الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لما كان الإيمان بالله جل وعلا هو مفتاح الفلاح في الدارين، وطريق الجنَّة والنجاة؛ كان حقيقًا على كل مسلم أن يكون أشد تعاهدًا لإيمانه من تعاهده لكل مصالحه.. وأن يتفقد إيمانه بما يمكنه من حفظه وتجديده ثباته.. فإيمانك بالله – أخي – كنزٌ لا يُعلم بعده كنز ونعمة لا تفضلها نعمة, ومنبع كل فضل ورحمة.
فإيمانك طريق الهدى.. قال تعالى: }وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ{ [التغابن: 11].
وإيمانك نجاتك يوم يجمع الله الورى.. قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [العصر: 1-3].
وإيمانك طريقك إلى السعادة والحياة الطيبة.. }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
أخي.. فإذا كانت تلك هي بعض ثمرات الإيمان.. وأنت أحوج إليها في حياتك من احتياجك لكل شيء..
فالهدى يسدد في الحياة خطاك.. ويحفظك من الضلال.. وسعادتك حصن لك من التعب والشقاء..
ونجاتك يوم القيامة حفظ لك من العذاب.
فحري بك أن تنظر بين الفينة والأخرى إلى حالك..
وأن تتأمل في حقيقة أعمالك.. أهي تضر إيمانك وتفرح شيطانك أم هي عون لك على الهدى وزيادة الإيمان؟
فكيف تتفقد إيمانك؟
شجرة الإيمان تحتاج الرعاية
أخي.. إن إيمانك بالله جلَّ وعلا شجرة كأطيب الشجر إذا أهلمتها ذبلت أوراقها، وانكمشت أغصانها، وقلَّت ثمارها، وتوقف نماؤها، بينما تعاهدك لها يصيرها من الأثمار والجمال والقوة في أحسن حال، وكأطيب ما تكون الأشجار.
قال الله تعالى: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{ [إبراهيم: 34، 25].
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «فمثَّل الله سبحانه كلمة الإيمان التي هي أطيب الكلمات بشجرة هي أطيب الأشجار، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة: أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال، كل وقت وكل حين، تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة والثمرات النافعة.
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها.
فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها! ويجتهد في التحقيق بها: علمًا وعملاً. فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة» [التوضيح والبيان ص6].
فكيف تتعاهد إيمانك؟
1- كن دائم الاستشعار لمراقبة الله لك: فهو سبحانه أقرب إليك من نفسك؛ يسمع كلامك، ويبصر فعالك وأحوالك، }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{.. }وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ{.. }مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ{.. تأمل في حال المرأة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله من معاملة زوجها.. وقد أنزل الله في شأنها: }قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{.
فأنت أيضًا يسمع الله كلامك.. جهره وهمسه.. ويعلم أحوالك.. وأنفساك ووسواسك.. }وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ{.
ويبصرك أينما كنت.. وأينما حللت.. }لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار{.. }أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى{.
وإن عبدًا مستديمًا على استشعار هذه الصفات الإلهية العظيمة.. مؤمنًا بعظمة الله وجلاله ليغمره الحياء من أن يعصي الله.. ويملأه الخوف من أن يقترف ما يغضب الله.. بل إن يقينه باطلاع الله عليه.. ليولد في نفسه حرارة إيمانية ينكمش معا وجهه.. ويخفق لها قلبه.. ويغض معها طرفه.. خشية أن يطلع الله على إصرار كامن في نفسه.. أو نية سوء مختفية في حسه.. فلا ترى إذا أخطأ إلا فزعًا للتوبة.. وفي الحديث الصحيح قال رسول الله ﷺ: «استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح في قومك».
ومراقبة الله جلَّ وعلا.. والاستدامة على تذكر اطلاعه.. وسمعه وبصره وعلمه بأحوال عباده.. يخجل المؤمن الصادق من نفسه.. فلا يكاد ينطق إلا بما يرضي الله.. ليس لأنه يخاف أن يسجل عليه الملك كلامه.. ولكن قبل ذلك؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم قوله وسره وجهره.. }إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ{.
أخي الكريم: يا من تتوق إلى الإيمان العالي.. ويا من ترغب في تقوية يقينك.. ويا من تتطلع إلى بلوغ درجة الإحسان..
تذكر أن سرَّ عباداتك كلها والتي ينمو بها إيمانك لا تؤتي ثمارها إلا بحسب صلابة أساسها الذي هو معرفة الله سبحانه.
فإذا عرفت أنه سبحانه مع خلقه كلهم.. بعلمه وإطلاعه وسمعه وبصره.. يرى النملة السوداء فوق الحجرة الصماء في الليلة الظلماء.. وأنه سبحانه مع ذلك عال فوق خلقه.. وأنه سبحانه عظيم كبير قاهر متعال.. وأنه رحيم بخلقه غفور حليم يقبل معاذيرهم.. ويغفر ذنوب التائبين.. دعتك معرفتك هذه إلى أمرين:
الأول: هو تعظيم الله جلَّ وعلا والخشية منه سبحانه.. وكذلك حسن الظن به، والطمع في رحمته.
الثاني: هو استشعار مراقبة الله جلَّ وعلا وأن تعبده كأنك تراه.
وهذان الأمران هما أهم ثمار معرفة الله بأوصافه وصفاته.. وبهما لا تزال شجرة إيمانك تنمو وتزهو وتتفرع وتتشعب حتى ترقى بك إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.
وتأمل في قول الله جلَّ وعلا: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{.. فعلى قدر علم العبد بربه تكون خشيته له.. فمن أيقن باطلاع الله عليه.. وعلم علم اليقين بصفاته.. ألزمه يقينه الوقوف على حدود الله.. ومراعاة أوامره.. والمسابقة إلى بره.
أخي.. تذكَّر.. أنك تعبد ربًا رقيبًا لا يغفل ولا ينام.. فلا تغفل عن أمره.. أو تظن أنك مختفٍ عن علمه.. فتحشر مع الذين قال الله فيه: }وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ{.
وتذكَّر أخي.. أن معرفة الله المقترنة بمقتضياته من خشيته والخوف منه والحياء من جلاله.. هي ما يولد في النفس حلاوة الإيمان التي قال عنها رسول الله ﷺ: «ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبينًا ورسولاً».
وصاحب هذا الإيمان.. لا يرى إلا مستكينًا لله.. خاضعًا لحكمه.. خائفًا من الانزلاق من مخالفته.. فإذا غلبته غفلة.. أو غفلته شهوة.. تاب، لكن توبة الفزع القلق.. المذعور الخائف.. المدرك لعلم الله بفعله.. المتحسر على ذنبه.. الراغب في عفو ربه.. فتراه وقد أصبح بعد الذنب أرقى وأعلى في مرتبة الإيمان.. وكل ذلك؛ لأنه دائم الاستشعار بمراقبة الله له.
2- تفقد إيمانك بإحسان العبادة: فالإيمان لا يتقوى إلا بالعبادة.. وللعبادة شرطان:
الأول: الإخلاص لله. والثاني: المتابعة لهدي نبيه ﷺ.
فبهذين الشرطين تصح العبادات والطاعات ويكون لها أثر في زيادة الإيمان وحفظ الأعمال من الإحباط؛ فرب مستكثر من الطاعات لم ينفعه استكثاره وتعبه؛ لأنه إمَّا أقدم على الطاعة بغير نية صادقة، أو أنه عبد الله على غير علم واتباع. ولأجل هذا قال تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ [الكهف: 110].
قال ابن كثير رحمه الله: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لابد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله ﷺ، وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره».
فأخلص – أخي – النية.. وجمل الطوية.. واجعل عبادتك كلها وأعمالك جميعها لله وحده.. فالإخلاص من أعظم أسباب البركة في الأعمال.. فإذا كان العمل خالصًا لله، وكان على ما يريد الله سبحانه فإنه يبارك فيه فيثمر القليل منه الكثير.. ولذلك قال رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].
فالسير سير القلب.. ومن خلا قلبه من النية.. لم يكن لطاعاته مزية..
أخي.. واعلم أن العبادة لا تقتصر على شعائر معينة.. وإنما هي حالة يتقلب فيها العبد وفق مراد الله سبحانه.. يتعبده بالصلاة إذا حان وقتها.. ويتعبده بالنوافل في وقتها.. ويتعبده بتلاوة القرآن والذكر.. ويتعبده بصلة الرحم والأقارب ويتعبده بالإنفاق.. وهكذا يظل يتقلب في العبادات وفق ما يريده الله منه فليس له في نفسه حظ وإنما بغيته الله والدار الآخرة.
قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{.
فمن فقه هذه الأمور نفعته أعماله، فقد قال ﷺ: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [متفق عليه].
تفـقـد قــلبك:
فإن سلامته سلامتك.. وعافيته عافيتك.. وصلاحه صلاحك.. قال ﷺ: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
أدنه من الذكر فإن فيه رقته وسلامته وقوته وطمأنينته.. قال تعالى: }الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].
قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك؛ صدئ فإذا ذكره جلاه.
وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب.
وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر» [الوابل الصيب ص80].
قال ﷺ: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت».
فذكر الله علاج قسوة القلوب.. ومادة قوتها وسكينتها.. وهو غراس الإيمان فيها.. يقول العلامة السعدي رحمه الله: «ومن أسباب دواعي الإيمان: الإكثار من ذكر الله في كل وقت، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه, كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه» [التوضيح والبيان ص59].
وفضائل ذكر الله أكثر من أن تحصى وأكبر من أن تحصر، وهو أفضل وسائل النجاة يوم القيامة كما قال رسول الله ﷺ: «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عزَّ وجلَّ» [رواه أحمد].
فأصقل -أخي- قلبك بذكر الله.. وأكثر من التسبيح والاستغفار.. واجعل أذكار الصباح والمساء وردًا يوميًا ثابتًا لا تخل به، فإن ذلك أدعى لثبات إيمانك وقوته وصلابته.. واعلم أن حرصك على الأذكار.. والدعاء.. والاستعاذات النبوية هو أعظم سلاح تقمع به الشيطان فإنه وسواس خنَّاس.. يقهره ذكر الله.. ويقطع عليه كيده ومكره.
أكثر من هذه العبادات:
* الصيام: فإنه من أعظم ما تصلح به القلوب، فهو يثمر رقة القلب وغزارة الدمع.
فعن أبي أمامة قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به، قال: «عليك بالصيام، فإنه لا مثل له» [رواه الحاكم وصححه، وانظر: صحيح الترغيب 1/413].
وهو كفارة للخطايا ورفعة للدرجات، ومن أعظم موجبات الجنة والنجاة من النار؛ لذلك فإن الحرص عليه من مقويات الإيمان وأسباب زيادته.
وقد كان ﷺ يتحرى صيام الاثنين والخميس، ويوصي بصيام ثلاثة من كل شهر.
* قراءة القرآن: فهي من موجبات تقوية الإيمان، وبركته؛ لأنها باب من أبواب التفكر في المعاد والتعرف على الله وشرعه، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» [رواه مسلم]ن وفي الحديث قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل الثمرة لا ريح لها وطعمها حلوة...» [متفق عليه].
* الحفاظ على الرواتب والنوافل: فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» [رواه البخاري].
* الحرص على المعروف: فإن كل معروف صدقة، وقد قال ﷺ: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» [رواه مسلم].
قال السعدي رحمه الله: «وكذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل والجاه وأنواع المنافع، هو من الإيمان، ومن دواعي الإيمان، والجزاء من جنس العمل، فمن أحسن على عباد الله، وأوصل إليهم من بره ما يقدر عليه، أحسن الله إليه أنواعًا من الإحسان ومن أفضلها: أن يقوي إيمانه ورغبته في فعل الخير، والتقرب إلى ربه، وإخلاص العمل له، ولذلك قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [متفق عليه].
أخــي الـكـريم.. وهذه القربات لا تؤتي ثمارها في زيادة الإيمان وحفظه إلا إذا حافظ المسلم على فرائض الله وانتهى بأوامره، أمَّا الحرص على المستحبات مع إتيان المحرمات فهو خلاف الأصل؛ لأن رسول الله ﷺ يقول: «ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم».
* الحرص على مجالس الذكر: وهي من أعظم ما يحفظ به الإيمان قال تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ { [التوبة: 119].
قال ابن مسعود: «نعم المجلس, المجلس الذي تنشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرحمة؛ مجالس الذكر».
وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: «أدنه من الذكر». وقال: «مجالس الذكر محياة العلم، وتحدث في القلب الخشوع, القلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر».
قال ابن رجب: «وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة وتغشى السكينة، وتحف الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبًا، وربما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له، وهي رياض الجنة: قال النبي ﷺ: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «مجالس الذكر» [رواه الترمذي]».
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * *