الوصف المفصل
التوضيح والبيان لشجرة الإيمان
الشيخ العلامة: عبد الرحمن السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي غرس شجرة الإيمان في قلوب عباده الأخيار ، وسقاها وغذاها بالعلوم النافعة ، والمعارف الصادقة ، واللهج بذكره آناء الليل والنهار ؛ وجعلها تؤتي أكلها وبركتها كل حين من الخيرات والنعم الغزار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الواحد القهار ، الكريم الرحيم الغفار ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرسول المصطفى المختار . اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار .
أما بعد : فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين وأعظم أصول الحق واليقين ؛ مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم –الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه-
ومن سنة نبيه محمد ﷺ : التي توافق الكتاب وتفسره ، وتعبر عن كثير من مجملاته ، وتفصل كثيراً من مطلقاته . مبتدئاً بتفسيره، مثنياً بذكر أصوله ومقوماته ، ومن أي شيء يستمد ؟ مثلثاً بفوائده وثمراته، وما يتبع هذه الأصول .
قال الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ( 24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 25) ) ( [1]) : ( 14/24-25) ( [2]) .
فمثل الله كلمة الإيمان –التي هي أطيب الكلمات- بشجرة هي أطيب الأشجار ، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة : أصولها ثابتة مستقرة ، ونماؤها مستمر ، وثمراتها لا تزال ، كل وقت وكل حين ، تغل على أهلها وعلى غيرهم ، المنافع المتنوعة ، والثمرات النافعة .
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتاً عظيماً ، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها . فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها، ومعرفة أوصافها وأسبابها ، وأصولها وفروعها ؛ ويجتهد في التحقق بها : علماً وعملاً . فإن نصيبه – من الخير والفلاح ، والسعادة العاجلة والآجلة- بحسب نصيبه من هذه الشجرة.
الفصل الأول: في حد الإيمان وتفسيره
حدود الأشياء وتفسيرها الذي يوضحها ، تتقدم أحكامها ؛ فإن الحكم على الأشياء فرع عن تصورها ، فمن حكم على أمر من الأمور- قبل أن يحيط علمه بتفسيره ، ويتصوره تصوراً يميزه عن غيره- أخطأ خطاً فاحشاً .
أما حد الإيمان وتفسيره ، فهو : التصديق الجازم ، والاعتراف التام بجميع ما أمر الله ورسوله بالإيمان به ؛ والانقياد ظاهراً وباطناً . فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لأعمال القلوب وأعمال البدن . وذلك شامل للقيام بالدين كله .
ولهذا كان الأئمة والسلف يقولون : الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح .
وهو : قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية . فهو يشمل عقائد الإيمان ، وأخلاقه ، وأعماله .
فالإقرار والإعتراف بما لله تعالى : من الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، والأفعال الناشئة عن أسمائه وصفاته . هو من أعظم أصول الإيمان .
وكذلك الاعتراف بما لله من الحقوق الخاصة –هو : التأله والتعبد لله ظاهراً وباطناً- من أصول الإيمان .
والاعتراف بما أخبر الله به عن ملائكته وجنوده ، والموجودات السابقة واللاحقة ؛ والإخبار باليوم الآخر ، كل هذا من أصول الإيمان .
وكذلك الإيمان بجميع الرسل –صلوات الله وسلامه عليهم- وما وصفوا به في الكتاب والسنة من الأوصاف الحميدة ، كل هذا من أصول الإيمان .
كما أن أعظم أصول الإيمان : الاعتراف بانفراد الله بالوحدانية والألوهية ، وعبادة الله وحده لا شريك له ، وإخلاص الدين لله ، والقيام بشرائع الإسلام الظاهرة ، وحقائقه الباطنة . كل هذا من أصول الإيمان .
ولهذا رتب الله على الإيمان دخول الجنة والنجاة من النار ، ورتب عليه رضوانه والفلاح والسعادة . ولا يكون ذلك إلا بما ذكرنا : من شموله للعقائد وأعمال القلوب ، وأعمال الجوارح . لأنه متى فات شيء من ذلك : حصل من النقص وفوات الثواب ، وحصول العقاب –بحسبه .
بل أخبر الله تعالى : أن الإيمان المطلق تنال به أرفع المقامات في الدنيا ، وأعلى المنازل في الآخرة ؛ فقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ( 57/19) والصِّديقون هم أعلى الخلق درجة بعد درجة الأنبياء : في الدنيا ، وفي منازل الآخرة . وأخبر في هذه الآية : أن من حقق الإيمان به وبرسله ، نال هذه الدرجة .
ويفسر ذلك ويوضحه ما ثبت في الصحيحين عنه ﷺ قال : ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف في الجنة( [3])، كما تراءون الكوكب الشرقي أو الغربي في الأفق ؛ لتفاضل ما بينهم ؛ فقالوا : يا رسول الله : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؛ قال : بلى- والذي نفسي بيده- رجال آمنوا بالله ، وصدقوا المرسلين) .
وإيمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين : في ظاهرهم وباطنهم ، في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وفي كمال طاعتهم لله ولرسله . فقيامهم بهذه الأمور ، به يتحقق إيمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين .
وقد أمر الله في كتابه بهذا الإيمان العام الشامل ، وما يتبعه : من الانقياد والاستسلام ؛ وأثنى على من قام به ؛ فقال في أعظم آيات الإيمان : (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 136) ) ( 2/136) .
فأمر الله عباده بالإيمان بجميع هذه الأصول العظيمة ؛ والإيمان الشامل بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله ؛ وبالإخلاص والإستسلام والانقياد له وحده – بقوله : ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) .
كما أثنى على المؤمنين – في آخر السورة - بالقيام بذلك ؛ فقـال : ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) ( 2/285) .
فأخبر : أن الرسول ومن معه من المؤمنين ، آمنوا بهذه الأصول ولم يفرقوا بين أحد من الأنبياء ؛ بل آمنوا بهم جميعاً ، وبما أتوه من عند الله ؛ وأنهم التزموا طاعة الله ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ؛ وطلبوا من ربهم : أن يحقق لهم ذلك وأن يعفو عن تقصيرهم ببعض حقوق الإيمان ؛ وأن مرجع الخلائق كلهم ومصيرهم إلى الله : يجازيهم بما قاموا به من حقوق الإيمان ، وما ضيعوه منها . كما قال تعالى عن أتباع الأنبياء –عيسى وغيره- أنهم قالوا : ( رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( 3/53) .
فآمنوا بقلوبهم ، والتزموا بقلوبهم ، وانقادوا بجوارحهم ؛ وسألوا الله أن يحقق لهم القيام به : قولاً ، وعملاً ، واعتقاداً .
وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( 3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) ( 8/2-4) .
فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام بأصول الدين وفروعه ، وظاهره وباطنه ، فإنه وصفهم بالإيمان به إيماناً : ظهرت آثاره في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة ، وأنه – مع ثبوت الإيمان في قلوبهم- يزداد إيمانهم كلما تليت عليهم آيات الله ، ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله ؛ وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله ، ومعتمدون في أمورهم كلها عليه ، ومفوضون أمورهم إليه . وهم مع ذلك يقيمون الصلاة فرضها ونفلها : يقيمونها ظاهراً وباطناً ، ويؤتون الزكاة ، وينفقون النفقات الواجبة والمستحبة. ومن كان على هذا الوصف : فلم يبق من الخير مطلباً ، ولا من الشر مهرباً . ولهذا قال : ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ، الذين يستحقون هذا الوصف على الحقيقة ، ويحققون القيام به ظاهراً وباطناً ، ثم ذكر ثوابهم الجزيل –المفرة المتضمنة لزوال كل شر ومحذور ، ورفعة الدرجات عند ربهم ، والرزق الكريم المتضمن من النعم مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر( [4]) .
وقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( 3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( 4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( 6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( 9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( 10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( 23/1-11) .
ففسر الله الإيمان –في هذه الآيات- بجميع هذه الخصال . فإنه أخبر بفلاح المؤمنين ، ثم وصفهم بقوله : ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) إلى آخر الآيات المذكورة . فمن استكمل هذه الأوصاف فهو المؤمن حقاً . ومضمونها : القيام بالواجبات الظاهرة والباطنة ، واجتناب المحرمات والمكروهات . وبتكميلهم للإيمان استحقوا وراثة جنات الفردوس التي هي أعلى الجنات ؛ كما أنهم قاموا بأعلى الكمالات .
وهذه صريحة في أن الإيمان يشمل عقائد الدين ، وأخلاقه ، وأعماله الظاهرة والباطنة ، ويترتب على ذلك : أنه يزيد بزيادة هذه الأوصاف والتحقق بها ، وينقص بنقصها ، وأن الناس في الإيمان درجات متفاوتة بحسب تفاوت هذه الأوصاف .
ولهذا كانوا ثلاث درجات : سابقون مقربون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات والمستحبات ، وتركوا المحرمات والمكروهات ، وفضول المباحات ، ومقتصدون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات ، وتركوا المحرمات ، وظالمون لأنفسهم ، وهم : الذين تركوا بعض واجبات الإيمان ، وفعلوا بعض المحرمات ، كما ذكرهم الله بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ( 35/32) .
وقد يعطف الله على الإيمان ، الأعمال الصالحة أو التقوى أو الصبر ، للحاجة إلى ذكر المعطوف . لئلا يظن الظان : أن الإيمان يكتفي فيه بما في القلب . فكم في القرآن من قوله( [5]) : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ؛ ثم يذكر خبراً عنهم . والأعمال الصالحات : من الإيمان ، ومن لوازم الإيمان . وهي التي يتحقق بها الإيمان . فمن ادعى أنه مؤمن -: وهو لم يعمل بما أمر الله به ورسوله : من الواجبات ، ومن ترك المحرمات.- فليس بصادق في إيمانه .
كما يقرن بين الإيمان والتقوى ، في مثل قوله تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ( 10/62-63) .
فذكر الإيمان الشامل لما في القلوب : من العقائد والإرادات الطيبة ، والأعمال الصالحة ، ولا يتم للمؤمن ذلك حتى يتقي ما يسخط الله : من الكفر والفسوق والعصيان . ولهذا حقق ذلك بقوله: ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) كما وصف الله بذلك خيـار خلقــه ، بقولـه : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ( 7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ( 49/7-8) .
فهذه أكبر المنن : أن يحبب الإيمان للعبد ، ويزينه في قلبه ، ويذيقه حلاوته : وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ؛ ويُبغِّض الله إليه أصناف المحرمات . والله عليم بمن يستحق أن يتفضل عليه بهذا الفضل ، حكيم في وضعه في محله اللائق به .
كما ثبت في الصحيح -من حديث أنس t- أنه ﷺ قال( [6]) : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع عن دينه ، كما يكره أن يقذف في النار)
فذكر أصل الإيمان الذي هو : محبة الله ورسوله ؛ لا يكتفي بمطلق المحبة ، بل لابد أن تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب ، وذكر تفريغها : بأن يحب لله ، ويبغض لله . فيحب الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين ؛ لأنهم قاموا بمحاب الله واختصهم من بين خلقه ، وذكر دفع ما يناقضه وينافيه ، وأنه يكره أن يرجع عن دينه أعظم كراهة ، بقدر أعظم من كراهة إلقائه في النار .
وأخبر في هذا الحديث : أن للإيمان حلاوة في القلب ، إذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية ، وعن الأغراض النفسية ، وأوجبت له الحياة الطيبة ، فإن من أحب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعاً – فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره- واجتهد في متابعة الرسول، وقدم متابعته على كل قول ، وعلى إرادة النفوس ، وأغراضها . من كان كذلك : نفسه مطمئنة مستحلية للطاعات ، قد انشرح صدر صاحبها للإسلام ، فهو على نور من ربه . وكثير من المؤمنين لا يصل إلى هذه المرتبة العالية (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) ( [7]) .
وكذلك في الصحيحين –من حديث أبي هريرة أنه ﷺ قال( [8]) : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ؛ أعلاها قول : لا إله إلا الله وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق . والحياء شعبة من الإيمان ) .
وهذا صريح : أن الإيمان يشمل أقوال اللسان وأعمال الجوارح ، والاعتقادات والأخلاق ، والقيام بحق الله ، والإحسان إلى خلقه . فجمع في هذا الحديث بين أعلاه وأصله وقاعدته- وهو قول : لا إله .إلا الله ؛ إعتقاداً ، وتألهاً ، وإخلاصاً لله- وبين أدناه ، وهو : إماطة العظم والشوكة وكل ما يؤذي ، عن الطريق فكيف بما فوق ذلك : من الإحسان ، وذكر الحياء و-الله أعلم- : لأن الحياء به حياة الإيمان، وبه يدع العبد كل فعل قبيح .كما به يتحقق كل خلق حسن، وهذه الشعب –المذكورة في هذا الحديث- هي جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة .
وهذا -أيضاً – صريح : في أن الإيمان يزيد وينقص بحسب زيادة هذه الشرائع والشعب ، واتصاف العبد بها أو عدمه ، ومن المعلوم : أن الناس يتفاوتون فيها تفاوتاً كبيراً ، فمن زعم : أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص : فقد خالف الحس ، مع مخالفته لنصوص الشارع كما ترى.
وقد ذكر النبي - ﷺ- الإسلام والإيمان في حديث جبريل المشهور( [9]) ، حيث سأله جبريل بحضرة الصحابة عن الإيمان ، فقال : ( أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر والقدر) ؛ وفسر الإسلام بالشرائع الخمس الظاهرة .
لأنه –كما تقدم- إذا قرن بالإيمان غيره ، فسر الإيمان بما في القلب من العقائد الدينية ؛ والإسلام أو الأعمال الصالحة بالشرائع الظاهرة . وأما عند الإطلاق إذا أطلق الإيمان ، فقد تقدم أنه يشمل ذلك أجمع.
وفي الصحيحين –من حديث أنس- أن النبي ﷺ قال( [10]) : ( لا يؤمن أحدكم ، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
فأخبر ﷺ : أنه إذا تعارضت المحبتان ؛ فإن قدم ما يحبه الرسول : كان صادق الإيمان ؛ وإلا : فهو ناقص الإيمان . كما قال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ( 4/65) .
فأقسم تعالى : أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله، ولا يبقى في قلوبهم حرج وضيق من حكمه وينقادوا له انقياداً ، وينشرحوا لحكمه. وهذا شامل في تحكيمه في أصول الدين ، وفي فروعه ، وفي الأحكام الكلية ، والحكام الجزئية .
وفي الصحيحين( [11]) أيضاً –عن أنس مرفوعاً-: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . وذلك يقتضي أن يقوم بحقوق إخوانه المسلمين الخاصة والعامة ؛ فإنه من الإيمان . ومن لم يقم ذلك ويحب لهم ما يحب لنفسه ، فإنه لم يؤمن الإيمان الواجب ، بل نقص إيمانه بقدر ما نقص من الحقوق الواجبة عليه .
وفي صحيح مسلم( [12]) –من حديث العباس بن عبدالمطلب t- قال : قال رسول الله ﷺ : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً) .
والرضا بذلك يقتضي الفرح بذلك ، والسرور بربوبية الله له ، وحسن تدبيره وأقضيته عليه ، و[أن( [13])] يرضى بالإسلام ديناً ، ويفرح به ، ويحمد الله على هذه النعمة التي هي أكبر المنن : حيث رضي الله له( [14]) الإسلام ووفقه له ، واصطفاه له : ويرضى بمحمد- ﷺ- نبياً : إذ هو أكمل الخلق ، وأعلاهم في كل صفة كمال ، وأمته وأتباعه أكمل الأمم وأعلاهم ، وأرفعهم درجة في الدنيا والآخرة .
فالرضا بنبوة الرسول ورسالته ، وإتباعه –: من أعظم ما يثمر الإيمان ، ويذوق به العبد حلاوته ، قال تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ( [15]) ( 3/164) .
( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( 9/128).
فكيف لا يرضى المؤمن بهذا الرسول الكريم ، الرءوف الرحيم ؛ الذي أقسم الله( [16]) أنه لعلى خلق عظيم ؛ وأشرف مقام للعبد انتسابه لعبودية الله ، واقتداؤه برسوله ، ومحبته واتباعه ؛ وهذا علامة محبة الله وباتباعه تتحقق المحبة والإيمان ؟!
قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ( [17])
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ( 3/31) .
وفي صحيح مسلم( [18]) –من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي –قال: قلت : يا رسول الله ؛ قل لي في الإسلام قولاً ، لا أسأل عنه أحداً بعدك . قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم) .
فبين ﷺ -بهذه الوصية الجامعة -: أن العبد إذا اعترف بالإيمان ظاهراً وباطناً ، ثم استقام عليه –قولاً وعملاً ، فعلاً وتركاً-: فقد كمل أمره ، واستقام على الصراط المستقيم ، ورجى له أن يدخل مع من قال الله عنهم : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) ( 41/30-32) .
وفي حديث ابن عباس –المتفق عليه- في وفد عبدالقيس ، حين وفدوا على النبي ﷺ ، حيث قالوا : ( مرنا بأمر فصل : نخبر به من وراءَنا وندخل به الجنة ) ؛ وسألوه عن الأشربة . فأمرهم بأربع ، ونهاهم عن أربع : أمرهم : بالإيمان بالله وحده ؛ [و] قال : ( أتدرون : ما الإيمان بالله وحده؟) قالوا ؛ ( الله ورسوله أعلم) ؛ قال : ( شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ؛ وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس ) ونهاهم عن أربع: (عن الحنتم، والدُبَّاء، والنَّقير، والمزفت)( [19]) وقال: (احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم).
فهذا -أيضاً – صريح في إدخاله الشرائع الظاهرة بالإيمان ؛ مثل الصلاة والزكاة والصيام ، وإعطاء الخمس من المغنم . وكل هذا يفسر الإيمان تفسيراً تدخل فيه الأعمال البدنية فكل ما يقرب إلى الله –من قول وعمل واعتقاد- فإنه من الإيمان .
وفي سنن أبي داود( [20]) ، عن أبي أمامة ، قال رسول الله ﷺ : ( من أحب لله ، وأبعض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله : فقد استكمل الإيمان).
فالحب والبغض : في القلب والباطن ؛ والعطاء والمنع : في الظاهر . واشترط فيها كلها : الإخلاص الذي هو روح الإيمان ولبه وسره .
فالحب في الله ك أن يحب الله ، ويحب ما يحبه : من الأعمال والأوقات والأزمان والأحوال ؛ ويحب من يحبه : من أنبيائه وأتباعهم.
والبغض في الله : أن يبغض كل ما أبغضه [الله] : من كفر وفسوق وعصيان ويبغض من يتصف بها ، أو يدعو إليها .
والعطاء يشمل عطاء العبد من نفسه كل ما أمر به ؛ مثل قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ( 5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ( 6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) ( 92/5-7) وهذا يشمل جميع ما أمر به العبد : لا يختص بالعطاء المالي ؛ بل هو جزء من العطاء . وكذلك مقابلة المنع .
وبهذه الأمور الأربعة ، يتم للعبد إيمانه ودينه .
وكذلك ما رواه الترمذي والنسائي –من حديث أبي هريرة مرفوعاً( [21]) ( المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) يدل : على أن الإيمان الصحيح يحمل صاحبه على رعاية الأمانة ، وينهاه عن الخيانة؛ حتى يطمئن إليه الناس ، ويأمنوه على أنفس الأشياء عندهم ، وهي : الدماء ، والأموال .
وهذه النصوص كلها تبين معنى الإيمان وحقيقته ، وأنه –كما قال الحسن( [22]) وغيره : ( ليس الإيمان بالتمني والتحلي ولكنه : ما وقر في القلب ، وصدقته الأعمال) .
فالأعمال الظاهرة ، والباطنة تصدق الإيمان ، وبها يتحقق كما قال تعالى : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) ( 64/11) .
فالعبد إذا أصابته المصيبة ، فآمن أنها من عند الله وأن الله حكيم رحيم في تقديرها ،" وأنه أعلم بمصالح عبده-: هدى الله قلبه هداية خاصة للرضا والصبر والتسليم والطمأنينة . كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) ( 10/9) . فحذف المتعلق : ليشمل هدايتهم لكل خير ، وهدايتهم لترك كل شر؛ وذلك بسبب إيمانهم . فالأعمال من الإيمان من جهة ، ومن ثمرات الإيمان ولوازمه من جهة أخرى . والله الموفق .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ( 2/143) .
فالعبد إذا أصابته المصيبة ، فآمن أنها من عند الله وأن الله حكيم رحيم في تقديرها ، وأنه أعلم بمصالح عبده-: هدى الله قلبه هداية خاصة للرضا والصبر والتسليم والطمأنينة . كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) ( 10/9). فحذف المتعلق : ليشمل هدايتهم لكل خير ، وهدايتهم لترك كل شر؛ وذلك بسبب إيمانهم . فالأعمال من الإيمان من جهة ، ومن ثمرات الإيمان ولوازمه من جهة أخرى . والله الموفق .
وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( 2/143) .
كثير من المفسرين فسروا الإيمان هنا ، بالصلاة إلى القبلة التي كانوا عليها . بيت المقدس قبل أن تنقل القبلة إلى الكعبة ، فحصل عند بعضهم اشتباه في شأنهم ، فأنزل الله هذه الآية( [23]) . وذلك : أن صلاتهم إلى بيت المقدس في ذلك الوقت ، التزام منهم لطاعة الله ورسوله : وذلك هو الإيمان .
وهذه الآية فيها بشارة كبرى [وهي] ( [24]) : أن الله لا يضيع إيمان المؤمنين : قل ذلك الإيمان ، أو كثر . كما ورد في الصحيح : ( أن الله يخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان) ( [25]) .
وبشارة لكل من عمل عملاً قصده طاعة الله ورسوله ، وهو متأول أو مخطئ ، أو نسخ ذلك العمل . فإنه إنما عمل ذلك العمل : إيماناً بالله ، وقصداً لطاعته ، ولكنه تأول تأويلاً أخطأ فيه ، أو أخطأ بلا تأويل ؛ فخطؤه معفو عنه ، وأجر القصد والتوجه إلى الله وإلى طاعته ، لا يضيعه الله.
ولهذا قال الله عن المؤمنين: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ( 2/286) ، قال الله على لسان نبيه : ( قد فعلت) .
وفي الحديث الصحيح : ( إذا اجتهد الحاكم فحكم( [26]) فأصاب : فله أجران : وإذا اجتهد فأخطأ : فله أجر واحد ، وخطؤه مغفور له).
وكذلك : من نوى عملاً صالحاً ، وحرص على فعله ، ومنعه مانع : من مرض ، أو سفر ، أو عجز أو غيرها . كتب له ما نواه من ذلك العمل ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم –من حديث أبي موسى مرفوعاً- : "من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل : صحيحاً مقيماً" ( [27]) ويدخل في ذلك من أقعده الكِبَرُ عن عمله المعتاد .
* * * * فصل
إذا ثبت بدلالة الكتاب والسنة معنى الإيمان ، وأنه اسم جامع لشرائع الإيمان ، وحقائق الإحسان ؛ وتوابع ذلك من أمور الدين-بل هو اسم للدين كله-: علم أنه يزيد وينقص ، ويقوى ويضعف .
وهذه المسألة لا تقبل الاشتباه بوجه من الوجوه : لا شرعاً ولا حساً ، ولا واقعاً .
وذلك : أن نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادته ونقصانه ؛ مثل قوله تعالى( [28]) : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) ( 48/4) ، ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا ) ( 74/31) ، ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( 3/173) ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( 9/124).وغيرها من الآيات .
وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الإيمان ؛ فإذا الناس في علوم الإيمان ، وفي معارفه ، وفي أخلاقه وأعماله الظاهرة والباطنة- متفاوتون تفاوتاً عظيماً : في القوة والكثرة ، ووجود الآثار ، ووجود الموانع ، وغير ذلك . فالمؤمنون الكمل عندهم من تفاصيل علوم الإيمان ومعارفه وأعماله ، ما لا نسبة إليه من علوم كثير من المؤمنين ، وأعمالهم ، وأخلاقهم . فعند كثير منهم علوم ضعيفة مجملة، وأعمال قليلة ضعيفة ، وعند كثير منهم ، من المعارضات والشبهات والشهوات ، ما يضعف الإيمان ، وينقصه درجات كثيرة ، بل تجد المؤمنين يتفاوتون تفاوتاً كثيراً في نفس العلم الذي عرفوه من علوم القرآن ؛ أحدهما : علمه فيه قوي صحيح لا ريب فيه ولا شبهة والآخر علمه فيه ضعيف ، وعنده معاوضات كثيرة تضعفه أيضاً . وكذلك أخلاق الإيمان يتفاوتون فيها تفاوتاً كثيراً : صفات الحلم والصبر والخلق وغيرها . وكذلك في العبادات الظاهرة : كالصلاة ،" يصلي اثنان صلاة واحدة ، وأحدهما يؤدي حقوقها الظاهرة والباطنة، ويعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإنه يراه( [29]) . والآخر يصليها بظاهره : وباطنه مشغول( [30]) بغيرها . وكذلك بقية العبادات .
ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب : مرتبة السابقين ، ومرتبة المقتصدين ، ومرتبة الظالمين . وكل واحدة من هذه المراتب أيضاً ، أهلها متفاوتون تفاوتاً كثيراً . والعبد المؤمن –في نفسه- له أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية ، وأحياناً بالعكس . وكل هذا من زيادة الإيمان ونقصه ، ومن قوته وضعفه . وكان خيار الأمة ، والمعتنون بالإيمان منهم – يتعاهدون إيمانهم كل وقت يجتهدون في زيادته وتقويته ، وفي دفع المعارضات المنقصة له ، ويجتهدون في ذلك، ويسألون الله : أن يثبت إيمانهم ، ويزيدهم منه : من علومه وأعماله وأحواله . فنسأل الله : أن يزيدنا علماً ويقيناً ، وطمأنينة به وبذكره ، وإيماناً صادقاً .
وخيار الخلق –أيضاً- يطلبون ويتنافسون في الوصول إلى عين اليقين ، بعد علم اليقين ، وإلى حق اليقين . كما قال الله عن إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( 2/260) وقال تعالى : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) ( 6/75) .
والحواريون خواص أتباع المسيح بن مريم –حين طلبوا نزول المائدة ووعظهم عيسى على هذا المطلب -( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) ( [31]) فذكروا حاجتهم الدنيوية ، وحاجتهم العلمية والإيمانية ، إلى ذلك .
* * * *
الفصل الثاني: في ذكر الأمور التي يستمد منها الإيمان
وهذا فضل عظيم النفع والحاجة ، بل الضرورة ماسة إلى معرفته، والعناية به ، معرفة واتصافاً- وذلك : أن الإيمان هو كمال العبد ، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة ، وهو السبب والطريق لكل خير عاجل أو آجل . ولا يحصل ، ولا يقوى ، ولا يتم إلا بمعرفة ما منه يستمد . وإلى ينبوعه وأسبابه وطرقه .
والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه . والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها ؛ وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .
ومواده التي تجلبه وتقويه أمران : مجمل ومفصل .
أما المجمل فهو : التدبر لآيات الله المتلوة : من الكتاب والسنة ؛ والتأمل لآياته الكونية على اختلاف أنواعها ؛ والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد ؛ والعمل بالحق ؛ فجميع الأسباب مرجعها إلى هذا الأصل العظيم .
وأما التفصيل : فالإيمان يحصل ويقوى بأمور كثيرة :
1-منها –بل أعظمها- : معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة ، والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله فيها .
فقد ثبت في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال : ( إن لله تسعة( [32]) وتسعين اسماً –مائة إلا واحداً –من أحصاها ، دخل الجنة) أي من حفظها، وفهم معانيها ، واعتقدها ، وتعبَّد لله بها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون .
فعلم : أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته ؛ ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إليها.
ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي رُوح الإيمان ورَوحه ، وأصله وغايته . فكلما ازداد إيمانه ، وقوي يقينه ، فينبغي للمؤمن : أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات ، وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل ، ومن داء التمثيل ؛ اللذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول ؛ بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة ، وما روى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهذه المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه وقوة يقينه ، وطمأنينة في أحواله .
2-ومنها : تدبر القرآن على وجه العموم . فإن المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه ؛ ما يزداد به إيماناً . كما قال الله تعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( 8/2) .
وكذلك : إذا نظر على انتظامه وإحكامه ؛ وأنه يصدق بعضه بعضاً ، ويوافق بعضه بعضاً ، ليس فيه تناقص ولا اختلاف- تيقن أنه: ( ×@Í\s? ô`ÏiB AOÅ3xm 7ÏHxq ) ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) ( [33]) ،
وأنه لو كان من عند غير الله ، لوجد فيه –من التناقض والاختلاف- أمور كثيرة . قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ( 4/82) . وهذا من أعظم مقويات الإيمان ، ويقويه من وجوه كثيرة : فالمؤمن بمجرد ما يتلو آيات الله ، ويعرف ما ركب عليه من الأخبار الصادقة ، والأحكام الحسنة – يحصل له من أمور الإيمان ، خيرٌ كبير فكيف إذا أحسن تأمله ، وفهم مقاصده وأسراره ؟! ولهذا كان المؤمنون الكمل يقولون: ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ) الآية ( 3/193) .
3-وكذلك معرفة أحاديث النبي ﷺ ، وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله –كلها من محصلات الإيمان ومقوياته . فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ، ازداد إيمانه ويقينه . وقد يصل في علمه وإيمانه إلى مرتبة اليقين .
فقد وصف الله الراسخين في العلم . الذين حصل لهم العلم التام القوي . الذي يدفع الشبهات والريب ، ويوجب اليقين التام ؛ ولهذا كانوا سادة المؤمنين : الذين استشهد الله بهم ، واحتج بهم على غيرهم من المرتابين والجاحدين ؛ كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( 3/7) .
فالراسخون زال عنهم الجهل والريب وأنواع الشبهات ؛ وردوا المتشابه من الآيات إلى المحكم منها ، وقالوا : آمنا بالجميع ، فكلها من عند الله ؛ وما منه ، وما تكلم به وحكم به- كله حق وصدق .
وقال تعالى : ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ( 4/162) .
وقال : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( 3/18) .
ولعلمهم بالقرآن العلم التام ، وإيمانهم الصحيح –استشهد بهم في الدنيا والآخرة ؛ كما قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ( 30/56) .
وأخبر تعالى في عدة آيات( [34]) : أن القرآن آيات للمؤمنين ، و[آيات] للموقنين . لأنه يحصل لهم بتلاوته وتدبره -: من العلم واليقين والإيمان- بحسب ما فتح الله عليهم منه فلا يزالون يزدادون علماً وإيماناً ويقيناً .
فالتدبر للقرآن من أعظم الطرق والوسائل : الجالبة للإيمان ، والمقوية له . قال تعالى :â كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ á ( 38/29) .-
فاستخراج بركة القرآن –التي من أهمها حصول الإيمان- سبيله وطريقه : تدبر آياته وتأملها ؛ كما ذكر : [أن تدبره يوقف الجاحد عن جحوده ، ويمنع المعتدي على الدين من اعتدائه] .
قال تعالى : ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) ( 23/68) .
أي : فلو تدبروه حق تدبره ، لمنعهم مما هم عليه : من الكفر والتكذيب ؛ وأوجب لهم الإيمان واتباع من جاء به .
وقال تعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) ( [35]) ( 10/39) ؛ أي : فلو حصل لهم الإحاطة بعلمه ، لمنعهم من التكذيب ، وأوجب لهم الإيمان .
4-ومن طرق موجبات الإيمان وأسبابه –معرفة النبي ﷺ ، ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية ، والأوصاف الكاملة .
فإن من عرفه حق المعرفة لم يترتب في صدقه ، وصدق ما جاء به : من الكتاب والسنة ، والدين الحق ، كما قال تعالى : ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) ( 23/69) أي: فمعرفته - ﷺ- توجب للعبد المبادرة إلى الإيمان ممن لم يؤمن ، وزيادة الإيمان ممن آمن به .
وقال تعالى حاثاً لهم على تدبر أحوال الرسول الداعية للإيمان-: ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) ( 34/46) .
وأقسم تعالى بكمال هذا الرسول ، وعظمة أخلاقه ، وأنه أكمل مخلوق –بقوله : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( 1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ( 2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ( 3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( 68/1-4) .
فهو - ﷺ- أكبر داع للإيمان في أوصافه الحميدة ، وشمائله الجميلة ، وأقواله الصادقة النافعة ، وأفعاله الرشيدة فهو الإمام الأعظم ، والقدوة الأكمل ، ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ( [36]) ، ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ( [37]) .
وقد ذكر الله عن أولي الألباب الذين همم خواص الخلق أنهم قالوا : (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا ) وهو : هذا الرسول الكريم ( يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ) بقوله وخُلقه. وعمله ودينه ، وجميع أحواله ؛ ( أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ) ( 3/193) أي : إيماناً لا يدخله ريب .
ولما كان هذا الإيمان من أعظم ما يقرب العبد إلى الله ، ومن أعظم الوسائل التي يحبها الله –توسلوا بإيمانهم : أن يكفر عنهم السيئات وينيلهم المطالب العاليات ؛ فقالوا : (! رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ )
ولهذا كان الرجل المنصف –الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق مجرد ما يراه ويسمع كلامه –يبادر إلى الإيمان [به ﷺ ] ، ولا يرتاب في رسالته بل كثير منهم- مجرد ما يرى وجهه الكريم- يعرف : أنه ليس بوجه كذاب .
وقيل لبعضهم ( لَم بادرت إلى الإيمان بمحمد قبل أن تعرف رسالته ؟ ) فقال : ( ما أمر بشيء ، فقال العقل : ليته نهى عنه ؛ ولا نهى عن شيء ، فقال العقل : ليته أمر به) فاستدل هذا العاقل الموفق –بحسن شريعته ﷺ ، وموافقتها للعقول الصحيحة –على رسالته ؛ فبادر إلى الإيمان [به] .
ولهذا استدل ملك الروم هرقل –لما وصف له ما جاء به الرسول، وما كان يأمر به ، وما ينهي عنه- استدل بذلك : أنه من أعظم الرسل ؛ واعترف بذلك اعترافاً جلياً . ولكن منعته الرئاسة وخشية زوال ملكه من اتباعه ؛ كما منعت كثيراً ممن اتضح لهم أنه رسول الله حقاً . وهذا من أكبر موانع الإيمان في حق أمثال هؤلاء .
وأما أهل البصائر والعقول الصحيحة ، فإنهم يرون هذه الموانع والرئاسات والشبهات والشهوات تضمحل ، ولا يرون لها قيمة : حتى يعارض بها الحق الصحيح النافع ، المثمر للسعادة : عاجلاً وآجلاً .
ولهذا السبب الأعظم ، كان المعتنون بالقرآن حفظاً ومعرفة ، والمعتنون بالأحاديث الصحيحة –أعظم إيماناً ويقيناً من غيرهم، وأحسن عملاً في الغالب .
5-ومن أسباب الإيمان ودواعيه : التفكر في الكون ، في خلق السموات والأرض وما فيهن : من المخلوقات المتنوعة ، والنظر في نفس الإنسان ، وما هو عليه : من الصفات .
فإن ذلك داع قوي للإيمان ، لما في هذه الموجودات : من عظمة الخلق الدَّال على قدرة خالقها وعظمته ؛ وما فيها : من الحس والانتظام ، والإحكام الذي يحير الألباب ؛ الدال على سعة علم الله ، وشمول حكمته ؛ وما فيها : من أصناف المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ، الدالة على سعة رحمة الله ، وجوده وبره . وذلك كله يدعو إلى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره ، واللهج بذكره ؛ وإخلاص الدين له . وهذا هو روح الإيمان ويسره( [38]) .
وكذلك النظر إلى فقر المخلوقات كلها ، واضطرارها إلى ربها من كل الوجوه ، وأنها لا تستغني عنها طرفة عين خصوصاً ما تشاهده في نفسك : من أدلة الإفتقار وقوة الإضطرار . وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع ، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله : في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ؛ ويوجب له قوة التوكل على ربه ، وكمال الثقة بوعده ، وشدة الطمع في بره وإحسانه . وبهذا يتحقق الإيمان ، ويقوى التعبد فإن الدعاء مخ العبادة وخالصها( [39]) .
وكذلك التفكر في كثرة نعم الله وآلائه العامة والخاصة ، التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين . فإن هذا يدعو إلى الإيمان .
ولهذا دعى الله الرسل والمؤمنين إلى شكره ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ( 2/172) فالإيمان يدعو إلى الشكر والشكر ينمو به الإيمان . فكل منهما ملازم وملزوم للآخر .
6-ومن أسباب دواعي الإيمان : الإكثار من ذكر الله كل وقت ، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة .
فإن الذكر لله يغرس شجرة الإيمان في القلب ، ويغذيها وينميها . وكلما ازداد العبد ذكراً لله . قوي إيمانه ؟ كما أن الإيمان يدعوا إلى كثرة الذكر . فمن أحب الله أكثر من ذكره ؛ ومحبة الله هي : الإيمان ، بل هي روحه .
7-ومن الأسباب الجالبة للإيمان : معرفة محاسن الدين .
فإن الدين الإسلامي كله محاسن : عقائده أصح العقائد وأصدقها وأنفعها ؛ وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها ؛ وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها . وبهذا النظر الجليل يزين الله الإيمان في قلب العبد ، ويحببه إليه . كما امتن الله به على خيار خلقه ، بقوله : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) ( 49/7) فيكون الإيمان في القلب أعظم المحبوبات وأجمل الأشياء . وبهذا يذوق العبد حلاوة الإيمان ويجدها في قلبه ؛ فيتجمل الباطن بأصول الإيمان وحقائقه ، وتتجمل الجوارح بأعمال الإيمان : وفي الدعاء المأثور ( اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين) ( [40]) .
8-ومن أعظم مقويات الإيمان : الاجتهاد في التحقق في مقام الإحسان ، في عبادة الله والإحسان إلى خلقه . فيجتهد : أن يعبد الله كأنه يشاهده ، فإن لم يقوى على هذا استحضر أن الله يشاهده ويراه؛ فيجتهد في إكمال العمل وإتقانه . ولا يزال العبد يجاهد نفسه : ليتحقق بهذا المقام العالي ، حتى يقوى إيمانه ويقينه . ويصل في ذلك إلى حق اليقين- الذي هو أعلى مراتب اليقين- فيذوق حلاوة الطاعات ، ويجد ثمرة المعاملات . وهذا هو الإيمان الكامل .
وكذلك الإحسان إلى الخلق –بالقول والفعل والمال والجاه وأنواع المنافع –هو من الإيمان ، ومن دواعي الإيمان ، والجزاء من جنس العمل ، فكما أحسن إلى عباد الله ، وأوصل إليهم من بره ، ما يقدر عليه- : أحسن الله إليه أنواعاً من الإحسان ، ومن أفضلها : أن يقوي إيمانه ورغبته في فعل الخير ، والتقرب إلى ربه ،وإخلاص العمل له .
وبذلك يتحقق العبد بالنصح لله ولعباده فإن الدين : النصيحة( [41])؛ ومن وفق للإحسان في عبادة ربه ، والإحسان في معاملة الخلق –: فقد تحقق نصحه .
ولذلك قال النبي ﷺ : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه .
9-ومنها قوله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) إلى قوله :( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) الآية ( 23/1-10) .
فهذه الصفات الثمان ، كل واحدة منها تثمر الإيمان وتنميه ؛ كما أنها من صفات الإيمان وداخلة في تفسيره كما تقدم .
فحضور القلب في الصلاة ، وكون المصلي يجاهد نفسه على استحضار ما يقوله ويفعله -: من القراءة والذكر والدعاء فيها ، ومن القيام والقعود ، والركوع والسجود – من أسباب زيادة الإيمان ونموه.
وتقدم : أن الله سمى الصلاة إيماناً ، بقوله : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) ( 2/143) ؛ وقوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) .
والزكاة كذلك تنمي الإيمان وتزيده ، وهي فرضها ونفلها : كما قال النبي ﷺ : ( الصدقة برهان) ؛ أي : على إيمان صاحبها . فهي دليل الإيمان . وتغذيه وتنميه .
والإعراض عن اللغو الذي هو : كل كلام لا خير فيه ، وكل فعل لا خير فيه –بل يقولون الخير ويفعلونه ، ويتركون الشر قولاً وفعلاً –لاشك أنه من الإيمان ويزداد به الإيمان ، ويثمر الإيمان .
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم ، إذا وجدوا غفلة أو تشعث إيمانهم ، يقول بعضهم لبعض : ( اجلس بنا نؤمن ساعة) : فيذكرون الله ، ويذكرون نعمه الدينية والدنيوية . فيتجدد بذلك إيمانهم .
وكذلك العفة عن الفواحش خصوصاً فاحشة الزنا ، لاريب أن هذا من أكبر علامات الإيمان ومنمياته . فالمؤمن لخوفه مقامه بين يدي ربه ، - (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) ( [42]) إجابة لداعي الإيمان ، وتغذية لما معه من الإيمان .
ورعاية الأمانات والعهود وحفظها : من علائم الإيمان . وفي الحديث( [43]) : ( لا إيمان لمن لا أمانة له) .
وإذا أردت أن تعرف إيمان العبد ودينه ، فانظر حاله : هل يرعى الأمانات كلها ، مالية أو قولية ؛ أو أمانات الحقوق ؟ وهل يرعى الحقوق والعهود والعقود التي بينه وبين الله ، والتي بينه وبين العباد ؟
فإذا كان كذلك : فهو صاحب دين وإيمان . وإن لم يكن كذلك : نقص من دينه وإيمانه . بمقدار ما انتقص من ذلك .
وختمها بالمحافظة على الصلوات- على حدودها ، وحقوقها ، وأوقاتها- : لأن المحافظة على ذلك بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الإيمان ، فيسقيه وينميه ويؤتي أُكله كل حين .
وشجرة الإيمان –كما تقدم-محتاجة إلى تعاهدها كل وقت بالسقي –وهو : المحافظة على أعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات- وإلى إزالة ما يضرها من الصخور والنوابت الغريبة الضارة ؛ وهو العفة عن المحرمات قولاً وفعلاً . فمتى تمت هذه الأمور حيا( [44]) هذه البستان وزها ، وأخرج الثمار المتنوعة .
10-ومن دواعي الإيمان وأسبابه : الدعوة إلى الله وإلى دينه ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، والدعوة إلى أصل الدين ، والدعوة إلى التزام شرائعه : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبذلك يكمل العبد بنفسه ، ويُكمِّلُ غيره كما أقسم تعالى بالعصر: أن جنس الإنسان لفي خسر ، إلا من اتصف بصفات أربع : الإيمان والعمل الصالح اللذين بهما تكميل النفس ، والتواصي بالحق –الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والدين الحق- وبالصبر على ذلك كله ؛ يكمل غيره .
وذلك : أن نفس الدعوة إلى الله والنصيحة لعباده ، من أكبر مقومات الإيمان وصاحب الدعوة لابد أن يسعى بنصر هذه الدعوة ، ويقيم الأدلة والبراهين على تحقيقها ، ويأتي الأمور من أبوابها ، ويتوسل إلى الأمور من طرقها ، وهذه الأمور من طريق الإيمان وأبوابه .
وأيضاً : فإن الجزاء من جنس العمل ؛ فكما سعى إلى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم بالحق ؛ وصبر على ذلك لابد أن يجازيه الله من جنس عمله ، ويؤيده بنور منه ، وروح وقوة وإيمان ، وقوة التوكل ، فإن الإيمان وقوة التوكل على الله ، يحصل به النصر على الأعداء : من شياطين الإنس ، وشياطين الجن . كما قال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( 16/99).
وأيضاً : فإنه متصد لنصر الحق ؛ ومن تصدى لشيء ، فلابد أن يفتح عليه فيه -: من الفتوحات العلمية والإيمانية –بمقدار صدقه وإخلاصه .
11-ومن أهم مواد الإيمان ومقوياته : توطين النفس على مقاومات ما ينافي الإيمان : من شعب الكفر والنفاق ، والفسوق والعصيان .
فإنه كما أنه لابد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له ، فلابد مع ذلك –من دفع الموانع والعوائق ؛ وهي : الإقلاع عن المعاصي ، والتوبة مما يقع منها ، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات ، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان ، المضعفة له ، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان . فإن الإرادات التي أصلها : الرغبة في الخير ومحبته والسعي فيه- لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها: من رغبة النفس في الشر ؛ ومقاومة النفس الأمارة بالسوء .
فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات ، وفتن الشهوات،-: تم إيمانه،وقوي يقينه ؛ وصار مثل بستان إيمانه :( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( [45]) .
ومتى كان المر بالعكس :- بأن استولت عليه النفس الأمارة بالسوء ، ووقع في فتن الشبهات أو الشهوات ، أو كليهما –انطبق عليه هذا المثل وهو قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) ( 2/266) .
فالعبد المؤمن لا يزال يسعى في أمرين : أحدهما : تحقيق أصول الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً وعملاً وحالاً .
والثاني : السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها : من الفتن الظاهرة والباطنة ؛ ويداوي ما قصر فيه من الأول ، وما تجرأ عليه من الثاني- : بالتوبة النصوح ، وتدارك الأمر قبل فواته .
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ( 7/201) ؛
أي : مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه ، والنقص الذي أصابهم من طائف الشيطان ، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان ؛ فإذا أبصروا. تداركوا هذا الخلل بسده ، وهذا الفتق برتقه ؛ فعادوا إلى حالهم الكاملة، وعاد عدوهم حسيراً ذليلاً ؛ وإخوان الشياطين-: (يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ) ( [46]) : الشياطين لا تقصر عن إغوائهم وإيقاعهم في أشراك الهلاك ؛ والمستجيبون( [47]) لهم لا يقصرون عن طاعة أعدائهم، والاستجابة لدعوتهم حتى يقعوا في الهلاك ؛ ويحق عليهم الخسار .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ؛ وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ؛ واجعلنا من الراشدين ؛ بفضلك ومنتك إنك أنت العليم الحكيم .
* * * *
الفصل الثالث: في فوائد الإيمان وثمراته
كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة ، في القلب والبدن والراحة ، والحياة الطيبة ، والدنيا والآخرة ، وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة ، والجنى اللذيذ ، والأُكل الدائم ، والخير المستمر ؛ أمور لا تحصى .
وفوائد لا تستقصى . ومجملها : أن خيرات الدنيا والآخرة المستمر ؛ أمور لا تحصى .
وفوائد لا تستقصى . ومجملها : أن خيرات الدنيا والآخرة ، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة .
وذلك : أن هذه الشجرة إذا ثبتت وقويت أصولها ، وتفرغت فروعها ، وزهت أغصانها ، وأينعت أفنانها -: عادت على صاحبها وعلى غيره ، بكل خير عاجل وآجل .
1-فمن أعظم ثمارها الاغتباط بولاية الله الخاصة ، التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون ، وأجل ما حصله الموفقون .
قال تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ؛ ثم يوصفهم بقوله: ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ( 10/62-63) .
فكل مؤمن تقي ، فهو لله ولي ولاية خاصة ، من ثمراتها ما قاله الله عنهم: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ( 2/257) ، أي : يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة ، ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة والذكر . وحاصل ذلك : أنه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة ، إلى ما يرفعها( [48]) من أنوار الخير العاجل والآجل .
وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل : بإيمانهم الصحيح ، وتحقيقهم هذا الإيمان بالتقوى فإن التقوى من تمام الإيمان ، كما تقدم تحقيقه .
2-ومن ثمرات الإيمان : الفوز برضا الله ، ودار كرامته .
قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( 9/71-72) .
فنالوا رضا ربهم ورحمته ، والفوز بهذه المساكن الطيبة -: بإيمانهم الذي كمَّلوا به أنفسهم ، وكمَّلوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فاستولوا على أَجل الوسائل ، وأفضل الغايات . وذلك فضل الله .
3-ومنها : أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار ؛ والإيمان –ولو كان قليلاً- يمنع من الخلود فيها .
فإن من آمن إيماناً –أدى به الواجبات ، وترك المحرمات- : فإنه لا يدخل النار . كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ - في هذا الأصل . كما تواتر عنه ﷺ : أنه لا يخلد في النار من قلبه شيء من الإيمان ولو يسيراً( [49]) .
4-ومن ثمرات الإيمان : أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره ، وينجيهم من الشدائد . كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ) ( 22/38) أي : يدفع عنهم كل مكروه ؛ يدفع عنهم شر شياطين الإنس وشياطين الجن ، ويدفع عنهم الأعداء ، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها ، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها .
ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس -عليه الصلاة والسلام- وأنــه (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ( 21/87-88) : إذا وقعوا في الشدائد ؛ كما أنجينا يونس. قال النبي ﷺ ( [50]) ( دعوة أخي يونس ما دعا بها مكروب إلا فرج الله عنه كربته ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ) أي:بالقيام بالإيمان ولوازمه ؛ ( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) ( 65/2) أي : من كل ما ضاف على الناس ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) ( 65/4).
فالمؤمن المتقي : ييسر الله له أموره وييسره لليسرى ، ويجنبه العسرى : ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ؛ ويرزقه من حيث لا يحتسب . وشواهد هذا كثير . من الكتاب والسنة .
5-ومنها : أن الإيمان والعمل الصالح – الذي هو فرعه- يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار ، وفي دار القرار .
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 16/97) .
وذلك أن من خصائص الإيمان ، أنه يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله ، وعدم تعلقه بغيره ، وهذه هي الحياة الطيبة . فإن أصل الحياة الطيبة : راحة القلب وطمأنينته ، وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح .
6-ومنها : أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها : ومن الإيمان والإخلاص.
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل ؛ مثل قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) ( 21/94) ؛ أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله ؛ بل يضاعف بحسب قوة إيمانه .
وقال : (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) ( 17/19) .
والسعي للآخرة : هو العمل بكل ما يقرب إليها ، ويدني منها ؛ من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد ﷺ .
فإذا تأسست على الإيمان ، وانبنت عليه -: كان السعي مشكوراً مقبولاً مضاعفاً ، لا يضيع منه مثقال ذرة .
وأما إذا فقد العمل الإيمان ، فلو استغرق العامل ليله ونهاره" فإنه غير مقبول . قال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ( 25/23) .
وذلك : لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله ، الذي روحه: الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول .
وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ( 103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( 104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) ( 18/103-105) فهم لما فقدوا الإيمان ، وحل محله الكفر بالله وآياته : -حبطت أعمالهم.
وقال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ( 39/65) ، (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( 6/88) .
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة ، كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يَجُب ما قبله : من السيئات وإن عظمت؛ والتوبة من الذنوب المنافية للإيمان ، والقادحة فيه ، والمنقصة له –تَجُب ما قبلها .
7-ومنها : أن صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم ، ويهديه في الصراط المستقيم ، يهديه إلى علم الحق ، وإلى العمل به، وإلى تلقي المحاب والمسار( [51]) بالشكر ، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر .
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) ( 10/9) .
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ( 64/11) ، قال بعض السلف( [52]) ( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم) .
ولو لم يكن من ثمرات الإيمان ، إلا أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره : التي كل أحد عرضة لها في كل وقت ، ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مسل عنها ، ومهون لها( [53]) وذلك : لقوة إيمانه ، وقوة توكله ، ولقوة رجائه بثواب ربه ، وطعمه في فضله . فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) ( 4/104) .
ولهذا تجد اثنين : تصيبهم مصيبة واحدة أو متقاربة- وأحدهما عنده إيمانه ، والآخر فاقد له – تجد الفرق العظيم بين حاليهما ، وتأثيرها في ظاهرهما وباطنهما وهذا الفرق راجع إلى الإيمان والعمل بمقتضاه .
وكما أنه يسلي عند ورود المصائب والمكاره ، فإنه يسلي عند فقد المحاب . فإذا فقد المؤمن حبيبه الذي تمكن حبه من قلبه- : من أهل وولد ، ومال ، وصديق ، وشبهها -: تسلى بحلاوة إيمانه ، والإيمان خير عوض للمؤمن عن كل مفقود ، كما هو مشاهد مجرب .
وفقد المحبوب –في الحقيقة- معدود من المصائب . ولولا أن يعقوب-عليه الصلاة والسلام –عنده من الإيمان ما يهون عليه مصيبته في فقد يوسف مع شدة حبه العظيم : بحيث قال لإخوته- لما طلبوا منه بعض يوم ، أن يذهب معهم ليرتع ويلعب ( إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ( [54]) فأخبر أن المانع له من إرساله : أنه لا يصبر على فراقه ولا ساعة من نهار . ولكنهم عجالوه ، وذكروا له الأسباب التي توجب له أن يرسله معهم ، فأرسله ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) ( [55])فمن هذه حاله ، وهذا حبه البليغ الذي لا يمكن المعبر أن يعبر عنه-هل يدخل في الذهن أنه يبقى هذه المدة الطويلة على الوجود؟! بل يغلب على الظن أن الحب يفتت كبده بأسرع وقت . ولكن : قوة الإيمان ، وقوة الرجاء بالله –أوجب له أن يتمسك كل هذه المدة ، حتى جاء الله بالفرج الذي وعد به المؤمنين .
وكذلك : أم موسى –حين ذهب اليم بموسى ، وأصبح فؤادها فارغاً من كل شيء إلا من الحزن على موسى- ولولا أن الله ربط على قلبها بالإيمان ، وعلمت أن وعد الله حق-: لكادت تبدي بما في قلبها ، وتصرح بمصيبتها( [56]) . ولكن هو الإيمان : المثبت عند الشدائد ، المسلي عند المصائب ، المقوي إذا وهنت القوى ، المعزي إذا العزا.
وقال النبي ﷺ ، في وصيته العظيمة- في حديث ابن عباس، الصحيح الذي في السنن-: ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ( [57]) ، أي تعرف إلى الله بالإيمان وأعمال الإيمان- وأنت صحيح غني –يعرفك الله في الشدة ، ويقويك الله على مباشرتها ويعنيك على معالجتها ، وأعظم شدة- تنزل بالمؤمن –شدة الموت وسكراته .
فهذا الحديث بشرى لكل مؤمن – قد تعرف إلى ربه في رخائه-: أن يعينه في ذلك المقام الحرج ، والشدة المزعجة ، وضعف القوي ، وتكاثف الشياطين الذين يريدون أن يحولوا بين العبد وبين ختم حياته بالخير . فإن الله يعينه بتأييده ، وروحه ورحمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
8-ومن ثمرات الإيمان ولوازمه- من الأعمال الصالحة- ما ذكره الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) ( 19/96) أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان ، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين . ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده- : حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين : من الثناء والدعاء له حياً وميتاً ، والاقتداء به ، وحصول الإمامة في الدين .
وهذه أيضاً من أجل ثمرات الإيمان : أن يجعل الله للمؤمنين –الذين كملوا إيمانهم بالعمل والعمل –لسان صدق- ويجعلهم أئمة يهتدون بأمره كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ( 32/24) فبالصبر واليقين-اللذين هما رأس مال الإيمان وكماله-نالوا الإمامة في الدين .
9-ومنها قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ( 58/11) .
فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة .
وإنما نالوا هذه الرفعة : بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم ، والعلم ، واليقين من أصول الإيمان .
10-ومن ثمرات الإيمان : حصول البشارة بكرامة الله ، والأمن التام من جميع الوجوه .
كما قال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( [58]) فأطلقها ليعم الخير العاجل والآجل ، وقيدها في مثله قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار ) .( 2/25) فلهم البشارة . المطلقة والمقيدة .
ولهم الأمن المطلق في مثل قوله تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( 6/82) .
ولهم الأمن المقيد في مثل قوله تعالى : (ôy فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( 6/48) .
فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه ، والحزن مما مضى عليهم ، وبذلك يتم لهم الأمن .
فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة : أمن من سخط الله وعقابه ، وأمن من جميع المكاره والشرور . وله البشارة الكاملة بكل خير ، كما قال تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) ( 10/64).
ويوضح هذه البشارة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) ( 41/30-32) .
وقال تعالى : (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( 57/28) .
فرتب على الإيمان حصول الثواب المضاعف ، وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته ، ويمشي به يوم القيامة : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) ( [59]) ، فالمؤمن من يمشي في الدنيا بنور علمه وإيمانه ، وإذا أطفئت الأنوار يوم القيامة : مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم .
وكذلك رتب المغفرة على الإيمان ، ومن غفرت سيئاته : سلم من العقاب ، ونال أعظم الثواب .
11-ومن ثمرات الإيمان : حصول الفلاح –الذي هو : إدارك غاية الغايات ، فيه إدراك كل مطلوب ، والسلامة من كل موهوب-والهدى الذي هو أشرف الوسائل .
كما قال تعالى –بعد ذكر المؤمنين بما أنزل على محمد ﷺ وما أُنزل على من قبله ، والإيمان بالغيب . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : اللتين هما من أعظم آثار الإيمان –قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( [60]) .
فهذا هو الهدى التام والفلاح الكامل .
فلا سبيل إلى الهدى والفلاح- اللذين لا صلاح ولا سعادة إلا بهما- إلا بالإيمان التام بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله . فالهدى أجل الوسائل ، والفلاح أكمل الغايات .
12-ومن ثمرات الإيمان : الانتفاع بالمواعظ والتذكير بالآيات .
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( 51/55) ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( [61]) ومثل هذا قوله ﷺ ( [62]) : ( المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم- خير من المؤمن : الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة : أن فاقد الإيمان لا خير فيه ، لأنه إذا عدم الإيمان : فإما أن يكون الشخص أحواله كلها شر وضرر على نفسه ، وعلى المجتمع من جميع الوجوه ، وإما أن يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمز بالشر ، وغلب شره خيره . والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد . صارت شراً ، لأن الخير الذي معه ،" يقابله شر نظيره : فيتساقطان، ويبقى الشر- الذي لا مقابل له من الخير –يعمل عمله .
وهذا : لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه ، علماً وعملاً ، وكذلك مع الآلة العظيمة والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة والآيات الدالة على الحق ، وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق ، ولا من العمل به .
وأيضاً : فالإيمان يوجب سلامة الفطرة ، وحسن القصد ، ومن كان كذلك : انتفع بالآيات .
ومن لم يكن كذلك : فلا يستغرب عدم قبوله للحق ، واتباعه له. ولهذا يذكر الله- في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول ﷺ ، وقبول الحق الذي جاء به- السبب الذي أوجب لهم ذلك وهو: الكفر الذي في قلوبهم . يعني : لأن الحق واضح وآياته بينة واضحة ، والكفر أعظم مانع يمنع من اتباعه ، أي فلا تستغربوا هذه الحالة ، فإنها لم تزل دأب كل كافر .
13-ومنها : أن الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء، والصبر في حالة الضراء ، وكسب الخير في كل أوقاته .
كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ ، أنه قال : ( عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر ، فكان( [63]) خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) والشكر والصبر هما جماع كل خير ، فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل أوقاته ، رابح في كل حالاته.
وفي الصحيح عنه ﷺ ( لا يصيب المؤمن من هم ، ولا غم ولا أذى – إلا كفَّر الله عنه بها من خطاياه) ( [64]) .
فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء ، نعمتان : نعمة حصول ذلك المحبوب ، ونعمة التوفيق للشكر الذي هو أعلى من ذلك وبذلك تتم عليه النعمة .
ويجتمع له عند الضراء ، ثلاث نعم : نعمة تكفير السيئات ، ونعمة حصول مرتبة الصبر التي [هي] أعلى من ذلك ، ونعمة سهولة الضراء التي عليه لأنه متى عرف حصول الأجر والثواب والتمرن على الصبر-هانت عليه وطأة المصيبة ، وخف عليه حملها .
14-ومنها أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم .
قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) ( 49/15) ، أي : دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود ، وأزاله بالكلية ، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن ، والنفوس الأمارة بالسوء فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان.
ولهذا ثبت في الصحيحين – من حديث أبي هريرة –أن النبي ﷺ قال : ( لا يزال الناس يتساءلون [حتى يقال] هذا : الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد ذلك ، فليقل : آمنت بالله ، ولينته ، وليتعوذ بالله من الشيطان) .
فذكر ﷺ ، هذا الدواء النافع لهذا الداء المهلك . وهو ثلاثة أشياء: الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية ، والإستعاذة من شر من ألقاها وشبَّه بها : ليضل بها العباد ، والإعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به : كان من الآمنين .
وذلك : لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة ، أعظمها : العلم أنه منافٍ للحق ، وكل ما ناقض الحق فهو باطل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) سورة يونس ( 10/32) .
15-ومنها : أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم : من سرور وحزن وخوف وأمن ، وطاعة ومعصية ، وغير ذلك من الأمور التي لابد لكل أحد منها .
فعند المحاب والسرور ، يلجؤون إلى الإيمان : فيحمدون الله ، ويثنون عليه ، ويستعملون النعم فيما يحب المنعم .
وعند المكاره والأحزان : يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة: يتسلون بإيمانهم وحلاوته ، ويتسلون بما يترتب على ذلك : من الثواب ، ويقابلون الأحزان والقلق : براحة القلب . والرجو ع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح( [65]) .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه ، ويزيدهم إيماناً وثباتاً ، وقوة وشجاعة ، ويضمحل الخوف الذي أصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( 173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ) ( 3/173-174) . لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار ، وخلفه قوة الإيمان وحلاوته وقوة التوكل على الله ، والثقة بوعده.
ويلجؤون إلى الإيمان عند الأمن : فلا يبطرهم ، ولا يحدث لهم الكبرياء ، بل يتواضعون . ويعلمون أنه من الله ، و من فضله وتيسيره فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب : الأمن وأسبابه . ويعلمون أنه إذا حصل لهم ظفر بالأعداء وعِزْ ، أنه بحول الله وقوته وفضله ، لا بحولهم وقوتهم .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة : فيعترفون بنعمة الله عليهم بها ، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق ، وكذلك يحرصون على تكميلها ، وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها أو نقصها ، ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها : أن يتم عليهم نعمته بقبولها ، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها : أن يتمم لهم منها ما انتقصوه منها .
ويلجؤون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي –بالمبادرة إلى التوبة منها ، وعمل ما يقدرون عليه-: من الحسنات –لجبر نقصها.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ( 7/201) .
وقال ﷺ : ( مثل المؤمن [ومثل الإيمان] ( [66]) كالفرس المربوط في آخيته : يجول ما يجول ، ثم يعود إلى آخيته) .
كذلك المؤمن : يجول ما يجول في الغفلة والتجرىء على بعض الآثام ، ثم يعود سريعاً إلى الإيمان الذي بنى عليه أموره كلها .
فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم- ملجؤهم إلى الإيمان- ومفزعهم إلى تحقيقه ، ودفع ما ينافيه ويضاده ، وذلك من فضل الله عليهم ومنه .
16-ومنها أن الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة . كما ثبت في الصحيح( [67]) عن النبي ﷺ أنه قال : ( لا يزني الزاني-حين يزني- وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق –حين يسرق- وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر- حين يشربها- وهو مؤمن) الحديث .
ومن وقعت منه : فإنه لضعف إيمانه ، وذهاب نوره ، وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه ، وهذا معروف مشاهد .
والإيمان الصادق الصحيح ، يصحبه الحياء من الله ، والحب له ، والرجاء القوي لثوابه ، والخوف من عقابه ، والنور الذي ينافي الظلمة. وهذه الأمور- التي هي من مكملات الإيمان لاريب أنها تأمر صاحبها بكل خير ، وتزجره عن كل قبيح .
فأخبر ، أن الإيمان إذا صحبه- عند وجود أسباب هذه الفواحش-، فإن نور إيمانه يمنعه من الوقوع فيها ، فإن النور الذي يصحب الإيمان الصادق ووجود حلاوة الإيمان ، والحياء من الله- الذي هو من أعظم شعب الإيمان ، بلا شك- يمنع من مواقعة هذه الفواحش .
17-ومنها أنه ثبت عنه ﷺ في الصحيحين –من حديث أبي موسى t - أنه قال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ، كمثل الأترجة طعمها طيب ، وريحها طيب . و[مثل المؤمن] ( [68]) الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة : طعمها طيب ، ولا ريح لها) .
وهؤلاء القسمان هم خير الخليقة ، فإن الناس أربعة أقسام :
[الأول] : خير في نفسه ، متعد خيره إلى غيره . وهو خير الأقسام. فهذا : المؤمن الذي قرأ القرآن ،
وتعلم علوم الدين فهو نافع لنفسه ، متعد نفعه إلى غيره ، مبارك أينما كان كما قال الله تعالى عن عيسى [عليه السلام] : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) ( 19/31) .
و[الثاني] : طيب في نفسه . صاحب خير . وهو : المؤمن الذي ليس عنده من العلم . ما يعود به على غيره .
فهذان القسمان هما خير الخليقة ، والخير الذي فيهم عائد إلى ما معهم : من الإيمان القاصر والمتعدي نفعه إلى الغير بحسب أحوال المؤمنين .
و[القسم الثالث] : من هو عادم للخير ، ولكنه لا يتعدى ضرره على غيره .
و[الرابع] : من هو صاحب شر على نفسه ، وعلى غيره . فهذا شر الأقسام (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ) ( [69]) .
فعاد الخير كله إلى الإيمان وتوابع ، وعاد الشر إلى فقد الإيمان ، والإتصاف بضده . والله الموفق .
شبيه بهذا المعنى ، قوله ﷺ ( [70]) : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير) .
فقسم ﷺ المؤمنين ، إلى قسمين : قسم قوي في عمله وقوة إيمانه، وفي نفعه لغيره ، وقسم ضعيف في هذه الأشياء .
ومع ذلك ، ففي كل من القسمين خير : لأن الإيمان وآثاره كله خير ، وإن تفاوت المؤمنون في هذا الخير .
* * * *
الخاتمة
فتبين مما تقدم : أن هذه الشجرة المباركة –شجرة الإيمان- أبرك الأشجار وأنفعها وأدومها.
وأن عروقها وأصولها وقواعدها : الإيمان وعلومه ومعارفه ، وساقها وأفنانها : شرائع الإسلام ، والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، المؤيدة والمقرونة بالإخلاص لله . والمتابعة لرسول الله ﷺ .
وأن ثمارها وجناها الدائم المستمر : السمت الحسن ، والهدي الصالح ، والخلق الحسن ، واللهج بذكر الله وشكره ، والثناء عليه ، والنفع لعباد الله بحسب القدرة -: نفع العلم والنصح، ونفع الجاه والبدن، ونفع المال، وجميع طرق النفع، وحقيقة ذلك كله: القيام بحقوق الله، وحقوق خلقه .
وأن هذه الشجرة- في قلوب المؤمنين- متفاوتة تفاوتاً عظيماً، بحسب ما قام بهم، واتصفوا به: من هذه الصفات.
وأن منازلهم في الآخرة تابعة لهذا كله .
وأن الفضل في ذلك كله لله وحده ، والمنَّة كلها [له سبحانــه] . (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة الحجرات 49/17] .
وقال أهل الجنة بعدما دخلوها ، وتبوءوا منازلهم- معترفين بفضل ربهم العظيم- (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ( 7/43) .
فجمع في هذه الآية بين الإخبار باعترافهم وثنائهم على الله بنعمه وفضله : حيث وصلوا إلى المنازل العالية ، وبين ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك بمنة الله عليهم به ، وهو : العمل الصالح الذي هو الإيمان وأعماله .
فنسأل الله تعالى : أن يمنَّ علينا بالإيمان الصادق ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد هدانا ، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
قال ذلك وكتبه العبد الفقير إلى الله : عبدالرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين .
حرر : في 8 من شهر ذي الحجة سنة 1374هـ ، والحمد لله رب العالمين وتم نقله : في 14 جمادي الثانية سنة 1376هـ ، بقلم : عبدالله السليمان السلمان ، فلله الحمد من قبل ومن بعد .
وقد انتهى طبعه بعد أن قمنا بتصحيحه : على الوجه الذي التزمناه ، وللسبب الذي ذكرناه : في تصدير كتاب "الدرة البهية" للمؤلف رحمه الله : في يوم الأحد الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1376هـ ، والثالث والعشرين من يونيو سنة 1957م .
ولله الشكر ، ومنه الفضل وصلواته وتسليماته ، وتحياته وبركاته، على سيد الأنبياء ، ورئيس الأصفياء ، وعلى آله وصحبه وأوليائه وحزبه...
ومن تأمل الواقع في الخلق ، رأى الأمر كما ذكر النبي ﷺ .
( [1]) عبارة الأصل : قال الله تعالى : الخ . وهي سبق قلم .
( [2]) تنبيه : يلاحظ في الأرقام بعد الآيات أن الرقم الأول للسورة من المصحف والرقم الثاني للآية من السورة .
( [3]) قوله : ( في الجنة) لفظ مسلم من طريق سهل بن سعد . واللفظ المتفق عليه –من طريق أبي سعيد- هو : ( من فوقهم) وقد أخرجه أحمد من هذا الطريق ، والترمذي من طريق أبي هريرة . وفي سائر اللفظ الوارد هنا اختلاف واختصار ، كما في سائر الروايات فراجع : صحيح البخاري ( 4/119 أو الفتح : 9/206)، ومسلم ( 8/144-145 أو الشرح : 17/168-169) ، وهداية الباري ( 1/172-173 : ط. ثانية) . والجامع الصغير ( 1/88 : ميمنية) ، والفتح الكبير ( 1/380-381) ، ومصابيح السنة ( 2/159: بولاق) .
( [4]) ورد في الأصل بعد ذلك ، زيادة : كما وردت فيه الآية التالية بلفظ : "صلاتهم.." وهو خطأ وزيادة نشأ من الاشتباه بآيات سورة المعارج : ( 70/29-34) .
( [5]) كما في سورة البقرة : ( 2/277) ويونس ( 10/9) ، وهود ( 11/23) ، والكهف : ( 18/30، 107) ، ومريم : ( 19/96) ، ولقمان : ( 31/8) ، وفصلت : ( 41/8) ، والبروج : ( 85/11) . والبينة : ( 98/7) .
( [6]) كما في صحيح البخاري : ( 1/8-9، 8/14، 9/20) ، ومسلم : ( 1/48) ، والترمذي : ( 10/91) ، والمصابيح : ( 1/3) ، ببعض اختلاف . وقد أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه ، كما في الفتح الكبير : ( 2/49) ، وأبو داود كما في هداية الباري ( 1/323) وانظر : سننه ( 4/198) .
( [7]) اقتباس من سورة الأنعام : ( 6/132) ، والأحقاف : ( 46/19) .
( [8]) كما في صحيح مسلم : ( 1/46) ، والمصابيح ( 1/3) ببعض اختلاف ، وورد في مسلم أيضاً مختصراً كما ورد في البخاري بلفظ ( وستون) . وقد أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه . انظر : الجامع الصغير ( 1/122) ، والفتح الكبير ( 1/510) وهداية الباري ( 1/280) وسنن أبي داود ( 4/219) .
( [9]) المروي –باختلاف أو اختصار- من طريق أبي هريرة : في صحيح البخاري ( 1/15، 6/115) ، ومسلم ( 1/30-31) ومسند أحمد ، وسنن ابن ماجه ، ومن طريق عمر : في صحيح مسلم ( ص29) . والمصابيح ( 1/3) ، وسنن أبي داود ( 4/224) ، والترمذي والنسائي وشعب الإيمان للبيهقي . انظر : الجامع الصغير ( 1/123) ، والفتح الكبير ( 1/509-510) وهداية الباري ( 2/125) .
( [10]) كما في صحيح البخاري : ( 1/8) ومسلم : ( 1/49) والمصابيح ( 1/3) وهداية الباري : ( 2/308) ومسند أحمد وسنن النسائي وابن ماجه . كما في الجامع الصغير : ( 2/302) والفتح الكبير ( 3/35) . وقد أخرجه البخاري أيضا- من طريق أبي هريرة- باختصار من آخره ، وزيادة في أوله .
( [11]) والمصابيح ( 2/115) ومسند أحمد ، وسنن الترمذي وابن ماجه انظر: صحيح البخاري ( 1/8) ، ومسلم ( 1/49) – وقد ورد في لفظ ( أو لجاره) . وهداية الباري ( 2/308) ، والجامع الصغير ( 2/253) ، والفتح الكبير ( 3/351) .
( [12]) ( 1/46) ، والترمذي ( 10/61) والمصابيح : ( 1/3) ، ومسند أحمد كما في الجامع الصغير : ( 2/17) والفتح الكبير : ( 2/108) . وقوله ( نبيا) لفظ الترمذي . ولفظ مسلم وغيره : ( رسولا) .
( [13]) هذه الزيادة منه .
( [14]) عبارة الأصل : ( ... لك الإسلام ووفقك له واصطفاك له واصطفاه لك) . والظاهر أن أصلها ما أثبتنا ، وهو الملائم للسابق واللاحق.
( [15]) في الأصل : "رسولاً منهم" ؛ وهو اشتباه بآية الجمعة ( 62/2) .
( [16]) في سورة القلم : ( 68/4) .
( [17]) بالأصل : "فاتبعون" ، وهو خطأ وتحريف .
( [18]) 1/47، والمصابيح ، ( 1/4) ؛ ومسند أحمد ، وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه كما في الجامع الصغير : ( 2/86) ، والفتح الكبير : ( 2/300) . وفي بعض الروايات بلفظ : ( أحداً غيرك) .
( [19]) بالأصل : "والمؤفت" ؛ وهو خطأ وتصحيف . وهذا الحديث أخرجه الشيخان باختلاف كبير- من طرق مختلفة عن ابن عباس وأخرجه عنه الترمذي والنسائي، كما في هداية الباري : ( 1/7) كما أخرجه عنه مختصراً أبو داود في السنن : ( 4/219) ، والبغوي في المصابيح : ( 1/4) وأخرجه مسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري فانظر : صحيح البخاري ( 1/16 و8/41 و9/90 و160) ومسلم ( 1/35) – ( 37) والفتح الكبير ( 1/12-13) .
( [20]) 4/220 والمصابيح ( 1/5) والأحاديث المختارة للضياء المقدسي، كما في الجامع الصغير : ( 2/160) والفتح الكبير 3/149) . وأخرج أحمد والترمذي –عن معاذ بن أنس مثله . وهو ضعيف كما قال المناوي في فيض القدير .
قلت صححه السيوطي في الجامع وحسنه الأرنؤط في تعليقه على جامع الأصول 1/239) ( الناشر) .
( [21]) بلفظ : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن) إلخ.. وقد أخرجه أيضاً عنه أحمد والحاكم وابن حبان ، وعن وائلة الطبراني الكبير. وأخرجه باختلاف وزيادة في آخره عنه أيضاً . فانظر : الجامع الصغير ( 2/183، 185) والفتح الكبير ( 3/251، 257) وفيض القدير ( 6/252-253و270) .
( [22]) كما هو ثابت عنه بسند جيد ، وروى بمعناه –من طريق أنس مرفوعاً -: في تاريخ بغداد لابن النجار ، ومسند الفردوس للديلمي وهو منكر أو ضعيف . انظر : الجامع الصغير ( 2/132) ، والفتح الكبير ( 3/57)، وفيض القدير ( 5/355-356) .
( [23]) كما في صحيح البخاري : ( 1/12-13) ، وسنن أبي داود ( 4/220).
( [24]) في الأصل : "وإن" بكسر الهمزة وهو خطأ . ولعل الزيادة سقطت من الناسخ ، أو لعل الواو زيادة منه . وما في الأصل يصح مع فتح الهمزة . ولكن الأولى ما أثبتناه .
( [25]) انظر : حديث أبي سعيد الخدري ، المذكور في صحيح البخاري ( 1/9 و8/115) مسلم ( 1/117-118) ، والفتح الكبير ( 3/321-422). وحديث أنس المذكور في صحيح مسلم ( 1/125-127) .
( [26]) الرواية : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد) . فما في الأصل روعي فيه المعنى المراد . وهذا الحديث أخرجه أحمد مع الستة عن أبي هريرة ، ومعهم- ماعدا الترمذي- عن عمرو بن العاص وأخرجه البخاري عن أبي سلمة. انظر : صحيح البخاري ( 9/108) ومسلم ( 5/135) ، وسنن أبي داود ( 3/299) ، والجامع الصغير ( 1/23) ، والفتح الكبير ( 1/102-103) وهداية الباري ( 1/9) .
( [27]) هذا الحديث أخرجه البخاري وأحمد ، بلفظ : ( إذا مرض العبد أو سافر) مع اختلاف في سائره ، وأخرجه أبو داود بمعناه . ولا ذكر له في صحيح مسلم ، ولم يشر أحد إلى روايته له . فانظر : صحيح البخاري ( 3/221) ، والجامع الصغير ( 1/34) ، والفتح الكبير ( 1/155) وهداية الباري : ( 1/68) وفيض القدير ( 1/444) .
( [28]) بالأصل : "ليزداد" ، وهو سبق قلم من الناسخ .
( [29]) هذا مأخوذ من بعض ما ورد في حديث جبريل الذي تقدم بعضه .
( [30]) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : ( مشغولاً) ، وهو تحريف.
( [31]) اقتباس من سورة المائدة : ( 5/113) .
( [32]) الرواية : ( تسعاً) . وهذا الحديث أخرجه عن طريق أبي هريرة –باختلاف أو زيادة أو اختصار- الشيخان والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، وأبو نعيم في الأسماء الحسنى ، وكل من أبي الشيخ وابن مردوية في التفسير . وأخرج من طريق علي في الحلية . ومن طريق عمر في تاريخ ابن عساكر ، وأخرجه النسائي كما في هداية الباري ( 1/200) والبغوي في المصابيح : ( 1/19) وراجع : صحيح البخاري ( 1/198، و8/97 و9/118) ومسلم ( 8/63) والجامع الصغير ( 1/93، 94) والفتح الكبير ( 1/406-408) .
( [33]) اقتباس بتقديم وتأخير ، من سورة فصلت ( 41/42) .
( [34]) كما في سورة البقرة ( 2/97) ، والنساء ( 4/82) ، والأنفال ( 8/2) ، ويونس ( 10/57) ، والإسراء ( 17/9، 82) ، والنمل ( 27/2، 77)، ويس ( 36/69-70) والجاثية ( 45/20) ، والأحقاف ( 46/30) ، والجن ( 72/1-2) .
( [35]) بالأصل : "به" وهو سبق قلم من الناسخ .
( [36]) بالأصل : "كانت" ، والزيادة من الناسخ . وهو اقتباس من سورة الأحزاب : ( 33/21) .
( [37]) اقتباس من سورة الحشر ( 59/7) .
( [38]) لعلها وسره .
( [39]) كما رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً ، عن طريق ضعيف أو حسن ورواه بلفظ : ( الدعاء هو العبادة) . أحمد وابن أبي شيبة ، والبخاري في الأدب المفرد ، والأربعة وابن حبان ، والحاكم-من طريق النعمان بن بشير . والقاضي أبو يعلى في المسند ، من طريق البراء بن عازب . كما في الجامع الصغير : ( 2/16) والفتح الكبير ( 2/115) وذكر اللفظين في المصابيح : ( 1/107) .
( [40]) رواه النسائي بإسناد جيد .
( [41]) كما أخرجه البخاري في التاريخ عن ثوبان ، والبزار عن بن عمر ، كما في الجامع الصغير ( 2/17) ، والفتح الكبير ( 2/117) . وأخرج من طريق تميم الداري –بزيادة مشهورة- : في صحيح مسلم ( 1/53) ، وسنن أبي داود ( 4/286) ، والمصابيح ( 2/115) وذكر نحوه : في صحيح البخاري ( 1/17) ، والشفا للقاضي عياض ( 2/27: ط الأستانة) .
( [42]) اقتباس من سورة النازعات : ( 79/40) .
( [43]) الحسن أو الصحيح عن أنس ، بدون زيادة : كما في المصابيح ( 1/5)، أو بزيادة مشهورة : كما في مسند أحمد وصحيح ابن حبان أو الضعيف عن ابن عمر ، بزيادة أخرى كما في معجم الطبراني الأوسط . انظر : الجامع الصغير ( 2/157)، والفتح الكبير ( 3/311) .
( [44]) كذا بالأصل . وهو صحيح بل الأكثر استعمالاً ، والوارد في قوله تعالى –في سورة الأنفال : (4Ózóstuﷺ ô`tB ¢Óyﷺ .`tã 7psYÍht/) ( 8/42) . وهو إدغام "حي" انظر المختار .
( [45]) بالأصل : "خبير" ، وهو سهو من الناسخ . وهذا اقتباس من سورة البقرة ( 2/265) .
( [46]) من سورة الأعراف : ( 7/202) .
( [47]) بالأصل : ( والمستجيبين) ، وهو خطأ وتخويف .
( [48]) لعل العبارة [إلى ما يدفعها] .
( [49]) كما يفيده حديث أبي ذر المذكور : في صحيح البخاري ( 7/149) ، ومسلم ( 1/66) والترمذي ( 10/113) ، والمصابيح ( 1/5). وحديثا جابر وابن مسعود المذكوران : في صحيح مسلم ( 1/65-66).
( [50]) كما في مسند أحمد ، وسنن الترمذي والنسائي ، والمستدرك للحاكم ، والشعب للبيهقي والأحاديث المختارة للضياء المقدسي- من طريق سعد- : باختلاف وزيادة انظر : الجامع الصغير ( 2/14) والفتح الكبير ( 2/112) .
( [51]) جمع ( مسرة) ما يسر به الإنسان ، كما في المصباح : ( 2/418) وعبارة الأصل : ( والسرور بالشكر) وأصلها ما ذكرناه ، أو ( بالسرور والشكر) على ما يظهر .
( [52]) هو : علقمة بن قيس النخمي ، كما في تفسير الطبري : ( 28/79-80 بولاق) ، وروي نحوه عن مقاتل بن حيان ، في تفسير الشوكاني : ( 5/231) .
( [53]) لم يرد في الأصل ذكر لجواب ( لو) والظاهر أنه حذف للعمل به ، أي : لكان ذلك أكبر داع للتمسك به والحرص عليه . وكثيراً ما يحذف لذلك ، ولتذهب النفس فيه كل مذهب كما في سورة الأنعام : ( 6/27 و30) ، والأنفال : ( 8/50) ، والسجدة : ( 32/12) ، وسبأ: ( 34/31، 35) .
( [54]) اقتباس من سورة يوسف ( 12/13) وجواب "لولا" قد حذف هنا أيضاً للعلم به ، أي لهلك أسفاً وحزناً ، كما حذف في آية القصص: ( 28/10) .
( [55]) اقتباس من سورة الأنفال : ( 8/42، 44) .
( [56]) راجع سورة طه ( 20/38-40) ، والقصص : ( 28/7-13) .
( [57]) قد أخرج أحمد في المسند ، والترمذي والحاكم والبغوي وغيرهم ، هذه الوصية بدون هذا القول وأخرجها أحمد- في كتاب الزهد على ما يظهر-متضمنة له . وقد رواه من طريق أبي هريرة-أبو القاسم بن بشران في أماليه ، والقضاعي في الشهاب ، وغيرهما. راجع نور الإقتباس ( شرح الوصية) لابن رجب ( ص5-9 و36 : ط. مصر) ، وسنن الترمذي ( 9/319-320) ، والمصابيح ( 2/130) . والجامع الصغير ( 1/130) ، والفتح الكبير ( 2/31، 3/400) ، وفيض القدير ( 3/51).
( [58]) المراد : آية البقرة ( 2/223) ، والتوبة ( 9/112) ، ويونس ( 10/87)، والصف ( 61/13) . وآية الأحزاب ( 33/47) .
( [59]) اقتباس من سورة الحديد ( 57/12) .
( [60]) كما في سورة البقرة ( 2/5) ، ولقمان ( 31/5) .
( [61]) كما في سورة الحجر ( 15/77) ، والعنكبوت ( 29/44) . وبالأصل : "لآيات" وهو خطأ ناشيء عن الاشتباه بآية الحجر ( 75) والمؤمنون ( 23/30) .
( [62])كما في سنن الترمذي ( 9/312-313) ، والمصابيح ( 2/120-121) ومسند أحمد ، وسنن ابن ماجه ، والأدب المفرد للبخاري –كما في الفتح الكبير ( 3/251) والجامع الصغير ( 2/184) –من طريق ابن عمر : باختلاف يسير وانظر فيض القدير ( 6/255-256) .
( [63]) بالأصل –في الموضعين- : ( كان) ، وهو تحريف والتصحيح من صحيح مسلم ( 8/272) ، والمصابيح ( 2/129-130) . وقد أخرجاه بزيادة من طريق صهيب . وأخرجه أحمد أيضاً ، كما في الجامع الصغير ( 2/57) ، والفتح الكبير ( 2/222) ،/ انظر فيض القدير ( 4/302).
( [64]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة .
( [65]) الترح ضد الفرح ، والهمَّ والفقر .
( [66]) هذه الزيادة عن المصابيح وقد أخرج هذا الحديث فيه ( 2/82-83)- من طريق أبي سعيد الخدري- بزيادة أخرى مفيدة ، هي : ( فإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان ، فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولو معروفكم المؤمنين) وأخرج مختصراً : في النهاية ( 1/2) . ولسان العرب ( 18/24) . وأخرج القسم الثاني منه : ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، وأبو يعلى في المسند ، والدليمي وابن المبارك في البر والصلة . انظر : الجامع الصغير ( 1/43) ، والفتح الكبير ( 1/192) وفيض القدير ( 1/538) و( الأجبة) : العروة تشد بها الدابة مثنية في الأرض.
( [67]) الذي أخرجه أحمد والبغوي مع الستة : من طريق أبي هريرة ، ومع البخاري والنسائي من طريق ابن عباس . باختلاف أو زيادة أو اختصار راجع : صحيح البخاري ( 3/136 و7/104 و9/157 و164) ، ومسلم ( 1/54-56) ، وسنن أبي داود ( 4/221) ، والترمذي ( 10/91-92) ، والفتح الكبير ( 3/363) ، والمصابيح ( 1/6)، وهداية الباري ( 2/316) .
( [68]) هذه الزيادة مفيدة ، ثابتة : في المصابيح ( 1/101) ، وغيره . والحديث أخرجه أحمد والستة : من هذا الطريق ، وأخرجه أبوداود والنسائي وابن ماجه : من طريق أنس باختلاف أو زيادة أو اختصار . انظر : صحيح البخاري ( 6/191-192 و198، و7/77 و9/161) ، ومسلم ( 2/194) ، وسنن أبي داود ( 4/259) ، والترمذي ( 10/308-309) ، والجامع الصغير ( 2/153) ، والفتح الكبير ( 3/130) ، وفيض القدير ( 5/454-455) ، وهداية الباري ( 2/238) .
( [69]) اقتباس من سورة النحل ( 16/88) .
( [70]) كما في المصابيح ( 2/130) بزيادة مشهورة ، وقد أخرجه- من طريق أبي هريرة مسلم ( 8/56) وأحمد بن ماجه كما في الفتح الكبير ( 3/250-251) .