قهره، وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئًا من محبة الله مغمورًا بذكره، وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه.
وعند السحرة: أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء، والصبيان، والجهال، وأهل البوادي، ومن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية.
وبالجملة: فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السلفيات، قالوا: والمسحور هو الذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقًا بشيء كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات، والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسلطها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوة الإلهية، وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها، فتجدها فارغة لا عدة معها، وفيها ميل إلى ما يناسبها، فتتسلط عليها، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره، والله أعلم.
([1]) رواه أهل السنن الأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما.
([2]) سورة آل عمران: آية 8.
([3]) سورة البقرة آية 102.
([4]) في بعض النسخ (الكيمياء) بالكاف والمراد بها كيمياء السحرة التي غرضها الوصول إلى (أكسير الحياة) الذي يحول الشيخوخة والهرم بزعمهم شبابًا وكذلك (حجر الفلاسفة) الذي يحول الناس في زعمهم ذهبًا. أما الكيمياء الصناعية التي هي معرفة خواص الأجسام تحليلاً وتركيبًا فليست مرادة بهذا الذم.
([5]) رواه البخاري ومسلم.
([6]) رواه الترمذي وقال الصحيح أنه من قول جندب اهـ زواجر.
([7]) رواه البخاري.
([8]) وابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والحاكم وصححه قاله المنذري في الترهيب من شرب الخمر.
([9]) رواه أحمد وأبو داود قاله المصنف في رسالته الصغرى وابن حبان والحاكم وصححاه أفاده المنذري في ترغيبه.
([10]) هو الإمام حمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطابي صاحب التصانيف المعتمدة كشرح سنن أبي داود وغيره توفى سنة 388هـ ببلدة بست.
([11]) كتاب الكبائر للإمام الذهبي ص 15 – 17.
([12]) لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
([13]) سورة البقرة آية 102.
([14]) سورة البقرة الآية 102.
([15]) سورة البقرة الآية: 255.
([16]) سورة الإخلاص الآية: 1.
([17]) سورة الفلق الآية: 1.
([18]) سورة الناس الآية: 1.
([19]) سورة البقرة الآية: 285.
([20]) رواه البخاري في صحيحه.
([21]) رواه البخاري ومسلم.
([22]) سورة الكافرون الآية 1.
([23]) سورة الإخلاص الآية 1.
([24]) سورة الفلق الآية 1.
([25]) سورة الناس الآية 1.
([26]) سورة الأعراف الآيات 117 – 119.
([27]) سورة يونس الآيات 79 – 82.
([28]) سورة طه الآيات 65 – 69.
([29]) نشرت في مجلة البحوث الإسلامية العدد 20 وهي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
([30]) سورة الجن الآيتان: 26 – 27.
([31]) سورة النمل الآية: 65.
([32]) سورة البقرة الآية 102.
([33]) سورة طه الآية 69.
([34]) سورة الأعراف الآيتان 117 – 118.
([35]) سورة البقرة من الآية 102.
([36]) سورة النمل الآية 65.
([37]) سورة الأنعام من الآية 59.
([38]) سورة الأنعام من الآية 50.
([39]) من كتاب الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد للمؤلف ص 105 – 119.
([40]) رواه مالك في الموطأ.
([41]) ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد.
([42]) رواه مسلم
([43]) ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد.
([44]) قال ابن كثير: هكذا أورده الثعلبي بدون إسناد وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم.
([45]) من تفسير ابن كثير 4/573 – 574.
([46]) من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم) بتحقيق الأرنؤوط 4/124 – 127.
([47]) أخرجه البخاري 10/199 في الطب: باب هل يستخرد السحر، ومسلم (2189) في السلام: باب السحر.
([48]) هو من تمام حديث عائشة المتقدم، والمشط معروف، والمشاطة: هي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه، والجف: وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بقوله (طلعة ذكر).
([49]) انظر (الفتح) 10/200.
([50]) لا يصح.
([51]) النُشرة – بالضم – ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسًا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشّر بها عنه ما ضاره من الداء، أي: يكشف ويزال.