الوصف المفصل
بيان الشرك ووسائله عند علماء المالكية
محمد بن عبد الرحمن الخميس
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسله.
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [سورة آل عمران الآية 102].
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ [سورة النساء الآية 1].
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [سورة الأحزاب الآيتان 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فمنذ أن أشرقت أنوار الحق ببعثة النبي ﷺ، وأذن الله تعالى باكتمال الدين الحق، ساء ذلك أعداء الله على اختلاف نحلهم، فاليهود الذين كانوا يرقبون بعثته ﷺ، كفروا به وأنكروا نبوته وناوؤه، والفرس والروم رأوا في دعوته تهديدًا لسلطانهم الظالم، فناصبوه العداء، ومن بعد ذلك جحافل التتر الجرارة التي اكتسحت رقعة واسعة من بلاد الإسلام، ثم الحملات المتكررة للصليبيين الحاقدين على بلاد الإسلام، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا بصور متنوعة، كل هؤلاء وغيرهم حاربوا دين الله عز وجل وما زالوا، وقد لجأوا إلى أساليب خبيثة في ذلك الصراع منها تظاهر بعضهم بالدخول في الإسلام حتى يكيد له من داخله، وهؤلاء شر الأصناف وضررهم أعظم الأضرار،ومن هؤلاء الذين زينوا لجهال هذه الأمة الشرك من جديد في ثوب التعظيم للمقبورين من الصالحين، كما هو واقع مشهور عند كثير من المنتسبين للتصوف، وعباد القبور من الجهال الموجودين في معظم أقطار الإسلام، فهؤلاء قد بدلوا دين الله تعالى، وأحيوا ميتًا من الشرك، وبعثوه من جديد ينخر في جسد الأمة مبعدًا لها عن دين الله عز وجل، وقد حسنوا ذلك للعوام بوسائل متعددة كبناء القباب على القبور وتزويقها، وإيقاد السرج وغير ذلك، وجعلوا لها سدنة هم في حقيقة أمرهم كهنة للأوثان، يغرون الناس بدعائها وطلب الحوائج منها، واخترعوا الحكايات العجيبة التي تبين قدرتهم المزعومة، وإمكاناتهم الخارقة، فأغروا الناس بذلك، وألفوا لهم الكتب ودبجوا لهم القصائد، ووضعوا لهم أحاديث مختلفة، كل ذلك لإغرائهم وتزيين الكفر لهم قبحهم الله تعالى.
ثم إن هذا الداء قد استشرى وعم معظم أقصار الإسلام إلا ما ندر، ولم ينج ذلك القليل إلا بفضل الله تعالى، ثم بجهود الصالحين من العلماء العاملين وغيرهم ممن حفظ الله بهم الدين، وأتم بهم المنة، غير أن عامة البلدان قد فتك بها هذا الداء الوبيل فتكًا ذريعًا حتى أفضى الأمر بالكثيرين منهم إلى الوقوع في الشرك الصريح الناقل عن الملة، فطلبوا الحوائج من غير الله، ولجأوا إليه في جلب النفع، ودفع الضر،وتجاوز الأمر ذلك حتى بلغ ببعضهم إلى درجة تعظيم شجرة أو حجر، وعادوا كما كان أهل الجاهلية الأولى،وشدت الرحال إلى الأضرحة، واكتظت خزائنها بالأموال،وكثر عندها الاختلاط، وضجوا بالصريح يستغيثون بالمقبورين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم إن بعض مدعي العلم قد زين لهم مثل هذه الشركيات وحسنها لهم وشجعهم عليها مما شجع العامة على الوقوع فيها انخداعًا بأدعياء العلم هؤلاء، حتى لقد انقسم المنتسبون إلى العلم بإزاء تلك الشركيات ثلاثة أقسام:
الأول: مؤيد لتلك الشريكات مشجع عليها، داع إليها،مؤلف في نصرة مذهبه لذلك: ولا سيما إن كانت لهم منافع مادية من وراء ذلك.
الثاني:عالم بضلال هؤلاء ، وبطلان ما هم عليه، لكنه كاتم للحق جبنًا، أو رغبة أو رهبة أو غير ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الثالث: عالم بالحق، صادع به، قائم في محاربة هذه البدع الشركية والخرافات العقدية يدعو الناس إلى التوحيد الصافي، وإلى ما كان عليه رسول الله ﷺ، وأصحابه وتابعوهم، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يرجو إلا وجه الله عز وجل.
وهم قلة رغم اختلاف مذاهبهم في الفروع حتى ظهر من كل المذاهب الأربعة من نصر الدين وحذر من الشرك ودعا الناس إلى التوحيد.
وقد قدمنا طرفًا من كتاب مستقل، يوضح طرفًا من جهود بعض علماء الحنفية في التحذير من الشرك ووسائله، وها نحن نقدم اليوم بعضًا من جهود علماء المالكية في هذا المضمار، ثم نتبعه إن شاء الله تعالى ببيان جهود علماء الشافعية حسبما ييسر الله - تعالى - ما كان في الوسع المزيد.
المالكية هم المنتسبون في الفروع إلى إمام المدينة مالك بن أنس رحمه الله.
وهو:مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني الحميري، إمام دار الهجرة، أحد رؤساء المتقين وكبير المثبتين ([1])، وأحد الأئمة الأربعة المتبوعين المشهورين، مولده ونشأته ووفاته بالمدينة النبوية، وكان رحمه الله صلب الدين، متباعدًا عن الولاة والسلاطين،صداعًا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، وكان جامعًا بين الفقه العميق والنظر الثاقب والدراية التامة بحديث النبي ﷺ مهيبًا عالمًا ثبتًا، «وقد اعتد في مذهبه بعمل أهل المدينة حيث اعتبر أنهم متمسكون بما رأوا عليه آباءهم وأجدادهم الذين صحبوا النبي ﷺ، وعاينوا أحواله وقلدوه في أمور دينه، فاعتدل كذلك بما هم عليه من أمور الدين»([2]).
وقد انتشر مذهبه في كثير من أقطار أفريقيا والأندلس وغرب إفريقيا،وما زال المذهب الرسمي في عدد من أقطار الإسلام حتى يومنا هذا، وقد توفي رحمه الله بالمدينة سنة 179 هـ بعد أن بذل معظم سني حياته لخدمة الدين، بفروعه المتعددة رحمه الله وأجزل مثوبته ([3]).
وقد قسمت الموضوع إلى أربعة مباحث:
الأول: تعريف الشرك عند بعض علماء المالكية.
الثاني: أنواع الشرك عند علماء المالكية.
الثالث: وسائل الشرك التي حذر منها علماء المالكية لحماية جناب التوحيد.
الرابع:نماذج من الشرك التي حذر منها علماء المالكية.
والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، ويتقبله مني وهو حسبنا ونعم الوكيل،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول
تعريف الشرك عند بعض علماء المالكية
قال القاضي عياض: في مشارق الأنوار مادة (ش ر ك): ذكر الشركة بفتح الشين وكسر الراء،والشرك في البيع وغيره معلوم، وقوله فيه شرك بكسر الشين من الاشتراك والشرك والشركة والاشتراك واحد، والشرك أيضًا النصيب، والشرك أيضًا الشريك قاله الأزهري في تفسير: }يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ{ فأشركته في ماله كذا لهم، يقال:شركته وأشركه وأشركته وأشركه. اهـ ([4]).
وقال ابن عاشور: في بيان معنى الشرك اصطلاحًا:«إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية وفي العبادة»([5]).
وقال ابن عطية: «الذين كفروا في هذا الموضع هم كل من عبد شيئًا سوى الله قال قتادة: هم أهل الشرك خاصة»([6]).
قال الميلي المالكي: «وكما لا تقتضي الشركة لغة تساوي الشركاء في الحصص،لا يقتضي الشرك شرعًا مساواة الشريك لله في جميع صفاته أو في صفة منها بل يمسى المرء مشركًا، عند الشارع بإثباته شريكًا لله ولو جعله دونه في القدرة والعلم مثلاً، فأما حكايته تعالى عن المشركين قوله: }تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{ ([7]). فالتسوية قولهم فيه تسوية في الطاعة والانقياد، لا في القدرة على الخلق والإيجاد، فهي كآية البقرة:}يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{ .
إن الله جل وعلا، لا يقبل أن يشرك به الأبرار ولا الفجار، ولا الأشجار، ولا الأحجار، ولا يرضى شركة عظيم في القدرة والمنزلة، كمن أنعم عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا شركة عظيم في الخلق والحجم، كالشمس والقمر،وسائر الكواكب،وقد رد القرآن كل شر، كيفما كان اعتباره من القوة والضعف.
قال تعالى: }إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا{، }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا{، }وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{، }وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ{، هذا بياننا للشرك الشرعي، فإن كان فيه طول فإنا نقصد فيما نبسط إفهام العامة وإفحام المعاندين»([8]).
ولقد عرف الإمام مالك الطاغوت بأنه: «كل ما عبد من دون الله»([9]).
والطاغوت هو كل ما طغا وتجاوز الحد، ونعلم أن الإسلام لا يصح للعبد إلا بأن يكفر بالطاغوت أولاً، كما قال تعالى: }فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا{([10])، وقال تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{([11])، فلا بد للمسلم أن يكفر أولاً بكل طاغوت معبود من دون الله، أو مطاع في معصية الله أو متحاكمٍ إليه دون حكم الله، أو معظم دون الله، فهذا الكفر بالطاغوت ينبغي تحقيقه قبل الإيمان بالله تعالى إذ محال أن يجتمع إيمان بالله وبالطاغوت في قلب إنسان.
بل إن هذه الطواغيت تأتي يوم القيامة فتتبرأ من عبادها الذين عبدوها من دون الله كما قال تعالى: }إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ{([12]).
فالواجب على المسلم الكفر بالطاغوت والبراءة من أهله ومعاداتهم وبغضهم حتى يرجعوا إلى الله تعالى ويتوبوا إليه بالإسلام، كما قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام إذ قال لأبيه وقومه: }إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{([13]).
فمن خلال كلام الإمام مالك رحمه الله يتضح أن الطاغوت عنده يشمل كل ما عبد من دون الله فالهوى طاغوت،والشيطان طاغوت، والشجر المعبود طاغوت، والحجر طاغوت والحاكم المبدل طاغوت، ومن أمر الناس بطاعته في معصية الله طاغوت، وهكذا كل ما عبد من دون الله، غير أن مالكًا رحمه الله قيدها في بعض الروايات فقال، (وهو راض) حتى لا تشمل من عبدوا دون رضاهم: كالمسيح، وأمه، والعزير ، وغيرهم عليهم السلام.
المبحث الثاني
أقسام الشرك عند بعض المالكية
والشرك هو ضد التوحيد كما سلف،فالواجب على المسلم أن يعرف الشرك بأنواعه الأكبر والأصغر، الظاهر والخفي، حتى يتجنبها كلها فيسلم له دينه، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة هذه الأنواع والحذر منها ومن منافذها ومداخلها، وسد الطرق الموصلة إليها.
قال الإمام الحافظ ابن العربي المالكي: الشرك على أقسام، ويعود ذلك إلى قسمين:قسم في الاعتقاد، وقسم في العمل، فإن كان الشرك في الاعتقاد ([14])، فلا خلاص ولا قصاص، وإن كان الشرك في العمل ([15]) رجي الخلاص»([16]).
قال الميلي المالكي: «وأقسام الشرك، قد استوفتها آية سبأ، قال تعالى: }قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{. فجعلت الآية أقسام الشرك أربعة، ونفتها كلها، ولنضع لكل قسم اسمًا يمتاز به:
الأول:شرك الاحتياز، فنفي سبحانه أن يكون غيره مالكًا لشيء يستقل به، ولو كان في الحقارة مثقال ذرة في العالم العلوي، أوفي العالم السفلي ([17]).
الثاني: شرك الشياع، فنفى سبحانه أن يكون لغيره نصيب يشاركه فيه كيفما كان هذا النصيب، في المكان والمكانة ([18]).
الثالث ([19]): شرك الإعانة، فنفى جل شأنه أن يكون له ظهير ومعين من غير أن يملك معه، كما يعين أحدنا مالك متاع، على حمله مثلاً.
الرابع ([20]): شرك الشفاعة، فنفى تعالى أن يوجد من يتقدم بين يديه يدل بجاهه ليخلص أحدًا بشفاعته، فهو تعالى لم يقبل من أقسام الشركة حتى أضعفها وأخفاها، وهي الشركة بالجاه في تحصيل السلامة والنجاة، إلا بعد الإذن للشفيع، وتعيين المشفوع له، وحينئذ لا تكون في الشفاعة رائحة الشركة، بل الشفاعة كغيرها من وجوه النفع، هي: لله وحده، ولم يخرج عن الآية شيء من أقسام الشركة، لأن الشريك إما في الملك، وإما في التصرف. والأول: إما أن يختار قسطه، وإما أن يكون على الشياع. والثاني: إما أن يعني المالك، وإما أن يعين أحدًا عند المالك، فتلك الأقسام الأربعة مرتبة ترتيبها في الآية، وتلك الأقسام على ظهورها من الآية، لم أر من أعرب عنها هذا الإعراب.
بعد هذا البيان نلحظ أن الشيخ رحمه الله لم يعرج على الكلام عن شرك الألوهية، وتوحيد الألوهية هو أصل دين الإسلام، وهو الذي وقعت لأجله الخصومة بين الرسل وأقوامهم، وهو الذي به بعثت جميع الرسل كما قال:}وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ [سورة الأنبياء، الآية: 25].
وهذا قصور منه رحمه الله تعالى حيث اهتم ببيان الشرك فيما يتعلق بأمر الربوبية، وأهمل الكلام عن الشرك في الألوهية والعبادة، وكان الأولى التركيز عليه حيث إن شرك عامة الأمم في باب الألوهية وليس الربوبية.
المبحث الثالث
سد الذرائع الموصلة إلى الشرك عند علماء المالكية
قبل أن نشرع في بيان الذرائع الموصلة إلى الشرك عند علماء المالكية نبين معنى الذرائع كما هي في كتبهم.
قال الشاطبي: «حقيقة الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة »([21]).
وقال القرطبي: «الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع»([22]).
وجاء عن الإمام مالك: وبعض أتباعه النهي عن ما هو من وسائل الشرك، كتجصيص القبور ([23])، وتعليتها ([24])، والكتابة عليها ([25])، والبناء عليها ([26])،واتخاذها مساجد ([27])، واستقبالها للدعاء ([28])، والسجود عليها ([29])،والصلاة عليها ([30])، وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة ([31]).
قال القرطبي: «التمسك بسد الذرائع وحمايتها هو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه وقد دل على هذا الأصل الكتاب والسنة»([32]).
وقال كذلك: «ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي ﷺ فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها،وجعلوها محدقة بقبره، ﷺ، خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره»([33]).
وقال الإمام مالك: «أكره تجصيص القبور والبناء عليها وهذه الحجارة التي يبنى عليها»([34]).
وقال ابن أبي شامة: «كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار في المدينة ما عدا قباء وأحد»([35]).
وقال ابن عبد الباقي في شرح الموطأ: «روى أشهب عن مالك أنه كره لذلك أن يدفن في المسجد قال: « وإذا منع من ذلك فسائر آثاره أحرى بذلك وقد كره مالك طلب موضع شجرة بيعة الرضوان مخالفة لليهود والنصارى»([36]).
وقال القرطبي: «وقال علماؤنا وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد»([37]).
وقال ابن رشد: «إن فات- يعني صلاة الجنازة - لم يصل عليه لئلا يكون ذريعة الصلاة على القبور وهو مذهب أشهب وسحنون»([38]).
وقال ابن رشد كذلك: «كره مالك البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة»([39]).
قال القرطبي: في شرح حديث النبي ﷺ: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها»، أي لا تتخذوها قبلة، فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك ([40]).
إلى أن قال: «وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كان في الجاهلية تفعله تفخيمًا وتعظيمًا، فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة وتشبهًا بمن كان يعظم القبور ويعبدها»([41]).
وقال الإمام مالك: «لا أرى» أن يقف عند قبر النبي، ﷺ، يدعو ولكن يسلم ويمضي. ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، وإسناده صحيح كما في صيانة الإنسان ([42]).
وقال أيضًا في المبسوط: «لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف على قبر النبي، ﷺ،ويدعو له ولأبي بكر وعمر».
قيل له: فإن ناسًا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر، فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلى ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك،ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده ([43]).
وأما الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال: «ناظر أبو جعفر المنصور أمين المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله، ﷺ، قال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قومًا وقال: }لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ{([44]).
ثم قال: «فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة أو محرفة»([45]).
أما الحكاية التي رواها القاضي عياض بإسناده عن مالك في قصته مع المنصور وأنه قال لمالك: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وادعوا، أم أستقبل رسول الله ﷺ؟ قال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة بل استقبله، واستشفع به يشفعه الله فيك ([46]).
قال صاحب تيسير العزيز الحميد: «فهذه الرواية ضعيفة أو موضوعة لأن في إسنادها من يتهم محمد بن حميد»([47]).
* وأما ما روى ابن زبالة وهو في أخبار المدينة عن عمر بن هارون عن سلمة بن وردان وهما ساقطان قال: رأيت أنس بن مالك يسلم على النبي، ﷺ، ثم يسند ظهره إلى جدار القبر ثم يدعو([48]) فالرجلان ساقطان كما في تيسير العزيز الحميد.
وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية: }وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ{([49]) فهو والله أعلم باطل، فإن هذه لم يذكرها أحد من الأمة فيما أعلم، ولم يذكر لأحد منهم أنه استحب أن يسأل بعد الموت لا استغفارًا ولا غيره، وكلامه المنصوص وأمثاله ينافي هذا، قال صاحب فتح المنان ([50]).
وقال القرطبي: «وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة منها حديث عائشة - رضي الله عنها - أن أم حبيبة وأم سلمة - رضي الله عنهن - ذكرتا كنيسة رأياها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا ذلك لرسول الله، ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح، فما بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» أخرجه ([51]) البخاري ومسلم.
قال علماؤنا: ففعل ذلك أوائلهم ليتأسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا أحوالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله - عز وجل - عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم أنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها، فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك،وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك ([52]).
وقال ابن الحاج في المدخل: «لا يجوز الطواف حول الأضرحة فإنه لا يطاف إلا بالبيت العتيق وكذا لم يشرع التقبيل والاستلام إلا بالبيت العتيق وكذا لم يشرع التقبيل والاستلام إلا للحجر الأسود»([53]).
وقال الطرطوشي: «وروى محمد بن وضاح أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي ﷺ لأن الناس كانوا يذهبون تحتها فخاف عمر الفتنة عليهم...
قال: وكان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ما عدا قباء وأحد»([54]).
وقال الطرطوشي: «قال عمر بن الخطاب إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعًا فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ومن لم تدركه فليمض ولا يتعمدها»([55]).
المبحث الرابع
نماذج من الشرك التي حذر منها علماء المالكية
جاء عن الإمام مالك وبعض أتباعه النهي عن أنواع من الشرك الأكبر والأصغر ودعاء ([56]) غير الله والاستغاثة بغير الله ([57])، والنذر لغير الله ([58])، والذبح لغير الله ([59])، واعتقاد أن الأولياء لهم تصرف في الكون مع الله ([60])، أو اعتقاد أن أحدًا يعلم الغيب ([61])، أو الحلف بغير الله ([62])، أو اعتقاد أن للكواكب تأثيرًا في إنزال المطر ([63]) والتوكل على غير الله ([64]).
قال ابن العربي: «مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله لا أمارة عليها ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المجتبى لاطلاع الغيب من أمارات الساعة، والأربع سواها لا أمارة عليها، فكل من قال: إنه ينزل الغيث غدًا فهو كافر، أخبر عنه بأمارات ادعاها أو بقول مطلق، ومن قال:إنه يعلم ما في الرحم، فهو كافر...
وأما من ادعى علم الكسب في مستقبل العمر فهو كافر، أو أخبر عن الكوائن الجملية أو المفصلة فيما يكون قبل أن يكون ، فلا ريبة في كفره أيضًا، فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر فقد قال علماؤنا: يؤدب ويسجن، ولا يكفر أما عدم تكفيره فلأن جماعة قالوا: إنه أمر يدرك بالحساب، وتقدير المنازل حسب ما أخبر الله سبحانه في قوله جل وعلا: }وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ{([65])، لحسابهم له،وإخبارهم عنه وصدقهم فيه توقف علماؤنا عن الحكم بتكفيرهم، وأما أدبهم فلأنهم يدخلون الشك على العامة في تعليق العلم بالغيب فتتشوش عقائدهم في الدين وتتزلزل قواعدهم في اليقين، فأدبوا حتى يسروا ذلك إذا عرفوه ولا يعلنوا»([66]).
وقال ابن عبد البر: (لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل - في شيء من الأشياء، ولا على حال من الأحوال، وهذا أمر مجمع عليه وقد روى سعيد بن عبيدة عن ابن عمر فيه حديثًا شديدًا أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ذكره أبو داود ([67]) وغيره.
وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تحلفوا بآبائكم،ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله،ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون»([68]) ..)([69]).
وقال ابن رشد: «والمحظورة أن يحلف باللات، والعزى، والطواغيت، أو بشيء مما يعبد من دون الله تعالى لأن الحلف بالشيء تعظيم له،والتعظيم لهذه الأشياء كفر بالله تعالى»([70]).
وقال القرطبي في تفسيره لقول الله تعالى: }وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ{([71]) أي ذكر عليه غير اسم الله تعالى، وهي ذبيحة المجوسي والوثني والمعطل فالوثني يذبح للوثن،والمجوسي للنار،و المعطل لا يعتقد شيئًا فيذبح لنفسه، ولا خلاف بين العلماء أن ما ذبح المجوسي لناره،والوثني لوثنه لا يؤكل ... ومنه إهلال الصبي واستهلاله وصياحه عند ولادته، وقال ابن عباس وغيره:المراد ما ذبح للأنصاب والأوثان .. وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة، وغلب ذلك في استعمالهم حتى عبر عن النية التي هي علة التحريم ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه راعى النية في الإبل التي نحرها غالب أبو الفرزدق فقال:إنها مما أهل لغير الله به فتركها الناس، قال ابن عطية:ورأيت في أخبار الحسن بن أبي الحسن أنه سئل عن مرأة صنعت للُعَبِهَا عرسًا، فنحرت جزورًا، فقال الحسن: لا يحل أكلها فإنها إنما نحرت لصنم ([72]).
جاء في المدونة كما في شرح الزرقاني لمختصر خليل: «سوق الهدايا لغير مكة ضلال»([73]).
وقال الميلي: «دعاء غير الله ... فهو شرك صريح وكفر قبيح، وله نوعان: أحدهما غير الله مع الله، كالذي يقول : يا ربي، ويا شيخي، يا ربي وجدي، يالله وناسه، يالله وسيدي عبد القادر، وسمعت كثيرًا يحكون أنهم كثيرًا مايسمعون فلانًا يقول: ياربي يا سيدي يوسف اغفر لي،ويوسف هذا من أولاد ابن الدرويش أحدى فصائل أولاد العباد ... وإطلاق الشرك على هذا النوع واضح لأن الداعي عطف غير الله على الله بالواو ثابتة أو محذوفة، وهي تقضي مشاركة ما بعدها في الحكم، والحكم المشترك فيه هنا هو عبادة الدعاء.
النوع الثاني: دعاء غير الله من دون الله كالذي يقول:يا رجال الدالة، يا دوان الصالحين، وإطلاق الشرك على هذا النوع باعتبار أن الداعي وإن اقتصر على المخلوق في اللفظ لم ينكر الله ولم يبرأ منه في العقد فكأن الله في كلامه مضمر»([74]).
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: «قد نهي عن النذر، وندب إلى الدعاء، ويظهر به التوجه إلى الله - تعالى - والتضرع له،وهذا بخلاف النذر، فإن فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول،وترك العمل إلى حين الضرورة»([75]).
قال ابن عبد البر:«يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد»([76]).
وقال ابن عبد البر: «الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان، أو من فضة، أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنمًا كان أو غير صنم، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها فخشي رسول الله، ﷺ، على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم: كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال ﷺ: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا» يصلى إليه، ويسجد نحوه، ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله ﷺ يحذر أصحابه، وسائر أمته الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدًا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها، وذلك الشرك الأكبر فكان النبي ﷺ، يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنها ممالا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم »([77]).
وقال الميلي: «مساواة هذه الأمة لمن قبلها في حكم السنن الإلهية:
إن ما وقع فيه العرب ومن قبلهم يقع فيه غيرهم بعدهم إذا ما جهلوا مثلهم أصول الدين، وبالغوا في التبرك بالصالحين، فإن الله يقول:}سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا{ وعلماء الاجتماع يقولون: "التاريخ يعيد نفسه". والمتكلمون يحكمون بأن: "ما جرى على المثل يجري على المماثل" فإذاكان مجموع المسلمين قد انتهوا في الدين إلى جهالة المشركين، فمحاولة تبرئتهم من الشرك غش وتضليل وجحد للشريعة وتعطيل.
صور من الوثنية الحاضرة:
ألست ترى في أوساطهم قبابًا تبذل في شيدها الأموال، وتشد لزيارتها الرحال، أم لست تسمع منهم استغاثات وطلب حاجات من الغائبين والأموات ؟ أم لم تعلم بدور تنعت بدار الضمان تستري ضمانتها بالأثمان ؟ أملم تجتمع بذرية نسب للمرابطين إعطاؤها بقوة غيبية . أم لم تتكرر عليك مناظر مكلفين إباحيين يقدسون صفتهم مرابطين أو طرقيين هذا إلى اجتماعات تنتهك فيها كل الحرمات باسم الزردات، أو تحت ستار الاعتقادات والدعوة إلى أوضاع مبتدعة صدَّت الناس عن اتباع السنة المطهرة، والخبير بحياة أهل عصره العالم بأصول دينه لا يتردد في ظهور الشرك وانتشاره،وتعدد مظاهره وآثاره »([78]).
وقال: وإذا قيل للناس أن هؤلاء الضرائح والمزارات من الأوثان، قالوا إنكم تسبون الصالحين! يا إخواننا افهموا لغة العرب والدين تجدوا أن ذلك ليس من الطعن على الأولياء، فإن كل ما نصب ليعبد من دون الله فهو وثن أو صنم، وكل من عبده فهو هالك، وليس كل معبود من دون الله هالكًا، قال تعالى: }إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{ فتلك المزارات والضرائح من الأوثان وإن كانت منسوبة إلى ولي صالح.
تعيين مكان في النذر:
وتلك الاجتماعات عليها للزردات هي من أعياد الجاهلية، فلو فرضنا أحدًا نذر لها شيئًا فهو عاص بالوفاء به فإن أضاف إليه التقرب من صاحبها فهو مشرك.
وقد أصبح الناس في جاهليتهم الحاضرة ينذرون لمن يعتقدون فيه من الأحياء والأموات والمزارات، الأموال والثياب والحيوانات والشموع والبخور والأطعمة وسائر المتمولات، ويعتقدون أن نذرهم سبب يقربهم من رضى المنذور له وأن لذلك المنذور له دخلاً في حصول غرضهم، فإن حصل مطلوبهم ازدادوا تعلقًا بمن نذروا له واشتدت خشيتهم منه، وبذلوا أقصى طاقتهم في الاحتفال بالوفاء له، ولم يستسيغوا لأنفسهم التقصير أو التأخير كما استساغته جاهلية العرب في تعويض الغنم بالظباء. فالعرب مع أصنامهم أقل هيبة من هؤلاء مع أوليائهم، وإن تساوى الفريقان في حق من ألهوه أكثر من اعتبار حق الإله الحق، ذلك أن جاهليتنا على شدة اهتمامها بحق أوليائها منها من لا يبالي مع ذلك بالصلاة أو بالزكاة أو بهما معًا،ومن صلى وزكى لا ينكر على تاركهما ما ينكره على من تراخى في زيارة شيخ طريقة، أو إقامة زردة أو أداء وعدة، وكذلك ما حكاه القرآن عن العرب في آياته: }وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ{([79]) ... )([80]).
وقال: «إن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية، أمر غير ما ذكرنا من التوسل المجرد، والتشفع بمن له الشفاعة، وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنهم يقدرون على مالا يقدر عليه إلا الله، جل جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم ، فصاروا يدعونهم تارة مع الله وتارة استقلالاً، ويصرخون بأسمائهم، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعًا زائدًا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء»([81]).
وقال: «وقد يعبرون عن هذا الضرب من التبرك بالاستمداد من أرواح الصالحين، ويعتقدون أنهم أحياء في قبورهم، يتصرفون في العالم، ويقضون حاجات قاصديهم، ويستدل مستدلهم بما ورد في حياة الأرواح مما قدمنا أصحه وأصرحه، فيتخذون المزارات يبنون عليها البناءات ويرون أن روح الصالح فلان هنالك، إما لأنه دفن هنالك أو جلس به، بل تجد بناءات كثيرة على مزارات عديدة كلها منسوبة للشيخ عبد القادر الجيلاني دفين بغداد - رحمه الله - وهو لم يعرف تلك الأمكنة ولا سمع بها، وهذه المزارات الجيلانية تجدها غربي وطن الجزائر أكثر منها في شرقه، أما أن يكون للصالح الواحد قبران فهذا نعرفه لغير الصالح وأشهرهم بوطننا الشيخ محمد بن عبد الرحمن مؤسس الطريقة الرحمانية بمغربنا. ومن مظاهر هذا التبرك الاستمدادي تقبيل الجدران والمسح بالحيطان وكل ما يضاف على ذلك المكان»([82]).
وقال: «نهى الرسول ﷺ عن الحلف بالمخلوق فأبى أكثر الناس إلا الحلف به، وأغلط في النهي حتى بلغ به نهي الشرك والكفر فأجروا هذه اليمين على ألسنتهم أكثر من اليمين بالله. وأمر من حلف بالله أن يصدق. فتلاعبوا باليمين الشرعية واحترموا اليمين الشركية»([83]).
وقال ابن عاشور عن خطورة الشرك: «أكبر الاعتداء إذ هو اعتداء على المستحق المطلق العظيم؛ لأن من حقه أن يفرد بالعبادة اعتقادًا وعملاً وقولاً لأن ذلك حقه على مخلوقاته، ففي الحديث: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»([84])، إلى أن قال: وذلك أن الشرك جمع بني الاعتراف لله بالإلهية والاعتراف لغيره بالربوبية أيضًا ولما كان الاعتراف لغيره ظلمًا كان إيمانهم بالله مخلوطًا بظلم»([85]).
الخاتمة
الحمد لله الذي يسر وأعان على إتمام هذا الكتاب، فله وحده المنة والفضل،وقد توصلت إلى نتائج أجملها فيما يلي:
أولاً: أن كلام المتقدمين كمالك وأصحابه الأوائل عن الشرك وأنواعه ووسائله قليل، لأن بدع القبورية لم تكن قد انتشرت بعد، وإنما كانوا يتكلمون في بعض هذه المسائل عرضًا إذا وردت في النصوص بخلاف ما عليه المتأخرون من المالكية فقد بسطوا القول في تلك المسائل كما هو ظاهر من النماذج المتقدمة من نصوصهم.
ثانيًا: أن للعلماء جهودًا مشكورة لحماية جناب التوحيد، ومحاربة البدع القبورية، وسد ذرائع الشرك ومنافذه.
ثالثًا: أن البدع القبورية قد أفسدت عقائد كثير من الناس وأوقعتهم في الشرك الأكبر.
رابعًا: أن الشارع احتاط فسد كل وسيلة تؤدِّي إلى الشرك، فحرَّم كل ما يحدث عند القبور مما من شأنه أن يفسد عقائد الناس.
خامسًا: أن الشرك إذلال وإهانة للإنسان، لأنه تعبيد الإنسان لمخلوق ضعيف مثله،كما أنه يفتح بابًا واسعًا للأساطير والخرافات.
وفي الختام فهذا جهد المقل، وقوى الإنسان محدود قاصرة، ورجائي من القارئ الكريم التماس العذر في كل نقص وهفوة، وأسال الله أن لا يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعًا لهدي كتابه والسير على سنة رسوله ﷺ.
والله من رواء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
([1]) تقريب التهذيب (2/223/859).
([2]) انظر مقدمة ابن خلدون ص (447) دار إحياء التراث العربي.
([3]) لترجمته انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (8/43: 121) تهذيب التهذيب لابن حجر (10/5: 9)،طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 95: 96).
([4]) مشارق الأنوار (2/248).
([5]) التحرير والتنوير 7/332.
([6]) المحرر الوجيز 6/3.
([7]) سورة الشعراء: الآيتان: 97، 98.
([8]) رسالة الشرك ص (64-65).
([9]) فتح المجيد ص 566.
([10]) سورة البقرة، الآية: 256.
([11]) سورة النحل، الآية: 36.
([12]) سورة البقرة، الآية: 166.
([13]) سورة الممتحنة، الآية: 4.
([14]) كاعتقاد وجود إله مكافئ لله تعالى، أو اعتقاد ربوبية غيره، أو اعتقاد شبيه له في أسمائه وصفاته , وأفعاله كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والتصرف والتدبير واستحقاق العبادة وغير ذلك والأدلة أكثر من أن تحصى كقوله تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [سورة الشورى، الآية: 11].
([15]) ليس كل شرك في العمل يرجى الخلاص من وباله، إذ أن صرف العبادة لغير الله تعالى هو شرك في العمل، لكنه يقوم على أساس شرك في الاعتقاد، وهذا لا يرجى منه الخلاص، ولعل الشيخ رحمه الله يقصد أمور الشرك الأصغر غير المكفرة: كالحلف بغير الله، أو يسير الرياء وغير ذلك، وبهذا فلا إشكال في المسألة.
([16]) عارضة الأحوذي (10/106).
([17]) كما قال تعالى في كتابه الكريم: }وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ{ [سورة فاطر]. وكما قال تعالى: }وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا{ [سورة الفرقان، الآية: 3]، وكما قال تعالى: }وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ{ [سورة النحل، الآية: 73]، وقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: }إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا{ [سورة العنكبوت، الآية: 17]. قال السعدي رحمه الله في تفسيره: «تيسير الكريم المنان» (4/221) عند الآية (73) من سورة النحل: (يخبر الله تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقًا من السموات والأرض، فلا ينزلون مطرًا، ولا رزقًا، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئًا، ولا يملكون مثقال ذرة في السموات والأرض، ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون، فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله وشبهوها بمالك الأرض والسموات، الذي له الملك كله والحمد كله، والقوة كلها ) اهـ.
([18]) كما قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{ [سورة البقرة، الآية: 165] فلا يوجد مخلوق يشارك الله تعالى في شيء لا في أفعاله، ولا صفاته، ولا حقوقه ولا غير ذلك،وبما أنه المنفرد بالخلق، فإنه المتفرد بالملك والأمر والتصريف واستحقاق العبادة، كما قال تعالى: }أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [سورة الأعراف، الآية: 54].
([19]) كما قال تعالى: }وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ{ [سورة سبأ، الآية: 22]، فليس لله تعالى ظهير ولا معين في تصريف ملكه، فإن الملوك المخلوقين هم الذين يستعينون بغيرهم في إدارة شؤون ملكهم لعدم قدرتهم على الانفراد بتدبيره غير أن هذا منتف في حق الله تعالى، بل إن وجود هذا الشيء علامة نقص، وصفته ، والله تعالى متفرد بصفات الكمال،متنزه عن صفات النقص.
([20]) كما قال تعالى: }وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ{ [سورة الأنبياء، الآية: 28]، وقال: }قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا{ [سورة الزمر، الآية: 44]، وقال: }وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{ [سورة سبأ، الآية: 23]، فإن الملوك المخلوقين إنما يقبلون شفاعة الشافعين لحاجتهم إليه في تدبير أمر ملكهم وتصريفه، ولا يحبون ردها خوفًا من فقد ود الشفعاء ومعونتهم لكن الله تعالى مستغن عن الظهير والمعين، متفرد بالخلق والتكوين والتدبير والتصريف، لهذا لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له،أما غير ذلك فلا فالشفاعة إذًا ملك لله تعالى،وهو الآذن فيها، وهكذا نرى أن الآية اشتملت على نفي الشرك بجميع صوره ودرجاته فسبحان الله.
([21]) الموافقات: (4/198).
([22]) تفسير القرطبي 2/58.
([23]) لما أخرجه مسلم وغيره قال: «نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص القبر،وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه بناء» ولمعرفة موقف مالك رحمه الله وكثير من أتباعه من هذه القضايا راجع المدونة 1/189، كتاب الكافي لابن عبد البر 1/283، وتنوير المقالة 3/40، والثمر الداني 230، وتفسير القرطبي 10/380.
([24]) لما أخرجه مسلم وغيره عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺعن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه بناء. ولمعرفة موقف مالك رحمه الله وأتباعه من هذه القضايا راجع المدونة 1/189، وتنوير المقالة 3/40، والثمر الداني ص 320، وتفسير القرطبي 10/380-381.
([25]) لما أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث جابر أن النبي ﷺ: «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها» ولمعرفة موقف الإمام مالك رحمه الله وكثير من أتباعه راجع فتح المجيد ص 323.
([26]) لما أخرجه مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺعن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه بناء. ولمعرفة موقف مالك وأتباعه راجع المدونة 1/189، المعيار المعرب 1/317، 318، وتنور المقالة 3/39، والثمر الداني 231، وتفسير القرطبي 10/379-380، فتح المجيد ص323، تيسير العزيز الحميد ص 323، 324، والكافي لابن عبد البر 1/283.
([27]) قال النبي ﷺ: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا» متفق عليه،وقال: «ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد أفلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» أخرجه مسلم وغيره.
ولمعرفة موقف المالكية في التمهيد 1/168، 5/45، والمنتقى 7/195، تفسير القرطبي 10/380، شرح موطأ مالك للزرقاني 4/233، 12/351، وتيسير العزيز الحميد ص 340، والمنتقى 1/306-307.
([28]) أخرج مسلم وغيره أن النبي ﷺ قال: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا عليها».
ولمعرفة موقف المالكية راجع لكتاب صيانة الإنسان ص264، وفتح المنان ص 358-359، وتيسير العزيز الحميد ص 358.
([29]) ولمعرفة موقف المالكية راجع التمهيد 6/383، 1/167، 5/45.
([30]) أخرج مسلم وغيره أن النبي، ﷺ قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها» ولمعرفة موقف المالكية راجع: مقدمة ابن رشد ص174، والتمهيد 1/167، 5/25، 6/283، وتفسير القرطبي 10/379.
([31]) لقول النبي ﷺ: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ..».
ولمعرفة موقف المالكية ارجع إلى المعلم 12/82، وشرح الزرقاني لمختصر خليل 3/93، وتيسر العزيز الحميد 361، وشرح الزرقاني للموطأ 1/224 - 225.
([32]) تفسير القرطبي 12/57-58.
([33]) قرة عيون الموحدين ص 136.
([34]) المدونة 1/189.
([35]) الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 96- 97،وكتاب ابن وضاح رقم 113.
([36]) تيسير العزيز الحميد ص 340.
([37]) تفسير القرطبي 10/380.
([38]) مقدمة ابن رشد ص 174.
([39]) فتح المجيد ص 323، ولعله يقصد ما يسمى اليوم بشاهد القبر وهو رخام يكتب عليه اسم الميت وتاريخ وفاته وغير ذلك. والله أعلم.
([40]) تفسير القرطبي (10/380).
([41]) تفسير القرطبي (10/381).
([42]) ص 264 فتح المنان ص 358.
([43]) فتح المنان ص 358.
([44]) سورة الحجرات، الآية: 2.
([45]) انظر: صيانة الإنسان ص 255، وفتح المنان ص 359.
([46]) تيسير العزيز الحميد ص358.
([47]) تيسير العزيز الحميد ص358.
([48]) تيسير العزيز الحميد ص 359.
([49]) سورة النساء، الآية: 64.
([50]) ص 360.
([51]) أخرجه البخاري (3/247) ح 1341، في الجنائز باب بناء المسجد على القبر ومسلم (1/375) ح (528) في المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
([52]) تفسير القرطبي 2/58.
([53]) المدخل كما في المشاهدات المعصومية ص 73.
([54]) كتاب الحوادث والبدع 294-295.
([55]) كتاب الحوادث والبدع 308-309.
([56]) لقوله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [سورة غافر، الآية:60]، وقوله تعالى: }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{ [سورة الأحقاف، الآية: 5]. وقول النبي ﷺ: «إن الدعاء هو العبادة» وللمزيد من التعرف على أقوال المالكية انظر: رسالة الشرك الميلي (ص 192). التحرير والتنوير 24/181، 26/11.
([57]) قال تعالى: }إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ{ [سورة الأنفال، الآية: 9]، وقال: }وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ ...{ [سورة الأحقاف، الآية: 17]، التحرير والتنوير 9/274-275/ 26-39.
([58]) وقال تعالى: }وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ{ [سورة الحج: الآية: 29]، فالنذر عبادة لا تنبغي إلا لله تعالى، التحرير والتنوير 17/248، وانظر تيسير العزيز الحميد ص (207)، رسالة الشرك للميلي ص(268)، ولا يجوز النذر لولي أو نبي أو غيرهما، وإلا فإن هذا شرك لأنه صرف للعبادة لغير الله تعالى، لا كما يفعله كثير من الجهال بالنذر لقبر البدوي أو الحسين، أو الجيلاني أو غيرهم، فإن هذا شرك بالله تعالى ولا يسوغ أي تأويل لذلك الفعل أو محاولة التلاعب باللفظ والقول بأن « النذر لله والثواب للولي» فهذا كلام باطل لا يستجيزه عقل صريح.
([59]) لقوله تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ [سورة الكوثر، الآية: 2]. وقوله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [سورة الأنعام، الآية: 162]، فالذبح عبادة لا تنبغي إلا لله وعلى اسم الله، ولا يجوز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.
وانظر: مختصر خليل (3/130)، وتفسير القرطبي (2/224) التحرير والتنوير (30/574).
([60]) وهذا شرك في الربوبية وقد نفى الله تعالى كل أنواع التصرف لغيره بقوله: }قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{ [سورة سبأ، الآيتان 22، 23]. وقد سبق الكلام على هذه الآية بالتفصيل في المبحث الثاني. وانظر: شرح الموطأ للزرقاني (1/347) وشرح الموطأ للباجي (1/334)، والتحرير والتنوير (22/185-191).
([61]) لقوله تعالى: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا{ [سورة الجن، الآية: 26]، وقوله تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ{ [سورة النمل، الآية: 65].
وانظر أحكام القرآن لابن العربي (2/738، 739) وتفسير القرطبي 1/290،ورسالة الشرك للميلي (ص137).
([62]) لقوله ﷺ: «من حلف بغير الله فقد أشرك» وفي لفظ: «فقد كفر» وانظر التمهيد (14/366: 367) وتفسير القرطبي (10/40) وشرح الصغير للدرديري (2/203) وتفسير القرطبي (10/40) و (6/270: 271) والمقدمات لابن رشد (308: 309) وشرح رزق على متن الرسالة (2/ 15) والمعلم (2/240) شرح الزرقاني على مختصر خليل 3/53، كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي 1/448.
([63]) المنتقى شرح موطأ مالك 1/334، وشرح الزرقاني لموطأ مالك.
([64]) لقوله تعالى: }وعلى ربهم يتوكلون{ [سورة الأنفال، الآية: 2] انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور 9/259.
([65]) سورة يس، الآية: 39.
([66]) أحكام القرآن 2/738-739.
([67]) أحمد 2/34-125، والترمذي 4/110، ح 1535، في النذور والأيمان، وأبو داود 3/570، ح 3251، في الأيمان باب في كراهية الحلف بالآباء، وابن حبان6/278، والحاكم 4/297، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال الترمذي حديث حسن جميعهم ن طريق سعد بن عبيدة عن ابن عمر مرفوعًا وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/11167 ح 6204.
([68]) أخرجه أبو داود 3/569 ح 3248، في الأيمان باب في كراهية الحلف بالآباء من رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا.
([69]) التمهيد لابن عبد البر 14/366-367.
([70]) مقدمات ابن رشد ص 309.
([71]) سورة البقرة، الآية: 173.
([72]) تفسير القرطبي 2/223- 224.
([73]) شرح مختصر خليل للزرقاني 3/130.
([74]) رسالة الشرك ص 192.
([75]) تيسير العزيز الحميد ص 207.
([76]) التمهيد 1/168.
([77]) التمهيد 5/45.
([78]) رسالة الشرك للميلي 108.
([79]) سورة الأنعام، الآية: 100.
([80]) رسالة الشرك للميلي ص 268.
([81]) رسالة الشرك للميلي ص 268.
([82]) رسالة الشرك للميلي ص 244.
([83]) رسالة الشرك للميلي ص 277.
([84]) أخرجه البخاري كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي ﷺ أمته إلى توحيد الله 13/347، ح(7373) من حديث معاذ بن جبل.
([85]) التحرير والتنوير 7/332-333.