الوصف المفصل
وسائل الشيطان في غواية الإنسان
القسم العلمي بدار ابن خزيمة
إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفًا
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اعلم أخي المسلم أنَّ الشيطان مخلوقٌ من مخلوقات الله في الكون، وهو من عالم الجن، كما ثبت ذلك في كتاب الله جلَّ وعلا، قال تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾
ولقد بيَّن الله جلَّ وعلا حاله وصفاته في كتابه وسُنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - وحذَّر عباده من إضلاله وإغوائه، ودلَّهم على الطريق إلى دحره وتنكيسه.
وليس هناك فائدة من سرد صفات الشيطان كلِّها؛ لأنَّ ذلك من الواضحات التي هي أبين من أن تُبيَّن .. وليس بعد اسم «الشيطان» اسم يدلُّ على معاني الشر والحقد والخداع والمكر في هذا الوجود الشاسع، وإنما الذي يُفيد في هذا الباب هو بيان صفات الضعف في الشيطان تحفيزًا للمؤمنين على دحره وقمعه ، وتبيان لحقيقة غروره وحقارته، حتى لا يتسلل إلى قلب المسلم ذعر في أساليبه التي سنذكرها في هذا الكتاب.
صفات الشيطان
1- الضعف:
قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ فكيده ضعيف، كما أنَّ سلطانه ضعيف كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾
فلا يتجاوز كيده أن يكون تشكيكًا أو وسوسةً أو تخويفًا أو تَحسينًا لقبيحٍ أو تنقيحًا لِحَسنٍ أو دعوة إلى الغلوِّ أو التقصير أو تغريرًا بأمان كاذبة. وقد نور الله جلَّ وعلا المسلم بسُبل الوقاية من وساوسه وإضلاله، ودلَّه على طُرق دحره وقمعه، وأمدَّه من الآيات والعبر ما يُبدِّد به تغريره وتخويفه .. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾.
وقال تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾..
وغيرها من الآيات التي تُبيِّن غاية تغريره وأنوع أساليبه في إضلال الإنسان.
وقد صحَّ أنَّ الشيطان قال لأبي هريرة رضي الله عنه: "من قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح" وأقرَّ على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «صدقك وهو كذوب»([1]).
ولقد تولَّى الله جلَّ وعلا حِفظ الإنسان من مسِّه وتأثيره الحسِّي .. قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾؛ فالله جلَّ وعلا قد أوكل ملائكةً حفظةً يكلئون الإنسان في ليله ونهاره، ويحفظونه من بطش الشيطان وكيده الحسِّي، ولو تُرك الإنسان مسلمًا كان أم كافرًا من غير كلاءة لبطش به الشيطان بطشًا كما هو الحال في بعض الحالات التي يَمسُّ فيه الإنسان بالصرع.
2- إضمار العداوة للإنسان:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ فقد أمر الله جلَّ وعلا بالاحتراس من هذا العدوِّ اللدود، وسلوك السبيل الذي يدحره ويفوت عليه كيده وحقده وظلمه، وهذا هو مقتضى اتِّخاذه عدوًّا.
3- جريانه في الإنسان مجرى الدم:
فقد صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»([2]).
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى:
والواجب إجراء الحديث على ظاهره، وعدم تأويله مما يخالف الظاهر، لأنَّ الشياطين أجناس لا يعلم تفاصيل خلقتهم وكيفية تسلُّطهم على بني آدم إلاَّ الله سبحانه، فالمشروع لكلِّ مسلم الاستعاذة به سبحانه من شرِّهم والاستقامة على الحق، واستعمال ما شرعه الله من الطاعات والأذكار والتعوذات الشرعية، وهو سبحانه الواقي والمعيذ لمن استعاذ به ولجأ إليه، ولا رب سواه ولا إله غيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله([3]).
ومن هذه الصفات تبيَّن أنَّ الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وأنه يُكيد له ألوانًا من المكائد لإغوائه وإخلاله ، وأنه يجري منه مجرى الدم.
فما هي أساليب الشيطان في غواية الإنسان؟
التضليل
من الوسائل المباشرة التي ينتهجها الشيطان لإغواء الإنسان «التضليل»، وهذه الوسيلة تندرج تحتها وسائل عدَّة، وتتنوَّع كلُّها بحسب نوع الإنسان من حيث عِلمه وثباته واستجابته للشبهات أو الشهوات، ومن حيث قوَّة إيمانه ويقينه ونفاد بصيرته، قال تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 117-119].
وفي هذه الآيات دلالة على تصريح الشيطان لعنه الله بتضليل بني آدم، واتخاذ طائفة منهم لتصير من حزبه ونصيبه.
قال الزجاج في تفسير قوله تعالى: ﴿ولأضلنهم﴾ أي: أجمع لهم من الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون مع ذلك حظَّهم من الآخرة.
والإضلال الذي ينتهجه الشيطان على خمس مراتب.
الأولى- هي الدعوة إلى الشرك والكفر:
وهذا النوع هو أحطِّ أنواع الإضلال وأخبثها وأخطرها، فإذا ظفر به الشيطان من الإنسان فقد ظفر بكلِّ مراده، وحظي بغاية إضلاله وإغوائه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾..
فلما كان الشِّرك والكفر سببًا للخلود في النار، فقد جعله الشيطان أفتك أسلحته وأهم وسائله في حربه مع الإنسان، ولأجل ذلك فإنَّ إبليس يعمد إلى تشكيك بني آدم في توحيد الربوبية والألوهية؛ فإذا يئس عمد إلى تعظيم قبور الصالحين واتخاذ الأصنام والأزلام وسائط مع الله .. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوحٍ في العرب تُعبَد: أما «ود» فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما «سواع» فكان لهذيل، وأما «يغوث» فكان لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما «يعوق» فكان لهمدان، وأما «نَسر» فكانت لحِمْيَر لآل ذي الكلاع..
أسماء صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم؛ ففعلوا فلم تُعبَد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِي العلم عُبِدَت!([4]).
الثانية- وهي الدعوة إلى البدعة:
وإلقاء الشبهة على مرضى القلوب، ولا يلجأ الشيطان إلى هذه المرتبة إلاَّ بعد يأسه من الأولى، والبدع هي بريد الكفر وطريقه، وإذا كان الكفر سببًا لحبوط الأعمال فإنَّ البدعة سبب في ردِّها وعدم قبولها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ»، أي مردود على صاحبه، ولذا فإنَّ الشيطان إذا وجد في المسلم حبَّ الاجتهاد في العبادة ويئس في توهين قوته دعاه إلى الزيادة في الدين وسلوك سبيل المبتدعين.
الثالثة- التحريض على الكبائر والفواحش:
فارتكاب الفاحشة أهون من الابتداع في الدين، لذلك فالشيطان لا يحرص على هذا الأسلوب إلاَّ إذا فشل في امتحان المسلم في البدع والضلالات.
الرابعة- التحريض على الصغائر والمباحات:
فإذا يأس من أن يوقع المسلم في كبائر الذنوب، قعد له في طريق الصغائر واللمم، وسهَّل له سبيلها، وألبسها لباس تزيينه وتحسينه حتى يُبديها له في منظر المباحات، فإذا وجد منه طاعة وانصياعًا تربَّص به حتى يُوقعه في كبيرة من كبائر الإثم، ومن ثم يستفزه ويغويه ويقنطه من التوبة والرحمة؛ فإذا به صريع.
الخامسة- إشغال المسلم بالعبادة المفضولة عن الفاضلة:
وذلك لأنَّ الشيطان إذا يئس من صرف العبد عن الأوامر أو إيقاعه في النواهي، ووجد منه قوَّةً وثباتًا على الحقِّ؛ دخله من باب العبادة نفسها، وقلب له حقائقها، وزيَّن له مفهومها ليشغله عن فاضلها، وليضيِّع عليه الثواب الحاصل منها، كأن يُزيِّن له قراءة القرآن وقت الصلاة المفروضة حتى تضيع عليه الجماعة .. وكلُّ ذلك من مداخل الشيطان وخطواته التي حذَّر الله جلَّ وعلا منها فقال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: 142].
التغرير بالأماني
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
فهذه الآية تدلُّ على أنَّ من أساليب الشيطان في إغواء الإنسان نفث الوعود والتغرير بالأماني الكاذبة، ومن مكائده في هذا الباب التغرير بطول الأمل وزهرة الحياة الدنيا وتزيينها وتحسين الحرص عليها؛ فهو يُدرك حب الإنسان للمال وميله للشهوات وحرصه على لذَّة الحياة كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ الآية.
ولذلك فإنَّ إبليس يجعل من تزيين الحياة والتغرير بحيوانها وطول وقتها مدخلاً لتغرير الإنسان وقذف الأماني في قلبه وإغراقه في خواطر الغفلة عن الموت وقلَّة الانتباه للحساب ونسيان الآخرة وما فيها من نعيم وعذاب!.. قال تعالى مُبيِّنًا كيده وتغريره: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾..
ومن مكائده ومصائده أيضًا أنه إذا وجد في المسلم خوفًا من الله ورهبة ورغبة قوَّى جانب الرَّغبة في قلبه، وملأه بالرجاء والتعويل على رحمة الله وعظيم عفوه ومنته وكريم رأفته ومغفرته .. ويظل يُنسيه جانب الخوف ويُذكِّره بجانب المغفرة حتى يُوقِعَه في عظائم الذنوب وبلايا العيوب وحاله يقول:
وَكَثِّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا | ||
إذَا كَانَ القُدُومُ عَلَى كَرِيمِ | ||
وبهذا الأسلوب الفتَّاك أغوى إبليس آدم عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾.
فلقد شمَّ عدوُّ الله آدم عليه السلام وأحس منه استشرافاً للملك والخلود في جنة النعيم، فدخله من استشرافه وأتاه بوجه الناصح الأمين مُغرِّرًا إياه بالملك والخلد كَذِبًا وحقدًا.
يقول ابن القيم الجوزية:
وإنما كذبهما عدو الله وغرَّهما وخدعهما بأن سمَّى تلك الشجرة «شجرة الخلد»؛ فهذا أول المكر والكيد، ومنه ورث أتباعه تسمية الأمور المحرَّمة بالأسماء التي تحبُّ النفوس مُسمَّياتها، فسموا الخمر «أم الأفراح»، وسموا الربا «المعاملة»، وسموا المكوس «الحقوق السلطانية»، وسمو أقبح الظلم وأفحشه «شرع الديوان»، وسموا أبدع الكفر وهو جحد الصفات «تنزيهًا» وسموا مجالس الفسوق «مجالس طيِّبة» ... إلخ.
فلمَّا سمَّاها «شجرة الخلد» قال: "ما نهاكما عن هذه الشجرة إلاَّ كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا، فتكونا مثل الملائكة الذين لا يموتون"، ولم يكن عليه السلام قد علم أنه يموت بعد واشتهى الخلود في الجنة، وحصلت الشبهة من قول العدو وإقسامه بأشدِّ إيمانه أنه ناصحٌ لهما، فاجتمعت الشبهة والشهوة([5]).
وبهذه الطريقة يصنع عدوُّ الله سلاح الأماني والتغرير بالمسلم؛ فيغرِّر بشرب الخمر لأجل نسيان الهموم، ويُغرِّر بالتدخين والمخدرات لتخفيف الانزعاج والقلق، ويُغرِّر بالربا لأجل الربح السريع، ويُغرِّر بالتبرُّج لأجل الزواج، ويُغرِّر بالغشِّ لأجل كسب المال .. وما من معصيةٍ إلاَّ وتجده يوجد لها من الشُبه ما يناسب شهوات أصحابها، كلٌّ بحسبه.
وَتَسْتَلِذُّ الأَمَانِي وَهِيَ مُرْدِيَةٌ | ||
كشَارِبِ السُمِّ مَمزُوجًا مَعَ العَسَلِ | ||
وإبليس إذا أحسَّ من المسلم إصرارًا على طاعة الله جلَّ وعلا ولم ينفع فيه التغرير والتضليل نهج عدو الله مدخل «التسويف»، فتجده يُسوِّف للتائب توبته، وللقائم قومته، ويظلُّ يصوِّر له الأعذار ويُزيِّنها له حتى إذا استقرَّ في قلب الطائع تسويفها أنساه الشيطان إيَّاها وفوَّت عليه الظفر بثوابها.
يقول ابن الجوزي:
وكم من عازمٍ على الجِدِّ سوَّفه الشيطان وجعله يقول «سوف»، وكم من ساعٍ إلى فضيلة ثبَّطه، فلربما عزم الفقيه على إعادة درسه، فقال «استرح ساعة».. وما زال الشيطان يُحبِّب الكسل ويُسوِّف العمل([6]).
التزيـين
والتزيين الذي يعمد إليه الشيطان لإغواء الإنسان نوعان:
الأول- تزيين القبيح.
والثاني- تقبيح الحسن.
فأما تزيين القبيح فمن قوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾.
فإذا رأى الإنسان قد وقع في معصية زيَّنها وحسَّنها وأوجد لها من أدوات التحسين ما يُشجِّع العاصي على الإصرار على معاودتها، وذلك بإظهار منافعها وإخفاء مغباتها وحسراتها، فتجده يُحسِّن جمع المال والحرص عليه ويُظهِر لصاحبه أنه الحكيم في تصرفه، الناظر لعواقب الأمور، ولا يزال به حتى يوقعه في الشحِّ والغشِّ والخداع، وكل ذلك بتصوير هذه المعاصي على أنها من الذكاء والفطنة والحنكة والعقل!
يقول ابن القيم الجوزية:
ومن أنواع مكائده ومكره: أن يدعو العبد بحُسن خلقه وطلاقته إلى أنواع الآثام والفجور، فيلقاه من لا يُخلِّصه من شرِّه إلاَّ تجهُّمه والتعبيس في وجهه والإعراض عنه، فيُحسِّن له العدوُّ أن يلقاه ببِشره وطلاقة وجهه وحُسن كلامه، فيتعلَّق به، فيروم التخلص منه فيعجز، فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته.
ومن مكائده:
أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجهٍ عبوسٍ ولا تُريهم بِشرًا ولا طلاقة فيطمعوا فيك ويتجرَّءوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم وميل قلوبهم إليك ومحبتهم لك، فيأمرك بسوء الخُلق، منع البشر والطلاقة مع هؤلاء، ويُحسِّن الخُلق والبِشر مع أولئك؛ ليفتح لك باب الشر ويُغلق عنك باب الخير([7]).
ومن صور تزيينه للقبيح:
تحسين الأفكار الباطلة والأهواء المخلة وإيجاد المسوِّغات لها وقذفها في القلوب المريضة، ومن ذلك تزيين الاستغاثة بالأموات ودعائهم والذبح لهم والنذر لهم وتعظيمهم، وكذلك تزيين التعبُّد بما لم يأذن به الله، سواء في الصلاة أو الصوم أو الحق؛ فتجده يحسن الصلاة في القبور، ويُزين الوصال في الصيام، ويُرغِّب في تأخير فريضة الحج، وفي كلِّ ذلك تجده يقذف في قلب الإنسان من الأفكار والخطرات ما يظهر الحقَّ في صورة الباطل تغريرًا كما قال تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾
ومعلوم أنَّ وحي الشيطان للإنسان إنما يكون بقذف الخطرات في قلبه ونفثها في نفسه.
وأمَّا تقبيح الحسن فيعمد به الشيطان إلى صرف الإنسان عن الفرائض والواجبات؛ فإن لم يظفر بذلك عمد إلى صرفه عن المستحبَّات وفضائل الأعمال، وأشدُّ ما يحرص الشيطان على فعله في هذا الباب تفويت الصلاة على العبد، فقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يعقد الشيطان على رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرب عليك ليلاً طويلا، فإن استيقظ فذكر الله عز وجل انحلَّت عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عقدتان، فإن صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»([8]).
فهكذا يصرف الشيطان النائم عن الصلاة، أمَّا المستيقظ فيزيِّن له البيع والتجارة ويخوِّفه الكساد والخسارة إن هو آثر الصلاة على العمل، كما يصرفه عنها بأنواع المغريات والملهيات والشهوات كالغناء والأفلام ونحوها.
وما قعد قاعدٌ عن الجهاد ولا أمسك غنيٌّ عن الإنفاق، ولا حُبس قادر عن الإحسان إلاَّ بتزيين الشيطان وتقبيحه لهذه الخصال الطيبة فتراه يخوف المجاهد بالموت وتشريد الأهل والعشيرة، ويخوف المنفق بالفقر وسقوط الهيبة والمكانة، ويخوف المحسن باستعلاء الناس ولؤمهم ونكرانهم للجميل .. وهكذا يجعل لكلِّ خصلة تقرِّب من الله حاجزًا يُخوِّف به المسلم ويجعله علَّةَ تقبيحه وتزيينه لنقيضه.
قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.
قيل: «يعدكم الفقر» يُخوِّفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم.
«ويأمركم بالفحشاء» قالوا: هي البخل في هذا الموضع خاصة.
قالوا: يقول للإنسان: إذا تركت هذه الوظيفة فأين ستجد وظيفة أخرى؟! ستصير فقيرًا .. فيخشى الفقر فيعمل الحرام([9]).
ذلك مثل الذي يُحلِّل بيع الخمر وهو مسلم، ونحوه مِمَّن يكذب في تجارته، ومن يحنث في بيعه.
الاستحواذ على اللسان والأذن
ومن أخطر وسائل الشيطان في إضلال الإنسان: الاستحواذ على اللسان والأُذن وتسخيرهما لكل ضلالة ومعصية.
فأمَّا اللسان فإنه الثغر الأعظم الذي يُسخر له جنده، ويترصد عنده، ويحيط به بمسلكين:
الأول- إجراء الباطل والبهتان عليه.
الثاني- منع إجراء النفع عليه.
فأما إجراء الباطل على اللسان فيتمثل في تزيينه للكلام الباطل كالغيبة والنميمة وشهادة الزور والكذب والفحش والبذاءة والغناء والشتيمة، وكل ما يضر به ويُرديه في مهاوي الهلاك .. فعدو الله يُدرك ما للِّسان من أضرار وما له من العواقب والأخطار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
«إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبين فيها، زُيِّل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([10]).
وعدوُّ الله يدرك أنَّ النجاة كلَّ النجاة في إمساك اللسان وحفظ الجوارح والأركان، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سأله عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك»([11]).
ولذلك فالشيطان يحرص كلَّ الحرص على إفساد هذا الثغر، ويزيِّن لصاحبه تسخيره في الباطل والاشتغال باللغو الحرام؛ لأنه إذا تمَّ له الاستحواذ عليه ضمن ما بعده من الجوارح جميعًا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصبح ابن آدم، فإنَّ الأعضاء كلَّها تكفِّر اللسان تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»([12]).
وأما منع إجراء النفع عليه، فيتمثل في حدِّه عن ذِكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه ونُصحه لعباده والتكلُّم بالعلم النافع والكلام الطيب، فإنَّ عدوَّ الله يُدرك أنَّ في الذِكر مصرعه؛ فيحرص كلَّ الحرص لمنع العبد من الاشتغال بالأذكار، ويظلُّ يوسوس ويُغرِّر ويُزيِّن ويُضلل حتى يصرف الذاكر عن ذكره والشاكر عن شكره، والتالي للقرآن عن تلاوته، والناصح للعباد عن نصحه وجهاده، فينبغي للمسلم أن يصون لسانه عن كلِّ باطلٍ وفحشاء، وأن ينـزِّهه عن الكذب وما يجلب لإخوانه الضَّراء.
ولقد نبَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خطر اللسان وضرره، وأنه من أعظم موجبات الجنة أو النار، ففي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»..
ثم قال: «ألا أخبركم بملاك ذلك كلِّه؟» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كفَّ عليك هذا».
قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟
فقال: «ثكلتك أمك!. وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم؟» ([13]).
وأمَّا استحواذه على الأذُن فيتمثَّل في إحكام الصَّدِّ عن الكلام النافع، وتزيين وزخرفة كلِّ كلامٍ باطل كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: 112].
قال ابن القيم الجوزية:
فسمَّاه «زخرفًا» وهو باطل، لأنَّ صاحبه يُزخرفه ويُزيِّنه ما استطاع، ويلقيه إلى سمع المغرور فيغترُّ به.
والمقصود أنَّ الشيطان قد لَزِم ثغر الأذن: أن يُدخِلَ فيها ما يضرُّ العبد ولا ينفعه، ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعهنَّ، وإن دخل بغير اختياره أفسد عليه([14]).
ومن مكائده في هذا الباب إيقاع العبد في درن التجسُّس وتزيينه له بدعوى الحرص على نفعه وكشف ضرّ غيره والأمن من مكره، وقد نهى الله جلَّ وعلا عن ذلك نهيًا قاطعًا فقال: «ولا تجسَّسوا»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسَّسوا ولا تحسَّسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا».
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنك إن تتبَّعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم»([15]).
وكذلك التحريض على النجوى كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ومن أخطر ما يستحوذ به الشيطان على ثغر الأذن: الغناء.
قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
قال ابن كثير رحمه الله: قيل «الغناء».
وقال مجاهد: باللهو والغناء، أي استخفَّهم بذلك([16]).
الاستحواذ على ثغر العين
النظر المسموم من أخطر سهام الشيطان وأفتك أسلحته بإيمان العبد المسلم، ولذلك فحرصه عليه أشدُّ من حِرصه على غيره، لأنَّ خطر فتنة النظر من خطر فتنة المنظور إليه، ولَمَّا كان المنظور إليه النساء، وهنَّ فتنةٌ على العبد؛ كان النظر إليهنَّ أخطر عليه، وكان بذلك الشيطان أحرص على إغواء المسلم به، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحذِّر أمَّته من فتنة النساء ويقول: «إنَّ الدنيا حلوة خضرة، وإنَّ الله مستخلفكم فيها فناظرٌ ماذا تفعلون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»([17]).
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء»([18]).
ولذلك قرن الله جلَّ وعلا بين حفظ الفرج وغضِّ البصر فقال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].
وللشيطان في استحواذه على ثغر العين مسلكان:
الأول- صرف العين عن النظر إلى مواطن الاعتبار.
الثاني- توجيهها إلى النظر المحرم.
فأما المسلك الأول:
فيعمد فيه الشيطان إلى صرف العين عن كلِّ ما يقوِّي إيمان المسلم ويشدُّ عزمه ويدلُّه على الهدى والرشاد، فيحرص أشدَّ الحرص عن صرف العين عن آيات الله الشرعية والكونية.
فكلَّ ما تأهَّب المسلم لتلاوة القرآن شغله ووسوس له بالشواغل والمغريات؛ فإذا لم يظفر منه بالمراد صرف عينه عن تدبُّر القرآن وفهم معانيه، وجعله ينثره نثر الدقل دونما إعمال لِما يقتضيه من التوحيد والعبادات، ودونما تأثر بما يدُلُّ عليه من الوعد والوعيد..
وكلَّما عمد المسلم إلى تعلُّم دينه والتفقُّه في شرعه؛ شغله وألهاه وأغفله عن النظر إلى ذلك بالتزيين لِما سواه وتقبيحه وتشنيعه. وكلَّما رأى من العبد وقفة تأمُّل في خلق الله وفي كونه وما فيه من الآيات الباهرة والدلائل القاهرة؛ صرف نظره عن ذلك بالوساوس، وهوَّن من شأن الآيات وما تقتضيه من الإيمان والإذعان للخالق الديان.
وهذا يظلُّ يقطع عليه كلَّ نظرة جالبة للخير، ويحوِّلها من حالها إلى نظرة التفرُّج والاستحسان حتى يبطل أثرها الطيب في القلب.
وأما المسلك الثاني:
فيعمله الشيطان للإيقاع بالمسلم في براثن الزنا والفساد، وما من شيء أسرع في قذف بذور الشهوة في القلب من النظرة؛ لذلك فالشيطان يجعلها أهم مداخله لنفث بذر الشهوة في القلب، ثم يسقيها بماء الأمنية، ولا يزال بالتغرير والأماني والوعود حتى يقوِّي عزيمة الناظر ويُوقِد شهوته وإرادته، ثم يُرديه صريعًا في مهاوي المعصية، لذلك ورد في النهي عن النظر المحرَّم نصوصٌ كثيرةٌ تُبيِّن خطورته وضرره، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة لله أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه»([19]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتبع النظر النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الأخرى»([20]).
كُلُّ الحَوَادِثِ مَبدَؤُهَا مِنَ النَّظَرِ | ||
ومُعظَمُ النَّارِ مِن مُستَصغَرِ الشَّرَرِ | ||
كَمْ نَظرَةٍ بَلغَت مِن قَلبِ صَاحِبِهَا | ||
كَمَبلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ القَوْسِ وَالوَتَرِ | ||
وَالعَبدُ مَا دَامَ ذا طَرفٌ يُقَلِّبُهُ | ||
فِي أَعْيُنِ العَيْنِ مَوقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ | ||
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ | ||
لا مَرحبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ | ||
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإنَّ النظرة تولِّد خطرة، ثم تولِّد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بدَّ ما لم يمنع منه مانع .. ولهذا قيل "الصبر على غضِّ البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".([21]).
وهكذا فإن استحواذ الشيطان على ثغر العين يُمكِّنه بأسهل طريق إلى الاستحواذ على الإنسان كلِّه وإيقاعه في أعظم الفواحش وأخبثها: الزنا، فإذا هو انتبه وكفَّ عن النظر والمطالعة، عوَّضه الله خيرًا منه، واستراح قلبه من كلفة طلب ما يرى، وأذهب عنه مغبَّة الهوى، وفوَّت على الشيطان موارد الردى!
وَكُنتَ مَتَى أَرسَلتَ طَرْفَكَ رَائِدًا | ||
لِقَلبِكَ يَومًا أَتْبَعَتْكَ الْمَنَاظِرُ | ||
رَأَيْتَ الَّذِي لاَ كُلّهُ أَنْتَ قَادِرٌ | ||
عَلَيْهِ وَلا عَنْ بَعْضٍ أَنتَ صَابِرُ | ||
وسهم النظر من أخطر السهام التي يفتك بها الشيطان إيمان المسلم، ويفوِّت عليه بذلك الفتح الفوائد العظيمة التي يُثاب عليها المؤمن إن هو غضَّ بصره وقهر صبوته.
قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
قال الشنقيطي رحمه الله: "فيه الوعيد لمن يخون بعَينه بالنظر إلى ما لا يحل له".
وبهذا السهم الخطير انتشرت الفواحش والكبائر والأمراض والأدواء في سائر الأرجاء، والله المستعان.
الاستحواذ على القلب
القلب هو مادة الصلاح والفلاح، وهو مناط النجاة والنجاح، فبصلاحه يصلح حال العبد في الدنيا والآخرة، كما أنَّ بفساده يخسر الدنيا والآخرة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
فلما كانت سلامة القلب هي مناط النفع في الدنيا والآخرة جعله الشيطان أعظم الثغور استهدافًا، فراح يتفنَّن في أساليب إعلاله وقتله، والقلوب بحسب تمكن الشيطان منها واستحواذه عليها ثلاثة:
الأول- قلب ميت:
وهو الذي قد تمكَّن الشيطان منه تمكُّنًا خالصًا، واستحوذ عليه استحواذًا مطلقًا، قد مُلئ شِركًا وكُفرًا، لا يعرف صاحبه ربَّه ولا يعبده بأمره، بل هو واقف مع شهوته ولذَّته ولو كان فيه سخط ربه وغضبه، إن أحبَّ أحبَّ لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، فالهوى إمامه، والشهوة قائدة، والجهل سائقه، والغفلة مركبه!
الثاني- قلب مريض:
وهو الذي قد تمكَّن الشيطان من بعضه ولم يظفر به كلِّه، فاستحواذه عليه بحسب غفلته وغلبة هواه؛ فهو قلبٌ حيٌّ بالإيمان وعليل بوساوس الشيطان فهو بين داعِيَين: داعي الإيمان وداعي الشيطان.
الثالث- قلبٌ حيٌّ سليم:
وهو الذي قد سلم من استحواذ الشيطان، وكان غالب حاله النجاة من نَيله ونزعه، وهو القلب الذي قد خلصت عبوديته لله، فنجا بإخلاصه لمولاه من بطش إبليس وعدواته.
فكيف يستحوذ الشيطان على القلوب؟
ولما كان القلب هو مناط الصلاح فإنَّ عدو الله إبليس ينهج نهجَين مترابطَين للإضرار والفتك به:
الأول- إدخال المواد الفاسدة عليه.
الثاني- قطع موارد صلاحه وطمأنينته.
إدخال المواد الفاسدة على القلب:
قال تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
فالنفس الأمَّارة بالسوء أكبر عون للشيطان في إغواء الإنسان، فكلَّما وجد منها أمرًا بالفساد والانحراف أعانها عليه واستعان بها عليه، وأمدَّها به، بل إنه ليستمدّ منها خطرات السوء، وليجد فيها ما لو كان وحده لم يقدر عليه!
وإذا تأمَّلت أخي الكريم في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ﴾ وجدت كلمة «أمَّارة» تدلُّ مبالغتها على كثرة أوامرها، وأن ذلك هو عادتها وديدنها ودأبها، ولذلك قال «أمَّارة» ولم يقل «آمِرَة»، ومن هذا فإنَّ الشيطان يجد فيها العون الأكبر على نفث خطراته الشريرة؛ فهي أنسب حرثٍ لِمَا يزرع، وأحدُّ سيفٍ يقطع!
فمن رامَ حفظ نفسه من شرور الشيطان حاسب نفسه على كلِّ خطرة، وأدام في أوامره الفكرة .. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.
قال أحد السلف: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم، فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك.
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبه الحاجة: «الحمد لله، نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا...».
والأحاديث في معنى الاستعاذة من شرور النفس كثيرة في السُنة.
قطع موارد صلاح القلب:
وذلك بقطع الطريق على كلِّ ما يُمكِّن من تقوية القلب وسلامته، ولأجل ذلك يعتمد الشيطان على شيئين:
الأول- الغفلة.
الثاني- الشهوة.
1- الغفلة:
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ﴾
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾
وقال تعالى عن آدم عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. وإنما أنساه الشيطان بإغوائه وإضلاله.
ففي هذه الآيات دلالة على أنَّ الغفلة سلاح فتَّاكٌ ينهجه الشيطان لإبعاد الإنسان عن ذِكر الرحمن؛ فيُثقله عن أداء الصلوات، ويُثبطه عن حضور مجالس الذِكر، ويُوسوس له في ذلك ويُخوِّفه، ويُزيِّن له العزلة والانفراد ليظفر به، وليحيل بينه وبين الاجتماع بالصالحين وحضور الجماعات والجمعات، وما من خطوة خيرٍ إلاَّ وتجد للشيطان فيها تقبيحًا وتنفيرًا.
2- الشهوات:
فالنفوس بطبيعتها ميَّالة للشهوات محبَّة لها، ولذلك فالشيطان إذا وجد من العبد ميلاً إليها زيَّنها في قلبه وقرَّبها إليه وجاهد في تحسينها وتحبيبها إلى قلب الإنسان حتى يتمكَّن منه، لاسيَّما مع وجود الميل الأصلي في قلب العبد لملذَّات الدنيا ومغرياتها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حُفَّت النار بالشهوات وحفَّت الجنة بالمكاره» .. ويظل عدوُّ الله يشمُّ الإنسان ويتحسَّس ما يشتهيه حتى يوقعه في مصائده، فإن كان العبد أضعف أمام النساء زيَّن له النظر المحرَّم والخلوة والمعاكسات والاختلاط بالأجنبيات، وإذا كان العبد أضعف أمام شهوة المال حبَّبه إليه وزيَّن إليه جمعه حتى يُوقعه في الغشِّ والخداع والمكر في البيوع، والتدليس والكذب والحنث في الربا.
ويظلُّ يستعين بالنفس الأمَّارة والغفلة والشهوة وقطع موارد الصلاح حتى يفسد عليه قلبه أو يُوقعه في الهلاك الجسيم .. نسأل الله العافية.
المخرج من فتنة الشيطان
وليس هناك مَخرجٌ من فتنة عدو الله إبليس إلاَّ باقتفاء الطريق المستقيم والسير عليه السير القويم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]
ولقد شرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية فخطَّ خطًّا بيده، ثم قال: «هذه سبيل الله مستقيمًا»، وخطَّ عن يمينه وشماله ثم قال: «هذه السُبل ليس فيها سبيل إلاَّ عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ الآية([22]).
فالشيطان إنما يظفر بمن حاد عن طريق الله جلَّ وعلا وطاعته، وأمَّا من اقتفى سبيل الهدى وخالف الوساوس والهوى وجاهد نفسه بالتقى فليس للشيطان عليه سبيل، وما له عليه من دليل..
فما هي معالم هذا الطريق؟
الأول- توحيد الله جل وعلا:
فلقد تقدم أن غاية الشيطان في إضلال الإنسان هي الإيقاع به في براثن الشرك وأوحال الكفر ومُوجبات الخلود في النار، فهذا هو غاية مراده ومطلبه، وإنما يقنع من الإنسان المعاصي دون الشرك إذا هو يئس في امتحانه فيه وتدنيسه بأوساخه وويلاته، ومن هنا فإنَّ صاحب التوحيد الخالص أبعد الناس عن مصائد الشيطان ومكائده؛ لأنه مهما ارتكب من ذنوب ومهما أوقع الشيطان فيه من المعاطب والعيوب فإنَّ الله جلَّ وعلا يغفر له ذنبه ويقبل منه توبته إذا هو أتاه بخالص التوحيد لا يشرك به شيئًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»([23]).
فمن هذا يظهر أنَّ بركة التوحيد تحفظ المسلم الموحِّد من مغبَّات وساوس الشيطان، وتفوت عليه إضلاله وشطحاته.
قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾.
فأمَرَ سبحانه بالعلم بكلمة التوحيد، وفي ذلك وجوب بذل الجهد في فِقه العقيدة والإيمان ما لا يخفى على أحد .. والسِّـرُّ في أنَّ التوحيد الخالص يحول بين المسلم وبين وساوس الشيطان أنَّ التوحيد نورٌ في قلب المؤمن، ولا يسكن الشيطان محلاًّ قد شعَّ فيه نور الإيمان.
الثاني- العلم:
فإنما يقع في أحضان الشيطان أحد اثنين:
الأول عالم لا يعمل بعلمه، والثاني جاهل بالدين يعبد ربه على غير علم أو بينة.
فأما العالم الذي يعمل بعلمه فمدخله الشهوة والغفلة ومتعلقاتهما من الغضب ونحوه.
وأما الجاهل بالدين فيدخله الشيطان إمَّا بتزيين عبادته الباطلة فيُوقعه في ألوان البدع والضلالات، وإما بتثبيطه عن تعلُّم الدين واتباع هدي سيد المرسلين، فالأول مدخله «البدعة» والثاني «الإعراض عن دين الله» لا يتعلَّمه ولا يعمل به.
ولذلك فإنَّ سلاح العلم أفتك بالشيطان من مجرَّد العمل بغير علم، ولذلك ورد في فضل العلم نُصوص كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين»([24]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»([25]).
والسِّـرُّ في كون العلم من مقامع الشيطان هو اشتماله على وسائل النجاة من حِيَل إبليس ومكائده واشتماله على التعريف بمداخله وأساليبه، واشتماله على مقويات الإيمان ودلائل التوحيد وآيات الثبات على الدين.
الثالث- الإخلاص:
فإنَّ عدوَّ الله قد بيَّن أنَّ الإخلاص هو مناط النجاة من إغوائه وتغريره، قال تعالى عنه: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.
وقال تعالى ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
فتضمَّن ذلك أمرين:
أحدهما نفي سُلطانه وإبطاله على أهل التوحيد والإخلاص.
والثاني إثبات سُلطانه على أهل الشرك وعلى من تولاه.
ولَمَّا علم عدوُّ الله أنَّ الله تعالى لا يُسلِّطه على أهل التوحيد والإخلاص قال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾..
فعلم عدو الله أنَّ من اعتصم بالله عزَّ وجل وأخلص له وتوكَّل عليه لا يقدر على إغوائه وإضلاله، وإنما يكون له السلطان على من تولاَّه وأشرك مع الله، فهؤلاء رعيته فهو وليهم وسلطانهم ومتبوعهم([26]).
الرابع- احفظ الله يحفظك:
فوسائل الوقاية من إبليس هي نفسها عبادة الله جلَّ وعلا كما أمر، ومجاهدة النفس على الطاعة، ومفرداتها في كتاب الله وسنة رسوله كثيرةٌ جدًّا يصعب حصرها، وإنما على المسلم أن يطرق وسائل الحفظ سالكًا طريق الحفاظ على الفرائض والواجبات، مُنتهِيًا عما نهى الله جلَّ وعلا عنه من الموبقات والمحرمات، ومُستكثِرًا من الفضائل والخيرات.
فإذا علم الله جلَّ وعلا منه إخلاصًا في عبادته، ويقينًا في حفظه جمع عليه أمره وهداه إلى كلِّ وسائل الوقاية والعلاج من خطرات الشيطان ونفثاته.
ومن أهم ما يُنصَح به المسلم في وقاية النفس من إبليس الحفاظ على الصلاة في وقتها مع الجماعة؛ فقد قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) رواه البخاري.
([2]) متفق عليه.
([3]) برهان الشرع في إثبات المس والصرع علي حسن الحلبي (199).
([4]) رواه البخاري.
([5]) إغاثة اللهفان.
([6]) تلبيس إبليس.
([7]) إغاثة اللهفان (197).
([8]) رواه مسلم.
([9]) مدخل الشيطان على الصالحين (26).
([10]) متفق عليه.
([11]) رواه الترمذي.
([12]) رواه الترمذي.
([13]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
([14]) الجواب الكافي ص (251).
([15]) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
([16]) تفسير ابن كثير (3/50).
([17]) رواه مسلم.
([18]) رواه مسلم.
([19]) رواه الحاكم.
([20]) رواه أبو داود والحاكم.
([21]) الجواب الكافي (367).
([22]) رواه النسائي.
([23]) رواه مسلم.
([24]) متفق عليه.
([25]) رواه الترمذي.
([26]) إغاثة اللهفان: 170.